الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة والتسليم على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا، وزدنا علماً، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.
أكبر مصيبة تصيب الإنسان أن يخسر الآخرة:
أيها الإخوة المؤمنون؛ مع الدرس الثالث من سورة المُرسلات، ومع الآية الرابعة والعشرين:
﴿ وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (24)﴾
الويل هو الهلاك، الإنسان أحياناً له دخل، هذا الدخل يقل، لكن لم يهلك بانخفاض دخله، ويقل أيضاً لا يهلك، ويمرض ويبقى حياً، أما حينما يُعْدَم شنقاً نقول: هلك فلان، فالهلاك حسم، الهلاك نهاية، الهلاك تدمير، الهلاك مَحْق، الهلاك شقاء أبدي، الآن دخول الناس متفاوتة، معظم الناس على اختلاف دخولهم يعيشون، أما الذي يصاب بحادث سير يموت على أثره نقول: فلان هلك بهذا الحادث، قد يأتي مرض عضال فينهي حياته نقول: هلك بهذا المرض، فالهلاك أعلى درجة من المصيبة، الهلاك هو الحسم، والحقيقة أكبر مصيبة تصيب الإنسان أن يخسر الآخرة.
﴿ فَاعْبُدُوا مَا شِئْتُمْ مِنْ دُونِهِ قُلْ إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلَا ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ (15)﴾
أكبر رابح هو الذي يربح آخرته:
قد تخسر كل شيء وتربح الآخرة فأنت أكبر رابح، قد تخسر المال وتربح الآخرة، قد يخسر الإنسان حياته، الآن في الجهاد يُقتل الإنسان، سيدنا حمزة قُتل لكنه ربح الآخرة بأكملها، والآخرة أبد لا ينتهي، ومن الصعب أن يتخيَّل العقل البشري حقيقة الأبد.
مرة ذكرت مثلاً: أكبر رقم تتصوره واحد بالأرض وأصفار إلى الشمس، المسافة مئة وستة وخمسون مليون كيلو متر، كل ميليمتر صفر، ما هذا الرقم؟ هذا الرقم إذا نُسِبَ إلى اللانهاية فهو صفر، أول ستة أرقام مليون، ثلاثة أرقام فوقهم ألف مليون، ثلاثة ألف ألف مليون، على اثني عشر صفراً ألف ألف مليون، على أصفار من الأرض إلى الشمس كل ميليمتر صفر، المتر كم صفراً فيه؟ ألف، الكيلو متر؟ ألف ألف، كل كيلو مليون صفر، مئة وستة وخمسون مليون كيلو متر، هذا الرقم لو أنه مَثَّل الدنيا والآخرة لانهاية، هذا الرقم قيمته صفر.
ما هو الهلاك؟ لا أن يقل دخلك في الأرض، لا أن يموت الإنسان بمرض عُضال، لا أن يموت في ساحة الجهاد، لا، الهلاك أن تخسر الآخرة، الهلاك أن تخسر هذه الحياة الأبدية التي أُعِدَّت للمؤمن:
(( عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ: «يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: أَعْدَدْتُ لِعِبَادِي الصَّالِحِينَ مَا لا عَيْنٌ رَأَتْ، وَلا أُذُنٌ سَمِعَتْ، وَلا خَطَرَ عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ ذُخْرًا بَلْهَ مَا أُطْلِعْتُمْ عَلَيْهِ» ثمَّ قَرَأَ {فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} . ))
الإنسان حينما يكتشف أنه خسر الآخرة يُصْعَق، تصوَّر إنساناً له بيت، وله عمل تجاري، وله مركبة، وله معمل، وله مكان بالمصيف، لو بلغه خبر أن كل هذه الممتلكات المنقولة وغير المنقولة صودرت، وأنه لا يملك ثمن رغيف خبز، هذا الخبر كم هو صاعق؟
الآخرة؛ الإنسان إذا خسر الآخرة خسر كل شيء، لذلك ورد في الأثر القدسي: ابن آدم اطلبني تجدني، فإذا وجدتني وجدت كل شيء، وإن فتك فاتك كل شيء، وأنا أحبُّ إليك من كل شيء.
لو جُمِعَت مصائب الدنيا كلها في إنسان وربح الآخرة فهو أكبر رابح، ولو جُمِعت أموال الدنيا كلُّها لإنسان وخسر الآخرة فهو أكبر خاسر، هذا المعنى أشار إليه الإمام عليّ كرَّم الله وجهه، قال لابنه الحسن: "يا بني ما خيرٌ بعده النار بخير، وما شر بعده الجنة بشر، وكل نعيمٍ دون الجنة محقور، وكل بلاءٍ دون النار عافية" .
إنسان أعمى، أصم، أبكم، مقطوع اليدين والرجلين، يجلس على قارعة الطريق يتسوَّل، يطلب من الناس أن يضعوا في فمه لقمة طعام، لو أن هذا الإنسان ربح الآخرة ربح كل شيء، ولو إنسان كأغنياء العالم أموالهم لا تعدُّ ولا تُحصى، الآن يوجد إنسان بأمريكا حجمه المالي خمسون مليار دولار، هذا إذا خسر الآخرة ما ربح شيئاً أبداً، فقضية الآخرة أخطر ما في الدين موضوع الآخرة، يجب أن يدخل في حساباتنا اليومية، إذا ربحت الدنيا وخسرت الآخرة ما ربحت شيئاً، وإذا خسرت الدنيا وربحت الآخرة ربحت كلَّ شيء، فالويل هو الهلاك، هذا إنسان هلك، لهذا يُقال: كفاك على عدوِّك نصراً أنه في معصية الله، سيدنا عمر كان يقول إذا أصابته مصيبة: "الحمد لله إذ لم تكن في ديني" ، ما دام على شيء من الهدى، وعلى استقامة وفق منهج الله، ولك عمل صالح تلقى الله به، أنت أغنى الأغنياء، أنت أسعد السعداء، أنت الإنسان الموفَّق.
باب التوبة مفتوح على مصراعيه:
قبل يومين أحد إخوتنا الكرام توفِّي والده، وقفت على قبره قلت هذه الحقيقة، قلت للإخوة المشيِّعين: اعلموا أن ملك الموت قد تخطَّانا إلى غيرنا وسيتخطَّى غيرنا إلينا-كلام سيدنا عمر-فلنتخذ حذرنا.
كلام رسول الله:
(( عَنْ شَدَّادِ بْنِ أَوْسٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: الْكَيِّسُ مَنْ دَانَ نَفْسَهُ -ضبطها وحاسبها-وَعَمِلَ لِمَا بَعْدَ الْمَوْتِ، وَالْعَاجِزُ مَنْ أَتْبَعَ نَفْسَهُ هَوَاهَا، وَتَمَنَّى عَلَى اللَّهِ. ))
[ الترمذي : حكم المحدث : صحيح ]
ثم قلت: العقلُ كل العقلِ، والذكاءُ كل الذكاءِ، والفلاحُ كل الفلاحِ، والتفوّق كل التفوق، والتوفيق كل التوفيق أن تُعِدّ لهذه الساعة ساعة نزول القبر التي لابدَّ منها، كيف تُعِدُّ لها؟ بالتوبة.
باب التوبة مفتوح، كيف تعدُّ لها؟ بطلب العلم، أبواب المساجد مفتَّحة على مصارعها، وهذا من فضل الله علينا في هذه البلدة، دروس العلم قائمة على قدم وساق، مفتحةٌ أبواب المساجد لكل طالب علم وبلا مقابل، أن تطلب العلم.
2 ـ أن تحمل نفسك على طاعة الله:
على الإنسان أن يحمل نفسه على طاعة الله.
أن تتقرَّب إلى الله بخدمة عباده فأنت أسعد السعداء، أنت الموفَّق، وأنت الذكي، وأنت العاقل، وأنت الفالح، وأنت الناجح، وأنت الراشد، هذه أهم حقيقة في الدين اليوم الآخر، لا يوجد إنسان إلا وسيلقى هذا اليوم، يدخل إلى المسجد ليصلِّي دائماً وفي مرة واحدة لابدَّ من أن يدخله ليُصَلَّى عليه، ويخرج من بيته ويعود طوال حياته إلا خروجاً واحداً بلا عودة، فهذه الساعة الحرجة ينبغي ألا نُفَاجأ بها، ينبغي أن نُعِدَّ لها، ينبغي أن نُعدّ لها العمل الصالح، والدليل:
﴿ حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ (99) لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (100)﴾
ما معنى ويل؟ قد تسكن في أرقى بيت في الأرض، هناك أغنياء بالعالم عندهم يُخوت في البحار، طائرات خاصَّة، عندهم أملاك مخيفة، ومع ذلك ماتوا، وتركوا كل شيء في ثانيةٍ واحدة، العبرة أن يكون لك عند الله مقعد صدقٍ عند مليكٍ مقتدر، العبرة أن يكون لك حظّ في الآخرة، أن يكون لك شيء ينتظرك في الآخرة، أما أن تعيش للدنيا؛ وأما أن تكون كل مكتسباتك في الحياة الدنيا فأنت أكبر مُقامر، لأن كل شيء تملكه -وكلامي دقيق جداً-منوطٌ بلمعة الشريان التاجي، هذه اللمعة مليمتر فإذا ضاقت انتهت الحياة، كل شيء تملكه منوطٌ بسيولة الدم فإذا تجمَّد الدم انتهى كلُّ شيء، كلُّ شيءٍ تملكه منوطٌ بنمو الخلايا فإذا اضطرب نمو الخلايا فقدت كل شيء، والحياة بين أيديكم، وقِصَص المرض والموت بين أيديكم كل يوم بالمئات، إذاً معنى ويل الهلاك، الهلاك المدمِّر.
﴿ قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا (103) الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا (104)﴾
قال: المؤمن يصبح وأكبر همه الآخرة، فمن أصبح وأكبر همه الآخرة جعل الله غناه في قلبه، وجمع عليه شَمْلَه، وأتته الدنيا وهي راغمة، ومن أصبح وأكبر همه الدنيا جعل الله فقره بين عينيه، وشتت عليه شمله، ولم يؤته من الدنيا إلا ما قُدِّر له.
هناك مثل يقول: لا تضع البيض كله في سلةٍ واحدة، إذا الإنسان كل شيء يملكه وضعه في الدنيا ولم يعبأ بالآخرة هذا أكبر مقامر.
رجل حدَّثني عنه أخ كريم أراد أن يسكن في بيت فخم فاشترى بلاطة -بتعبير تجَّار الأبنية-في شارع برنية في الطابق الثاني عشر، وبقي يكسو هذين البيتين سنواتٍ عديدة حتى اكتملت كسوة هذين البيتين، وأصبح البيتان كجنةٍ على وجه الأرض، بعد أن انتهت كسوة هذين البيتين وافته المَنِيَّة بعد أسبوعٍ من انتهاء العمل، هذه هي الدنيا، تغرُّ وتضرُّ وتمرّ، وكان عليه الصلاة والسلام إذا رأى بيتاً فخماً ،إذا رأى شيئاً فارهاً يقول:
(( عن أنس بن مالك: اللَّهُمَّ إنَّ العَيْشَ عَيْشُ الآخِرَةِ قالَ شُعْبَةُ: أو قالَ: اللَّهُمَّ لا عَيْشَ إلَّا عَيْشُ الآخِرَة، فأكْرِمِ الأنْصارَ والْمُهاجِرَة. ))
﴿ لِمِثْلِ هَذَا فَلْيَعْمَلِ الْعَامِلُونَ (61)﴾
﴿ خِتَامُهُ مِسْكٌ وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ (26)﴾
الفوز الحقيقي أن يكون لك مكان في الجنة:
سباق الدنيا سباقٌ أحمق، لأن الموت ينهي كل شيء، في الدنيا لا يوجد فائز، لأن الغني سيموت والفقير سيموت والموت يجمع بينهما، والقوي سيموت والضعيف سيموت والموت يجمع بينهما، والصحيح سيموت والمريض سيموت والموت يجمع بينهما، لا يوجد فوز، الفوز أن تصل إلى دار السلام بسلام، الفوز أن تحجُز مكاناً في الجنة، هذا الفوز، الحياة الأبدية وعطاء الله عزَّ وجل عطاءٌ أبدي، ولا يليق بحضرة الله عزَّ وجل أن يكون عطاؤه في الدنيا، هذه الدنيا لو أن الدنيا تعدل عند الله جناح بعوضة ما سقى الكافر منها شربة ماء، دعاء سيدنا إبراهيم:
﴿ وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا بَلَداً آمِناً وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُمْ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ قَالَ وَمَنْ كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلاً ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلَى عَذَابِ النَّارِ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (126)﴾
الجاذبية من نعم الله على الإنسان:
﴿ وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (24) أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ كِفَاتاً (25)﴾
هذه آية الجاذبية، كَفَتَ الشيء سقط سريعاً، ﴿أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ كِفَاتاً﴾ يوجد بالأرض نعمة لا نعرفها إلا إذا سافرنا إلى القمر، وفيما بين الأرض والقمر منطقةٌ تسمَّى منطقة انعدام الجاذبية، لا تعرف نعمة الجاذبية إلا في هذه المنطقة، أي شيءٍ تضعه على الطاولة يستقر، لأن له وزناً، ما هو الوزن؟ قوة جذب الأرض إلى هذا الشيء، فالأثاث في البيت في مكانه، الأدوات، الحاجات، الإنسان يمشي مطمئناً، لولا أن الأرض تجذب الأشياء التي على سطحها إلى مركزها لما استقر شيء على وجه الأرض: ﴿أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ كِفَاتاً﴾ الآن أنت وزنك، ما معنى وزنك؟ وزنك أي قوة جذب الأرض لك، لو ذهبت إلى القمر لكان وزنك السدُس، الذي وزنه عبارة عن ستين كيلو في الأرض وزنه عشرة بالقمر، معنى ذلك أن الوزن شيء نسبي، وزن الإنسان بحسب الكوكب الذي يسكن فيه، فهذا الوزن من نِعَم الله الكبرى، بالوزن تستقر حياتنا، روَّاد الفضاء في المركبة الفضائية استيقظوا وجدوا أنفسهم في السقف، لأنه لا يوجد وزن، بدأ نومه على السرير ثم وجد نفسه في السقف، في سقف المركبة، يمسك الحاجة تطير من يديه يتبعها، الحياة لا تطاق من دون وزن، ﴿أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ كِفَاتاً﴾ الأشياء تستقر عليها.
استقرار الأرض يدل على عظمة الخالق:
يوجد آية أخرى:
﴿ أَمَّنْ جَعَلَ الْأَرْضَ قَرَارًا وَجَعَلَ خِلَالَهَا أَنْهَارًا وَجَعَلَ لَهَا رَوَاسِيَ وَجَعَلَ بَيْنَ الْبَحْرَيْنِ حَاجِزًا أإله مَعَ اللَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (61)﴾
من جعلها مستقرة؟ الأرض تدور، تدور حول نفسها، بالثانية تدور ثلاثين كيلو متر، بالدقيقة ثلاثة ضرب ستة يساوي ثمانية عشر وصفران ألف وثمانمئة كيلو متر بالدقيقة، بالعشر دقائق أحد عشر ألفاً وثمانمئة كيلو متر، من أول ما بدأت إلى الآن يوجد عشرون دقائق، حوالي اثنين وعشرين ألف كيلو متر نحن مشينا حتى الآن، ومع ذلك الأرض مستقرة، الجامع كما هو، لا يوجد فيه شقوق، لا يوجد اضطراب، لا يوجد اهتزاز، ﴿أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ كِفَاتاً﴾ الأرض مستقرة والأشياء التي عليها تنجذب إليها فإذا هي مستقرَّة، الإنسان أحياناً لو كان ميِّتاً جسمه ينجذب إلى الأرض، ولو كان كائناً حياً يتحرك مع حركته جسمه ينجذب إلى الأرض.
﴿ أَحْيَاءً وَأَمْوَاتاً (26)﴾
الجبال من آيات الله الدالة على عظمته:
﴿ أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ كِفَاتاً (25) أَحْيَاءً وَأَمْوَاتاً (26) وَجَعَلْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ شَامِخَاتٍ وَأَسْقَيْنَاكُمْ مَاءً فُرَاتًا (27)﴾
هذه الجبال من آيات الله الدَّالة على عظمته، قال بعض علماء الجيولوجيا: إن الأرض طبقات، وفي أثناء دوران الأرضِ الأرض ما دامت طبقات، والطبقات متفاوتة في الكثافة، فدوران الأرض يجعلها مضْطربة لأن عطالة كل مادة خاصَّة بها، كما لو جئت ببيضة غير مسلوقة وحاولت أن تجعلها تدور لا تدور، لأن الصفار غير البياض، الصفار له كثافة والبياض له كثافة، والصفار له عطالة، والبياض له عطالة، أما إذا سلقت البيضة تدور تتجانس.
الأرض طبقات متفاوتة، هذه الجبال جُعِلَت كالأوتاد تجمع الطبقات بعضها إلى بعض فتجعلها كتلةً واحدة، الله عزَّ وجل ذكر أنه جعل الجبال أوتاداً، والجبل أيضاً ثُلُثا ارتفاعه مغروسٌ تحت الأرض لأنه وتد، وتد الخيمة ظاهر منه عشرين سنتيمتراً، أما يوجد أربعون سنتيمتراً مغروس بالأرض، وكذلك الجبل، والجبل جُعِلَ مِرساةً، كيف أن العجلة إذا دارت دورةً سريعةً تضطرب فلابدَّ لها من أوزان توضع في أماكن محددة تجعلها تستقر مع الدوران السريع، الله عزَّ وجل جعل الجبال:
﴿ وَأَلْقَى فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ وَأَنْهَارًا وَسُبُلًا لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (15)﴾
وجعل الجبال مصدَّات للرياح.
وجعل الجبال مناطق باردة يلجأ إليها الناس في أيام الحر، وجعل الجبال تزيد في مساحة الأرض، وجعل الجبال مناطق جمالية في الأرض، حدِّث عن الجبال ولا حرج.
الإعجاز العلمي في القرآن الكريم:
أعلى جبل في الأرض هملايا، لو جئنا بكرة قطرها متر، أعلى جبل في العالم يُمَثَّل على هذه الكرة بسنتيمتر واحد، أعلى جبل في العالم يُمَثل على كرةٍ أرضيةٍ صغيرةٍ قطرها متر بسنتيمتر واحد، وأعمق نقطة في الأرض هي غور فلسطين، وفيها جرت المعركة بين الروم والفرس، وقال الله عزَّ وجل:
﴿ غُلِبَتِ الرُّومُ (2) فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ (3)﴾
قبل أن نكتشف أن هذا الغور هو أعمق نقطة في الأرض كلها ربنا عزَّ وجل ذكر هذا في القرآن الكريم، الآن بعد اكتشاف أشعة الليزر عُرف أن أخفض نقطة على الإطلاق غَوْر فلسطين، أما في كتاب الله فلمعركة تمَّت في غور فلسطين قال تعالى: (غُلِبَتِ الرُّومُ * فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ * فِي بِضْعِ سِنِينَ لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ﴾ هذا من إعجاز القرآن العلمي.
﴿ أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ كِفَاتًا (25) أَحْيَاءً وَأَمْوَاتًا (26) وَجَعَلْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ شَامِخَاتٍ وَأَسْقَيْنَاكُمْ مَاءً فُرَاتًا (27)﴾
وأغلب الآيات التي فيها ذكرٌ للجبال فيها ذكرٌ للأنهار، لأن هذه الأنهار مستودعاتها في الجبال، وذكرت لكم من قبل أن بعض الأنهار في أمريكا الأمازون غزارته ثلاثمئة ألف متر مكعب بالثانية، أين المستودعات؟ نظام السوائل نظام ثابت في الأرض، السائل لا يسير إلا من مكان مرتفع إلى مكان منخفض، فلابدَّ لكل نهرٍ يجري من مستودعٍ في مكانٍ مرتفع وإلا لا يجري.
إذاً هذه الأنهار في الأرض، الأمازون، الميسسبي، نهر النيل، نهر الفرات، هذه أنهار لها مستودعات ضخمة جداً، الله عزَّ وجل جعل الجبال مستودعاتٍ للأنهار، وقد يتخيَّل أحدنا أن الجبل مجوَّف وفيه ماء، لو أنه مجوف وفيه ماء لكان ضغط الماء قد صدَّع الجبل، ولكن الجبل في داخله صخور إسفنجية بحيث أن هذه الصخور تمنع تصدُّع الجبل، وهذه الصخور تنْحَلُّ في الماء، لذلك المياه المعدنية لابدَّ منها، المياه غير المعدنية غير صالحةٍ للشرب، وفي كل مشاريع التحلية لابدَّ من أن يُخْلَط ماء التحلية مع مياه الآبار، لابدَّ من أجل أن يكون الماء منحلاً فيه بعض المعادن الأساسية.
الماء من نعم الله الكبرى:
ربنا عزَّ وجل جعل الماء آيةً دالةً على عظمته، مستودعات المياه، تمّ إنشاء مستودع تقليداً لمستودعات المياه الطبيعية تحت سطح الأرض بأربعمئة متر ليكون تقليداً بسيطاً لمستودعات المياه في الجبال وإلا صار الماء آسناً، المستودع يجب أن يكون في ظلام تام، وفي بعد عن التأثيرات السطحية، لذلك مستودع مياه الفيجة، هذا النبع الذي أكرم الله به هذه المدينة الطيبة، هذه النبع حجمه إلى حمص، نصف لبنان تحت حوض هذا النبع، وحدوده الشرقية إلى خط دمشق حمص، قريب من البادية، فمستودع هذا النهر الجيولوجي تقريباً من عين الفيجة إلى حمص، ومن تدمر أو قبل تدمر بقليل إلى جنوب لبنان، هذا النبع فتحته في عين الفيجة، غزارته تصل إلى أربعة وعشرين متراً مكعباً في الثانية، يسقي هذه المدينة المترامية الكبيرة، ولولا هذا النبع لما كان لهذه المدينة من معنى، لذلك الآية الكريمة: ﴿وَأَسْقَيْنَاكُمْ مَاءً فُرَاتاً﴾ ماء مُحَلَّى، ماء عذب، فرات، مستساغ، مُقَطَّر، منحلةٌ فيه المعادن، أمسك أي زجاجة ماء معبَّأة، يقول لك: بوتاسيوم، منغنيز، كالسيوم، في الماء اثنا عشر معدن تقريباً، يقول لك: مياه معدنية، ولا يصلح للإنسان إلا المياه المعدنية.
لذلك الماء من نعم الله الكبرى، وهذا الماء له خصائص عجيبة جداً، إذا أراد أن يتمدد عند التبريد لا توجد قوة في الأرض تقف أمامه، ضعه في محرِّك سيارة من أعلى الخلائط المعدنية، أنواع الفولاذ المُطَرَّق القاسي المُعالج، ينشطر المحرِّك شَطْرَين إذا تجمَّد الماء في ثناياه، والآن أحدث طريقة لقلع الرخام إحداث ثقب وإملاؤه بالماء، ثم تبريد الماء، حينما يُبَرَّد الماء ينقطع الصخر من أصله، والماء لا يُضغط، ثمانمئة طن وضِعت على متر مكعب ماء ما ضُغِطت ولا ميليمتر، له سيولة عجيبة، يتبخَّر في الدرجة الرابعة عشرة، لا يوجد سائل ينساب في أدق المسامات كالمياه، سيولة، تبخر، لا يُضغط، على التبريد يزداد حجمه، وهذه الخاصَّة لولا أن الماء إذا برَّدته يزداد حجمه لما كان من كائنٍ على سطح الأرض، قانون للماء مستثنى من كل عناصر الأرض.
كل عناصر الأرض إذا برَّدتها تنكمش أبداً، إلا الماء، القانون مطبقٌ عليه حتى الدرجة +4، إذا برَّدت الماء ينكمش، إلى الدرجة +4، فإذا تابعت التبريد يزداد حجمه، لولا هذه الخاصَّة لما كان على وجه الأرض كائنٌ حي، تأتي موجات صقيع شديدة تتجمَّد سطوح البحار، أما أعماق البحار مياه دافئة فيها كل الكائنات الحية، أما لو كان الماء على التبريد تزداد كثافته فيهوي في أعماق المياه لتجمدت المحيطات كلها في مدة معينة، وأصبح التبخُّر مستحيلاً، والأمطار تنقطع، والنبات يموت، والحيوان يموت، والإنسان يموت، هذا الماء، ﴿وَأَسْقَيْنَاكُمْ مَاءً فُرَاتاً﴾ فالمؤمن حينما يشرب كأس الماء يقول: بسم الله، معنى بسم الله لولا أن الله جعله لك عذباً فراتاً لما شربته، وأحياناً في بلاد الماء غالٍ، ثمن الزجاجة ثلاثة ريالات، إذا كنت عطشاناً تشربها كلها دفعةً واحدة، الماء غال، بأكثر بلاد العالم الماء له ثمن، وإذا كان مُحَلَّى أغلى، أما حينما تشرب الماء العذب الفرات بلا ثمن فهذه نعمةٌ كبرى أنعم الله بها علينا.
عذاب الكافر الذي كذب بالنار:
﴿ وَأَسْقَيْنَاكُمْ مَاءً فُرَاتاً (27) وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (28) انْطَلِقُوا إِلَى مَا كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ (29)﴾
الكافر كذَّب بالنار، كذَّب بها، يقال له يوم القيامة: انطلق إلى التي كذَّبت بها:
﴿ انْطَلِقُوا إِلَى ظِلٍّ ذِي ثَلَاثِ شُعَبٍ (30) لَا ظَلِيلٍ وَلَا يُغْنِي مِنَ اللَّهَبِ (31)﴾
بعضهم قال: هناك استعارات القصد منها لفت نظر الكافر، سموها استعارة تهكُّمِيَّة، لو فرضنا أن شخصاً قال: سوف نبشِّرك بالرسوب، البشارة تُقال للناجح.
إنسان أنشأ ملهى، وفيه كل الموبقات، وبعد افتتاحه بأسبوع توفي، فقال بعضهم: هذا الملهى صدقةٌ جاريةٌ له إلى يوم القيامة، هذه استعارة، هو وبال جار إلى يوم القيامة، فبشرهم بعذابٍ أليم، لا يُبشَّر بالعذاب، ﴿انْطَلِقُوا إِلَى مَا كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ* انْطَلِقُوا إِلَى ظِلٍّ﴾ شيء مريح، ظل، الظل مُحَبَّب، ولا نعرف قيمة الظل إلا في أيام الحر كهذه الأيام، جاءت موجة حر إلى الخليج كانت درجة الحرارة أربعاً وثمانين تحت أشعة الشمس، وستاً وخمسين في الظل، قال: ﴿انْطَلِقُوا إِلَى ظِلٍّ ذِي ثَلَاثِ شُعَبٍ* لَا ظَلِيلٍ وَلَا يُغْنِي مِنَ اللَّهَبِ﴾ لا يَمنع عنك أشعة الشمس ولا وَهْجَ النار، ولا يقيك من لهب النار، فما هذا الظل؟ أي ظلّ هذا؟
﴿انْطَلِقُوا إِلَى ظِلٍّ ذِي ثَلَاثِ شُعَبٍ* لَا ظَلِيلٍ وَلَا يُغْنِي مِنَ اللَّهَبِ﴾ هذه النار مرةً سئل أحد كبار علماء الفضاء، رئيس مركز وكالة فضائية كُبرى في العالم، سئل عن الشموس؟ قال: "الشموس لها ثلاث أطوار، طورٌ تكون فيها حمراء، وطورٌ آخر تكون فيها بيضاء، وطورٌ آخر تكون فيها سوداء" كلام علمي محض، فشمسنا التي نحن نحوم حولها في المجموعة الشمسية هي حمراء الآن، لونها في النهار أحمر، هي في منتصف حياتها، لكن بعد حين هذه الشمس يزداد حجمها أكثر من مئة مرَّة، ثم تنكمش إلى أقل من ذلك وتغدو أشعتها بيضاء، والأشعة البيضاء ذات حرارة عالية جداً تفوق أضعاف مضاعفة عن الأشعة الحمراء، لكن بعد حين تدخل الشمس في مرحلة ثالثة سموها الانكماش، في هذه المرحلة تنكمش ذرات الشمس إلى درجة تصبح سرعة انكماشها أقوى من خروج الأشعة منها فتغدو سوداء، سموها علماء الفلك: الثقب الأسود، أما الثقب الأسود مقبَرَةُ النَّجوم، أماكن ضغط عالية جداً في الكون.
قال العلماء: "لو أن الأرض انجذبت إلى أحد الثقوب السوداء لأصبحت بحجم البيضة مع الوزن نفسه" هذه الحقيقة عمرها سنوات، مراحل تطوّر الشموس: المرحلة ذات اللون الأحمر، إلى مرحلة ذات لون أبيض، إلى مرحلة تصبح مقبرة ذات لون أسود، والنبي عليه الصلاة والسلام في الحديث الصحيح يقول:
(( عن أبي هريرة: أُوقِد على النَّارِ ألفَ سنةٍ حتَّى احمرَّت، ثمَّ أُوقِد عليها ألفَ سنةٍ حتَّى ابيضَّت، ثمَّ أُوقِد عليها ألفَ سنةٍ حتَّى اسودَّت، فهي سوداءُ كاللَّيلِ المُظلِمِ. ))
[ الترغيب والترهيب :خلاصة حكم المحدث :إسناده صحيح أو حسن ]
هذه حقيقة أنَّ الشمس تسير من طَور أحمر، إلى طَور أبيض، إلى طَور أسود، ولعلَّ هذه النار نار جهنم كما جاءت في وصف النبي عليه الصلاة والسلام هي سوداء من شدة اتّقادها وارتفاع حرارتها .
﴿ انْطَلِقُوا إِلَى ظِلٍّ ذِي ثَلَاثِ شُعَبٍ (30) لَا ظَلِيلٍ وَلَا يُغْنِي مِنَ اللَّهَبِ (31) إِنَّهَا تَرْمِي بِشَرَرٍ كَالْقَصْرِ(32)﴾
يبدو ظلاً أما هو فليس بظلّ.
حجم الشرارة الواحدة كالبيت، نحن في الدنيا حجم الشرارة ليس لها حجم تقريباً، أي أقل حجم ممكن هو حجم الشرارة، أثناء برد الحديد بمبرد آلي الشرار ينطلق منه كثيراً، أو أثناء إجراء بعض الأعمال الميكانيكية عن طريق الأوكسجين ينطلق شرار، هذا الشرار لا حجم له، صغير جداً، قال: في نار جهنم ﴿إِنَّهَا تَرْمِي بِشَرَرٍ كَالْقَصْرِ﴾ حجم الشرارة بحجم البيت.
﴿ كَأَنَّهُ جِمَالَةٌ صُفْرٌ (33)﴾
كأنه جملٌ أصفر اللون.
عدم قبول الاعتذار والمعاتبة يوم القيامة:
﴿ وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (34)﴾
هذا اليوم العصيب، هذا اليوم العسير الذي على الكافرين غير يسير:
﴿ هَذَا يَوْمُ لَا يَنْطِقُونَ (35)﴾
لأن الحجة قامت عليه، هذا اليوم ليس يوم عَتَبْ.
﴿ وَلَا يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ (36)﴾
أي إنسان ارتكب جريمة قتل، سيق إلى السجن، أُجريت له محاكمة، حكمه القضاة بالإعدام، ارتفع الحكم إلى محكمة النقض صُدِّق الحكم، ارتفع إلى مقام الرئاسة صُدِّق الحكم، ثم سيق المجرم للإعدام، وقبل أن يشنق هل من الممكن أن يعتذر؟ الاعتذار انتهى، هذا المقام ليس مقام اعتذار، إنه مقام تنفيذ الحكم، لذلك يحب أن يعتذر، يحب ألا يعتذر، يحب أن يضحك، يحب أن يبكي، يحب أن يضرب نفسه كلَّه سواء، وصل إلى طريق مسدود، فهذا الوقت وقت تنفيذ الحكم لا وقت اعتذار ومُعاتبة، لماذا فعلت هذا؟ أصلحك الله، هل يقال لإنسان سيشنق بعد دقيقة: لماذا فعلت هذا؟ أين عقلك؟ لا تؤاخذوني، سامحونا، هذه غير واردة إطلاقاً، لا يوجد مسامحة، ولا يوجد عفو، ولا يوجد اعتذار، ولا يوجد بيان أسباب مخففة، انتهى، هذا كلَّه أثناء المحاكمات، بعدما صدر الحكم وأصبح الإنسان على وشك تنفيذ الحكم قال: ﴿هَذَا يَوْمُ لَا يَنْطِقُونَ* وَلَا يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ﴾ أي الإنسان وصل إلى طريق مسدود، ومادام قلبه ينبض فإن الطريق غير مسدود، باب التوبة مفتوح:
(( عن أنس بن مالك قال اللهُ تعالى: يا ابنَ آدمَ ! إِنَّكَ ما دَعَوْتَنِي ورَجَوْتَنِي غَفَرْتُ لكَ على ما كان فيكَ ولا أُبالِي يا بنَ آدمَ ! لَوْ بَلَغَتْ ذُنُوبُكَ عَنانَ السَّماءِ ثُمَّ اسْتَغْفَرْتَنِي غَفَرْتُ لكَ ولا أُبالِي يا بنَ آدمَ! لَوْ أَتَيْتَنِي بِقُرَابِ الأرضِ خطَايا ثُمَّ لَقِيْتَني لا تُشْرِكْ بِيْ شَيْئَا لأتيْتُكَ بِقِرَابِها مَغْفِرَةً. ))
[ صحيح الترغيب حسن لغيره أخرجه الترمذي ]
﴿ قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (53)﴾
العبرة أن تأتيه وأنت في الدنيا تائباً، أما يوم القيامة لا يوجد عتاب، ولا يوجد اعتذار، ولا يوجد بيان أسباب مخففة، كلَّه انتهى، لا يوجد إلا تنفيذ العقاب، ﴿هَذَا يَوْمُ لَا يَنْطِقُونَ﴾ لماذا لا ينطق؟ لأن الله عزّ وجل منحه نعمة الوجود، وهو لم يقدِّر هذه النعمة، منحه نعمة الإمداد، ولم يقدر هذه النعمة، أعطاه عقلاً، أعطاه سمعاً وبصراً، أعطاه نطقاً، أعطاه يداً ورجلاً، أعطاه فكراً، أعطاه زوجةً، أعطاه أولاداً، أعطاه قدرةً على كسب المال، استخدم كلَّ هذا في الشهوات، وفي المعاصي والآثام، وفي بناء مجده على أنقاض الآخرين، وفي بناء غناه على فقر الآخرين، جاء يوم القيامة أمام الله مجرماً.
مثلاً: شخص يمشي في الطريق بعد صلاة الفجر نظر إلى الحاوية -حاوية القمامة-وجد فيها كيساً أسوداً يتحرَّك معنى هذا أنه طفل، أخذه فإذا هو طفل -وهذا شيءٌ وقع- أخذه إلى المستشفى إلى دار الأطفال، وضعه في الحاضنة، كَبَّره وأدخله روضة، ابتدائي، إعدادي، ثانوي، أدخله كلية الطب، جعله طبيباً، زوَّجه، اشترى له عيادة، اشترى له بيتاً، بعد كلَّ هذا الإحسان من الحاوية إلى أعلى درجة في المجتمع، بعد كل هذا الإحسان خانه، فعندما سيواجهه بهذه الخيانة لا يستطيع النظر إليه، أنتم انظروا إلى المجرمين حينما يُلَقى القبض عليهم عيونهم في الأرض، لا يستطيع المجرم أن ينظر هكذا لأنه مجرم.
هذا اليوم الله عزّ وجل منحه نعمة الوجود، ونعمة الإمداد، ونعمة الهدى والرَشاد، وسخَّر كلَّ طاقاته؛ عقله، وفكره، ولسانه، ويده، ورجله، وسمعه، وبصره في المعاصي والآثام، وفي الإضرار بالعباد، وفي سلبهم أموالهم بالباطل، وفي الكيد لهم، وجاء يوم القيامة، أحياناً الإنسان يكون له ابن، وشخص أنت أحسنت إليه وقد أساء لابنك ماذا تقول له؟ ماذا فعلت معك يا فلان حتى تقابلني بهذا؟ كلمة: ﴿لَا يَنْطِقُونَ﴾ شيء مخيف، الحجة قائمة على هذا الإنسان، لذلك ورد بالجامع الصغير: إن العار ليلزم المرء يوم القيامة حتى يقول: يا رب لإرسالك بي إلى النار أهون عليَّ مما ألقى.
يلقى عذاب الخزي، النار قائمة ولها لهيب، وسوف تلسع جلده، وسوف تأكل جلده، ومع ذلك: يا رب لإرسالك بي إلى النار أهون عليَّ مما ألقى، وإنه ليعلم ما فيها من شدة العذاب، العذاب النفسي شيء مخيف، أحياناً الإنسان حينما يندم وحينما يتألَّم قد لا يحتمل وجوده.
الله عز و جل يحكم بين عباده يوم القيامة:
﴿ هَذَا يَوْمُ لَا يَنْطِقُونَ (35) وَلَا يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ (36) وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (37) هَذَا يَوْمُ الْفَصْلِ جَمَعْنَاكُمْ وَالْأَوَّلِينَ(38)﴾
كل فئة في الأرض تدَّعي أنها على حق، وأنها على صواب، وأنها هي الأولى في العالَم، وأن كل هذه الشعوب والأمم والقبائل والطوائف والعشائر، كل فئة تدَّعي أنها هي الأولى، هي على حق، أما هذا اليوم يوم القيامة ربنا عزّ وجل يَفصل بينهم، المُبطِل يقال له: أنت مُبطِل، والمستقيم يقال له: أنت مستقيم، ﴿هَذَا يَوْمُ الْفَصْلِ جَمَعْنَاكُمْ وَالْأَوَّلِينَ﴾ الآن أحياناً على مستوى القضاء، متخاصمان كل واحد عنده محام، وأدلة، وشهود إثبات، وشهود نفي، ومذكِّرات، وكشف مباشر، ووصف هيئة راهنة، بعد هذا تُرفع للتدقيق، بعدئذ يأتي حكم القاضي ليفصل في هذه الدعوى، فلان مذنب وفلان براءة، الله عزّ وجل هو الذي يحكم بين عباده يوم القيامة.
﴿ هَذَا يَوْمُ الْفَصْلِ جَمَعْنَاكُمْ وَالْأَوَّلِينَ (38) فَإِنْ كَانَ لَكُمْ كَيْدٌ فَكِيدُونِ (39)﴾
﴿ وَقَدْ مَكَرُوا مَكْرَهُمْ وَعِنْدَ اللَّهِ مَكْرُهُمْ وَإِنْ كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ (46)﴾
﴿مَكَرُوا مَكْرَهُمْ﴾ في الدنيا ﴿وَعِنْدَ اللَّهِ مَكْرُهُمْ وَإِنْ كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ﴾ هذا في الدنيا، أما في الآخرة: ﴿فَإِنْ كَانَ لَكُمْ كَيْدٌ فَكِيدُونِ﴾ والله أهل الدنيا الكُفَّار يخططون ويتآمرون ويسعون لإفناء البشرية ليعيشوا هم وحدهم، مستعدون أن يفنوا أربعة أخماس البشرية ليعيشوا وحدهم في بحبوحة، لهم كيدٌ كبير، كلما رأوا جهة انتعشت تُحَطم، مرَّة عن طريق العملات، مرَّة عن طريق الحروب، مرَّة عن طريق افتعال خصومات، مناطق توتر في العالم، يكيدون للبشرية كلَّها، أما في الآخرة: ﴿فَإِنْ كَانَ لَكُمْ كَيْدٌ فَكِيدُونِ﴾ تفضَّل، الآن أين قوتك؟
﴿ وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (40)﴾
أما المؤمنون:
﴿ إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي ظِلَالٍ وَعُيُونٍ (41)﴾
ظلال حقيقية، تلك ليست حقيقية لعلها بالمعنى العلمي ظلال سوداء لأن نار جهنم في أعلى درجات الحرارة، انتقلت من حمراء، إلى بيضاء، إلى سوداء، ﴿انْطَلِقُوا إِلَى ظِلٍّ﴾ شيء أسود لكنه ليس ظلاً: ﴿ذِي ثَلَاثِ شُعَبٍ* لَا ظَلِيلٍ وَلَا يُغْنِي مِنَ اللَّهَبِ* إِنَّهَا تَرْمِي بِشَرَرٍ كَالْقَصْرِ* كَأَنَّهُ جِمَالَةٌ صُفْرٌ﴾ .
أما هنا:
﴿ إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي ظِلَالٍ وَعُيُونٍ(41)﴾
ظلال حقيقية وعيون ماء تجري أمامهم.
﴿ وَفَوَاكِهَ مِمَّا يَشْتَهُونَ (42) كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئاً بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (43)﴾
أي حضور مجالس العلم، الصلوات في المساجد، تعلُّم القرآن، تعليم القرآن، خدمة الخلق، الصدق، الأمانة، الاستقامة، الأذكار، الأوراد، غض البصر، معاونة أهل الحق، هذا كلّه مسجَّل، الآن: ﴿كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئاً بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾ انتهى وقت العمل والآن وقت الجزاء، انتهى وقت التكليف والآن وقت التشريف، انتهى وقت التعب والآن وقت المكافأة والجائزة، ﴿إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي ظِلَالٍ وَعُيُونٍ* وَفَوَاكِهَ مِمَّا يَشْتَهُونَ﴾ أي إنسان أمضى حياته في الدعوة إلى الله، توفي، تشعر أن هذه الوفاة وسام شرف، أي أمضى كلَّ حياته في تفسير القرآن وترك أثراً كبيراً في العالَم الإسلامي توفي لكنه جاء يوم القيامة معه عمل كبير، أما الذي سكن ببيوت فخمة، وركب مركبات فخمة، وتناول أطيب الطعام ومات، ما أخذ معه من هذا شيئاً، أما الذي ترك بصمات واضحة في المجتمعات الإسلامية أخذ معه كلَّ شيء.
﴿ كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئاً بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (43) إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (44)﴾
أنظرت إلى هذه الآية؟ هذه قانون، أي محسن إلى يوم القيامة هذا جزاؤه.
