الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات.
أيها الإخوة الكرام؛ لازلنا في اسم المولى، وهو أقرب أسماء الله الحسنى إلى الإنسان، لأن الله سبحانه وتعالى يتولّى عباده المؤمنين، يتولاهم بالرعاية، يتولاهم بالتربية، يتولاهم بالمعالجة، يتولاهم بالتأييد، بالنصر، لذلك أيها الإخوة الكرام، فرّق العلماء بين معية الله الخاصة ومعيته العامة، فإذا قال الله عز وجل:
أي معكم بعلمه، مع كل مخلوق؛ مع المؤمن، ومع الكافر، معهم بعلمه، أما إذا قال الله عز وجل:
هذه المعية الخاصة، أي هو معهم بالتأييد والنصر، والحفظ والتوفيق، وإذا كان الله معك فمن عليك؟ وإذا كان عليك فمن معك؟ ويا رب ماذا فقد من وجدك؟ وماذا وجد مَن فقدك؟
ولم تَرِد كلمة الحرب إلا في موضعين، في موضع في القرآن الكريم، وموضع في الحديث الشريف، الموضع الأول:
في موضوع الربا، وما من معصية توعّد الله في القرآن مُرتكبها بالحرب إلا الربا، وفي الحديث الشريف الصحيح: ((مَنْ عَادَى لِي وَلِيًّا فَقَدْ آذَنْتُهُ بِالْحَرْبِ)) أي قبل أن تقف في خندق مُعادٍ للحق هل تعلم مَن هو الطرف الآخر؟ والإنسان بالحياة المدنية قبل أن تتطاول على إنسان يمثل الحكومة هل تعلم من هو الطرف الآخر في حياتنا اليومية؟ فإذا تطاول الإنسان على دين الله، وعلى شرع الله، ووصل إلى الأشياء التي هي مقدسة في حياة المسلمين فلينتظر الحرب من الله عز وجل: ((مَنْ عَادَى لِي وَلِيًّا فَقَدْ آذَنْتُهُ بِالْحَرْبِ)) .
أيَّ مؤمن يجب أن يكون ولياً لله.
لذلك قال العلماء: نهاية العلم التوحيد، ونهاية العمل التقوى، فأنت إذا وحّدت الله، واتقيت أن تعصيه فقد حققت الهدف من وجودك، وقد وضعتَ يدك على حقيقة الدين، هذا الراعي الذي امتحنه سيدنا عبد الله بن عمر، قال له: بعني هذه الشاة وخذ ثمنها؟ قال: ليست لي، قال: قل لصاحبها: ماتت، قال: والله إنني لفي أشدّ الحاجة إلى ثمنها، ولو قلت لصاحبها: ماتت، أو أكلها الذئب لصدقني، فإني عنده صادق أمين، ولكن أين الله؟ هذا الراعي وَضع يده على جوهر الدين، ولكن أين الله؟ وفي أيّة لحظة تقول: أين الله؟ فقد وضعت يدك أيها الأخ الكريم على حقيقة الدين، لذلك يمكن أن يُضغط الدين كله في كلمة واحدة وهي الاستقامة، وما لم نستقم على أمر الله لن نقطف من ثمار الدين شيئاً، لذلك الحديث الشريف الذي جاء على صيغة حديث قدسي: ((إِنَّ اللَّهَ قَالَ: مَنْ عَادَى لِي وَلِيًّا فَقَدْ آذَنْتُهُ بِالْحَرْبِ)) وهنيئاً لمن وقف مع الحق، والويل لمن وقف في خندق معادٍ للحق، فالولي الذي آمن بالله واتقى أن يعصيه، نهاية العلم التوحيد، ونهاية العمل التقوى، أنت إذا وحّدتَ الله وعبدته حققت الهدف من وجودك، لذلك قال تعالى:
الإيمان من دون عمل لا قيمة له إطلاقاً، بل هذا الإيمان قد يوصف أحياناً بأنه إيمان من نوع إيمان إبليس حينما قال:
[ سورة الأعراف ]
لذلك ترداد كلمات الإيمان من دون عمل لا قيمة لها إطلاقاً: ﴿فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا﴾ .
