- ندوات تلفزيونية
- /
- ٠31برنامج الإيمان هو الخلق - قناة سوريا الفضائية
تقديم وترحيب :
أيها السادة المشاهدون ، سلام الله عليكم ورحمته وبركاته ، وأهلاً ومرحباً بكم في هذه الحلقة الجديدة ، وفي هذا اللقاء الجديد المعنون له : الإيمان هو الخلق ، في برنامجنا الذي نرتحل وإياكم مع الأستاذ الدكتور محمد راتب النابلسي ، أستاذ الإعجاز العلمي في القرآن والسنة في كليات الشريعة وأصول الدين ، أهلاً وسهلاً دكتور ـ بكم أستاذ علاء ـ .
كنا قد شرحنا كثيراً هذا العنوان : الإيمان هو الخلق ، الذي هذا العنوان أُخذ من العالم الجليل المفكر ابن القيم الجوزية الفقيه ، وتحدثنا في رحلة البرنامج عن معنى الخلق والأخلاق ، ولماذا كان هذا الشيء ملازماً ، ويجب أن يكون مصاحباً للإنسان في حركاته ، وسكناته ، وفي عيشه على هذه البسيطة ، وفي علاقته بأخيه الإنسان ، وفي علاقته بربه وفي علاقته بالكون ، تحدثنا عن الإنسان المخلوق الأول رتبة ، ثم تحدثنا الإنسان المخلوق المكرم ، ووقفنا في الحلقة الماضية عند الإنسان المكلف ، لماذا كلف ؟ وكلف بشيء هو علة خلقه كما تفضلت في الحلقة الماضية :
﴿ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ﴾
علة الخلق العبادة ، وعرفت لنا العبادة ، والآن دكتور نريد أن نتبين الفرق بين العالم وبين العابد ، وأن تعطينا هل العبادة مقصورة على الصلوات الخمس ؟ مقصورة على الحج والزكاة ؟ مقصورة على الفرائض ؟ أم العبادة هي أوسع من ذلك ؟ نعم .
المفهوم الواسع للعبادة :
الدكتور:
أستاذ علاء ، جزاك الله خيراً ، أنا حينما أفهم العبادة عبادة شعائرية عندئذ يصبح الإنسان العابد هش المقاومة ، لا يصمد أمام ضغط أو إغراء ، أما حينما افهم العبادة مفهوما شموليا تدور مع الإنسان حيثما تحرك ، وتغطي كل نشاطاته ، أكون قد اقتربت من مفهوم العبادة الصحيح الذي أراده الله .
أستاذ علاء ، بادئ ذي بدء :
(( لفقيه واحد أشد على الشيطان من ألف عابد ))
(( فضل العالم على العابد كفضل القمر ليلة البدر سائر الكواكب ))
(( فضل العالم على العابد كفضلي على أدناكم ))
كم هي المسافة كبيرة جداً بين مقام سيد الأنبياء والمرسلين ومقام أدنى مؤمن ؟ فالعابد مقاومته هشة لا يصمد أمام ضغط ، ولا أمام إغراء ، بل هو :
﴿ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ ﴾
أما العبادة بالمفهوم الشمولي فتنطوي على العلم أيضاً ، أنا حينما أعبد الله هناك عدة أنواع للعبادة ، هناك عبادة الهوية ، أنا من ؟ إن كنت غنياً فعبادتي الأولى إنفاق المال ، لأن الله حينما جعلني غنياً أراد أن أرقى إليه بإنفاق مالي ، وهذا المال حيادي ، إما أن يكون سلما نرقى به ، أو دركات نهوي بها ، إما أن ينفق في طاعة الله فيكون درجات إلى الجنة ، أو أن ينفق في معصية الله فيكون دركات إلى النار ، إذاً هو حيادي .
