- التربية الإسلامية
- /
- ٠9سبل الوصول وعلامات القبول
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات.
ذكر الله :
أيها الأخوة الكرام، مع موضوعٍ جديد من موضوعات: "سبل الوصول وعلامات القبول" ألا وهو:"ذكر الله".
يكفي أن نذكر حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم:
(( ألا أخْبِرُكم بخيرِ أعمالِكم ))
خير اسم تفضيل، أي بأفضل أعمالكم.
(( ألا أخْبِرُكم بخيرِ أعمالِكم، وأرفَعِها في درجاتكم، وأزكاها عند مليكِكم وخير لكم من الوَرِق والذهب، وخير لكم من أن تَلْقَوا عَدُوَّكم، فتضربوا أعناقهم، ويضربوا أعناقَكم؟ قالوا: بلى، قال: ذِكْرُ الله ))
لأن ذكر الله يدور معك أينما تحركت، إذا دعوت الله فهذا ذكر، إن استغفرته فهذا ذكر، إن صليت فالصلاة ذكر، إن تلوت القرآن فالتلاوة ذكر، إن سبحته فالتسبيح ذكر، إن وحدته فالتوحيد ذكر، إن كبّرته فالتكبير ذكر، إن قرأت كتاب علمٍ من أجل أن تعرفه فقراءة الكتاب ذكر، إن دعوت إلى الله فالدعوة إلى الله ذكر، إن نصحت أخاً في الله فالنصيحة ذكر، أينما تحركت في كل أحوالك، في حركاتك، في سكناتك، وأنت مع أهلك، وأنت وحدك، وأنت في صحة، وأنت في مرض ـ لا سمح الله ولا قدر ـ وأنت في ضيق، ذكر الله يدور معك حيثما تحركت.
الأمر بالذكر ينصب لا على الذكر مطلقاً بل على كثرة الذكر :
لذلك:
(( ألا أخْبِرُكم بخيرِ أعمالِكم، وأرفَعِها في درجاتكم، وأزكاها عند مليكِكم، وخير لكم من الوَرِق والذهب، وخير لكم من أن تَلْقَوا عَدُوَّكم، فتضربوا أعناقهم، ويضربوا أعناقَكم؟ قالوا: بلى، قال: ذِكْرُ الله ))
مع القرآن الكريم:
﴿ إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي ﴾
فالصلاة ذكر،
﴿ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي ﴾
وذكر الله أكبر ما فيها، لكن الذكر ينبغي أن يكون كثيراً، لأن المنافق يذكر الله، قال تعالى :
﴿ وَلَا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلاً ﴾
لذلك الآية الكريمة:
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْراً كَثِيراً ﴾
بل هناك بعض المقاييس التي وردت:
(( من أكثر ذكر الله فقد برئ من النفاق ))
(( برئ من الشح من أدى زكاة ماله ))
(( وبرئ من الكبر من حمل حاجته بيده ))
إذاً:
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْراً كَثِيراً ﴾
التركيز على الكثرة ، بل إن الأمر بالذكر ينصب لا على الذكر مطلقاً بل على كثرة الذكر.
ربط الذكر في القرآن الكريم بالفلاح :
بل إن الذكر قد ربطه القرآن بالفلاح، والفلاح هو النجاح، والفلاح هو الفوز، والفلاح هو التفوق.
﴿ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيراً لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ﴾
والذكر متعلق بكل الأوقات.
﴿ وَاذْكُرْ رَبَّكَ كَثِيراً وَسَبِّحْ بِالْعَشِيِّ وَالْإِبْكَارِ ﴾
(( مَنْ صَلَّى الصُّبْحَ فَهُوَ فِي ذِمَّةِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ))
ومن صلى العشاء في جماعة فهو في ذمة الله حتى يصبح
﴿ بِالْعَشِيِّ وَالْإِبْكَارِ .
(( لا تعجز يا ابن آدم عن أربع ركعات أول النهار أكفك آخره ))
أي أمرٍ وجِّه للذين آمنوا موجهٌ حكماً إلى المؤمنات :
المرأة تذكر، والرجل يذكر، طبعاً من بديهيات اللغة أن أي أمرٍ وجِّه للذين آمنوا موجهٌ حكماً إلى المؤمنات، هذا تحت باب التغليب، ومع ذلك فقد أكّد الله أن المرأة يمكن أن تكون ذاكرةً في أعلى مستوى، قال تعالى :
﴿ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيراً وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً ﴾
ولكن ورد في بعض الأحاديث:
(( خير الذكر الخفي، وخير الرزق ما يكفي ))
﴿ وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ ﴾
بإمكانك أن تذكره دون أن تحرك شفتيك.
دوران الذكر مع الإنسان في كل أحواله :
﴿ وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعاً وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ وَلَا تَكُنْ مِنَ الْغَافِلِينَ ﴾
أكبر مرض يصيب المؤمن الغفلة،
﴿ وَلَا تَكُنْ مِنَ الْغَافِلِينَ ﴾
والإنسان ساعةٌ وساعة .
﴿ وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذَا نَسِيتَ وَقُلْ عَسَى أَنْ يَهْدِيَنِ رَبِّي لِأَقْرَبَ مِنْ هَذَا رَشَداً ﴾
مثلاً صار هناك خطأ، عند الخطأ اذكر الله، اذكره تائباً، اذكره نادماً، اذكره معتذراً، وكما قلت: الذكر يدور مع الإنسان في كل أحواله، وهل أحوال الإنسان تزيد عن أن يكون واقفاً أو قاعداً أو مستلقياً؟ قال تعالى:
﴿ الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِهم ﴾
أما الذكر الذي ابتدع مع الحركات والقفز هذا لا تعنيه الآية، لو أنه الآية فرضاً قياماً قعوداً شيء ثان:
﴿ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ ﴾
أيام الله :
أيها الأخوة، لا يوجد إنسان من الأخوة الحاضرين وأنا معكم إلا مرّ بأزمة، ودعا الله عز وجل، ففرج الله عنه، يسر له سبيل وظيفةٍ مرموقة، يسر له سبيل زواجٍ ناجح، يسر له أولاداً أبراراً، يسر له شفاء من مرضٍ ربما كان عضالاً، هذه الإنجازات التي تحققت بفضل الله عز وجل سميت في القرآن الكريم بأيام الله، قال تعالى :
﴿ وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآيَاتِنَا أَنْ أَخْرِجْ قَوْمَكَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللَّهِ ﴾
لا يوجد إنسان من الأخوة المؤمنين الأكارم إلا وهناك أيام في حياته، دعا الله عز وجل فاستجاب له، وفقه إما بصحته، أو بزواجه، أو بعمله، أو بأولاده، أو بإنجاز كبير، قال:
﴿ وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللَّهِ ﴾
كن عن همومك معرضا وكِل الأمور إلى القضـا
وأبشر بخيرٍ عاجلٍ تنسى به مـــــا قد مضى
فـلرب أمرٍ مسخطٍ لك في عواقبه رضــــا
* * *
ولربما ضـاق المضيق ولربما اتسع الفضــا
الله يفعل مـــا يشاء فلا تكن معترضــــا
الله عودك الـــجميل فقس على ما قد مضـى
* * *
قد تأتي أزمة، الله أكرمك لأربعين سنة ماضية من كل أنواع الإكرام، اقبلها من الله واصبر عليها.
ذكر الآخرة من أعظم أنواع الذكر :
أخواننا الكرام، من أعظم أنواع الذكر أن تذكر الآخرة .
﴿ إِنَّا أَخْلَصْنَاهُمْ بِخَالِصَةٍ ذِكْرَى الدَّارِ ﴾
مرة سألني أخ يعمل في وظيفة بإمكانه بحسب وظيفته أن يوقع بالناس أذىً كبيراً، قال لي: انصحني، قلت له: إن كنت بطلاً هيئ لربك جواباً يوم القيامة عن كل فعلٍ تفعله، هيئ جواباً لله عز وجل لا لعبد الله، لا لمن يأتي فوقك في العمل، هيئ جواباً لله عز وجل.
