وضع داكن
18-01-2025
Logo
محاضرات خارجية - ندوات مختلفة - الجزائر - وهران - مسجد عبد الحميد بن باديس - المحاضرة : 24 - علاقة المؤمن بالله عزَّ وجل
رابط إضافي لمشاهدة الفيديو اضغط هنا
×
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا، إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا، وزدنا علماً، وأرِنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.

تعريف العبادة:


بادئ ذي بدء، هناك حقيقة كبيرة تلقي ضوءاً شديداً على ما بعدها، من هو الإنسان؟ الإنسان هو المخلوق الأول عند الله رتبة، والمُفضَّل، والمُكلَّف بالعبادة. 
والعبادة في أدق تعاريفها: طاعة طوعية، ممزوجة بمحبة قلبية، أساسها معرفة يقينية، تفضي إلى سعادة أبدية.
طاعة: ليست قسرية، الله خلقنا، حياتنا بيده، والموت بيده، والصحة بيده، والمرض بيده، والقوة بيده، والضعف بيده، وكل شيء بيده، ومع كل كل كل ذلك ما قبل أن نعبده إكراهاً، قال: 

﴿ لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ ۖ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ ۚ فَمَن يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىٰ لَا انفِصَامَ لَهَا ۗ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (256) ﴾

[ سورة البقرة  ]

بل أراد أن تكون علاقة الحب أصلاً في التعامل مع الله، وقد ورد في القرآن الكريم: 

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ ۚ ذَٰلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ ۚ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (54)﴾

[ سورة المائدة ]

 الحب ميل، فلذلك أرادنا أن تكون علاقتنا به علاقة حب، لذلك قالوا: "الحب في الله عين التوحيد، والحب مع الله عين الشرك" . الحب في الله أن تحب المؤمنين، العلماء الربانيين، المساجد، العبادة، العمل الصالح، واسعة جداً الحب في الله.
أما الحب مع الله؛ أن تحب جهة تمنعك أن تصلي فاستجبت لطلبها، "الحب في الله عين التوحيد، والحب مع الله عين الشرك".

تعريف القانون: 


لكن هناك تعريف دقيق للعلم: حقيقة مقطوع بها، معنى مقطوع بها: الوهم 30%، الشك 50%، الظن 70%، غلبة الظن 90%، أما القطع 100% حقائق هذا الدين مقطوع بها، تطابق الواقع، عليها دليل.
هذا التعريف يصلح للقوانين وللسنن، علاقة مقطوع بها، تطابق الواقع، عليها دليل، لو ألغينا الدليل كانت الديانة تقليداً، قال الله -عز وجل-:

﴿ اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ وَأَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ (98) ﴾

لابد أن تنمّي عقيدتك على القطع، والقطع كما قلت 100%، فالقانون: علاقة بين متغيرين مقطوع بها، تطابق الواقع، عليها دليل.

السنن تقابل القانون في الإسلام:


الآن ماذا يقابل القانون في الإسلام؟ يقابل القانون في الإسلام السنن:

﴿ اسْتِكْبَارًا فِي الْأَرْضِ وَمَكْرَ السَّيِّئِ ۚ وَلَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ ۚ فَهَلْ يَنظُرُونَ إِلَّا سُنَّتَ الْأَوَّلِينَ ۚ فَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَبْدِيلًا ۖ وَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَحْوِيلًا (43) ﴾

[ سورة فاطر ]


تعريف الإنسان:


قبل أن نتابع هناك نقطة دقيقة جداً جداً، ما الإنسان؟ تعريف دقيق: الإنسان بضعة أيام، كلما انقضى يوم انقضى بِضعٌ منه.
هذا التعريف لسيد التابعين "الحسن البصري"، الإنسان بضعة أيام، كلما انقضى يوم انقضى بضع منه. لأن الله -عز وجل- جعله المخلوق الأول رتبة، والمُكرَّم والمُفضَّل والمُكلَّف بالعبادة صار الإنسان مُكلَّفاً أن يعبد الله، والعبادة كما قلت: طاعة طوعية، ممزوجة بمحبة قلبية، أساسها معرفة يقينية، تفضي إلى سعادة أبدية.
الآن الإنسان مرة ثالثة: المخلوق الأول، والمكلف، والمفضل، لذلك قال تعالى:

