الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا، إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا، وزدنا علماً، وأرِنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.
في القرآن قوانين لا تتبدل ولا تتغير:
أيها الإخوة الكرام، "لا يحزن قارئ القرآن" مقولة رائعة، وجامعة، وقاطعة؛ لأنه كلام الله -عز وجل-، وفضل كلام الله على كلام خلقه، كفضل الله على خلقه.
قارئ القرآن يقرأ كلام خالق الأكوان، خالق السماوات وخالق الأرض، خالق الكون، ففي كتابه صدقٌ، وفي كتابه قواعد حتمية لا تتبدل ولا تتغير، قوانين، فإذا بشّر الله المؤمن في القرآن فالبشارة حق، وإذا أوعد الله العاصي أو الكافر في القرآن فوعيده حق، وإذا قال الله -عز وجل-:
﴿ مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً ۖ وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (97) ﴾
أحياناً بدافع الذكاء تنصف، هذه مصلحة أصبحت، أما كعبادة ﴿مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ﴾ بدافع إيمانه، لا بدافع ذكائه، يوجد بالغرب أشياء رائعة جداً بدافع الذكاء.
هذا حق من عند الله -عز وجل-، فقارئ القرآن لا يحزن، لمَ يحزن؟ لأنه يرى أن الأمور كلها بيد الله -عز وجل-، لو أسلمك إلى غيره لا يستحق أن تعبده، قال:
﴿ وَلِلَّهِ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ ۚ وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (123)﴾
هذه "الـ الجنس"، لدينا "الـ العهد"، و"الـ التعريف"، هذه "الـ الجنس"، يعني أي أمر في الخمس قارات (البعد المكاني) ومن آدم إلى يوم القيامة (البعد الزماني) يرجع إلى الله، لا تقلق على هذا الدين إنه دين الله، ولكن اقلق ما إذا سمح الله لك أو لم يسمح أن تكون جندياً له.
لذلك، المؤمن لمَ لا يحزن؟ لأنه يرى من خلال إيمانه أن الأمور كلها بيد الله تعالى، والتوحيد قمة الإيمان، لذلك أسباب الحزن أن ترى مع الله شريكاً،
﴿ وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُم بِاللَّهِ إِلَّا وَهُم مُّشْرِكُونَ (106) ﴾
هذا الشرك أخطر مشكلة تعاني منها الأمة، أن ترى مع الله أحداً، الشرك أن ترى مع الله أحداً، الأمر كله بيد الله، صاحب الأسماء الحسنى والصفات العلا، لذلك:
﴿ فَلَا تَدْعُ مَعَ ٱللَّهِ إِلَٰهًا ءَاخَرَ فَتَكُونَ مِنَ ٱلْمُعَذَّبِينَ(213) ﴾
فالنقطة الدقيقة جداً أنك إذا عرفت الله عرفت كل شيء، وإن فاتتك هذه المعرفة فاتك كل شيء، ويا ربي ماذا فقد من وجدك؟ وماذا وجد من فقدك؟ لذلك ﴿فَلَا تَدْعُ مَعَ ٱللَّهِ إِلَٰهًا ءَاخَرَ فَتَكُونَ مِنَ ٱلْمُعَذَّبِينَ﴾ أي مصيرك في يد شخص فيما تتصور أنت، وفيما يبدو لك، وهذا الشخص لا يحبك، الحياة لا تحتمل، بيده كل شيء وهو لا يحبك، أما أنت عبد لله -عز وجل-، لو أن الله -مرة ثانية- أسلمك إلى غيره لا يستحق أن تعبده، لماذا؟ لأنه خالق، ورب، وإله، لذلك أحد أسباب العذاب النفسي أن ترى أمورك بيد إنسان، وهذا الإنسان لا يحبك، هذا أكبر مصدر للعذاب ﴿فَلَا تَدْعُ مَعَ ٱللَّهِ إِلَٰهًا ءَاخَرَ فَتَكُونَ مِنَ ٱلْمُعَذَّبِينَ﴾ لذلك ربنا -عز وجل- قال: ﴿فَلَا تَدْعُ مَعَ ٱللَّهِ إِلَٰهًا ءَاخَرَ فَتَكُونَ مِنَ ٱلْمُعَذَّبِينَ﴾
﴿ وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ ۖ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ (13) ﴾
(( إنَّ أخوفَ ما أتخوَّفُ على أمَّتي ، الإشراكُ باللَّهِ ، أما إنِّي لستُ أقولُ يعبدونَ شمسًا ، ولاَ قمرًا ، ولاَ وثنًا ، ولَكن أعمالاً لغيرِ اللهِ ، وشَهوةً خفيَّةً. ))
الشرك الجلي انتهى، ما الذي بقي؟ الشرك الخفي، (أما إنِّي لستُ أقولُ يعبدونَ شمسًا، ولاَ قمرًا، ولاَ وثنًا،-هذه انتهت- ولَكن أعمالاً لغيرِ اللهِ، وشَهوةً خفيَّةً) . إذاً: ﴿إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ﴾ ومرة ثانية: (إنَّ أخوفَ ما أتخوَّفُ على أمَّتي ، الإشراكُ باللَّهِ ، أما إنِّي لستُ أقولُ يعبدونَ شمسًا، ولاَ قمرًا، ولاَ وثنًا، ولَكن أعمالاً لغيرِ اللهِ، وشَهوةً خفيَّةً) .
