- تفسير القرآن الكريم / ٠2التفسير المطول
- /
- (007)سورة الأعراف
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمدٍ الصادق الوعد الأمين اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات.
من آمن بالله موجوداً ولم يستقم على أمره لا قيمة لإيمانه إطلاقاً :
أيها الإخوة الكرام، مع الدرس الخامس والأربعين من دروس سورة الأعراف، ومع الآية السابعة والخمسين بعد المئة، وهي قوله تعالى:
﴿ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ(157)﴾
أيها الإخوة الكرام، يجب أن نعلم علم اليقين أن هناك دائرة كل من لم يؤمن بوجود الله أصلاً خارج هذه الدائرة، أما الذي آمن بالله أي إيمان ضمن هذه الدائرة، لكن الذي آمن بالله موجوداً، ولم يستقم على أمره لم ينتفع بإيمانه إطلاقاً، وهذا الإيمان لا قيمة له إطلاقاً ولا يقدم، ولا يؤخر، وليس له أي ثمار، لأن إبليس آمن بالله، قال ربي :
﴿ قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ(82)﴾
وإبليس قال :
﴿ قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ ۖ قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ
﴿خَلَقْتَنِي﴾
﴿ قَالَ أَنْظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ(14)﴾
من انتفع بإيمانه ازداد تألقاً و توفيقاً بأعماله :
لكن الإيمان الذي يحملك على طاعة الله تكون ضمن دائرة ثانية داخل الدائرة الكبرى، صار هناك دائرة كبرى، الذي لم يؤمن بالله أصلاً خارج هذه الدائرة، والذي آمن به بشكل أو بآخر ضمن هذه الدائرة، لكن لم ينتفع بإيمانه، أما الذي حمله إيمانه على طاعة الله هذا في الدائرة الثانية، التي هي داخل الأولى، هذا انتفع بإيمانه، إيمانه أعطاه ثماراً يانعة، أعطاه سعادة، أعطاه سلامة، أعطاه حكمة، أعطاه قرباً، أعطاه رضا، أعطاه تألقاً، أعطاه تفاؤلاً، أعطاه توفيقاً بأعماله.
في مركز هذه الدائرة الأنبياء والمرسلون، هؤلاء قِمم البشر، هؤلاء المعصومون قبل النبوة وبعدها، هؤلاء الذين لا ينقطعون عن الله إطلاقاً، هؤلاء الذين أحوالهم بإقبال مستمر وبيقظة مستمرة.
لذلك حينما مرّ الصديق رضي الله عنه بصحابي رآه يبكي، اسمه حنظلة، قال له الصديق: يا حنظلة مالك تبكي؟ قال: نكون مع رسول الله ونحن والجنة كهاتين، فإذا عافسنا الأهل ننسى، من تواضع الصديق قال له: أنا كذلك يا أخي، انطلق بنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، حدثاه عن هذه الحالة.
(( أنَّ حَنْظَلةَ الأُسَيْديَّ -وكان مِن كُتَّابِ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- قال: لَقِيَنِي أَبُو بَكْرٍ، فَقالَ: كيفَ أَنْتَ يا حَنْظَلَةُ؟ قالَ: قُلتُ: نَافَقَ حَنْظَلَةُ، قالَ: سُبْحَانَ اللهِ! ما تَقُولُ؟ قالَ: قُلتُ: نَكُونُ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ يُذَكِّرُنَا بالنَّارِ وَالْجَنَّةِ حتَّى كَأنَّا رَأْيُ عَيْنٍ، فَإِذَا خَرَجْنَا مِن عِندِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ، عَافَسْنَا الأزْوَاجَ وَالأوْلَادَ وَالضَّيْعَاتِ، فَنَسِينَا كَثِيرًا، قالَ أَبُو بَكْرٍ: فَوَاللَّهِ إنَّا لَنَلْقَى مِثْلَ هذا، فَانْطَلَقْتُ أَنَا وَأَبُو بَكْرٍ حتَّى دَخَلْنَا علَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ، قُلتُ: نَافَقَ حَنْظَلَةُ، يا رَسُولَ اللهِ، فَقالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ: وَما ذَاكَ؟ قُلتُ: يا رَسُولَ اللهِ، نَكُونُ عِنْدَكَ، تُذَكِّرُنَا بالنَّارِ وَالْجَنَّةِ حتَّى كَأنَّا رَأْيُ عَيْنٍ، فَإِذَا خَرَجْنَا مِن عِندِكَ، عَافَسْنَا الأزْوَاجَ وَالأوْلَادَ وَالضَّيْعَاتِ، نَسِينَا كَثِيرًا، فَقالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ: وَالَّذِي نَفْسِي بيَدِهِ، إنْ لَوْ تَدُومُونَ علَى ما تَكُونُونَ عِندِي وفي الذِّكْرِ، لَصَافَحَتْكُمُ المَلَائِكَةُ علَى فُرُشِكُمْ وفي طُرُقِكُمْ، وَلَكِنْ يا حَنْظَلَةُ سَاعَةً وَسَاعَةً، ثَلَاثَ مَرَّاتٍ.. ))
أما أنتم يا أخي كمؤمنين فساعة وساعة.
