- الخطب
- /
- ٠1خطب الجمعة
الخطبة الأولى:
الحمد لله نحمده، ونستعين به، ونسترشده، ونعوذ به من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشداً، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، إقراراً بربوبيته، وإرغاماً لمن جحد به وكفر، وأشهد أن سيدنا محمداً صلى الله عليه وسلم رسول الله، أدى الأمانة، وبلغ الرسالة، ونصح الأمة، وكشف الغمة، وجاهد في الله حقّ الجهاد، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات .
الإيمان بالسحر وقدرة الساحر على التنبؤ بالغيب عين الضلال والحمق :
أيها الأخوة الكرام، نتابع موضوع السحر الذي بدأته في الأسبوع الماضي، لكن ينبغي أن نحني جباهنا ذلاً وشكراً لله جلّ جلاله أن جعلنا موحدين، نعلم يقيناً أن الأمر كله بيد الله، وأن الملك لله، وأنه لا نافع ولا ضار إلا الله، ولا معطي ولا مانع إلا الله، ولا معز ولا مذل إلا الله، وما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن:
﴿ فَلَا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ فَتَكُونَ مِنَ الْمُعَذَّبِينَ ﴾
وأنه لا يقع شيء في هذا الكون كله إلا بأمره، وتحت سمعه وبصره، بل ما من ورقة تسقط من شجرة في هذا الكون إلا يعلمها، ويعلم ما في البر والبحر، ولا تخفى عليه خافية، هذا هو التوحيد، وما تعلمت العبيد أفضل من التوحيد، والإيمان بالسحر وقدرة الساحر على التنبؤ بالغيب، وتوهم المتوهم أن الساحر يوفق بين المرء وأهله، وأنه يزيد في الرزق، فهذا عين الضلال، وعين الحمق، وعين الغباء، وما عالجت هذا الموضوع ترفاً إلا لانتشار هذه الظاهرة في المجتمعات الإسلامية، أكثر من يعانون ما يعانون من عدم استقامتهم يلجؤون إلى كاهن أو ساحر، وقد يكون في العالم الإسلامي على شكل شيخ، يتعاون مع الجن ويبتز، وقد ينتهك الأعراض، هذه الحقيقة المرة، ولولا انتشار هذه الظاهر في العالم الإسلامي لما آثرت طرح هذا الموضوع.
ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن :
أيها الأخوة، يقول الله عز وجل:
﴿ وَعِندَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لاَ يَعْلَمُهَا إِلاَّ هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِن وَرَقَةٍ إِلاَّ يَعْلَمُهَا وَلاَ حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الأَرْضِ وَلاَ رَطْبٍ وَلاَ يَابِسٍ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ ﴾
نحن كمؤمنين نعلم يقيناً أنه لا تستطيع قوة على ظهر الأرض أن تضر، أو أن تنفع، إلا بإذن الله جلّ وعلا، والأصل في هذا كله قول الله عز وجل بنص الآية الكريمة من أجل أن ترتاح القلوب وأن تطمئن النفوس، قال تعالى:
﴿وَمَا هُم بِضَآرِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلاَّ بِإِذْنِ ﴾
والقضية على الشكل التالي وحوش مخيفة، قاتلة، جائعة، لكنها مربوطة بأزمة محكمة بيد جهة قوية، عادلة، رحيمة، علاقتك ليس مع الوحوش، ولكن مع من يمسكها، فإذا قصرت لا سمح الله ولا قدر أو أسأت أو عصيت أرخى حبل أحد الوحوش:
﴿ وَمَا هُم بِضَآرِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلاَّ بِإِذْنِ ﴾
دليل آخر:
﴿ فَكِيدُونِي جَمِيعًا ثُمَّ لاَ تُنظِرُونِ * إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللّهِ رَبِّي وَرَبِّكُم مَّا مِن دَآبَّةٍ إِلاَّ هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ ﴾
فما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن.