﴿ وَالْعَصْرِ (1) إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ (2) إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ (3)﴾

[ سورة العصر ]

الواو واو القسم، يارب لمَ الخسارة؟ قال لأن مضي الزمن وحده يستهلكه ﴿وَالْعَصْرِ * إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ﴾ إله يقسم، واو القسم﴿ وَالْعَصْرِ﴾ الزمن، والإنسان زمن، يعني أنا أمام جماد، هذه الطاولة: طول، عرض، ارتفاع، وزن، حجم، لكن هناك حالة أخرى الكائنات الحية وزن، حجم، طول، عرض، ارتفاع، نمو، النبات، وزن، حجم، طول، عرض، ارتفاع، نمو الآن الإدراك، الشيء الثالث الحركة، يوجد كائن يمشي، فالجماد؛ وزن، حجم، طول، عرض، ارتفاع، النبات؛ نمو، بقية الكائنات المتحركة حركة، والإنسان؛ الإنسان له من الجماد وزن، حجم، طول، عرض، ارتفاع، له من النبات النمو، له من بقية المخلوقات الحركة، إلا أن الله أودع فيه قوة إدراكية "العقل"، أودع الله في الإنسان قوة إدراكية، هذه القوة الإدراكية ينفرد بها الإنسان، إذاً صار لدينا وزن، حجم، طول، عرض، ارتفاع، ثم قوة إدراكية، لو أن الإنسان عزف عن طلب العلم، وعاش لحظته، وعاش شهوته ما صفاته في القرآن الكريم؟ كلام دقيق جداً:

﴿ أَمْوَاتٌ غَيْرُ أَحْيَاءٍ ۖ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ (21) ﴾

[ سورة النحل ]


الإنسان خُلق لمعرفة الله:


قرآن، كتاب خالق الأكوان، لكن نبضه ممتاز 80، والضغط 08/12 وعند الله ميت، فما لم تعرف الله لست إنساناً، أنت خُلِقت لمعرفة الله، فأول شيء دقيق جداً أن نعرف الله خالقاً ومربياً وفعّالاً، إذاً النقطة الدقيقة جداً ﴿وَالْعَصْرِ﴾ واو القسم، ﴿إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ﴾ لأن مُضي الزمن وحده يستهلك الإنسان.

الإيمان الذي يحمل صاحبه على طاعة الله: 


﴿إِلَّا﴾ رحمة الله في ﴿إِلَّا﴾ ما بعد ﴿إِلَّا﴾ أركان النجاة كما قال الإمام الشافعي،﴿ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ﴾ كلام دقيق جداً، سماه الإمام الشافعي أركان النجاة، ﴿الَّذِينَ آمَنُوا﴾ الإيمان الذي لا يحمل صاحبه على طاعة الله لا وزن له عند الله، إبليس آمن بالله: 

﴿ قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (82)﴾

[  سورة ص  ]

الإيمان الذي يحمل صاحبه على طاعة الله هو الإيمان المقبول عند الله،ِ ﴿إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا﴾ آمن بالله خالقاً، مربياً، مسيراً، آمن به صاحب الأسماء الحسنى والصفات العلا، أراد الله -عز وجل- أن نومن أنه فعال لما يريد، حديث طويل، خالق الأكوان، وهو خلق الإنسان، وخلقه لماذا؟ الجواب قرآني: 

﴿ إِلَّا مَن رَّحِمَ رَبُّكَ ۚ وَلِذَٰلِكَ خَلَقَهُمْ ۗ وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ(119)﴾

[ سورة هود ]

