وضع داكن
24-11-2024
Logo
الزواج - الدرس : 14 - عوامل استمرار الزواج .
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

الحمد لله رب العلمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا، إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا، وزدنا علما، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.

قواعد مهمة تحفظ الزواج

أيها الإخوة المؤمنون، مع الدرس السابع من دروس الزواج، والحقيقة أيها الإخوة أن العبرة لا أن نصل بالشاب إلى الزواج فحسب، بل أن نصونه وهو متزوج من أن يفسد بيته.

1 - تطبيق شرع الله

هناك موجبات توصلنا إلى الزواج، وهناك قواعد تحفظ هذا الزواج من أن يفسُد، سمعتم في دروسٍ سابقة أن نسب الطلاق في البلاد الأجنبية تتجاوز الستين بالمئة، وفي بلاد ثلاثين بالمئة، وعندنا بفضل الله تعالى ثلاثة بالألف، معنى ذلك أن عوامل استقرار الزواج هو في تطبيق الشرع.
أضرب لكم مثلاُ بسيطاً: لو أردنا أن ننشئ بناء، إذا وضعنا الإسمنت الكافي، وكان الإسمنت بحالته الجيدة، ووضعنا الحديد الكافي وفق الأُصول المتبعة، هذه الإجراءات أحد أسباب بقاء البناء، فهذا البناء المبني وفق أُسس صحيحة عواملُ بقائه فيه، أما إذا وضعنا قليلاً من الإسمنت، ولم نضع الحديد، ولم نستخدم الشاقول، فهذا البناء فيه عوامل انهدامه، فأي زواجٍ يبنى على طاعة الله يكون فيه عوامل استمراره، والزواج المبني على معصية الله يكون فيه عوامل انهدامه، لذلك قال الله عزَّ وجل:

﴿ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقاً ﴾

( سورة الإسراء )

الباطل خلاف الحق، فالخروج عن منهج الله في أي عمل ينتهي به إلى الدمار.
مثلاً: إذا أردت لهذا الزواج أن يستمر فطبّق فيه منهج الله، إذا أردت لهذه التجارة أن تزدهر فطبق فيها منهج الله، إذا أردت لهذه الشراكة أن تدوم فطبّق فيها منهج الله، لأنك إذا طبقت منهج الله استقر الشيء واستمر، فاليوم درسنا متعلق، باستمرار الزواج، يقول الله سبحانه وتعالى في القرآن الكريم: 

﴿ وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى ﴾

( سورة الأحزاب: آية " 33 " )

 

2 – عدم خروج الزوجة من البيت إلا لحاجة


أي أن المرأة مكانها الطبيعي في البيت، وهي في البيت تقوم بأخطر عمل على الإطلاق، كما أن قائد الطائرة مكانه الطبيعي في غرفة القيادة، وهو وراء المقود، وأمامه العدادات، وعلى اتصال مع الأرض، يقوم بأخطر عمل في الطائرة، أما إذا ظن أن بقاءه في هذا المكان، تضيقٌ لحريته، وأنه عليه أن ينطلق، ضيع الركاب، وربما أهلكهم.
فالنقطة الدقيقة أيها الإخوة أن المرأة إذا توهمت أن بقاءها في البيت حبسٌ لها، وحدٌّ من حريتها فهذه جاهلية القرن العشرين، ولا يعني بقاءُ المرأة في البيت أن تبقى جاهلة، هناك من يربط بين بقاءها في البيت وجهلها.
حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ عَمَّارٍ حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ سُلَيْمَانَ حَدَّثَنَا كَثِيرُ بْنُ شِنْظِيرٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طَلَبُ الْعِلْمِ فَرِيضَةٌ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ وَوَاضِعُ الْعِلْمِ عِنْدَ غَيْرِ أَهْلِهِ كَمُقَلِّدِ الْخَنَازِيرِ الْجَوْهَرَ وَاللُّؤْلُؤَ وَالذَّهَبَ

[ابن ماجه]

أي كل مسلم ومسلمة، على كل شخصٍ مسلم، فالمرأة وهي في البيت ينبغي أن تتعلم أمر دينها، أن تتعلم القرآن، أن تتعلم سنة النبيّ e، أن تتعلم أحكام الفقه، كي تقوم بمهمتها خير قيام، كي تعرف حق زوجها عليها، وحق أولادها عليها، لذلك قال الله عزّ وجل: 

﴿ وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى ﴾

الحقيقة أنّ هذه الآية لا تعني أنه محظورٌ على النساء أن يخرجن، بل تخرج المرأة لحاجةٍ، كأنْ تزور أهلها، ولتزور أقربائها، أو لتتطبب، يمكن للمرأة أن تخرج من البيت، لكنها إذا خرجت:

﴿ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى ﴾

يقول ابن كثير في تفسير هذه الآية: " الزمن بيوتكن فلا تخرجْن لغير حاجة ".
حينما تتفرغ المرأة لزوجها وأولادها، فعملها في بيتها، وتفرغها لبيتها استثمارٌ لطاقتها، وليس هدراً لطاقتها، لأنها إذا أنجبت الأولاد الصالحين، ودفعت بهم إلى المجتمع، وأمَّنت لزوجها راحة البال والطمأنينة ضاعف إنتاجه، فهذا النظام الإلهي، نظام الزوجية مبنيٌّ على تفرغ الزوجة، وعلى إناطة تربية أولادها لها، وقد سمعتم كثيراً مني كيف أن هذه المرأة التي اشتكت إلى الله، وقد سمع الله شكواها من فوق سبع سماوات، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ قَالَ: قَالَتْ عَائِشَةُ:

(( تَبَارَكَ الَّذِي وَسِعَ سَمْعُهُ كُلَّ شَيْءٍ إِنِّي لَأَسْمَعُ كَلَامَ خَوْلَةَ بِنْتِ ثَعْلَبَةَ، وَيَخْفَى عَلَيَّ بَعْضُهُ، وَهِيَ تَشْتَكِي زَوْجَهَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهِيَ تَقُولُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَكَلَ شَبَابِي، وَنَثَرْتُ لَهُ بَطْنِي، حَتَّى إِذَا كَبِرَتْ سِنِّي، وَانْقَطَعَ وَلَدِي ظَاهَرَ مِنِّي، اللَّهُمَّ إِنِّي أَشْكُو إِلَيْكَ، فَمَا بَرِحَتْ حَتَّى نَزَلَ جِبْرَائِيلُ بِهَؤُلَاءِ الْآيَاتِ:( قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ ) ))

أيها الإخوة: 

﴿ وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ ﴾

هذا أمرٌ إلهي يقتضي الوجوب، أي أن المرأة يجب أن تتفرغ لزوجها وأولادها، أما حينما لا تتفرغ تضيِّع زوجها، وتضيع أولادها، ثم إنها فوق ذلك تضيع فرصة عملٍ لرجل، ثم إنها فوق ذلك تضيع فرصة زواجٍ لامرأةٍ ثانية، فضيعت بذلك زوجها، وأولادها، وفوتت على رجلٍ وظيفةً، وفوتت على فتاةٍ زواجاً، وحينما تختلط بالرجال ربما تفسد مجتمعهم، لأن المرأة في أصل الفطرة محببة على الرجال: 

﴿ وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ ﴾

قال ابن كثير: " الزمن بيوتكن، فلا تخرجن لغير حاجة ".
وقال أبو بكر الجصاص: " وفي هذه الآية دلالةٌ على أن النساء مأمورات بلزوم البيوت، منهياتٌ عن الخروج ".
أي أن كمالها في تفرغها لزوجها وأولادها، وفي الأثر:

(( فأيّما امرأةٍ قعدت على بيت أولادها فهي معي في الجنة ))

[ورد في الأثر]

وورد في الأثر أن النبيّ عليه الصلاة والسلام وَصف المرأة التي تفرغت لأولادها بعد موت زوجها:

(( فإذا امرأةٌ تنازعني تريد أن تدخل الجنة قبلي، قلت: من هذه يا جبريل ؟ قال: هي امرأةٌ مات زوجها، وترك لها أولاداً، فأبت الزواج من أجلهم ))

حينما تقوم المرأة بواجبها تجاه زوجها وأولادها لا يعلم إلا الله المكانة الرفيعة التي تحتلها عند الله، والمرأة التي تعتني بزوجها وأولادها امرأة قديسة، فلو كنتَ طبيبًا، وأهملت المرضى، واشتغلت مثلاً بمطالعة الصحف والمجلات، حتى أتقنت هذا الموضوع، وأنت مرجع في هذا الموضوع، هل لك فضلٌ في هذا ؟ لا، أبداً، أنت أهملت وظيفتك الأساسية، وأهملت مرضاك، واشتغلت بعملٍ لا تتقنه، فحينما تخرج المرأة، وتُهمل زوجها وأولادها فقد تخلَّت عن وظيفتها الأساسية التي خُلقت لها.
لكن بعضهم يقول: " هذا الأمر خاص بنساء النبيّ صلى الله عليه وسلم ، لقوله تعالى: ]وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُن[، والخطاب لنساء النبيّ صلى الله عليه وسلم .

والإجابة عن هذا التساؤل سهلةٌ جداً، إذا كان نساء النبيّ e وهن العفيفات، المحصنات الطاهرات، قد أُمرن أن يقررن في بيوتهن فلأَن يكون هذا الأمر موجهاً إلى بقية نساء المؤمنين مِن بابٍ أولى، إذا قلنا للمتفوق: اجتهد، فلأن يكون هذا الأمر موجهاً إلى المقصّر فمِن بابٍ أولى، فحينما يوجه الأمر لنساء النبيّ فالأمر حُكماً موجهاً إلى بقية نساء المؤمنين، وهناك آيات أُخرى تشير إلى مثل هذا:

﴿ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ ﴾

( سورة الأحزاب: آية "59 " )

والآية الأساسية التي يقول الله فيها: 

﴿ فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَنْ تَابَ مَعَكَ ﴾

( سورة هود: آية " 112" )

والقاعدة، والحديث الشريف:

(( … إِنَّ اللَّهَ أَمَرَ الْمُؤْمِنِينَ بِمَا أَمَرَ بِهِ الْمُرْسَلِينَ ))

[مسلم عن أبي هريرة]

