وضع داكن
22-11-2024
Logo
الندوة : 12 - الزكاة .
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 أيها الأخوة و الأخوات السلام عليكم و رحمة الله تعالى و بركاته، في حلقة هذا اليوم يسعدنا أن نستضيف فضيلة الشيخ الدكتور محمد راتب النابلسي خطيب و مدرس في مساجد دمشق و أستاذ مادة الإعجاز العلمي في جامعة الأزهر فرع دمشق، و الأستاذ المحاضر في كلية التربية في جامعة دمشق أيضاً، فضيلة الشيخ الدكتور السلام عليكم و رحمة الله تعالى و بركاته.
 الدكتور راتب: عليكم السلام و رحمة الله و بركاته.
 المذيع: فضيلة الشيخ الله عز وجل دائماً أمر المؤمنين و كل الذين عشقوا دينه بالزكاة و الزكاة لها سر خاص في ديننا الحنيف كيف نطل على الأخ المستمع لنتحدث عن ماهية الزكاة في الإسلام ؟
 الدكتور راتب: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين و الصلاة و السلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين و على آله و صحبه أجمعين و بعد:
 أيها الإخوة الكرام: الزكاة حارس على الأموال، و على أصحابها، فإذا شبع الجائع و اكتسى العاري عمّ الأمن و السلام، إنها تطبع الفرد على حب البذل و السخاء، و تغرس في المجتمع بذور التعاون و الإخاء، هي لا تحل المشكلة المالية بالعصا و السوط، و لكن بإيقاظ الضمائر و تنمية العقول، فالمال مال الله، و الغني مستخلف فيه و الفقراء عيال الله، و أحب العباد إلى الله أبرهم بعياله، و البر ذمة و فريضة لا منة و عطاء، قال تعالى:

﴿خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (103)﴾

[ سورة التوبة: الآية 103]

 أيها الإخوة الكرام: هذه الآية أصل في فرضية الزكاة لذلك سنقف عندها وقفة متأنية، و عند كلماتها كلمة كلمة، فيستنبط من كلمة خذ في هذه الآية أن الزكاة ليست مجرد عمل طيب من أعمال البر، و ليست خلة حسنة من خلال الخير، بل هي ركن أساسي من أركان الإسلام، و شعيرة من شعائره الكبرى، بل هي حجر الزاوية في نظام الإسلام الاقتصادي، و هي أساس من أسس التكافل الاجتماعي.
 إنها ليست إحساناً اختيارياً و لا صدقة طوعية إنما هي فريضة تتمتع بأعلى درجات الإلزام الشرعي و الخلقي، لذلك لم يأمر الله المؤمنين بدفعها، بل أمر نبيه صلى الله عليه و سلم و أولي الأمر من بعده بأخذها، فالزكاة تؤخذ و لا تعطى، تفترض و لا تستجدى، فيستنبط من كلمة من التي هي للتبعيض في هذه الآية أن الزكاة لا تطول جميع المال بل بعضه:

 

﴿خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ ﴾

 

[ سورة التوبة: الآية 103]

 و قد بينت السنة الشريفة مقادير هذا البعض بحسب أنواع الأموال، و بحسب طريقة تحصيلها، و مقدار الجهد المبذول في جمعها:

 

﴿خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ ﴾

 

[ سورة التوبة: الآية 103]

 و يستنبط من كلمة أموالهم التي وردت جمعاً في هذه الآية أن الزكاة تطول كل أنواع المال فتجب الزكاة في كل ما أخرجته الأرض من إنتاج زراعي، و في الثروة الحيوانية، و في المنتجات الحيوانية، و في الذهب و الفضة، و في كل أنواع النقد المتداول و السندات و الديون و السلف، و في عروض التجارة بشتى أنواعها، و في الحلي التي ليست للاستعمال الشخصي، بل و تجب الزكاة في الثروات الباطنية و المعدنية:

 

﴿خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ ﴾

 

[ سورة التوبة: الآية 103]

 و يستنبط من ضمير الجمع في كلمة أموالهم أن الزكاة مفروضة على جميع المسلمين كافة ممن يملكون النصاب التي بينته السنة الشريفة من دون استثناء و لا إعفاء و لا تخفيض و لا طي.

 

﴿خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً ﴾

 

[ سورة التوبة: الآية 103]

 و يستنبط من كلمة صدقة في الآية الكريمة أن المسلم حينما يدفع زكاة ماله يؤكد صدقه، أي تطابق فعله مع اعتقاده، و يؤكد تصديقه بأمر الله، و تصديقه بيوم الدين، و قد قال عليه الصلاة و السلام فيما رواه الإمام مسلم في صحيحه:

 

(( عَنْ أَبِي مَالِكٍ الْأَشْعَرِيِّ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.....َالصَّدَقَةُ بُرْهَانٌ...))

 فالزكاة عبادة مالية يؤكد بها المسلم تصديقه و صدقه فلو لم يطالبه بها السلطان طالبه بها القرآن:

 

 

﴿خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ ﴾

 

[ سورة التوبة: الآية 103]

 و يستنبط من كلمة تطهرهم في هذه الآية الكريمة أن الزكاة تطهر نفس الغني من الشح البغيض، تلك الآفة النفسية الخطرة التي قد تدفع صاحبها إلى الدم فيسفكه، أو إلى العرض فيبذله، أو إلى الوطن فيبيعه، و لن يفلح فرد أو مجتمع سيطر الشح عليه و ملك ناصيته، قال تعالى:

 

﴿وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (9) ﴾

 

[ سورة الحشر: الآية 9]

 و الزكاة تطهر أيضاً نفس الفقير من الحسد و الحقد و الضغينة على ذلك الغني الكانز لمال الله، و الذي يمنعه عن عباد الله، فمن شأن الإحسان أن يستميل قلب الإنسان، و من شأن الحرمان أن يملأه بالبغض و الحقد.
 المذيع: فضيلة الشيخ الدكتور محمد راتب النابلسي كلام جميل رائع و تحليل فيه تميز و شرح حبذا أن نستزيد في هذا المجال في هذه الدقائق من برنامج من ثمار الإيمان.
 الدكتور راتب: الحقيقة أن الزكاة فضلاً عن أنها تطهر نفس الغني من الشح و نفس الفقير من الحقد تطهر المجتمع كله من عوامل الهدم و التفرقة و الصراع و الفتن، و هي فضلاً عن كل ذلك تطهر المال من تلوثه بتعلق حق الغير به، فقد قالوا: الحجر المغصوب في دار سبب في خرابها، و كذلك الدرهم الذي استحقه الفقير في المال رهن بتلويثه كله، قال عليه الصلاة و السلام:

 

(( إذا أديت زكاة مالك فقد أذهبت عنك شره))

 أي شر المال، و قال أيضاً:

 

 

(( حصنوا أموالكم بالزكاة ))

 و قال أيضاً:

 

 

(( ما تلف مال في بر أو بحر إلا بحبس الزكاة ))

 

﴿خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا ﴾

[ سورة التوبة: الآية 103]

 و يستنبط من كلمة و تزكيهم في هذه الآية أن التزكية معناها النماء و الزيادة، نماء للغني و الفقير و لمال كل منهما، نماء للعلاقات الاجتماعية و للقيم الإنسانية فهي أولاً نماء لشخصية الغني و لكيانه المعنوي، فالإنسان الذي يسدي الخير و يصنع المعروف و يبذل من ذات نفسه و يده لينهض بإخوانه في الدين و الإنسانية و ليقوم بحق الله عليه يشعر بامتداد في نفسه و انشراح في صدره و يحس بما يحس به من انتصر في معركة، و هو فعلاً لقد انتصر على ضعفه، و أثرته و شيطان شحه و هواه، فهذا هو النمو النفسي، و الزكاة المعنوية و لعل هذا ما عنته كلمة و تزكيهم بها.
 المذيع: إذاً دكتور يعني الزكاة كما تتفضل بناء مجتمع قوي متماسك يعتمد عليه من أجل الوصول إلى الحقيقة و مرضاة الله سبحانه و تعالى.
 الدكتور راتب: و الزكاة أيضاً نماء لشخصية الفقير، يحس و يشعر الفقير أنه ليس ضائعاً في المجتمع، و لا هيناً عليه، و لا متروكاً لضعفه و فقره.
 إن مجتمعه ليعمل على إقالة عثرته، و يحمل عنه أثقاله، و يمد له يد المعونة بكل ما يستطيع، و بعد ذلك لا يتناول الزكاة من يد فرد يشعر بالضعف أمامه بل يأخذها من أولي الأمر حرصاً على كرامته من أن تخدش، و لو قدر للأفراد أن يعطوا فإن القرآن يحذرهم من المن و الأذى، قال تعالى:

 

﴿قَوْلٌ مَعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِنْ صَدَقَةٍ يَتْبَعُهَا أَذًى وَاللَّهُ غَنِيٌّ حَلِيمٌ (263) ﴾

 

[ سورة البقرة: الآية 263]

 أيها الإخوة الكرام: و الزكاة بعد ذلك نماء للمال نفسه و بركة فيه، و كيف يكون ذلك ؟ هي في الظاهر نقص في المال بإخراج بعضه و لكن العارفين يعلمون أن هذا النقص الظاهر وراءه زيادة حقيقية، زيادة في المال المجموع و زيادة في مال الغني نفسه، فتأدية الزكاة ترفع القوة الشرائية عند الفقير و هذا يعود بالنفع على دافع الزكاة و هذا معنى قوله تعالى:

 

﴿وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ (39) ﴾

 

[ سورة سبأ: الآية 39]

 المذيع: في الواقع كلام جميل و رائع سماحة الشيخ الدكتور محمد راتب النابلسي عن الزكاة و أهميتها في ديننا الحنيف نشكركم سماحة الشيخ محمد راتب النابلسي السلام عليكم و رحمة الله تعالى و بركاته.
 و عليكم السلام و رحمة الله و بركاته.

 

نص الزوار

إخفاء الصور