لذلك لو سألتني هل المال نعمة ؟ أقول لك : لا ، هل هو نقمة ؟ أقول لك : لا ، المال موقوف على طريقة كسبه وإنفاقه ، فأنا حينما امتحن بالمال ، إذاً أنا امتحاني الأولى هو المال ، فإذا أنفقت منه على حاجاتي إنفاقاً معقولاً ، ثم تقربت إلى الله بإنفاق المال على المساكين والمحتاجين ، ورد في ببعض الآثار القدسية :
(( أن عبدي أعطيتك مال فماذا صنعت فيه ؟ يقول : يا رب لم أنفق منه شيئاً مخافة الفقر على أولادي من بعدي ، فيقول الله له : ألم تعلم بأني الرزاق ذو القوة المتين ؟ إن الذي خشيته على أولادك من بعدك قد أنزلته بهم ـ يسأل عبد آخر ـ أعطيتك مالاً فماذا صنعت في ؟ يقول : يا رب أنفقته على كل محتاج ومسكين ، لثقتي بأنك خير حافظاً ، وأنت أرحم الراحمين ، فيقول الله له : أنا الحافظ لأولادك من بعدك ))
إذاً : هذا المال في الحقيقة هو قوام الحياة ، وقوة كبيرة جداً ، كما قال النبي الكريم :
(( المُؤْمِنُ القَوِيُّ خَيْرٌ وَأحَبُّ إلى اللَّهِ تَعالى مِنَ المُؤْمِنِ الضَّعِيف ))
المال قوة ، فإذا كان كسبه حلال ومشروعاً ، وإنفاقه في وجوه الخير ، وصل صاحبه إلى أعلى المراتب ، بل إن صاحب المال الذي ينفقه في وجوه الخير ينافس كبار العلماء ، يؤكد هذا قول النبي الكريم :
(( لا حَسَدَ إِلاّ في اثْنَتَيْنِ : رَجلٌ آتَاهُ الله مَالاً فَهُوَ يُنْفِقُ منهُ آنَاءَ اللّيْلِ وآنَاءَ النّهَارِ ، وَرَجُلٌ آتَاهُ الله القُرْآنَ فَهُوَ يَقُومُ بِهِ آنَاءَ اللّيْلِ وَآنَاءَ النّهَارِ ))
أنا أعجب من هؤلاء الذين وهبهم المال الكثير ، كان بإمكانهم أن يَصِلوا إلى أعلى درجات الآخرة .
المذيع :
أود أن أتوقف دكتور حتى لا يلتبس الأمر على بعض المشاهدين ، بالطبع المال يستوجب الإنفاق لكل محتاج ، وهي العبادة الأولى :
﴿ وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ ﴾
وبالتالي الغني عبادته الأولى إنفاق المال ، لكن مر في الحديث القدسي معنى قد يتراءى للمشاهد أنه ينفق كل ماله ، وأن لا يدع لورثته من بعده ، فالنبي عليه الصلاة والسلام أوصى في التركة بالثلث ، وقال : الثلث والثلث كثير ، وأن يبقي من بعده أقرباءه وورثته وعلى حالة من اليسر ، هذا أفضل من أن يبقيهم ، كيف نوفق بين المعنيين ؟ .
كيف التوفيق بين إنفاق المال وترك الورثة أغنياء ؟
الدكتور : قال تعالى :
﴿ وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ ﴾
إن أنفقتم كل مالكم ، والمعنى الآخر ،
﴿ وَأَنفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ ﴾
إن لم تنفقوا أصلاً ، فالإنسان هالك إذا أنفق ماله كله ، وهالك إن لم ينفق ، فالفضيلة بين طرفين .
﴿ وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلَا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُوماً مَحْسُوراً﴾
وهذا الفرق بين التبذير ، والاعتدال في الإنفاق والإسراف ، الإسراف في المباحات ، والتبذير في المعاصي والآثام ، والإنفاق المعتدل هو صفة المؤمنين .
عبادة الهوية : يجب أن تعبد الله فيما أقامك :
من أنت ؟ أنت غني ، فالعبادة الأولى إنفاق المال ، يصلي ، ويصوم ، ويحج ، ويزكي ، لكن لأنه غني امتنع عن إنفاق المال ، وجلس ليصلي قيام الليل ، نقول : لا ، إنفاق المال قبل قيام الليل ، لأن الله أقامك غنياً ، وينبغي أن تعبده وفق هويتك .