إياكم أن تتوهموا أنها ساعة طاعة، وساعة معصية، لا مستحيل، ساعة تألق، ساعة فتور، الاستقامة هي هي، عند الناس، عند الناس، عند العوام كلام أنه ساعة لك وساعة لربك، لك يعني تعصي الله؟! هذا كلام مرفوض، ساعة تألق، وساعة فتور .
أما أنتم يا أخي فساعة وساعة، دقق:
معنى ذلك وأنت في المسجد لك حال مع الله، تحس بطمأنينة، تحس الدين عظيم، تحس الآخرة أبدية، تحس العلم له قيمة، الطاعة لها قيمة، وأنت في المسجد في تألق، في حال هذا الحال يعطيك قوة صمود، يعطيك هذا الحال تفاؤلاً، يعطيك سعادة، يعطيك رؤية صائبة.
(لو بقيتم على الحال التي أنتم عليها عندي لصافحتكم الملائكة، ولزارتكم في بيوتكم)
من كان مع الله كان الله معه :
يعني أنت أيها المؤمن لك قالٌ، ولك حال، لك علم تقوله، ولك مشاعر تحسها، حتماً مشاعر المؤمن مسعدة، المؤمن يرى أن أمره كله بيد الله، المؤمن يرى أنه لا إله إلا الله، المؤمن يرى أن الله:
﴿ وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَٰهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلَٰهٌ
المؤمن يرى أن كل شيء بيد الله، وأن الله عادل، ورحيم، وغني، وقوي، بيده كل شيء، وأنت عبد من عبيده، أمرك أن تطيعه فأطعته، الذي عليك انتهى، بقي ما وعدك به من عطاء، من خير، حالة المؤمن عجيبة .
(( عَجَباً لأمْرِ الْمُؤْمِنِ إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ لَهُ خَيْرٌ، وَلَيْسَ ذَلِكَ لأِحَدٍ إِلاَّ للْمُؤْمِن: إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ فَكَانَ خَيْراً لَهُ، وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ فَكَانَ خيْراً لَهُ. ))
يعني تصور مجنداً ملتحق بقطعة عسكرية، وقائد الجيش والده، ممن يخاف؟ أكبر رتبة والده بإمكانه أن يأمرها، وأن ينهاها .
فأنت حينما تكون مع الله الأمر بيده، صحتك بيده، زواجك بيده، عملك بيده، رزقك بيده، طلاقة لسانك بيده، زوجتك بيده، أهلك بيده، من حولك بيده، من أعلى منك بيده، من أقل منك بيده، الحالة هذه حالة مسعدة، أنت مع الله، كن مع الله ولا تبالي، كن مع الله ترى الله معك، أنت مع خالق الكون .
إذا شخص يعمل شرطياً مع وزير، يمشي بتباهٍ، يقول أنا أعمل عنده، بهذه الحالة يعد نفسه وزيراً، هو شرطي .
الله ولي الذين آمنوا يؤيدهم بالحفظ و الغنى و الدعم :
لذلك أنت حينما تكون مع الله تحس بالقوة، تحس بالغنى، تحس بالحفظ، تحس بالدعم، تحس أن الله يدافع عنك، الله وليك .
﴿ اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ
﴿ إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا
يعني الله عز وجل خالق السماوات والأرض، بيده الأعداء، بيده الأقوياء، بيده الطغاة، بيده الأغنياء، بيده هذه الأسلحة الفتاكة كلها، لا تتحرك إلا بأمر منه، هذا الإيمان الإيمان مريح جداً، يعني إن لم تقل أنا أسعد إنسان بالأرض لست مؤمناً، أنت مع من؟ مع خالق السماوات والأرض، مع من بيده كل شيء، مع من إليه مصير كل شيء، مع من ﴿فِي السَّمَاءِ إِلَهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلَهٌ﴾
﴿ قُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثُوا ۖ لَهُ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۖ أَبْصِرْ بِهِ وَأَسْمِعْ ۚ مَا لَهُم مِّن دُونِهِ مِن وَلِيٍّ وَلَا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَدًا
فهذا الذي أتمنى أن يكون واضحاً، هؤلاء الأنبياء قمم البشر، أنت كمؤمن تتمتع بخصائص كبيرة جداً.
فحوى دعوة الأنبياء واحدة و هي الإيمان بالله تعالى :
لذلك الله عز وجل جعل لهؤلاء البشر قمماً، مرجعيات، فالأنبياء تتفاوت مراتبهم.
﴿ تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ
﴿ آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ ۚ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّن رُّسُلِهِ
الدعوة واحدة .
﴿ وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ(25)﴾
من لوازم معرفة الله تعالى أن يبحث الإنسان عن أمره و نهيه :
الآية التي تبدأ في قوله تعالى:
﴿الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ﴾
﴿ قُلْ مَا كُنتُ بِدْعًا مِّنَ الرُّسُلِ وَمَا أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلَا بِكُمْ ۖ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَىٰ إِلَيَّ
شأن العبد أنه متبع، وشأن الرب أنه مُتّبَع، اتبع، الآية الكريمة: ﴿الَّذِينَ﴾
﴿الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ﴾
الناس صنفان لا ثالث لهما :
لذلك من خصائص المؤمنين ﴿الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ﴾
﴿ فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى(5) وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى(6)﴾
صدق أنه مخلوق للجنة فاتقى أن يعصي الله ، وبنى حياته على العطاء.
﴿ فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى(7) وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى(8) وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى(9) فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى(10)﴾
﴿الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ﴾
الرسول الكريم أميته وسام شرف له لأن الله تعالى تولى تعليمه :
﴿الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ﴾
﴿ عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى(5)﴾
الله عز وجل، على اختلاف المفسرين في معنى هذه الآية، لكن الذي علمه هو الله، خالق السماوات والأرض تولى تعليمه، وهو أمي، يأتي بآخر الزمان دكتور في الجامعة يأخذ بعض الأحاديث يشرحها فيعطونه دكتوراه، يصبح دكتوراً لأنه فهم كلام رسول الله .
يا أيها الأمي حسبك رتبة في العلم أن دانت لك العلماء
أميته وسام شرف له، لأن وعاءه ما فيه أي ثقافة أرضية، لو معه شهادة عليا لو درس بالصين، درس بأثينا فرضاً، ورجع جاءه الوحي، بدأ يتكلم، كلما تكلم كلمة يُسأل هذه من عندك أم من الوحي ؟.