مقابل هذه الآية لا تقبل بأي نص يخالف هذه الآية، خلقنا ليرحمنا، خلقنا ليسعدنا، في الدنيا والآخرة، خلقنا ليعطينا، فالإيمان بالله كما أراد الله خلقنا ليرحمنا، ﴿إِلَّا مَن رَّحِمَ رَبُّكَ ۚ وَلِذَٰلِكَ خَلَقَهُمْ﴾ فلذلك: ﴿وَالْعَصْرِ *إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ *إِلَّا﴾ ما بعد إلا أركان النجاة ﴿الَّذِينَ آمَنُوا﴾ يعني لو أن إنسان معه مرض جلدي معين، وعلاجه الوحيد التعرض لأشعة الشمس فقط، فجلس في بيت تحت الأرض، رطوبة عالية جداً، ظلام دامس، وقال بفصاحة ما بعدها فصاحة: يا لها من شمس ساطعة! إن الشمس شافية، كلام لا يقدم ولا يؤخر، معي حقيقة مرة أحياناً أتردد في ذكرها؛ نحن نملك نصف ثروات الأرض كمسلمين بالتمام والكمال، ونحتل أهم مركز جغرافي بالعالم، ملتقى القارات الثلاث، ونملك لغة واحدة، وأشياء كثيرة جداً، ولكن الواقع ليس كما ينبغي أن يكون، فلذلك الإنسان حينما يبتعد عن الله يخسر إيجابياته كلها، فلذلك: ﴿وَالْعَصْرِ﴾ واو القسم، والعصر الزمن، والإنسان بتعريف عالم جليل "الحسن البصري" بضعة أيام كلما انقضى يوم انقضى بضع منك، وأركان النجاة: ﴿آمنوا﴾ الإيمان الذي ينبغي أن يكون، ﴿وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ﴾ .
آمنوا بإله عظيم، موجود، وكامل ويعلم، إله عظيم أسماؤه حسنى، صفاته عليا، خلقنا ليرحمنا فقط، الدليل: ﴿إِلَّا مَن رَّحِمَ رَبُّكَ ۚ وَلِذَٰلِكَ خَلَقَهُمْ﴾ لذلك ﴿وَالْعَصْرِ *إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ  *إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا﴾ يعني حتى الإنسان يتجرأ ويضع أمام اسمه "د." معناها دكتور، يحتاج إلى 23 سنة دراسة، ومن أجل أن تنال الجنة إلى أبد الآبدين ألا ينبغي أن تطلب العلم؟ فإذا أردت الدنيا فعليك بالعلم، وإذا أردت الآخرة فعليك بالعلم، وإذا أردتهما معاً فعليك بالعلم، والعلم لا يعطيك بعضه إلا إذا أعطيته كلك، فإذا أعطيته بعضك لم يعطك شيئاً، ويظل المرء عالماً ما طلب العلم، فإذا ظن أنه قد علم فقد جهل، طالب العلم يؤثر الآخرة على الدنيا فيربحهما معاً، بينما الجاهل يؤثر الدنيا على الآخرة فيخسرهما معاً. 
يعني كلمة دقيقة جداً، الشمس تكبر الأرض بمليون و300 ألف مرة، يعني يدخل في جوف الشمس مليون و300 ألف أرض، وبينهما 156 مليون كم، هذه من مُسلَّمات علم الفلك، وقال الله: 

﴿ وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْبُرُوجِ (1) وَالْيَوْمِ الْمَوْعُودِ (2) ﴾

[ سورة البروج ]

كل تجمع من الكواكب والنجوم كبير جداً اسمه برج، من هذه الأبراج "برج العقرب"، في بلد بعيد دخلت إلى متحف فضائي، فرأيت هذا البرج موصول بخط بين كل نجمة كالعقرب تماماً، يوجد بهذا البرج نجم صغير أحمر اللون، متألق، اسمه "قلب العقرب" -دققوا- يتسع للشمس والأرض مع المسافة بينهما، قلب العقرب، هذا الإله العظيم يُعصَى؟ ألا يُخطَب وده؟ ألا تُرجَى جنته؟ ألا تُخشَى ناره؟