تعلق إرادة الله عز وجل بالحكمة المطلقة :
كل شيء وقع أراده الله، لحكمة بالغة بالغة بالغة عرفها من عرفها، وجهلها من جهلها، وكل شيء أراده الله وقع، وإرادة الله متعلقة بالحكمة المطلقة، و الحكمة المطلقة متعلقة بالخير المطلق:
﴿ قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ ﴾
لم يقل والشر، لأن النبي عليه الصلاة والسلام يقول :
(( والشَّرُّ لَيسَ إليكَ ))
بيدك الخير، إيتاء الملك خير ونزع الملك خير، لكن نزع الملك نعمة باطنة، والإعزاز خير والإذلال خير لكنه نعمة باطنة:
﴿ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً ﴾
من توكل عليه كفاه ومن اعتصم به نجاه ومن فوّض إليه الأمر هداه :
أيها الأخوة، لو اجتمع سحرة أهل الأرض لا يستطيعون أن يؤثروا بسحرهم في مخلوق واحد إلا بإذن الله، علاقتك مع الله، اجعل الهموم هماً واحداً يكفك الهموم كله، اعمل لوجه واحد يكفك الوجوه كلها، وجِّه قلبك إلى ملك الملوك ومالك الملوك، إلى جبار السماوات والأرض، وتوكل عليه، وثق به، فهو المرتجى والملاذ، ولا حول ولا قوة إلا به، من توكل عليه كفاه، ومن اعتصم به نجاه، ومن فوّض إليه الأمر هداه، قال تعالى:
﴿ أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ ﴾
(( ما من عبد يعتصم بي دون خلقي أعرف ذلك من نيته، فتكيده السماوات بمن فيها إلا جعلت له من بين ذلك مخرجاً، وما من عبد يعتصم بمخلوق دوني أعرف ذلك من نيته إلا قطعت أسباب السماوات بين يديه ))
يا صاحب الهم إن الهم منفرج ابشر بخير فإن الفارج الله
كن عن همومك معرضا وكل الأمور إلى القضا
وابشر بخيــر عاجل تنسى به ما قـد مضى
فلرب أمر مسخـط لك في عواقبـــه رضا
ولربما ضاق المضيـق ولربما اتســع الفضا
اللـــه يفعل ما يشاء فلا تكـــن معترضا
الله عودك الجميـــل فقس على ما قد مضى
* * *
يروي الإمام ابن الجوزي ـ رحمه الله تعالى ـ قال: "حكي عن بعض السلف أنه قال لتلميذه: ما تصنع بالشيطان إذا سول لك الخطايا؟ قال التلميذ: أجاهده .قال الشيخ : فإن عاد؟! قال: أجاهده .قال الشيخ: فإن عاد؟! قال: أجاهده .فقال الشيخ: هذا يطول يا بني ولكن إن مررت بغنم فنبحك كلبها أو منعك من العبور فماذا تصنع؟ قال: أجاهده قال: يا بني هذا أمر يطول، استعن برب الغنم يكفك كلابه".
إذا كان الله معك فمن عليك؟ وإذا كان عليك فمن معك؟ ماذا وجد يا رب من فقدك؟ وماذا فقد من وجدك؟
استعن بالله أيها الحبيب والجأ إليه، فهذا هو الحصن الحصين، والملاذ المكين، ولما كان الله هو خالقنا ومربينا ومسيرنا فلنتحصن به، هو الذي يعلم ضعفنا وعجزنا.
طريق للوقاية من السحر ومسّ الجن :
1 ـ تحقيق التوحيد لله العزيز الحميد وإخلاص العبودية له:
أيها الأخوة، إن أعظم طريق للوقاية من السحر ومس الجن أولاً:
تحقيق التوحيد لله العزيز الحميد، وإخلاص العبودية له، والتوكل عليه، فقلب الموحد قد أشرق فيه مصباح التوحيد، وأزهر فيه نور الإيمان، ومن ثم يخرج منه الخوف من كل أحد إلا من الله عز وجل، بل لا ينفرد بالمحبة والخوف إلا لله عز وجل، صاحب هذا القلب في جنة:
﴿ وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ ﴾
قال علماء التفسير: جنة في الدنيا وجنة في الآخرة.