إذا كنت قوياً بكلمة واحدة تحق حقاً ، وتبطل باطلاً ، تقر معروفاً ، وتزيل منكراً ، أنت قوي بجرة قلم ، فعبادتك الأولى إحقاق الحق ، ونصرة المظلوم ، وإنصاف الضعيف ، ما أقامك الله قوياً إلا كي تعبده وفق ما أقامك ، فبإمكانك أن تزيل منكراً بتوقيع ، أو بأمر شفهي ، ما دمت قوياً فالعبادة الأولى إحقاق الحق ، وإبطال الباطل ، ونصرة الضعيف ، وإنصاف المظلوم ، هذه مهمة .
سأل سيدنا عمر أحد الولاة : " ماذا تفعل إذا جاءك الناس بسارق أو ناهب ؟ فبحسب الشرع الإسلامي قال له : أقطع يده ، قال للوالي : إذاً إن جاءني من رعيتك من هو جائع أو عاطل فسأقطع يدك ، إن الله قد استخلفنا عنهم خلقه لنسد جوعتهم ، ونستر عورتهم ، ونوفر له حرفتهم ، فإن وفرنا لهم ذلك تقاضيناهم شكرها ، إن هذه الأيدي خلقت لتعمل ، فإن لم تجد في الطاعة عملاً التمست في المعصية أعمالاً ، فاشغلها بالطاعة قبل أن تشغلك بالمعصية " ، فهم عميق جداً .
وإذا كنت عالماً فعبادتك الأولى تعليم العلم ، قال تعالى :
﴿ الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالَاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلَا يَخْشَوْنَ أَحَداً إِلَّا اللَّهَ ﴾
أستاذ علاء الداعية ، والعالم له مئات الصفات ، يصلي ، ويصوم ، ويزكي ، ويحج ، وينفق ماله ابتغاء وجه الله ، وهو صادق ، وأمين وعفيف ، لكن الله استغنى عن كل هذه الصفات ، وأبقى له صفة واحدة ،
﴿ الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالَاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلَا يَخْشَوْنَ أَحَدًا إِلَّا اللَّهَ ﴾
لو أن هذا الذي يبلغ رسالات الله خشي غير الله ، فسكت عن الحق خوفاً من هذا القوي ، أو نطق بالباطل إرضاءاً له ، ماذا بقي من دعوته ؟ انتهت دعوته ، علماء البلاغة يصفون هذه الصفة بأنها صفة مترابطة مع الموصوف ترابطا وجوديا ، فإذا ألغيت الصفة ألغي الموصوف ،
﴿ الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالَاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلَا يَخْشَوْنَ أَحَدًا إِلَّا اللَّهَ ﴾
هذه العبادة الثانية للعالم ، والقوي إحقاق الحق ، والغني إنفاق المال .
الآن أقامكِ امرأة ، العبادة الأولى رعاية الزوج والأولاد .
(( انصرفي أيتها المرأة ، وأعلمي من وراءك من النساء أن حسن تبعل إحداكن لزوجها وطلبها مرضاته واتباعها موافقته يعدل ذلك كله ـ يعدل الجهاد في سبيل الله ـ ))
المرأة حينما ترعى زوجها وأولادها ، وحينما تربي أولادها ، تطرح في المجتمع عناصر نظيفة ، متماسكة ، أخلاقية ، معطاءة ، لقد عبدت ربها فيما أقامها ، لذلك يمكن للمرأة أن تصل إلى الجنة وهي في بيتها ، حينما ترعى زوجها وأولادها ، هذه عبادة الهوية .
مَن أنت ؟ قوي ، لك عبادة ، غني لك عبادة ، عالم لك عبادة ، امرأة لك عبادة .
المذيع :
وحتى نقف عند هذا المعنى رعاية الزوج والأولاد ليس المقصود أن تقدم لهم الطعام ، وأن تكنس البيت ، هذا جانب بسيط ، أن تربي ، وعندما تربي الأولاد هي تربي جيلاً ، وهي تربي أمة ، وهي تربي هوية ، وترسم هوية للمجتمع بكل معنى الكلمة .
الدكتور :
لذلك قالوا : من علم شاباً علم شاباً ، ومن علم فتاة علم أسرة .
المذيع :
الآن دكتور عندنا عبادة الظرف ، الهوية ، ثم عبادة الظرف التي هي مقدمة على غيرها من العبادات .
عبادة الظرف :
الدكتور :
عندك ابن مريض ـ لا سمح الله ـ أو أب مريض ، العبادة الأولى رعاية هذا المريض ، عندك ضيف العبادة الأولى إكرام هذا الضيف ، عندك ابن في الامتحان العبادة الأولى تهيئة جو مناسب للدراسة ، ألغِ الولائم ، ألغِ السهرات ، ألغِ اللقاءات الاجتماعية ، هيئ البيت بجو دراسي حتى يأخذ الشهادة ، حتى يحقق وجوده في المجتمع .
فأنا حينما أكون في ظرف معين تتوجه العبادة إلى هذا الظرف ـ إذا جاءني ضيف دكتور ؟ ـ العبادة الأولى إكرام الضيف ، إذا كان عندي مريض رعاية فالمريض العبادة الأولى ، عندي مشكلة حل المشكلة قبل كل شيء .
فلذلك العبادات متنوعة هنا ، أنت حينما تقوم بواجبك خير قيام فأنت في عبادة الله .
هناك كلمة دقيقة جداً : ليست العبرة ألا تصاب بمصيبة ، لكن البطولة أنها إذا أصابتك أن تقف منها الموقف الكامل ، فترتاح عندئذٍ .
الجامعة لا تقاس بمَن نجح ، تقاس أن تأتي النتائج وفق المقدمات ، الذي لا يدرس لا ينجح ، مقياس الجامعة هكذا ، والله قال :
﴿ وَإِنْ كُنَّا لَمُبْتَلِينَ ﴾
كل إنسان عنده مشكلات ، أما حينما يدرسها ، أو يحدد أبعادها ، ويفكر في حل لها ، ويسعى باتجاه الحل يكون أيضاً في عبادة .
بقيت عبادة الوقت .
المذيع :
إذا تكرمت دكتور قبل أن ننتقل إلى عبادة الوقت وهذه محطة جميلة ، هل نعتبر أن العبادة هي مرتبطة بالحكمة ، وفعل ما ينبغي ، في الوقت الذي ينبغي ، على الشكل الذي ينبغي ، هنا العبادة المقدمة عن بقية الأشياء كما تفضلت أن يكون في الظرف ، فأن يعالج هذا الظرف ، وأن يحل هذا الظرف ، وهذه المشكلة بكل مقدرة واقتدار دون أن تقتلعه هذه المشكلة ، أو تجرفه .
علاقة الحكمة بالعبادة :
الدكتور :
لكن هذه الحكمة كما تفضلت أستاذ علاء هي تكريم للمؤمن ، لقوله تعالى :
﴿ يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً ﴾
الحكمة توهب ولا تؤخذ ، هي مكافئة للمؤمن ، وغير المؤمن يرتكب حماقة ما بعدها حماقة ، ولو كان ذكياً ، ما كل ذكي بعاقل أساساً ، يرتكب حماقة ما بعدها حماقة ، لذلك أنت بالحكمة تسعد بزوجة من الدرجة العاشرة ، ومن دون حكمة تشقى بزوجة من الدرجة الأولى ، بالحكمة تسعد بمال قليل تحسن إنفاقه ، من دون حكمة تبدد المال الكثير ، بالحكمة يكون أولادك أحب الناس إليك ، من دون حكمة يكونوا أعداء لك ، فأنا لا أجد في الدنيا عطاء يفوق من أن يكون حكيماً ، وهذه الحكمة من صفات المؤمن ، وهي مكافئة للمؤمن ، أما غير المؤمن فالله عز وجل قال :
﴿ أَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ ﴾
وهو في أعلى درجات الذكاء ، وهو بأعلى درجات اليقظة والحذر ، يرتكب حماقة لا يرتكبها طفل .
(( إن الله تعالى إذا أحب إنفاذ أمر سلب كل ذي لب لبه ))
يعاقبه بأن يأخذ لبه ، فيرتكب حماقة ما بعدها حماقة ، لذلك قال تعالى :
﴿ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا ﴾
المذيع :
ننتقل دكتور إلى العبادة العصرية المرتبطة بالوقت .
عبادة العصر :
الدكتور :
عبادة العصر ، إذا أراد الطرف الآخر إفقارنا ، فالعبادة الأولى استخراج الثروات ، وتطوير الصناعات ، وحفر الآبار ، واستصلاح الأراضي ، وإقامة السدود ، وتهيئة فرص عمل ، وحل مشكلات المجتمع ، هذه العبادة الأولى إذا أراد الطرف الآخر إفقارنا .
وإذا أراد الطرف الآخر إفسادنا ، أو إضلالنا فالعبادة الأولى ترسخ معالم الدين ، وتعزيز قيم الإسلام ، والدعوة إلى الله ، بعلم وبصيرة .
﴿ قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي ﴾
أما من دعا إلى الله بأسلوب ومضمون سطحي غير متماسك ، فيه الخرافات ، وفيه المنامات ، والشطحات ، والكرامات ، من دعا إلى الله بمضمون هش ، غير متماسك غير منطقي ، غير علمي ، أو بأسلوب غير علمي ، وغير تربوي ، أو لم يجد المدعو في الداعية المصداقية ، فهذا المدعو بهذه الطريقة ، وبهذا الأسلوب ، وبعدم المصداقية لا يكون عند الله مبلغاً ، ويقع إثم تفلته من منهج الله على من دعاه بهذه الطريقة .
إذاً هذه العبادة عبادة مهمة جداً ، إذا أراد الطرف الآخر إفسادنا ينبغي أن نحصن شبابنا ، وشاباتنا ، أن نهيئ لهم مناشط تتوافق مع مبادئنا وقيمنا وعاداتنا وتقاليدنا ، إذا أراد إفقارنا فكسب المال الحلال ، وحل مشكلات المسلمين أول عبادة ، وإذا أراد إضلالنا تعزيز قيم الإسلام ترسيخ مبادئ هذا الدين هو أول عبادة .
وإذا أراد إفسادنا تحصين شبابنا وشاباتنا أول عبادة ، وإذا أراد إذلالنا يجب أن نبذل الغالي والرخص ، والنفس والنفيس .
المذيع :
دكتور إذا أراد أن يكون سوقاً استهلاكية ؟.
الدكتور :
ينبغي أن نصنع ، لأن سيدنا عمر أستاذ علاء لقطت لقطة من كلامه لا ينسى ، مشى ببلدة فرأى كل الفعاليات ليست من المسلمين ، فعنفهم تعنيفاً شديداً ، فقال أحدهم كما يقول بعض من أتاهم الله المال : إن الله سخرهم لنا ، فقال سيدنا عمر : فكيف بكم إذا أصبحتم عبيداً عندهم ، أدرك هذا الخليفة الراشد قبل 1400 عام أن المنتج قوي ، وأن المستهلك ضعيف .
الآن أستاذ علاء عندنا حرب قطع الغيار ، يمكن أن يعطَّل أسطول طيران بكامله حينما أمنع عن هذا البلد قطع الغيار ، المنتج قوي جداً .
أنا مرة قلت : تعمير محرك طائرة خمسة ملايين دولار ، أربعة محركات بعشرين مليون ، مليار ليرة ، كم طنًّا من القمح ، هم يبيعوننا خبرتهم ، وتقنيتهم بأغلى الأسعار ، ويأخذون المواد الأولية بأرخص الأسعار ، كيلو الصوف يبيعه بسعر ، يعود إلينا مصنعاً بـ1750 ، ضعف ، لذلك نحن الحل الوحيد أن نصنع ، أن نصنع ثرواتنا ، أن نقيم معامل صناعات غذائية ، ويلٌ لأمة تأكل ما لا تزرع ، وويلٌ لأمة تنسج ما لا تنسج ، أنا أضيف قاعدة ثالثة : وويلٌ لأمة تستخدم آلة لا تصنعها .
الآن عندنا عقود إذعان ، أنت عندك مركبة ، تعطلت بها قطعة ، يمكن أن يبيعوك الأتعاب بمئة ضعف ، وأنت تذعن ، لأنك مضطر ، كذلك السلاح ، أكثر عقود قطع الغيار والسلاح عقود إذعان ، لا عقود تراضٍ إطلاقاً ، فما لم نصنع ثرواتنا ، ما لم نستخرج ثرواتنا ، نطور صناعاتنا ، ما لم نكتفِ بصناعاتنا فأمرنا ليس بيدنا ، وأنا أرى أن هذه عبادة أولى .
(( المُؤْمِنُ القَوِيُّ خَيْرٌ وَأحَبُّ إلى اللَّهِ تَعالى مِنَ المُؤْمِنِ الضَّعِيف ))
المذيع :
دكتور الآن بين يدينا موارد في وطننا ، هذه الموارد توزع ، سواء كانت موارد مياه ، موارد كهرباء ، الهاتف ، الأشياء المبسوطة بين يدينا ، عودة إلى ما تفضلت في قصة الإسراف والتبذير ، وما إلى ذلك ، أنا كمواطن في منزلي ، وعندي أسرة أمام الموارد الموجودة بين أيدينا ما هي العبادة المقدمة ؟
استعمال الموارد برشد وعدم إسراف :
الدكتور :
النبي الكريم توضأ من قعب ، إناء ماء توضأ منه فضلت فيه فضلة قال : ردوها في النهر ينفع الله بها قوماً آخرين ، هذا توجيه النبي ، فلا تسرف في استخدام الماء ، الماء حياة ، فنحن حينما تكون صنابيرنا معطلة ، أو فيها خلل ، وتسرب الماء ، هذا يجمع كميات فلكية ، الماء قوام الحياة ، فكل الإسراف مرفوض .
﴿ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا ﴾
في الآية ملمح ، ما قال : لا تسرفوا في الطعام والشراب ، قال :
﴿ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا ﴾
في كل شيء ، فأنا حينما أوجه الإنسان المؤمن إلى أن يقتصد في استعمال المياه ، وإلى أن يعيش مشكلات الآخرين ، هذا الذي لا يعيش مشكلات الآخرين إنسان بعيد عن أن يكون في المستوى المقبول عند الله ، وعند الناس ، ينفع الله بها قوماً آخرين ، فضلت فضلة في القعب قال : ردوها في النهر .
أحياناً ورقة ، كلفت مبلغا ضخما استخدمها الموظف لينشف يديه ، ورقة مطبوعة عليها ترويسة ، ومكلِفة ، وورق جيد ومستورد ، هذا الورقة تستخدمها لتنشيف يديك ؟! يمكن أن أكتب بورقة كلمتين فقط ، ثم أمزقها ، أستخدم أوراقا صغيرة .
الاقتصاد أستاذ علاء كمال ، الله عز وجل غني ، كن فيكون ، ومع ذلك يموت في الثانية الواحدة 2،5 مليون كرية حمراء ، لا تطرح ، بل يعاد تصنيعها ، تفكك في الطحال إلى هيموكلوبين وحديد ، يذهب الحديد إلى معامل الدم في نقي العظام ، والهيموكلوبين يذهب ليكون الصفراء في الكبد ، وهذا نظام اقتصادي ، هذا الدرس لنا ، أنا أعد الاقتصاد فهما عميقا جداً للدين .
المذيع :
الذي يترك أنوار بيته مضيئة ، والذي يترك المدفأة مضيئة في مكان ، لو كان غنياً ؟ .
الدكتور :
يسهم في إضعاف الطاقة وقت الذروة ، نحن بحاجة إلى وعي باستهلاك الكهرباء ، وباستهلاك الماء ، باستهلاك الموارد البشرية ، بالقرطاسية ، وقد نستخدم من المبيدات الزراعية 8 أمثال حاجتنا بعدم الوعي ، وأكثرها مسرطن .
المذيع :
هذا ينعكس على البيئة والتربة ، ولا تستطيع تفكيكه التربة حتى في سنوات طويلة .
الدكتور :
أنا أقول : الإسلام هو الحياة ، الإسلام ينبغي أن تعيش حياة متوازنة ، حياة تنتظمها قيم ، مبادئ ، وأهداف .
المذيع :
سنعود إلى هذه المسائل إن شاء الله من خلال برنامجنا القادمة ، ونقف عندها وقفات ملية .
الآن دكتور تحدثت عن أنواع العبادات ، هنالك أنواع ، وهنالك أشكال ، وكما تعلمنا من أشكال العبادات هناك شعائرية ، وهنالك تعاملية ، نتحدث عن أشكال العبادة ونتحدث عن شقيها الشعائرية ، والتعاملية .
العبادات الشعائرية والعبادات التعاملية :
الدكتور :
العبادات الشعائرية كالصلاة ، والصيام ، والحج ، والزكاة ، نقف ، نقرأ الفاتحة ، نقرأ سورة ، نركع ، نسجد ، ثم نقف ثانية ، هذا أحكام الصلاة ، والحج نذهب إلى بيت الله الحرام ، ونطوف ، ونسعى ... إلخ ، والصيام دع الطعام والشراب .
لكن هناك عبادة تعاملية ، أن نكون صادقين ، أن نكون أمناء ، أن نكون أعفى ، أن نكون منصفين ، أن نكون محسنين ، أن نكون رحماء ، أن نكون ، أن نكون ، هذه العبادات التعاملية هي الأصل في الدين ، وهي موضوع هذا البرنامج ، الإيمان هو الخلق ، وما لم تصح العبادة التعاملية لا تقبل العبادة الشعائرية ، أربع أدلة .
(( أَتَدْرُونَ مَنْ المُفْلِسُ ؟ قالُوا : المُفْلِسُ فِينَا يَا رَسُولَ الله من لاَ دِرْهَمَ لَهُ وَلاَ مَتَاعَ ، قالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم : المُفْلِسُ مِنْ أَمّتِي مَنْ يَأتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِصَلاَةِ وَصِيَامٍ وَزَكَاةٍ ، وَيَأْتِي قَد شَتَمَ هَذَا ، وَقَذَفَ هَذَا ، وَأَكَلَ مَالَ هَذَا ، وَسَفَكَ دَمَ هَذَا ، وَضَرَبَ هَذَا، فيقعُدُ فَيَقْتَصّ هَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ ، وَهَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ ، فَإِنْ فَنِيَتْ حَسَنَاتُهُ قَبْلَ أَنْ يُقْتَصّ عَلَيْهِ مِنَ الْخَطَايَا أُخِذَ مِنْ خَطَايَاهُمْ ، فَطُرِحَ عَلَيْهِ ، ثُمّ طُرِحَ في النّارِ ))
انتهت الصلاة ، الآن الصيام :
(( من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه ))
انتهى الصيام ، الآن الزكاة :
﴿ قُلْ أَنْفِقُوا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً لَنْ يُتَقَبَّلَ مِنْكُمْ إِنَّكُمْ كُنْتُمْ قَوْماً فَاسِقِينَ ﴾
انتهت الزكاة ، الآن الحج :
(( من حج بمال حرام فقال : لبيك اللهم لبيك ؛ قال الله عز وجل : لا لبيك ولا سعديك وحجك مردود عليك ))
لا تصح العبادات الشعائرية إلا إذا صحت العبادات التعاملية :
إذاً العبادات الشعائرية ومنها الصلاة والصيام والحج والزكاة لا تقبل ، ولا تصح إلا إذا صحت العبادات التعاملية ، وهذا أخطر شيء يغيب عن المسلمين ، مشكلة المسلمين الأولى أنهم توهموا أن الدين هو العبادة الشعائرية .
خاتمة وتوديع :
المذيع :
هنا نتوقف دكتور لأن الوقت أدركنا ، سوف نبدأ الحلقة القادمة في أشكال العبادة الشعائرية والتعاملية ، والارتباط الوثيق بين العبادة الشعائرية ، والعبادة التعاملية ، شكراً لك دكتور على كل هذا الإيضاح ، وعلى كل ما بسطت من هذه المعلومات ، والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته .