الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا وزدنا علماً، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.
استنباطات نستنبطها من كتاب الله تتعلق بالإيمان بالرسل:
1- النبوة والرسالة فيض إلهي واصطفاء رباني:
أيها الإخوة الأكارم؛ مع الدرس الخامس والعشرين من دروس العقيدة.
كان الدرس الماضي متعلقاً بوجوب الإيمان بالأنبياء والرسل، وبيّنا كيف أن الإيمان بالرسل وبالأنبياء من أركان العقيدة، وكيف أنّ الإيمان بالرسل والأنبياء من العقائد التي يجب العلم بها بالضرورة، فلو أنّ الإنسان لم يؤمن بالرسل والأنبياء كان كافراً، فهذه العقائد الأساسية، لذلك يُسمّى علم العقائد علم أصول الدين، الدين له أصول وله فروع، فالإيمان بالرسل من أصول الدين.
هناك استنباطات نستنبطها من كتاب الله تتعلق بالإيمان بالرسل:
الاستنباط الأول: هو أن كلاً من النبوة والرسالة فيض إلهي واصطفاء رباني، بمعنى أن النبوة والرسالة ليستا كسبيتين، إنما هما هبة من الله سبحانه وتعالى، ولكن بعض الناس يتوهمون أن هذه الهبة تُمنح لأي إنسان، هذا الذي أريد أن أُعَلِّق عليه، إن النبوة والرسالة هبة وليست كسباً بمعنى أن الإنسان لو فعل شيئاً معيناً لا يكون نبياً إلا أن يصطفيه الله سبحانه وتعالى، لكن الله حينما يصطفي هذا الإنسان ليكون نبياً يصطفيه أي ينتقيه من قمم البشر.
البشر متنوعون لهم قمم، الأنبياء قمم في الإنسانية، أي هذا الإنسان الذي أقبل على الله إقبالاً مستمراً، الذي تنام عينه ولا ينام قلبه، هذا الإنسان من هذا المستوى يصطفي الله سبحانه وتعالى أنبياءه ورسله، فكلّ من النبوة والرسالة فيض إلهي واصطفاء رباني، وأن أيّاً منهما لا يكون أمراً مكتسباً يُكْتسب بالاجتهاد والرياضة.
قلنا كلمة الدرس الماضي: السفير لابد من أن يُنتقى من عَلِية القوم، من المتفوقين، ممن يحملون أعلى الشهادات، ممن يتقنون اللغات، هل يعني ذلك أن الإنسان إذا نال شهادة عليا وأتقن لغة أجنبية صار سفيراً؟ لا، السفراء يُنْتقون من أناس من علية القوم، ولكن نيل الشهادة لا يُلْزم أن يكون صاحب هذه الشهادة سفيراً، هذا مثل قريب.
فالنبوة والرسالة هبة من الله سبحانه وتعالى وليستا كسبيتين، لكن هذه الهبة اصطفاء، ومعنى اصطفاء أي انتقاء، أي أن الله سبحانه وتعالى انتقى هذا النبي من قمم البشرية، لذلك لو أتيح لواحد منّا أن يلتقي بنبي كيف قال بعض الناس عن النبي صلى الله عليه وسلم إنه سحر أصحابه؟ سحرهم بماذا؟ بخُلقه الرفيع، بأخلاقه السمحة، بتواضعه، بعدلـه، برحمته، بلطفه، بمحبته للخلق، بحلمه، بحبه للخير، هذه الأخلاق الرفيعة تؤكد أن النبوة اصطفاء بمعنى انتقاء.
2- النبوة والرسالة وصفهما مغاير للآخر:
الشيء الثاني: أن الوصف بالرسالة مغاير للوصف بالنبوة، هناك نبي وهناك رسول، ويَشهد بذلك وصف الله بهما معاً، وفي هذا إشعار بتغاير مفهوميهما في الاصطلاح الشرعي، ومن ذلك قوله تعالى في سورة مريم:
﴿ وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مُوسَى إِنَّهُ كَانَ مُخْلَصًا وَكَانَ رَسُولًا نَبِيًّا (51)﴾
الرسالة مقام، والنبوة مقام آخر ﴿وَكَانَ رَسُولًا نَبِيًّا﴾ ، كما يشهد بذلك آية قرآنية ثانية قال تعالى:
﴿ وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلَا نَبِيٍّ إِلَّا إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ فَيَنْسَخُ اللَّهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللَّهُ آيَاتِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (52)﴾
فالنبي مقام والرسالة مقام.
