وضع داكن
18-01-2025
Logo
الدرس : 51 - سورة آل عمران - تفسير الآيات 172 – 175 الابتلاء والمحن من أجل التضرع إلى الله
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 
الحَمدُ لِلَّه ربِّ العالمينَ، والصّلاة والسّلام على سيِّدنا محمد، الصّادقِ الوَعدِ الأمين، اللهُمَّ لا عِلمَ لنا إلا ما علّمْتَنا، إنّك أنت العليمُ الحكيمُ، اللهمَّ علِّمنا ما ينفعُنا، وانفعْنَا بما علَّمْتَنا، وزِدْنا عِلْماً، وأرِنَا الحقَّ حقًّا وارْزقْنَا اتِّباعه، وأرِنَا الباطِلَ باطلاً وارزُقْنا اجتِنابَه، واجعَلْنا ممَّن يسْتَمِعونَ القَولَ فيَتَّبِعون أحسنَه، وأَدْخِلْنَا برَحمَتِك في عبادِك الصَّالِحين.
 أيها الإخوة الكرام، مع الدرس الواحد والخمسين من دروس سورة آل عمران، ومع الآية الثانية والسبعين بعد المائة، وهي قوله تعالى:

﴿ ٱلَّذِينَ ٱسۡتَجَابُواْ لِلَّهِ وَٱلرَّسُولِ مِنۢ بَعۡدِ مَآ أَصَابَهُمُ ٱلۡقَرۡحُۚ لِلَّذِينَ أَحۡسَنُواْ مِنۡهُمۡ وَٱتَّقَوۡاْ أَجۡرٌ عَظِيمٌ (172)﴾

[ سورة آل عمران ]


الَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ مِنْ بَعْدِ مَا أَصَابَهُمْ الْقَرْحُ


التضرع إلى الله عقب المصيبة :

 شيء رائع أن تستجيب لله عَقِب مشكلة ألمّت بك، معنى ذلك أنك فهمت على الله، أنّ هذه المشكلة لم تكن صدفة، ولكنها كانت بتقدير عزيز حكيم، مُربٍّ رحيم، والذي تأتيه المصيبة، ولا يفهمها، لا يفهم حقيقتها، لا يفهم باعثها، لا يفهم من قدّرها عليه، فمصيبته في نفسه أكبر، هو المصيبة، من لم تُحدِث المصيبة في نفسه موعظة فمصيبته في نفسه أكبر بكثير، لذلك لو دخلت إلى مسجد لا تبالغ، فقد يكون تسعة أعشار الحاضرين التجؤوا إلى الله، وأقبلوا عليه، واصطلحوا معه عقب تدبير إلهي حكيم، عقب تدبير تربوي، وإن الله رحيم، والرحيم لا يحصي على الطرف الآخر أخطاءه، لكنه يعالجه.

الابتلاء والمحن من أجل التضرع :


 لا بد من مثل أضربه كثيراً، لو أنك مدير مؤسسة، وعيّنت موظفاً، واشترطت عليه أن هناك مدة للتجريب، فإما أن تفصله وإما أن تقبله، المدير في هذه المدة مهمته إحصاء الأخطاء، فإذا بلغت حداً غير معقول صرفه، واستبدل به آخر، لو أن هذا الموظف هو ابنه، مهمة المدير حينئذ ليست إحصاء الأخطاء، ولكنها معالجة الأخطاء، فكلما أخطأ -بدافع رحمة- يأتي به، يوضّح له، ينبّهه، يبيّن له الصواب، هذا شأن الرحيم، شأن القوي إحصاء الأخطاء، شأن الرحيم معالجة الأخطاء، فالإنسان لو أن الله كلّفه حمْلَ الأمانة، نصَبَ له الكون دالاً عليه، وعلى كماله، وعلى وحدانيته، وعلى وجوده، أرسل له الأنبياء والكتب، وأعطاه عقلاً، وأعطاه فطرة، وأعطاه اختياراً، وأعطاه شهوة، وأعطاه كل حاجاته للتكليف، وانتهى الأمر، لوجدت أن معظم الناس استحقوا النار أبداً مؤبداً، لكن الله يسوق لبعض الخلائق شدة، يُقتّر عليهم في الرزق أحياناً، يسوق لهم بعض الشدائد، يصيبهم بالجفاف أحياناً، يصيبهم بحكم قاهر أحياناً، قال تعالى: 

﴿ قُلْ هُوَ ٱلْقَادِرُ عَلَىٰٓ أَن يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِّن فَوْقِكُمْ أَوْ مِن تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعًا وَيُذِيقَ بَعْضَكُم بَأْسَ بَعْضٍ ۗ ٱنظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ ٱلْآيَٰتِ لَعَلَّهُمْ يَفْقَهُونَ(65)﴾

[ سورة الأنعام ]

 هذا كله من أجل التربية، هناك دليل أقوى، قال تعالى: 

