- التربية الإسلامية
- /
- ٠9سبل الوصول وعلامات القبول
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات.
الوقت هو البعد الرابع للأشياء :
أيها الأخوة الكرام، مع موضوعٍ جديد من موضوعات: "سبل الوصول وعلامات القبول"، ولعل هذا الموضوع من أخطر الموضوعات في حياة الإنسان، إنه الوقت، لأن الإنسان وقتٌ، بضعة أيام، كلما انقضى يومٌ انقضى بضعٌ منه، ما مضى فات، والمؤمل غيب، ولك الساعة التي أنت فيها.
(( ما من يومٍ ينشق فجره إلا وينادي: يا بن آدم أنا خلقٌ جديد وعلى عملك شهيد، فتزود مني، فإني لا أعود إلى يوم القيامة))
فأنت وقت، من أدق أدق تعريفات الإنسان عند الإمام الجليل الحسن البصري أن: "الإنسان بضعة أيام، كلما انقضى يومٌ انقضى بضعٌ منه"، لو أن واحداً منا عمره عند الله ثلاثاً وسبعين سنة، وسبعة أشهر، وثلاثة أسابيع، وأربعة أيام، وسبع ساعات، وأربع دقائق، وثماني ثواني، كلما مضت ثانية مضى بضعٌ منه، كائن متحرك إلى هدف ثابت.
لذلك قالوا: النقطة إذا تحركت رسمت خطاً، والخط إذا تحرك رسم سطحاً، والسطح إذا تحرك شكّل حجماً، والحجم إذا تحرك صار وقتاً، فالوقت هو البعد الرابع للأشياء كيف؟
أي شيء مادي له أبعاد ثلاث، له طولٌ، وعرضٌ، وارتفاع، لكن الله سبحانه وتعالى جعل الكون متحركاً، لولا حركته لأصبح كتلةً واحدة، لأنه من خلال هذه الحركة تنشأ قوى نبذ تكافئ قوى الجذب، فهذا الكون على عظمته متحرك.
الآن الوقت هو البعد الحركي للأشياء، فالشيء إذا تحرك تبدلت خصائصه، اللون مع مضي الوقت يختلف، المتانة تختلف، المنظر يختلف، الإنسان يختلف، انظر إلى صورتك في السنوات العشر الأولى وانظر إليها في السبعينات، الفرق كبير جداً، هذا هو الوقت، الوقت هو البعد الرابع للأشياء.
ما مضى فات والمؤمل غيب وللإنسان الساعة التي هو فيها :
أيها الأخوة، النقطة الدقيقة: أن الإنسان بين وقت مضى، ووقتٍ لم يأتِ بعدُ، وبين اللحظة الراهنة، الوقت الذي مضى لا جدوى منه، الحديث عنه مضيعةٌ للوقت، معظم الناس يتحسرون على وقتٍ مضى، يقول لك: الأرض كانت بسعر، الآن أربعمئة ضعف، وكان بإمكاني أن أشتري أرضاً، يمضي حياته في الندم.
مما أُثر عن سيدنا الصديق أنه ما ندم على شيءٍ فاته من الدنيا قط، فما مضى فات، الذكي، العاقل لا يتحدث عن الماضي أبداً، لأنه مضيعةٌ للوقت، ما مضى فات والمستقبل غيب، لا تملكه، أنت إذاً لا تملك إلا اللحظة الراهنة، ما مضى فات، والمؤمل غيب، ولك الساعة التي أنت فيها.
لذلك الإنسان إذا قال: سوف أفعل كذا، ورد في بعض الآثار:
((هلك المسوفون ))
سأفعل كذا، لا تملك المستقبل، أنا لا أصدق أن واحداً وافته المنية إلا وفي تصوراته أن هناك قائمةً من الأعمال لابدّ من أن ينجزها، مات ولم ينتهِ شيء بعد، لا يوجد إنسان بالقبر إلا كان في باله خطط، ومشاريع، وطموحات، وأعمال للمستقبل.
