- ندوات تلفزيونية
- /
- ٠88برنامج مع الرسول - قناة الرسالة
مقدمة :
الدكتور بلال نور الدين :
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته .
أخوتي الأكارم ؛ أخواتي الكريمات ؛ أينما كنتم نحن معاً في مستهل حلقة جديدة من برنامجنا : "مع الرسول صلى الله عليه وسلم ".
أنــــــــــا المحب ومهجتي لا تنثني عند وجدها وهيامها بمحمــــــدِ
قد لامني فيه الجهول ولـــو درى معنى الهيام لكان مســــــاعدي
***
أيها الأخوة الأحباب ؛ نحن معاً بمعية شيخنا الدكتور محمد راتب النابلسي السلام عليكم سيدي .
الدكتور محمد راتب النابلسي :
عليكم السلام ورحمة الله وبركاته ، بارك الله بك ، ونفع بك .
الدكتور بلال نور الدين :
أكرمكم الله سيدي ، اليوم سيدي نتحدث عن رفقه صلى الله عليه وسلم ، وتحديداً بالمخطئ ، عن رفقه بالمخطئ ، يقول صلى الله عليه وسلم :
(( عن عائشة رضي الله عنها : أَنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال : إِنَّ الرِّفقَ لا يكونُ في شيء إِلا زَانَهُ ، ولا يُنْزَعُ مِن شيء إِلا شانَهُ ))
والرفق ضد العنف ، قبل أن أبدأ ، ما أهمية الرفق في التعامل ؟
أهمية الرفق في التعامل :
الدكتور محمد راتب النابلسي :
الرفق حكمة ، الرفق رحمة ، الرفق هدف ، الرفق إصلاح ، الرفق قرب من هذا الإنسان ، أن تعرف مشكلته ، أن تعرف من أين يتألم ، أن تعرف ضعفه ، هي بطولة أن تعيش واقع الآخرين ، هي قيادة ، أن تتجاهل واقعهم هي أنانية ، فالحكمة بالغة جداً في هذا الموقف .
الدكتور بلال نور الدين :
النبي صلى الله عليه وسلم كان رفيقاً بالمخطئين ، أي هذا الرجل الذي دخل إلى المسجد ، والنبي صلى الله عليه وسلم سيركع ، فركع قبل أن يصل إلى الصف ، ويبدو أنه أحدث جلبة ، فماذا قال له النبي صلى الله عليه وسلم ؟
الموضوعية علم وأخلاق :
الدكتور محمد راتب النابلسي :
بدأ بإيجابية هذا الموقف .
(( عن أبي بكرة رضي الله عنه أنه انتهى إلى النبيِّ صلى الله عليه وسلم وهو راكع، فركعَ قبل أن يصلَ إلى الصفِّ ، فذكر ذلك للنبيِّ صلى الله عليه وسلم ، فقال : زادَك الله حِرْصا ، ولا تعُدْ ))
لولا حرصه أن يلحق مع النبي بالركعة الأولى ما أحدث هذه الجلبة ، فذكر إيجابية هذا العمل .
أنت مثلاً مدير عام ، وهناك موظف يتأخر ، وتريد أن تعنفه ، أنا لا أنسى إخلاصك ، لا أنسى جهدك ، لا أنسى ، لا أنسى ، لكن أتمنى عليك ألا تتأخر ، هذا توجيه لطيف وحكيم نبوي ، ذكر هذا الذي أمامك بإيجابياته يطمئن ، ويرتاح ، يرى موضوعيتك ، الموضوعية أخلاق ، الموضوعية كمال ، الموضوعية علم ، تلتقي الموضوعية مع العلم والأخلاق معاً ، إذا كنت موضوعياً فأنت عالم ، إذا كنت موضوعياً فأنت أخلاقي ، هذا الموظف عنده الكثير من الإيجابيات ، عندما ذكرتها له اطمأن إلى موضوعيتك ، اطمأن إلى إنصافك ، اطمأن إلى محبتك ، اطمأن إلى رحمتك ، ذكره بهذا الخطأ ، يقبله .
لي ملاحظة أخرى مع الموضوعية ، أن تلفت نظره على انفراد ، لو أمام موظف آخر شمت به ، لو ذكرت ابنك بشيء سلبي أمام أخته شمتت به ، فالبطولة أن تذكره بهذا الخطأ على انفراد ، لا أمام آخر ، لا أمام أخ ، ولا أمام أخت ، ولا أمام جماعة .
الدكتور بلال نور الدين :
(( زادَك الله حِرْصا ، ولا تعُدْ ))
الدكتور محمد راتب النابلسي :
ولا تعد ، بدأ بالحرص ، لماذا فعل هذا ؟ لحرصه على إدراك الركعة الأولى مع رسول الله .