﴿ ظَهَرَ ٱلْفَسَادُ فِى ٱلْبَرِّ وَٱلْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِى ٱلنَّاسِ لِيُذِيقَهُم بَعْضَ ٱلَّذِى عَمِلُواْ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ(41)﴾

[ سورة الروم ]

 لا يمكن أن يكون هناك فساد من قِبَل الله عز وجل، كماله مطلق، فكل شيء يُسيِّره الله عز وجل كمال مطلق.
 مثلا: مجتمع النحل أرقى مجتمع في الوجود، لأن في مجتمع النحل العلاقات فيما بين النحلات بأمر تكويني، لا بأمر تكليفي، النحلة ليست مُكلَّفة، لكنها مسيَّرة أن تكون منظمة، هناك أشياء مدهشة في النحل، التكافل، النظام، نحلة لكلمة السر، نحلات للتهوية، نحلات وصيفات للملكة، نحلات يستكشفن مواقع الزهر، لو درست مجتمع النحل لذُهِلت، الملكة واحدة لو ادّعت المُلك ملكة أخرى تُقتل، نظام ما بعده نظام، لكن هذا نظام بأمر تكويني، فكماله مطلق، لكن مجتمع البشر نظامهم بأمر تكليفي، بعضهم يطيع، وبعضهم لا يطيع، فالشيء الذي من فعل الله مباشرة كماله مطلق، لذلك قال تعالى: ﴿ظَهَرَ ٱلْفَسَادُ فِى ٱلْبَرِّ وَٱلْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِى ٱلنَّاسِ﴾ وهذه الباء للسبب، ﴿بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِى ٱلنَّاسِ﴾ لماذا؟ قال: ﴿لِيُذِيقَهُم بَعْضَ ٱلَّذِى عَمِلُواْ﴾ شاءت حكمة الله أن يذوق هؤلاء البشر نتائج فسادهم، وكان من الممكن ألاّ يذوقوا نتائج الفساد.
مرض الإيدز مثلا، هذا ظهر من الشذوذ تقريباً في الدرجة الأولى، كان من الممكن أن يكون هناك انحلال أخلاقي، وإباحية وشذوذ، يكتفي الرجال بالرجال، والنساء بالنساء، ولا يكون هذا المرض، ولكن هذا المرض شاءته حكمة الله، قال: ﴿ظَهَرَ ٱلْفَسَادُ فِى ٱلْبَرِّ وَٱلْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِى ٱلنَّاسِ لِيُذِيقَهُم بَعْضَ ٱلَّذِى عَمِلُواْ﴾ لماذا؟ قال: ﴿لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ﴾ واضح تماماً، معنى ذلك ما منا أحد إلا تولى الله تربيته؛ إما أن يخيفه، وإما أن يوهمه بشبح مصيبة ساحق، إما أن يعالجه من خلال صحته، من خلال دخله، من خلال عمله، من خلال زوجته، أولاده، من خلال علاقاته الخارجية، لا بد من التربية:

﴿  الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ(2)﴾

[ سورة الفاتحة ]

 المربي ليس مهمته أن يُمِدَّك بالغذاء، والطعام، والشراب فحسب، لكن مهمة المربي الأولى أن يأخذ بيدك إلى سعادتك، وإلى صلاحك، وإلى استقرارك. 

الاستجابة لله والرسول هي الأخذ بالكتاب والسنة:


 فلذلك قال تعالى: ﴿ٱلَّذِينَ ٱسۡتَجَابُواْ لِلَّهِ وَٱلرَّسُولِ﴾ استجابتك لله أن تتوب إليه، وأن تصطلح معه، واستجابتك لله أن تنفذ ما في قرآنه، واستجابتك لرسول الله أن تنفذ سنته الشريفة، لذلك فالإنسان عنده بحبوحة، قال تعالى: 

﴿ وَمَا كَانَ ٱللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ ۚ وَمَا كَانَ ٱللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ(33)﴾

[ سورة الأنفال ]

 كيف نفهم الآية بعد انتقال النبي إلى الرفيق الأعلى؟ الآية دائمة، ما دامت سنة النبي مطبقة في حياتنا، في بيوتنا، في أعمالنا، في أفراحنا، في أتراحنا، في علاقاتنا، في كسب أموالنا، في سفرنا، في حِلِّنا وفي ترحالنا، فنحن في مأمن من عذاب الله، لقد أنشأ الله لنا حقاً عليه، قال: ﴿وَمَا كَانَ ٱللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ﴾ أما إذا اكتفينا بالشعائريات، بالعبادات الشعائرية، بالصلاة والصوم والحج والزكاة، ولم نتقيد بالعبادات التعاملية، من الصدق، والأمانة، والعفة، وصلة الرحم، وإنجاز الوعد، وإحقاق الحق، إن لم نتقيد بهذه العبادات فقدنا حقَّنا في قطف ثمار هذه العبادات الشعائرية، فتغدو عبادات جوفاء لا معنى لها، فلذلك يقول الله عز وجل: ﴿ٱلَّذِينَ ٱسۡتَجَابُواْ لِلَّهِ وَٱلرَّسُولِ مِنۢ بَعۡدِ مَآ أَصَابَهُمُ ٱلۡقَرۡحُۚ﴾ يمكن أن تستجيب لله إذا تفكرت في عظمة هذا الكون، يمكن أن تستجيب لله بمبادرة منك، يمكن أن تستجيب لله حينما تنظر أن هذا الكون ينطوي على عظمة خالقه، وأن هذا الخالق العظيم ينبغي أن أكون على صلة معه، ويمكن أن تستجيب بعد مشكلة، وكلاهما على العين والرأس، ومن أساليب النبي عليه الصلاة والسلام أنه يقول: 