يقول بعض العلماء: ماذا يفعل أعدائي بي؟ بستاني في صدري، إن أبعدوني فإبعادي سياحة، وإن حبسوني فحبسي خلوة، وإن قتلوني فقتلي شهادة، فماذا يفعل أعدائي بي؟ لذلك في الدنيا جنة، جنة التوحيد، من لم يدخلها لم يدخل جنة الآخرة، وقد قال تعالى:
﴿ وَيُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ عَرَّفَهَا لَهُمْ ﴾
عرّفها لهم في الدنيا، ذاقوا طعمها في الدنيا، إنه التوحيد، أمرك بيد واحد، صحتك بيده، زوجتك بيده، أولادك بيده، رزقك بيده، من فوقك بيده، من تحتك بيده، من حولك بيده، هذا هو التوحيد.
مرة دخلت إلى مسجد فإذا لوحة تكاد تحتل مقدمة المسجد، تقرأ هذه اللوحة يقشعر جلدك هي آية كريمة:
﴿ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ ﴾
هذا الذي تخافه هو في قبضة الله، هذا الذي تخشاه هو في قبضة الله:
كن مـع الله ترّ الله معك واتـرك الكل وحاذر طمعك
و إذا أعطـاك من يمنعه ثم من يعطـي إذا ما منعك
* * *
2 ـ قوة الإيمان في القلب :
أيها الأخوة، إن قوة الإيمان في القلب تضعف الشيطان، وكلما زاد إيمان العبد ضعف تسلط الشيطان عليه، دققوا في قوله تعالى:
﴿ إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطَانُ بِبَعْضِ مَا كَسَبُوا ﴾
عصى، قصر، حجب، فاستزله الشيطان أي جعله يذل، يروى أنه كانت شجرة تُعبد من دون الله، فجاء إليها رجل فقال: لأقطعن هذه الشجرة، فجاء ليقطعها غضباً لله فلقيه إبليس في صورة إنسان قال: ما تريد؟ قال: أريد أن أقطع هذه الشجرة التي تُعبد من دون الله. فقال: إذا أنت لم تعبدها فما يضرك من عبدها؟ ـ الآن أكثر الكلام يقال: دعك من الناس ينبغي ألا يعنيك أمرهم، دعك منهم ـ فقال : لأقطعنها، فقال له الشيطان: هل لك فيما هو خير لك، لا تقطعها ولك ديناران كل يوم إذا أصبحت تجد الدينارين تحت وسادتك، قال: فمن أين لي بذلك؟ قال: أنا لك، فرجع فأصبح فوجد دينارين عند وسادته، ثم أصبح بعد ذلك فلم يجد شيئاً، فقام غضباً ليقطعها فتمثل له الشيطان قال: ما تريد؟ قال: أريد قطع هذه الشجرة التي تعبد من دون الله تعالى. قال: كذبت مالك إلى ذلك سبيل، فذهب ليقطعها فضرب به الأرض وخنقه حتى كاد أن يقتله، قال : أتدري من أنا؟ أنا الشيطان جئت أول مرة غضباً لله فلم يكن لي عليك سبيل، فخدعتك بالدينارين فتركتها، فلما جئت غضباً للدينارين سلطت عليك.
أنت حينما تقاتل من أجل الدنيا، لا تستطيع أن تفعل شيئاً، أما حينما تغضب لله أنت أقوى إنسان، لذلك قال تعالى:
﴿ إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ*إِنَّمَا سُلْطَانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَالَّذِينَ هُمْ بِهِ مُشْرِكُونَ﴾
فالشيطان لا سلطان له على المؤمن:
﴿ إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ ﴾
أنت في حصن حصين، أنت بالتوحيد في حصن حصين، أنت بالاستقامة في حصن حصين.
3 ـ كثرة ذكر الله:
أيها الأخوة، كثرة ذكر الله تضعف الشيطان، وتقوي الإيمان، وترضي الرحمن، وهي الركن الركين، والحصن الحصين الذي يتحصن به الإنسان من الشيطان الرجيم:
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا ﴾
لذلك في الصحيحين أن النبي عليه الصلاة والسلام قال :
(( مَثَل الذي يذكر ربه والذي لا يذكره مثل الحي والميت ))
أنت حينما توحد، وحينما تستقيم، وحينما تكثر من ذكر الله، ليس للشيطان إليك سبيل، الحديث اليوم عن المعالجة، وعن الوقاية، لذلك قال النبي في حديث طويل:
(( .... لا تجعلوا بيوتكم مقابر، إن الشيطان يفر من البيت الذي تُقرأ فيه سورة البقرة))
لذلك إذا دخل الرجل إلى بيته فلم يسلم قال الشيطان لإخوانه: أدركتم المبيت، طوال الليل مشاكل، وإذا جلس إلى الطعام ولم يسمِ قال الشيطان: أدركتم العشاء، أيضاً لا يوجد بركة في الطعام، الآن دخل ولم يسلم، أكل ولم يسمِ قال الشيطان لإخوانه: أدركتم المبيت والعشاء معاً.
هناك بيت كله مشاكل، سباب، ضرب، لعن، شتم، خصومة، عداء، قطيعة، قد تستمر شهراً، هذا من عمل الشيطان، ابحث عن المعصية، كيف أن ضباط الأمن الجنائي في أية جريمة يبحثون عن المرأة التي قد تكون وراء هذه الجريمة، أنا أقيس عليها ابحث عن المعصية:
((ما تواد اثنان، ففرق بينهما إلا بذنب يحدثه أحدهما ))
لذلك التوحيد، الاستقامة، كثرة ذكر الله، ورد في بعض الأحاديث أنه :
(( من أكثر ذكر الله فقد برئ من النفاق ))
(( برئ من الشح من أدى زكاة ماله ))
(( وبرئ من الكبر من حمل حاجته بيده ))
لذلك:
(( .... لا تجعلوا بيوتكم مقابر، إن الشيطان يفر من البيت الذي تُقرأ فيه سورة البقرة))
ولكن قد ينصح بعض الدعاة من مسهم الشيطان بقراءة البقرة، ينبغي أن تقرأ بقلب حاضر لا بقلب ميت.
4 ـ قراءة آية الكرسي:
رابعاً: قراءة آية الكرسي إذا أويت إلى فراشك، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال:
((وكلني رسول الله صلى الله عليه وسلم بحفظ زكاة رمضان فأتاني آتٍ فجعل يحثو من الطعام فأخذته، وقلت: والله لأرفعنك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إني محتاج وعليّ عيالٌ، ولي حاجة شديدة قال: فخليتُ عنه فأصبحتُ فقال النبي عليه الصلاة والسلام: (( يا أبا هريرة ما فعل أسيرك البارحة؟)). وكله النبي بحفظ أسير عنده، قال : قلت يا رسول الله شكا حاجة شديدة وعيالاً فرحمته فخليت سبيله. قال : (( أما إنه قد كذبك وسيعود )). فعرفت أنه سيعود لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم إنه سيعود فرصدته، فجعل يحثو من الطعام فأخذته فقلت: لأرفعنك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: دعني فإني محتاج وعليّ عيال، لا أعود. فرحمته فخليت سبيله فأصبحت، فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( يا أبا هريرة ما فعل أسيرك؟)). قلت : يا رسول الله شكا حاجة شديدة وعيالاً فرحمته فخليت سبيله. قال: (( أما قد كذبك وسيعود )). فرصدته الثالثة فجعل يحثو من الطعام فأخذته .فقلت: لأرفعنك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهذا آخر ثلاث مرات تزعم أنك لا تعود ثم تعود. قال دعني أعلمك كلمات ينفعك الله بها. قلت ما هن؟ قال: إذا أويت إلى فراشك فاقرأ آية الكرسي ((اللّهُ لاَ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ )) حتى تختم الآية، فإنك لن يزال عليك من الله حافظ ولا يقربنك شيطان حتى تصبح. فخليت سبيله، فأصبحت فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ما فعل أسيرك البارحة؟)). قلت: يا رسول الله زعم أنه يعلمني كلمات ينفعني الله بها فخليت سبيله. قال: ((ما هي؟)) قلت: قال لي: إذا أويت إلى فراشك فاقرأ آية الكرسي من أولها حتى تختم الآية، وقال لي: لن يزال عليك من الله حافظ، ولا يقربنك شيطان حتى تصبح، فقال النبي عليه الصلاة والسلام: (( أما إنه قد صدقك وهو كذوب، تعلم من تخاطب مُذ ثلاث ليال يا أبا هريرة؟ قال: لا قال: ((ذاك شيطان))