﴿ وَمَا كُنْتَ تَتْلُو مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وَلَا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذاً لَارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ(48)﴾
أمية الرسول الكريم وسام شرف له و أميتنا وصمة عار بحقنا :
إذاً أميته وسام شرف له، لأن الله تولى تعليمه مثلاً: لو جاء طبيب من أعلى اختصاص في العالم جراح قلب، جاء من بلد بعيد، ويحمل أعلى شهادة، وفوق ذلك أجرى ألفي عملية، وكلها ناجحة، وجاء لمطار دمشق، هو لا يتكلم العربية إطلاقاً، هل أميته باللغة العربية تعني أنه جاهل؟ هذا الطبيب الذي يحمل أعلى شهادة في الطب، وهو جراح كبير، وله مؤلفات، وأستاذ في الجامعة، لكنه لا يتقن العربية إطلاقاً، فجاء إلى مط
ار دمشق، احتاج إلى مترجم، هذا الطبيب الذي يحمل أعلى شهادة لأنه أمي في اللغة العربية، هل يعد جاهلاً ؟ لا.
النبي عليه الصلاة والسلام ما تلقى معرفة من بني البشر إطلاقاً، ما تلقى معرفة من الأرض، تلقاها من السماء .
لذلك ﴿الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ﴾
(( إنما العلم بالتعلم ))
أنت إن لم تكن أمياً، إن كنت أمياً من يعلمك؟ معناها جاهل.
﴿الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ﴾
قصة الحصين بن سلام :
الحقيقة هناك قصة مناسبة جداً لهذا الدرس، الحصين بن سلام، كان عبداً لله عز وجل، نفّذ أمر الله كله، وكان كلما قرأ التوارة وقف طويلاً عند الأخبار التي تبشر بظهور نبي في مكة ﴿يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ﴾
﴿ وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُم مُّصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِن بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ
(( أنا دعوة أبي إبراهيم ، وبشر بي أخي عيسى ))
يقول الحصين بن سلام: لما سمعت بظهور رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذت أتحرى عن اسمه، وعن نسبه، وعن صفاته، وزمانه، ومكانه، وبينما هو مسطور عندنا في الكتب حتى استيقنت من نبوته، استقين من نبوة هذا النبي الكريم.
هناك أوصاف ثانوية كثيرة جاءت في التوراة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: حتى استقينت بنبوته، إلى أن كان اليوم الذي خرج منه رسول الله صلى الله عليه وسلم من مكة قاصداً المدينة للهجرة، فلما بلغ يثرب، ونزل بقباء، أقبل رجل علينا، وجعل ينادي بالناس معلماً قدومه، وكنت ساعتئذٍ في رأس نخلة لي أعمل فيها، وكانت عمتي خالدة بنت الحارث جالسة تحت الشجرة، فما إن سمعت الخبر حتى هتفت الله أكبر، الله أكبر، وأنا على رأس النخلة.
قالت لي عمتي حينما سمعت التكبير: خيبك الله، والله لو كنت سمعت بموسى بن عمران قادماً ما فعلت شيئاً فوق ذلك، أنت يهودي، ما هذا التكبير! فقلت لها: أي عمة، إنه والله أخو موسى بن عمران، وعلى دينه، وقد بُعث بما بُعث، لأن الرسالات واحدة، المشكاة واحدة، النور واحد، المصدر واحد، الهدف واحد، قال تعالى:
إسلام الحصين بن سلام :
﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ﴾
﴿وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا ۖ غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ﴾
مضيت من توّي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فرأيت الناس يزدحمون على بابه فزاحمتهم، حتى صرت قريباً منه، فكان أول ما سمعت وهو يقول: أيها الناس :
(( يا أيُّها الناس ، أفْشُوا السلام ، وأطعموا الطعام ، وصَلُّوا بالليل والناس نيام تدخلوا الجنةَ بسلام ))
هذا أول حديث سمعه منه، الآن يقول عبد الله بن سلام: لما قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة انجفل الناس وقد قيل: قد قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم، قدم رسول الله، قدم رسول الله ثلاثاً، فجئت في الناس لأنظر، فلما تبينت وجهه، عرفت من وجهه أنه ليس بوجه كذّاب، فكان أول شيء سمعته تكلم به أن قال:
ثم دنوت منه، وشهدت أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله .
(( جاء عبد الله بن سلام مع الناس ليرى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقال: ( أول ما قدم رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ المدينة انجفل ( أسرع ) الناس إليه، فكنت فيمن جاءه، فلمّا تأملت وجهه، واستثبته علمت أنّ وجهه ليس بوجه كذاب!، قال: وكان أول ما سمعت من كلامه أن قال: أيها الناس! أفشوا السّلام، وأطعموا الطعام، وصلوا بالليل والناس نيام، تدخلوا الجنة بسلام ))
تغيير اسم الحصين من قِبل النبي الكريم و إسلامه مع أهله :
أيها الإخوة، قال: نعم عبد الله بن سلاّم، يعني ما دمت قد سميتني بهذا الاسم انتهى، نعم عبد الله بن سلاّم، والذي بعثك بالحق ما أحبّ أن يكون لي اسماً آخر بعد اليوم، أحد كبار أحبار اليهود، طالب الحق لا يتردد .
قال: ثم انصرفت من عند رسول الله إلى بيتي، أول شيء دعوت زوجتي وأولادي إلى الإسلام، فأسلموا جميعاً، وأسلمت معهم عمتي خالدة، التي قالت له: خيبك الله وكانت شيخة كبيرة، ثم إني قلت لهم: اكتموا إسلامي وإسلامكم عن اليهود حتى آذن لكم، رسم خطة، اكتموا إسلامي وإسلامكم عن اليهود حتى آذن لكم، قالوا : نعم .
اليهود قوم بهتان وباطل و أهل غدر وفجور بوصف الحصين بن سلام :
يقول: ثم رجعت إلى النبي صلى الله عليه وسلم، قلت له: يا رسول الله إن اليهود قوم بهتان وباطل، وإني أحبّ أن تدعو وجوههم إليك، النخبة، الزعماء، رجال الدين الكبار، وأن تسترني عندك في حجرة من حجراتك، أنا مختبئ عندك، ثم تسألهم عن منزلتي عندهم، قبل أن يعلموا بإسلامي، ثم تدعوهم إلى الإسلام أيضاً، فالنبي الكريم وافق قال له: إنهم إن علموا بإسلامي عابوني، ورموني بكل ناقصة، وبهتوني .
أدخله النبي عليه الصلاة والسلام في بعض حجراته، ثم دعاهم إليه، وأخذ يحضهم على الإسلام، يحبب لهم الإيمان، يذكرهم بما عرفوه من كتبهم من أمره، فجعلوا يجادلونه بالباطل ويمارونه بالحق، وأنا أسمع، فلما يئس من إيمانهم قال لهم: ما منزلة الحصين بن سلاّم فيكم؟ قالوا: الحصين بن سلام ؟ هو سيدنا وابن سيدنا، وحبرنا وابن حبرنا، وعالمنا وابن عالمنا، فقال عليه الصلاة والسلام : أرأيتم إن أسلم أتسلمون؟ قالوا : حاشا لله، ما كان له أن يسلم، أعاذه الله أن يسلم، فخرجت إليهم من الحجرة، وقلت: يا معشر اليهود اتقوا الله واقبلوا ما جاءكم به محمد، فوالله إنكم لتعلمون أنه رسول الله، وتجدونه مكتوباً عندكم في التوارة باسمه وصفته، وإني أشهد أنه رسول الله، وقد آمنت به وصدقته، وأنا أعرفه، فقالوا: كذبت والله، إنك لشرنا وابن شرنا، وجاهلنا وابن جاهلنا، ولم يتركوا عيباً إلا عابوني به، سبحان الله، فقلت للنبي عليه الصلاة والسلام: ألم أقل لك يا رسول الله إن اليهود قوم بهتان وباطل؟ وإنهم أهل غدر وفجور؟ هو يعرفهم .