((  الْمُؤْمِنُ الْقَوِيُّ خَيْرٌ وَأَحَبُّ إِلَى اللَّهِ مِنْ الْمُؤْمِنِ الضَّعِيفِ، وَفِي كُلٍّ خَيْرٌ، احْرِصْ عَلَى مَا يَنْفَعُكَ، وَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ، وَلَا تَعْجَزْ، وَإِنْ أَصَابَكَ شَيْءٌ فَلَا تَقُلْ: لَوْ أَنِّي فَعَلْتُ كَانَ كَذَا وَكَذَا، وَلَكِنْ قُلْ: قَدَرُ اللَّهِ، وَمَا شَاءَ فَعَلَ، فَإِنَّ لَوْ تَفْتَحُ عَمَلَ الشَّيْطَان. ))

[ رواه مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ]

 ولكن النبي جبّار الخواطر، قال: (وَفِي كُلٍّ خَيْرٌ) والمؤمن الضعيف على العين والرأس، أما القوي فنفعه أوسع، ومهمته أخطر، وبإمكانه أن يرقى إلى أعلى درجات الجنة من خلال القوة التي مكّنه الله بها، لذلك كلما التقيت بإنسان مُمَكَّن في الأرض بمنصب رفيع أقول له: لك حساب خاص مع الله، ما مكّنك الله في الأرض إلا لتستخدم هذه القوة في نفع المسلمين، في إحقاق الحق، فإن لم تستفد من هذه القوة فلك إثم مضاعف، فكل إنسان مُمَكَّن في الأرض إنْ فعل خيراً فله جزاء مضاعف، وإنْ فعل سوءاً فله عقاب مضاعف، لأنك قدوة، وكل مَن قلّدك في الخير أعماله في صحيفتك، ولأنك قدوة، كل من قلّدك في الشر -لا سمح الله- فشرّه في صحيفتك، لذلك ذكر الله نساء النبي، وقد وعدهنّ بأن يؤتي كل واحدة منهن أجرها مرتين، لأنها السيدة الأولى في المجتمع، زوجة النبي الكريم، 

﴿ وَمَن يَقْنُتْ مِنكُنَّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِۦ وَتَعْمَلْ صَٰلِحًا نُّؤْتِهَآ أَجْرَهَا مَرَّتَيْنِ وَأَعْتَدْنَا لَهَا رِزْقًا كَرِيمًا(31)﴾

[ سورة الأحزاب ]

قال تعالى: ﴿لِلَّذِينَ أَحۡسَنُواْ مِنۡهُمۡ وَٱتَّقَوۡاْ أَجۡرٌ عَظِيمٌ﴾ قالوا: ما ضاعت عَبرة -دمعة- كانت لصاحبها عِبرة. 

المصائب نعمٌ باطنة:


 واللهِ أحياناً إخوة كُثر اهتدوا إلى الله عقب مشكلة ألمّت بهم، قد يكون عقِب مرض، قد يكون عقِب عقاب أليم نزل بهم، قد يكون عقب محنة خسروا بها حريتهم لفترة ما، هؤلاء الإخوة الكرام يقسمون بالله إن هذه المِحنة سبب سعادتهم، وأن هذه المصيبة سبب اصطلاحهم مع الله، لذلك وقعها عندهم وقع مقبول جداً، بل محبب، لهذا سمى الله هذه المصاب نِعَماً باطنة، قال: 

﴿ أَلَمْ تَرَوْاْ أَنَّ ٱللَّهَ سَخَّرَ لَكُم مَّا فِى ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِى ٱلْأَرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُۥ ظَٰهِرَةً وَبَاطِنَةً ۗ وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يُجَٰدِلُ فِى ٱللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍۢ وَلَا هُدًى وَلَا كِتَٰبٍۢ مُّنِيرٍۢ(20)﴾

[ سورة لقمان ]

 المصائب نعمة باطنة، واللهِ أخ كريم قبل أسبوع ساق الله له محنة في عمله شديدة، أفقدته محله التجاري، أفقدته مكانته في السوق، وضاقت به الأحوال، وضاقت ذات يده، وعانى ما عانى، أقسمَ لي بالله قبل أيام أنه عرف عن الله أشياء ما كان يعرفها قبل المحنة، وارتقت عبادته إلى مستوى ما كان يحلم بها قبل المِحنة، وازدادت معرفته بالله ما كان ليكون هذا إلا بعد هذه المِحنة، فالمؤمن الصادق حينما يصيبه الله بمِحنة ليعلم علمَ اليقين أن وراء المِحنة منحة، وإذا ساق الله له شدة ليعلم علم اليقين أن وراء هذه الشِّدة شَدَّة إلى الله، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يَقُولُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ : 