والحديث البارحة أن الإنسان ضمن مربع، هذا المربع هو أجله، وهناك خط ينطلق من هذا المربع إلى خارج المربع، فالذي إلى خارج المربع هو أمله، والأمل في الدنيا مهلك.
النقطة الأولى: ما مضى فات، والمؤمل غيب، ولك الساعة التي أنت فيها.
فالبطولة الآن، غداً سأتوب، بعد انتهاء الامتحان سأتوب، بعد الزواج سأتوب، بعد أن أبلغ من الكبر سناً معيناً سأتوب.
(( هلك المسوفون ))
ما مضى فات، والمؤمل غيب، ولك الساعة التي أنت فيها، هذه الحقيقة الأولى.
الوقت و المال أهم شيئين في حياة الإنسان :
الحقيقة الثانية: أنه لا يتصور وقوع حدثٍ إلا له مكان، ويظله زمان، وهناك محدث، وهناك غاية، أي حدث يقع على وجه الأرض لابدّ له من مكان، ولابدّ له من زمان، ولابدّ له من محدث، ولابدّ له من غاية.
لذلك هناك شيء اسمه الوقت، وشيء اسمه المال، أهم شيئين في حياة الإنسان مركزٌ في أعماق أعماق الإنسان أن الوقت أثمن من المال، الدليل، لا سمح الله ولا قدر لو أن إنساناً أصابه مرضٌ عضال، وأن كلفة العملية الجراحية في بلاد الغرب تساوي ثمن بيته الوحيد الذي يملكه، أؤكد لكم بالمئة ألف حالة من بني البشر لا يتردد الإنسان ثانية واحدة في بيع بيته الوحيد، وإجراء العملية، متوهماً أنه سيعيش بعض السنوات فضلاً عن وضعه الراهن.
إذاً مركبٌ في أعماقنا أن الوقت أثمن من المال، وهذا شيء يفعله كل إنسان يبيع بيته لإجراء عملية جراحية تمد في حياته بضع سنوات.
دقق الآن، لو أن هناك إنساناً وقف أمامنا، وأمسك خمسمئة ألف وأحرقها، إذا شاهده ألف إنسان، كم واحد من هؤلاء الألف يحكم عليه بالجنون أو السفه؟ الجواب الألف، خمسمئة ألف تحل بها مشكلات كثيرة، تحرقها! لذلك قالوا: إتلاف المال يعد سفهاً.
الوقت أثمن من المال والإنسان لا يتفوق إلا إذا أحسن إدارة وقته :
الآن الحقيقة الخطيرة: لأن الوقت أثمن من المال، فيعد إتلاف الوقت أشد سفاهاً من إتلاف المال، سهرة، كلام فارغ، حديث بلا طائل، طُرف سخيفة، تبادل تهم، غيبة، نميمة، مسلسل، هذا الوقت الذي هو أنت، هذا الوقت رأسمالك الوحيد، هذا الوقت الذي لا تملك أثمن منه، لابدّ من ترشيد استهلاكه، وبالتعبير المعاصر: لابدّ من إدارة الوقت، يجب أن ترسم لك برنامجاً دقيقاً بحيث لا تضيع ساعة، هل تصدق أن واحداً من الناس جاء إلى الدنيا وغادرها وعمت رسالته الخافقين؟ إنه رسول الله، أنا لا أتصور أن هذا النبي العظيم ضيّع دقيقةً من حياته، لذلك استحق أن يقسم الله بعمره، قال تعالى:
﴿ لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ ﴾
والله أيها الأخ، لو عرفت قيمة الوقت لا تسمح لنفسك أن تضيع ساعة بلا طائل، كلام فارغ، لقاء تافه، عمل سخيف، حديث فارغ، تراشق تهم، غيبة، نميمة، الوقت ثمينٌ جداً لأنك وقت، لأن رأسمالك هو الوقت، لأن أثمن شيء تملكه هو الوقت، والله يا أخوان ملايين مملينة يستهلكون أوقاتهم استهلاكاً رخيصاً، لذلك الآن هناك شيء اسمه إدارة الوقت، والإنسان لا يتفوق إلا إذا أحسن إدارة وقته.
