- الخطب
- /
- ٠4المناسبات الدينية
كلمة الاحتفال لفضيلة الشيخ الدكتور محمد راتب النابلسي.
بسم الله الرحمن الرحيم
السيد وزير الأوقاف الدكتور محمد زيادة ممثل السيد الرئيس رئيس الجمهورية العربية السورية الدكتور بشار الأسد راعي هذا الاحتفال، السادة العلماء الأجلاء، الأخوة المؤمنين حضوراً ومستمعين ومشاهدين:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
لقد خلق الله الإنسان في أحسن تقويم، وكرمه أعظم تكريم، سخر له الكون تسخير تعريف وتفضيل، وهبه نعمة العقل، وفطرته فطرةً تنزع إلى الكمال، وأودع فيه الشهوات ليرقى بها صابراً وشاكراً إلى رب الأرض والسماوات، ومنحه حرية الاختيار ليثمن عمله، وأنزل له كتاباً أحل له الطيبات وحرم عليه الخبائث، كل ذلك ليعرف ربه فيعبده، ويسعد بعبادته في الدنيا والآخرة.
وإن الحق أيها الأخوة لابس خلق السماوات والأرض، والحق هو الشيء الثابت والهادف، بخلاف الباطل، الذي هو الشيء الزائل والعابث، إن الحق دائرة تتقاطع فيها أربعة خطوط:
خـــط النقل الصحيح.
وخــط العقل الصريح.
وخــط الفطرة السليمة.
وخط الواقع الموضوعي.
فالنقل الصحيح كلامه سبحانه وتعالى مع بيان المعصوم صلى الله عليه وسلم والعقل الصريح ميزان أودعه الله في الإنسان، ليتعرف من خلاله إلى الواحد الديان، قال تعالى:
﴿ وَالسَّمَاءَ رَفَعَهَا وَوَضَعَ الْمِيزَانَ (7)﴾
والفطرة ميزان آخر نفسي متطابق مع منهج الله وهو مركوز في أصل كيان الإنسان ليكتشف ذاتياً من خلاله أو من خلالها خطأه، قال تعالى:
﴿ وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا (7) فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا (8)﴾
والواقع خلق الله تحكمه القوانين التي قننها الله جل جلاله، فإذا كانت هذه الفروع الأربعة من أصل واحد فهي متطابقة فيما بينها.
وليلة القدر أيها الأخوة أفضل ليالي العمر لقول الله عز وجل:
﴿ إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ (1) وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ (2) لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ (3)﴾
أي هي خير من ألف شهر، أو هي خير من ثلاثة وثمانين عاماً وهو عمر مديد يعبد فيها الإنسان ربه تقليداً من دون علم، أو يعلم فيها عملاً عشوائياً من دون انضباط ولا إخلاص، لذلك قال عليه الصلاة والسلام:
(( لفقيه واحد أشد على الشيطان من ألف عابد ))
لأن مقاومة العابد هشة، فهو يضعف أمام شهواته حيث يخرق استقامته لأدنى ضغط أو لأقل إغراء.
روى الإمام البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
(( من قام ليلة القدر إيمانا واحتسابا غفر اللّه له ما تقدم من ذنبه ))
وروى الإمام أحمد وابن ماجه والترمذي عن عائشة رضي الله عنها قالت:
(( قلت يا رسول الله أرأيت إن علمت أي ليلة القدر ما أقول فيها ؟ قال: قولي اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عني))
أيها الأخوة الكرام:
تنطلق الخواطر الإيمانية حول ليلة القدر من قوله تعالى:
﴿ وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّماوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ (67)﴾
وتنطلق الخواطر الإيمانية أيضاً من الآيات الأولى التي نزلت أول ما نزلت من القرآن الكريم:
﴿ اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (1) خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ (2) اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ (3) الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ (4) عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ (5)﴾
إذاً ينبغي أن نقدر الله حق قدره في ليلة القدر وذلك عن طريق العلم، وقد عبر الله جل جلاله عن العلم بمفتاحه وهي فعل اقرأ، وهي في اللغة أن الفعل إذا حذف مفعوله أطلق معناه، فنقرأ في كتاب الله أو في بيان المعصوم صلى الله عليه وسلم، أو في كتاب الكون فالكون قرآن صامت، والقرآن كون ناطق، والنبي صلى الله عليه وسلم قرآن يمشي لذلك قال الله تعالى: " اقْرَأْ " أول آية نزلت في القرآن الكريم، ولكن الأصل في هذه القراءة أن تكون قراءة إيمانية تنتهي إلى الإيمان بالله موجوداً وواحداً وكاملاً خالقاً ومربياً ومسيرا قال تعالى: " اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ " وهذه القراءة مقدور عليها بدليل أنها تنطلق من أقرب شيء إلى الإنسان من نفسه التي بين جنبيه، قال تعالى: " اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ ".
﴿ وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ (21)﴾
ولكن الأصل الثاني لهذه القراءة أن تكون قراءة شكر وعرفان، أساسها شكر المنعم على نعمة الإيجاد ونعمة الإمداد ونعمة الهدى والرشاد، لقد خلق الله الإنسان ليسعده في الدنيا والآخرة.
﴿ إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ﴾
" اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَق، خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَق، اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ " قراءة إيمانية، وقراءة شكر وعرفان، لقد سخر الله الكون لهذا الإنسان تسخير تعريف وتكريم، أما تسخير التعريف فكل ما السماوات وما في الأرض ينطق لوجود الله ووحدانيته وكماله ويشف عن أسماءه الحسنى وصفاته الفضلى، وهو مجال رحب لتفكر في خلق السماوات الأرض قال تعالى:
﴿ وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّماوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ ﴾
أي أن تقدير الله حق قدره طريقه التفكر في خلق السماوات والأرض، لذلك قال تعالى:
﴿ وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً مِنْهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (13)﴾
هذا تسخير تعريف، فماذا أما تسخير التكريم فقد قال تعالى:
﴿ وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً (70)﴾
واجب الإنسان تجاه تسخير التعريف أن يؤمن، وواجب الإنسان تجاه تسخير التكريم أن يشكر، فالإنسان إذا آمن وشكر فقد حقق الغاية من وجوده، لذلك يتوقف التأديب والمعالجة، يقول الله عز وجل:
﴿ مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ وَكَانَ اللَّهُ شَاكِراً عَلِيماً (147)﴾
(( إِنْ شَكَرْتُمْ وَءَامَنْتُمْ ))
فقد حققتم الهدف من وجودكم، إذاً يتوقف العلاج ويتوقف التأديب، أما قوله تعالى:
﴿ عَلَّمَهُ الْبَيَانَ (4)﴾
(( اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ، خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ، اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ، الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ ))
في هذه الكلمات إشارة رائعة إلى نعمة البيان، إلى نعمةٍ انفرد بها الإنسان الذي ميزه الله بها، حيث يقول:
﴿ الرَّحْمَنُ (1) عَلَّمَ الْقُرْآنَ (2) خَلَقَ الْإِنْسَانَ (3) عَلَّمَهُ الْبَيَانَ (4)﴾
ففي جانب البيان الشفهي يعبر الإنسان عن أفكاره وعن مشاعره، ويتعرف إلى أفكار الآخرين ومشاعرهم، فيتعلم بالبيان ويعلم، وفي جانبه الكتابي تنتقل المعارف من إنسان لآخر من دون اتصال، ومن جيل إلى جيل من دون مجاورة، ومن أمة إلى أمة من دون معاصرة، ثم تنتقل المعارف وتتراكم إلى خزائن العلم للإنسانية كلها، هذا بفضل "عَلَّمَ بِالْقَلَمِ ".
أما الأصل الثالث لهذه القراءة فهي قراءة الوحي والتلقي، فمعرفة طرف من حقيقة الذات الإلهية، وكمالها المطلق، ومعرفة الماضي السحيق، والمستقبل البعيد ومعرفة حقيقة الحياة الدنيا، ومعرفة حقيقة الحياة الآخرة، ومعرفة حقيقة الإنسان وسر وجوده، وغاية وجوده، ومعرفة حقيقة النبوات، و الرسالات، ومعرفة حقيقة المنهج ودقائقه ومفردات التكاليف، وتفاصيلها، هذا كله يؤخذ من الوحيين الكتاب والسنة، وهذا مما يستنبط من قوله تعال: " عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ "، " اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ، خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ، اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ، الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ، عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ ".
ولكن أيها الأخوة لا يعني هذا الكلام أن المسلمين اليوم يقرؤون هذه القراءات الثلاث ولو فعلوا لما استطاع أحد أن ينال منهم، ولكن هذا من قبيل ما ينبغي أن يكون لا ما هو كائن.