إذاً: في هذه الآية دلالةٌ على أن النساء مأمورات بلزوم البيوت، منهياتٌ عن الخروج لغير حاجة، وقد صرح المفسرون بأن الأمر بالقرار في البيوت لجميع النساء قاطبة ً.
وقال الإمام القرطبي في تفسير هذه الآية: " معنى هذه الآية، الأمر بلزوم البيت ".
فرَّق بعض علماء النفس ووضحوا معنى الأُنوثة حينما تبقى في البيت فيكون لها رونق، أما إذا خرجت، وخالطت الرجال تَرَجَّلتْ، فإذا تَرَجَّلتْ فقدتْ أُنوثتها، وأجمل ما في المرأة أُنوثتها، أما إذا تَرَجَّلتْ، وتكلمت وأحدّت النظر، وعلَّقت، وتدخّلت في شؤون لا تعنيها فَقَدتْ أجمل ما فيها، وهي أُنوثتها.
وقد ورد أنه من علامات قيام الساعة: " أن يُرفع الحياء من وجوه النساء، وأن تُرفع النخوة من رؤوس الرجال، وأن تُنتزع الرحمة من قلوب الأُمراء "، فلا رحمة في قلوب الأُمراء، ولا حياء في وجوه النساء، ولا نخوة في رؤوس الرجال.
أيها الإخوة، هذا الأمر الإلهي لا يعني البقاء في البيت مطلقاً، لكن الأصل أن تبقى في البيت، ولها أن تخرج لحاجةٍ، والبقاء في البيت لا يعني عدم الخروج، لكن هناك نساء يعتقدن أن الأصل أن تخرج من البيت، هذا هو الخطأ، لكنها إذا خرجت، الآية تقول: 

﴿ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى ﴾

والدليل أن الله سبحانه وتعالى أعفاها من صلاة الجماعة، ومن حضور الجُمَع، فلعظم الأمر بالإقرار في البيت أعفى الشرع الكريم المرأة من حضور الجُمَع والجماعات، فقد قال عليه الصلاة والسلام:

(( من كان يؤمن بالله فعليه الجُمعة يوم الجمعة، إلا مريضاً، أو مسافراً، أو امرأةً أو صبياً أو مملوكاً، فمن استغنى بلهوٍ أو تجارةٍ، استغنى الله عنه، والله غنيٌ حميد ))

[الدارقطني عن جابر]

فصلاة الجمعة شيء مقدس جداً في حياة المسلم، والعبادة التي إذا تركها الإنسان ثلاثة مرات نكتت نُكتةٌ سوداءٌ في قلبه، وبعدها يكون الرّان، وهذه الصلاة كما تعلمون صلاة الجمعة شحن أسبوعي، وعندك شحن يومي، لكن الشحن اليومي مدته بين الصلاتين، تصلي الظهر تشحن إلى العصر، والعصر إلى المغرب، والمغرب إلى العِشاء، والعِشاء إلى الفجر، والفجر إلى الظهر، أما صلاة الجمعة فلأن فيها خطبةً فهي شحن أسبوعي، وأكثر إخواننا الكرام إذا حضروا صلاة جمعة، واستمعوا إلى الخطبة، وكانوا مخلصين في مجيئهم يتأثرون تأثرًا يمتد بهم أياماً عدة، فالخطبة شحن أسبوعي، والصلوات الخمس شحن يومي، والشحن الأسبوعي أطول أمداً، أما رمضان كونه ثلاثين يومًا فهو شحن سنوي، أما العبادات التي يشحن بها الإنسان إلى بقية عمره فهي الحج، فهو شحنةٌ إلى نهاية عمره، فكلما كان تركيز كبير، والمدة أطول يكون الشحن أطول، فالحج قد يكون أسابيع عديدة وسفر، وفيه تفرغ... إلخ.
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سُوَيْدٍ الْأَنْصَارِيِّ عَنْ عَمَّتِهِ أُمِّ حُمَيْدٍ امْرَأَةِ أَبِي حُمَيْدٍ السَّاعِدِيِّ أَنَّهَا جَاءَتْ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي أُحِبُّ الصَّلَاةَ مَعَكَ، فقال:

(( قَدْ عَلِمْتُ أَنَّكِ تُحِبِّينَ الصَّلاةَ مَعِي، وَصَلاتُكِ فِي بَيْتِكِ خَيْرٌ لَكِ مِنْ صَلاتِكِ فِي حُجْرَتِكِ، وَصَلاتُكِ فِي حُجْرَتِكِ خَيْرٌ مِنْ صَلاتِكِ فِي دَارِكِ، وَصَلاتُكِ فِي دَارِكِ خَيْرٌ لَكِ مِنْ صَلاتِكِ فِي مَسْجِدِ قَوْمِكِ، وَصَلاتُكِ فِي مَسْجِدِ قَوْمِكِ خَيْرٌ لَكِ مِنْ صَلاتِكِ فِي مَسْجِدِي ))

[أحمد]

معنى ذلك أن المرأة مأمورةٌ أن تقرَّ في البيت، لأنها إذا خرجت ربما فتنت، وربما أفسدت أو فسدت.