على الإنسان الابتعاد عن اللغو الذي لا جدوى منه :
أيها الأخوة الكرام، قال تعالى:
﴿ قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ ﴾
﴿ قَدْ أَفْلَحَ ﴾
وأفلح وردت في القرآن في بضع آياتٍ لا تزيد عن أصابع اليد الواحدة:
﴿ قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى ﴾
﴿ قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ* الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ ﴾
قال بعضهم: الخشوع في الصلاة ليس من فضائلها بل من فرائضها:
﴿ الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ* وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ ﴾
اللغو كلام فارغ، لقاء سخيف، حديث بلا طائل، كلام معاد، كلام مكرر.
المؤمن الصادق يعرف قيمة الوقت فيرشد استهلاكه :
أيها الأخوة، المؤمن الصادق عرف قيمة الوقت، فرشد استهلاكه، وصرفه في عملٍ ينفعه بعد الموت، أي شيءٍ تفعله للدنيا مضيعةٌ للوقت، لأن الدنيا تتركها وتذهب، هناك مقياس واحد، أي عمل تفعله يدخل معك إلى القبر هذا هو المجدي، أعمال لا أقول هي حرام، لكن الشيطان ـ كما كنت أقول ـ يوسوس للإنسان بالكفر، فإن رآه على إيمانٍ وسوس له بالشرك، فإن رآه على توحيد وسوس له بالكبائر، فإن رآه على طاعة وسوس له بالصغائر
فإن رآه على ورع بقي مع الشيطان ورقتان رابحتان، وسوس له بالتحريش بين المؤمنين، هذه الخصومات بين الجماعات الإسلامية من فعل الشيطان، هذه الخصومات التي تعود لأسبابٍ تاريخية، والدماء سالت من أجلها من فعل الشيطان، وسوس له بالتحريش بين المؤمنين، فإن لم يفلح بقي معه ورقةٌ رابحة كبيرة، ورقة المباحات، استهلك وقته في تحسين دنياه، ويأتي الموت فينهي كل شيء، تصور إنساناً من لا شيء صار شيئاً، حسّن، رتّب، ارتقى بيته، ارتقت مركبته، ارتقت مكانته، وهو صاعد يقف القلب، بثانيةٍ واحدة يخسر كل شيء، لو أن كل نشاطه في الدنيا فهو أكبر مقامر، وأكبر مغامر، لأن البيض وضعه في سلةٍ واحدة، أما إنسان له عمل للآخرة، له عمل صالح، له إنفاق مال، له دعوة إلى الله، له نشر علم، له إطعام المساكين، له منشآت أسسها في سبيل الله، هذا إنسان عرف قيمة الوقت.
صدقوا أيها الأخوة أن المؤمن أشد الناس طموحاً، فلذلك المؤمن الصادق إذا عرف سرّ وجوده، وغاية وجوده، لا يجد شيئاً أثمن من الوقت، يستهلكه بحذرٍ شديد، وبترشيدٍ بالغ، وليس عنده وقتٌ للكلام الفارغ، ولا للمشاحنات، حتى الجدال، المؤمن يدع الجدال.
الإنسان مخير و هو في قبضة الله عز وجل :
الآن:
﴿ وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا ﴾
الإنسان مخير:
﴿ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ أَيْنَ مَا تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللَّهُ جَمِيعاً ﴾
نحن في قبضة الله،
﴿ أَيْنَ مَا تَكُونُوا ﴾
أي في أية مكانةٍ كنتم، وفي أي مكانٍ كنتم.