الدكتور بلال نور الدين :
صلى الله عليه وسلم ، بعض الناس سيدي لمجرد خطأ بسيط يهدم الماضي ، أن يتعامل بهذا المبدأ إذا أخطأت معي أهدم لك كل إيجابياتك سابقاً ، لعل الله عز وجل من رحمته لا يتعامل معنا بهذا المنطلق .
الدكتور محمد راتب النابلسي :
شخص عمل ملاحظة لطيفة ، إذا كان هناك خطأ بمكان يغير البلاطة فقط ، ببلاد أخرى يغيرون البيت كله .
الدكتور بلال نور الدين :
أزل الخطأ فقط .
نعم سيدي ؛ أيضاً هذا يشبه توجيهاً نبوياً ، أو قصة نبوية مع حاطب ، حاطب بن أبي بلتعة ، صحابي لكنه أخطأ ، وأرسل رسالة إلى قريش .
الحكمة في القيادة :
الدكتور محمد راتب النابلسي :
أخطأ أكبر خطأ ، أخطأ خيانة ، أبلغ العدو نقاط ضعف الصديق .
الدكتور بلال نور الدين :
إن محمد سيغزوكم ، ومع ذلك لما جاءه ، عمر رضي الله عنه عملاق الإسلام قال: دعني أضرب عنقه ، قال : إنه شهد بدراً .
الدكتور محمد راتب النابلسي :
ما نسيها له .
الدكتور بلال نور الدين :
وما يدريك ؟
الدكتور محمد راتب النابلسي :
هذا الوفاء سيدي ، الأنبياء قمم المجتمع ، القمة في الكمال ، في الحكمة ، في الفهم ، في الرحمة ، في الإنصاف ، في العدل .
الدكتور بلال نور الدين :
والذي يدل على ذلك سيدي أن حاطباً لم يصبح بعد ذلك شخصاً منبوذاً في المجتمع، أرسله بعد ذلك النبي صلى الله عليه وسلم في مهمة ، أرسله كسفير .
قبول العذر كمال ولو لم يكن الإنسان مقتنعاً به :
الدكتور محمد راتب النابلسي :
الحقيقة أنه قبِل عذره شيء ، ثم يعتمده بالقيادة شيء آخر ، هذه أبلغ ثقة به ، إذا الإنسان أخطأ أكثر المهمات ينحيها عنه ، هذا خطأ كبير ، هو عندما يخطئ ويعود إلى صوابه وتسلمه أنت مهمة تحتاج إلى ثقة ، تكون قد مسحت الماضي كله ، منتهى الحكمة .
لو شخص له ابن غلط بحساباته مثلاً ، ثم سلمه مبلغاً كبيراً ، هذا المبلغ الكبير عندما سلمه إياه أعاد له الثقة ، هذه الحكمة .
﴿ يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ (269) ﴾
الدكتور بلال نور الدين :
حاطب سيدي كان له تعليل كما نعلم ، كنت امرأ ملصقاً من قريش ، ولست من أنفسهم ، فأردت أن أتخذ عندهم يداً ، وما فعلت ذلك كفراً ، ولا ارتداداً عن دين الله ، أي قبِل عذره ، فهم موقفه .
الدكتور محمد راتب النابلسي :
أنا أقول : إن قبول العذر وحده كمال ، ولو لم تكن قانعاً به ، ما دام اعتذر هو ندم، الاعتذار ندم ، ما دام حصل ندم ، انتهى الأمر .
الدكتور بلال نور الدين :
أيضاً سيدي ؛ الأحاديث كثيرة في رفقه صلى الله عليه وسلم لاسيما بالمخطئين ، هذا الأعرابي الذي دخل إلى المسجد لعلها جريمة نكراء ، بال في المسجد ، طبعاً كان المسجد من الرمل ، بال في المسجد فالنبي صلى الله عليه وسلم :
(( عن أنس بن مالك : أن أعرابيّاً بال في المسجد ، فوثب إليه بعض القوم ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لا تزرموه ))
أو لا تزرموا عليه بوله في رواية ، وهذا أيضاً توجيه ؟
معالجة النبي المشاكل بأبسط الأمور ثم توجيه الناس إلى حرمة ما يفعلون :
الدكتور محمد راتب النابلسي :
كأن قضية علمية دقيقة تسبب خطأ كبيراً في الجسم ، الحقيقة فهمه للأمور الصحية صار وحياً ، وليس موضوع خبرة .
الدكتور بلال نور الدين :
فلما فرغ دعا بدلو من الماء فصب ، أي عالج المشكلة بأبسط أمر ثم وجهه إلى حرمة ذلك .