3- الاصطفاء بالنبوة سابق على الاصطفاء بالرسالة:
شيء ثالث يُستنبط من كتاب الله حول النبوة والرسالة أن الاصطفاء بالنبوة سابق على الاصطفاء بالرسالة،
فلا يَتم الاصطفاء بالرسالة إلا لمن تمّ اصطفاؤه بالنبوة، أي كما قلنا في الدرس الماضي كل رسول نبي وليس العكس، لا يمكن أن يكون الرسول إلا نبياً، ولكن النبي ليس بالضرورة هو رسول، يدل على ذلك نصوص عديدة منها قوله تعالى في سورة الزخرف:
﴿ وَكَمْ أَرْسَلْنَا مِنْ نَبِيٍّ فِي الْأَوَّلِينَ (6)﴾
فالنبي موجود قبل إرساله: ﴿وَكَمْ أَرْسَلْنَا مِنْ نَبِيٍّ فِي الأَوَّلِينَ﴾ وفي حقّ سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم:
﴿ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا (45) وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُنِيرًا (46)﴾
أي إذا كان باب النبوة قد أُغلِق، وباب الرسالة قد أُغلِق، فالنبي عليه الصلاة والسلام خاتم النبيين.
ينبغي على المسلم أن يتنافس على درجات الآخرة:
لكن هناك مقامات كثيرة مُفَتحة، مقام الدعوة إلى الله سبحانه وتعالى، هذا مفتوح، مقام أن تكون عالماً ربانياً، يا بني الناس ثلاث: عالم رباني، ومستمع على سبيل نجاة، وهمجٌ رعاع أتباع كل ناعق، لم يستضيئوا بنور العلم، ولم يلجؤوا إلى ركن وثيق، فأحذر يا كميل أن تكون منهم، مقام العلم الرباني موجود في كل زمان، قال تعالى:
﴿ وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجَالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (43)﴾
أهل الذكر هم العلماء، فمن أراد النجاة من النار عليه أن يستقيم، لكنه من أراد مراتب عليا في الجنة عليه أن يكون من السابقين، قال تعالى:
﴿ وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ (10) أُولَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ (11)﴾
أي ما أجمل أن يكون الإنسان طموحاً في طريق الجنة! لا يرضى بالمرتبة الدنيا، لا يرضى أن يكون من الناجين، يسعى إلى أن يكون من المتفوقين لقوله تعالى:
﴿ خِتَامُهُ مِسْكٌ وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ (26)﴾
هذا هو التنافس الذي يُحبه الله سبحانه وتعالى.