﴿فَلَا تَدْعُ مَعَ ٱللَّهِ إِلَٰهًا ءَاخَرَ فَتَكُونَ مِنَ ٱلْمُعَذَّبِينَ﴾ .
المؤمن يتوكل على الله بكل أموره:
لذلك عنوان هذا اللقاء الطيب: "لا يحزن قارئ القرآن"
﴿ مِن دُونِهِ ۖ فَكِيدُونِي جَمِيعًا ثُمَّ لَا تُنظِرُونِ (55) إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ رَبِّي وَرَبِّكُم ۚ مَّا مِن دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا ۚ إِنَّ رَبِّي عَلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ (56) ﴾
للتقريب: وحوش كاسرة، مفترسة، وجائعة، لكن هذه الوحوش مربوطة بأزمّة بيد جهة رحيمة، حكيمة، عادلة، علاقتك مع الوحوش أما مع من يملك هذه الوحوش؟ هذا الدين كله، يوجد أقوياء، يوجد طغاة، يوجد جبابرة، لكن لو أن الله أسلمك إلى غيره لا يستحق أن تعبده، قال لك: ﴿وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ﴾ "الـ الجنس" ﴿كُلُّهُ﴾ توكيد ﴿فَاعْبُدْهُ﴾ متى أمرك أن تعبده؟ بعد أن طمأنك، وحوش كاسرة بربوطة بأزمّة بيد جهة عادلة، رحيمة، علاقتك مع الوحوش أما مع من يملكها؟ هذه كل القصة، يوجد أقوياء، يوجد طغاة، يوجد جبابرة، هناك الله.
الإيمان بالله، الإيمان بالقدر يذهب الهمّ والحزن، لو أسلمك إلى غيره لا يستحق أن تعبده، ﴿وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ﴾ "الـ الجنس" ﴿كُلُّهُ﴾ توكيد ﴿فَاعْبُدْهُ﴾ .
الله تولى الرزق فالإنسان خلق ضعيفاً:
الشيء الثاني: الإنسان خلق من ضعف، لكن الله تولى له برزقه:
﴿ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ ثُمَّ رَزَقَكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ۖ هَلْ مِن شُرَكَائِكُم مَّن يَفْعَلُ مِن ذَٰلِكُم مِّن شَيْءٍ ۚ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَىٰ عَمَّا يُشْرِكُونَ (40)﴾
فعل ماض انتهى الأمر ﴿خَلَقَكُمْ ثُمَّ رَزَقَكُمْ﴾ لذلك لا يحزن قارئ القرآن؛ لأنه يرى أن رزقه على الله تعالى، والله -عز وجل- كما قال في كتابه: ﴿اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ ثُمَّ رَزَقَكُمْ﴾ لذلك الله -عز وجل- لا يُعصى من أجل رزقه، هذا غلط كبير، يعني عفواً: لو شخص قوي وأنت توهمت أن رزقك عنده، هو طلب منك شيء خلاف الشرع، بحسب نقص الإيمان تطيعه، إذا عندك إيمان قوي أن هذا ما بيده شيء، الذي بيده كل شيء هو الله -عز وجل-.
