وضع داكن
26-02-2025
Logo
موضوعات مختلفة في التربية - تركيا - جمعية بيت الأمل - زوم : 158- علة وجود الإنسان في الدنيا
رابط إضافي لمشاهدة الفيديو اضغط هنا
×
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 
اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم ، اللهم علمنا ما ينفعنا ، وانفعنا بما علمتنا ، وزدنا علماً ، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه ، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه ،  واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه ، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين .
 

طلب العلم فريضة على كل إنسان :


بادئ ذي بدء أشكر الدعوة الكريمة التي إن دلت على شيء فعلى حسن الظن بي ، وأرجو الله أن أكون عند حسن ظنكم .
ولكن يلفت نظري أن كلمة جامعة مؤنث لفظي عند علماء اللغة ، والجامع مذكر لفظي ، والقرآن يقول :

﴿ الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيّاً كَبِيراً (34)﴾

[   سورة النساء ]

بمعنى أن الجامعات في العالم الإسلامي ينبغي أن تستقي مناهجها من وحي السماء لا من وحل الأرض ، في الأرض وحل ، في الفكر شبهات ، وفي السلوك شهوات ، وفي السماء مبادئ وقيم ، فنحن في بلد إسلامي وأتمنى على الجامعات في العالم الإسلامي أن تستقي مناهجها من وحي السماء لا أن تأتي بنظرية تتناقض مع القرآن .
فلذلك الجامعة في بعض البلاد المتخلفة تعد مدرسة يدخلها الطالب جاهلاً متواضعاً ، يخرج منها جاهلاً متعلماً .
أساليب البحث والمراجع والعلم لا تنتهي مع مر الزمان ، فإذا أردت الدنيا فعليك بالعلم ، وإذا أردت الآخرة فعليك بالعلم ، وإذا أردتهما معاً فعليك بالعلم ، والعلم لا يعطيك بعضه إلا إذا أعطيته كلك ، فإذا أعطيته بعضك لم يعطك شيئاً ، ويظل المرء عالماً ما طلب العلم ، فإذا ظن أنه قد علم فقد جهل ، طالب العلم يؤثر الآخرة على الدنيا فيربحهما معاً ، بينما الجاهل يؤثر الدنيا على الآخرة فيخسرهما معاً .
أنا أمامي طاولة ، هذه جماد ، طول ، عرض ، ارتفاع ، وزن ، حجم ، هذا الجماد بماذا يزيد عليه النبات ؟ بالنمو ، وبماذا يزيد عليهما الحيوان ؟ بالحركة ، أما الإنسان فهو موضع هذا اللقاء الطيب ، بم يزيد على كل أولئك ؟ بقوة إدراكية أودعت فيه ، هذه القوة الإدراكية تلبى بطلب العلم .
فإذا أردت الدنيا فعليك بالعلم ، وإذا أردت الآخرة فعليك بالعلم ، وإذا أردتهما معاً فعليك بالعلم ، والعلم لا يعطيك بعضه إلا إذا أعطيته كلك ، فإذا أعطيته بعضك لم يعطك  شيئاً.
 

العبادة علة وجود الإنسان :


لذلك عندنا مصطلح دقيق جداً أدخل به إلى الموضوع ؛ علة وجود الإنسان في الدنيا ، سبب وجوده ، غاية وجوده ، حكمة وجوده ، كلها كلمات لمسمى واحد ، هذه الحالة جاءت في القرآن الكريم آية صريحة ، قاطعة ، مانعة :

﴿ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ( 56 )﴾

[   سورة الذاريات  ]

والعبادة خضوع هذا الإنسان الأول رتبة ، والمفضل تكريماً ، والمؤاثر ثم المحاسب والمعاقب والمكلف بعبادة الله ( وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ) .
والعبادة كما قلت : طاعة طوعية ، ممزوجة بمحبة قلبية ، أساسها معرفة يقينية ،  تفضي إلى سعادة أبدية .
أهم شيء في هذا اللقاء أن تعلم علم اليقين سر وجودك في الأرض ، كما لو أنك دخلت إلى جامعة ، في مدينة معينة علة وجودك في هذه المدينة ، قد تكون باريس مثلاً ، أكبر مدينة في أوروبا ، علة وجودك الوحيدة ، وغاية وجودك ، وسبب وجودك الدراسة ، هذا لا يمنع أن تأكل بمطعم ، أن تقتني مجلة ، أن تجلس في حديقة ، أما سبب وجودك ، البطولة أن نعلم جميعاً علة وجودنا ، العبادة ، والعبادة طاعة طوعية ، ليست قسرية ، أساسها معرفة يقينية ، تفضي إلى سعادة أبدية ، فالعبادة على مدار العام ، طوال الأيام ، يوجد أمر ، ونهي ، وواجب ، ومباح ، ومحرم ، إلى آخره ، فأنت المخلوق الأول ، المكرم ، المفضل ، المكلف بعبادة الله ، فلابد من أن تتبع تعليمات الصانع ، والصانع هو الله ، والصانع هو الجهة الوحيدة التي ينبغي أن تتبع تعليماتها لأنها الجهة الخبيرة .

﴿   إِنْ تَدْعُوهُمْ لَا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ (14)﴾

[ سورة فاطر ]

 

اتباع تعليمات الصانع يحقق للإنسان الحياة التي أرادها الله له :


في الأرض ثمانية مليار إنسان ، فيهم واحد يحب المرض ؟ ولا واحد ، الفقر ؟ أبداً ، القهر ؟ فيهم واحد لا يحب المال الوفير والصحة الجيدة والزواج الناجح والعلاقات الطيبة والمنصب الرفيع ؟ كذلك هل يوجد واحد يجرؤ أن يقول : أنا لا أموت ؟ هذه قواسم مشتركة بالأرض كلها .
 فالبطولة أن تسأل نفسك : لماذا أنا في الدنيا ؟ ( وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ) العبادة طاعة طوعية ، أي خضوع هذا الكائن الأول ، المكلف ، المفضل إلى منهج الخالق ، إذاً حقق بهذا الخضوع سلامته ، وسعادته ، واستمراره ، وأي إنسان في الأرض - وأعني ما أقول - يتمنى سلامته ، من يحب المرض أو الفقر أو القهر ؟ من لا يحب أن يكون بيته واسعاً وزوجته كما يتمنى وأولاده أبراراً وبناته محتشمات ؟ جميعاً ، من منا لا يحب أن يعيش عمراً طويلاً في طاعة الله ؟ هذه قواسم مشتركة بين أهل الأرض قاطبةً ، لذلك أنت حينما تتبع تعليمات الصانع تحقق الحياة التي أرادها الله لك .

﴿ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدّاً (96)﴾  

[ سورة مريم ]

وداً فيما بينهم ، ووداً مع الله ، فهذا الاتصال بالله ، أن تخضع لمنهج الله ، أن يكون لك خط ساخن مع الله ، أن تناجي الله ، أن تعتمد على الله ، أن تتوكل على الله ، أن ترجو رحمته ، أن تخشى عذابه ، أن تنعقد لك صلة معه ، أصل الجمال ، والكمال ، والنوال ، الذات الكاملة .

(( عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم : ' قال الله عز وجل : أعْدَدْتُ لعباديَ الصالحين ما لا عين رأتْ ، ولا أذن سمعتْ ، ولا خطَر على قلبِ بَشَرْ . ))

[ أخرجه البخاري ومسلم والترمذي ]

أن تعرف الله خالقاً ، أن تعرف الله مربياً ، أن تعرف الله مسيراً ، أن تعرف الله صاحب الأسماء الحسنى ، والصفات العلا ، الذات الكاملة ، أصل الجمال ، والكمال ، والنوال ، هذا الإله .
 

عظمة هذا الدين أنه دين فردي وجماعي :


أول كتلة ، أول منظومة ، العقيدة ، إن صحت صح العمل ، وإن فسدت فسد العمل ، فلابد من طلب العلم .
إذا أردت الدنيا فعليك بالعلم ، وإذا أردت الآخرة فعليك بالعلم ، وإذا أردتهما معاً فعليك بالعلم ، والعلم لا يعطيك بعضه إلا إذا أعطيته كلك ، فإذا أعطيته بعضك لم يعطك شيئاً ، ويظل المرء عالماً ما طلب العلم ، فإذا ظن أنه قد علم فقد جهل ، طالب العلم يؤثر الآخرة على الدنيا فيربحهما معاً ، بينما الجاهل يؤثر الدنيا على الآخرة فيخسرهما معاً .
إذاً أنت مطالب بالعبادة ، والدليل الصارخ ، والواضح ، والقاطع : ( وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ) إلا أن العبادة خضوع لمنهج الله ، يوجد خضوع شعائري ، الصلاة   والصوم ، والحج ، والزكاة ، والنطق بالشهادة ، لكن مع الأسف الشديد العالم الإسلامي يملك نصف ثروات الأرض ، ويحتل أول موقع استراتيجي في الأرض ، ملتقى القارات الثلاثة ، ويملك ثلاثة ممرات مائية ، هي أصل في التجارة الدولية ، ويملك ويملك الحديث طويل ، ومع كل ذلك هذا العالم الثالث ، هذا العالم ليس أمره بيده ، وللطرف الآخر عليه ألف سبيل وسبيل ، لأنهم :

﴿ فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيّاً (59 )﴾

[  سورة مريم  ]

وقد لقينا هذا الغي ، والحديث السلبي مؤلم جداً ، لكن عظمة هذا الدين أنه دين جماعي ، ودين فردي ، بمعنى أن الفرد الواحد من بين ملياري مسلم إذا طبق الإسلام في دوائر ثلاثة ؛ نفسه دائرة ، بيته دائرة ، عمله دائرة ، في هذه الدوائر الثلاثة يملك فيها القرار ، القرار لذاتك تصلي ، أو لا تصلي ، تغض البصر ، أو لا تغض البصر ، تتحرى الحلال ، أو لا يعنيك ذلك ، أي أنت دائرة ، بيتك دائرة ، يا ترى هل يوجد شاشة مفتوحة ؟ هل يوجد اختلاط ؟ هل يوجد سهرات لا ترضي الله ؟ هل يوجد مزاح رخيص ؟ هل يوجد إظهار عورات عند الضيوف ؟ هذا بيتك ، الدائرة الثانية ، إذا أقمت أمر الله في بيتك نجحت ، عملك مشروع أم غير مشروع ؟ وإذا كان مشروع التعامل مع الآخرين من خلال عملك هل هو صحيح ؟ هل فيه صدق ؟ فيه أمانة ؟ أما يوجد غش ؟ يوجد تدليس ؟ يوجد كذب ؟ يوجد استغلال جهل المشتري؟
 

العبادات الشعائرية لا نقطف ثمارها إلا إذا صحت العبادة التعاملية :


أنت عندك عبادات شعائرية الصوم ، والصلاة ، والحج ، والزكاة ، لكن الصلاة ، الصوم :

(( عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : مَن لم يَدَعْ قولَ الزُّورِ والعمَلَ بِهِ ، فَليسَ للهِ حاجة فِي أَن يَدَعَ طَعَامَهُ وشَرَابَهُ . ))

[ أخرجه البخاري وأبو داود والترمذي ]

هذا الصوم ، الصلاة :

يؤتى بأناس يوم القيامة لهم أعمال كجبال تهامة يجعلها الله هباء منثوراً ، قيل : يا رسول الله جلهم لنا ؟ قال : إنهم يصلون كما تصلون ، ويأخذون من الليل كما تأخذون ، ولكنهم إذا خلوا بمحارم الله انتهكوها .

هذه الصلاة ، الزكاة :

﴿ قُلْ أَنْفِقُوا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً لَنْ يُتَقَبَّلَ مِنْكُمْ إِنَّكُمْ كُنْتُمْ قَوْماً فَاسِقِينَ (53)﴾

[ سورة التوبة ]

الحج :

من حج بمال حرام ووضع رجله في الركاب وقال : لبيك الله لبيك ، ينادى : أن لا لبيك ولا سعديك ، وحجك مردود عليك .

الشهادة :

من قال لا إله إلا الله بحقها دخل الجنة ، قيل : وما حقها ؟ قال : أن تحجبه عن محارم الله .
أي هذه العبادات الشعائرية لا يمكن أن تنجح ، ولا يمكن أن تقطف ثمارها ، ولا يمكن أن تؤدي أهدافها إلا إذا صحت العبادة التعاملية ، التعاملية بنود كثيرة جداً ، كسب مالك حلال أم حرام ؟ بسعر معقول أم غير معقول ؟ إنفاق مالك على شهوات لا ترضي الله أم على أصول في الحياة يقرها الشرع ؟ كسب مالك ، إنفاق مالك ، بيتك إسلامي أم فيه أشياء لا ترضي الله ؟ الشاشة مضبوطة أم مفتوحة ؟ أولادك يصلون أم لا يصلون ؟ بناتك محتشمات أم غير محتشمات ؟ الدين تفاصيل دقيقة جداً يبدأ من أخص خصوصيات الإنسان ، من العلاقات الأسرية ، وينتهي بالعلاقات الدولية ، فالمشكلة ممكن أن تضع بالبيت صورة الكعبة ممتاز ، لكن هذا لا يكفي ، وبغرفة ثانية الحرم النبوي ، وبالسيارة المصحف ، هذه كلها أشياء مقبولة ، لكن لا يمكن أن يكتفي بها ، إنفاق المال ، كسب المال ، بيعك ، شراؤك ، سهراتك ، ندواتك ،  نزهاتك ، سياحتك وفق الشرع ؟ فإن لم تكن وفق ذلك أصبحت تملك إسلاماً فولكلورياً ، نصلي يوم الجمعة ، نصوم رمضان ، أما الانضباط غير موجود ، الشاشة غير منضبطة ، العلاقات غير منضبطة ، كسب المال غير منضبط ، فهذا الدين العظيم يتدخل في أخص خصوصيات الإنسان ، فإما أن تكون عبداً لله ، تخضع لمنهج الله ، أو عبداً شرد عن الله ، وادفع الثمن .
شخص سأل النبي ، قال له : قل لي كلاماً جامعاً مانعاً :

(( عن سفيان بن عبد الله الثقفي رضي الله عنه قال :  قلت :  يا رسول الله ، قل لي في الإسلام قولاً لا أسألُ عنه أحداً بعدك ، قال : قل : آمَنْتُ بالله ، ثم استقم . ))

[ أخرجه مسلم ]

قال له : أريد أخف من ذلك ؟ قال له : إذاً فاستعد للبلاء .
هل يوجد شخص بالأرض لا يحب نفسه ؟ يحب سلامته من أي مرض ؟ من أي قهر ؟ يحب سعادته واستمراره وبيته ناجح ؟ كلنا ، بتطبيق تعليمات الصانع ، بتطبيق تفاصيل هذا الدين تكون أسعد الناس في بيتك ، وفي عملك ، بضاعة مشروعة ، والتعامل مشروع ، بالدكان لا يوجد معاص وآثام ، لا يوجد غرفة قياس المرأة تخلع ثيابها ، عندنا معاص كثيرة  أثناء البيع والشراء ، فعندما نطبق الدين نقطف ثمارها ، والدليل :

﴿ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (55)﴾

[ سورة النور ]

 

تحقيق السلامة والسعادة والاستمرار لا يكون إلا باتباع تعليمات الصانع :


بربكم ؛ الحقيقة المرة أفضل ألف مرة من الوهم المريح ، هل نحن مستخلفون في الأرض ؟ لا والله ، خمس عواصم محتلة ، أمرنا ليس بيدنا ، هل هذا الدين ممكن ؟ لا ، يواجه حرباً عالمية ثالثة كانت فيما مضى تحت الطاولة ، اليوم فوق الطاولة ، هذا الدين مطبق ؟ لا ليس مطبقاً ، لذلك ديننا فولكلوري ، أما لو تدينا التدين الصحيح لكانت كلمتنا هي العليا ، وكنا ننتصر .

﴿ إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ (51 )﴾

[ سورة غافر ]

لذلك هذا الدين يجب أن نطلع عليه ، على تفاصيله ، لابد من طلب العلم ، فإذا أردت الدنيا فعليك بالعلم ، وإذا أردت الآخرة فعليك بالعلم ، وإذا أردتهما معاً فعليك بالعلم ، العلم لصالحك .
أنت إذا ركبت سيارة حديثة جداً ، وتألق ضوء أحمر بلوحة البيانات ، هل تشعر هذه اللوحة هي حد لحريتك أم ضمان لسلامتك ؟ هنا الشاهد ، حينما تشعر أن هذه اللوحة ضمان لسلامتك ، وليست حداً لحريتك فأنت فقيه ورب الكعبة ، الدين لمصلحتك ، الدين تعليمات الصانع ، الدين تعليمات العليم الخبير ، الحكيم الرحيم ، فأنت انطلاقاً من حرصك اللامتناهي على سلامتك ، وعلى سعادتك ، وعلى استمرارك ينبغي أن تتبع تعليمات الصانع ، وهو الله .
 

الدين عقيدة وحركة :


هذه الكلية الفكرية مهمة جداً ، إن صحت العقيدة صح العمل ، الحركة ، أنت تبحث عن عمل ، لأنك تحب أن تأخذ مالاً تشتري به طعاماً ، فالأنبياء كانوا يأكلون الطعام ، ويمشون في الأسواق ، واضح جداً ، فلابد من عمل ، يوجد عمل مشروع ، وعمل غير مشروع ، وعمل يرضي الله ، وعمل لا يرضي الله ، وعمل مشروع أما التعامل معه غير مشروع ، يوجد تفاصيل كثيرة ، في دينك ، وفي عملك ، دينك بأسرتك ، دينك بنزهتك ، دينك بفراغك  دينك في الصيف ، دينك على البحر ، دينك في السفر ، دينك في الحضر ، منهج تفصيلي يبدأ من أخص خصوصيات الإنسان وينتهي بالعلاقات الدولية .
إذاً الدين عقيدة ، وحركة ، الحركة كسب المال ، إنفاق المال ، اختيار الزوجة ،  اختيار الحرفة ، اختيار العلاقات ، نوع العلاقات ، يوجد علاقات حميمة ، وعلاقات غير حميمة ، أما الحميمة فمع المؤمنين فقط .

(( عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لا تُصَاحِبْ إِلا مُؤْمِنا ، ولا يأكُلْ طَعَامَكَ إِلا تَقِيّ . ))

[  أبو داود والترمذي عن أبي سعيد الخدري ]

 
أما علاقات العمل فموضوع آخر ، ليس لها علاقة ، أما علاقة حميمة ، سهرة للساعة الثالثة بالليل إذا الآخر على غير دينك ، أو على منهج آخر غير منهجك لا يوجد توافق إطلاقاً ، هناك تفاصيل دقيقة بالدين فلابد من أن تختار أصدقاء الخير (( لا تُصَاحِبْ إِلا مُؤْمِنا ، ولا يأكُلْ طَعَامَكَ إِلا تَقِيّ )) ، فالدين إذاً عقيدة وحركة ، ويوجد ثمرة ، ما الثمرة ؟ هي الصلاة.

﴿ إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي (14)﴾

[ سورة طه ]

إن أردت أن تذكر الله فصلِّ ( وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي ) تقف في الصلاة ، تقرأ الفاتحة  تقرأ :

﴿ إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ (5)﴾

[ سورة الفاتحة  ]

تأتي الآية :

﴿ قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ (30)﴾

[ سورة النور  ]

هذا أمر ، بالركوع : يا ربِ سمعاً وطاعة ، بالسجود : أعنِ على ذلك يا رب ، كسب مالك ، إنفاق مالك ، علاقاتك ، سهراتك ، نزهاتك ، أي أطوار حياتك كلها وفق منهج الله ، هذا الدين ، أنت منضبط ، أنت تتحرك وفق تعليمات الصانع ، الدين يضمن لك سلامتك ، وسعادتك ، واستقرارك ، واستمرارك ، هذا الدين ، الدين قضية كبيرة جداً .
 

العقيدة أحد أكبر كيانات الإنسان :


سيدنا عمر عملاق الإسلام ، علم من أعلام الأمة ، شيء دقيق جداً بحياته فلذلك نحن الطموح مطلوب ، عندنا أشخاص عاديون ، يوجد بالأرض ثمانية مليار إنسان ، المتفوقون خمسة بالمئة ، لِمَ لا تكن من المتفوقين ؟ لِمَ تكون واحداً من مليارات ممليرة جاؤوا إلى الدنيا وغادروها ولم يدرِ بهم أحد ؟ أما إذا عرفت الله أصبحت علماً ، أصبحت موجهاً ، أصبحت قائداً ، أصبحت قدوةً ، أصبحت أباً كاملاً ، ابناً كاملاً ، أخاً كاملاً ، زوجةً صالحة ، فهناك إيجابيات في الحياة والله لا أبالغ تجعل الحياة جنة ، لذلك :

﴿ وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ (46)﴾

[  سورة الرحمن  ]

جنة في الدنيا هي جنة القرب ، وجنة في الآخرة هي جنة الخلد ، فالعقيدة أحد أكبر كيانات الإنسان ، طلب علم ، لابد من طلب العلم ، أي حتى تستطيع أن تضع في بطاقتك د. أي معك دكتوراه ، 23 سنة دراسة ليضاف حرف د. قبل اسمك ، وتريد جنة عرضها السماوات والأرض فيها (( ما لا عين رأتْ ، ولا أذن سمعتْ ، ولا خطَر على قلبِ بَشَرْ )) ألا يوجد عندك وقت لتحضر درس علم ؟ تفتح القرآن تقرؤه ؟ تطلب من عالم فتوى صادقة ؟ تجلس بمجلس علم   تتزود بحقائق الدين ؟ هذا صار غذاء .
 

رمضان شهر التوبة والمغفرة والإقبال على الله :


طبعاً شيء دقيق ، الآن الشخص العادي العادي برمضان يدع الطعام والشراب ، أما المؤمن فيدع المعاصي والآثام ، فوق الطعام والشراب ، يدع المعاصي والآثام ، أما المتفوق فيدع ما سوى الله ، هذا شهر رمضان شهر التوبة ، شهر المغفرة ، شهر الإقبال على الله ، شهر الصيام ، شهر القيام .

(( عن أبي هريرة رضي الله عنه : من صام رمضانَ إيماناً واحتساباً غُفِرَ له ما تقدَّم من ذَنْبِهِ ، من قام رمضان إيماناً واحتساباً غُفِرَ له ما تقدَّم مِنْ ذَنْبِهِ ، ومن قام ليلةَ القَدْرِ إيماناً واحتساباً غُفِرَ له ما تقدَّم مِنْ ذَنْبِهِ . ))

[ أخرجه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي عن أبو هريرة ]

إنسان عليه ملايين مملينة ، محجوزة كل ممتلكاته ، عليه ديون ، قيل له : افعل هذا العمل لثلاثين يوماً وتعفى من كل الديون (( من صام رمضانَ إيماناً واحتساباً غُفِرَ له ما تقدَّم من ذَنْبِهِ ، من قام رمضان إيماناً واحتساباً غُفِرَ له ما تقدَّم مِنْ ذَنْبِهِ )) 
أنا ذكرت السلبيات كي نبتعد عنها ، والله لا أبالغ لعل هذا الشهر انقلب عند بعض الناس أو عند معظمهم إلى شهر مسلسلات ، وشهر ندوات ، وشهر ولائم ، كأن الناس في هذا الشهر أفرغوه من مضمونه ، أراده الله نقلة نوعية ، أراده الله تألقاً إيمانياً ، أراده الله انضباطاً سلوكياً ، أراده الله إقبالاً عليه .

فـلو شاهدت عيناك من حسننـــــا             الذي رأوه لما وليت عنــــــــــا لغـيرنـــا

ولو سمعت أذناك حسن خطابــنا             خلعت عنك ثياب العجب وجئتنــــــــــا

ولو ذقت مـن طعم المحبــــــة ذرة             عذرت الذي أضحى قتيلاً بحبنــــــــــــا

ولو نسمت من قربنا لك نسمــــة             لمــــت غريباً واشتيـــــــــاقاً لقربنـــــــــــــا

ولــو لاح مـِــن أنـوارنــا لك لائــحٌ             تـركــت جـمـيــع الـكـائـنـات لأجـلـنـــــــــا

***

 

من ذكره الله منحه السكينة والتوفيق :


صارت كليات هذا الدين الكلية العقدية ، الفكر ، المنطلق النظري ، الإيديولوجيا ، التصور ، الجانب العقدي ، الجانب الحركي ، نوع سلبي للاستقامة ، أنا ما أكلت مالاً حراماً ، أنا ما كذبت ، أنا ما غششت ، أنا ما ملأت عيني من محاسن امرأة لا تحل لي ، هذا المؤمن منضبط مستقيم ، له عمل صالح ، عمله الصالح أولاً مع نفسه ، مع أسرته ، مع والديه ، مع زوجته ، مع أولاده ، مع جيرانه ، مع من يلوذ به ، يوجد عمل صالح ، وصدق ، وأمانة ، و رحمة ، وعفو ، وتسامح ، وحلم ، النبي الكريم أوتي مكارم الأخلاق ، والمؤمن عنده خلق .
 ابن القيم الجوزية قال : الإيمان هو الخلق ، فمن زاد عليك بالخلق زاد عليك في الإيمان .
صار عندنا صلاة ( وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي ) لكن إذا ذكرت الله ذكرك الله ، فإذا ذكرك منحك السكينة تسعد بها ولو فقدت كل شيء ، ذاقها النبي في الغار ، وذاقها يونس في بطن الحوت ، وذاقها إبراهيم في النار ، إن منحت السكينة تسعد بها ولو فقدت كل شيء ، وتشقى بفقدها ولو ملكت كل شيء ، منحك الحفظ ، يحفظك ، يحفظ لك أسرتك ، أهلك ، صحتك ، مكانتك ، حواسك الخمسة ، هذا الحفظ .

﴿ قَالَ هَلْ آمَنُكُمْ عَلَيْهِ إِلَّا كَمَا أَمِنْتُكُمْ عَلَى أَخِيهِ مِنْ قَبْلُ فَاللَّهُ خَيْرٌ حَافِظاً وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ (64)﴾  

[ سورة يوسف  ]

والتوفيق .

﴿ قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَرَزَقَنِي مِنْهُ رِزْقاً حَسَناً وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلَاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ (88)﴾

[ سورة هود ]

توفق في اختيار زوجتك ، توفق في تربية أولادك ، توفق في اختيار حرفتك ، توفق في علاقاتك ، لك مكانة ، لك هيبة ، سعيد في بيتك ، مُهاب في عملك ، الدين كله عطاء ،   كله خيرات ، أما إذا فُهم الدين عبادات شعائرية فهذا خطأ كبير ، فُرغ من مضمونه ، فنحن بحاجة ماسة إلى صحوة إسلامية ، إلى عودة لهذا الدين ، إلى قراءة القرآن قراءة منهجية ، قراءة فهم ، قراءة تطبيق ، قراءة تألق ، إلى أن نقيم مجتمعاً محسناً ، متكاملاً ، متعاوناً ، أن تكون باراً بمن حولك ، هذا الدين ، والله إن لم تقل أيها الأخ المؤمن بعد أن عرفت الله ، واستقمت على أمره : ليس على وجه الأرض من هو أسعد مني إلا أن يكون أتقى مني ، هناك مشكلة ، يجب أن تقول : ليس على وجه الأرض من هو أسعد مني .
أرجو الله أن يحفظ إيمانكم جميعاً ، وأهلكم ، وأولادكم ، وصحتكم ، ومالكم ،  واستقرار بلادكم .

والحمد لله رب العالمين

الاستماع للدرس

00:00/00:00

نص الزوار

إخفاء الصور