فالمؤمن قبل أن يعطي، قبل أن يمنع ، قبل أن يرضى، قبل أن يغضب، قبل أن يصل، قبل أن يقطع، ليسأل لو أن الله سألني لماذا طلقتها؟ عندك جواب؟ قبل أن تمنع البنات من الإرث، وتأمرهن بتوقيع وكالةٍ عامةٍ لأخيهم، هل هيأت لله جواباً يوم القيامة؟ ما ذنب هذه الفتاة حرمتها من مالك متوهماً أن هذا المال ينبغي ألا يصل إلى زوجها؟ أنت مشرع! الإله شرع، أنت تلغي شرع الإله؟!
﴿ إِنَّا أَخْلَصْنَاهُمْ بِخَالِصَةٍ ذِكْرَى الدَّارِ ﴾
لكن كمثل واضح مرة سافرت إلى بيروت، وأنا خارج من الحدود وجدت تفتيشاً يفوق حدّ الخيال، هناك سبب لا أدري ما هو، أي الحاجات تفتش حاجةً حاجة، وأنا في بيروت قبل أن أشتري أي غرض تصورت الوضع، يا ترى هذا الشيء يسمح به أم لا يسمح به؟ تعلمت درساً لا ينسى.
سألوا مرة طالباً نال الدرجة الأولى في الشهادة الثانوية ما سبب هذا التفوق؟ قال: لأن لحظة الامتحان لم تغادرني ولا ثانية.
البطولة والذكاء أن يدخل الإنسان الله عز وجل في حساباته :
أنت قبل أن تغضب، قبل أن تشتم، قبل أن تطلق، قبل أن تتهم فلاناً وهو بريء وتعلم أنه بريء، هل هيأت لله جواباً؟ لِمَ قلت كذا ؟
﴿ إِنَّا أَخْلَصْنَاهُمْ بِخَالِصَةٍ ذِكْرَى الدَّارِ ﴾
أي بتعبير الآخر ما لم تدخل اليوم الآخر في حساباتك فأنت تمشي في طريق الهلاك، أنا أستخدم هذه العبارة أقول: فلان ما أدخل الله في حساباته، يمكن أربع سنوات أو خمس هذا الذي هدم سبعين ألف بيت بغزة لا يزال حياً، وأمدّ الله بعمره، وله صورة أخيرة اطلعت عليها، صورة مخيفة، أربع سنوات في سبات، لأنه ما أدخل الله في حساباته، أدخل أن القوى الغربية معه، اقتل، اهدم، البطولة والذكاء أن تدخل الله في حساباتك .
﴿ وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ ﴾
﴿ لَا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي الْبِلَادِ * مَتَاعٌ قَلِيلٌ ثُمَّ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهَادُ ﴾
﴿ وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْئُولُونَ ﴾
أخواننا الكرام الإنسان أحياناً يترنم بكلمة مسؤول كبير، والله لو دقق في معنى مسؤول كبير لارتعدت فرائصه.
يقول سيدنا عمر: والله لو تعثرت بغلة في العراق ـ هو في المدينة ـ لحاسبني الله عنها، لِمَ لم تصلح لها الطريق يا عمر؟.
فهذا الذي يترنم فيقول: أنا مسؤول كبير، لو وقف عند معنى مسؤول كبير، سوف تحاسب عن كل شيء.
﴿ فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ* عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾
أنواع الذكر :
1 ـ ذكر نعم الله عز وجل :
الآن من أنواع الذكر أن تذكر نِعم الله عز وجل.
﴿ وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً ﴾
أيها الأخوة، من لوازم الذكر أن تذكر مجمل النِعم إجمالاً وتفصيلاً .
﴿ وَاذْكُرُوا إِذْ كُنْتُمْ قَلِيلاً فَكَثَّرَكُمْ ﴾
2 ـ ذكر اسم الله على كل شيء :
ومن أنواع الذكر أن تذكر اسم الله على كل شيء، أي عملٍ لا يُبدأ باسم الله فهو أبتر، معنى بسم الله حينما تشرب الماء تقول: بسم الله، من هذا الذي حوّل لك الملح الأجاج إلى عذبٍ فرات؟ قبل أيام كنا في نبع الفيجة من الداخل، شيء يدعو للبكاء، من خصّ هذه البلدة الطيبة بهذا النبع الذي يصل إلى مشارف حمص؟ نصف لبنان فوق حوضه، ومن الشرق سيف البادية من حوض النبع، وفتحته في عين الفيجة، وكل ثانية يضخ ثمانية عشر متراً، وفي الأحوال الجيدة كل ثانية يضخ ستاً وثلاثين متراً، وفي الأحوال الصعبة يضخ بكل ثانية مترين، مدينة فيها خمسة ملايين لولا هذا النبع، طبعاً مكتوب آية كريمة:
﴿ قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ مَاؤُكُمْ غَوْراً فَمَنْ يَأْتِيكُمْ بِمَاءٍ مَعِينٍ ﴾
البيت الذي ثمنه مئة مليون لا قيمة له من دون ماء.
3 ـ ذكر حكمة الأمر :
أيها الأخوة، من أنواع الذكر أن تذكر حكمة الأمر .
﴿ خُذُوا مَا آتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُوا مَا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ﴾
أنا لا أنسى هذه الحكاية الصغيرة، أعرابي جاء النبي عليه الصلاة والسلام قال :
(( قلت: يا رسول الله، قل لي في الإسلام قولاً لا أسألُ عنه أحداً بعدك قال: قل آمَنْتُ بالله، ثم استقم ))
وفي رواية ثانية:
(( قال له: فمن يعمل مثقال ذرةٍ خيراً يره، ومن يعمل مثقال ذرةٍ شراً يره، هذا الأعرابي قال: كُفيت ))
القرآن ستمئة صفحة، أربعمئة ألف حديث، قال له: كُفيت، آية واحدة اكتفى بها، والله أيها الأخوة أحياناً تكفي آية واحدة:
﴿ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً ﴾
﴿ إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ ﴾
يكفي حديث واحد:
(( عش ما شئت فإنك ميت ))
الله عز وجل قال :
﴿ خُذُوا مَا آتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُوا مَا فِيهِ ﴾
دقق في كلام الله، دقق في حديث رسول الله، يقول سيدنا سعد: "ثلاثةً أنا فيهن رجل، وفيما سوى ذلك فأنا واحدٌ من الناس، ما سمعت حديثاً من رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا علمت أنه حقٌ من الله تعالى".
ارتباط الذكاء و العقل الراجح بالإيمان :
الآن هناك ملمح رائع جداً: أن سيدنا خالد حينما أسلم، قال النبي الكريم له: عجبت لك يا خالد أرى لك فكراً، كأن النبي الكريم ربط الذكاء والعقل الراجح بالإيمان، وفي بعض الآثار:
(( أرجحكم عقلاً أشدكم لله حباً ))
ماذا يقول الله عز وجل ؟
﴿ وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ ﴾
أصحاب العقول يذكرون، فكلما نما عقلك نما ذكرك، والله عز وجل الكون كله آياتٌ كونية تدل عليه، نصب الآيات الكونية، وأجرى الآيات التكوينية، أحياناً تقوم حرب أهلية، الآية الكريمة:
﴿ وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَداً مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ ﴾
هذه آيات تكوينية، غرق الباخرة تيتانيك آية تكوينية لأن في نشرتها: أن القدر لا يستطيع إغراقها، فغرقت في أول رحلة، الله عز وجل له آيات كونية خلقه، وله آيات تكوينية أفعاله، وله آيات قرآنية كلامه، الله عز وجل قال:
﴿ قَدْ فَصَّلْنَا الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ ﴾
لِمَ لا تذكر هذه الآيات؟
على الإنسان أن يذكر الله في الملمات :
كما قلت قبل قليل: هناك آياتٌ خاصة
﴿ كُنْتُمْ قَلِيلاً فَكَثَّرَكُمْ ﴾
﴿ وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ مُسْتَضْعَفُونَ فِي الْأَرْضِ تَخَافُونَ أَنْ يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ فَآوَاكُمْ وَأَيَّدَكُمْ بِنَصْرِهِ وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ﴾
قال لي إنسان من بلد إسلامي: أنا كنت عتالاً، والآن من أكبر تجار الخضراوات في بلده، عنده أسطول من البرادات يجوب أقطار الشرق الأوسط، قال لي: والله ما فاتني فرض صلاةٍ في حياتي، قال لي: كنت عتالاً، إذاً أن تذكر ماضيك، وكيف كنت فقيراً، وكيف كنت مستضعفاً، وكيف كنت بلا زوجة، ولا ولد، ولا عمل، ولا شيء، الله أكرمك بشهادة عليا، بعمل مربح، بزوجة صالحة، بأولاد أبرار، هذه النعم أذكرها، وينبغي أن تذكر الله في الملمات.