(( عن أنس بن مالك ـ رضي الله عنه ـ قال: ( أن عبد الله بن سلام بلغه مقدم النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ المدينة، فأتاه يسأله عن أشياء، فقال : إني سائلك عن ثلاث لا يعلمهن إلا نبي: ما أول أشراط الساعة؟، وما أول طعام يأكله أهل الجنة؟، وما بال الولد ينزع إلى أبيه أو إلى أمه ؟، قال: أخبرني به جبريل آنفا، قال ابن سلام: ذاك عدو اليهود من الملائكة، قال: أما أول أشراط الساعة فنار تحشرهم من المشرق إلى المغرب، وأما أول طعام يأكله أهل الجنة فزيادة كبد الحوت، وأما الولد: فإذا سبق ماء الرجل ماء المرأة نزع الولد، وإذا سبق ماء المرأة ماء الرجل نزعت الولد، قال: أشهد أن لا إله إلا الله، وأنك رسول الله، قال : يا رسولَ اللهِ، إن اليهود قوم بُهْت، فاسألهم عنِّي قبل أن يعلموا بإسلامي، فجاءت اليهود، فقال النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ: أي رجل عبد الله بن سلام فيكم؟!، قالوا: خيرنا وابن خيرنا، وأفضلنا وابن أفضلنا، فقال النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ: أرأيتم إن أسلم عبد الله بن سلام؟!، قالوا: أعاذه الله من ذلك، فأعاد عليهم فقالوا مثل ذلك، فخرج إليهم عبد الله فقال : أشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله، قالوا : شرُّنا وابن شرِّنا، وتنقصوه، قال: هذا كنتُ أخاف يا رسولَ الله ))
وسيدنا عبد الله بن سلاّم أكبر حبر يهودي صار من أكبر الصحابة، ورفع الله مقامه عنده.
المعروف تعرفه الفطر السليمة ابتداءً من دون تعليم :
إذاً الله عز وجل يقول :
﴿يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ﴾
النبي جاء بالمعروف، ما تعرفه الفطر السليمة ابتداءً من دون تعليم، الآن ببريطانيا هناك المحلَّفين، جريمة يأتون بعشرة أشخاص من الطريق، من عامة الناس من دون استثناء، قد يكون طبيباً، قد يكون عاملاً، قد يكون حاجباً، قد يكون عامل تنظيفات، يعرضون على هؤلاء المحلفين أحداث الجريمة، على الفطرة معظمهم ينطق بالحكم الصحيح، عند الناس فطرة سليمة، هناك شيء غير مقبول، شيء مقبول، أحياناً تؤلف كتاباً لا أحد يعترض، معناها مقبول الكتاب، إذا كان هناك خطأ تسمع ضجيجاً، انتقادات، تعليقات، مقالة، بصحيفة .
تبدل القيم في آخر الزمان :
﴿وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ﴾
﴿ كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ
علة خيريتكم: ﴿تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ﴾
دع المكارم لا ترحل لبغيتها واقعد فإنك أنت الطاعم الكاسي
هذا أهجا بيت قالته العرب، هو شعار كل إنسان الآن :
دع المكارم لا ترحل لبغيتها واقعد فإنك أنت الطاعم الكاسي
تحريم أشياء كثيرة على اليهود عقاباً من الله عز وجل :
﴿يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ﴾
﴿يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ﴾
﴿وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ﴾
﴿وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ﴾
﴿وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ﴾
﴿ فَبِظُلْمٍ مِّنَ الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ وَبِصَدِّهِمْ عَن سَبِيلِ اللَّهِ كَثِيرًا(160) ﴾
كان هناك عقاباً من الله في تحريم أشياء كثيرة على اليهود، قال:
﴿وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ﴾
﴿وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾
الأمر الإلهي العلاقة بينه وبين النتائج التي تنتج عنه علاقة علمية :
إخواننا الكرام، أهم فكرة بالموضوع أن الأمر الإلهي العلاقة بينه وبين النتائج التي تنتج عنه علاقة علمية، يعني علاقة سبب بنتيجة، شيء طبيعي، وأوضح مثل:
لما إنسان يقترب من تيار توتره عالٍ يحترق، يصبح فحمة، المواطن إذا رأى بلاغاً أنه ممنوع الاقتراب، ليس الموضوع موضوع شرطي يحاسبك، التيار يحاسبك، الموضوع ليس موضوع مخالفة تُكتَب عليك، لا، أخطر بكثير، التيار نفسه خصائصه ضمن 8 أمتار يصبح الإنسان فحمة، العلاقة بين الأمر والنهي والنتيجة علاقة علمية، مثلاً :
هذا باب، وهناك باب ثانٍ، لو ظهر تعليمات: هذا الباب لا أحد يخرج منه، لو شخص خرج، ما في علاقة علمية بين اللوم الذي سيصيبه، وبين خروجه، باب أساساً هُيئ للخروج، لكن هناك تعليمات معينة لا تخرج منه، نقول هذه العلاقة بين عدم الخروج من هذا الباب، واللوم الذي سيتحمله من خرج علاقة وضعية، نحن وضعناها .