أما إذا قرأ الإنسان ما الكون قراءة نفعية ليس غير وابتعد عن هذه القراءات الثلاث كان الطغيان وكان العدوان، قال تعالى بعد هذه الآيات:
﴿ كَلَّا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَى (6) أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى (7)﴾
وهذا طغيان العلم الذي يقود الإنسان الذي قرأ هذه القراءة النفعية بعيداً عن الإيمان والعرفان يقوده هذا العلم إلى القوة فيبني مجده على أنقاض الآخرين، ويبني غناه على فقرهم، ويبني قوته على ضعفهم، ويبني أمنه على خوفهم، ويبني عزه على ذلهم ويبني حياته على موتهم، وبهذا يكون قد طغى بالعلم واستخدم العلم لغير ما أريد منه وقد ضرب الله لنا مثلاً في القرآن الكريم قوم عاد كنموذج متكرر لهذا الإنسان الذي قرأ قراءة نفعية فطغى وبغى ونسي المبتدا والمنتهى، ونسي الجبار الأعلى، فعاد تفوقت في شتى الميادين قال تعالى:
﴿ أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ (6) إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ (7) الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلَادِ (8)﴾
وعاد تفوقت بالبناء والعمران والحصون والمنشئات، قال تعالى:
﴿ أَتَبْنُونَ بِكُلِّ رِيعٍ آيَةً تَعْبَثُونَ (128) وَتَتَّخِذُونَ مَصَانِعَ لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ (129)﴾
وعاد تفوقت بالقوة العسكرية قال تعالى:
﴿ وَإِذَا بَطَشْتُمْ بَطَشْتُمْ جَبَّارِينَ (130)﴾
وعاد تفوقت بالناحية العلمية قال تعالى:
﴿ وَعَاداً وَثَمُودَ وَقَدْ تَبَيَّنَ لَكُمْ مِنْ مَسَاكِنِهِمْ وَزَيَّنَ لَهُمَ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَكَانُوا مُسْتَبْصِرِينَ (38)﴾
ولم يكن فوق عاد إلا الله، بدليل أن الله مات أهلك قوماً إلا وذكرهم أنه أهلك من أشد منه قوةً، إلا عاداً حين أهلكها قال:
﴿ أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ (15)﴾
وعاد بسبب تفوقها وبعدها عن الله وقراءتها لما في الكون قراءة نفعية تكبرت بغير حق، واستعلت وتغطرست وبغت، لا في بلدها فحسب بل في كل البلاد، قال تعالى:
﴿ فَأَمَّا عَادٌ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَقَالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً﴾
رفماذا كانت محصلة هذا التفوق المادي، لقد طغوا في البلاد، والطغيان مجاوزة الحد بالعدوان، ولم يقل طغوا في بلدهم، بل قال " طَغَوْا فِي الْبِلَادِ " في البلاد كلها، ليصف طغيانهم بالشمول، وأنهم أكثروا فيها الفساد، ولم يقل فسدوا، ليبن أن إفسادهم عم الأرض.
أيها الأخوة الكرام:
والحديث عن مصير عاد في القرآن لا يخص عاداً الأولى بل يتجه إلى كل قوم سلكوا مسلك عاد، فقوم عاد نموذج متكرر بدليل أن الله تعالى يقول:
﴿ وَأَنَّهُ أَهْلَكَ عَاداً الْأُولَى (50)﴾
وهذا يعني فيما يعني أن هناك عاداً ثانية، أو انتظروا عاداً ثانية، لقد كان تأديبهم بالأعاصير التي تدمر كل شيء أتت عليه.
﴿ وَأَمَّا عَادٌ فَأُهْلِكُوا بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عَاتِيَةٍ (6) سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُوماً فَتَرَى الْقَوْمَ فِيهَا صَرْعَى كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ (7)﴾
فماذا كانت النتيجة ؟
﴿ فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذَابٍ (13) إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ (14)﴾
أي بالمرصاد لكل من يكون على شاكلة عاد من أمم الأرض، ليلة القدر تعني فيما تعني، أن نعرف الله، ومعرفة الله أصل الدين، وأن نقدره حق قدره عن طريق العلم به من خلال آياته الكونية والتكوينية والقرآنية، أي من خلال خلقه وفعله وكلامه.
