- ندوات تلفزيونية / ٠01برنامج ويتفكرون - قناة ندى
- /
- ٠2ويتفكرون 2
مقدمة :
الدكتور بلال:
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله الذي خلق فسوى، والذي قدر فهدى، والصلاة والسلام على نبينا، نبي الرحمة والهدى، وعلى آله وأصحابه أجمعين.
أخوتي أخواتي أينما كنتم بتحية الإسلام أحييكم، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، نحن معاً في حلقة جديدة من برنامجنا :"ويتفكرون"، نبحر معكم متفكرين بآيات الله عز وجل الكونية والتكوينية والقرآنية، مع فضيلة شيخنا الدكتور محمد راتب النابلسي، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الدكتور راتب :
عليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
الدكتور بلال:
أستاذنا الفاضل نأخذ اليوم آية قرآنية وهي آية كونية أيضاً نتفكر فيها ونتدبرها، أول ما نزل من القرآن الكريم كما ثبت في الصحاح هو قوله تعالى:
﴿ اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ ﴾
نريد أن نتحدث عن قراءة الكون كيف نتفكر بها وما هذه القراءة التي ينبغي أن نكون عليها؟
علاقة الإنسان مع الإيمان علاقة وجود :
الدكتور راتب :
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين.
تعلمنا جميعاً في المدارس الرسمية وأي مدرسة أخرى أن الكون جماد و نبات و حيوان و إنسان، الجماد له وزن، وحجم، وأبعادٌ ثلاثة، بماذا يتميز عليه النبات؟ بالنمو، له وزن، و له أبعادٌ ثلاثة، ويشغل حيزاً بالفراغ، نضيف فقط النمو، الآن الحيوان، له وزن، وله أبعادٌ ثلاثة، ويشغل حيزاً بالفراغ، وينمو كالنبات لكنه يتحرك، القطة تمشي، الآن الإنسان، هو كيان مادي وزن، طول، عرض، ارتفاع، وينمو مثل النبات، ويتحرك كبقية المخلوقات، بماذا يفضل على كل المخلوقات؟ الله أعطاه قوة إدراكية، أعطاه إمكانية العلم، لذلك أول كلمة بأول آية بأول سورة، قال تعالى:
﴿ اقْرَأْ ﴾
اقرأ أي بسبب القوة الإدراكية التي مُنحتها يا عبدي لا بد من أن تطلب العلم، ولو أنك لم تطلب العلم هبطت عن مستوى إنسانيتك إلى مستوى لا يليق بك، الجماد، قال تعالى:
﴿ أَمْوَاتٌ غَيْرُ أَحْيَاءٍ ﴾
لغير المؤمنين، ميت وقد يكون نبضه مثالياً، ضغطه ثمان إحدى عشرة، لكنه عند الله ميت، أموات غير أحياء، قال تعالى:
﴿ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ ﴾
﴿ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً ﴾
والآية الدقيقة جداً:
﴿ كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَاراً ﴾
نحن خيارنا مع الإيمان لا خيار تفضيل، خيار وجود، الإنسان علاقته مع الإيمان لا علاقته مع وردة حمراء يتزين بها، بل علاقته مع الهواء يستنشقه، فإن لم يستنشق الهواء فقد حياته، فعلاقة الإنسان مع الإيمان علاقة وجود، فإن لم يؤمن هبط عن مستوى إنسانيته إلى مستوى لا يليق به، اقرأ.
أنواع القراءات :
الحقيقة اقرأ قراءة بحث وإيمان، هذه أول قراءة ابحث عن خالقك، من أنت؟ ما مهمتك في الحياة؟ لماذا خلقت؟ هل لك رسالة تؤديها؟ هل لك هدف تسعى إليه؟ هل آمنت بالدنيا فقط أم هناك آخرة؟ هل آمنت بالآخرة؟ هل عملت لها؟ هناك مئات الأسئلة يسألها العاقل، والحقيقة العقل مرتبط بالإيمان، بل من لا عقل له لا دين له، القراءة الأولى قراءة إيمانية، قراءة بحث وإيمان، لكن الله عز وجل منح الإنسان نعمة الإيجاد، قال تعالى:
﴿ هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئاً مَذْكُوراً ﴾
منحه نعمة الإمداد، أمده بالطعام، والشراب، والهواء، والوالدين، أمده بملايين ملايين النعم، حتى قوله تعالى:
﴿ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا ﴾
أنت عاجز عن إحصاء نعمة واحدة، أوجدك الله، أمدك بكل ما أنت بحاجة إليه ثم هداك إليه، أول قراءة هي قراءة بحث وإيمان، يجب أن نطلب العلم من أجل أن نؤمن، القراءة الثانية رداً على نعم الله العظمى، نعمة الإيجاد والإمداد، والهدى والرشاد، ينبغي أن تشكر، القراءة الثانية شكر وعرفان.
الدكتور بلال:
قال تعالى:
﴿ اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ ﴾
الدكتور راتب :
﴿ اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ ﴾
أكرم أعطاك نعمة الإيجاد والإمداد، والهدى والرشاد، والقراءة الثالثة قراءة وحي وإذعان، هذا الإنسان يجب أن يسأل: لماذا أنا موجود في الدنيا؟ ما حقيقة الدنيا؟ ماذا بعد الموت؟ ماذا بين الموت وبين الجنة والنار؟ لماذا خلقت؟ هل هناك من منهج؟ هذه قراءة الوحي والإذعان، فلذلك قالوا: كمال الخلق يدل على كمال التصرف. مادام هناك خلق معجز فالإله الذي خلق هذا الخلق المعجز لا يمكن أن يدع الإنسان من دون منهج يسير عليه.
الدكتور بلال:
أستاذنا الفاضل قراءة الوحي والإذعان هو ما لا يستطيع العقل أن يصل إليه أخبرنا الله به؟
من يصطلح مع نفسه يصطلح مع راحته النفسية :
الدكتور راتب :
من زاوية معينة، أنت ترى الجبال، والشمس، والقمر، والنبات، والحيوان، والمخلوقات، والبحار، والسهول، والهضاب، والأكمات، والفواكه، والخضراوات، ترى البشر ألواناً ملونة، هذه رؤية، لكن هذه الرؤية كيف تفسر تفسيراً كاملاً مطلقاً؟ يجب أن نأخذ تفسيرها من الخالق، هذا الخلق فيه كمال، كمال الخلق يدل على كمال التصرف. فلا يمكن لهذا الخالق العظيم وهو الكامل كمالاً مطلقاً أن يدع عباده بلا توجيه، ولا تعريف، إذاً الإيمان بوجود توجيه إلهي هذا قطعي، لذلك أعطى الله الإنسان فطرة سليمة، والآن الإنسان مبرمج برمجة تتوافق مع منهج الله، فأي أمر أمرك الله به برمجك على محبته، وأي نهي نهاك الله عنه برمجك على كراهيته، والدليل، قال تعالى:
﴿ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ ﴾
فأنت مبرمج، لذلك الآية دقيقة جداً قال تعالى:
﴿ فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا ﴾
أي أن تقيم وجهك لله حنيفاً، هذا متطابق تطابقاً تاماً وقطعياً مع فطرتك التي فطرت عليها، لذلك يقولون: الإسلام دين الفطرة. الإنسان متى يسعد؟ إذا اصطلح مع فطرته، أنا أضرب مثلاً لو لم يتلق الإنسان أي توجيه بحياته، نشأ بجزيرة من أم، وما تلقى أي توجيه بحياتي، لا ديني، ولا سماوي، ولا أرضي، ولا فلسفي، ولا أي شيء، صاد أرنباً وأمه جائعة مثله، أكله وحده، يحس بكآبة، تعذبه فطرته، فلذلك الإنسان حينما يصطلح مع نفسه يصطلح مع راحته النفسية.
من عرف الله عرف كل شيء :
أنا أقول كلمة دقيقة: يتمتع المؤمن بسعادة والله لو وزعت على أهل بلد لكفتهم، يكفي أنه يعرف أنه خلق ليعرف الله، والله وعده بجنة عرضها السموات والأرض، لذلك المؤمن حينما يرى مقامه في الجنة يقول: لم أر شراً قط. وإذا رأى غير المؤمن مكانه في النار يقول: لم أر خيراً قط. أنا أقدم تصويراً دقيقاً جداً، شاب ذكي جداً جداً، وفقير جداً جداً، استطاع أن يأخذ ممن حوله مساعدات لبطاقة طائرة ليصل إلى أمريكا مثلاً، ففي النهار يداوم في الجامعة، وبعد الظهر يعمل في مطعم بغسيل الصحون، وفي الليل يدرس، سبع سنوات ذاق الأمرين، ثم علمت حكومته باختصاصه النادر، فوعدوه بوزارة، أن يكون وزير صحة مثلاً، الآن قطع التذكرة، أخذ الشهادة صورها وصدقها وقطع التذكرة، وذهب إلى المطار، ووضع رجله على سلم الطائرة، هذا هو الموت عند المؤمن.
الدكتور بلال:
أسعد لحظات حياته.
الدكتور راتب :
أسعد لحظات حياته، انتهى عهد التكليف جاء عهد التشريف، انتهى ضبط النفس جاء الإقبال على الله عز وجل، فالحقيقة الدقيقة أن الإنسان إذا عرف الله عرف كل شيء، وإن فاتته معرفة الله فاته كل شيء.
(( ابن آدم اطلبني تجدني، فإذا وجدتني وجدت كل شيء، وإن فتك فاتك كل شيء، وأنا أحبّ إليك من كل شيء))
خاتمة و توديع :
الدكتور بلال:
جزاكم الله خيراً، وأحسن إليكم، بهذه الكلمات الطيبة نختم، وقد تعلمنا أن هناك قراءات ثلاث للكون، قراءة بحث وإيمان، وقراءة شكر وعرفان، وقراءة وحي وإذعان، ومازال هناك قراءة رابعة غير مرغوبة سنبحث مع فضيلة شيخنا في الحلقة القادمة هذه القراءة انتظرونا في اللقاء القادم، إلى الملتقى نستودعكم الله، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.