 

مساوئ خروج المرأة من البيت


بقي علينا أن نتنقل إلى أن المرأة إذا خرجت من البيت في الأعم الأغلب ينتشر الفساد إذا جعلت الأصل في خروجها من البيت، الأصل أن تخرج إذاً يعمُّ الفساد، والشيء الذي تعرفونه جميعاً هو أن الله سبحانه وتعالى أودع في كل طرفٍ محبة الطرف الثاني، لكن هذا الحب ينبغي أن يكون تحت مظلة الزواج، وينتهي إلى علاقة مباحة، والثمرة طيبة هي الأولاد، فهذا الحب الفطري يجب أن يغطى بنظام الزوجية، ونظام الزوجية يجب أن ينتهي إلى أولاد، وهم ثمرة هذا الحب، أما إذا كان هذا الحب الفطري الذي أودعه الله في الرجال وفي النساء على حدٍ سواء لم يكن تحت مظلة الزواج، فربما أدى هذا الأمر إلى الفساد، والفساد كما تعلمون إخراج الشيء عن طبيعته، فحينما تتعلق المرأة بغير زوجها ربما جرها هذا إلى ترك زوجها، أو إلى إهمال أولادها، وربما حمل هذا زوجها على تطليقها أو على إيقاع الأذى بها، فليس في منهج ربنا عزَّ وجل امرأةٌ تتعلق بغير زوجها، وليس في منهج ربنا عزَّ وجل رجلٌ يتعلق بغير امرأته، والدليل الأمر بغض البصر، والنهي عن الخلوة، والنهي عن الخروج من البيت.
لست مبالغاً إذا قلت: إن ما تعانيه المجتمعات الغربية من الفساد هو بسبب الخروج من البيت.
لي قريب يسكن في فرنسا في باريس، استيقظ ذات مرةً في الليل على أصوات عيارات نارية، ثم عرف في الصباح أن امرأة جاره تعمل موظفةً في شركة، وقد علِم الزوج أنَّ هناك علاقةً بين زوجته وبين مدير الشركة، بدافع فطرته أقدم على قتلها، وقتل أولادها اعتقاداً منه أن هؤلاء الأولاد ليسوا منه، فالفطرة أن الرجل لا يتحمل أن تكون لامرأته علاقةٌ برجل آخر، والمرأة أيضاً لا تتحمل أن ترى أن لزوجها علاقةً بامرأةً أخرى خارج نظام الزوجية، هذا الذي هو عليه منهج ربنا جلَّ جلاله.
وأنا أرجو الله سبحانه وتعالى أن تعتقدوا معي أنك إذا نويت تفريغ زوجتك من العمل فالله سبحانه وتعالى إكراماً لحفاظك على شرعه يجلب لك من الرزق أضعاف ما تنتظر أن يأتيك من طريق زوجتك، ومعنى الآية الكريمة: 

﴿ الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ ﴾

( سورة النساء: آية "34 " )

القوامة لها تعليل، وتعليلها: 

﴿ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ ﴾

( سورة النساء: آية "34 " )

إذا كنتَ أفضل منها علماً وورعاً وديناً، وأنفقتَ من مالك عليها ملكت قوامتها، فإذا كنت أقل منها ورعاً، وأقلّ منها علماً، وأنفقتْ هي عليك فقدت القوامة، وأساس القوامة التفضيل من جهةٍ، والإنفاق من جهةٍ أخرى، والتفضيل أن يكون لك القرار، فصاحب القرار أنت، لأن الزواج مؤسسة تحتاج إلى مدير، تحتاج إلى رئيس، تحتاج إلى من يتخذ القرار، هو يستشير، وهناك آية تؤكد الاستشارة.

 

3 - وجوب الاستئذان لدخول البيت

الآن ننتقل إلى شيءٍ آخر من أساسيات الحفاظ على هذا البيت الزوجي، أولاً وجوب الاستئذان لدخول البيت، قال تعالى: 

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتاً غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ﴾

( سورة النور )

حتى تستأنسوا، إنكم إن استأذنتم، وأذن لكم استأنستم، وأصحاب البيت إن أذِنوا استأنسوا، فالاستئناس يعود على الطرفين: 

﴿ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا ﴾

فعطف السبب على المسبِّب، لأن سبب الاستئناس هو السلام على أهلها، إذا استأذنت أهل البيت أنست أنت، وإن استأذنتهم أنسوا بك، فالاستئناس مشترك بينك وبينهم، وهذه عادة المسلم.
أحياناً بعض إخواننا الكرام يلتقون مع أناساً غير منضبطين إسلامياً، يدخل رأساً إلى البيت من دون استئذان، وهذا من الجهل الفاضح من الإنسان، لا تدخل بيتاً قبل أن تستأذن: 

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتاً غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ﴾

إنّ حكمة الاستئذان من أجل النظر، فإذا دخل الإنسان بلا استئذان ربما وقعت عينه على عورات أهل البيت، فحكمة الاستئذان من أجل ألاّ تقع العين على عورةٍ ينبغي ألاّ تُكشف، لذلك يجب على من يريد دخول البيت أن يستأذن، سواء أكان الباب مفتوحاً أو مغلقاً، لأن الشرع أغلق الباب بالتحريم، ولا يفتح إلا بالإذن، إذا كان باب مفتوحًا فليس معنى ذلك أن الدخول مسموح، ربما قد يكون مفتوحًا خطأً، والشرع أغلق الباب، وفتح هذا الباب بالإذن، فلو رأيته مفتوحاً فلا بدَّ من أن تستأذن.
الاستئذان أيها الإخوة واجبٌ على كلِّ بالغٍ يريد الدخول، سواء أكان في البيت أمه أم أخته أم ابنته، إلا الزوج، فليس عليه أن يستأذن بالدخول، وليس في البيت إلا زوجته.
الآن هناك بيوت كثيرة، فالإنسان عنده ابنته ووالدته وأخته وزوجته، إذا وجد في البيت أحد هؤلاء عدا الزوجة فينبغي أن تستأذن، وقد يكون عند الزوجة ضيفة، كأختها، إذاً الاستئذان هذا من أدب المسلم في علاقاته الاجتماعية، قال تعالى:

﴿ وَإِذَا بَلَغَ الْأَطْفَالُ مِنْكُمُ الْحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِنُوا كَمَا اسْتَأْذَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ ﴾

( سورة النور: آية " 59 " )

ويروي الإمام مالك في الموطأ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَأَلَهُ رَجُلٌ فَقَالَ:

(( يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَسْتَأْذِنُ عَلَى أُمِّي، فَقَالَ: نَعَمْ، قَالَ الرَّجُلُ: إِنِّي مَعَهَا فِي الْبَيْتِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اسْتَأْذِنْ عَلَيْهَا، فَقَالَ الرَّجُلُ: إِنِّي خَادِمُهَا، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اسْتَأْذِنْ عَلَيْهَا، أَتُحِبُّ أَنْ تَرَاهَا عُرْيَانَةً ؟ قَالَ: لَا، قَالَ: فَاسْتَأْذِنْ عَلَيْهَا ))

قد يدخل الأخ على أخته، فإذا كانت الأخت تبدّل ثيابها فالمفروض ألاّ يراها أخوها، ينبغي أن يستأذن الأخ على أخته إذا دخل حجرتها، وأن تستأذن الأخت على أخيها إذا دخلت حجرته، وأن يستأذن الأب على ابنته إذا دخلت حجرتها، هذه آداب إسلامية لئلا يرى الإنسان ما لا ينبغي أن يراه، والحديث واضح جداً.
هناك قصص نادرة عن علاقات شائنة بين الأخ وأخته، ربما كان السبب عدم تطبيق هذا الحكم، إذا وجدت حالات لا ترضي الأب، والأب يخرج من جلده حينما يستمع إليها، إذا كان هناك في البيوت بعض هذه الحالات فسببها عدم استئذان الأخ على أخته، أو عدم استئذان الأخت على أخيها، وإنما جعل الاستئذان من أجل النظر، حتى إن المرأة عليها أن تستأذن إذا دخلت، روى بن حاتم عن أم غياث قالت: << كنا في أربع نسوة نستأذن على عائشة رضي الله عنها، فقلت: ندخل ؟ قالت: لا، فقالت واحدة: السلام عليكم أندخل ؟ قالت: ادخلوا >>.
فقالت السيدة عائشة لهذه المرأة المؤمنة: 

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتاً غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ﴾

إذاً هذا سلوك حتى في بيتك، فالزوجة معفو عن الاستئذان منها فقط، أما الأم والأخت والبنت والعمة والخالة فهذه المحارم، لكن سوى المحارم لا نظر ولا لقاء.
لقد أوجب الإسلام أيها الإخوة على المسلمين أن يستأذنوا إذا دخلوا على آبائهم في أوقاتٍ ثلاث، قال تعالى:

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنْكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنْكُمْ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ مِنْ قَبْلِ صَلَاةِ الْفَجْرِ وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيَابَكُمْ مِنَ الظَّهِيرَةِ وَمِنْ بَعْدِ صَلَاةِ الْعِشَاءِ ثَلَاثُ عَوْرَاتٍ لَكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ وَلَا عَلَيْهِمْ جُنَاحٌ بَعْدَهُنَّ ﴾

( سورة النور: آية " 58 " )

إنّ هذا واضح بشكل جلي ؛ أن الاستئذان من أجل ألاّ تقع عينك على عورةٍ لا يرضي الله أن تطلع عليها، وهذا ضروريٌ جداً في البيوت، والبيت المسلم بيت منضبط، وأضيف إلى هذا شيئاً أن لباس الأب والأم والشباب والفتيات في البيت يجب أن يكون منضبطاً، ولو كان الأخ مع أخته، فليس للأخت الحق أن تبدو أمام أخيها إلا بثياب الخدمة، التي وصفها الفقهاء بأنه الثوب الذي تخدم به المرأة بيتها، قد يكون نصف كُمٍّ فلا مانع، وأن يكون الصدر مستورًا، وتحت الركبة، هذه ثياب الخدمة، أما أن تتبذل المرأة أمام أولادها، أو الفتاة أمام إخوتها، أو الأخ أمام أخته فيلبس الثياب الداخلية، ويتجول بها في البيت، هذا لا يجوز أبداً، وهذا جزء من الدين، وإذا حدثَ فسادٌ يكون هذا هو السبب.
الآن من آداب الاستئذان عدم الإلحاح لحصول الإذن، قال تعالى: 

