- موضوعات متنوعة
- /
- ٠5مقالات في صحيفة دنماركية
الإعلان العالمي لحقوق الإنسان
منذ ستين عاما وفي العاشر من كانون الأول من العام 1948 قامت الجمعية العامة للأمم المتحدة بإقرار وإصدار الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، وبينما ادعى البعض بأنه أول إعلان في تاريخ البشرية لحقوق الإنسان فإن بعض الدلائل التاريخية تشير إلى غير ذلك.
لو سافرنا عبر الزمن ألف وثلاثمائة وستة وسبعون عاما إلى السابع من آذار عام 632 ميلادية سنجد أن الرسول محمد صلى الله عليه وسلم وقف على جبل عرفات وألقى بخطبة الوداع على المسلمين. وجه كلامه إلى حشود الحجاج الذين تجمعوا لأداء فريضة الحج السنوية (والتي تصادف السادس من كانون أول من ذلك العام). ولقد اعتبرت خطبة حجة الوداع كما وصفها العديد من العلماء المسلمين بأنها خطبة متميزة أرسى فيها الرسول صلى الله عليه وسلم مبادئ أساسية.
أ ـ الأساس في الخطبة مبادئ حقوق الإنسان
والكثير قد حاججوا بأن ما أرساه الرسول صلى الله عليه وسلم يعتبر الأساس لما نعتبره اليوم مبادئ حقوق الإنسان.
ب ـ أول مبدأ المساواة بين البشر
من أول المبادئ التي أرسالها الرسول صلى الله عليه وسلم هو المساواة بين البشر وأن الناس جميعا سواء في الحقوق والحريات ورفض أي نوع من أنواع التمييز واعتبار الناس متساويين بغض النظر عن عرقهم ولونهم وجنسهم ولغتهم وديانتهم وانتمائهم السياسي أو القومي أو الاجتماعي.
((أيها الناس، إن ربكم واحد، وإن أباكم واحد، كلكم لآدم، وآدم من تراب، إن أكرمكم عند الله أتقاكم، ليس لعربي فضل على أعجمي إلا بالتقوى، ألا هل بلَّغت؟ اللهم فاشهد))
ج- من مضامين الخطبة: مبدأ الأمن
أحد المبادئ الأخرى التي تضمنتها الخطبة هو الأمن، حيث ضمن للناس أن لا يكونوا محط تدخل تعسفي سواء في خصوصيتهم، أو أسرهم، أو بيوتهم، أو ماشاكل، أو أن تكون حياتهم، أو شرفهم، أو سمعتهم تحت الخطر، كما تضمن أنه لا يحق لأي شخص أو أمة أن تبني مجدها وحضارتها على أنقاض الآخرين، أو أن يحيوا على موت الآخرين، أو يغنوا على فقر الآخرين.
(( أيها الناس إن دماءكم وأموالكم، وأعراضكم عليكم حرام إلى أن تلقوا ربكم إنما المؤمنون إخوة، لا يحل لامرئ مالُ أخيه إلا عن طيب نفس منه، وإنكم ستلقون ربكم فيسألكم عن أعمالكم، ألا هل بلغت ؟ اللهم فاشهد))
د - مبدأ تداول المال في هذه الخطبة
مبدأ تداول المال ذكر أيضا في هذه الخطبة حيث بينت أن المال يتم تداوله في تسهيل التجارة والأعمال وأن الربا، وهو إقراض المال مقابل فائدة تضاف على المبلغ عند استرداده، هو محرم.
(( ألا وإن كل رباً في الجاهلية موضوع، وإن لكم رؤوس أموالكم لا تُظلمون ولا تَظلمون، قضى الله أن لا رباً وأول رباً أبدأ فيه - أي أسقطه - ربا عمي العباس بن عبد المطلب))
هـ- المساواة بين الرجل والمرأة في هذه الخطبة
مبدأ المساواة بين الرجل والمرأة كان متضمنا بالخطبة أيضا حيث ذكر بأن النساء شقائق الرجال ، وأن المرأة مساوية للرجل تماماً من حيث إنها مكلفة مثله بالعقائد والعبادات والمعاملات والأخلاق ومساوية له من حيث استحقاقُها الثواب والعقاب ، وأنها مساوية له تماماً في التشريف والتكريم
((اتقوا الله بالنساء واستوصوا بهن خيراً ألا هل بلغت؟ ألا هل بلغت؟ ألا هل بلغت؟ اللهم فاشهد))
المسلمون يجددون عهدهم لله في تأدية فريضة الحج
يجدد المسلمون عهدهم لله عند تأدية فريضة الحج إلى مكة كما ورد في خطبة الرسول صلى الله عليه وسلم، الحج هو الركن الخامس في الإسلام والذي يفرض على كل مسلم أن يؤديه مرة في العمر على الأقل، حيث يقدم المسلمون ليقفوا وجها إلى وجه أمام الكعبة المشرفة في بيت الله الحرام والتي يتجه إليها المسلمون في صلاتهم في كافة أنحاء العالم.