((  يَا ابْنَ آدَمَ، مَرِضْتُ فَلَمْ تَعُدْنِي، قَالَ يَا رَبِّ، كَيْفَ أَعُودُكَ وَأَنْتَ رَبُّ الْعَالَمِينَ؟ قَالَ: أَمَا عَلِمْتَ أَنَّ عَبْدِي فُلَانًا مَرِضَ فَلَمْ تَعُدْهُ؟ أَمَا عَلِمْتَ أَنَّكَ لَوْ عُدْتَهُ لَوَجَدْتَنِي عِنْدَهُ؟ يَا ابْنَ آدَمَ، اسْتَطْعَمْتُكَ فَلَمْ تُطْعِمْنِي، قَالَ: يَا رَبِّ، وَكَيْفَ أُطْعِمُكَ وَأَنْتَ رَبُّ الْعَالَمِينَ؟ قَالَ: أَمَا عَلِمْتَ أَنَّهُ اسْتَطْعَمَكَ عَبْدِي فُلَانٌ فَلَمْ تُطْعِمْهُ، أَمَا عَلِمْتَ أَنَّكَ لَوْ أَطْعَمْتَهُ لَوَجَدْتَ ذَلِكَ عِنْدِي؟ يَا ابْنَ آدَمَ، اسْتَسْقَيْتُكَ فَلَمْ تَسْقِنِي، قَالَ: يَا رَبِّ، كَيْفَ أَسْقِيكَ وَأَنْتَ رَبُّ الْعَالَمِينَ؟ قَالَ: اسْتَسْقَاكَ عَبْدِي فُلَانٌ فَلَمْ تَسْقِهِ، أَمَا إِنَّكَ لَوْ سَقَيْتَهُ وَجَدْتَ ذَلِكَ عِنْدِي. ))

[ رواه مسلم ]


لابد من الرضى بقدر الله لجهل الإنسان بالحكمة الربانية:


 إذا سلبَ الله منك بعض الصحة ليعوّض عليك أضعافاً مضاعفة قُرباً منه، لذلك النبي الكريم علّمنا ماذا نقول إذا جاءت الأمور كما نتمنى، وإذا جاءت الأمور على غير مرادنا يقول، فعَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: 

((  كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا رَأَى مَا يُحِبُّ قَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي بِنِعْمَتِهِ تَتِمُّ الصَّالِحَاتُ، وَإِذَا رَأَى مَا يَكْرَهُ قَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى كُلِّ حَال. ))

[ ابن ماجه ]

 هو راضٍ عن الله، سواء أنتصر المسلمون أو لم ينتصروا، الأمر بيده، أنا عليّ أن أدعو لهم، وأتفاعل معهم، وأن تكون مشاعري معهم، لكن لله حكمة بالغة لا أعلمها أنا.
 الفرق بين الذي يعبد ذاته والذي يعبد الله أن الذي يعبد ذاته إذا جاءت الأمور وفق مصالحه يسلّم لها ويقبلها، ويُثني على الله من خلالها، أما إذا جاءت على خلاف ما يريد أساء الظن بالله عز وجل، هذا الإنسان لا يعبد الله، يعبد ذاته، لذلك الله عز وجل لحكمة بالغة جعل مساحة كبيرة جداً من أمره التكليفي لمصلحة الإنسان في الدنيا والآخرة، لكن هناك قسم من أوامره التكليفية لامتحان عبوديته لله، لو لم تفهمها، لو لم تقف على حكمتها، لو عجِبتَ لماذا صار هكذا، لماذا تخلى الله عن هؤلاء؟ أنا عبد فقير، وعلمي محدود، لا يمكن أن تعرف الله من خلال أفعاله فقط، ينبغي أن تعرف الله من خلال خلقه، ومن خلال كلامه، هذان مصدران آمنان لمعرفة الله، في ضوء معرفتك بالله من خلال خلقه، ومن خلال كلامه تفسر أفعاله.
 مثل بسيط جداً: أنت إنسان رأيت رجلاً طويلاً قوياً متيناً يمسك بطفل صغير ويضربه، تقول: هذا وحش، لو علمت أنه أب، وقلب الأب من آيات الله الدالة على عظمة الله، لعله ضبط ابنه بسرقة، وهو ابنه، لا بد أن يعاقبه، لا بد أن يُحدِث عنده خبرة مؤلمة، أنت لاحظ نفسك، تمشي في الطريق رأيت ابنك وابن أخيك وصديق ابنك يدخنون، ينشأ عندك انفعال تجاه ابنك لا يصدق، وينشأ انفعال أخف من ابن أخيك، أما الثالث فتقول له: انطلق، الانفعال الشديد تجاه ابنك، قد تضربه، ابن أخيك أقلّ، تقول له: سأخبر أباك، أما صديق ابنك فلا علاقة لك معه، ما دام هناك رحمة، فهناك معالجة. قال تعالى: 