إذاً: قارئ القرآن لا يحزن، لمً الحزن؟ الله غني، والله قوي، قال تعالى:
﴿ إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ ۚ فَمَن نَّكَثَ فَإِنَّمَا يَنكُثُ عَلَىٰ نَفْسِهِ ۖ وَمَنْ أَوْفَىٰ بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا(10) ﴾
﴿ فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلَٰكِنَّ اللَّهَ قَتَلَهُمْ ۚ وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَٰكِنَّ اللَّهَ رَمَىٰ ۚ وَلِيُبْلِيَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ بَلَاءً حَسَنًا ۚ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (17) ﴾
لذلك:
﴿ إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَىٰ عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ ۗ أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ ۗ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ (54)﴾
إذا أنت صنعت طائرة وبعتها، ما عاد أمرها بيدك، الله -عز وجل ﴿لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ﴾ دقيقة الفكرة، دولة قوية باعت طائرة إلى بلد، الآن الطائرة بيد حكامها، فقد ترتكب هذه الطائرة أجراماً كثيرة جداً، أو أخطاء كثيرة جداً ﴿أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ﴾ وقال:
﴿ وَاللَّهُ يَقْضِي بِالْحَقِّ ۖ وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِهِ لَا يَقْضُونَ بِشَيْءٍ ۗ إِنَّ اللَّهَ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ(20) ﴾
﴿وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ﴾ لمَ الحزن؟ قارئ القرآن يتعامل مع الواحد الديان، يكفيه الله -عز وجل- أمر الناس كلهم، قارئ القرآن له هم واحد؛ أن يعرف الله، فإذا عرفه كفاه الله الهموم كلها.
(( اعمل لوجهٍ واحدٍ يكفِكَ الوجوهَ كلَّها ))
[ الألباني بسند ضعيف جداً ]
لذلك، "لا يحزن قارئ القرآن" ، متفائل، أمر بيد الإله، والإله سميع، عليم، بصير، لذلك: لا يمكن أن يقرأ المؤمن القرآن قراءة فهمٍ وتدبُّرٍ ثم يحزن، "لا يحزن قارئ القرآن"، وباب التوبة مفتوح، ربٌّ كريم، وربٌّ رحيم، وربٌّ ودود، وربٌّ لطيف، وربٌّ غني، وربٌّ قدير، ورب سميع، ورب مجيب، فلمَ الحزن؟
إذا طفل صغير والده الملك، هل يخاف من أحد؟ واضحة الفكرة تمام؟ الذي خلقك ما أسلمك إلى غيره، قال لك: ﴿وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ﴾ .
﴿ كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ (29) ﴾
طبعاً:
﴿ الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلَاوَتِهِ أُولَٰئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ ۗ وَمَن يَكْفُرْ بِهِ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ(121) ﴾
هكذا جاءت الآية، ما هي حق التلاوة؟ أن تقرأه وفق قواعد اللغة العربية مبدئياً، لماذا؟ إذا إمام وراءه 5000 مصلٍّ، وقال: "إنما يخشى اللهُ من عباده العلماءَ" الصلاة باطلة على الجميع، يقول سيدنا عمر رضي الله عنه:
(( تعلموا العربية، فإنها تثبت العقل، وتزيد في المروءة. ))
[ البيهقي في شعبه عن عمر بن الخطاب ]
﴿ وَمِنَ النَّاسِ وَالدَّوَابِّ وَالْأَنْعَامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ كَذَٰلِكَ ۗ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ ۗ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ(28)﴾
﴿اللَّهَ﴾ : مفعول به مقدم، ﴿مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ﴾ (تعلموا العربية، فإنها تثبت العقل، وتزيد في المروءة).
فضل كلام الله على كلام خلقه كفضل الله على خلقه:
إذاً:
﴿ أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَىٰ قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا(24) ﴾
﴿ أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ ۚ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا (82) ﴾
الآن: فضل كلام الله على كلام خلقه كفضل الله على خلقه، المسافة بين كلام خالق الأكوان، وكلام أي إنسان كفضل الله على خلقه، فالقرآن:
﴿ رَسُولٌ مِّنَ اللَّهِ يَتْلُو صُحُفًا مُّطَهَّرَةً (2) ﴾
عن كل خطأ، وعن كل زَيغ، وعن كل انحراف، وعن كل باطل، وعن كل خلل، عن كلّ تناقض، قال تعالى:
﴿ فِيهَا كُتُبٌ قَيِّمَةٌ (3) ﴾
موضوعات قيّمة، يعني عفواً: أكبر غني بالأرض ينتهي غناه عند الموت، أكبر قوي تنتهي قوته عند الموت، أكبر ذكي ينتهي ذكاؤه عند الموت، نحن كمؤمنين_والفضل لله- يبدأ العطاء الإلهي بعد الموت، والله أنا العبد الفقير درّست سيرة الصحابة ثلاث مرات، سبعين صحابياً، لفت نظري شيء يلفت النظر، كانوا جميعاً عند موتهم أسعد الناس، قالت ابنة أحد الصحابة: واكربتاه يا أبتاه، قال لها: لا كرب على أبيك بعد اليوم، غداً نلقى الأحبة محمداً وصحبه، صدق ولا أبالغ حوالي سبعين صحابياً درّست سيرتهم بالشام، لفت نظري قاسماً مشتركاً واحداً، أنهم جميعاً كانوا في أسعد لحظات حياتهم عند الموت. الموت عرس المؤمن.
(( تُحْفَةُ الْمُؤْمِنِ: الْمَوْتُ ))
[ البيهقي في شعبه وهو ضعيف. ]
للتقريب: شخص ذكي جداً، وفقير جداً، أقنع والدته ومن حوله أن يعطوه ثمن تذكرة إلى أمريكا، نجح، سافر، هناك لا يوجد دخل، فعمل في مطعم بعد الظهر، وقبل الظهر في الجامعة، وبالليل عنده دراسة، ثلاث مراحل: قبل الظهر يداوم في الجامعة، بعد الظهر ينظف الصحون في مطعم، مساء: يدرس، مضى سبع سنوات استحق الدكتوراه، موضوع الدكتوراه دقيق جداً، علمت به دولته، فخافوا أن يبقى في أمريكا، أرسلوا له وظيفة عالية جداً، معاون وزير الصحة مثلاً، هذا الآن أمضى سبع سنوات بالليل دراسة، وبالنهار دوام قبل الظهر، بعد الظهر تنظيف الصحون بالمطعم، شيء لا يُحتمل، الآن صار بأعلى منصب، يعني للتقريب: بيت في العاصمة، وبيت على الجبل، وبيت في البحر، وثلاث سيارات، انتقل نقلة مذهلة من تعب لا يُحتمل، من هم لا يُحتمَل، من قلق لا يحتمل إلى سعادة أبدية، واضح تمام؟ الآن ما هو الموت كما وصفه النبي صلى الله عليه وسلم: (تُحْفَةُ الْمُؤْمِنِ: الْمَوْتُ) الموت عرس المؤمن، العمر كله لهذه الساعة.
﴿ وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا ۖ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ(48) ﴾
هذه أرق كلمة قالها الله للنبي الكريم، أرق كلمة، بالمصطلح المعاصر "رومانسية"، أعلى درجة ﴿فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا﴾ يعني بالتعبير الدارج "غالي علينا جداً" وكل مؤمن عرف الله واستقام على أمره له من هذه الآية نصيب.
فلو شاهدت عيناك من حسننا الذي رأوه لما وليت عنا بغيرنا
ولو سمعت أذناك حسن خطابنا خلعت ثياب العجب عنك وجئتنا
ولو ذقت من طعم المحبة ذرة عذرت الذي أضحى قتيلا بحبنا
ولو نسمت من قربنا لك نسمة لمت غراما واشتياقا لقربنا
ولو لاح من أنوارنا لك لائح تركت جميع الكائنات وجئتنا
فما حبنا سهل وكل من ادعى سهولته قلنا له قد جهلتنا
فأيسر ما في الحب للصب قتله وأصعب من قتل الفتى يوم هجرنا
علينا التفكر في آيات القرآن:
إخواننا الكرام، ملمح لطيف: آية الأمر بالقرآن تقتضي أن تأتمر، وآية النهي تقتضي أن تنتهي، والقصة تقتضي أن تتعظ، وألف وثلاثمائة آية في القرآن بالضبط، ألف وثلاثمائة آية تتحدث عن الكون والإنسان، هذه ماذا تقتضي؟ اسمع القرآن:
﴿ إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِّأُولِي الْأَلْبَابِ (190)الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىٰ جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَٰذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ(191)﴾
﴿يَتَفَكَّرُونَ﴾ فعل مضارع يقتضي الاستمرار، ألف وثلاثمائة آية في القرآن، المطلوب الآية ﴿وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَٰذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ﴾ ماذا يقول الله؟
﴿ تِلْكَ آيَاتُ اللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ ۖ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَ اللَّهِ وَآيَاتِهِ يُؤْمِنُونَ (6) ﴾
معنى ذلك أن الآيات هي القنوات الوحيدة، الفريدة، السالكة لمعرفة الله، إذاً: هذه 1300 آية في القرآن عن الشمس والقمر، والليل والنهار، وما إلى ذلك، هذه الآيات عنوانات لموضوعات التفكر.
لولا الخاصية التي في الماء لما كانت الحياة:
أنت جالس في البيت، كأس الماء، دققوا أيها الإخوة، هذا الماء فيه خاصة لولاها ما كان هذا اللقاء، وما كانت عمّان كلها، ولا كان الأردن كله، ولا كان الشرق الأوسط، ولا العالم كله، بهذا الماء قاعدة: أي عنصر صُلْب، أو سائل، أو غازي بالحرارة يتمدد، بالبرودة ينكمش، بالأرض كلها، بالخمس قارات من آدم إلى يوم القيامة، أي عنصر صلب؛ وزن، حجم، طول، عرض، ارتفاع، مائع؛ سائل، أو غازي، إلا أن هناك خاصة بالماء، مثلاً: هذا الماء حرارته 20، أنزلناه لـ 15، للـ 10، للـ 5، زائد 4 -والله قرأت عن هذا الموضوع 80 صفحة- تنعكس الآية تقل كثافته يطفو على سطح البحر، لو لم يكن فيه هذه الخاصة الاستثنائية كلما تجمدت طبقة من الماء زادت الكثافة فترسّبت، الطبقة الثانية ترسّبت إلى أن تنعدم الأمطار، ويموت الزرع، ويموت الحيوان، ويموت الإنسان، كل حياتنا بالخمس قارات من آدم ليوم القيامة على هذا الاستثناء بالماء فقط.
أنت أحضر قارورة واملأها بالماء، وأحكم إغلاقها، وضعها بالثلاجة تنفجر، لأن الماء إذا أراد أن يتمدد لا يوجد قوة تقف أمامه.
الآن بالصخور الغالية جداً يقومون بأربع حفر، تُملأ بالماء ثم يُجمّد الماء فتُستخرج الصخرة كما هي, هذه الخاصة لولاها لَمَا كان هذا الدرس، ولا عمان، ولا الأردن، ولا الشرق الأوسط، ولا مكان في الأرض يصلح للحياة، هذه يد من؟ هل هذه صدفة؟ الماء وحده بدرجة زائد 4 تقلّ كثافته فيطفو، لو ما قلت كثافته يرسب، كل فترة طبقة إلى أن ينعدم التبخر، تنعدم الأمطار، تنعدم الرياح، ويموت الإنسان.
كل حياة البشر بالقارات الخمس من آدم إلى يوم القيامة عن طريق هذا الاستثناء في الماء، جرّب أن تملأ قارورة حتى الأعلى وضعها في الثلاجة تنفجر، واضحة تمام؟
يد مَن؟ علم مَن؟ قوة مَن؟ رحمة مَن؟ التفكّر أيها الإخوة الكرام في خلق السماوات والأرض أقصر طريق إلى الله، وأوسع باب ندخل منه على الله، الله -عز وجل- بتعبير معاصر سرّب لنا أقوال بعض الكفار يوم القيامة:
﴿ وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ (10) ﴾
ما الأزمة إذاً؟ أزمة علم فقط، فإذا أردت الدنيا فعليك بالعلم، وإذا أردت الآخرة فعليك بالعلم، وإذا أردتهما معاً فعليك بالعلم، إلا أن العلم لا يعطيك بعضه إلا إذا أعطيته كلك، فإذا أعطيته بعضك لم يعطك شيئاً، ويظل المرء عالماً ما طلب العلم، فإذا ظن أنه قد علم فقد جهل، طالب العلم يؤثر الآخرة على الدنيا فيربحهما معاً، بينما الجاهل يؤثر الدنيا على الآخرة فيخسرهما معاً.
هذا قرار خطير جداً، أن تتخذ قرار التفكر في خلق السماوات والأرض، وبين يديك، كل شيء بين يديك.
لذلك أرجو الله أن يحفظ لكم إيمانكم، وأهلكم، وأولادكم، وصحتكم، ومالكم، واستقرار هذه البلاد، وهذه نعمة لا تُعرف إلا إذا فُقدت، أرجو الله أن يبقيها على هذا البلد الأمين إن شاء الله.
اللهم أعطنا ولا تحرمنا، أكرمنا ولا تهنا، آثرنا ولا تؤثر علينا، أرضِنا وارضَ عنا، وصلى الله على سيدنا محمد النبي الأمي، وعلى آله وصحبه وسلم.
الملف مدقق