﴿ إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (44)﴾
﴿ وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (45)﴾
الآن عدنا إلى المكذِّبين، أما هنا فيوجد تهديد:
﴿ كُلُوا وَتَمَتَّعُوا قَلِيلاً إِنَّكُمْ مُجْرِمُونَ (46)﴾
﴿ أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَخْشَوْنَ النَّاسَ كَخَشْيَةِ اللَّهِ أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً وَقَالُوا رَبَّنَا لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا الْقِتَالَ لَوْلَا أَخَّرْتَنَا إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ قُلْ مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ لِمَنِ اتَّقَى وَلَا تُظْلَمُونَ فَتِيلًا (77)﴾
الآن لاحظ أن الإنسان من وقت ما يستطيع أن يقف على قدميه بالأربعين، درس، تعب، توظَّف، جمع، اشترى بيتاً، تزوَّج، صار له بيت صغير جداً، ودخل معقول، وله مكانة اجتماعية متواضعة بالأربعين، معترك المنايا بين الستين والسبعين، أي بقي له نصف المدة، وهذه تمضي سريعاً، إذا سَلِمَت من مرض خبيث، من مرض في القلب، من مشكلة، من غلطة دخل بها السجن، أي قلّما ينجو إنسان من مشكلة، ثم يُفَاجأ أن أجله قد أتى، أنتم كلما رأيتم نعوة اسألوا كم عاش هذا الإنسان؟ اثنتان وأربعون، سبعة وثلاثون، خمسة وعشرون، ستون ما شاء الله، معنى هذا أنه مُعَمر، سبعون، سيدي يعيش مئة عام لابدَّ من نزول القبر:
(( أتاني جبريلُ عليه السَّلامُ فقال: يا محمَّدُ! عِشْ ما شئتَ فإنَّك ميِّتٌ، وأحبِبْ من شئتَ فإنَّك مفارقُه، واعمَلْ ما شئتَ فإنَّك مجزِيٌّ به، ثمَّ قال: يا محمَّدُ! شرفُ المؤمنِ قيامُه باللَّيلِ ، وعِزُّه استغناؤُه عن النَّاسِ. ))
[ الطبراني عن محمد بن عيينة ]
كل مخلوق يموت ولا يبقى إلا ذو العزة والجبروت.
والليل مهما طال فلابد من طلوع الفجر والعمر مهما طال فلابد من نزول القبر
[ صالح بن محمد بن عبد الله ]
كل ابن أنثى وإن طالت سلامته يوماً على آلة حدباء محمول
فإذا حملت إلى القبـــور جنـازة فاعـلم بأنـك بعدهـا محمـول
الكِبر عند الله أشدّ من معصية الغلبة:
﴿ كُلُوا وَتَمَتَّعُوا قَلِيلًا إِنَّكُمْ مُجْرِمُونَ (46)﴾
اسمعوا الآية:
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ أَرَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الْآخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ (38)﴾
﴿أَرَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الْآخِرَةِ﴾ أنت قَبِلت بها؟ ﴿فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ﴾ ، "الدنيا ساعة اجعلها طاعة، والنفس طمَّاعَة عَوِّدها القناعة" .
﴿ أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَخْشَوْنَ النَّاسَ كَخَشْيَةِ اللَّهِ أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً وَقَالُوا رَبَّنَا لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا الْقِتَالَ لَوْلَا أَخَّرْتَنَا إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ قُلْ مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ لِمَنِ اتَّقَى وَلَا تُظْلَمُونَ فَتِيلًا (77)﴾
رحمة الله بنا:
﴿ إِلَّا تَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا وَيَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ وَلَا تَضُرُّوهُ شَيْئًا وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (39)﴾
إذا لم تنتبهوا: ﴿وَيَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ وَلَا تَضُرُّوهُ شَيْئاً﴾، ﴿كُلُوا وَتَمَتَّعُوا قَلِيلاً إِنَّكُمْ مُجْرِمُونَ﴾ .
﴿ إِنَّ هَؤُلَاءِ يُحِبُّونَ الْعَاجِلَةَ وَيَذَرُونَ وَرَاءَهُمْ يَوْماً ثَقِيلاً (27)﴾
﴿ إِنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَالَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ الْأَنْعَامُ وَالنَّارُ مَثْوًى لَهُمْ (12)﴾
﴿ وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ(47) وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ ارْكَعُوا لَا يَرْكَعُونَ (48)﴾
يستنكفون عن عبادة الله، تتأبَّى نفوسهم أن يطيعوه، والعلماء قالوا: معصية الكِبر أشدّ عند الله من معصية الغَلَبة.
الإنسان أحياناً يُغلب ويعصي، هذا أقرب للتوبة من الثاني، الثاني تأبى نفسه أن يطيع الله عزّ وجل، لا يُصلي، لا يغضُّ بصره، لا يخضع لأوامر الشرع الحنيف، قال:
﴿ وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ ارْكَعُوا لَا يَرْكَعُونَ (48)﴾
همّ المؤمن الأول أن يتبع حكم الله:
أما علامة المؤمن:
﴿ وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا (36)﴾
المؤمن همَّه الأول أن يتَّبع حكم الله عزّ وجل، هنا افعل يفعل، لا تفعل لا يفعل، هنا أعط يعطي، لا تعط لا يعطي، همُّه الأول تتبُّع حكم الله عزّ وجل.
﴿ وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ ارْكَعُوا لَا يَرْكَعُونَ (48) وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (49)﴾
العلماء قالوا: كل هذه الآيات المتكررة كل واحدة متعلِّقة بما قبلها وما بعدها، أي العبارة واحدة أما كل واحدة متعلِّقة بالتي قبلها تارةً والتي بعدها تارةً أخرى.
الإيمان أساسه الإرادة الداخلية:
﴿ وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (49) فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ (50)﴾
كتابٌ لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه واضحٌ كالشمس.
﴿ الر كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ (1)﴾
فيه أمر، وفيه نهي، وفيه وعد، وفيه وعيد، وفيه وصفٌ لحال أهل الجنة، وصف لحال أهل النار، فيه بيان لحال الشعوب السابقة كيف أُهلِكت، وكيف نجحت، كل شيء في هذا الكتاب: ﴿فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ﴾ أي الإنسان إذا أراد الإيمان كل شيءٍ يدلُّه على الله، وإذا انصرف عن الحق لو التقى بالنبي عليه الصلاة والسلام، لو رأى هذا القرآن يتنزَّل من السماء لا يؤمن، هو أراد الدنيا، لذلك الإيمان أساسه إرادة داخلية، أنت حينما تريد أن تؤمن كل شيء يدلُّك على الله، أما إذا عزفت عن الإيمان لو رأيت أعظم الآيات فإنك لا تنتفع بها: ﴿فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ﴾ .
الملف مدقق