أحياناً جاءت فترة القانون يمنع إخراج الدولارات، إذا الشخص المبلغ مبلغه وسافر فيه يُسجَن، لا يوجد علاقة علمية بين السجن، الإنسان السارق يُسجن، القاتل يُقتل، لكن هذا معه المال ماله، لكن في تعليمات، في قانون وضعي، جعل خروج الإنسان بمال له عقاب .
نحن دائماً الأسباب والنتائج إما العلاقة بينها علاقة علمية، أو علاقة وضعية، أكثر القوانين علاقة وضعية، إلا أن الأوامر الإلهية، والنواهي الإلهية، العلاقة بينها وبين النتائج علاقة علمية، مثل آخر :
معك شاحنة فيها عشرين طناً، وصلت إلى جسر مكتوب عليه: الحمولة القصوى عشرة أطنان، إذا السائق أحمق؛ هناك شرطة؟ ليس موضوع شرطة، الشرطة ما لها دخل، الجسر لا يتحمل عشرة أطنان، سينهار، ستسقط في النهر، أي شرطة ؟
معرفة الإنسان الحق و الباطل و الحلال و الحرام بفطرته :
العلاقة بين الأمر ونتائجه، والنهي والنتائج علاقة علمية، يعني علاقة سبب بنتيجة.
﴿وَيُحِلُّ لَهُمُ﴾
فأنت تعرف بالفطرة الحق والباطل، الحلال والحرام بالفطرة ﴿يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ﴾
مثلاً: طفل صغير وجد قلماً أعجبه فوضعه في جيبه، صاحب القلم رفع إصبعه ضاع قلمي، الأستاذ فتش الطلاب كلهم، عثر عليه بجيب هذا الطفل، يحس هذا الطفل بآلام لا توصف، لماذا تألم؟ هو مفطور فطرة، هذه الفطرة أنبأته أن عمله خطأ .
بالمناسبة هناك فندق بألمانيا مكتوب عليه: إن لم تنم هذه الليلة فالعلة ليست في فرشنا إنها وثيرة، مريحة، لكن العلة في ذنوبك إنها كثيرة .
العقاب الذاتي أكبر عقاب للإنسان :
الآن أي إنسان يغلط، يؤذي إنساناً، يبتز مال إنسان، تجده شقياً، تحاسبه نفسه، تعاقبه نفسه، أكبر عقاب العقاب الذاتي، هناك حالة اسمها احتقار الذات، قد تكون قوياً جداً وغنياً جداً ولا أحد يجرؤ أن يقول لك كلمة، أما حينما تعلم أنت بفطرتك أنك تبني مجدك على أنقاض الناس، تبني عزك على إذلالهم، مالك على إفقارهم تسقط من عين نفسك، هذا اسمه احتقار الذات، الشعور بالذنب، الشعور بالنقص، هذه الفطرة، الفطرة تحاسب، هذه الفطر السليمة تعرف المعروف، وتعرف المنكر، عرفته ابتداءً، وأنكرته ابتداءً، من دون تعليم، كل واحد منا .
﴿ بَلِ الْإِنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ(14) وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ(15) ﴾
الإنسان يعلم علم اليقين الخطأ من الصواب ابتداءً من دون تعليم، هذه الفطرة.
﴿ وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا(8) فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا(9) ﴾
والحمد لله رب العالمين