﴿ فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فِيهَا أَحَداً فَلَا تَدْخُلُوهَا حَتَّى يُؤْذَنَ لَكُمْ وَإِنْ قِيلَ لَكُمُ ارْجِعُوا فَارْجِعُوا هُوَ أَزْكَى لَكُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ ﴾

( سورة النور )

قبل أن أتابع الموضوع قلت لكم سابقاً: ضباط الأمن الجنائي عندهم قاعدة عند وقوع جريمة، يقولون: فتّش عن المرأة في كل جريمة، وأنت عدِّل هذه القاعدة، فتّش عن المعصية عند كل مشكلة تطرأ في البيت، وما من مشكلةٍ تفاقمت أو ظهرت أو تفجرت إلا وراءها معصية لله عزَّ وجل، فإذا أردت أن تنجو من المتاعب فعليك بطاعة الله عزَّ وجل.

 

عدم الإلحاح لحصول الإذن والاقتصار على الإذن ثلاثًا

الآن الحكم عدم الإلحاح بحصول الإذن، قال تعالى: 

﴿ فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فِيهَا أَحَداً فَلَا تَدْخُلُوهَا حَتَّى يُؤْذَنَ لَكُمْ وَإِنْ قِيلَ لَكُمُ ارْجِعُوا فَارْجِعُوا هُوَ أَزْكَى لَكُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ ﴾

( سورة النور )

أحيانا يتصل بالهاتف ـ ويقول له: أنا سآتي إليك، فتجيبه بانشغالك بموعد، فيغضب المتصل، فلماذا أخبرَ بقدومه إذاً ؟ أنت الآن تستأذنه في الزيارة، وهو على موعد، قال لك: أنا على موعد، فهل ينبغي أن تغضب ؟ استأذنت، وقيل لك: لا تدخل الآن، فقد يكون الإنسان يقوم بتغيير ملابسه، فلا تدخل، فمن لوازم أدب الإذن، أنه إذا لم يؤذن لك فلا ينبغي أن تغضب، وإلا لم يكن للإذن معنى، كأنها كلمة يقولها رفعًا ودفعاً للعتب، لو لم يؤذن لك فأنت كونك مسلمًا

ينبغي ألاّ تغضب، فلذلك الإلحاح في الإذن غير وارد، استأذِن، فإن أُذن فادخل، وإن لم يؤذن فلا تدخل.
أحياناً هذا شيء يحدث، تطرق الباب بشكلٍ ملِحّ، قال الفقهاء: " كان أصحاب النَّبي e يستأذنون بأظافرهم على باب رسول الله "، فلماذا الطرق بإلحاح على باب أخيك، لعله يصلي، يجب أن تنتظر صلاة أربع ركعات، لعل أخاك وحده في البيت، واستأذنت أنت بقرع الجرس، وبعد أن قال صاحب البيت: الله أكبر، ليصلي صلاة الظهر أربع ركعات طرقتَ الباب، وإذا كان الطرق مستمرًا شوّشتَ عليه صلاته، فالأدب يعلمنا أنه ينبغي أن تنتظر مقدار صلاة أربع ركعات، طبعاً لا يقرأ سورة البقرة فيها، بل سورة عادية، فإذا طرقت مرة ثانية بعد الأربع ركعات، أو ثالثة، فلا مانع، لكن بعض الأشخاص مولعون في متابعة في الاستئذان عن طريق قرع الجرس، وهذا مخالف للشرع.
روى الإمام مسلم عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه أنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلَّم يقول:

(( الاسْتِئْذَانُ ثَلَاثٌ، فَإِنْ أُذِنَ لَكَ، وَإِلّا فَارْجِعْ ))

[مسلم]

ويقول الإمام مالك: " الاستئذان ثلاث، لا أحب أن يزيد أحدٌ عليها، إلا من علم أنه لم يسمع، فلا أرى بأساً أن يزيد إذا استيقن أنه لم يسمع "
أحيانا يكون البيت واسعًا، وأنت تعلم خبايا البيت، وقد غلب على ظنك أن أهل البيت لم يسمعوا، في هذه الحالة لك أن تزيد في الإذن.

 

حصول الإذن مع وجود مانع الدخول

الآن عندنا حالات، لو أنه أذن لك ينبغي ألاّ تدخل، طرقتَ باب صديقك، سألت عنه، قيل لك: ليس موجوداً، فتقول لك امرأته: تفضَّل، انتظره، سيأتي بعد قليل، وهي قد أذنتْ لك، أنت لا يحق لك أن تدخل ولو أذِنتْ لك.
عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:

(( لَا يَخْلُوَنَّ رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ إِلَّا كَانَ ثَالِثَهُمَا الشَّيْطَانُ ))