يبدو أن آية الكرسي بنص حديث رسول الله الصحيح تبعدك عن وساوس الشيطان، وعن الكوابيس، والمنامات المزعجة، والخوف، والقلق، والإحباط، والتشاؤم، لكن بمعناها، الله لا إله إلا هو، لا يوجد غيره، هو الغني، هو الرحيم، هو الرزاق:
﴿ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ ﴾
لا يؤثر شيء في شيء إلا بإذن الله، سلباً أو إيجاباً:
﴿ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَلَا يَئُودُهُ حفظيهما وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ ﴾
5 ـ قراءة الآيتين الأخيرتين من سورة البقرة :
أيها الأخوة، ومن نصائح النبي عليه الصلاة والسلام قراءة الآيتين الأخيرتين من سورة البقرة:
﴿ آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ﴾
6 ـ قراءة المعوذات:
أيضاً سادساً: قراءة المعوذات، ففي صحيح البخاري عن عائشة:
(( أن النبي كان إذا أوى إلى فراشه كل ليلة جمع كفيه ثم نفث فيهما فقرأ فيهما: {قل هو الله أحد} وقل: {أعوذ برب الفلق} و{قل أعوذ برب الناس} ثم يمسح بهما ما استطاع من جسده يبدأ بهما على رأسه ووجهه، وما أقبل من جسده، يفعل ذلك ثلاث مرات))
وعن عبد الله بن خبيب ـ رضي الله عنه ـ قال:
(( خرجنا في ليلة مطيرة وظلمة شديدة نطلب رسول الله صلى الله عليه و سلم يصلي لنا، قال: فأدركته، فقال: قل: فلم أقل شيئاً، ثم قال: قل: فلم أقل شيئاً، قال: قل: قلت ما أقول؟ قال: قل هو الله أحد، الله الصمد، لم يلد ولم يولد، لم يكن له كفواً أحد، والمعوذتين، حين تمسي وتصبح ثلاث مرات يكفك من كل شيء ))
وفي رواية:
(( ما تعوذ الناس بأفضل منها ))
وعن عقبة بن عامر ـ رضي الله عنه ـ قال:
(( بينا أنا أقود برسول الله صلى الله عليه وسلم راحلته في غزوة إذ قال: (( يا عقبة قل )) فاستمعت، ثم قال: (( يا عقبة قل )) فاستمعت، فقالها الثالثة: فقلت: ما أقول؟ فقال: (( قل هو الله أحد)) فقرأ السورة حتى ختمها، ثم قرأ: (( قل أعوذ برب الفلق )) وقرأت معه حتى ختمها ثم قرأ: ((قل أعوذ برب الناس )) فقرأت معه حتى ختمها ثم قال: (( ما تعوذ بمثلهن أحدٌ))
إلا بالمعنى الدقيق وقاه الله من كل شر، وفي صحيح مسلم أن النبي عليه الصلاة والسلام :
(( من قال : لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير في يوم مئة مرة كانت له عدل عشر رقاب، وكتبت له مئة حسنة، ومُحيت عنه مئة سيئة، وكانت له حرزاً من الشيطان يومه ذلك حتى يمسي، ولم يأت أحد بأفضل مما جاء به إلا أحد عمل أكثر من ذلك ))
أيها الأخوة، هذه بعض توجيهات النبي عليه الصلاة والسلام في مواجهة وساوس الشيطان، وفي مواجهة السحرة والكهان، وفي مواجهة العرافين والكذابين، ما ذكرت هذه الخطبة إلا لكثرة ما انتشر بين المسلمين من لجوء الجاهلات الغافلات، ولجوء الجاهلين والغافلين إلى العرافة، والسحرة، والمشعوذين، وقد ذكرت لكم في الخطبة السابقة قصة تقشعر منها الأبدان عن هذا الذي انتهك أعراض مئات النساء، وصورهن باسم فك السحر والشعوذة وما إلى ذلك.
وأخيراً..
أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم لي ولكم فاستغفروه يغفر لكم، فيا فوز المستغفرين، أستغفر الله.
***
الخطبة الثانية:
الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله ولي الصالحين، وأشهد أن سيدنا محمد عبده ورسوله، صاحب الخلق العظيم، اللهم صلِّ وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .
لا يخافن العبد إلا ذنبه ولا يرجون إلا ربه :
أيها الأخوة، كلمتان لا ثالث لهما تجمع كل أنواع التوحيد، لا يخافن العبد إلا ذنبه، لا تخف من القوي إنه بيد الله، لا تخف من طاغية إنه بيد الله، لا تخف من شح الأمطار إنها بيد الله، لا تخف من عقوق الولد إنه بيد الله، لا تخف من نشوز الزوجة إنها بيد الله، لا تخف من ظلم الشريك إنه بيد الله، لا يخافن العبد إلا ذنبه، خف من ذنبك، ذنبك يسبب لك كل المتاعب، لا يخافن العبد إلا ذنبه ولا يرجون إلا ربه، والله كلمتان قليلتان خفيفتان، تزن الواحدة منها جبالاً، لا يخافن العبد إلا ذنبه، لا تخف من أحد كل أحد بيد الله، لا تخف من قوي، ولا من طاغية، ولا من ظالم، ولا من عدو، خف من الله وحده، إذا خفت من الله لم يخفك من أحد غيره، من هاب الله هابه كل شيء ومن لم يهب الله أهابه الله من كل شيء، لا يخافن العبد إلا ذنبه، ولا يرجون إلا ربه.
كلمتان احفظهما، لا تخف، كل ما ترى من مصائب بيد الله، كل ما ترى من ظلم الأقوياء بيد الله، كل ما ترى من ظغيان الطغاة بيد الله، لا يخافن العبد إلا ذنبه، ولا يرجون إلا ربه .
دعاء الختام ..
اللهم اهدنا فيمن هديت، وعافنا فيمن عافيت، وتولنا فيمن توليت، وبارك لنا فيما أعطيت، وقنا واصرف عنا شر ما قضيت، فإنك تقضي بالحق، ولا يقضى عليك، وإنه لا يذل من واليت، ولا يعز من عاديت، تباركت ربنا وتعاليت، ولك الحمد على ما قضيت، نستغفرك و نتوب إليك، اللهم اهدنا لصالح الأعمال لا يهدي لصالحها إلا أنت، اللهم اهدنا لأحسن الأخلاق لا يهدي لأحسنها إلا أنت، اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا، وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا، وأصلح لنا آخرتنا التي إليها مردنا، واجعل الحياة زاداً لنا من كل خير، واجعل الموت راحة لنا من كل شر، مولانا رب العالمين، اللهم اكفنا بحلالك عن حرامك، وبطاعتك عن معصيتك، وبفضلك عمن سواك، اللهم بفضلك ورحمتك أعلِ كلمة الحق والدين، وانصر الإسلام، وأعز المسلمين، انصر المسلمين في كل مكان، وفي شتى بقاع الأرض يا رب العالمين، اللهم أرنا قدرتك بأعدائك يا أكرم الأكرمين.