مراتب التقرُّبِ إلى الله لنيلِ منزلةِ الولاية:
بينت من قبل أن الإنسان إذا استقام على أمر الله يَسلم، أما إذا عمل الصالحات يسعد، وفرق كبير بين السلامة والسعادة، مع أن كل إنسان على وجه يتمنى السلامة والسعادة، لذلك الحديث القدسي الشريف: ((وَمَا تَقَرَّبَ إِلَيَّ عَبْدِي بِشَيْءٍ أَحَبَّ إِلَيَّ مِمَّا افْتَرَضْتُ عَلَيْهِ)) الفرائض أولاً، أداء الفرائض مُقدم على أي شيء، أعظم قُربة إلى الله أن تؤدي الفرائض: ((وَمَا تَقَرَّبَ إِلَيَّ عَبْدِي بِشَيْءٍ أَحَبَّ إِلَيَّ مِمَّا افْتَرَضْتُ عَلَيْهِ)) .
أيها الإخوة؛ حينما يقول الإنسان: فريضة، ما معنى فريضة؟ أي أن سعادتك تتوقف عليها، للتقريب؛ كيف نقول: إن استنشاق الهواء فريضة؟ لأن استمرار حياة الإنسان متوقفة على استنشاق الهواء، شرب الماء فريضة، أي حياة الإنسان متوقفة على شرب الماء، تناول الطعام فريضة، أي حياة الإنسان متوقفة على تناول الطعام، إذاً تناول الطعام، وشرب الماء، واستنشاق الهواء فرائض، بمعنى أن حياة الإنسان متوقفة عليها، أما الحرام فهو الذي يَحرِم النفس من سعادتها وسلامتها، فأنت حينما تفهم أوامر الدين أنها ضمان لسلامتك، وليست حدّاً لحريتك تكون فقيهاً، أنت إذا رأيت لوحة كتب عليها: ممنوع التجاوز، حقل ألغام، أنت لا تشعر أن واضع هذه اللوحة أراد أن يقيد حريتك، بل تعلم علم اليقين أنه أراد أن يضمن لك سلامتك، لذلك في اللحظة التي تفهم أوامر الدين أنها ضمان لسلامتك وسعادتك تكون فقيهاً، وحينما تفهم أوامر الدين أنها قيد لحريتك تكون بعيداً عن فهم الدين الصحيح.
فلذلك: ((وَمَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ)) أول مراتب القُرب من الله أداءُ الفرائض، والفريضة ما تتوقف عليها سعادتك وسلامتك، عندنا أشياء بالدين حدية، عندنا أشياء بالدين نسبية، أي تركُ المحرمات حديٌّ، لا يوجد تفاوت، لا يوجد تفاضل، يوجد عندنا باللغة العربية أفعال لا تقبل التفاوت، كفعل مات، لا يوجد فلان أموت من فلان، الموت حدي، له حالة واحدة:
ومن لم يمت بالسيف مات بغيره تنوعت الأسباب والموت واحد
فهناك أفعال لا تقبل التفاوت، حدّية، وهناك أفعال تقبل التفاوت، أنا أكثر منك مالاً، المال نسبي يزيد وينقص، بالاستقامة لا يوجد تفاوت، الاستقامة حدّية، فالذي نهانا عنه النبي عليه الصلاة والسلام يجب أن ننتهي عنه كليةً.
تقريباً كمستودع الوقود السائل، له صفة سلبية وصفة إيجابية، الصفة السلبية أنه مُحكم، والإحكام حدي، حالة واحدة، إذا قلت: محكم، أي محكم، تضع فيه ألف لتر، وتغلقه بإحكام، وتغيب مئة عام، الألف هي هي لأنه مُحكَم، إن لم يكن محكَماً فعدم الإحكام نسبي، قد تَقِلّ الكمية بعد شهر، أو بعد أسبوع، أو بعد سنة، أو بعد ساعة، فعدم الإحكام نسبي، أما الإحكام فحدي، الاستقامة حدية، لا تقبل التفاوت، لذلك إن الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين، أي أقلّ ممرض في المستشفى مع أعلى طبيب في المستشفى تعقيم الإبرة واحد، التعقيم واحد، أما العلم فمتفاوت، الفرق كبير جداً بين الممرض والطبيب، أما من حيث تعقيم الإبرة لو أراد طبيب متفوق جداً أن يعطي إنساناً حقنة لابدّ من تعقيمها، ولو جاء ممرض ليعطيه هذه الحقنة لابد من تعقيمها بقواعد ثابتة وحدية، فالاستقامة حدية، والأعمال الصالحة متفاوتة، هذا المستودع له صفة واحدة، هي أنه مُحكم، حدي، أما إملاؤه بحسب الرغبة، إنسان وضع فيه مئة لتر، إنسان آخر وضع مئتين، إنسان آخر خمسمئة لتر، وهكذا، لذلك أول قربى إلى الله الفرائض، حدية.
