- أسماء الله الحسنى
- /
- ٠1أسماء الله الحسنى 1996م
الحمد لله رب العالمين و الصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا وزدنا علما وأرنا الحق حقا وارزقنا اتباعه وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.
أيها الأخوة المؤمنون:
مع الدرس الثالث من دروس أسماء الله الحسنى والاسم الجليل من أسماء الله الحسنى السلام، يا أيها الإخوة الأكارم ورد هذا الاسم في نص القرآن الكريم في قوله تعالى:
﴿هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ (23)﴾
وورد أيضاً في قوله تعالى:
﴿وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلَامِ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (25)﴾
دعوة الله كلها ملخصة بدار السلام و ورد في قوله تعالى:
﴿وَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ (90) فَسَلَامٌ لَكَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ (91)﴾
وورد في قوله تعالى:
﴿وَسَلَامٌ عَلَيْهِ يَوْمَ وُلِدَ وَيَوْمَ يَمُوتُ وَيَوْمَ يُبْعَثُ حَيّاً (15)﴾
هذه الآيات التي وردت في كتاب الله عز وجل وورد فيها اسم السلام، ما معنى هذا الاسم؟ يقول العلماء: هذا الاسم معناه أنه جل جلاله ذو السلامة، ذو السلام أي ذو السلامة كأن تقول الرضاع من الرضاعة، هذا الاسم أساسه اللغوي السلامة ومعنى السلامة أي أن ذاته جل جلاله سلمت من كل عيب وسلمت صفاته من كل نقص وسلمت أفعاله عن الشر، ولكن لابد من وقفة دقيقة عند العبارات سلمت ذاته من كل نقص، وسلمت صفاته من كل عيب، وسلمت أفعاله من الشر، أليس في الأرض شرور ؟ فكيف يقول العلماء في شرح هذا الاسم العظيم من أسماء الله تعالى: سلمت أفعاله من الشر ؟.
في الإجابة على هذا السؤال، وأنا أعلق أهمية كبرى على هذه النقطة، لأنك إذا فهمتها فهماً صحيحاً أحسنت الظن بالله عز وجل وحسن الظن بالله ثمن الجنة، سلمت أفعاله عن الشر المطلق ؟ ما هو الشر المطلق الذي نفعله لذاته ؟ أي إذا كان في الإنسان التهاب حاد في الزائدة الدودية ألا يمسك الطبيب الجراح المشرط الذي نرجوه أن يجري لنا هذه العملية !! ألا يمسك هذا الطبيب المشرط ويشق اللحم وينفر الدم ويخدر هذا الإنسان فبعد أن ينتهي مفعول التخدير ألا يتألم هذا الإنسان، هل أردنا أن نجرحه حباً بجراحته ؟ هل أردنا أن نقطع هذا اللحم حباً بإيقاع الأذى ؟ أم أن هذا الطبيب الرحيم البارع أمسك المشرط وفتح البطن ليستأصِل هذه الزائدة الملتهبة وفي استئصالها يكون الشفاء والراحة، فإذا جاء إنسان ليطعن إنساناً آخر بالسكين بلا سبب وبلا ذنب نقول: هذا فعل الشر المطلق أي أوقع فيه الأذى لذات الأذى، أما حينما يفتح جدار البطن ليستأصل هذه الزائدة الملتهبة فهذا ليس شراً مطلقاً ؛ هذا هو الشر الذي من أجل الخير، هذا هو الألم الذي من أجل الراحة، هذا هو فتح الجلد الذي هو من أجل راحة النفس، فلذلك حينما نقول: من معنى اسم الله السلام أنه ذو السلام والسلام من السلامة كما أن تقول الرضاع من الرضاعة.
إذاً أفعال الله ذاته منزهة عن كل عيب، صفاته منزهة عن كل نقص، أفعاله منزهة عن الشر المطلق، حينما توقع الشر لذات الشر فهذا شر مطلق.
يا أيها الأخوة الأكارم،
يجب أن تعتقدوا ويجب أن تؤمنوا أنه ليس في الكون كله شر مطلق، أتمنى على الله عز وجل أن يمكنني من توضيح هذه الحقيقة.
ليس في الكون شر مطلق. أما هناك شرور لا يعلمها إلا الله؟ لكن هذه الشرور لا بد منها من أجل إحداث النتائج الطيبة، خلق الإنسان ليسعد إلى الأبد فإذا انحرف عن هدفه فلا بد من تصحيح مساره، لا بد من معالجته، لا بد من دفعه، لا بد من ردعه، لا بد من فعل شيء يدفعه إلى هدفه النبيل، فالذي يؤمن بأن هناك شرور إنما تقع لذاتها فهذا لا يعرف الله أبدا، لقول الله عز وجل:
﴿قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (26)﴾
مثلا: هل في الأرض كلها أب إن رأى ابنه مارسَ انحرافا اقترف ذنبا خطيرا، أخذ شيئا ليس له، أخذ مالاً ليس له، كذب كذبة كبيرة اعتدى على أخيه، هل في الأرض كلها أب يقف مكتوف اليدين ؟ ألا يعالجه، ألا يوبخه، ألا يضربه، ألا يحذره، ألا يقرعه، و هل في الأرض كلها أب يأتي إلى ابنه الحبيب الذي لم يفعل شيئاً إطلاقا ويوقع به الأذى حبا بالأذى، هذا الأب منزه عنه، الأب العادي الذي لا يملك من الرحمة والحكمة شيئاً منزه عن هذه الصفة.
إذاً الشر المطلق لا وجود له في الكون، وما أصاب من مصيبة فبما كسبت أيديكم. وكلما كان الانحراف أشد كان العلاج أقصى.
شيء آخر. هذا أول تعريف جل جلاله من أسمائه السلام، سلمت ذاته من العيوب وسلمت صفاته من النقص وسلمت أفعاله من الشر المطلق إنّ كل شر تراه أعينكم هو شر موظف لمصلحة الإنسان البعيدة لا القريبة، مثال للمصلحة القريبة: شر قد يُفقِد الإنسان ماله كله وقد أصيب بمرض عضال، فذهب المال في العلاج فهذا الفقد للمال وهذا المرض العضال في نظر صاحبه شر خطير. ولكن حينما يخلق الإنسان لسعادة أبدية ويكون هذا العلاج في خدمة عودته إلى الله عز وجل وأنفق المال لهذه الغاية النبيلة فهذا هو الخير البعيد.
المعنى الثاني من أسماء الله أنه سلام أي ذو السلامة لعباده ليس في الوجود كله سلامة إلا معزوّة إليه.
الآن أدخل معكم في موضوع ؛ والله الذي لا إله إلا هو أتمنى من كل قلبي أن نسلك معا في فهم أسماء الله الحسنى فهما بمنهج واضح جدا، دعنا من التعاريف النظرية ؛ دعنا مما قاله العلماء، وما أَجَلَّ ما قالوه عن اسم الله السلام، أنت كإنسان هل تستطيع أن تكتشف في هذا الكون حوادث آيات، أدلة، تؤكد أن الله سلام ؟ أنا سعيت ببعض الشواهد المنتزعة من حياتنا من أجسامنا مِمّا حولنا لأؤكد لكم أن هذا الكون كله ماهو إلا تجسيد لأسماء الله الحسنى، وما هو إلا مظهر لصفاته الفضلى.
مثلا: الإنسان إذا كسرت عظامه كيف تلتئم ؟ لا أحد يعرف إلا أن الخلية العظمية حينما تصاب بالعطب، والعظام حينما تنمو في بدايتها تنمو إلى أن تصل إلى حد رسمه الله لها لأن الله عز و جل باسط وقابض.
و من رحمة الله بنا أن الإنسان ينمو فإذا بلغ في نموه الحد المعتدل المقبول يقف النمو، وهناك مرض خطير جدا هو أن الإنسان ينمو دون توقف مرض العملقة ينمو بلا توقف، فرحمة الله عز وجل توقف نمو العظام عند هذا الحد، لكن خلايا العظام تنمو فإذا وصلت الحد الذي رسم لها تقف عن النمو. وقال العلماء: هذه الخلية العظمية تهجع وتنام، قد يمضي على نومها أربعون عاما فإذا كسرت عظمة إنسان استيقظت هذه الخلايا وأعادت بناء ذاتها والتأمت مع أخواتها ونحن لا ندري، لو أن العظم لا يلتئم ماذا نفعل ؟ لو أن عظم الإنسان إذا انكسر لا يلتئم ماذا نفعل ؟ فالتئام العظم يجسد اسم الله السلام، الله عز وجل خلقك في أحسن تقويم وخلق في طبيعة الجسم إمكانية الترميم والإلتئام والشفاء.
أنت إذا سرت على قدميك اللطيفتين ما الذي يضمن لك أن لا تقع؟ جهاز للتوازن أودعه الله في أذنك الداخلية ثلاث قنوات فيها سائل، فيها أهداب، فإذا ملت على أحد محوريك ارتفع السائل في مكان دون الآخر وهذه الأشعار الدقيقة أحست بالميل فأعطت أمرا إلى الدماغ كي تعود إلى ما كنت عليه، لولا هذا الجهاز الذي أودعه الله في الأذن الداخلية لاحتاج الإنسان إلى قدم قطرها سبعون سنتمتر، يحتاج إلى مركز استناد واسع، إذاً من أجل سلامتك جعل الله لك هذا الجهاز جهاز التوازن في الأذن، نعم من أجل سلامتك، ومن أجل سلامتك أنت أيها الإنسان جعل الله هذه الخلايا العظمية تهجع مديدا ثم تستيقظ لتلتئم.
الله سبحانه وتعالى أودع في الإنسان، في عظامه، من الداخل أعصاباً حسية بالغة الحساسية لماذا ؟ لماذا في نِقْيِ العظام أعصاب حس ليس لها معنى، فإذا كسر العظم تُبقي العظم على حالته لأن إبقاؤه على حالته هو ثلاثة أرباع العلاج، فجعل الله في نقي العظام ذلك العصب الحسي البالغ الحساسية من أجل سلامتك لأن اسمه السلام.
وأعصاب الحس في الأسنان من أجل أن تبادر إلى طبيب الأسنان فتعالج أسنانك قبل أن تفقدها كلها، فهذا العصب الحسي البالغ الحساسية في أسنان الإنسان من أجل سلامة الأسنان وهو تجسيد لاسم الله السلام.
جهاز المناعة، وهو حديث العالم اليوم، جيش عظيم أودعه الله في الدم: الكريات البيضاء بعض هذه الكريات تستطلع أحوال العدو وبعض هذه الكريات تصنع المصل المضاد بناء على استطلاع الكريات المستطلعة وبعضها تأخذ هذا السلاح المضاد الحيوي وتقاتل به الجرثوم وأنت لا تدري. من أجل سلامتك أودع الله فيك جهاز المناعة، هذه الكريات البيضاء التي بعضها لاستطلاع بنية العدو ومراكز ضعفه وبعضها لتصنيع المصول وبعضها لمحاربة الجرثوم إذا دخل معتديا على جسم الإنسان، وما مرض الإيدز الذي هو شغل العالم الشاغل إلا ضعف في جهاز المناعة، فمن أجل ماذا خلق الله جهاز المناعة في الإنسان ؟ من أجل سلامتك. إذاً هذا يجسد اسم الله السلام.
القلب: جعل الله عز وجل فيه مركز تنبيه كهربائي خاص به، ما من عضلة في جسم الإنسان إلا وتأتمر بعصب حسي وعصب محرك، الإنسان عصب حسي ينقل إحساس المحيط إلى الدماغ وعنده عصب محرك ينقل أوامر الدماغ إلى العضلات وهذه من بديهيات التشريح، كل عضلات الجسم تتحرك بأمر الدماغ لذلك الشلل من أين ؟ من الدماغ، إذا تضيق شريان في الدماغ في منطقة الحركة يصاب الإنسان بالشلل، إلا عضلة القلب إلا هذه العضلة فقد زودها الله جل جلاله بمركز توليد كهربائي خاص بالقلب ؛ لأن القلب خطر جدا، المشكلة أن هذا المركز مركز التوليد إذا تعطل فهناك مركز آخر يعمل بعده مباشرة والدول المتقدمة جدا عندها أجهزة توليد كهرباء احتياط فلو أن مراكز التوليد الأساسية أصابها خلل أو عطب تعمل المراكز الاحتياطية، في القلب ثلاثة مراكز توليد كهرباء خاصة بالقلب إذا تعطل الأول يعمل الثاني وإذا تعطل الثاني يعمل الثالث، لماذا خلق الله هذه الإحتياطات ؟ من أجل سلامتك.
قال لي طبيب متخصص في الكليتين: لو أننا جئنا بمبضع الجراح واستأصلنا الكلية الأولى وجئنا إلى الكلية الثانية واستأصلنا تسعة أعشارها بالمبضع، إن عشر الكلية الثانية يكفي لتصفية دم الإنسان، إذا الله عز وجل من أجل سلامتك أعطى كليتيك عشرين ضعفا عن حاجتك، هذا من أجل سلامتك، فإذا قرأت اسم الله " السلام " أي زودك بوسائل السلام هذا من معاني اسم الله العظيم جل جلاله.
الأوعية أوردة وشرايين لحكمة أرادها الله عز وجل. جعل الشرايين في داخل الأعضاء والأوردة في الظاهر، لإن الشريان موصول بالقلب مباشرة فإذا أصابه جرح فقد الإنسان دمه كله لأنه مثل المضخة، لو أن إنساناً فُتح شريانه هل تدري ما يكون. اصغ لطبيب الآن: وقال لي طبيب جراحُ أوعيةٍ: في أثناء بعض العمليات حينما يُفتح الشريان وإلى أن نُغلقَهُ بملقط فإنَّ الدم يصل أحيانا إلى سقف الغرفة لشدة الضغط، فهذا الشريان الذي أودعه الله في الإنسان حفاظا عليه وضمانا لسلامة صاحبه جعله في الداخل وجعل الأوردة في الخارج، فعندما تأخذ أبرة في العرق كما يقولون هذه ليست في الشريان ولكن في الوريد، من صمم الشرايين في الداخل والأوردة في الخارج ؟ اسم الله السلام ضمانا لسلامتك.
عندما يجوع الإنسان لدرجة يكاد يموت جوعا، أنت كإنسان عندك مواد غذائية ؛ عندك مثلا بقول حبوب وعندك دهون، فأنت مهما أوتيت من علم عظيم هل بإمكانك أن تحول هذا القمح إلى مواد دهنية إلى لحم ؟ هذا شيء فوق طاقة الإنسان ولكن الجسم مزود بآلية عجيبة جدا، بإمكانه أن يحول المواد النشوية إلى مواد دهنية عند الحاجة، فهذه المرونة في تحويل المواد من أجل سلامتك والإنسان عندما يجوع يستهلك شحمه وحينما يجوع بعد ذلك يستهلك عضلاته، في بعض حالات المجاعات العضلات تستهلك العضلة، لا يبقى في يده إلا جهازه العظمي وعليه الجلد، العضلات المخططة هذه تستهلك تؤكل، ماذا قال هذا الفتى الشاب لعبد الملك ابن مروان حينما دخل عليه فقال عبد الملك ابن مروان: حينما رأى الصغار في مجلسه غضب وقال لحاجبه: ما شاء أحد أن يدخل علي حتى هؤلاء الصبيان، فقال له: "أيها الأمير إن دخولي عليك لن ينقص قدرك ولكنه شرَّفني: أصابتنا سنة أكلت الشحم -أذابت الشحم- وأصابتنا سنة أكلت اللحم وأصابتنا سنة ذقت العظم، أول شيء في الإنسان يُستهلك شَحْمُه وبعد ذلك تُستهلك عضلاته إلا عضلة القلب، من صمم هذا التصميم ؟ الإنسان إذا أردت أن تميته جوعا يستهلك كل عضلاته إلا عضلة القلب ضمانا لسلامته.
بل إن في مخزون الإنسان الغذائي مخزون لا يستهلك إلا عند المجاعات، الإنسان يجوع، ما معنى أنك جائع ؟ يعني مخزونك في الكبد نقص، المخزون الغذائي في الكبد لا في الشرايين لو فحصت دم إنسان جائع لوجدت النسب كلها نظامية في دمه، ولكن المخزون في الكبد هو الذي نقص، هذا كله من أجل سلامة الإنسان هذا معنى " ذو السلامة "
شيء آخر: الإنسان أحيانا ينام، وزن جسمه الذي فوق عظمه يضغط على العضلات التي تحت العظم هذا الضغط يسبب ضيق في التروية أودع الله في الإنسان مراكز تنبيه للإحساس بالضغط فإذا تنبهت هذه المراكز لضغط الجسم عليها ولضيق الأوردة والشرايين وضعف التروية، الدماغ يأمر الجسم وأنت نائم بالتقليب من شق إلى شق وهذا معنى قوله تعالى:
﴿وَتَحْسَبُهُمْ أَيْقَاظاً وَهُمْ رُقُودٌ وَنُقَلِّبُهُمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَذَاتَ الشِّمَالِ وَكَلْبُهُمْ بَاسِطٌ ذِرَاعَيْهِ بِالْوَصِيدِ لَوِ اطَّلَعْتَ عَلَيْهِمْ لَوَلَّيْتَ مِنْهُمْ فِرَاراً وَلَمُلِئْتَ مِنْهُمْ رُعْباً (18)﴾
والتقليب ذات اليمين وذات الشمال، مرة إلى اليمين ومرة إلى الشمال لئلا تقع من على السرير، هذا من أجل سلامتك.
وأنت نائم هذا الريق هذا اللعاب في الفم إذا ازداد أعطى تنبيها إلى الدماغ والدماغ أمر البلعوم فتجعل هذا اللعاب في المعدة وأنت نائم، هذا من اسم الله السلام.
أتمنى عليكم الآن أن نحاول أن نفهم أسماء الله الحسنى لا من خلال التعريفات النظرية التي أوردها بعض العلماء ولكن من خلال التفكرات اليومية لعل الله سبحانه وتعالى يفتح عليكم بهذا المجال، أي كلما فكرت في اسم من أسماء الله الحسنى، الأدلة لا تعد ولا تحصى، الله عزو جل جعل أخطر عضو عندك هو " الدماغ " أين وضعه ؟ في الجمجمة، ماذا جعل فيه ؟ أغشية بعضها فوق بعض، وماذا جعل بين الدماغ وبين الجمجمة ؟ سائل، ما وظيفة هذا السائل؟ هذا يمتص الصدمات، إذا تلقى إنسان ضربة على رأسه أو وقع على جمجمته، وإذا فسرنا الضربة بارتجاج في السائل، هذه الضربة أو هذا الضغط يوزع على سطح السائل كله، فإذا هو عشر الميليمتر فلا يتأثر، فالله جعل الدماغ في صندوق محكم وجعل الصندوق له مفاصل ثابته، هذة المفاصل الثابته تمتص بعض الصدمات، لولا هذه المفاصل المنكسرة لكان الإنسان لأقل ضربة تنكسر جمجمته، أما هذه المفاصل فإنها تتمفصل تمفصلاً متكيفاً مع شدة الضربة، فكلما تعرضت الجمجمة لصدمة تتداخل العظام مع بعضها ثم تعود لمكانها، هذا من أجل سلامتك.
أين جعل النخاع الشوكي ؟ في العمود الفقري أخطر شيء في الإنسان.
أين جعل القلب ؟ في القفص الصدري.
أين جعل الرحم ؟ في الحوض:
﴿ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ (13)﴾
الرحم يقع في الوسط الهندسي تماما من جسم المرأة.
أين جعل معامل كريات الدم الحمراء وهي أخطر معامل في جسم الإنسان ؟ في نِقْيِ العظام، أترون كيف هي السلامة.
أين وضع العين ؟ في المحجر، العين جعل لها محجراً يقيها الصدمات ولو تلقى الإنسان ضربة على وجهه فالضربة لا تصل إلى العين، لأنها في حصن في كوة المحجر، فالعين في المحجر والدماغ في الجمجمة والنخاع الشوكي في العمود الفقري والقلب في القفص الصدري ومعامل كريات الدم الحمراء فيِ ْنِقي العظام والرحم في الحوض، ما هذا الإحكام البديع ؟
لماذا جعل الله عز وجل أنف الصغير الرضيع قاسيا ؟ لئلا يتطامن فيختنق الطفل، كلما كبر الطفل أصبح هذا الغضروف لينا، هذا من حكمة الله عز وجل، هذا الرحم إذا تقلص من أجل سلامة المرأة ماذا يحصل يتقلص تقلصا لطيفا. هذا هو الطلق، فإذا خرج الطفل إلى خارج الرحم تقلص الرحم تقلصا حادا قاسيا لماذا ؟ قال: لأن الطفل حينما خرج من الرحم تقطعت عشرات ألوف الأوعية الشعرية فلو تقلص تقلصا لينا لماتت الأم من النزيف، يمسك الطبيب أو القابلة يجس الرحم فإذا كان صخريا تعد الولادة سليمة، لو أن هذين التقلصين عكسا لماتت الأم ولمات وليدها، لو جاء التقلص عنيفا لاختنق الوليد ولو جاء رخوا لماتت الأم، فمن أجل سلامة الأم وسلامة وليدها كان التقلص الأول لينا متزامنا متسارعا والتقلص الثاني عنيفا حادا قاسيا من أجل سلامة المرأة ووليدها.
والله أيها الأخوة الأكارم لو بقينا ساعات طويلة أياما عديدة وأشهراً مديدة وسنوات لا تنتهي ما انتهينا من اسم الله "السلام" إذا أردنا أن نأخذه من خلق الإنسان ومن خلق الحيوان.
هذه الحوينات، أحد إخواننا الأطباء جزاه الله خيرا ذكر لي قبل أيام أن هذا الحوين الذي خلقه الله في الخصيتين، هذا يتم خلقه خلال ثمانية عشر يوما هذا الحوين و يخزن في الخصيتين ويعطل فاعليته، فإذا خرج ليستقر في الرحم حينما يبدأ بالانطلاق من مكان تخزينه تبدأ فاعليته، ولولا هذه الصفة لكان كل الرجال عقيمين، يأتي العقم لأن هذا الحيوان له عمر وعمره عشر ساعات فإذا صنع في الخصيتين ولم يستهلك يموت، إذاً يُصنع ويتم صنعه ويُخزن وتُعطل فاعليته فإذا انطلق من تخزينه ليستقر في الرحم بدأت فاعليته وعاش عشر ساعات إلى أن يستقر في البويضة، هذا تصميم مَنْ ؟ تصميم الله عز وجل.
فأنا أتمنى عليكم وقد دخلنا في دروس أسماء الله الحسنى أتمنى عليكم أن ننحو في فهم هذه الأسماء منحى يوازي التعاريف النظرية والشواهد العملية و أن نفكر تفكيرا ذاتيا حرا في بعض مظاهر خلق الإنسان وخلق الحيوان وخلق النبات، هذه الشجرة التي عمرها خمسين سنة وأنت تأكل منها زيتوناً كل سنة لها تصميم، تصميمها أنك إذا غبت عنها وليس هناك مطر في السماء تستهلك ماء أوراقها، فإذا استهلكت ماء أوراقها كأنها تقول لك: يا صاحبي أنا عطشى تجد أوراقها ذبلت، إذا ترك أحدنا شجرة دون سقي أول ماء تستهلكه ماء أوراقها فتجد الأوراق قد ذبلت، فإذا لم تسق تستهلك ماء أغصانها فإذا لم تسق تستهلك ماء فروعها فإذا لم تسق تستهلك ماء جذعها فإن لم تسق تستهلك ماء جذورها وهذا آخر ماء تستهلكه.
لو أن الآية عُكست في تلك الشجرة وتركت الشجرة دون سقي أسبوعين لماتت، لأنها بدأت باستهلاك ماء الجذر ويبس الجذر ومن ثم ماتت الشجرة، إذا من صمم أن هذه الشجرة يجب أن تستهلك ماء أوراقها أولا من أجل أن تسقيها ؟ هذا تصميم الله للشجرة.
هذا النسغ الصاعد. هناك أوعية صاعدة وأوعية هابطة في الشجرة، فحينما تنمو هذه الشجرة تنمو عرضا ربما نموها العرضي ضيق من أوعيتها. لذلك هذه الأوعية ذات الحيوية البالغة للشجرة مدعمة بألياف حلزونية لئلا ينمو القشر ولحاء الشجرة على حسابه، من صمم هذا؟ الله سبحانه وتعالى. هذه البذرة التي جعلها الله عز وجل آية تقاوم سنوات وسنوات، أخذوا قمحاً من الأهرامات و زرعوه فنبت، بذرة القمح كائن حي فيها رُشيم يعيش هذا الرشيم ستة آلاف عام تقريبا زرعت فأنبتت، الذي أراه أن أي شيء في الكون من النبات إلى الحيوان والماء، فالماء: إذا جمد الماء لو زادت كثافته لغاصَ في أعماق البحار ولانتهت الحياة من على سطح الأرض، لكن الماء العنصر الوحيد في الكون الذي إذا بردناه قلت كثافته وزاد حجمه فَطَفا، لو أنه عكس ما هو عليه الآن لأصبحت البحار كلها متجمدة ولانعدمَ البخر وانعدم المطر ومات الزرع ومات الحيوان وتبعه الإنسان، خاصة واحدة إئت بالماء برده ينكمش إلى درجة أربعة فوق الصفر مئوية تنعكس الآية ويزداد حجمه، هذا من اسم السلام من أجل سلامتنا، وحينما يزداد حجم الماء هو الذي يفتت التربة فالتربة أساسها صخري بهذا الماء أصبحت مفتتة إذاً فاقرأ معي قوله تعالى:
﴿وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الرَّجْعِ (11) وَالْأَرْضِ ذَاتِ الصَّدْعِ (12)﴾
إذاً ازدياد حجم الماء عند التبريد هو الذي جعل الصخر ترابا من أجل سلامة الحياة، فإذا أردنا أن نعرف أسماء الله الحسنى من هذا المنحى من هذا الطريق طريق رائع جدا وواسع جدا وفي متناول كل منكم، أي واحد منكم بإمكانه بدءاً من كأس الماء إلى رغيف الخبز إلى أعضائه وأجهزته وخلاياه وأنسجته عليه أن يعرف أن اسم الله السلام واضح في خلقه بل في طعامه وشرابه، ربنا عز وجل قال:
﴿الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَوَاتٍ طِبَاقاً مَا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِنْ تَفَاوُتٍ فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرَى مِنْ فُطُورٍ (3)﴾
كله متقن:
﴿قَالَ فَمَنْ رَبُّكُمَا يَا مُوسَى (49) قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى (50)﴾
هجرة الطيور من أجل سلامتها، تقطع الطيور سبعة عشر ألف كيلومتر، تطير بعض أنواع الطيور ستاً وثمانين ساعة دون توقف، هل في الأرض كلها طائرة بإمكانها أن تطير ستاً وثمانين ساعة من دون تزود بالوقود ؟ غير ممكن " أعطى كل شيء خلقه ثم هدى ".
ذكرت بعض الأمثلة، بعضها من خلق الإنسان وبعضها من خلق النبات وبعضها من خلق الحيوان، السمكة زودها الله بجهاز تعرف فيه أين هي من سطح الماء، إذا أمسكت سمكة تجد في ثلثها الأعلى خط تحت الحراشف هذا خط مفرغ من الهواء. هي في أعماق البحر كلما هبطت نحو الأسفل ازداد الضغط على هذا الخط، وهذا جهاز الضغط في كل الغواصات، كل سمكة جهزها الله بجهاز ضغط، تعرف أين هي من سطح الماء كلما نزلت تعرف عمق ما وصلت إليه من أجل سلامتها.
أنظر إلى كل الحيوانات الأهلية التي هي من حولنا ترى أن سلامتها عجيبة هذا كله من اسم السلام. إذاً إما أنه سلمت ذاته من العيب وسلمت صفاته من النقص وسلمت أفعاله من الشر أو أنه ذو سلامة لخلقه، فليس في الوجود كله سلامة إلا وهي معزوة إليه أو سَلِمَ المؤمنون من عذابه أو هو ذو سلامة على أوليائه.
﴿قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَسَلَامٌ عَلَى عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَى﴾
سلمت ذاته وسلم خلقه من كل أذى ومن كل ضرر.
العلماء قالوا: إن سلام ذاته من العيوب والآفات فهذا الاسم من صفات التنزيه و سلامه على أوليائه فهذا الاسم من أسماء الذات فإن أعطى السلامة للمؤمنين فهذا من صفات الأفعال،وسلامه إذاً إما من صفات التنزيه وإما من صفات الذات وإما من صفات الأفعال.
من معاني هذا الاسم أن ذكر الله عز وجل يورث الأمن والطمأنينة والسلامة والدليل قوله تعالى:
﴿أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ (28)﴾
في القلب وحشة، في القلب خوف، في القلب قلق لا يسكن هذا القلق ولا تسكن هذه الوحشة ولا يأنس إلا بذكر الله، وأنا أقول لكم هذه الكلمة: ابحثوا عن كل شيء، ليس في الأرض كلها شيء يمنحكم سعادة إلا أن تذكروا الله.
إن القلوب لتصدأ صدأ الحديد، قيل: وما جلاؤها ؟ قال: ذكر الله وتلاوة القرآن.
إذاً من أسماء الله السلام إنك إذا ذكرته شعرت بالسلام، إنك إذا ذكرته زال عنك الخوف، إنك إذا ذكرته زالت عنك الوحشة، إنك إذا ذكرته أنست به، إنك إذا ذكرته اطمأننت.
البعيدون عن الله عز وجل يأكل قلوبهم الخوف، يختل توازنهم ينسحقون لأنهم أشركوا بالله ما لم ينزل به عليهم سلطاناً فألقى الله في قلوبهم الرعب، أما علامة المؤمن فهو مطمئن.
إذاً من أسماء الله السلام إذا ذكرته يمنحك السلام، إذا ذكرته يمنحك الاطمئنان، إذا ذكرته تشعر بالقرب منه إذا ذكرته تشعر أنه يدافع عنك وأنك في رعايته وفي حفظه وفي تأييده وفي توفيقه وفي رعايته يدافع عنك.
من معاني اسم السلام أنك إذا اتصلت بالله عز وجل طهرت نفسك من العيوب وهنا ندخل في معانٍ دقيقة، وأول معنى أنّ ذاته جل جلاله تنزهت عن كل عيب وصفاته تنزهت عن كل نقص وأفعاله تنزهت عن كل شر، أي شر ؟ هذا الشر المطلق أما الشر الهادف ؟ فهذا علاج والعلاج دائما مر، من المعاني الأخرى: أنه ذو سلامة أي يمنح السلامة لعباده إما في خلقهم كما تحدثنا قبل قليل وإما في نفوسهم فذكر الله يورث الأمن والطمأنينة والسلامة.
والآن فالاتصال بالله ينقي النفس من عيوبها من البخل من الشح من الحقد من الضغينة من الحسد من الكبر هذه الصفات الذميمة التي يشقى بها الإنسان إذا اتصلْتَ بالله عز وجل تتنزه أنت عنها، إذاً هو ذو سلام في جسمك أعطاك أعضاء وأجهزة وأعطاك خلايا وأنسجة ودقة بالغة في جهازك العظمي والعصبي والعضلي والدوران والشرايين والأوردة وإذا كنت خائفا وذكرته بث في قلبك السلام فإذا اتصلت به طهرك من كل العيوب والنقائص جعلك طاهر النفس من أسمائه السلام.
شيء آخر: الله سبحانه وتعالى يهدي عباده سبل السلام، كل إنسان له بيت وأسرة فممكن أن يكون في بيته خصام فيه شحناء فيه بغضاء فيه طلاق فيه أحيانا ضرب لزوجته، هذا البيت فيه شقاق فيه ضغينة فيه حقد فيه مشاجرة فيه نفور، فإذا اتبعت توجيهات القرآن الكريم ومنهج النبي يهديك الله سبل السلام في بيتك فترى البيت وديعاً فيه طمأنينة فيه راحة نفسية فيه مودة فيه مؤاثرة فيه محبة لأنك اتبعت ما جاء به النبي إذا دخلت إلى بيتك فسلم على أهلك بقولك السلام عليكم فيذهب الشيطان، إنّ الشيطان كما قلت لكم سابقا يدخل بيتا فإذا دخل صاحب البيت ولم يسلم قال لإخوانه: أدركنا المبيت، فيكون طوال هذه الليلة مشاكل، فإذا جلسوا إلى الطعام ولم يسموا الله قال: أدركنا العشاء، فإذا دخل صاحب البيت فلم يسلم وجلس إلى الطعام ولم يُسَمّ اللهَ قال الشيطان لإخوانه: أدركنا المبيت والعشاء في هذا البيت، وبعد اللهُ السلامُ يهديهم سبل السلام فقد أمرك أن تختار المرأة الصالحة فلما اخترتها لأنها صالحة سعدت بها وأسعدتها فإذا آثرت الجمال على الصلاح شقيت بك وشقيت بها، طبعا آثرت الجمال وحده، إنّ الجمال مطلوب ولكنك إن آثرته وحده على صلاحها أو على دينها شقيت بجمالها.
بعملك: إذا أنت تعاملت بالربى وتراكبت عليك ديون ضخمة وظهرت المشكلات وتوقف البيع فجأة وعليك سندات فأفلست، لو أنك اتبعت السنة النبوية وأمر الله عز وجل لما وقعت في مشكلة في دخلك.
إذاً في تجارتك يهديك سبل السلام في زواجك يهديك سبل السلام في علاقاتك بجيرانك يهديك سبل السلام هذا معنى السلام، فأنت إذا طبقت القرآن الكريم أوصلك في كل موضوع في كل حقل وفي كل جانب إلى السلام والله يدعو إلى دار السلام وهي الجنة، فالسلام مريح جدا فإنك تعيش في طمأنينة وتعيش براحة وتحس أن الله خالق الكون معك لا يتخلى عنك ولا يسلمك إلى عدوك يدافع عنك ويحفظك ويؤيدك وينصرك لكنك دفعت الثمن قال تعالى:
﴿وَقَالَ اللَّهُ إِنِّي مَعَكُمْ لَئِنْ أَقَمْتُمُ الصَّلَاةَ وَآتَيْتُمُ الزَّكَاةَ وَآمَنْتُمْ بِرُسُلِي وَعَزَّرْتُمُوهُمْ وَأَقْرَضْتُمُ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً لَأُكَفِّرَنَّ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَلَأُدْخِلَنَّكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ فَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ (12)﴾
إذاً من معاني السلام أن ذكر الله يورث الأمن والسلام من معاني السلام أن الاتصال بالله عز وجل يكسب السلامة من العيوب والنقائص والأدران والحماقات والحقد والحسد والضغينة والعلو في الأرض والكبر. هذه الصفات الذميمة المهلكة إذا اتصلْتَ بالله عز وجل نقّاك منها.
من معاني السلام أنك إذا طبقت شرعه يهديك سبل السلام كقوله تعالى:
﴿إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ﴾
أي إذا طبقت الشرع يعطيك السلامة في الدنيا، وإذا أقبلت على الله يعطيك سلامة النفس، وإذا أطعته في كل مناحي حياتك يعطيك سلامة الآخرة، قال الله تعالى:
﴿هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ﴾
تصاحب أحيانا شخصاً شريراً أو تشاركه في بعض أعمالك فيدمر لك حياتك، وقد يتزوج إنسان امرأة شريرة وفي هذا السياق حدثني شخص قال لي: إنه رآها في الملهى فأعجبته فتزوجها، بعد أن تزوجها نشب خلاف بينه وبينها ليست منضبطة، أنت من أين أخذتها ؟ من أين تزوجتها ؟ فذهبت إلى بيت أهلها، استرضاها فلما استرضاها أبت إلا أن تسجل عليه مبلغ مائة ألف ليرة لترجع إليه، رجعت إليه شكلا وأقامت عليه دعوى واتفقت مع المُبَلِّغ، وأخذت التبليغ من مبلغ المحكمة ولم تبلغه لزوجها ومضت مدة الدعوى وأصبح الحكم قطعيا، ثم سيق الزوج إلى السجن بتهمة التخلف عن دفع المهر المقدم.هكذا مجريات القضاء، فلما علم ذلك حاول قتلها وقتل أمها وأختها في ليلة واحدة وقتل نفسه، إصابتهم لم تكن قاتلة أخذوا للمستشفى ونَجَوّنَ الثلاث من الموت الأم وابنتها وأختها وهو أصبح تحت الثرى، ليس للإنسان سلام إذا تزوج امرأة أعجبته من مكان ساقط فدمرته. قصة واقعة هنا في دمشق قبل ستة أشهر.
أما إذا التزم أحدنا شرع الله عز وجل فإنه سبحانه يبارك له في زواجه وفي عمله وفي رزقه وفي صحته وفي أولاده يهديهم سبل السلام.
﴿إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ﴾
﴿فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى (123)﴾
يجب أن تعرف أن السلامة كلها أن تكون مع الله. السلامة كلها أن تكون وفق أمر الله. السلامة كلها في معرفة الله السلامة كلها في عبادته السلامة كلها في فهم كتابه السلامة كلها في تنفيذ شرعه السلامة كلها في الالتزام بما أمر.
الآن وردت كلمة السلام في القرآن بمعنى آخر قال الله تعالى:
﴿وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلَامِ﴾
ما هي دار السلام ؟ الجنة ليس فيها نغص ولا حسد ولا فيها مرض ولا فيها قلق ولا فيها خوف ولا فيها منازعة ولا فيها حروب ولا فيها شيء من هذا كله.
﴿وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلَامِ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (25) لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ﴾
هذه دار السلام،هذا معنى آخر.
السلام ورد في آية أخرى قال:
﴿وَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ (90) فَسَلَامٌ لَكَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ (91)﴾
الله سبحانه وتعالى يخبرك عن سلامة هؤلاء، يقولون: نحن في صحة جيدة وفي سعادة كبرى، أصحاب اليمين في سلام هم في الجنة.
ورد أيضا في قوله تعالى:
﴿وَسَلَامٌ عَلَيْهِ يَوْمَ وُلِدَ وَيَوْمَ يَمُوتُ وَيَوْمَ يُبْعَثُ حَيّاً (15)﴾
قال بعض العلماء واسمه سفيان ابن عيينة: أوحش ما يكون العبد في ثلاثة مواطن، يوم ولد. كان في الرحم مسروراً ومرتاحاً من المتاعب والمشاكل وخرج إلى الدنيا، طبعا هو انتقل من مكان ضيق إلى مكان واسع ولكي يألف الدنيا يبكي فورا، أوحش ما يكون العبد في ثلاثة مواطن:
﴿وَسَلَامٌ عَلَيْهِ يَوْمَ وُلِدَ وَيَوْمَ يَمُوتُ وَيَوْمَ يُبْعَثُ حَيّاً (15)﴾
يوم يموت يدع كل شيء زوجته وأولاده وبيته وغرفة نومه ومكتبته ومركبته ومحله التجاري وعنده يوم في الأسبوع يجتمع فيه مع أصحابه له أصدقاء وأصحاب، له رغباته وميوله توقف قلبه يأخذونه إلى القبر، خروج بلا عودة وترك كل ماذكرناه آنفاً.
هو الذي زين البيت ورتبه وعنده مكتبته الخاصة وغرفته الخاصة يضع فيها حاجاته الشخصية بعض الهدايا المهداة إليه يتمنى أهله أن يفتحوا درجه فلا يسمح لهم في حياته وعندما يسلم الأمانة يفتحون الدرج ويأخذون السيارة ويفتحون المحل ويرتبون ويبيعون ويشترون هكذا تجري الوقائع فلذلك:
﴿ وَيَوْمَ يَمُوتُ وَيَوْمَ يُبْعَثُ حَيّاً (15)﴾
قالت: يارسول الله أيعرف بعضنا بعضا يوم القيامة ؟
قال:
(( نعم يا أم المؤمنين إلا في ثلاثة مواطن، عند الصراط وعند الحشر وإذا الصحف نشرت. ))
أي تقع عين الأم على ابنها تقول له: يا ولدي ألم أجعل لك بطني وعاء وصدري سقاء وحجري وطاء هل من حسنة يعود عليَّ خيرُها، يقول: آه يا أماه إنني أشكو مما أنت منه تشكين لا أستطيع، سيدنا يحيى: وسلام عليه يوم ولد، أصعب يوم لديه ومثل ذلك ويوم يموت ويوم يبعث حيا. فأمّنه الله إذ قال:
﴿وَسَلَامٌ عَلَيْهِ﴾
فإن الانتقال من بيت لبيت صعب فقد ألف جيرانه وألف إخوانه وأحبابه والانتقال إلى بيت آخر شيء صعب فلذلك
﴿وَسَلَامٌ عَلَيْهِ يَوْمَ وُلِدَ وَيَوْمَ يَمُوتُ وَيَوْمَ يُبْعَثُ حَيّاً (15)﴾
الآن ورد كلمة سلام في القرآن بمعنى آخر قال:
﴿وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَاماً (63)﴾
شاهد شخصّ سيدنا علياً في المنام فقال له: سلاما سلاما، استيقظ الشخص وهو سعيد جدا، وروى ما رأى على أحدهم فقال له: تفسير منامك أنك جاهل لقوله تعالى:
﴿وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَاماً (63)﴾
مامعنى " سلاما" ؟ هناك أشخاص أصلحهم الله صالحون إذا خاطبهم شخص يقولون له سلام، ما سلام هذه ؟ العلماء قالوا معنى سلام: تكلموا كلاما لا عيب فيه لا خطأ فيه لا جهل فيه لا قسوة فيه لا تطاول فيه لا إهانة فيه لطيف رقيق. إن كلمة "سلام " وحدها لا تفيد ذلك الشخص الذي لعله أساء وأخطأ بل على الصالحين أن يعظوه وينصحوه.
﴿وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ﴾
لا غلط فيه ولا جهل ولا مبالغة ولا كذب ولا تدليس ولا احتيال ولا غش ولا معاني مبطنة.
﴿وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَاماً (63)﴾
ليس معنى ذلك: قل له سلام، قالوا: كلاما سليما من كل عيب من كل خطأ من كل جهل من كل قسوة من كل تطاول من كل عدوان من كل إهانة هذا معنى "سلاما".
أيها الأخوة:
وبعد، فما واجب المؤمن بالنسبة لهذا الاسم ؟ المؤمن الحق من سلم من المخالفات الشرعية سرا وعلنا، وبرئ من العيوب ظاهرا وباطنا، قال الله عز وجل:
﴿وَذَرُوا ظَاهِرَ الْإِثْمِ وَبَاطِنَهُ﴾
ومن كان سليما من الذنوب بريء من العيوب ولتكن على هذا النحو علاقتنا باسم السلام، ليتحقق لنا معنى الآية الكريمة:
﴿يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ (88) إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ (89)﴾
القلب السليم القلب البريء من الشك والشرك،
زعم المنجم والطبيب كلاهما لا تبعث الأموات قلت إليكما
إن صح قولكما فلست بخاسر أو صح قولي فالخسار عليكما
***
وإن شاء الله لا نكون على غلط، أما قول الشاعر فليس إيماناً وإنما هو ارتياب وشك:
﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا﴾
فالسليم من برئ قلبه من الشك والشرك ومن النفاق والشقاق والرياء والمداهنة ومن سلمت نفسه من الشهوات وسلم عقله من الشبهات، لا شبهات في عقله ولا شهوات في نفسه وألقى الشك والشرك والنفاق والشقاق والرياء والمداهنة جانباً بل تحت قدميه.
الآن هذا واجب المؤمن من حيث اسم السلام أما ما حقه على الله هذه أهم نقطة في الدرس:
أنت آمنت وفكرت في الكون وتعرفت إليه واستقمت على أمر الله وحضرت مجالس علم وضبطت شهواتك وضبطت جوارحك وغضضت من بصرك عن محارم الله نزهت أذنك عن سماع الغناء لم تختلط مع النساء الأجنبيات وكنت ملتزماً ولم تخالف الشرع فما لك عند الله بعد اسمعوا ما قال العلماء في هذا الموضوع قالوا:
أي عبد طبق أمر الله عز وجل وأقبل عليه فحق المؤمن على الله أن يسلّمه. من ماذا ؟ قال: أن يسلمه في الدنيا من المؤذيات وأن ينيله ما فيها من الخيرات لك عند الله حق، هناك مصائب خطيرة جدا و أنت مؤمن والمؤمن حساس وربنا عز وجل بعلاج لطيف بينك وبينه ينبهك، ويكف عنك العذاب المهين العذاب الأليم العذاب العظيم كما يدفع فقراً يكاد يكون كفرا أو شقاقاً أو خيانة زوجية أو قتلاً، فالمؤمن حينما يستقيم على أمر الله يسلمه من المؤذيات وينيله من الخيرات.
الدنيا كلها متاع وخير متاعها المرأة الصالحة.
زوجته صالحة، أولاده أبرار، رزقه في بلده سمعته طيبة نظيفة وأخلاقه عالية محمود السيرة ومحبوب هذه من ثمرات الاستقامة، الله عز وجل اسمه السلام يسلمك من المؤذيات ويمنحك الخيرات هذه سلامة الدنيا.
فما سلامة الدين ؟ اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا، قال: سلامة الدين في ثلاثة مقامات، في مقام الشريعة ومقام الطريقة ومقام الحقيقة.
في مقام الشريعة يسلم عقلك من البدع والشبهات ويسلم قلبك من الهوى والشهوات، لا يوجد في عقلك بدع ولا أغلاط كبيرة لا عقيدة زائغة ولا عقيدة فاسدة يسلم عقلك من البدع والشبهات ويسلّم نفسك من الشهوات ومن الهوى.
وأما في مقام الطريقة فعقله أمير على شهوته وعلى غضبه وليس أسيراً لهما. عقله هو الأمير ينقاد هواه لعقله ولا ينقاد عقله لهواه هذا سلامُة في مقام الطريقة.
وأما سلامتك في مقام الحقيقة فلا تلتفت إلا إلى الله.
لذلك: المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده.
قال بعض العلماء: كيف يسلم الناس من لسانه ويده وهو لم يسلم من نفسه فهو أسير نفسه وأسير شهواته.