أيضاً سيدي معاوية بن الحكم السلمي ، هذا الرجل الذي في الصلاة ، وهو في الصلاة يعطس رجل من القوم ، فيقول له : يرحمك الله ، فرماني القوم بأبصارهم ، وجعلوا يضربون على أفخاذهم ، يصمتونني ، فقلت : وأثكل أمياه ، ما شأنكم ؟ في الصلاة يتكلم والنبي صلى الله عليه وسلم يأخذه - ما رأيت معلماً لا قبله ولا بعده - ويقول : إن هذه الصلاة لا يصلح فيها شيء من كلام الناس ، إنما هي التسبيح ، والتكبير ، وقراءة القرآن ، كم نحن بحاجة إلى هذه الأخلاق ؟
الكمال ثمن الجنة :
الدكتور محمد راتب النابلسي :
النبي الكريم قمة البشر في الكمال ، وكأن الكمال ثمن الجنة ، أي أعلى كمال الحلم ، الحكمة ، الرحمة ، التقصي ، العطف ، هذا الكمال ، بماذا جاء النبي ؟ بمكارم الأخلاق، أودعت هذه المكارم عند النبي الكريم ، فهو قمم البشر أخلاقياً .
الدكتور بلال نور الدين :
سيدي ؛ اليوم في مجتمعاتنا للأسف ، في بعض المجتمعات حلّ العنف محل الرفق فيعالج الخطأ بخطأ أكبر منه ، ويعالج المشكلة بمشكلة أكبر منها .
العنف لا يلد إلا العنف :
الدكتور محمد راتب النابلسي :
أنا قرأت كتاب لبانون ، ملخص الكتاب مذهل : العنف لا يلد إلا العنف ، إياك أيها العنيف أن تتصور أن بعنفك ينتهي الأمر ، العنف يولد العنف ، يولد عنفاً أشد منه ، لا بد من الحلم ، لا بد من أن تدرس واقع هذا الإنسان ، لماذا فعل هذا ؟ أزل السبب ينتهي العنف ، العنف له سبب ، تجاهل السبب حمق ، ليس غباء ، قسوة بالغة ، والمصير سلبي وليس إيجابياً.
الدكتور بلال نور الدين :
والله تعالى من أسمائه الرفيق .
(( عن عبد الله بن مغفل رضي الله عنه : قال : قال لي رسولُ الله صلى الله عليه وسلم : إِنَّ اللهَ عز وجلَ رَفيق يحِبُّ الرِّفق ، ويُعْطي عليه ما لا يُعطي على العُنْفِ ))
التخلق بأخلاق الله :
الدكتور محمد راتب النابلسي :
(( ويُعْطي عليه ما لا يُعطي على العُنْفِ))
أي أجر الرفق أضعاف مضاعفة ، أولاً : حلّ السلام بالأمة ، أي شيء فيه عنف يولد عنفاً أضعافاً مضاعفة ، قد تنتهي باعتذار ، تنتهي بانسحاب من منصب ، يموت آلاف مؤلفة ، تهدم البيوت الكثيرة ، من أجل موقف ثابت فيه خطأ .
الدكتور بلال نور الدين :
سيدي ؛ الله تعالى رفيق ، وأنا مخلوق ضعيف .
﴿ وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (180)﴾
كيف آخذ هذا الرفق ؟
الدكتور محمد راتب النابلسي :
الله رفيق بعباده ، أنت أيها المدير كن رفيقاً بالموظفين ، أنت أيها الزوج كن رفيقاً بزوجتك ، أنت أيها المعلم كن رفيقاً بتلاميذك ، دائماً مكارم الأخلاق مخزونة عند الله تعالى وإذا أحبّ الله عبداً منحه خلقاً حسناً ، بالملخص تخلقوا بأخلاق الله .
الدكتور بلال نور الدين :
ندعو الله بأسمائه الحسنى فنتخلق بهذا الاسم .
الدكتور محمد راتب النابلسي :
نعم ، أي أتقرب إلى الله بأن نتمثل أخلاقه العلية ، أي تخلقوا بأخلاق الله .
خاتمة وتوديع :
الدكتور بلال نور الدين :
جزاكم الله خيراً سيدي ، وبارك بكم ، ونفع بكم .
أخوتي الأكارم ؛ لم يبقَ لي في نهاية هذا اللقاء إلا أن أشكر لكم حسن المتابعة ، وأن أشكر لشيخنا حسن ما قدم ، جزاه الله عنا خير الجزاء ، نلتقيكم سائلاً المولى جلّ جلاله أن تكونوا في أحسن حال مع الله ومع خلقه ، أستودعكم الله .
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته