- تفسير القرآن الكريم / ٠2التفسير المطول
- /
- (042)سورة الشورى
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا وزدنا علماً، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.
الدنيا شيء عابر سريع الزوال:
أيها الأخوة الكرام؛ مع الدرس الثالث عشر من سورة الشورى، ومع الآية السادسة والثلاثين وهي قوله تعالى:
﴿ فَمَا أُوتِيتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَمَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى لِلَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ(36) وَالَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ (37) وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ (38) وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ (39)﴾
إلى آخر الآيات.
هذه الآيات أيها الأخوة تحدِّد خصائص المؤمنين؛ المؤمن فرد، والمؤمنون مجتمع، فمجتمع المؤمنين لهم خصائص.
أول شيءٍ أيها الأخوة؛ الله سبحانه وتعالى يخاطب المؤمنين يقول:
الدنيا بكل ما فيها من متع لا تغني عن الآخرة شيئاً:
الإنسان أحياناً يشتري شيئاً يأكله في الطريق، وقد يشتري قطعة ألماس ثمنها نصف مليون، فهذا الشيء الذي يأكله لدقائق وانتهى الأمر، أكل هذه الشطيرة وانتهى الأمر، أكل هذه الحلوى وانتهى الأمر، بقيت في فمه دقيقة، وكان استمتاعه بها لثانيتين وانتهى الأمر، متاع، شيءٌ سريع الزوال، شيء لا يستقر، ليس له أثر يبقى.
لكن عندما يشتري الإنسان قطعة ألماس بنصف مليون ليرة، هذه باقية ؛ حجمها، وشكلها، وصفاؤها، وبريقها، وضوءها باقٍ، وقد يتوارثها رجل عن رجل، وامرأة عن امرأة، وجيل عن جيل، من باب التقريب شيءٌ عابر لا يستقر، طارئ ليس له أثر مستمر، وشيءٌ غير باقٍ، قال: الدنيا بمجملها بكل ما فيها؛ من مال، من مُتَع، من بيوت، من بساتين، من قصور، من مركبات، من أماكن عَلِيَّة، من مباهج، هذه كلُّها
قدرة الإنسان على الاستمتاع بالدنيا محدودة جداً:
إنسان أوتي مالاً عريضاً، كل هذا المال، ماذا يأكل؟ لا يستطيع أن يأكل فوق حجم معدته، على كم سرير ينام؟ على سرير واحد، تكفيه غرفةٌ واحدة، فهذا المال الوفير لا يستطيع أن يستمتع به، القدرة على الاستمتاع بالدنيا محدودة جداً، هذا معنى:
مجتمع المؤمنين يقوم على القيَم والمبادئ لا على المتع والحاجات:
أيعقل أن النبي عليه الصلاة والسلام وأصحابه الكرام الذين اختارهم له، هذا الإنسان العظيم الذي بلغ قمَّة الكمال الإنساني، أيعقل أن ينام في غرفةٍ صغيرة؟ وأن يأكل خشن الطعام؟ وأن يرتدي خشن الثياب؟ وأن تكون حياته بسيطة؟
(( لَوْ كَانَتِ الدُّنْيَا تَعْدِلُ عِنْدَ اللَّهِ جَنَاحَ بَعُوضَةٍ مَا سَقَى كَافِرًا مِنْهَا شَرْبَةَ مَاءٍ. ))
للإمام عليٌ كرَّم الله وجهه قولٌ فيصلٌ في هذا الموضوع، يقول هذا الإمام الجليل:
أي لا يقلِّل من شأنك عند الله أنك فقير، ولا أنك من عامة الناس، ولا أنك ممن إذا حضروا لم يُعرفوا، وإذا غابوا لم يُفتقدوا.
أنا لا أنسى كلمة قالها سيدنا عمر حينما كانت غزوة نهاوند، وكان عدد المسلمين يقلُّ عن الثلاثين ألفاً، وكان عدد جيش الكُفْرِ يزيد عن مئة وثلاثين ألفاً، وكان من قلق هذا الخليفة العظيم على جنوده المسلمين أنه أمضى وقتاً طويلاً يمشي في أسواق المدينة دون أن يجرؤ أحدٌ على أن يكلِّمه من شدة قلقه، ثمَّ جاء رسولٌ من معركة نهاوند، وسأله عمر رضي الله عنه عن واقع المسلمين فقال: مات فلان وفلان، استشهد فلان وفلان وفلان، وذكر له أسماء الذين يعرفهم قال: ومن أيضاً؟ قال: وهناك أناس لا تعرفهم بالاسم، استشهدوا، فما كان من هذا الخليفة الراشد إلا أن قال قولاً:
الدنيا دار عمل وتكليف والآخرة دار جزاء وتشريف:
لذلك أيها الأخوة؛ مجتمع المؤمنين لا يقوم على الدنيا ؛ لا يقوم على المال، على الترف، على المتع، لا، يقوم على المبادئ، يقوم على أن الدنيا دار عمل وأن الآخرة دار جزاء، يقوم على أن الدنيا دار تكليف والآخرة دار تشريف، يقوم على أن هذه الحياة هي حياةٌ دنيا، أحياناً ننسى معنى الكلمة، حياةٌ دنيا وأن الإنسان مخلوقٌ لحياةٍ عُليا.
(( قالَ اللَّهُ تَبارَكَ وتَعالَى: أعْدَدْتُ لِعِبادِي الصَّالِحِينَ، ما لا عَيْنٌ رَأَتْ، ولا أُذُنٌ سَمِعَتْ، ولا خَطَرَ علَى قَلْبِ بَشَر. قالَ أبو هُرَيْرَةَ: اقْرَؤُوا إنْ شِئْتُمْ:
خصائص المؤمنين:
لذلك نحن الآن مع آيات تصف خصائص المؤمنين، مجتمع مؤمن ما خصائصه؟ يقول لك: مجتمع الكفاية والعدل مثلاً، مجتمع القانون لا المحسوبيات مثلاً، مجتمع تكافؤ الفرص، مجتمع العدل مثلاً، هذه كلمات حديثة، الآن إذا عُدنا إلى كتاب الله ما الأوصاف التي وصف بها جماعة المؤمنين؟ مجتمع مؤمن، أليس لهذا المجتمع خصائص تميِّزه عن بقية المجتمعات؟ الآن مجتمع المؤمنين مجتمع فيه صدق، فيه وفاء، فيه أمانة، فيه إخلاص، ليس فيه غش، ليس هناك حسد، ليس هناك غيبة، ليس هناك نميمة، يوجد تعاون، يوجد تكاتف، يوجد حُب، يوجد إخلاص، يوجد تناصح، يوجد تلاقٍ، يوجد تزاور، يوجد مؤاثرة.
مجتمع الكفَّار مجتمع فيه تباعد، فيه تباغض، فيه حسد، فيه تآمر، فيه احتيال، فيه كراهية، فيه حقد، نحن الآن أمام آياتٍ تصف مجتمع المؤمنين، هذا المجتمع أساسه يقوم على المبادئ لا على المادَّة، يقوم على القيم لا على الحاجات.
تفوق الفاسق لا يرفعه عند الله عز وجل:
لذلك يقول الله عزَّ وجل:
﴿
هذا ينقلنا إلى أن الأجانب حينما تفوَّقوا في الدنيا هذا لا يرفعهم عند الله عزَّ وجل:
﴿ إِنَّمَا مَثَلُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ وَالْأَنْعَامُ
متاع الحياة الدنيا قاسم مشترك بين كل الناس:
المؤمن له عطاء خاص يتميز به عن بقية الناس:
لكن الآخرة خالصةٌ للمؤمنين، لذلك قالوا: إن الله يعطي الصحَّة -تجد أحياناً شخصاً ملحداً قوي البنية- إن الله يعطي الصحَّة والذكاء والمال والجمال للكثيرين من خلقه، ولكنه يعطي السكينة بقدرٍ لأصفيائه المؤمنين، المؤمن له عطاءٌ خاص يتميَّز به عن بقية الناس،
من توكل على الله تكفل الله عز وجل بالدفاع عنه:
مجتمع المؤمنين مجتمع أولاً يطيع الله عزَّ وجل، يقيم فيما بينه منهج الله، من لوازم هذا المجتمع أنه إذا جاءت قوةٌ طاغية يبذل المؤمن ما في وسعه لكنَّه في النهاية يتوكَّل على الله، والله سبحانه وتعالى أخبره أنه يدافع عنه:
﴿
﴿
﴿ وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ رُسُلًا إِلَى قَوْمِهِمْ فَجَاءُوهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَانْتَقَمْنَا مِنَ الَّذِينَ أَجْرَمُوا
هكذا..
﴿
إذاً التوكُّل على الله من صفات الجماعة المؤمنة، ومن صفات الفرد المؤمن.
على كل مؤمن أن يعدّ ما استطاع من قوة وعلى الله الباقي:
لو فرضنا جماعة مؤمنة إمكاناتها محدودة، وعلى أبوابها عدو شرس، ماذا تفعل؟ تطبِّق قوله تعالى:
﴿
والفارق بين القوة المُتاحة والقوَّة الكافية يتولاها الله عزَّ وجل، هناك فارق، هذا الكلام يدعو للتفاؤل، هناك من المسلمين من يدعو إلى اليأس يقول لك: يا أخي هناك مسافة حضاريَّة كبيرة بيننا، لو عشنا ألف عامٍ آخر لا نستطيع أن نلحق بهم، هذا كلام غير مقبول لأن الله عزَّ وجل قال:
﴿ الَّذِينَ يَتَرَبَّصُونَ بِكُمْ فَإِنْ كَانَ لَكُمْ فَتْحٌ مِنَ اللَّهِ قَالُوا أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ وَإِنْ كَانَ لِلْكَافِرِينَ نَصِيبٌ قَالُوا أَلَمْ نَسْتَحْوِذْ عَلَيْكُمْ وَنَمْنَعْكُمْ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فَاللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ
أنت عليك أن تأخذ بكل قوَّةٍ متاحةٍ بين يديك وعلى الله الباقي:
﴿
المجتمع المؤمن مركز الثقل فيه في الآخرة بعكس المجتمع الفاسق:
إذاً الآية الأولى تبيِّن مركز الثقل في الآخرة، فالمجتمع المؤمن مركز الثقل فيه في الآخرة لا في الدنيا، لكن أهل الدنيا كل إمكاناتهم، وكل مكتسباتهم، وكل إنجازاتهم في الدنيا؛ بناء بنوه، جسر عمَّروه، بيوت أنشؤوها، لكن المجتمع متفسخ، منحل أخلاقياً، فيه تحاسد، فيه تباغض، فيه تدابر، فيه تطاحن، فيه حقد، مجتمع متفتِّت لو كان المظهر جميلاً.
الآن من ذهب إلى بلدٍ غربي يأخذه العجب من شوارعهم العريضة، وحدائقهم الغنَّاء، وأبنيتهم الشاهقة، المواصلات، أماكن البيع والشراء، لكن لو دخلت إلى بيوتهم مرض الإيدز يفتك بهم، الانحراف الأخلاقي لا حدود له، زنى المحارم مُتَفَشٍ بشكل مذهل، ثلاثون بالمئة من حالات الزنى زنى محارم، بين الابن وأمه، والأم وابنها، والأخ وأخيه، والأب وابنته، هذا المجتمع منحل، لذلك مجتمع المؤمنين يقوم على القيَم لا يقوم على المظاهر الماديَّة، المظاهر الماديَّة مقبولة ليس فيها شيء، أما أن نكتفي بالمظاهر الماديَّة فلا يجوز هذا.
خصائص المؤمنين الجماعية:
هؤلاء المؤمنون قال:
﴿
ماذا يُفهم من هذه الكلمة؟ يفهم منها أن الإنسان إذا اجتنب كبائر الإثم فيما بينه وبين الله، والفواحش فيما بين العبد وبين بقية الناس، إذا اجتنب الكبائر فالله سبحانه وتعالى غفورٌ رحيم، أي يتجاوز عن الصغائر، والصغيرة هي العمل الذي تهمُّ به ولا تعمله، من بعض تفسيراتها، والصغيرة هي الذنب الذي لا تصرُ عليه، سريعاً ما تندم على فعله، سريعاً ما تستغفر الله عزَّ وجل، أو حينما تحدِّثك نفسك بمعصيةٍ ولا تفعلها فهذه صغيرة، فما كان في نفس الإنسان من وساوس، من خطرات، من رغبة في معصية معيَّنة ولا يفعلها هذه صغيرة يعفو الله عنها، بدرت منك غلطةٌ لا تقصدها سرعان ما استغفرت الله عليها، أو أعلنت توبتك منها، أو ندمت عليها، هذه صغيرة، لكن لو أنك أصررت على أدق المعاصي فتغدو كبيرة، قيل:
قبول الله عز وجل التوبة عن عباده:
على كل الآية توحي بشيء، أي الله عزَّ وجل غفور رحيم، الله عز وجل يقبل التوبة عن عباده، فإذا قال العبد: يا رب، قال الله: لبيك يا عبدي، عن أبي موسى الأشعري:
(( إنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يَبْسُطُ يَدَهُ باللَّيْلِ لِيَتُوبَ مُسِيءُ النَّهَارِ، وَيَبْسُطُ يَدَهُ بالنَّهَارِ لِيَتُوبَ مُسِيءُ اللَّيْلِ، حتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِن مَغْرِبِهَا. ))
(( عن أبي هريرة رضي الله عنه: ينزِلُ اللَّهُ عزَّ وجلَّ كلَّ ليلةٍ إلى سماءِ الدُّنيا حينَ يبقى ثلُثُ اللَّيلِ الآخرِ فيقولُ: مَن يدعوني فأستجيبَ لَه؟ من يسألُني فأعطيَه؟ من يستغفرُني فأغفرَ لَه؟ ))
إذاً:
على كل إنسان أن يتجاوز عن أخيه إذا غضب لأن الله عفو رحيم:
﴿ وَالَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ (37)﴾
قد يسأل سائل: ما العلاقة بين الآيتين؟ علاقةٌ متينة، أي أيها المؤمن كما أن الله سبحانه وتعالى تجاوز عنك في الصغائر، أنت إذا غضبت تجاوز عن أخيك المؤمن، كما أن الله عاملك بالمغفرة والعفو والحلم أنت خليفته في الأرض، فإذا وقع تحت يدك إنسان وقد أذنب لا تكن قاسياً، لا تكن حاقداً، لا تكن منتقماً،
علامات المؤمن:
عمير بن وهب قال لصفوان بن أميَّة:
سقى سيفه سُماً وعلَّقه على كتفه، وركب ناقته، وتوجَّه إلى المدينة ليقتل محمَّداً عليه الصلاة والسلام، رآه سيدنا عمر قال:
يقول سيدنا عمر:
(( عَنْ عَائِشَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ حَدَّثَتْهُ أَنَّهَا قَالَتْ لِلنَّبِيِّ: هَلْ أَتَى عَلَيْكَ يَوْمٌ كَانَ أَشَدَّ مِنْ يَوْمِ أُحُدٍ؟ قَالَ: «لَقَدْ لَقِيتُ مِنْ قَوْمِكِ مَا لَقِيتُ، وَكَانَ أَشَدَّ مَا لَقِيتُ مِنْهُمْ يَوْمَ الْعَقَبَةِ إِذْ عَرَضْتُ نَفْسِي عَلَى ابْنِ عَبْدِ يَالِيلَ بْنِ عَبْدِ كُلالٍ فَلَمْ يُجِبْنِي إِلَى مَا أَرَدْتُ، فَانْطَلَقْتُ وَأَنَا مَهْمُومٌ عَلَى وَجْهِي فَلَمْ أَسْتَفِقْ إِلا وَأَنَا بِقَرْنِ الثَّعَالِبِ فَرَفَعْتُ رَأْسِي فَإِذَا أَنَا بِسَحَابَةٍ قَدْ أَظَلَّتْنِي فَنَظَرْتُ فَإِذَا فِيهَا جِبْرِيلُ فَنَادَانِي فَقَالَ: إِنَّ اللَّهَ قَدْ سَمِعَ قَوْلَ قَوْمِكَ لَكَ وَمَا رَدُّوا عَلَيْكَ وَقَدْ بَعَثَ إِلَيْكَ مَلَكَ الْجِبَالِ لِتَأْمُرَهُ بِمَا شِئْتَ فِيهِمْ، فَنَادَانِي مَلَكُ الْجِبَالِ فَسَلَّمَ عَلَيَّ ثُمَّ قَالَ: يَا مُحَمَّدُ، فَقَالَ ذَلِكَ فِيمَا شِئْتَ، إِنْ شِئْتَ أَنْ أُطْبِقَ عَلَيْهِمُ الأَخْشَبَيْنِ، فَقَالَ النَّبِيُّ:
من وصل إلى الله صَغُرَ عنده كل شيء:
إذاً:
سيدنا يوسف ماذا فعل به إخوته؟ وضعوه في غيابة الجب ليموت، عندما دخلوا عليه قال:
﴿
﴿ وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ وَخَرُّوا لَهُ سُجَّدًا وَقَالَ يَا أَبَتِ هَذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقًّا
لم يذكر الجُب لئلا يحرجهم، ولئلا يذكِّرهم بجريمتهم، ولئلا يخذلهم، ولم يقل: أنتم مخطئون، قال:
الإنسان في الدنيا يتعامل تعاملاً واقعياً مع الحياة:
﴿
كنت اليوم في حفل فألقيت كلمة ذكرت فيها مثلاً جديداً أنه لو أن إنساناً يحمل دكتوراه لكن بلا عمل، ثم قرأ في الصحيفة إعلاناً عن شاغر في الجامعة، المؤهِّل هي الشهادة التي يحملها، والأوراق الثبوتيَّة كلها يمكن أن يأتي بها، وهو بلا عمل وينتظر عملاً بفارغ الصبر، وقد قرأ الإعلان في الصحيفة، وشهادته مناسبة، وسِنه مناسب، وجنسيَّته مناسبة، وأوضاعه كلها مناسبة، والمعاش كبير جداً، والمنصب رفيع، يا ترى إذا قرأ الإعلان عصر يوم السبت صباح الأحد ماذا يفعل؟ إلى أي ساعة يبقى في سريره؟ والله يمكن ألا ينام الليل أبداً، فإذا ما أصبحت الساعة الثامنة خرج من البيت ليحصل على هذه الوثائق، ويقدِّم الطلب لينال هذا المنصب الرفيع، الإنسان في الدنيا يتعامل تعاملاً واقعياً.
على كل إنسان أن يستجيب لله وللرسول ويلزم جماعة المؤمنين:
الله عزَّ وجل يقول:
مثل آخر: إنسان لا يوجد لديه بيت وهو بأشد الحاجة إلى بيت، خطب فتاة ومضى على الخطبة سنتان، ولا يوجد بيت، ومعه مبلغ نصف مليون، والبيت مليون فما فوق، لو بلغه أن هناك بيتاً سعره نصف مليون ومناسب، وجاهز للبيع، وفارغ، وتسجيل رسمي، لا ينام هذه الليلة أبداً، لو أن العلاقة مع صاحب هذا البيت وهو في أقصى مكان في الأرض لذهب إليه، هكذا طبيعة الإنسان، هل أدركت أن الدين شيء عظيم جداً؟ هل انطلقت مستجيباً لله ولرسوله؟ إذا أذَّن المؤذِّن ماذا تفعل؟ يناديك هَلُمَّ إلى طاعتي، هَلُمَّ إلى الاتصال بي.
المسلم حركي يتحرَّك لمعرفة الله وتطبيق أوامره:
لذلك:
(( عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو : أَنَّ النَّبِيَّ قَالَ: «بَلِّغُوا عَنِّي وَلَوْ آيَةً، وَحَدِّثُوا عَنْ بَنِي إِسْرَائيلَ وَلا حَرَجَ، وَمَنْ كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّدًا فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ». ))
يحاول أن يهدي أولاده، يهدي زوجته، يهدي إخوانه، جيرانه، زملاءه، من حوله، من فوقه، من دونه، هكذا المؤمن.
العمل الصالح أساس وصول الإنسان إلى الله عز وجل:
كما قلت سابقاً: في اللحظة التي يستقر فيها الإيمان في قلب المؤمن يُعبِّر عن ذاته بذاته، عن طريق العمل الصالح، ليس هناك مؤمن مكتوف اليدين، لا يوجد مؤمن سلبي، لا يوجد مؤمن متقوقع، لا يوجد مؤمن انهزامي، المؤمن متحرِّك، المؤمن يطلب العلم، الله عزَّ وجل قال:
﴿
أنت هدفك حِمص، تحتاج إلى وسيلة –سيارة- إذا كنت مصرَّاً على أن تصل إلى هذه المدينة فلابدَّ من أن تبحث عن وسيلة تستقلها إلى حمص، إذا أردت أن تصل إلى الله أنت بحاجة إلى وسيلة، من معاني الوسيلة أن تتعرَّف إليه، من معاني الوسيلة أن تتعرَّف إلى منهجه، من معاني الوسيلة أن تلزم جماعة المؤمنين.
﴿
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ(119)﴾
هذه من لوازم الوسيلة، من لوازم الوسيلة العمل الصالح، أن تقدِّم شيئاً، أن تبني حياتك على العطاء لا على الأخذ، تبحث عمن تعلِّمه، عمن تقدِّم له خدمةً، عمن تعينه كي يرضى الله عنك.
الاستجابة لأمر الله طريق الإنسان للاتصال بالخالق سبحانه:
(( عن عبد المطلب: ذَاقَ طَعْمَ الإِيمَانِ مَنْ رَضِيَ بِاللَّهِ رَبًّا، وَبِالإِسْلامِ دِينًا، وَبِمُحَمَّدٍ رَسُولاً. ))
الاتصال بالله ثمنه طاعة الله.
العاقل من استشار غيره في كل عمل يُقْدِمُ عليه:
عدم استبداد المؤمن برأيه:
هناك معنى أوسع من ذلك؛ المؤمنون ليس بينهم من يستبد برأيه، شاءت حكمة الله أن تجري هذه الحادثة في عهد النبي، ليقف النبي عليه الصلاة والسلام الموقف الكامل من أصحابه، أنزل النبي عليه الصلاة والسلام جيش المسلمين في موقعة بدر في مكانٍ ما، جاءه صحابيٌ جليل اسمه الحُباب بن المنذر -أي هذا الصحابي في أعلى درجات الحب، وفي أعلى درجات الأدب، وفي أعلى درجات الغيرة على المسلمين، جاء النبي عليه الصلاة والسلام وأنا أقول: يقطر أدباً، يقطر تواضعاً- قال:
لماذا شاء الله أن تقع هذه الحادثة؟ كان من الممكن أن يوحي الله لنبيِّه بالموقع المناسب وحياً عن طريق جبريل، لأن جبريل جاءه آلاف المرَّات بموضوعاتٍ أقل من هذا الموضوع، وكان من الممكن أن يلهمه المكان المناسب، لكن شاءت حكمة الله أن يكون هذا الأمر على ما كان ليقف النبي الموقف الكامل ممن نصحه، ليُعَلِّم النبي أصحابه، وأمَّته من بعده، والدعاة إلى الله من بعده، والأمراء أن المؤمنين بعضهم لبعضٍ نصحة متوادون، أي إذا جاءك إنسان مخلص، ناصح، أصغ إليه، اشكره، أعطه أذناً صاغية، تفهَّم نصيحته، هذه صفات المؤمنين
فوائد الشورى:
إذاً:
استشر يا أخي، قبل أن تقدم على عمل استشر أولي الخبرة من المؤمنين، استشر من هم أعقل منك، من هم أطول منك خبرةً، من هم أكثر منك قرباً من الله عزَّ وجل، لا تفعل شيئاً ارتجالاً،
أولاً الشورى حقيقيَّة، والشورى أيضاً تؤلِّف القلوب، وتزيل الأحقاد، القلوب تتألَّف، والأحقاد تتلاشى، والآراء تتضافر، هذه الشورى، والمؤمن الصادق يستشير؛ على مستوى أسرته، على مستوى عمله، على مستوى جامعه، لا يقدم، أحياناً يسافر الإنسان يكون السفر ليس فيه خير، اسأل، اسأل من سافر قبله وغادر.
العطاء والإنفاق من أبرز صفات المؤمن:
﴿ وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ(38)﴾
جماعة المؤمنين أساسها العطاء، الإنفاق، أبرز صفة بالمؤمن الإنفاق، ينفق وقته، ينفق ماله، ينفق علمه، ينفق خبرته، أنا مرَّة استشارني أخ كريم بعمل صناعي، فقلت له: والله أنا لا أعرف مدى جدوى هذه الصنعة، استشر من تجد فيه الأهليَّة، قال لي: إنه ذهب إلى أحد الأسواق التي تبيع هذه السلعة، وسأل أصحاب المحلات واحداً واحداً، أكثرهم أشار عليه أن هذه المصلحة ليس فيها نفع إطلاقاً، ولها مشكلات، فجاء إليّ مرَّة ثانية قال لي: هكذا قالوا، قلت له: أعرف واحداً في هذا السوق أعرفه مؤمناً، اذهب إليه واسأله، أعطاه كلاماً آخر قال له: مصلحة جيِّدة جداً، وأرباحها مجزية، وموادِّها الأوليَّة متوافرة، ومشكلاتها قليلة، قلت: سبحان الله! المؤمن نصوح، هذا المؤمن نصحه أما هؤلاء لضعف إيمانهم ظنوه أنه سينافسهم فأبعدوه عن هذه المصلحة، المؤمن نصوح،وهذا ما ورد:
ليس من حقّ المسلم أن يخنع ولا أن يذِل:
﴿ وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمْ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ(39) ﴾
﴿ يَقُولُونَ لَئِنْ رَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ
صاحب الحق له أن يأخذ حقَّه أو أن يعفو:
﴿
إخواننا الكرام؛ صاحب الحق له أن يأخذ حقَّه، وهو مخيَّر أن يعفو، أما الذي عليه الحق فيجب أن يؤدِّي الحق، لذلك قالوا:
من أيقن أن عفوه عن المذنب يصلحه فليعفُ عنه:
لكن دقِّقوا في هذه الآية:
عفو الإنسان عن أخيه يعطيه معونةً على أن يلتزم الحق ويستقيم:
إخواننا الكرام؛ هذه الآية دقيقة جداً:
أنا أعرف رجلاً-سمعت هذه القصَّة ممن أثق به- عاش في الأربعينات في هذه البلدة، خطيب مسجد من الخطباء اللامعين رأى النبي عليه الصلاة والسلام، قال النبي له في الرؤيا: قل لجارك فلان إنه رفيقي في الجنَّة، جاره سَمَّان، فهذا الخطيب اللامع تأثَّر، طرق باب جاره وقال له: لي عندك كلامٌ قليل، دخل إلى البيت وقال له: لك عندي بشارةٌ من رسول الله، ولكنني والله لن أقولها لك إلا إذا أخبرتني بماذا فعلت.
طبعاً تمنَّع أن يقول، بعد أخذٍ ورد تكَّلم هذا الجار عن العمل الذي فعله واستحق به هذه البشارة من رسول الله، قال: تزوَّجت امرأةً وبعد دخولي بها بخمسة أشهر وجدت بطنها يحمل مولوداً في الشهر الثامن أو التاسع، فعلمت أنها زلَّت قدمها قبل أن أتزوَّجها، قال له: بإمكاني أن أطلِّقها، بإمكاني أن أسحقها، بإمكاني أن أفضحها، لكن شعرت أنني إذا عفوت عنها لعلَّها تتوب توبةً نصوحاً، فجاء بقابلةٍ في الليل وولَّدت له امرأته، وأخذ هذا المولود تحت عباءته، ولمَّا أذَّن الفجر وانتظر حتى أُقيمت الصلاة؛ فلمَّا نوى الإمام الصلاة دخل إلى المسجد ووضع المولود وراء الباب، فلمَّا انتهت الصلاة بكى الطفل الصغير المولود حديثاً، تحلَّق حوله المصلون، وجاء هو كواحد منهم، قال: ما القصَّة؟ قالوا: هناك طفلٌ وراء الباب، قال: أعطوني إياه أنا أكفله، وأعاده إلى أمِّه وسترها ولم يفضحها، فقال النبي عليه الصلاة والسلام لهذا الخطيب: قل لجارك فلان إنه رفيقي في الجنَّة.
من عفا عن أخيه شعر بنشوة الظفَرِ على ذاته:
أحياناً الإنسان بعفوه يشتري أخاه، ينقذه، بعفوه يرفعه، بعفوه ينهضه، أما إذا انتقم منه فقد أعان عليه الشيطان، إذا عفا عنه أعانه على الشيطان،
بطولة المؤمن أن يعفو عمن ظلمه عند قدرته على ذلك:
إذاً:
﴿ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ
سهل جداً إذا كنت قوياً وأساء إليك إنسان أن تبطش به وتسحقه سحقاً، ولكن البطولة أن تعفو عنه، البطولة أن تعفو عفو المُقتدر، العفو عند المقدرة.
الإسلام دين خُلُق ورحمة:
النبي -اللهمَّ صلِّ عليه- عندما فتح مكَّة -طبعاً التاريخ كلمات نقرؤها أما الوقائع فصعبة كثيراً- كفَّار قريش كادوا للنبي عليه الصلاة والسلام عشرين عاماً، عشرون عاماً قتلاً، وتعذيباً، واغتصاب أموال، وتشهيراً، وهجاء، ثلاثة حروب قادوها ضده، ائتمروا على قتله، ائتمروا على إخراجه، وائتمروا عليه مع اليهود، فلمَّا فتح النبي مكَّة عشرة آلاف سيفٍ متوهِّجة تنتظر كلمةً من فمه الشريف.
والله أيها الأخوة؛ كان بإمكانه أن يلغي وجود قريش كلِّها، وهم عرفوا أنهم تحت رحمة كلمةٍ تخرج من فمه، قال:
الإنسان الذي يعفو عن غيره يزداد تألقاً عند الناس وعند الله:
لذلك أيها الأخوة؛
من أراد أن يأخذ حقه فعليه أن يأخذه دون أن يزيد عليه:
﴿ وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا
أي إذا أردت أن تأخذ حقَّك يجب أن تأخذ الحق فقط دون أن تزيد عليه، أما سأكيل له الصاع صاعين فهذه لا آية ولا حديث، هذا كلام شيطاني، إذا أردت أن تكيل له الصاع كِل له صاعاً بصاع،
﴿ وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولَئِكَ مَا عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ (41)﴾
لو أراد أحدهم أن يأخذ حقَّه، قال:
﴿ وَلَمَنْ انتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُوْلَئِكَ مَا عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ(41)إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ أُوْلَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ(42)وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ(43)﴾
من كان إيمانه بالله قوياً وتوحيده قوياً فعليه أن يؤمن بالقضاء والقدر:
آخر آية:
﴿ وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ(43)﴾
إخواننا الكرام؛ أحياناً يأتي القضاء والقدر مباشرةً من الله، مثلاً: شخص وقع ابنه من الشرفة فمات، لمن يتجه الأب؟ سوف يحاكم من؟ ينتقم ممن؟ يقيم دعوى على من؟ لا يوجد أحد، ابنه وقع من الشرفة إلى الأرض فمات، لكن حينما يُدهس سائق سيارة ولداً، بالحالتين الابن مات ولكن مرَّة مات قضاءً وقدراً، ومرَّة مات بفعلٍ بشري، قال: الإنسان عندما يكون إيمانه بالله قوياً جداً، وتوحيده قوياً جداً، لو أن الفعل المؤلم جاءه على يد إنسان فيبقى موحِّداً، يبقى مؤمناً أن الله وحده هو الذي شاء ذلك، لذلك ليس عنده حقدٌ دفين على هذا الذي جرى على يده هذا العمل.
من صبر على قضاء الله وقدره فأجره على الله:
الآية الكريمة:
﴿ يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ
أما هذه الآية:
من عاقب المذنب أو عفا عنه فعليه أن يرى أن الله وحده هو الذي سمح له أن يفعل هذا:
لذلك المؤمن لو جاءه مكروهٌ على يد إنسان يرى أن الله وحده هو الذي سمح له أن يفعل هذا، تبقى علاقته مع الله، ويقف من هذا الذي ساق الله على يده الشر موقفاً حكيماً، إما أن يعاقبه لمصلحته، وإما أن يعفو عنه ولكن بالحالتين ليس في قلبه حقدٌ عليه.
إنسان تلقَّى ضربة من العصا هل ألمه من العصا أم من الذي ضرب؟ من الضارب، فإذا صبَّ كل نقمته على العصا يكون جاهلاً، عليه أن يتألَّم ممن ضرب لا من العصا لأنها أداة، وينبغي أن تعلم أن كل البشر الذين يُخافُ منهم إنهم عصيٌّ بيد الله، والدليل:
﴿ مِنْ دُونِهِ
الإيمان الكامل أن تقف موقفاً حكيماً من دون حقد ولا إشراك بالله ممن تلقيت منه الأذى:
الإيمان الكامل حتَّى لو جاءك لا سمح الله شر على يد إنسان، هذا الإنسان لا يستطيع أن يفعل ما فعل إلا بعد أن يأذن الله، وهذا الإنسان سيحاسب، لكن شاءت حكمة الله أن يكون الأذى على يده، إذاً ينبغي أن تقف موقفاً حكيماً من دون حقد، من دون إشراك بالله، مع التوحيد الكامل تقف الموقف الكامل، فإن كانت الحكمة أن تعاقبه لتردعه عن أن يعود لمثلها فلا مانع، لكن بالحالتين لا يوجد حقد،
آيات تصف جماعة المؤمنين:
إخواننا الكرام؛ هذه الآيات آيات تصف جماعة المؤمنين:
﴿ فَمَا أُوتِيتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَمَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى لِلَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (36) وَالَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ (37) وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ (38) وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ (39) وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ (40) وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولَئِكَ مَا عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ (41) إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (42) وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ (43)﴾
والحمد لله رب العالمين