الخيار مع الإيمان خيار وقت: 


إخواننا الكرام، لابد من أن نعرف الله في الوقت المناسب، فأكفر كفار الأرض فرعون الذي قال: 

﴿ فَقَالَ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَىٰ(24) ﴾

[ سورة النازعات ]

﴿ وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ مَا عَلِمْتُ لَكُم مِّنْ إِلَٰهٍ غَيْرِي فَأَوْقِدْ لِي يَا هَامَانُ عَلَى الطِّينِ فَاجْعَل لِّي صَرْحًا لَّعَلِّي أَطَّلِعُ إِلَىٰ إِلَٰهِ مُوسَىٰ وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ مِنَ الْكَاذِبِينَ (38) ﴾

[  سورة القصص ]

ماذا قال وهو يغرق؟ قال:

﴿ وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ وَجُنُودُهُ بَغْيًا وَعَدْوًا ۖ حَتَّىٰ إِذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قَالَ آمَنتُ أَنَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ (90)﴾

[   سورة يونس  ]

 معنى ذلك أن خيارك مع مليون موضوع في الدنيا قد يكون خيار رفض، إلا مع الإيمان خيار وقت، فإما أن تؤمن في الوقت المناسب، وإما أن تؤمن بعد فوات الأوان، إيمان فرعون، فمادام خياري مع الإيمان خيار وقت: 

﴿ هَلْ يَنظُرُونَ إِلَّا أَن تَأْتِيَهُمُ الْمَلَائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ ۗ يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لَا يَنفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِن قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا ۗ قُلِ انتَظِرُوا إِنَّا مُنتَظِرُونَ (158)﴾

[ سورة الأنعام ]

إذاً الإيمان بالله أصل هذا الدين أن تؤمن به خالقاً، مربياً، مُسيّراً، صاحب الأسماء الحسنى، والصفات العلا، وأن تتحرك وفق منهجه:

﴿ يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ ۗ وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا (71) ﴾

[ سورة الأحزاب ]

للتقريب: إنسان اشترى سيارة تألق ضوء أحمر في لوحة البيانات، إن فهِمَ هذا التألق تزيينياً احترق المحرك، يحتاج إلى مليون لتصليحه، أما إذا فهمه ضوءاً تحذيرياً أوقف المركبة وأضاف الزيت، فأنت من منطلق حبك لذاتك، وحبك لسلامتك، وحبك لسعادتك ينبغي أن تتبع تعليمات الصانع:

﴿ ﴿ إِن تَدْعُوهُمْ لَا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ ۖ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ ۚ وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ (14)﴾ ﴾

[ سورة فاطر ]

إذاً: ﴿وَالْعَصْرِ ﴾ الواو واو القسم، العصر مطلق الزمن لأنك زمن، أنت بضعة أيام كلما انقضى يوم انقضى بضع منك ﴿وَالْعَصْرِ* إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ﴾ يعني مضي الزمن وحده يستهلك الإنسان، الأقوياء يموتون، والضعفاء يموتون، والأغنياء يموتون، والفقراء يموتون، والعلماء يموتون، نهاية كل حي، فلابد من أن نأخذ موضوع الموت بشكل جدي وحقيقي؛ لأن عند الله -عز وجل- تجتمع الخصوم.
إذاً ﴿وَالْعَصْرِ* إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ* إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا﴾ المنطلق الفكري آمنوا بالله خالقاً، مربياً، مسيراً، وهو صاحب الأسماء الحسنى والصفات العلا، فعّال لما يريد، آمنوا بالله الإيمان الذي يحملهم على طاعة الله، وأي إيمان لا يحمل على طاعة الله لا جدوى منه.

أركان النجاة:


﴿وَالْعَصْرِ* إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ* إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا﴾ الآن الحركة بالحياة، أنت متحرك، تحب أن تأكل، فالأنبياء كانوا مفتقرين إلى الطعام والشراب، كانوا:

﴿ وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعَامَ وَيَمْشُونَ فِي الْأَسْوَاقِ ۗ وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ ۗ وَكَانَ رَبُّكَ بَصِيرًا (20) ﴾

[ سورة الأحزاب ]

فأي إنسان مفتقر إلى طعام يأكله، وإلى عمل يأخذ ثمنه فيأكل الطعام، هذه قاعدة ثابتة ﴿وَالْعَصْرِ* إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ* إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا﴾ ما بعد إلا أركان النجاة، آمنوا بالله خالقاً، مربياً، مسيراً، صاحب الأسماء الحسنى والصفات العلا، فعال لما يريد، آمنوا بالله رباً، وتحركوا حركة ثانية؛ استقاموا على أمره، هناك تعليمات التشغيل لكل آلة، انطلاقاً من حبك لذاتك أنت المخلوق الأول ينبغي أن تتبع تعليمات الصانع، أنا أذكر دائماً هذا المثل: تألق ضوء أحمر تألقاً تحذيرياً لا تزيينياً، فهذه الدنيا تنتهي بالموت

إلى متى أنتَ باللَّذَّاتِ مَشغُولُ    وَأنتَ عن كلِّ ما قَدَّمْتَ مَسؤُولُ

[ البوصيري ]

تَعصي الإِلَهَ وَأَنتَ تُظهِرُ حُبَّهُ  هَذا مَحالٌ في القِياسِ بَديعُ

لَو كانَ حُبُّكَ صادِقاً لَأَطَعتَهُ   إِنَّ المُحِبَّ لِمَن يُحِبُّ مُطيعُ

[ الإمام الشافعي ]

كان الصحابة الكرام لا ينصرفون إلا على هذه السورة ﴿وَالْعَصْرِ* إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ* إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ﴾

العقيدة أول كليات الدين:


موضوع آخر سريع: كم مُؤلِّف في الأرض؟ كم كتاب؟ كم مدرسة؟ كم جامعة؟ كم مؤسسة؟ شيء لا يعد ولا يحصى، هل بالإمكان أن نضغط هذه التفاصيل المذهلة في كليات؟ ممكن، أول كلية في حياتنا: العقيدة، إن صحت صح العمل، العقيدة، أن تؤمن بالله خالقاً، مربياً، مُسيِّراً، هو صاحب الأسماء الحسنى والصفات العلا، العقيدة إن صحت صح العمل، وإن فسدت فسد العمل، يعني الله -عز وجل- بتعبير معاصر سرّب لنا أقوال بعض الكفار، قال:

﴿ وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ (10)  ﴾

[ سورة الملك ]

 معناها أزمة علم، بالأرض 8 مليارات إنسان بالضبط، بالتمام والكمال، 8 مليارات، فيهم أحد يحب الفقر؟ القهر؟ المرض؟ لا أحد، فيهم أحد لا يحب الكفاية في دخله وبيت صالح، وزوجة صالحة، أولاد أبرار؟ كلنا كذلك، هناك إنسان لا يحب أن يعيش 130 سنة؟ كلنا، كل طموحك الدنيوي متحقق في الكتاب والسنة:

فلو شاهدت عيناك من حسننا الذي     رأوه لما وليت عنا بغيرنا

ولو لاح من أنوارنا لك لائح        تركت جميع الكائنات وجئتنا

فما حبنا سهل وكل من ادعى         سهولته قلنا له قد جهلتنا

[ علي بن محمد بن وفا ]

إذاً سورة العصر سورة جامعة، مانعة، قاطعة، ما كان الصحابة يتفرقون إلا على هذه السورة﴿ وَالْعَصْرِ* إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ﴾ واو القسم، العصر مطلق الزمن، أنت زمن، ﴿إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا﴾ أركان النجاة ﴿وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ﴾ .