﴿ قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ ﴾
تعتبر الكعبة المكان الأكثر قدسية في الإسلام والتي بناها كما ورد في القرآن الكريم ابراهيم عليه السلام وابنه اسماعيل بعد رفع القواعد التي بناها أول إنسان على الأرض وهو سيدنا آدم عليه السلام، وقد دعا سيدنا ابراهيم عليه السلام وهو يبني الكعبة أن يرزقه الله ذرية صالحة تدعو إلى الله وقد كان سيدنا محمدا صلى الله عليه وسلم هو استجابة لهذه الدعوة.
﴿ وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ * رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ * رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ﴾
الحج مساواة بين الغني والفقير
يتجه المسلمون الحجاج إلى مكة في الأسبوع الأول من الشهر الثاني عشر من التقويم القمري (ذو الحجة) تاركين وراءهم هموم المعاش والرزق، هموم العمل والكسب وكل تعلقاتهم في الحياة الدنيا، وهم يلبسون ثياب الحج البيضاء كرمز للمساواة بين غنيهم وفقيرهم أمام الله، ثم يدخل الحاج حالة الإحرام وهي ترمز إلى الطهارة الروحية، حيث يتجنب الحاج فيها الخصام والعنف والجماع، يمشي المسلمون في مكة كتفا بكتف كإخوة في الإنسانية متساوون في هذا الجمع غنيهم وفقيرهم، سادتهم وعوامهم، بيضهم وسودهم، كبيرهم وصغيرهم، جميعهم متساوون لتجديد العهد إلى الله، وطلب المغفرة والرحمة منه، ينادي جميعهم بصوت واحد:
(( لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك))
الشعور بوجود الله ونداءه لهم
تجمعهم وحدة الهدف ويستشعرون وجود الله وهم يلبون دعوته وكأنه يقول لهم: تعال يا عبدي لتذوق حبي ولذة مناجاتي، تعالوا يا عبدي لأريك من آياتي الباهرات، تعال لأريك ملكوت الأرض والسماوات تعال لأضيء جوانحك بنوري الذي أشرقت به الظلمات، تعال لأعمر قلبك بسكينة عزت على أهل الأرض والسماوات، تعال لأملأ نفسك غنىً ورضىً شقيتْ بفقدهما نفوس كثيرة، تعال يا عبدي لأخرجك من وحول الشهوات إلى جنات القربات تعال لأخلصك من رُعب الشرك وذل النفاق إلى طمأنينة التوحيد وعز الطاعة.
طواف الحجاج حول الكعبة
وعندما يقوم الحجاج بالطواف حول الكعبة كركن من أركانها يشعرون بأن الله يخاطبهم قائلا: تعال يا عبدي، وطُف حول الكعبة طواف المحب حول محبوبه، واذرُف الدمع على ما فات من عمر ضيعته في غير ما خُلقت له، وعاهدني على ترك المعاصي والمخالفات على الإقبال على الطاعات والقربات، وكن لي كما أُريد لأكن لك كما تريد، كن لي كما أريد ولا تعلمني بما يصلحك، فإذا سلَّمت لي فيما أريد كفيتك ما تريد، وإن لم تُسلِّم لي فيما أُريد أتعبتك فيما تريد، ثم لا يكون إلا ما أريد، خلقت لك ما في الكون من أجلك فلا تتعب وخلقتك من أجلي فلا تلعب، فبحقي عليك لا تتشاغل بما ضمنته لك عما افترضته عليك .
الرجم والذبح من أوامر الله إلى سيدنا إبراهيم
أحد أركان الحج أن يرمي المسلم الحجارة على ثلاثة مواضع رمزية للشيطان وأن يذبحوا الهدي في صباح العيد حيث يوزع لحمه على الفقراء. هذه الشعائر هي تعبير رمزي عن أوامر الله إلى سيدنا إبراهيم عليه السلام أن يذبح ابنه إسماعيل كبرهان على حبه لله.
العبرة من الرجم
فعندما قاد سيدنا إبراهيم ابنه ليذبحه بيديه كما أُمر، تمثل له الشيطان كرجل حكيم كي يثنيه عن إطاعة أمر الله، ناصحا له بأن لا يقتل ابنه، فما كان من إبراهيم عليه السلام إلا أن ألقى عليه الحجارة وهذا ما يفعله الحجاج برميهم الحجارة في تلك المواضع.
نجاح سيدنا إبراهيم في الامتحان
عندما وصل إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام إلى مكان الذبح وضع سيدنا إبراهيم السكين على رقبة إسماعيل لكنها بأمر من الله لم تقطع ونادى الله سيدنا إبراهيم مخبرا إياه بأنه نجح في الامتحان الأصعب وأثبت طاعته لله ثم أرسل له خروفا ليفتدي به من السماء ويذبحه بدلا عن ابنه ليتم أمر الله.
﴿رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ * فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلَامٍ حَلِيمٍ * فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ * فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ * وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ * قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ * إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلَاءُ الْمُبِينُ * وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ ﴾
يعلن الحاج من خلال الرجم عداوته للشيطان
لهذا السبب يرمي الحجاج الحجارة على رمز الشيطان كركن من أركان الحج والحقيقة أن المسلم من خلال هذا الركن فأنه يعلن عداوته لإبليس وإغوائه الإنسان كي لا يعبد الله.
﴿ إن الشيطان لكم عدو فاتخذوه عدوا إنما يدعو حزبه ليكونوا من أصحاب السعير﴾