﴿ يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ ٱنفِرُواْ فِى سَبِيلِ ٱللَّهِ ٱثَّاقَلْتُمْ إِلَى ٱلْأَرْضِ ۚ أَرَضِيتُم بِٱلْحَيَوٰةِ ٱلدُّنْيَا مِنَ ٱلْآخِرَةِ ۚ فَمَا مَتَٰعُ ٱلْحَيَوٰةِ ٱلدُّنْيَا فِى ٱلْآخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ(38)﴾

[ سورة التوبة ]

 ينصحكم ﴿فَمَا مَتَٰعُ ٱلْحَيَوٰةِ ٱلدُّنْيَا فِى ٱلْآخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ﴾ هذا موقف الإله، لكن موقف الرب: 

﴿ إِلَّا تَنفِرُواْ يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا وَيَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ وَلَا تَضُرُّوهُ شَيْـًٔا ۗ وَٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَىْءٍۢ قَدِيرٌ(39)﴾

[ سورة التوبة ]

﴿ وَمَا ذَٰلِكَ عَلَى ٱللَّهِ بِعَزِيزٍۢ(20)﴾

[ سورة إبراهيم ]

معنى ذلك أن العقاب دليل رحمة، هناك دليل أقوى، قال تعالى : 

﴿ فَإِن كَذَّبُوكَ فَقُل رَّبُّكُمْ ذُو رَحْمَةٍۢ وَٰسِعَةٍۢ وَلَا يُرَدُّ بَأْسُهُۥ عَنِ ٱلْقَوْمِ ٱلْمُجْرِمِينَ(147)﴾

[ سورة الأنعام ]

 جميل ﴿وَلَا يُرَدُّ بَأْسُهُۥ عَنِ ٱلْقَوْمِ ٱلْمُجْرِمِينَ﴾ تقتضي رحمته الواسعة ألّا يَرُدّ بأسه عن القوم المجرمين، لا سمح الله ولا قدر، لو أنّ أباً رحيماً علِمَ أنّ ابنه بحاجة إلى عملية، وإنْ لم تُجرَ في أيام ثلاثة يتفاقم المرض، هناك أورام إن استأصلتها في الوقت المناسب لا تنتشر، وهناك أورام -لا سمح الله ولا قدر- إن أهملت استئصالها تنتشر، عندئذ الشفاء منعدم، فالأب الرحيم قد يبيع غرفة نومه ليجري لابنه العملية الجراحية، هذه الرحمة. 
 إذًا: ﴿ٱلَّذِينَ ٱسۡتَجَابُواْ لِلَّهِ وَٱلرَّسُولِ مِنۢ بَعۡدِ مَآ أَصَابَهُمُ ٱلۡقَرۡحُۚ﴾ القرح، الجرح، مطلق الألم.

لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا مِنْهُمْ وَاتَّقَوْا أَجْرٌ عَظِيمٌ


هنيئاً لمن استجاب لله عقب مصيبة:

 ﴿لِلَّذِينَ أَحۡسَنُواْ مِنۡهُمۡ وَٱتَّقَوۡاْ أَجۡرٌ عَظِيمٌ﴾ لذلك هنيئاً لمن استجاب لله عقب مصيبة، كنت في درس من دروس الأحد، وخرجت من المسجد فإذا أخٌ يتبعني ويقول: لك عندي قصة، لا بد أن ألقيها على مسامعك، تفضل، طبعاً في لقاء في البيت، قال: أنا عندك منذ ثماني سنوات، قال لي: كنت في فرنسا أدرس، قال: ما من معصية إلا اقترفتها هناك، ولو أنها شاذة، ولو أنها قذرة، هكذا قال لي، إلا القتل، لم يقتل أحداً، قال: ألِفتُ حياة الفجور، والزنا، والشذوذ، والسهر، والخمر، طبعاً حصل على دكتوراه في الكومبيوتر، قال: عدت إلى بلدي، نقلت ما في باريس إلى دمشق، بيتي فيه ملهى، وتفلّت، أول السنة في الفنادق، زوجته منطلقة إلى درجة غير معقولة، حدثني بالتفاصيل، وقال لي: أرجوك أن تتلو قصتي على الإخوة، القصة قديمة، في عمله مركزه قوي، وهو وسيم الصورة، يحمل شهادة عالية جداً، منفتح إلى أقصى درجة، متفلّت إلى أقصى درجة، بالتعبير الدارج: "زوجته سبور وهو كذلك"، قال لي: فجأة رأيت الأشياء تتحرك أمامي هكذا، وفقدت التوافق الحركي، والتوازن في المشي، لا بد من إنسان يمسكني، إن حاولت إمساك كأس شاي، ست أو سبع محاولات حتى تتوافق يداي مع كأس الشاي، ولا يمكن أن يمشي وحده إلا بمن يعينه، فقد التوازن، والصورة مرتجّة أمامه، وكل شيء يتحرك، قال لي: لم يبقَ طبيب في دمشق إلا وقد زرته، قال لي: زرت ستة وثلاثين طبيباً، ولا أمل، فعاد إلى فرنسا مكان دراسته هناك، قال لي: بفرنسا أول ما لاحظوا أعراض هذا المرض أخذوني إلى مستشفى، وجاء طبيب بطائرة هيليكوبتر، فوجئوا أن هذا المرض نادر جداً، نسبة الإصابة به في العالم واحد من ثلاثة عشر مليوناً، وسورية ثلاثة عشر مليوناً، فهو مندوب سورية، قال لي: الذي آلمني أشد الألم أن معالجتي وسفري وإقامتي وعودتي بالمجان، هدية من فرنسا، لأني صرت حقل تجارب، هذا المريض نادر جداً، يُقدَّم كحقل تجربة رائع، قال لي: بقي الطبيب يعالجني ستة أشهر، وقال لي بالحرف الواحد: إن اختصاصي أعلى اختصاص في العالم في هذا المرض، وبعد ستة أشهر قال لي: لا أمل في شفائك، أرقى مركز في العالم هنا، وأعلى اختصاص أنا، ولا أمل، نصحني أن أذهب إلى الهند كي أمارس اليوغا، وأن ألتحق بمهراجا من مهرجانات الهند، فعدت إلى بلدي، والدنيا سوداء في عيني، حياة لا تحتمل، لا يستطيع المشي، ولا يستطيع أن يمسك شيئاً بيده، والصورة مهتزّة أمامه، يسكن هنا قريب من جامع الحاجبية، وكان لي درس هناك قديماً، قال لي: لي قريب كان يحضّني على حضور الدرس، بشكل غير معقول قال لي: مللت منه لدرجة أني حضرت درساً واحداً كي أسكته، قال لي: واللهِ أنا في وادٍ، وأنت في وادٍ، كل تفكيري في المعاصي والآثام، وما فهمت كلمة من الدرس، هذا قبل أن يصاب بالمرض، قال لي: بعد أن عدت من فرنسا، وحالتي ميؤوس منها، دعاني مرة ثانية، قال لي: حضرت الدرس، هذه المرة هناك شيء من الاستماع، قال: وأنا في الدرس قلت: يا رب إن شفيتني فسأصلي، شرط، قال لي: في الدرس الثاني قلت أنت دون أن تشعر: إن الله عز وجل لا يُشارط، ولا يُجرّب، الذات الإلهية عليّة، لا تشارط، ولا تُجرَّب، قال لي: "دخلت إلى البيت، فقلت لزوجتي: أريد أن أغتسل لأصلي، قال لي: وقفت في الصلاة، وقرأت الفاتحة، وأنا أبكي، في منتصف الفاتحة الصورة ثبتت، قال لي: والله كِدت أُصعَق، ما تركنا محلاً في العالم، قال لي: بعد أن انتهت الصلاة مشيت فوقعت، لم تذهب الحالة الثانية، أمسكت الكأس فلم أستطع، بعد ساعة عاد لي التوافق الحركي، والتوازن في المشي، وشُفيت من مرضي، ولزم هذه الدروس ثماني سنوات، ورجاني أن أقول قصته، والقصة قديمة.
هذا لولا هذه المصيبة أين هو الآن؟ من ملهى إلى ملهى، ما الذي ساقه إلى الدين؟ هذه المصيبة، لذلك عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ السَّاعِدِيِّ قَالَ : عجبت لقوم يساقون إلى الجنة بالسلاسل

(( كُنْتُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَالْخَنْدَقِ فَأَخَذَ الْكِرْزِينَ فَحَفَرَ بِهِ، فَصَادَفَ حَجَرًا، فَضَحِكَ ،قِيلَ: مَا يُضْحِكُكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قَالَ: ضَحِكْتُ مِنْ نَاسٍ يُؤْتَى بِهِمْ مِنْ قِبَلِ الْمَشْرِقِ فِي النُّكُولِ يُسَاقُونَ إِلَى الْجَنَّة ))

[ رواه أحمد ]

 ثمة رجل عنده مطبعة، يبدو في المواسم الجيدة جداً تحقق أرباحاً فلكية، هكذا قال لي بالضبط، وأنا أنقل لكم ما قال لي، قال لي: هيّأتُ خمسمائة ألف ليرة، وضعتها عملة صعبة، أردت أن أمضي شهراً في أمريكا، من دون زوجته طبعاً حتى يأخذ حريته، هكذا صراحة، قال لي: هناك، في ثاني يوم أو الثالث شعرت بآلام شديدة في ظهري، زار طبيباً فقال له: سرطان في النخاع الشوكي، قال لي: بركت، قطع إجازته، عاد إلى الشام، من جامع إلى جامع، بعد ذلك تبيّن أن ليس معه سرطان، ساق الله له هذه الشِّدة ليحمله على التوبة، ليس هناك واحد إلا والله عز وجل يعالجه، يُؤتَى من مأمنه، المكان المرتاح فيه تأتي منه المشكلة.

الاستجابة بعد المصيبة فضيلة كبيرة:


 ﴿ٱلَّذِينَ ٱسۡتَجَابُواْ لِلَّهِ وَٱلرَّسُولِ مِنۢ بَعۡدِ مَآ أَصَابَهُمُ ٱلۡقَرۡحُۚ﴾ هذه فضيلة في الإنسان، أن هذه المصيبة فكِّر بها، قال تعالى: 

﴿  مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَءامَنْتُمْ وَكَانَ اللَّهُ شَاكِرًا عَلِيمًا(147)﴾

[ سورة النساء ]

 إن الله لا مصلحة له أن يسوق لعباده شِدّة، جفاف، الجفاف تقنين تأديب، لا يمكن أن يكون الجفاف تقنين عجز، أما نحن كبشر فليس عندنا كهرباء زائدة، فتنقطع الكهرباء، تنقطع الماء، البشر إذا قنّنوا فتقنين عجز، أما الإله إذا قنّن فتقنين تأديب، لقوله تعالى: 

﴿ وَإِن مِّن شَىْءٍ إِلَّا عِندَنَا خَزَآئِنُهُۥ وَمَا نُنَزِّلُهُۥٓ إِلَّا بِقَدَرٍۢ مَّعْلُومٍۢ(21)﴾

[ سورة الحجر ]

 نحن كل طموحنا في الشام أن تنزل الأمطار بمعدل مائتين وعشر ميلي طيل السنة، خلال سبعة أشهر، هذه الأمطار نزلت خلال اثنتي عشرة ساعة في الجزائر، ممكن، فأن تستجيب لله بعد القرح هذا جيد جداً، فضيلة، لكن بعد أن تستجيب لله تائباً، وبعد أن تعمل صالحاً، لك أجر عظيم ﴿لِلَّذِينَ أَحۡسَنُواْ مِنۡهُمۡ﴾ استجاب وأحسن، استجاب وتفوق، استجاب وأعطى.
 هناك إنسان إذا مرّ أمام أستاذ ظالم يمكن أن يضربه، هناك إنسان وضعه مع الله خائف، دائماً في خوف من الضرب، هذا غير معقول، يجب أن تكون محباً، أن تكون مُحسِناً، هناك فرق بين أن تدافع التدني، أو أن تتابع الترقّي، فأنت حينما تأتي الله مطيعاً، تائباً، منيباً، خاشعاً، يقبلك الله، ويطمئنك، ويرفع شأنك، ويعلي قدرك، ويرفع لك ذكرك. 

الإحسان بعد المصيبة شيء رائع:


 ﴿ٱلَّذِينَ ٱسۡتَجَابُواْ﴾ شيء رائع، لكن ﴿لِلَّذِينَ أَحۡسَنُواْ مِنۡهُمۡ﴾ بعد أن استجاب كان له عمل طيب، بذل، أعطى. 
﴿لِلَّذِينَ أَحۡسَنُواْ مِنۡهُمۡ وَٱتَّقَوۡاْ أَجۡرٌ عَظِيمٌ﴾ عكرمة بن أبي جهل نزل عن فرسه، وسلّ سيفه، وانخرط في صفوف العدو، سيدنا خالد خاف عليه، قال له: دعك عني، أنت لك مواقف مع رسول الله، أنا ليس عندي شيء.
 المؤمن لما يستجيب يتمنى أن يعوّض كل شيء قصّر فيه سابقاً، ويعمل فيه عملاً صالحاً، هذا استجاب، وأحسن، وليس أنه استجاب وطاع الله وبقي سلبياً، لا، كل موقف وقفه ضد الحق سيقف مكانه مع الحق، كل إنفاق أنفقه على شهواته الآن سينفقه في طاعة الله، كل وقت أمضاه مع رفقاء السوء سوف يمضيه مع طلاب العلم، هذا معنى ﴿أَحۡسَنُواْ﴾ ﴿لِلَّذِينَ أَحۡسَنُواْ مِنۡهُمۡ وَٱتَّقَوۡاْ أَجۡرٌ عَظِيمٌ﴾ قال تعالى:

﴿ ٱلَّذِينَ قَالَ لَهُمُ ٱلنَّاسُ إِنَّ ٱلنَّاسَ قَدۡ جَمَعُواْ لَكُمۡ فَٱخۡشَوۡهُمۡ فَزَادَهُمۡ إِيمَٰنًا وَقَالُواْ حَسۡبُنَا ٱللَّهُ وَنِعۡمَ ٱلۡوَكِيلُ (173)﴾

[ سورة آل عمران ]


الَّذِينَ قَالَ لَهُمْ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ


 جمعوا لكم حشوداً وتحالفات، وطائرات، وحاملات طائرات، وصواريخ، وقنابل تُلقَى بمظلة، وشيء انشطاري، وشيء عنقودي، وشيء ذكي، قال: ﴿فَٱخۡشَوۡهُمۡ فَزَادَهُمۡ إِيمَٰنًا وَقَالُواْ حَسۡبُنَا ٱللَّهُ وَنِعۡمَ ٱلۡوَكِيلُ﴾ .

فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيل


اعبد الله الذي بيده الأمر كلُّه:

 ليس لنا إلا الله، الله عز وجل مستحيل، وألف ألف ألف ألف مستحيل أن يُسلِمَنا لإنسان ظالم يفعل ما يشاء، قال تعالى: 

﴿ وَلِلَّهِ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ ۚ وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (123)﴾

[  سورة هود  ]

 ينبغي أن تعبد من أمرُكَ بيده، أما توهم الناس لضعف يقينهم وتوحيدهم، ولشركهم الخفي أنّ الأمر بيد واحد وهو يملي إرادته على كل الناس وكل الشعوب، هذا وهم شركي، قال تعالى: ﴿وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ﴾ ولو لم تفهم حكمته من بعض أفعاله، أنا مؤمن بوجوده، وبكماله المطلق، وبحكمته، ورحمته وعدله، هذه الأمور أنا لا أفهمها، لا أفهمها إلا بحالة واحدة، أن يكون لي علم كعلم الله، وهذا مستحيل، إذًا: أنا أسلّم لله عز وجل، أنا مهمتي أن أعبده، وأن أشكره، قال تعالى : 

﴿ بَلِ ٱللَّهَ فَٱعْبُدْ وَكُن مِّنَ ٱلشَّٰكِرِينَ(66)﴾

[ سورة الزمر ]

 وقال تعالى: 

﴿ قَالَ يَٰمُوسَىٰٓ إِنِّى ٱصْطَفَيْتُكَ عَلَى ٱلنَّاسِ بِرِسَٰلَٰتِى وَبِكَلَٰمِى فَخُذْ مَآ ءَاتَيْتُكَ وَكُن مِّنَ ٱلشَّٰكِرِينَ(144)﴾

[ سورة الأعراف ]

 أنا أتعاطف، وأبكي أحياناً ألماً لِما يجري، أتألم ألماً شديداً، وأرجو رجاءً شديداً، أدعو من أعماق قلبي، أنا عبد فقير لا أملك أن أُحدِث تغييرات في العالم، لكن أنا علي أن أطبق منهج الله في بيتي وعملي، وأن أشكره ﴿قَالَ يَٰمُوسَىٰٓ إِنِّى ٱصْطَفَيْتُكَ عَلَى ٱلنَّاسِ بِرِسَٰلَٰتِى وَبِكَلَٰمِى فَخُذْ مَآ ءَاتَيْتُكَ وَكُن مِّنَ ٱلشَّٰكِرِينَ﴾ تنتهي مهمتك هنا.
 قال تعالى :

﴿ ٱلَّذِينَ قَالَ لَهُمُ ٱلنَّاسُ إِنَّ ٱلنَّاسَ قَدۡ جَمَعُواْ لَكُمۡ فَٱخۡشَوۡهُمۡ فَزَادَهُمۡ إِيمَٰنًا وَقَالُواْ حَسۡبُنَا ٱللَّهُ وَنِعۡمَ ٱلۡوَكِيلُ (173) فَٱنقَلَبُواْ بِنِعۡمَةٍ مِّنَ ٱللَّهِ وَفَضۡلٍ لَّمۡ يَمۡسَسۡهُمۡ سُوٓءٌ وَٱتَّبَعُواْ رِضۡوَٰنَ ٱللَّهِۗ وَٱللَّهُ ذُو فَضۡلٍ عَظِيمٍ (174)﴾

[ سورة آل عمران ]

 إن الله عز وجل وعدنا، لكن متى تحقيق الوعد؟ لا نعرف، وعده قطعي، لكن متى؟ هذا في علمه، متى ينصرنا؟ لا نعلم، نعلم أنه يجب أن نطيعه، وأن نحبه، وأن نعتمد عليه، وانتهت مهمتنا.
 قال الله عز وجل:

﴿ إِنَّمَا ذَٰلِكُمُ ٱلشَّيۡطَٰنُ يُخَوِّفُ أَوۡلِيَآءَهُۥ فَلَا تَخَافُوهُمۡ وَخَافُونِ إِن كُنتُم مُّؤۡمِنِينَ (175)﴾

[  سورة آل عمران ]


إِنَّمَا ذَلِكُمْ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ


الشيطان يخوّف المؤمنين من أوليائه، فهناك نهي: ﴿فَلَا تَخَافُوهُمۡ وَخَافُونِ إِن كُنتُم مُّؤۡمِنِينَ﴾ .

الملف مدقق

والحمد لله رب العالمين 

الاستماع للدرس

00:00/00:00

نص الزوار

اللغات المتوافرة

إخفاء الصور