أيها الأخوة الأحباب:
والعلم كما يرى بعض العلماء علم بالله وعلم بأمره وعلم بخلقه، أو علم بالحقيقة وعلم بالشريعة وعلك بالخليقة، والعلم بالله أصل الدين، والعلم بأمره أصل العبادة، والعلم بخلقه أصل صلاح الدنيا، لقد دعا الإسلام إلى العلم بالله من خلال التفكر في خلق السماوات والأرض.
ففي صحيح ابن حبان عن عطاء عن عائشة رضي الله عنها قالت:
" أتاني في ليلتي حتى مس جلده جلدي ثم قال ذريني أتعبد لربي عزّ وجلّ" قالت فقلت: واللّه إني لأحب قربك، وإني أحب أن تعبد ربك، فقام إلى القربة فتوضأ ولم يكثر صب الماء، ثم قام يصلي فبكى حتى بلّ لحيته، ثم سجد فبكى حتى بلّ الأرض، ثم اضطجع على جنبه فبكى حتى إذا أتى بلال يؤذنه بصلاة الصبح، قالت، فقال: يا رسول اللّه ما يبكيك وقد غفر اللّه لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر ؟ فقال: ويحك يا بلال وما يمنعني أن أبكي وقد أنزل اللّه عليّ في هذه الليلة:
﴿ إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ (190)﴾
أيها الأخوة الأحباب حضوراً ومستمعين ومشاهدين:
ننطلق في ليلة القدر من السعي إلى تقدير الله حق قدره فنتفكر في ملكوت السماء فإذا علمنا أن حجم الأرض يساوي مليون مليون كم مكعب، وأن الشمس تكبر الأرض بمليون وثلاثمئة ألف مرة، وأن المسافة بين الأرض والشمس هي 156 مليون كم، وأن نجماً في برج العقرب صغير متألق أحمر اللون اسمه قلب العقرب يتسع للأرض والشمس مع المسافة بينهما.
﴿ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ فَتَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ (64)﴾
وأن نجماً آخر اسمه منكب الجوزاء يزيد حجمه عن حجم الشمس بمئة مليون مرة لقد صدق الله العظيم إذ يقول:
﴿ وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ (47)﴾
أيهاالأخوة:
الضوء يقطع في الثانية الواحدة 300 ألف كم، إذاً هو يقطع في السنة عشرة آلاف مليار من الكليو مترات، فإذا علمنا أن القمر يبعد عنا ثانية ضوئية واحدة، وأن الشمس تبعد عنا ثماني دقائق ضوئية، وأن المجوعة الشمسية بأكملها لا يزيد قطرها على ثلاث عشرة ساعة ضوئية، وأن أقرب نجم إلى الأرض يبعد عنا أربع سنوات ضوئية، ولكي نعلم ماذا تعني أربع سنوات ضوئية نقول، لو اتجهنا إلى هذا النجم الذي هو أقرب نجم إلى الأرض بمركبة أرضية لاستغرقت الرحلة خمسين مليون عام، أقرب نجم إلى الأرض، أربع سنوات ضوئية، متى نصل إلى نجم القطب الذي يبعد عنا أربعة آلاف سنة ضوئية، ومتى نصل إلى المرأة المسلسلة وهي سديم تبعد عنا مليوني سنة ضوئية، ومتى نصل إلى مجرة اكتشفت حديثاً تبعد عنا عشرين مليار سنة ضوئية، لقد صدق الله العظيم إذ يقول:
﴿ فَلَا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ (75) وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ (76)﴾
هذا الإله العظيم يعصى ؟ هذا الإله العظيم ألا يخطب وده ؟
فلو شاهدت عيناك من حسننا الذي رأوه لما وليت عنــــــا لغيرنا
ولو سمعت أذناك حسن خطابنــــا خلعت عنك ثياب العجب وجئتنا
ولو ذقت من طعم المــــحبة ذرة عذرت الذي أضحى قتيلاً بحبنا
ولو نسمت من قربنا لك نســــمة لمت غريباً واشتياقاً لقـــربنا
ولو لاح من أنــــوارنا لك لائح تركت جميع الكائنات لأجلــنا
فما حبنا سهل وكل من ادعى سهولته قلنا له قد جهلــــــــتنا
أخوتي المؤمنين أعزائي المشاهدين:
ننطلق في ليلة القدر من السعي إلى تقدير الله حق قدره فنتفكر في ملكوت الأرض من آيات الله الدالة على عظمته البعوضة وقد ذكرت في القرآن الكريم قال تعالى:
﴿ إِنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلاً مَا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا﴾
بعد اكتشاف المجاهر الالكترونية تبين أن في رأس البعوضة مئة عين، وأن في فمها 48 سناً، وأن في صدرها 3 قلوب، قلباً مركزياً، وقلباً لكل جناح، وفي كل قلب أذينان، وبطينان، ودسامان، والبعوضة تملك أجهزة لا تملكه الطائرات، تملك جهاز رادار سماه العلماء جهاز استقبال حراري، فهي لا ترى الأشياء لا بأشكالها ولا بأحجامها ولا بألوانها، ولكن تراها بحرارتها، فإذا كانت في غرفة مظلمة لا ترى إلا النائم، تتجه إليه لكن ما كل دم يناسبها، معها جهاز تحليل دم، فقد ينام أخوان على سرير واحد يستيقظ الأول وقد ملئ بلسع البعوض، والثاني معافى لم يصب بشيء، ما كل دم يناسبها، ثم إن البعوضة تملك جهاز تخدير فإذا وقفت على جسم النائم ربما قتلها، تخدره أولاً، وحينما يشعر بلدغها تكون في جو الغرفة تضحك عليه، تملك جهاز رادار، وجهاز تحليل، وجهاز تخدير، ولأن لزوجة الدم لا يمكن أن تسري في خرطومها الدقيق تملك جهاز تمييع، هذا خلق الله، أما خرطومها فبعد تكبيره تبين أن فيه ستة سكاكين، أربع سكاكين لأحداث جرح مربع وسكينان يلتئمان على شكل أنبوب لامتصاص الدم، وفي أرجل البعوضة مخالب إن وقفت على سطح خشن، ومحاجم إن وقفت على سطح أملس " إِنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلًا مَا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا ".
﴿ هَذَا خَلْقُ اللَّهِ فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ بَلِ الظَّالِمُونَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (11)﴾
أيها الأخوة الأحباب حضوراً ومستمعين ومشاهدين:
إذا انتقلنا إلى الموضوع الساخن الذي تعيش أحداثه الأمة العربية والإسلامية فقد وضحه السيد الرئيس في كلمة ألقاها في مؤتمر القمة الإسلامي الذي عقد في الدوحة، لقد قال سيادته:
هذا العدو الجديد الذي ظهر في التسعينات هو ديننا الإسلامي الحنيف، دين الأخلاق دين العدل دين المحبة، الذي تم تشويهه إعلامياً، وتثقيفياً، وتربوياً، ليغدو دين القتل والتطرف والإرهاب، فكلما حصل اضطراب في منطقة ما من العالم وجهت أصابع الاتهام للإسلام، ولو لم يكن للمسلمين وجود في تلك المنطقة، وكل عملية تخريب، أو كل عمل إرهابي منفذه مسلم حتى يثبت العكس، وغالباً ما يثبت العكس أما الاتهام فيبقى كما هو وبالتوازي حورب الإسلام الصحيح من خلال تغذية التطرف واستخدامه في ضرب الإسلام والمسلمين، والآن يصور هذا التطرف الذي جرت تنميته من خارج الأمة الإسلامية على أنه الإسلام الحقيقي، وذلك إمعاناً في تشويه صورته الناصعة وإسرائيل أبرع من يشوه هذه الصورة وأية صورة حقيقة أخرى ـ انتهى كلام السيد الرئيس ـ.
يقول الإمام مالك إمام دار الهجرة: لو إن لي دعوة مستجابة لادخرتها لأولي الأمر لأن في صلاحهم صلاح الأمة.
اللهم وفق السيد الرئيس رئيس الجمهورية بشار الأسد لما فيه خير البلاد والعباد وهيئ له بطانة خير ووزراء صدق يا رب العالمين، وأعنه على قيادة السفينة إلى شاطئ الأمان فما أكثر المؤامرات والضغوط التي تحيط بالأمة العربية والإسلامية، ثم إن الله:
﴿ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ﴾
لذلك ندعو ونقول اللهم انصرنا على أنفسنا حتى ننتصر لك، حتى نستحق أن تنصرنا على أعدائنا وأعدائك أعداء الحق والخير والسلام.
ومع كل ما يجري على الساحة العربية والإسلامية لا ينبغي أن نقلق على هذا الدين الحنيف لأنه دين الله، وأن الله وحده قادر على حفظه ونصره، فلا ينبغي أن نقلق عليه ولكن ينبغي أن نقلق على أنفسنا ما إذا سمح الله لنا أو لم يسمح أن نكون جنوداً له.