- تفسير القرآن الكريم / ٠2التفسير المطول
- /
- (016)سورة النحل
الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة والتسليم على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا، إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا، وزدنا علماً، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.
أيها الإخوة المؤمنون، مع الدرس التاسع من سورة النحل، وصلنا في الدرس الماضي إلى قوله تعالى:
﴿ وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنْ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ
وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنْ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ
الفائدة من تنكير (أمة) و (رسولا):
إرسال الرسل من رحمة الله بعباده :
﴿ وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ
أي: لابد من أن يكون على وجه الأرض رجلٌ يدل الناس على الله -سبحانه وتعالى-.
ملخَّص دعوة الأنبياء : عبادة الله وحده :
على كلٍ: دعوة الأنبياء جميعاً، ودعوة الرسل جميعاً مُلخَّصةٌ في هذه الكلمة:
﴿ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ(56) ﴾
العبادة هي الهدف الأكبر لإرسال الرسل.
ما هو الطاغوت ؟
وبعضهم قال: كل من طغى عن طريق الحق؛ أي خرج عنه، كل من طغى وبغى، وتجاوز الحد الذي رسمه الله -عز وجل- فهو طاغوت، وَاللَّه -سبحانه وتعالى- يأمرنا أن نجتنبه، والاجتناب أبلغ من الترك، أمرنا ربنا -سبحانه وتعالى- أن نجتنب الخمر، واجتناب الخمرة أبلغ من تركها، لأنك إذا جلست في مكان فيه خمر فأنت آثم، إذا صاحبت رجلاً يشرب الخمر فأنت آثم، إذا تعاملت بها كبضاعة فأنت آثم، لعن الله شاربها، وبائعها، وحاملها، والمحمولة إليه، فالاجتناب يعني شيئاً أكبر من الترك، فالطاغوت يجب أن تدع بينك وبينه هامش أمان، فكل من خرج عن طريق الحق، وخرج عن الصراط المستقيم، كل من طغى، كل من بغى فهذا طاغوت يجب أن تجتنبه.
﴿ وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمْ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ ثُمَّ لَا تُنصَرُونَ(113) ﴾
أن تركن إليه، أن تقيم بينك وبينه علاقاتٍ حميمة، أن تمضي معه ساعات طويلة، أن تستشيره، هذا ليس اجتناباً.
الإيمان مرتبة علمية جمالية أخلاقية :
وما من إنسانٍ على وجه الأرض إن لم يعرف الله -سبحانه وتعالى- إلا وله خريف عمر، يذوي عوده، تنحط قواه، يميل إلى الراحة، ينسحب من المجتمع، إلا المؤمن، فكلما ازداد عمره سنة ازداد نشاطاً، وازداد إقبالاً، وازداد طاعةً، وازداد معرفةً، وازداد مكانةً، لذلك قالوا: "المؤمن لا يشيخ"، يشيخ جسمه، ولا تشيخ نفسه، لأن هدفه كبير، وهدفه أكبر من حاجاته، أما أهل الدنيا إذا حصل على مبلغٍ وفير، وبيتٍ كبير، وفراشٍ وثير اطمأنّ، وقعد، لكن المؤمن لا يشغله شيء عن طاعة الله.
﴿ رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ(37)﴾
" ثلاثة أنا فيهن رجل، وفيما سوى ذلك أنا واحد من الناس، ما صليت صلاةً فشُغِلت نفسي بغيرها حتى أقضيها، ما سرتُ في جنازة فحدثت نفسي بغير ما تقول حتى أن أنصرف منها، ما سمعت حديثاً من رسول الله -صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إلا علمت أنه حق من الله -سبحانه وتعالى- ".
فالإنسان له عمر زمني، وهذا من أتفه الأعمار، وله عمر عقلي، وله عمر انفعالي، وله عمر تحصيلي، وله عمر إيماني، وعمره الإيماني من أثمن الأعمار.
﴿ لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ(72) ﴾
أقسم الله -سبحانه وتعالى- بعمر نبيه الثمين، فهذا العمر كيف تمضيه؟ هل تقول لِمَن يدعوك إلى لهوٍ، أو تضييع وقت، أو إلى عملٍ سخيف لا طائل منه، هل تقول له: لم أُخلَق لهذا؟ " إن ساعة تمضي في غير ما خُلقتَ له لجديرٌ أن تطول عليها الحسرة يوم القيامة"، هذا قول الإمام الغزالي.
فلذلك: العبادة معرفةٌ، وطاعةٌ، وسعادةٌ، جانبٌ عقلاني، وجانبٌ أخلاقي، سلوكي، تعاملي (تكيُّف) وجانب نفساني، فالمؤمن عالمٌ، وأخلاقيٌّ، وسعيدٌ، إن لم تكن كذلك فابحث عن وسائل يرقى بها إيمانك.
فَمِنْهُمْ مَنْ هَدَى اللَّهُ وَمِنْهُمْ مَنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلَالَةُ
مِن الناس الذين أُرسِلت إليهم الرسل، مِن هؤلاء الناس مَن هدى الله، ومِن هؤلاء الناس مَن حقت عليهم الضلالة، لكن السؤال الدقيق: لمَ لمْ يقل الله -عز وجل-: فمنهم مَن هدى الله، ومنهم مَن أضلّ الله، أو لمَ لمْ يقل: منهم مَن حق لهم الهدى، ومنهم مَن حقت عليهم الضلالة؟
انظروا إلى دقة القرآن وبراعته :
لماذا في موضوع الهدى قال الله -عز وجل-:
لو أن معلماً مخلِصاً بذلَ جهداً كبيراً في إعداد الدروس، وفي توضيح الحقائق، وفي ضبط التلاميذ، وفي متابعة وظائفهم، كان يمضي ساعاتٍ طويلة يُعدّ الدروس، ويأخذ الدفاتر ليصحّحها في البيت، ويجلس مع كل طالب ليوضح له أغلاطه، فإذا مضى عامٌ والمدرِّس يفعل هذه الجهود الجبارة من أجل أن يرقى بتلاميذه إلى المستوى المطلوب، فالفضل عائدٌ لمَن ؟ لهذا المدرّس، لكن الطالب الذي لم يداوم، أيكون المدرس قد حرمه؟ لا والله، قوانين التربية والتعليم، طبيعة التعلم تقتضي أن يبقى هذا الطالب جاهلاً، لأنه لم يداوم، فالضلال حقَّ عليه، بمعنى أن بُعْده عن قاعة الدرس، واستنكافه عن الدوام جعله في جهالة، فحقت عليه الجهالة، وحقت عليه الضلالة، يجب أن يرسب، لا لأن المعلم حرمه من النجاح، لا، الذي داوم استفاد فائدة ما بعدها فائدة من المعلم، والذي أبى أن يداوم، أبى أن يلتحق بهذه المدرسة، حقّت عليه الضلالة، وهذا شيء طبيعي.
إن اهتديت إلى الله -عز وجل- فالفضل عائدٌ إليه، وإن ضلّ الإنسان فقد استحقّ الضلال، لأن الأنظمة انطبقت عليه، أيُعقل لطالبٍ لم يدخل قاعة الدرس أبداً أن ينجح؟ مستحيل، طبيعة التعليم، قوانين التربية والتعليم لا تسمح لهذا الطالب أن ينجح، فالمدرّس فعل جهده، فعل ما عليه، لو أنه داوم في هذا الصف لاستفاد كما استفاد الآخرون
تعريف الهدى كما جاء في القرآن :
أولاً: تعريف الهدى، ما تعريفه؟ ربنا -سبحانه وتعالى- في بضع آياتٍ أعطى معنى الهدى، فقال تعالى:
﴿ وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا وَإِبْرَاهِيمَ وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِمَا النُّبُوَّةَ وَالْكِتَابَ
ما الذي يقابل الهدى؟ الفسق، فالمهتدي لا يكون فاسقاً، فمن لوازم الهدى الانضباط السلوكي، والاستقامة على شرع الله، فالذي يقول لك: أنا مهتدٍ، وهو يعصي الله -عز وجل-، هذا كاذب بنص هذه الآية:
﴿ أُوْلَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُهْتَدُونَ(157)﴾
أيها الأخ المهتدي، يا مَن تزعم أنك مهتدٍ، هل تشعر بصلوات الله تنزل على قلبك؟ هل تشعر بتجلّيات الله تملأ نفسك؟ هل تقول: أنا أسعد الناس؟ أنا أسعد الناس إلا أن يكون أحدٌ أسعدَ مني، بمعنى أتقى مني، هل تحس أن قلبك مفعم بالسعادة، راضٍ عن الله، راضٍ عن حكمه، راضٍ بقضائه، مستسلمٌ له؟ من صفات الهدى:
﴿ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ
هل تحس بالأمن؟ توقُّع المصيبة مصيبة أكبر منها، أنت من خوف الفقر في فقر، أنت من خوف المرض في مرض، هل تحس أن الله يدافع عنك؟ هل تُحسّ أنك في حفظ الله؟ في عنايته؟ هل تحس أن الله -عز وجل- لن يتخلى عنك؟ وأنه يعاملك معاملةً خاصة، هل أنت مصدِّقٌ قوله تعالى:
﴿ مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ(97)﴾
﴿ قُلْ إِنِّي نُهِيتُ أَنْ أَعْبُدَ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ
من علامات المهتدي أنه لا يتبع الهوى، لأن اتباع الهوى هَوان.
﴿ وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنْ الْهَوَى(40) ﴾
﴿ وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ كَأَنْ لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا سَاعَةً مِنْ النَّهَارِ يَتَعَارَفُونَ بَيْنَهُمْ قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِلِقَاءِ اللَّهِ وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ(45)﴾
وهذا الذي يقول لك: تنتهي الحياة بالموت، ولا شيء بعد الموت، هو في ضلالٍ كبير، فصار الهدى أن تؤمن أن بعد الحياة حياة أبدية، وأنها هي الحياة، لو أنك تعلم الحقيقة.
﴿ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي(24) ﴾
من لوازم الهدى :
هذه الآيات توضح جانباً من معاني الهداية.
من آثار الهداية :
شيء آخر، آثار الهداية، قال تعالى:
﴿ قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمْ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ
﴿ قُلْنَا اهْبِطُوا مِنْهَا جَمِيعًا فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى
من آثار الهدى: قال تعالى:
﴿ فَأْتِيَاهُ فَقُولَا إِنَّا رَسُولَا رَبِّكَ فَأَرْسِلْ مَعَنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلَا تُعَذِّبْهُمْ قَدْ جِئْنَاكَ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكَ
السعادة والأمن والرخاء مطلب المهتدي :
حياتك في سلام، في دَعَةٍ، في رضا.
﴿ سَلَامٌ قَوْلًا مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ(58) ﴾
السلام من أسماء الله، السلام عليك أيها المهتدي، والسلام على مَن اتبع الهدى، هذا من آثار الهدى.
﴿ قَالَ اهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعًا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى
لا يضل عقله، ولا تشقى نفسه.
﴿ أَرَأَيْتَ إِنْ كَانَ عَلَى الْهُدَى(11)﴾
المهتدي له شخصية متميزة، صادقٌ في كلامه، وفيٌّ في وعوده، يحفظ عهده، يفي بوعده، لا يكذب، لا ينافق، يرحم ولا يقسو، يحلُم ولا يفجُر، يعطي ولا يمنع، هذه صفات أساسية.
﴿ أَرَأَيْتَ إِنْ كَانَ عَلَى الْهُدَى(11) أَوْ أَمَرَ بِالتَّقْوَى(12) أَرَأَيْتَ إِنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى(13)﴾
كيف هي مواعيده؟ وكيف هي عهوده؟ وكيف هي علاقاته؟ وكيف هو قلبه؟ مُفعمٌ بالقسوة، هناك فرق صارخ بين الهدى وبين الضلال، بين المهتدي وبين الضّال.
﴿ أَفَمَنْ يَمْشِي مُكِبًّا عَلَى وَجْهِهِ أَهْدَى أَمَّنْ يَمْشِي سَوِيًّا عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ(22)﴾
الآيات الأولى كأنها عرَّفت طبيعة الهدى، والآيات الثانية كأنها بيّنت نتائج الهدى، من منا لا يتمنى أن يكون آمناً، مطمئناً، موفَّقاً، سعيداً، في سلامٍ، ورخاءٍ، وإقبالٍ، وأنوارٍ، هذا هو الهدى، لذلك دائماً أنا أفرّق بين الثقافة والهدى، لو أنك تطالع الكتب، وتقرؤها، وتحفظها، ولست مستقيماً على أمر الله، ولست مُقبِلاً عليه، إنّ دماغك يمتلئ بالمعلومات القيّمة، ولكنك لا تسعد بهذه المعلومات، الثقافة شيء، والهدى شيء آخر، الثقافة مجموعة معلومات دقيقة دقيقة، كثيرة كثيرة، محشوّةٌ في دماغك، هذه هي الثقافة، الثقافة تجعلك مُتَحلِّقاً، الثقافة تجعلك تنتزع إعجاب الآخرين، ولكن الهدى يجعلك سعيدًا، ويجعلك مُسعِدًا، تسعد أولاً، وتُسعِد ثانياً، فشتّان بين الثقافة والهدى، شتان بين الجمع وبين النبع.
شيءٌ آخر:
مَن هذا الذي يهديه الله ، والذي لا يهديه الله ؟
مَن هذا الذي يهديه الله -سبحانه وتعالى-؟ هذه كلمةٌ موجَزةٌ، هل هناك آياتٌ تفصيليةٌ توضّح من الذي يهديه الله -سبحانه وتعالى-؟
هناك آيات كثيرة توضح من هو الذي يستحق الهدى، القرآن فيه إجمالٌ وتفصيل، إذا قرأت قوله تعالى:
﴿ أَفَمَن زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَنًا ۖ
فهذه آية مُجمَلة، تفصيلاتها في خمسين آية
﴿ أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ ۖ قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ ۗ
﴿ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمُ اسْتَحَبُّوا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا عَلَى الْآخِرَةِ
طبعاً كلمة الظالم واسعة جداً، من معانيها الواسعة ظُلم النفس، من معانيها الضيقة: ظُلم الآخرين
﴿ سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ لَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ ۚ
لا يهدي الكافرين، ولا يهدي الظالمين، ولا يهدي الفاسقين، فمن كان مُتلبِّساً بالفسق، أو مُتلبِّساً بالكفر، أو مُتلبِّساً بالظلم فلن يهديه الله -سبحانه وتعالى-، وهذا تحقّ عليه الضلالة .
﴿ ذَلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ
أيّة خيانةٍ؟ صاحب الخيانة محجوبٌ بخيانته، لن يهتدي إلى الله -عز وجل-، خيانته حجابٌ بينه وبين الله
﴿ أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ ۚ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِن دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَىٰ إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ ۗ
الكذب أيضاً حجابٌ بينك وبين الهدى، أصبح لدينا: الظلم، والكفر، والفسق، والخيانة، والكذب، هذه الصفات إذا تلبّس بها الإنسان حَرمته الهدى، وكانت حجاباً بينه وبين الله -سبحانه وتعالى-.
﴿ وَقَالَ رَجُلٌ مُّؤْمِنٌ مِّنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمَانَهُ أَتَقْتُلُونَ رَجُلًا أَن يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ وَقَدْ جَاءَكُم بِالْبَيِّنَاتِ مِن رَّبِّكُمْ ۖ وَإِن يَكُ كَاذِبًا فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ ۖ وَإِن يَكُ صَادِقًا يُصِبْكُم بَعْضُ الَّذِي يَعِدُكُمْ ۖ
الإسراف في أخذ الحق، الإسراف في النفقات، الإسراف في التعدي، الإسراف في الظلم، أي أنواع الإسراف حجابٌ بينك وبين الله -سبحانه وتعالى-، الله -عز وجل- لا يهدي الظالم، ولا الكافر، ولا الفاسق، ولا الخائن، ولا الكاذب، ولا المسرف.
﴿
وهذا الذي يدير ظهره لآيات الله في الكون، لا يفكر إلا في مصالحه، إلا في قُوت يومه، إلا في رزقه، أمّا أنْ يفكّر في كأس الماء، كيف جعله الله عذباً فراتاً بعد أن كان ملحاً أُجاجاً، أما أن يفكر في طعامه، أما أن يفكر في خَلقه، في بدء خَلقه، أما أن يفكر في الشمس والقمر، في الليل والنهار، في السماوات والأرض، في الجبال والسهول، في البحار والأنهار، في الأسماك والأطيار، في هذا الذي يرتديه، في هذا الذي يجلس عليه، أن يفكر في خَلقه، من خلال خَلق ابنه، أن يفكر في هذه الطباع التي طبع الله بها مخلوقاته.
﴿ وَمَا مَنَعَ النَّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا إِذْ جَاءَهُمْ الْهُدَى إِلَّا أَنْ قَالُوا أَبَعَثَ اللَّهُ بَشَرًا رَسُولًا(94) ﴾
أشياء تمنع من الهدى :
مِن موانع الهدى أن تقول: فلان مثلي، أعرفه حينما كان صغيراً، كيف صار يهدي الناس؟ الكِبْر أحياناً، والحسد، والاستعلاء يمنعك أن تهتدي، هذا من موانع الهدى، ألم يقل الله -عز وجل-:
﴿
هذا الذي يخاف بلا مبرر؛ لأنه يطيع الله -سبحانه وتعالى- يتوهم أن أخطاراً جَسيمةً سوف تصل إليه، الخطر يأتيك من طاعة الله! هذا كفرٌ بالله، كيف تعبده وتسيء الظن به؟ أيدَعُك لأعدائك، أيُسلِمك لخصومك؟ أيتخلّى عنك وأنت تطيعه؟
هذه المقولة منعتهم من الهدى، وكل من يقول: لو أنني فعلت كذا وكذا أخاف على مستقبلي، أخاف على مستقبل حياتي، أخاف على أولادي، أخاف على دخلي، أخاف على رزقي، إذا أطعتَ الله -عز وجل- ينقطع رزقك؟! كلمة الحق لا تقطع رزقاً، ولا تقرّب أجلاً، أتخاف على رزقك من طاعتك لله -عز وجل-؟! طاعة الله تسبب تلَفَ رزقك.
﴿ إِنَّمَا ذَلِكُمْ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ(175)﴾
هذه بعض الأسباب التي وردت في كتاب الله، والتي إذا توافرت إحداها في الإنسان استحق الضلال.
متى يستحق الإنسان الهدى من الله ؟
﴿
هل بذلت مالك؟ هل بذلت وقتك؟ هل ضبطت مشاعرك؟ هل إذا حرّكت مشاعرك شهوة فقلت: إني أخاف الله رب العالمين؟ هل بكت عينك من خشية الله ؟هل قلت: أين الله؟ لا أفعل هذا، معاذ الله، إنه ربي أحسن مثواي، هل تجاهد في سبيل الله؟ هل تجاهد نفسك وهواك؟ كما قال عليه الصلاة والسلام:
(( رجعنا من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر، جهاد النفس والهوى ))
(( أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي، وَأَنَا مَعَهُ إِذَا ذَكَرَنِي، فَإِنْ ذَكَرَنِي فِي نَفْسِهِ ذَكَرْتُهُ فِي نَفْسِي، وَإِنْ ذَكَرَنِي فِي مَلَإٍ ذَكَرْتُهُ فِي مَلَإٍ خَيْرٍ مِنْهُمْ، وَإِنْ تَقَرَّبَ إِلَيَّ بِشِبْرٍ تَقَرَّبْتُ إِلَيْهِ ذِرَاعًا، وَإِنْ تَقَرَّبَ إِلَيَّ ذِرَاعًا تَقَرَّبْتُ إِلَيْهِ بَاعًا، وَإِنْ أَتَانِي يَمْشِي أَتَيْتُهُ هَرْوَلَةً ))
ما إنْ تتحرك نحو الله -سبحانه وتعالى-، ما إنْ تعقد العزم على التوبة حتى يتلقاك الله بالبشر، إذا رجع العبد العاصي إلى الله نادى منادٍ في السماوات والأرض: أن هنئوا فلاناً، فقد اصطلح مع الله.
فهل تمنع نفسك من غيبةٍ ممتعةٍ يضحك لها الناس؟ هذه غيبة لأخ مؤمن، هل تمنع نفسك من نميمةٍ؟ من شتيمةٍ؟ من فُحشٍ؟ من إيقاع للشقاق بين الناس؟
من موجبات الهدى :
من موجبات الهدى:
﴿
دائماً وأبداً أنت تعرف من دون معلم أن هذا العمل يرضي الله، وذاك العمل يغضب الله، لو قال لك أحدهم: اصرف لي هذه الليرات الخمس، والدرج مليء بالقطع الصغيرة، تعلم علم اليقين أنك إذا قلت له: ليس عندي، لا أستطيع، تعلم أن هذا العمل لا يرضي الله، وأنك إذا فرَّجت همه فإن هذا يرضي الله، تعلم علم اليقين أن أمك إذا طلبت منك حاجة، وقد عدت إلى البيت مُنهَك القِوى، تعلم علم اليقين أنك إذا قلت لها: لا أستطيع، أو هذه الحاجة غير موجودة، أو المحلات أغلقت، أو هذا الدواء مفقود، فأنت بهذا أرحت جسمك، لكن الله لا يرضى عنك، وتعلم علم اليقين أنك إذا خرجت من البيت ثانية، واتجهت إلى الصيدلية المناوبة، وأمّنت بالدواء تنام وَاللَّهُ راضٍ عنك، في كل حركةٍ وسَكنةٍ، المشتري يقول لك: انصحني، فإذا نصحته بشيءٍ كاسدٍ عندك تعلم أن هذا يُغضِب الله، وأنك إذا نصحته بأحسن ما عندك فهذا يرضي الله، تعلم هذا بالفطرة، ولو لم تحضر أي مجلس علم، بالفطرة تعلم أنت ما الذي يرضي الله -عز وجل-، وما الذي يُسخِطه، في علاقتك بزوجتك، علاقتك بأولادك، علاقتك بجيرانك، علاقتك بإخوانك، بأصدقائك، بزبائنك، بمن تعرف، أنت في كل لحظة تُمتَحن، فإما أن تتبع ما يرضي الله، وإما أن تتبع ما يسخط الله، إذا دُعِيت إلى سهرة مختلطة فاعتذرت، فإن هذا يرضي الله، فإذا استجبت فإن هذا يسخط الله -عز وجل-، إذا دُعِيت إلى كسب حرام فأغراك المبلغ الكبير، فهذا يسخط الله -سبحانه وتعالى-.
فربنا -عز وجل- ذكر من موجبات الهدى:
الموجب الثالث:
﴿
هل تصغي إلى الهدى؟ هل تستجيب إلى الهدى .
﴿
هل عندك تعطُّشٌ إلى الحق؟ بحيث لو سمعت الهدى استجبت له، أم أنّ هذا الكلام لا يحرّك فيك شعوراً، ولا وِجدانًا، ولا محبة، ولا شوقاً، كلام بكلام وأنت غارق بالملذات؟
الموجب الرابع:
﴿ وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلَا أُنزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِّن رَّبِّهِ ۗ قُلْ إِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَن يَشَاءُ
من عاد إلى الله -عز وجل-، هل عُدتَ له بالتوبة؟ هل عدت إليه بالطاعة؟ إذا عدت إليه بالتوبة، وعدت إليه بالطاعة فأنت ممن يستحق الهدى.
﴿
لماذا هداهم ربهم بإيمانهم؟ لأنهم عملوا الصالحات، لم يكتفوا بالقول، بل أتبعوا القولَ العملَ، حينما أتبعوا القول العمل استحقوا أن يهديهم ربهم بإيمانهم.
﴿ وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنتُمْ تُتْلَىٰ عَلَيْكُمْ آيَاتُ اللَّهِ وَفِيكُمْ رَسُولُهُ ۗ
إذا ألمّت بك المُلِمّة، إذا بدا لك شبح مصيبة، بمن تعتصم؟ بزيد أو عبيد، أو بمالك الوفير، أم بجاهك العريض، أم تقول له: يا رب في المناجاة، ليس لي إلا أنت، ما من مخلوق يعتصم بي من دون خلقي أعرف ذلك من نيته، فتكيده أهل السماوات والأرض، إلا جعلت له من بين ذلك مخرجاً، وما من مخلوق يعتصم بمخلوق دوني أعرف ذلك من نيته إلا جعلت الأرض هوياً تحت قدميه، وقطعت أسباب السماء بين يديه.
﴿ قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوا فَإِنَّمَا عَلَيْهِ مَا حُمِّلَ وَعَلَيْكُمْ مَا حُمِّلْتُمْ
ثمن الهدى أيضاً طاعة الله في المَنشَط و المَكرَه، فيما عُرِفت حكمته، وفيما لم تُعرَف، هذا من موجبات الهدى.
من موجبات الضلالة :
ومن موجبات الهدى:
﴿ وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ ۚ وَحَيْثُ مَا كُنتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ
الشيء الذي يجب أن يعرفه الإنسان أنه إذا كان مهتدياً حقاً لا يعنيه أمر الناس، أكانوا مهتدين أو ضالين؟ لو أن الناس كلهم ضلوا، فإحساسه بقيمة الهدى تجعله يحافظ عليه حفاظه على روحه، قال تعالى:
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنفُسَكُمْ
لو أنك في مجتمع كلهم فسَقة، كلهم فجَرة، كلهم يسخرون من الدين، كلهم لا يصلُّون، وقد هُديت إلى الله -عز وجل-، فأنت أسعد الناس بهذا الهدى، فإذا نُكس الإنسان على رأسه، وقال: أنا مع الناس فليسمع: عَنْ حُذَيْفَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
(( لَا تَكُونُوا إِمَّعَةً، تَقُولُونَ : إِنْ أَحْسَنَ النَّاسُ أَحْسَنَّا، وَإِنْ ظَلَمُوا ظَلَمْنَا، وَلَكِنْ وَطِّنُوا أَنْفُسَكُمْ، إِنْ أَحْسَنَ النَّاسُ أَنْ تُحْسِنُوا، وَإِنْ أَسَاءُوا فَلَا تَظْلِمُوا ))
أيْ: من كان مع الخط العريض، قال تعالى:
﴿
اتباع أكثرية الناس هذا اتباعٌ للضلال، كن مع الأقلية المؤمنة، ولا تكن مع الأكثرية الكافرة، كن مع الأقلية المؤمنة، ولا تكن مع الأكثرية الفاسقة، كن مع الأقلية المؤمنة، ولا تكن مع الأكثرية العابثة، كن مع الأقلية المؤمنة، ولا تكن مع الأكثرية الضالة.
﴿
طبيعة الهدى :
﴿ وَعَلَى اللَّهِ قَصْدُ السَّبِيلِ وَمِنْهَا جَائِرٌ ۚ
لكن هذا الهدى القسْريّ لا قيمة له، كما لو أنّ الجامعة وزّعت أوراق الأسئلة مع أوراق الإجابة، ينجح جميع الطلاب، لكن هذا النجاح لا قيمة له، ولا شأن له، وليس مُجدياً في بناء الأمة، لذلك قال تعالى:
﴿ إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا(3) ﴾
﴿
﴿ لَقَدْ أَنزَلْنَا آيَاتٍ مُبَيِّنَاتٍ
﴿
السير في طريق الهدى فيه زيادة هدى :
شيء آخر، مَن سار في طريق الهدى زاده الله هدىً، هذه نقطة مهمة جداً، قال تعالى:
﴿
إذا دخلت الجامعة، وقبِلت أن تكون طالباً جامعياً، عندئذ هناك المكتبات، وهناك المساعدات من قِبَلِ الأساتذة، وهناك المحاضرات، وهناك الندوات، هناك أشياء كثيرة تزيدك معرفة، إذا قبلت أن تدخل الجامعة
﴿ نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ نَبَأَهُمْ بِالْحَقِّ
﴿ وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقْواهُمْ(17) ﴾
الهدى بيدك أنت إن شئته :
من لواحق موضوع الهدى أنّ الهدى ليس بيد أحد، بل بيدك أنت، ومَن أعظمُ من النبي عليه الصلاة والسلام؟ قال تعالى:
﴿
وقال تعالى:
﴿
إذا كان النبي -عليه الصلاة والسلام- وهو قِمّة البشر، وهو أعلى مخلوق في بني البشر، يقول الله له:
مَن هو المهتدي :
شيء آخر: من هو المهتدي؟
وكل يدعي وصلاً بليلى وليلى لا تقرّ لهم بذاكا
***
كل فرقة تدّعي أنها على حق، كل دينٍ سماويٍّ يظن أصحابه أنهم على حق .
﴿
من هو المهتدي؟ قال تعالى:
﴿ ذَلِكَ مَبْلَغُهُمْ مِنْ الْعِلْمِ
الله وحده يعلم، فأنت غير مُؤهَّل أن تعرف، أنت لك الظاهر، والله يعرف السرائر، لك العمل الظاهر، احكم بالظاهر، والله يتولّى السرائر، لكن الله وحده يعلم من ﴿هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ اهْتَدَى﴾.
﴿ قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلَى شَاكِلَتِهِ
فحسْبُك أن يكون الله راضياً عنك، ومن عرف نفسه ما ضرّته مقالة الناس به، لا تحكم على أحد بالضلال، قل: الله أعلم، هذا تدخل في شؤون الله -سبحانه وتعالى-، لا أحد يعرف من هو المهتدي إلا الله، أنت لك الظاهر، و الله يتولى السرائر، هذا الأدب أدبٌ نبوي:
﴿ الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلَّا اللَّمَمَ ۚ إِنَّ رَبَّكَ وَاسِعُ الْمَغْفِرَةِ ۚ هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ إِذْ أَنشَأَكُم مِّنَ الْأَرْضِ وَإِذْ أَنتُمْ أَجِنَّةٌ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ ۖ
لا تزكِّ على الله أحداً، لا تزكِّ نفسك ولا تزكّ أحداً، قل: الله أعلم.
أحد العلماء طُلِب إليه أن يشهد شهادة طيبة لإنسان، فقال: فلان أعرف منه الصلاح والتقوى، والله أعلم، فهذا الرجل انزعج من كلمة (والله أعلم)، طبعاً والله أعلم، سيدنا الصديق حينما استخلف سيدنا عمر قال :
الهدى سيعمّ الأرض شاء مَن شاء وأبى من أبى :
شيء آخر في موضوع الهدى: إن الله -سبحانه وتعالى- يقول:
﴿ هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ(33)﴾
هذه الآية بِشارةٌ إلى أنّ الهدى سوف يعمّ الأرض، أما إذا أردت أن تهدي الناس فهناك شروط صعبة جداً.
﴿
الهدى يحتاج إلى ابتلاء وصبر :
لا بد لك من أن تصبر على حكم الله، وعلى أمر الله، وعن معصية الله، وعلى من تهدي، اصبر على طاعته، واصبر عن معصيته، واصبر على من تهديه، واصبر على حكمٍ لا تفقه مراده، واصبر على الطاعة في السّرّاء والضّرّاء، حتى تستحق أن تنال مقام الهداية:
﴿
بعد أن أتَمَّهُنَّ
﴿ وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنْ الْمُسْلِمِينَ ﴾
لا بد من أن يكون عملك صالحاً حتى تستحق كلماتك أن تصل إلى القلوب، فإن كان العمل سيئاً فالهداية لا تتجاوز الآذان، ولا بد من أن تترفّع عن الدنيا، وعن كل شيءٍ فيها، قال تعالى:
﴿ وَجَاءَ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَى
ولا بد من أن تكون عالماً، وأن تجلس الساعات الطِّوال كي تعرف الله -عز وجل-.
الملف مدقق
والحمد لله رب العالمين.