الفرق الكبير بين العبيد والعباد:
الآن يوجد فرائض طوعية، قال: ((وَمَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ)) .
بالمناسبة كلمة عبد تُجمع على جمعين، هناك عبد جمعها عبيد، وعبد جمعها عباد، وفرق كبير بين العبيد والعباد، العبد عبد القهر يُجمع على عبيد، وعبد الشكر يُجمع على عباد، قال تعالى:
﴿ إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلَّا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ (42)﴾
هذا عبد الشكر، أما كل إنسان عبد لله بمعنى أنه مقهور، أي كل إنسان سلامته متوقفة على سيولة دمه، فأيّ إنسان تجمدت قطرة دم في أحد أوعية الدماغ أصيب بالشلل، فالإنسان مقهور، مقهور بخثرة بالدماغ، مقهور بتشمع الكبد، مقهور بفشل كلوي، مقهور بورم سرطاني، فكل إنسان عبدٌ لله، عبد بمعنى أنه في قبضة الله، فهذا العبد عبد القهر يُجمع على عبيد:
﴿ مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ (46)﴾
أما العبد الذي عرف الله، وأقبل عليه، وانضبط بمنهجه، وأحبه، هذا العبد يُجمع على عباد: ﴿إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ﴾ .
﴿ نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (49)﴾
واللغة دقيقة جداً، والفرق بين الجمعين واضح جداً.
التقرُّب إلى الله سهلٌ جداً:
لذلك: ((وَمَا يَزَالُ عَبْدِي)) وهذه نسبة تشريف، لقد شرفنا الله عز وجل بأن نسبنا إلى ذاته العلية، ((وَمَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ)) معنى ذلك أن العلاقة مع الله واضحة، الله عز وجل يحبّ من يتقرب إليه، أحياناً يكون التعامل مع جهة صعب جداً، الجهة مزاجية، لا يوجد قاعدة تضبط تعاملها مع الآخرين، التعامل مع إنسان مزاجي صعب جداً، لأنه لا يوجد قاعدة، لكن التعامل مع رب العالمين سهل جداً، الله يحبّ الصادقين، يحبّ المتوكلين، يحبّ المحسنين، يحبّ التائبين، فهناك عدد من الآيات في القرآن يمكن أن نتابعها:
﴿ فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ (159)﴾
﴿ وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ (222)﴾
يحب الصادقين، يحب التائبين، وهكذا، فالتعامل مع الله سهل جداً، قال:
((وَمَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ)) هناك صلاة نافلة، هناك صيام من النوافل، هناك صدقة، هناك قيام ليل:
((وَمَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ)) هناك شيء دقيق جداً، لو أن الإنسان مشى إلى الله خطوة مشى الله إليه خطوات، فلمجرد أن تفكر أن تتقرب إلى الله رأيت أن الله عز وجل ملأ قلبك سعادة، ملأ قلبك طُمأنينة، ملأ قلبك رضا، هناك تجاوب سريع جداً من الله عز وجل، بل إن الله ينتظرك، ورد في بعض الآثار: لو يعلم المُعرضون انتظاري لهم، وشوقي إلى ترك معاصيهم لتقطعت أوصالهم من حبي، ولماتوا شوقاً إلي، هذه إرادتي بالمعرضين فكيف بالمقبلين؟ إذاً أنت حينما تُقبل على الله لا تدري أن الله يفرح، لله أَفرَحُ بتوبة عبده من الضال الواجد، والعقيم الوالد، والظمآن الوارد، النبي عليه الصلاة والسلام قدّم صورة رائعة جداً لأعرابي ركب ناقته:
(( عن أنس بن مالك: لَلَّهُ أَشَدُّ فَرَحًا بِتَوْبَةِ عَبْدِهِ حِينَ يَتُوبُ إِلَيْهِ مِنْ أَحَدِكُمْ كَانَ عَلَى رَاحِلَتِهِ بِأَرْضِ فَلَاةٍ، فَانْفَلَتَتْ مِنْهُ، وَعَلَيْهَا طَعَامُهُ وَشَرَابُهُ، فَأَيِسَ مِنْهَا، فَأَتَى شَجَرَةً، فَاضْطَجَعَ فِي ظِلِّهَا، قَدْ أَيِسَ مِنْ رَاحِلَتِهِ، فَبَيْنَا هُوَ كَذَلِكَ إِذَا هُوَ بِهَا قَائِمَةً عِنْدَهُ، فَأَخَذَ بِخِطَامِهَا، ثُمَّ قَالَ مِنْ شِدَّةِ الْفَرَحِ: اللَّهُمَّ أَنْتَ عَبْدِي، وَأَنَا رَبُّكَ، أَخْطَأَ مِنْ شِدَّةِ الْفَرَحِ. ))
فقال عليه الصلاة والسلام: ((لله أفرح بتوبة عبده من هذا البدوي بناقته)) فلذلك أنت حينما ترجع إلى الله وتتوب إليه يفرح الله بك، وإذا رجع العبد العاصي إلى الله نادى منادٍ في السماوات والأرض أن هنئوا فلاناً فقد اصطلح مع الله، (( وَمَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ)) وإذا أحبك الله فلا تعبأ بشيء آخر، إذا كان الله معك فمن عليك؟ إذا أحبك الله ألقى محبتك في قلوب الخلق، وهذا معنى قوله تعالى:
﴿ أَنِ اقْذِفِيهِ فِي التَّابُوتِ فَاقْذِفِيهِ فِي الْيَمِّ فَلْيُلْقِهِ الْيَمُّ بِالسَّاحِلِ يَأْخُذْهُ عَدُوٌّ لِي وَعَدُوٌّ لَهُ وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي (39)﴾
لذلك إذا أحبك الله يخدمك أعداؤك، وإذا تخلى الله عنك يتطاول عليك أحبابك، ((وَمَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ)) .
كيف تتجلّى ولاية الله للمؤمنين؟
1 ـ كان سمعه الذي يسمع به:
الآن ما معنى أن الله ولي المؤمن؟ قال: ((فَإِذَا أَحْبَبْتُهُ كُنْتُ سَمْعَهُ)) الآن بدأنا باسم الولي، ((فَإِذَا أَحْبَبْتُهُ كُنْتُ سَمْعَهُ)) أي الإنسان يستمع إلى ملايين الموضوعات في حياته، أما المؤمن فسمعه منضبط بالمنهج الإلهي، بالمناسبة مستحيل وألف ألف مستحيل أن تستوعب الباطل، أي حياتنا جميعاً، حياة أهل الأرض لا تكفي لاستيعاب الباطل، لأن الباطل متعدد، تماماً في الهندسة؛ بين نقطتين لا يمر إلا مستقيم واحد، حاول أن تُمرر مستقيماً آخر يأتي فوقه تماماً، لذلك الحق لا يتعدد، والدليل أن الله عز وجل يقول:
﴿ وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (153)﴾
بين نقطتين يمر مليون خط منكسر، يمر مليون خط منحنٍ، لكن لا يمر إلا خط مستقيم واحد، لهذا قيل: المعركة بين حقين لا تكون، لأن الحق لا يتعدد، والمعركة بين حق وباطل لا تطول، لأن الله مع الحق، أما بين باطلين لا تنتهي، وفرق كبير بين معركة لا تكون أصلاً، وبين معركة لا تطول، وبين معركة لا تنتهي، الآن:
﴿ اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (257)﴾
جمع ﴿إِلَى النُّورِ﴾ مفرد ﴿وَأَنَّ هَـذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ﴾ .
لذلك أيها الإخوة الكرام؛ حياتنا جميعاً لا تكفي لاستيعاب الباطل، الباطل متنوع، ممكن أن تمضي عشر سنوات أو عشرين سنة بدراسة فئة ضالة، والفئات الضالة تنتظمها قواعد، تأليه الأشخاص، تخفيف التكاليف، اعتماد نصوص موضوعة، نزعة عدوانية، فالباطل لا تكفي حياتنا لاستيعابه، لكن الحق واحد، من السهل جداً أن تستوعب الحق في عمر معتدل، واستيعاب الحق صار ميزاناً، كل شيء خلاف الحق باطل، لذلك الطريق سالك، وممكن أن تستوعب الحق، إذاً ((فَإِذَا أَحْبَبْتُهُ كُنْتُ سَمْعَهُ)) الإنسان يستمع إلى ملايين المقولات يفلترها، هذه الفكرة خلاف القرآن، هذه الفكرة خلاف الحديث الصحيح، هذه الفكرة خلاف المنهج، هذه الفكرة خلاف ما في كتاب الله عز وجل، فالأصل أن كتاب الله هو الأصل، هو الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، إذاً: ((كُنْتُ سَمْعَهُ الّذِي يَسْمَعُ بِهِ)) هناك كلمات لا معنى لها، هناك كلمات فيها تناقض مع القرآن الكريم، لذلك قال تعالى:
﴿ يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ (88) إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ (89)﴾
ما القلب السليم؟ قال: القلب الذي لا يشتهي شهوة لا ترضي الله، ولا يُصدِّق خبراً يتناقض مع وحي الله، هذه من صفات القلب السليم، إذاً السمع مضبوط بمنهج الله عز وجل، إنسان يردّ مليون مقولة، بل ويركلها بقدمه إن خالفت منهج الله عز وجل، عنده حق، عنده ميزان، عنده مقياس.
2 – وَبَصَرَهُ الذِي يُبْصِرُ بِهِ:
قال: ((وَبَصَرَهُ الذِي يُبْصِرُ بِهِ)) لو أن إنساناً نظر إلى بناء يأخذ بالألباب، لكن صاحبه تاجر مخدرات، جمّعه من مال حرام، لا يحترم صاحب هذا البناء، يحتقره، لأن عنده ميزانًا، لذلك المؤمن منضبط، سمعه منضبط، وبصره منضبط، الأشياء لها صورة ولها حقيقة، يمكن أن يحترم إنساناً دخله محدود جداً من حلال، ويحتقر إنساناً بنى مجده على أنقاض الناس، أو على حياة الناس، أو على أمن الناس، أو على خوف الناس، فالآن تقييمه للأشياء مبني على نور ألقاه الله في قلبه، يُقيّم الأشياء بميزان دقيق، بمنظومة قيم رائعة جداً.
3 – ويَدَهُ التِي يَبْطِشُ بِهَا:
إذاً: ((كُنْتُ سَمْعَهُ الّذِي يَسْمَعُ بِهِ، وَبَصَرَهُ الذِي يُبْصِرُ بِهِ، ويَدَهُ التِي يَبْطِشُ بِهَا)) أي لا يتحرك حركة إلا وفق منهج الله، إن أعطى لله، إن منع لله، إن رَضِي لله، إن غضب لله، إن وَصل لله، إن قطع لله، وهكذا.
4 – ورِجْلَهُ التِي يَمشِي بِهَا:
((ورِجْلَهُ التِي يَمشِي بِهَا)) لا تقوده رجله إلا إلى عمل صالح، لأمر بالمعروف، لنهي عن المنكر، لارتياد بيوت الله، لإصلاح بين شخصين، حركته كلها في سبيل الله.
5 – وَإِنْ سَأَلَني لَأُعْطِيَنَّهُ:
((وَإِنْ سَأَلَني لَأُعْطِيَنَّهُ)) أصبح مستجاب الدعوة، ﴿اللّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُواْ﴾ هذا معنى الولي.
6 – وَلئِنِ اسْتَعَاذَنِي لَأُعِيذَنَّهُ:
((وَلئِنِ اسْتَعَاذَنِي لَأُعِيذَنَّهُ)) إنسان التجأ إلى الله عز وجل الله يلبيه فوراً، أصبح مستجاب الدعوة.
((وَمَا تَرَدَّدْتُ عَنْ شَيْءٍ أَنَا فَاعِلُهُ تَرَدُّدِي عَنْ نَفْسِ الْمُؤْمِنِ يَكْرَهُ الْمَوْتَ، وَأَنَا أَكْرَهُ مَسَاءَتَهُ)) أنا قرأت تاريخ سبعين صحابياً من الصحابة الأجلاء، ما منهم واحد إلا كان ساعة الموت في أسعد لحظات حياته:
﴿ قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ قَالَ يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ (26)﴾
ما معنى أن الله ولي المؤمن؟ أن هذا المؤمن تحت رعاية الله، وحفظه، وتأييده، ونصره، يتولاه بالرعاية، يتولاه بالحفظ، يتولاه بالتأييد، يتولاه بالمعالجة، فلذلك من أقرب أسماء الله الحسنى إلى المؤمن اسم الولي.
الملف مدقق