فقد حرَّمت الشريعة الغراء أن يدخل أحدٌ البيت على امرأةٍ ليس معها ذو محرم.
أحياناً يكون الرجل وحده في البيت، وتأتي أخت زوجته من مكان بعيد، فقل لها: والله ليست هنا، ولا تستحي من الحق، أما أن تقول لها: تفضلي، وأنتَ وحدك معها فهذه خلوة محرَّمة، فإذا أردت أن تكرمها فاخرجْ من البيت، وقل لها: تفضلي، يمكن أن تفعل هذا إذا جاءت من مسافة بعيدة جداً، قل لها: انتظري، وارتدِ أنتَ ثيابك، واخرج من البيت، وادعها لدخول البيت، إذا كان هناك قرابة وثقة، أما أن تقول لها: تفضلي، أو أن تقول لصديق زوجها: تفضل فلا، ولو أذن ينبغي ألاّ تدخل، ولا يحق لك، وهذا من الكبائر.
فقد روى الإمام البخاري عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:

(( إِيَّاكُمْ وَالدُّخُولَ عَلَى النِّسَاءِ، فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ الْأَنْصَارِ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَفَرَأَيْتَ الْحَمْوَ ؟ قَالَ: الْحَمْوُ الْمَوْتُ ))

فالحمو أقرباء الزوج، فلو ذهب إلى بيت أخيه فلم يجد أخاه، فليس له الحق أن يدخل إطلاقاً.
وقد بيَّن النبي عليه الصلاة والسلام علَّة تحريم الخلوة بامرأةٍ أجنبية، فليست الأجنبية هي التي معها جنسية أجنبية، فأخت زوجتك أجنبية، كلمة أجنبية في الفقه لا تعني أنها غير مسلمة، هي امرأة مسلمة، أخت زوجتك، الزوجة أخو زوجها، هذا أجنبي عليك.
في مسند أحمد عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:

(( وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلا يَخْلُوَنَّ بِامْرَأَةٍ لَيْسَ مَعَهَا ذُو مَحْرَمٍ مِنْهَا، فَإِنَّ ثَالِثَهُمَا الشَّيْطَانُ ))

[احمد]

فالنبي عليه الصلاة والسلام ربط الإيمان مع هذا العمل، فإذا كنت مؤمناً افعل هكذا، وإن لم تفعل فلست مؤمناً.
إذا أردت أن تذهب إلى إنسان يعمل في الأمن الجنائي، وسألته عن مئة حالة جريمة أخلاقية، أو خيانة زوجية، أو تشرد، أو طلاق تعسفي، وتتبعت هذا الحالات لرأيت العجب العُجاب، كل هذه الحالات أساسها مخالفة هذه الأحكام، هذه الأحكام من عند خالق الكون، من عند صانع هذا الإنسان، هذه تعليمات الصانع، وأنت دائماً تحترم تعليمات الصانع.
قال الإمام الشوكاني: " وعلَّة التحريم ما في الحديث، من كون الشيطان ثالثهما، وحضوره يوقعهم في المعصية ".
وهنا نقطة ذكرتها كثيراً، وهي تحل آلاف المشكلات، إذا خلا الإنسان بامرأةٍ أجنبيةٍ يفرز الدماغ أحياناً مادة تعطل فيها محاكمته، مشكلة الخلوة بامرأة أجنبية كبيرة جدا، فهذه المعصية تجذب، فأنت لست منهياً عن مقارفتها، بل أنت منهيٌ عن مقاربتها، قال تعالى: 

﴿ وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا ﴾

( سورة الإسراء: آية " 32 " )

لو أنّ إنسانًا خطا أول خطوة فلا بد من أن يصل إلى آخر خطوة، كالصخرة المتمركزة في رأس جبل، إذا دفعتها لا تستقر إلا في قعر الوادي، فلذلك أمور النساء أمور دقيقة جداً، كما قال عليه الصلاة والسلام:

(( النساء حبائل الشيطان ))

[المنذري في الترغيب والترهيب عن حذيفة بسند ضعيف]

وقد ورد أن إبليس طلاعٌ رصّاد، وما هو من فخوخه بأوثق لصيده في الرجل من النساء، فهي حبلٌ خطير من حبائل الشيطان، فعلى الإنسان المؤمن أن يتقي الله.
عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:

(( إِنَّ الدُّنْيَا حُلْوَةٌ خَضِرَةٌ، وَإِنَّ اللَّهَ مُسْتَخْلِفُكُمْ فِيهَا فَيَنْظُرُ كَيْفَ تَعْمَلُونَ، فَاتَّقُوا الدُّنْيَا، وَاتَّقُوا النِّسَاءَ، فَإِنَّ أَوَّلَ فِتْنَةِ بَنِي إِسْرَائِيلَ كَانَتْ فِي النِّسَاءِ ))

[مسلم]

سيدنا عمر بن عبد العزيز يقول لميمون بن مهران: " لا تخلون بامرأةٍ وإنْ قلتَ: أعلِّمها القرآن "، فهل هناك أبلغ من ذلك، ولو قلت: أعلِّمها القرآن.