لا تأمن المـوت في طرف ولا نفس وإن تمنعت بالــحجاب والحرس
فما تزال سهام الـــموت نافذة فــي جنب مدّرع منها و مترس
أراك لـــست بوقاف ولا حذر كالحاطب الخابط الأعواد في الغلس
ترجو النجاة ولـم تسلك مسالكها إن الـسفينة لا تجري على اليبس
* * *
﴿ وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ ﴾
الآن الوقت،
﴿ أَيْنَ مَا تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللَّهُ جَمِيعاً ﴾
سبحان من قهر عباده بالموت.
﴿ إِنَّ إِلَيْنَا إِيَابَهُمْ* ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا حِسَابَهُمْ ﴾
معاني الوقت في القرآن الكريم :
أيها الأخوة، من معاني الوقت في القرآن الكريم قوله تعالى:
﴿ وَسَارِعُوا ﴾
أي سابقوا:
﴿ وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ ﴾
لو أن شريطاً متحركاً يمشي، والناس على هذا الشريط، هذا مضي الوقت، لو أنت خرجت عن الشريط ووقفت، أنت واقف لكن الآخرين سبقوك، أنت واقف وقوفك تراجع، لأن الحركة ماشية، كل إنسان له عمل صالح، يعبد الله، يفعل الخيرات، يصوم، يدعو إلى الله، ينفق ماله في سبيل الله، يطعم الجائع، يكسو العاري، يرعى يتيماً، العمل الصالح حركة، والذي ليس له عمل واقف، فهو في مؤخرة الركب، بالنهاية حجمك عند الله بحجم عملك الصالح.
لذلك كلمة:
﴿ وَسَارِعُوا ﴾
فيها ملمح للوقت، بالنهاية هناك عاقل، وهناك ذكي، وما كل ذكي بعاقل، قد تحمل أعلى شهادة في العالم، قد تحمل دكتوراه من أكبر دولة متطورة بالفيزياء النووية، ما دمت ما عرفت سرّ وجودك، ولا غاية وجودك، ولا عرفت أنك مخلوقٌ للجنة، وأن هذه الدنيا دار عمل، فأنت ذكيٌ ولست عاقلاً، ما كل ذكي بعاقل، الأذكياء كثر، إن الله يعطي الصحة، والذكاء، والمال، والجمال، للكثيرين من خلقه، ولكنه يعطي السكينة بقدرٍ لأصفيائه المؤمنين.
آيات متعلقة بالوقت :
آيةٌ أخرى متعلقة بالوقت:
﴿ سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ ﴾
آيةٌ أخرى متعلقة بالوقت:
﴿ جِئْتَ عَلَى قَدَرٍ يَا مُوسَى ﴾
جئت في الوقت المناسب، لذلك قالوا: لكل شيءٍ أوان، فمن تعجل الشيء قبل أوانه عوقب بحرمانه، أي هناك وقت تتزوج فيه، وهناك وقت تعمل به، لكن ما دام الإنسان مهملاً، أعماله لا يهتم بها، لا يوجد تخطيط، وأنا أقول دائماً: إما أن تخطط، وإما أن يُخطط لك، إما أن تكون رقماً صعباً تخطط، أو أن تكون رقماً تافهاً في خطة عدوك، فالأمر ليس بالسهولة بمكان، الأمر يحتاج إلى وقفة، إلى تأمل، إلى بحث فيما مضى، في المستقبل، في سرّ الوجود، في غاية الوجود، قال تعالى:
﴿ مَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ اللَّهِ ﴾
والآية متعلقة بالوقت:
﴿ فَإِنَّ أَجَلَ اللَّهِ لَآتٍ ﴾
فهناك مراحل، وهناك وقت مناسب، وهناك نضج، الإنسان عليه أن يبدأ.
نية المؤمن خيرٌ من عمله :
لكن من عظمة هذا الدين أنك إذا سرت في طريق الإيمان في أي وقت، لو جاءت المنية لكتب الله لك أجر النهاية، في الدنيا لا بدّ من إنجاز، لكن في الآخرة يكتب لك نيتك، لذلك نية المؤمن خيرٌ من عمله، أنت مشيت في طريق الإيمان، ما نهاية الطريق؟ لك أجر نهايته:
﴿ وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ ﴾
تعاريف الوقت :
أيها الأخوة، من تعاريف الوقت: الوقت ظرف الكون، هناك كون، وهناك وقت يحتويه، الوقت وعاء العمل، لذلك لا يوجد عمل بلا وقت، الإنسان الذي فرط في حياته الدنيا:
﴿ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي ﴾
فالوقت ظرف العمل، الوقت وعاء الكون.
أيها الأخوة، عندنا باللغة ما يسمى ظرف مكان، وظرف زمان، تقول: جلست جانب النهر، جانب إعرابه مفعول فيه ظرف مكان، سافرت عصراً، العصر ظرف زمان، فلابد لكل حدثٍ من ظرف مكانٍ، ومن ظرف زمان.
لذلك الله عز وجل لا يقال: متى كان الله؟ لأنه خالق الزمان، سيدنا علي يقول: "علم ما كان، وعلم ما يكون، وعلم ما سيكون، وعلم ما لم يكن لو كان كيف كان يكون" فالزمان من خلق الله، الله عز وجل محيطٌ بكل شيء، أما نحن محاطون بالزمن، أنت تقول: أنا غداً سأسافر، أنت ضمن الزمان.
اللحظة التي يعيشها الإنسان هي أخطر شيء في حياته :
أيها الأخوة، الشيء الخطير هي اللحظة التي تعيشها، لذلك قالوا: هناك يومٌ مفقود هو الماضي، ويومٌ مشهود، ويوم موعود، ويومٌ مورود، ويومٌ ممدود، فالوقت المفقود هو الماضي، ولا جدوى في الماضي إطلاقاً، والوقت المشهود هو الوقت الحاضر، هو أثمن وقت تملكه، الآن: نويت أن أتوب الآن، نويت أن أعطي هذه الصدقة الآن، الوقت الموعود الموت، الوقت المورود يوم القيامة، والوقت الممدود الأبد، إما في جنةٍ يدوم نعيمها، أو في نارٍ لا ينفذ عذابها، لذلك من أدق أدق الأحاديث الشريفة المتعلقة بالوقت:
(( اغتنم خمساً قبل خمس، شبابك قبل هرمك ))
مرة قال لي إنسان: أنا ـ سبحان الله ـ قبل خمسين سنة كنت أنشط من الآن، طبعاً، الشباب غير الشيخوخة، والله كنت في الحج عندما أجد الشاب يسعى بنشاط أغبطه، لا تحج من فوق الخامسة والستين، حج وأنت شاب:
(( اغتنم خمساً قبل خمس؛ شبابك قبل هرمك، وصحتك قبل سقمك، وغناك قبل فقرك، وفراغك قبل شغلك ))
أنت لم تتزوج بعد، عندك وقت فراغ كبير، اطلب العلم، غداً يوجد زوجة، و أولاد، وحمل، و ولادة، وتأمين حاجات الأولاد، لذلك الزواج مشغلة، ومجبنة أحياناً، الشباب قبل الهرم، الصحة قبل المرض، الفراغ قبل الشغل، الحياة قبل الموت.
الوقت من أخطر القضايا في حياة الإنسان :
أيها الأخوة الكرام، قضية الوقت من أخطر القضايا التي ينبغي أن تعالج، يقول النبي الكريم:
(( إن الله عز وجل ليعجب من الشاب ليست له صبوة ))
هذا الشاب الذي عرف قيمة الوقت، ما ضيّع وقته أبداً في القيل والقال، إن الله كره لكم قيل وقال، وإضاعة المال، وكره لكم كل شيءٍ يضيع الوقت.
أيها الأخوة الكرام، لا شك أن هذا الدرس متعلق بالوقت، وأن الوقت هو أثمن شيءٍ يملكه الإنسان.