- الحديث الشريف / ٠1شرح الحديث الشريف
- /
- ٠2دروس جامع الاحمدي
الحمد لله رب العالمين, والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين.
من أين استنبط النبي عليه الصلاة والسلام هذه الحقيقة؟:
أيها الأخوة الكرام, يقول عليه الصلاة والسلام, فيما رواه البيهقي عن أبي سعيد, أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال:
((إذا رأيتم الرجل يَعتَادُ المسجِدَ، فاشْهَدُوا لَهُ بالإيمان))
من أين استنبط النبي -صلى الله عليه وسلم- هذه الحقيقة؟ استنبطها من قوله تعالى:
﴿إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ﴾
وإعمار المساجد بناؤها, فكل من ساهم بإعمار المسجد له أجر؛ من صلى فيه, ومن عقد توبة فيه, ومن اتعظ فيه, والذي يعمر المسجد: هو الذي يؤدي الصلوات فيه, والذي يعمر المسجد: هو الذي يلقي خطبة فيه, أو درس علم فيه؛ فكل من ساهم في إنشاء المساجد, وفي تأسيسها, وفي تأمين حاجاتها, وفي ارتيادها, وفي إلقاء الدروس فيها, فهو ممن يعمر مساجد الله.
والمؤمن في المسجد كالسمكة في الماء, والمنافق في المسجد كالعصفور في القفص, يتضايق.
((وسبعة -كما تعلمون- يظلهم الله تحت ظله, يوم لا ظل إلا ظله, -من هؤلاء السبعة- رجل قلبه معلق بالمساجد))
هذه دعوة المسجد وهذه دعوة السوق:
قال:
((وخير البلاد مساجدها, وشرها أسواقها))
يأتي الرجل مع امرأته إلى درس علم في مسجد, فيستمعان إلى موعظة تقرب بينهما, يزداد الود بينهما, تتمتن العلاقات بينهما, يعرف كل منهما حق صاحبه عليه, فإذا ذهبا إلى السوق, ورأت الزوجة حاجة غالية الثمن, جميلة جداً, ولم يملك زوجها ثمن هذه الحاجة, نشأ بينهما خصومة.
((وخير البلاد مساجدها, وشرها أسواقها))
الأسواق تدعوك إلى الدين, والمساجد تدعوك إلى الآخرة, المساجد تدعوك إلى طاعة الله, بينما الأسواق وما فيها من مغريات, تدعوك إلى كسب المال بأية طريقة, من أجل أن تقتني هذه الحاجات.
ما أسباب العنف في العالم؟:
1-مجتمع الاستهلاك:
أحد رؤساء فرنسا (جسكار بيستان), ألف لجنة من كبار علماء بلده, ووضعهم في مكان جميل جداً, ومنعهم عن العالم الخارجي, وأمرهم أن يجيبوه عن سؤال: لماذا العنف في العالم؟ لماذا العنف؟.
لماذا قبل خمسين عام بالعشرين, ثلاثين سنة, يعدمون إنساناً؟ ولماذا تسمع –الآن- مذبحة خمسمئة ألف في جنوب أفريقيا؟ ما اسم البلد؟ واندا, خمسمئة ألف في يومين, الآن أقل رقم عشرة آلاف في البوسنة, والهرسك؛ عشرون ألفاً, مئة ألف, مئة وخمسون ألفاً, مئتا ألف.
فهذا سأل سؤالاً: لماذا العنف في العالم؟.
هؤلاء العلماء درسوا, وتحققوا, ثم خرجوا بالنتيجة التالية: مجتمع الاستهلاك.
ما هي الاحتمالات الثلاثة التي لا مفر منها :
أيها الأخوة, جالس في بيتك, عندك كل الحاجات, يعرضون عليك آلة جديدة, غسالة جديدة, فرن جديد, هاتف جديد, مركبة جديدة, ميزات رائعة جداً, هذا العرض الإعلان, خلق في نفسك حاجة إلى هذه الآلة, أنت لا تملك ثمنها.
هناك ثلاثة احتمالات؛ أول احتمال: أن تلغي وقت فراغك.
إذا كنت إنساناً شريفاً, أنت موظف, لك دخل محدود, تعمل عملاً إضافياً, تأتي الساعة الحادية عشرة, تذهب إلى العمل قبل أن يستيقظ أولادك, وتعود إلى البيت بعد أن ينام أولادك.
وأخواننا الكرام: الإنسان الذي يفقد وقت فراغه, ليس إنساناً, أنت في وقت الفراغ؛ تؤكد ذاتك, تعبر عن اتجاهك, تحضر درس علم, تسهر سهرة فيها ذكر الله عز وجل, في وقت فراغك تجلس مع أولادك, مع أهلك, فالعمل الذي يمتص كل وقتنا, هذا خسارة كبيرة.
فحينما نعرض على الناس الحاجات, والسلع الجميلة جداً, والميزات الرائعة, والفائقة, خمسة بالمئة من سكان أي بلد, قادرون على شراء هذه الحاجات, خمسة بالمئة, والخمس والتسعون بالمئة دخلهم محدود, لا يسمح لهم باقتناء هذه السيارة المكيفة, الجميلة, تنشأ الحاجة إلى هذه السلعة, أو هذه الآلة, دون أن تملك ثمنها.
ثلاثة احتمالات؛ إما أن تمتد اليد إلى المال الحرام فيسقط الإنسان, وإما أن يلغى وقت الفراغ فيلغى الإنسان, وإما أن يشعر بالحرمان طوال حياته فيحزن الإنسان.
هذه الأسواق؛ إما شعور بالحرمان, أو تمتد اليد إلى المال الحرام, أو يلغى وقت الفراغ فيلغى وجود الإنسان, هذا أحد أسباب العنف في العالم.
2-الكتلة النقدية:
سبب آخر: هو أن الكتلة النقدية التي بين أيدي الناس؛ حينما يغيب منهج الله عز وجل, وحينما تعطل الزكاة, وحينما تقسو القلوب, هذه الكتلة النقدية: تتجمع في أيد قليلة, وتحرم منها الكثرة الكثيرة.
يعني: إنسان ممكن أن يجري عقداً في صندوق شهير, يدفع ستين مليوناً, وستون ألف شاب, أو ستمئة ألف شاب, أو ستة ملايين شاب, لا يجدون غرفة في طرف من أطراف المدينة, يتزوجون فيها.
لذلك -أيها الأخوة-:
((إذا رأيتم الرجل يعتاد المساجد, فاشهدوا له بالإيمان))
لأن المساجد تدعوك إلى طاعة الله, تدعوك إلى القناعة, تدعوك إلى جعل الآخرة منتهى الآمال, ومحط الرحال, المسجد يدعوك إلى تطبيق منهج الله, وحينما تطبق منهج الله:
﴿مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ﴾
حينما تصطلح مع الله؛ لماذا العذاب؟ لماذا الحرمان؟ لماذا الابتلاء؟.
ربنا عز وجل يبين هذه الآية:
﴿وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ﴾
لماذا يحتاج الإنسان إلى المسجد؟:
فالمسجد؛ أنت في أشد الحاجة إليه, أنت في حاجة إلى المسجد, من أجل أن تعرف من أنت؟ أنت المخلوق الأول, أنت المخلوق المكرم, أنت المخلوق المكلف, وأنت في دار ابتلاء لا دار استقرار, في دار ابتلاء لا في دار جزاء, في دار عمل لا في دار أمل, في دار تكليف لا في دار تشريف, أنت بضعة أيام, كلما انقضى يوم, انقضى بضع منك.
لماذا تأتي إلى المسجد؟ لتعرف من أنت؛ أنت أغلى مخلوق على الله عز وجل, أنت المخلوق الأول, الذي سخر الله له ما في السموات وما في الأرض:
﴿وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً مِنْهُ﴾
أنت مخلوق, من أجل أن تعبد الله:
﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ﴾
أنت المكرم:
﴿وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً﴾
من أجل أن تعرف حقيقة الحياة الدنيا, من أجل أن تعرف حقيقة الكون, من أجل أن تعرف ما ينبغي وما لا ينبغي, ما يجوز وما لا يجوز, ما يصح وما لا يصح, من أجل أن تعرف الحق من الباطل, الحلال من الحرام, الخير من الشر, من أجل أن تكون زوجاً مثالياً, وتاجراً مثالياً, وأخاً مثالياً, من أجل أن تسعد في دنياك وأخراك.
لماذا تأتي إلى المسجد؟ من أجل أن تعرف ذاتك.
من عرف نفسه, عرف ربه.
لم لم يقل النبي: (يدخل المساجد) وإنما قال: (يعتاد المساجد)؟:
أيها الأخوة الكرام؛ هذا الذي يرتاد المساجد, اشهدوا له بالإيمان, هذا الذي يحضر مجالس العلم, يبحث عن ذاته, يبحث عن الحقيقة, والحقيقة هي أثمن شيء:
﴿وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً﴾
((إذا رأيتم الرجل يعتاد المساجد, فاشهدوا له بالإيمان))
لم يقل النبي يدخل المساجد, أو دخل المسجد, يعتادها؛ جزء من حياته, يؤدي الصلوات في المسجد.
هكذا كان سلفنا الصالح:
السلف الصالح: كان الرجل إذا لم يصل الفجر في المسجد, يظنونه مريضاً, أو مسافراً.
قد تجد في بعض الأحياء المكتظة, أبنية عالية جداً, وكل بناء فيه مئات البيوت, ولا تجد في المسجد بضع رجال, يؤدون صلاة الفجر في جماعة.
((ومن صلى الفجر فهو في ذمة الله حتى يمسي, ومن صلى العشاء في جماعة فهو في ذمة الله حتى يصبح))
وأنت إن صليت الفجر والعشاء في جماعة, فأنت في ضمان الله أربعاً وعشرين ساعة.
((يا بن آدم! لا تعجز عن ركعتين قبل الفجر, أكفك النهار كله))
ما هو الشيء المؤلم في هذه الفقرة, وما هو الشيء الذي يثلج الصدر أيضاً؟:
لا يؤلمني إنسان كالذي يقول: ليس عندي وقت فراغ, لأحضر درس العلم, إنه أخطر شيء في حياتك.
لو إنسان ذهب إلى فرنسا ليأخذ الدكتوراه, وبلده معلق عليه آمالاً كبيرة, وهو في أمس الحاجة إلى هذه الشهادة, ولو نال هذه الشهادة, لعاد إلى بلده أستاذاً كبيراً؛ أستاذاً في الجامعة, وطبيباً مشهوراً, وقد يكون وزير صحة, وقد يسكن أجمل بيت, وقد يركب أجمل سيارة, وقد, وقد إلى آخره .......
فاطلع على برنامج الكلية قال: والله هذه الساعات, لا يوجد عندي وقت أحضرهم, حسناً: لماذا أنت في فرنسا؟ لماذا جئت إلى هذا البلد؟ من أجل أن تدرس, لست مكلفاً بأية مهمة أخرى.
كالذي يقول -وهو في بلد الدراسة-: ليس عندي وقت لحضور دروس الجامعة, هذا مجنون.
فالذي يستنكف عن طلب العلم, الذي لا يجد وقتاً لمعرفة ربه الذي خلقه, الذي لا يجد وقتاً لمعرفة منهج ربه الذي ينبغي أن يسير عليه, هذا إنسان بلا عقل.
لذلك:
((إذا رأيتم الرجل يعتاد المساجد, فاشهدوا له بالإيمان))
والشيء الذي يثلج الصدور: أننا -والحمد لله- نرتاد المساجد, والمسجد عامرة بالمصلين, ونرجو الله سبحانه وتعالى: أن تترجم الدروس إلى واقع عملي.
كيف فسر علماء التفسير هذه الآية؟:
قال تعالى:
﴿وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ﴾
اختار العلماء في هذه الآية: يا ترى, وأنت فيهم؛ أي بين أظهرهم؟ ماذا نفعل بالآية إذا توفي النبي؟.
قال علماء التفسير: وما كان الله ليعذبهم, وسنتك قائمة في حياتهم.
يعني: إذا بيتنا إسلامي, وعملنا إسلامي, وأفراحنا إسلامية, وسفرنا إسلامي, وإقامتنا إسلامية, وتجارتنا إسلامية, ما دامت سنة النبي, ومنهج النبي -عليه الصلاة والسلام- مطبقاً في حياتنا, ما كان الله ليعذبهم, نحن في بحبوحة من أن نعذب:
﴿وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ﴾
أتريد أن تعرف فضل الله عليك؟ إليك ذلك:
أخواننا الكرام, إذا الله عز وجل أكرم أحدكم بالمعرفة والاستقامة, من أجل أن يعرف قيمة الهدى, وقيمة الإيمان, وقيمة طاعة الرحمن, ليجلس مع صديق له من سنه, شارد عن منهج الله, ليجلس معه؛ يرى بوناً شاسعاً, يرى فرقاً كبيراً, يرى مسافة لا تحتمل, بين إنسان جاهل, أناني, يحب ذاته, لا يعبأ بمنهج الله أحياناً, منحرف الأخلاق أحياناً, يكذب أحياناً, يخون العهد, لا يُنجز الوعد:
﴿وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيماً﴾
حكم شرعي:
أيها الأخوة:
((إذا رأيتم الرجل يعتاد المساجد, فاشهدوا له بالإيمان))
ومن خصائص الإيمان: أن تعتاد دخول المساجد, ولا تعبأ بالإمام.
قال عليه الصلاة والسلام:
((صل وراء كل بر وفاجر))
أنت لست مكلفاً أن تبحث عن استقامته, هذا يفتت وحدة المسلمين, هذا إمام, أنا أصلي وراءه, وانتهى الأمر, دون تدقيق.
قضية استنباط أيضاً:
وحديث آخر, رواه النبي -عليه الصلاة والسلام-:
((إذا أراد الله بقوم سوءاً, جعل أمرهم إلى مترفيهم))
من أين استنبطت -يا رسول الله- هذه الحقيقة؟ من قول الله عز وجل:
﴿وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً﴾
-في قراءة-:
﴿أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيراً﴾
حديث خطير:
ورد في الحديث الصحيح:
((إذا كانَت أُمراؤُكم خيارَكم، وأغنياؤُكم سُمحاءَكم، وأمورُكم شورَى بينكم, فَظَهْرُ الأَرضِ خَير لكم من بطنها، وإذا كانت أمراؤُكم شِرارَكم، وأغنياؤُكم بُخَلاءَكم ، وأُمورُك إلى نسائكم، فبطنُ الأَرض خير لكم من ظهرها))
إذا كان أمركم إلى نسائكم, وكان أمراؤكم شراركم, وكان أغنياؤكم بخلاءكم, فبطن الأرض خير لكم من ظهرها.
متى يستخدم هذا العلاج الرباني؟:
إذا أراد الله بقوم سوءاً: إذا أراد أن يؤدبهم, آخر تأديب قبل أن يهلكهم, إن أراد أن يعطيهم آخر دواء في صيدلية الله عز وجل: هو أن يجعل أمرهم إلى مترفيهم:
﴿وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا﴾
ضغطوا عليهم, استباحوا أعراضهم, أخذوا أموالهم, ولم يعودوا إلى الله.
حرب أهلية: دامت خمسة عشر عاماً في لبنان, وانتهت الحرب الأهلية, هل عادوا إلى الله؟ أبداً. هذا آخر علاج:
﴿وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَداً مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ﴾
﴿وَإِنْ مِنْ قَرْيَةٍ إِلَّا نَحْنُ مُهْلِكُوهَا قَبْلَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ أَوْ مُعَذِّبُوهَا عَذَاباً شَدِيداً كَانَ ذَلِكَ فِي الْكِتَابِ مَسْطُوراً﴾
يعني: ونحن إن سرنا على طريقة أهل الشر, وأهل المعاصي والفجور, ينتظرنا عذاب من الله عز وجل:
﴿وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ﴾
﴿وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً﴾
يعني: إذا عم الفساد في الأرض:
﴿ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ﴾
((إذا أراد الله بقوم سوءاً, جعل أمرهم إلى مترفيهم))
يعني: علاج من علاجات الله, وفي آية: القراءة الأولى:
﴿وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا﴾
-أمرناهم بطاعة الله, فلم يستجيبوا-:
﴿فَفَسَقُوا فِيهَا﴾
والمترفون دائماً: قدوة للآخرين, الكبراء في المجتمع, الناس يقلدونهم دائماً:
﴿وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيراً﴾
قاعدة:
الحديث الثالث:
((إذا سرتك حسنتك وساءتك سيئتك, فأنت مؤمن))
قاعدة.
((إذا سرتك حسنتك وساءتك سيئتك, فأنت مؤمن))
تكلمت كلاماً لا يليق بالمؤمن, فلم تنم الليل من شدة الندم, تكلمت كلمة لم تكن حكيمة, قلقت قلقاً شديداً, سهرت مع جماعة لا يليق بك أن تجلس معهم, فتألمت ألماً شديداً, سألك سائل فرددته, تألمت ألماً شديداً, استنصحك ناصح مستنصح فلم تنصحه, تألمت ألماً شديداً.
((إذا سرتك حسنتك وساءتك سيئتك, فأنت مؤمن))
لأن الفطرة سليمة, أما حينما تنطمس الفطرة, تسرك سيئتك, وتسوءك حسنتك, هذه علامة خطيرة جداً.
بميزان صحيح: الخطأ بالوزن ليس هناك مشكلة أبداً, يمكن أن تخطىء بالوزن, والخطأ بالوزن لا يتكرر, أما الخطأ بالميزان لا يصحح. حينما تنطمس الفطرة, يكون الران على القلب, فهناك مع الله مشكلة كبيرة جداً.
لذلك: الإنسان إذا بقي عنده بقية فطرة, تفرح بالعمل الصالح, وتتألم بالعمل السيء, فليحمد الله على هذه الفطرة, لا تزال في نبض.
أحياناً الطبيب: يضع يده على المريض, لا يوجد حركة, يضع السماعة في أذنه, والسماعة على قلبه, لا يوجد حركة, يقول: آتوني بمرآة, يضعها على أنفه, لا يوجد بخار ماء, لا يوجد حركة, يقول: آتوني بمصباح, يضعه في عينيه, القزحية لا تضيق, عظم الله أجركم, الرجل ميت.
فلما الإنسان يفرح بالمصيبة, يراها مغنماً, وينزعج من الطاعة, ويراها عبئاً, هذا عظم الله أجركم, منته, لا يوجد حركة أبداً, نبض لا يوجد, أما إذا سرتك حسنتك وساءتك سيئتك, فهذه علامة طيبة جداً؛ يعني في نبض, في حياة, في روح, في أمل.
فالإنسان ينمي هذا الوازع الداخلي, ينمي هذه النفس بذكر الله, بصحبة المؤمنين, بارتياد المساجد, بطلب العلم, بالعمل الصالح, بإنفاق المال, من أجل أن يحافظ على حيوية فطرته, أما إذا انطمست هذه الفطرة, فاقرأ عليه السلام.
((إذا سرتك حسنتك وساءتك سيئتك, فأنت مؤمن))
وهذه علامة طيبة جداً.
نصيحة نبوية:
نصيحة من نصائح النبي -صلى الله عليه وسلم- الطبية:
يقول عليه الصلاة والسلام, فيما رواه الديلمي:
((إذا شربتم الماء, فاشربوه مصاً ولا تشربوه عباً, فإن العبَّ يُورث الكباد))
الكباد مرض في الكبد.
يعني: الإنسان إذا شرب الماء البارد عباً, فالمعدة (37), والماء درجته (2) أو (1), فكأس ماء كبير, يدخل إلى المعدة فجأة, ما الذي يحصل؟.
في عصب اسمه: العصب المبهم أو العصب الحائر, هذا عصب بين القلب والمعدة, وتنبيه هذا العصب تنبيهاً شديداً, فجائياً, قد يؤدي إلى الوفاة.
وقد قرأت مقالة لطبيب شهير, قال: هناك في معلومات الطبية, اثنتا عشرة حالة موت مفاجىء, من تنبه هذا العصب تنبيهاً مفاجئاً.
فالمعدة (37 درجة), يمسك إبريق الماء البارد, ويعب الماء عباً, أما إذا مصه مصاً, تتبدل حرارته شيئاً فشيئاً, هذا من السنة الشريفة, وقد أخذها النبي:
﴿إِنَّ اللَّهَ مُبْتَلِيكُمْ بِنَهَرٍ فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي وَمَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي إِلَّا مَنِ اغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ﴾
فإذا الإنسان بحالة حر شديد, يعني حر لا يحتمل, ودخل إلى بيت, وقال: آتوني الماء, وشرب حتى ملأ معدته بماء بارد جداً, ربما أصيب بأمراض وبيلة, ليس أقلها الكباد, مرض يصيب الكبد.
((مصوا الماء, ولا تعبوه عباً, فإن الكباد من العب))
وهذه رواية أخرى.
((إذا شربتم الماء فاشربوه مصاً, ولا تشربوه عباً, فإن العب يورث الكباد))
خاتمة القول:
آخر حديث: -أبلغوا هذا لزوجاتكم, دين الرجل -والله أعلم- مؤلف من عشرة آلاف بند, عشرة آلاف بند, في مئتي معصية؛ في البيع والشراء, في غض البصر, في غيبة القلب, في الوكالة, في الحوالة, في الطلاق, دين المرأة أربعة بنود, الرجل عشرة آلاف بند, المرأة أربعة بنود-.
((إذا صلت المرأة خمسها, وصامت شهرها, وحفظت فرجها, وأطاعت زوجها, دخلت الجنة))
أما أنت كم مزلق من مزالق البيع والشراء محرم؟ الله وكيلك هذا رأس ماله, ما الذي حدث معك أنت؟ وكلت الله, ورأس مالك أقل من هذا بكثير؛ يعني كلام في البيع والشراء, في المشي في الطرقات, في الشراء, في السفر, أنت, الزوجة: أربعة بنود.
((صلت خمسها, وصامت شهرها, وحفظت فرجها, وأطاعت زوجها, دخلت الجنة))
بسم الله الرحمن الرحيم, الحمد لله رب العالمين, والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين.
اللهم أعطنا ولا تحرمنا, أكرمنا ولا تهنا, آثرنا ولا تؤثر علينا, أرضنا وارض عنا, وصلى الله على سيدنا محمد النبي الأمي وعلى آله وصحبه وسلم.