الدعوة إلى الله فرض عين:


التواصي بالحق الدعوة إلى الله كفرض عين على كل مسلم، لكن في حدود ما تعلم، ومع من تعرف، سمعت تفسير آية من خطيب المسجد نقلتها إلى زوجتك، إلى أولادك، إلى أصدقائك، إلى شركائك في العمل، هذه دعوة إلى الله، هذه فرض عين على كل مسلم، 

﴿ وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِّمَّن دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ (33) ﴾

[ سورة فصلت ]

فلذلك الدعوة إلى الله فرض عين على كل مسلم في حدود ما تعلم، ومع من تعرف، هذه فرض عين، لماذا تصلي؟ الصلاة فرض، والدعوة إلى الله فرض عين على كل مسلم ولكن في حدود ما يعلم ومع من يعرف.
لكن الدعوة الأخرى الاحترافية تحتاج إلى توسع، إلى تعمّق، إلى تثبُّت، هذه فرض كفاية إذا قام بها البعض سقط عن الكل، تحتاج إلى تفرُّغ، وإلى تثبُّت، وإلى تعمُّق.
فلذلك إخواننا الكرام، هذا الدين دين الله -عز وجل-، وهذا الدين نرقى به إلى أعلى عليين، وهذا الدين علة وجودنا الإيمان بالله واليوم الآخر، فكل هذه الكلمات التي أرادها الله أن تكون في هذا اللقاء الطيب يجب أن تحملنا على الصلح مع الله، والاتباع لسنة نبيه كي نفوز بأجرَي الدنيا والآخرة.

فحوى دعوة الأنبياء:


لذلك، سؤال: هل يمكن أن نلخص فحوى دعوة الأنبياء جميعاً من الذين ذُكروا أو لم يُذكَروا؟ ممكن:

﴿ وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ (25) ﴾

[ سورة الأنبياء ]

العلماء قالوا: التوحيد نهاية العلم، لا معطي إلا الله، ولا مانع إلا الله، ولا رازق إلا الله، ولا مُنعِم إلا الله، هذا التوحيد، وما تعلمت العبيد أفضل من التوحيد، يعني نهاية العلم التوحيد، أن ترى أن يد الله تعمل وحدها، هو المعطي، والمانع، والمُعِز، والمُذِل، والرؤوف، والرحيم، هذه أسماء الله الحسنى.
إذاً النقطة الدقيقة أن تعرف أن الله خالق، ومربٍّ، ومسيّر، ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ﴾ التوحيد نهاية العلم.
﴿فَاعْبُدُونِ﴾ العبادة نهاية العمل، هي طاعة طوعية، ممزوجة بمحبة قلبية، أساسها معرفة يقينية، تفضي إلى سعادة أبدية.
هذا القرآن ربيع القلوب، كلام خالق الأكوان، هذا القرآن النص الذي من عند خالق الإنسان، أركان النجاة الإيمان بالله أولاً، والاستقامة.
إخواننا الكرام، الحقيقة المرة قد تكون أفضل ألف مرة من الوهم المريح، مالم تستقم على أمر الله لا تحقق من الإيمان شيئاً، الإسلام أول شيء فيه الاستقامة؛ ترك الحرام، ترك الشبهات، ترك المعاصي والآثام، الاستقامة أصل، من دون استقامة هناك فلكلور إسلامي، عادات وتقاليد واحتفالات، أما كمنهج إلهي يحتاج إلى تطبيق، والمؤمن هو الذي عرف ربه فأطاعه، وأقبل عليه فكسب الدنيا والآخرة معاً:  

﴿ وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ (46) ﴾

[ سورة الرحمن ]

جنة الدنيا هي جنة القرب، وجنة الآخرة هي جنة الخلد.
وأرجو الله أن يحفظ إيمانكم جميعاً، وأهلكم، وصحتكم، ومالكم، وآخر واحدة أهم واحدة واستقرار بلادكم، أنتم بنعمة ما بعدها نعمة، اشكروا الله عليها أن البلد مستقر، وهذا مما يثير السعادة في الإنسان.

الملف مدقق

والحمد لله رب العالمين

الاستماع للدرس

00:00/00:00

نص الزوار

اللغات المتوافرة

إخفاء الصور