﴿ وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً ﴾
لا سمح الله ولا قدر:
﴿ أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ ﴾
مرة سألت أخاً، قلت له: لك وقتٌ طويل لم نرك في المسجد، قال لي: لأنني وقعت في مشكلة مع الله فاستحييت، قلت له: بالعكس، أنت حينما تقع في مشكلة مع الله ينبغي أن تبادر إلى المسجد، حتى أوضحها له، قلت له: إنسان مريض، قال: لأني مريض أنا أخجل من الطبيب، لكن الطبيب مهمته الآن، الآية الكريمة:
﴿ وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ ﴾
ذكر الله عز وجل وقته المناسب حينما تُخطئ، أعلن توبتك، استغفر، تضرع، اعتذر، اندم، ناجِ ربك .
﴿ وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ ﴾
عدم تناقض الدنيا مع الآخرة فالدنيا في خدمة الآخرة :
أخواننا الكرام، لا يمكن أن تتناقض الآخرة مع الدنيا، بل الدنيا في خدمة الآخرة ورد:
(( ليس بخيركم من ترك دنياه لآخرته ولا آخرته لدنياه حتى يصيب منهما جميعا فإن الدنيا بلاغ إلى الآخرة))
لذلك قال تعالى:
﴿ رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ ﴾
يتاجر، يؤسس شركة، ينال الدكتوراه، يعمل عملاً عظيماً، وأنت في قمة انهماكك بالعمل أنت مع الله، لا تتوهم الدين تقعد لوحدك، تقبع بالبيت، لا تعمل شيئاً، تقول: ليس في الناس خير، لا ليس هذا هو الدين، أن تكون في المعمعة، أن تقدم شيئاً للأمة، كما أن الأمة في حاجة إلى من يموت في سبيلها، هي في أمس الحاجة إلى من يعيش في سبيلها، قدمت شيئاً للأمة؟
﴿ رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ ﴾
كن أول تاجر، وأمّن بيوتاً لطلاب العلم، كن أول تاجر وأنشئ جمعية للأيتام، جمعية خيرية، أنشئ مستوصفاً، اعمل عملاً ينتفع به الناس، في بعض الأماكن هناك مستوصفات خيرية، التحاليل كلها، والأعمال الطبية الغالية جداً بعشر قيمتها، هذا عمل انتفع به جميع الناس، لا تكن متقوقعاً، منسحباً، انعزالياً، سلبياً، عظيماً، وإذا كان عظيماً أنت ماذا قدمت له؟ لم تقدم شيئاً، إعجاب سلبي، أكبر مشكلة يعاني منها المسلمون إعجابهم السلبي بالدين، لا يساوي شيئاً، يوزع التهم على الناس ومرتاح، وأنا أساساً هناك إنسان أموت حباً به فهو لا يخطئ هو رسول الله، وهناك إنسان آخر لا يخطئ أحتقره لأنه لا يعمل، من لا يعمل لا يخطئ، مادمت لم تقدم شيئاً فلن تغلط ، قاعد، مرتاح، وصي على الأمة ، توزع الألقاب، والاتهامات، ولا تقدر شيئاً.
لا ينبغي للمؤمن أن يذل نفسه لأحد :
لذلك:
﴿ رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ ﴾
يتاجر، يده عليا وليست سفلى.
(( من جلس إلى غني فتضعضع له ذهب ثلثا دينه ))
اعمل.
(( ابتغوا الحوائج بعزة الأنفس فإن الأمور تجري بالمقادير))
لا ينبغي للمؤمن أن يذل نفسه هذا من قوله تعالى:
﴿ رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْماً تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ ﴾
إن لله عملاً في الليل لا يقبله في النهار، وإن لله عملاً في النهار لا يقبله في الليل.