 

تحريم النظر على بيوت الغير

من لوازم هذا الموضوع، تحريم النظر إلى بيت الغير، ولا سيما هذه البيوت المتداخلة المتقاربة، فتجد بيتًا أمامه بيتٌ آخر، فبالليل أحياناً تفتح النوافذ، ويكون هناك تساهل، فمحرمٌ تحريماً قطعياً أن تنظر إلى داخل بيتٍ، وهذا بالطبع من لوازم غض البصر، وغض البصر كما تعلمون عبادة الإخلاص، وهذه العبادة لا تحرّمها القوانين، لكن يحرّمها خالق الكون، فحينما تغض النظر تؤكد لنفسك أنك تخاف الله عزَّ وجل، وتبتغي رضوانه.
يروي الإمام مسلم عن سهل بن سعد الساعدي رضي الله عنه:

(( أَنَّ رَجُلا اطَّلَعَ مِنْ جُحْرٍ فِي بَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَمَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِدْرًى يُرَجِّلُ بِهِ رَأْسَهُ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَوْ أَعْلَمُ أَنَّكَ تَنْظُرُ طَعَنْتُ بِهِ فِي عَيْنِكَ، إِنَّمَا جَعَلَ اللَّهُ الإِذْنَ مِنْ أَجْلِ الْبَصَرِ ))

[مسلم]

فلو أن إنسانًا يتلصص على جاره، أو ينظر من ثقب باب، أو يستعمل منظارًا، وهناك من يعلم هذا ليطلع على عورات البيوت، يجلس في الشرفات لينظر إلى البيوت التي دونه في النظر، يصعد إلى السطوح ليرى خبايا البيوت، هذا إنسان يرتكب عملاً يوجب أن تقلع عينه.
ويقول الإمام النووي في شرح هذا الحديث،

(( إنما جعل الإذن من أجل البصر ))

فأنت ألغيت الإذن كله، إذاً النظر من ثقب باب، أو من نافذة مفتوحة، أو من شرفة، أو من سطح، أو بمنظار، هذا كله محرَّم تحريمًا قطعيًّا، وبالطبع ليس معنى ذلك أن تفقع عينيه، هذا إرشاد إلى إن هذا الجرم كبير جداً، وفي بعض أحاديث شريفة النبي صلى الله عليه وسلم ما فعلها، ولن يفعلها، لكن هذا أسلوب بلاغي في عِظم هذه الجريمة، إنسان يتلصص، يسترق النظر ليرى عورات المسلمين !! هذا الذي حرمه الشرع الحنيف.
وقد ورد عن النبي صلّى الله عليه وسلّم كما روى الإمام مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قَالَ:

(( مَنِ اطَّلَعَ فِي بَيْتِ قَوْمٍ بِغَيْرِ إِذْنِهِمْ فَقَدْ حَلَّ لَهُمْ أَنْ يَفْقَئُوا عَيْنَهُ ))

كما قلت قبل قليل: هذا الحكم لبيان عظم هذه الجريمة، فالمؤمن سمته حسن، المؤمن تعرفه بسمته، فعنده خشية وحياء، والله أعرف إخوة ورعين جداً، فإذا كان بالمصعد امرأة تعدُّ خلوة انتظر حتى تصعد، ويصعد هو وحده، وهذا بالطبع من الورع، لذلك كان تحريم اللعب بالحمَام من هذا الباب.
روى الإمام أبو داود عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى رجلاً يتبع حمامةً، فقال:

(( شَيْطَانٌ يَتْبَعُ شَيْطَانَةً ))

[أبو داود]

من أين يتبع ؟ من على السطح، فهذا العمل أي البقاء على السطح مظنة كشف العورات، لذلك تحريم هذه الهواية لئلا يتوصَّل بها إلى الإطلاع على عورات المسلمين، هذا من لوازم الاستئذان.
إن القاضي شُريحًا لا يجيز شهادة صاحب حمامٍ.
ويقول الإمام ابن القيم: " يُمنَع اللاعبون بالحمام على رؤوس الناس "، أي يجب أن يقرَّعوا على رؤوس الناس، طبعاً هذه هواية محرمة في الشرع، لأنها مظنة استطلاع على عورات البيوت.
وإن شاء الله تعالى ننتقل في درسٍ قادم إلى الآداب التي يجب على المرأة أن تتبعها، والتي تجب على الرجل أن يتبعها كي يحفظ لهذا البيت قدسيته، نحن الآن في موضوع استمرار الزواج، تزوجنا بقي الاستمرار، فالتساهل في هذه الأمور قد يفسد هذه العلاقة الزوجية.
وأرجو الله سبحانه وتعالى، وأنا كلّي ظن حسن أنه لا يوجد مؤمن إلا وبالفطرة يكشف هذه الحقائق، فإيمان المؤمن وسلامة قلبه تحمله على اتباع هذه النصائح، ولو لم يعلم بها قد يكتشفها بفطرته.

ســؤال وجواب:

السـؤال:

هل يمكن الاستئذان على الزوجة كي لا تخاف ؟

الجـواب:

ذلك صحيح، فأنت مباح لك أن ترى من امرأتك كل شيء، ولكن لماذا تستأذن عليها في الدخول ؟ إذا جئت في وقت غير وقتك، أو رجعت الساعة الثامنة والنصف لنسيانك غرضًا ما، ففتحت الباب بنعومة، ودخلت إلى البيت، وهي مستلقية على الفراش، فوجدتْ شخصًا أمامها، فحتى تعرف أنك أنت زوجها تنفلج، هذه ملاحظة دقيقة، الاستئذان على الزوجة لئلا تخاف هذا لم يدخل في موضوع الفساد، ولكن دخل في موضوع ألاّ تخاف.

نص الزوار

اللغات المتوافرة

إخفاء الصور