ينبغي على المسلم ألا يتنافس على الدنيا:
أما التنافس على حطام الدنيا، على مُتعها، على شهواتها، على زُخرفها، على بهرجها، على مكاسبها، على مالها، على بيوتها، على بساتينها، على مركباتها، على حيازة الأموال الطائلة فيها، فهذا التنافس يُبغضه الله سبحانه وتعالى:
﴿وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ﴾ قال تعالى:
﴿ لِمِثْلِ هَذَا فَلْيَعْمَلِ الْعَامِلُونَ (61)﴾
﴿ قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ (58)﴾
قل لي ما الذي يُفْرِحك أقل لك من أنت، أي شيء خطير، مَنْ فَرِح بالدنيا ولو أنه اكتسبها من طريق مشروع، فرحه بالدنيا ماذا يعني؟ أنه لا يعرف مهمته في الحياة، مَنْ فَرِح بالدنيا المشروعة، مَنْ فَرِح بالمال الذي اكتسبه من طريق مشروع، فَرَحه يعني أنه لا يعرف المهمة التي خُلِق من أجلها، وليس متحققاً من أنه لابد من مغادرة الدنيا، ولن يأخذ معه إلا العمل الصالح، فلذلك أنا أتمنى من أعماقي أن أرى فيكم أناساً كثيرين يطمحون لا إلى النجاة من النار، ولكن إلى بلوغ أعلى الدرجات في الجنة، إذا كان باب النبوة والرسالة قد أُغلقا فإن باب الولاية مفتوح إلى يوم القيامة:
﴿ أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (62) الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ (63)﴾
أي لا ينبغي أن تُمضي حياتك إلا في طاعة الله، لا ينبغي أن تُهلِك شبابك إلا في طاعة الله، لا ينبغي أن تُسَخّر طاقاتك وإمكاناتك ومالك إلا في مرضاة الله، إن فعلت ذلك فأنت الرابح، أنت الناجح:
﴿ قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ (1) الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ (2)﴾
﴿ قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى (14) وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى (15)﴾
أي إذا عرفت طريق الفلاح، وطريق الفوز فأنت من السعداء، آية واحدة أضرب لكم مثلاً دقيقاً، لو أن طالبين على مقعد الدراسة، واحد منهما جمع من الدنيا أموالاً طائلة، وحصَّل شأناً رفيعاً ولكنه ليس مستقيماً، والآخر دخله محدود وحياته خشنة لكنه مطيع لله عز وجل، قال تعالى:
﴿ يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا (71)﴾
فإذا شعر الطائع أنه محروم فهذا جهل به، وجهل بما عنده، من أوتي القرآن فرأى أن أحداً أوتي خيراً منه فقد حقّر ما عظّمه الله، القرآن غنىً لا فقر بعده:
(( عن سعد بن أبي وقاص : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ليس مِنَّا مَنْ لمْ يَتَغَنَّ بالقرآنِ. ))
[ المستدرك على الصحيحين: خلاصة حكم المحدث : سكت عنه وقال في المقدمة رواته ثقات احتج بمثله الشيخان أو أحدهما ]
ببعض المعاني: ليس منا من لم يستغن بالقرآن عما سواه، الأنبياء والرسل ماذا أُعطوا؟
﴿ وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (22)﴾
فرعون ماذا أُعطي؟ قارون ماذا أُعطي؟ قد يعطي الله سبحانه وتعالى المال لمن لا يحبه، فقارون:
﴿ إِنَّ قَارُونَ كَانَ مِنْ قَوْمِ مُوسَى فَبَغَى عَلَيْهِمْ وَآتَيْنَاهُ مِنَ الْكُنُوزِ مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ إِذْ قَالَ لَهُ قَوْمُهُ لَا تَفْرَحْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ (76)﴾
لا يحب الفرحين بالدنيا، يحب الفَرِحين برضوان الله عز وجل، أي إذا سألتني عن أعلى مرتبة ينالها الإنسان على وجه الأرض، أعلى مرتبة ينالها الإنسان على وجه الأرض، قلت لك أن يُقال له: رضي الله عنه، أي من فاز برضاء الله سبحانه وتعالى فقد حقق أعلى مرتبة على وجه الأرض، المؤمنون هم ملوك الدار الآخرة:
﴿ تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ (83)﴾
فهذا التعليق أنه باب الولاية مفتوح، باب أن تكون من السابقين مفتوح، ربنا ربنا، إلهنا إلهنا، ربّ موسى وهارون موجود، ربّ إبراهيم موجود، رب محمد موجود، ربّ أصحاب محمد موجود، باب الطاعات مفتوح، باب المجاهدة مفتوح، رجعنا من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر، جهاد النفس والهوى، لذلك: إن الله يحبكم إذا تنافستم في طاعته.
استنباط آخر؛ آية: ﴿وَكَمْ أَرْسَلْنَا مِنْ نَبِيٍّ فِي الأَوَّلِينَ﴾ وآية:
﴿ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا (45)﴾
هاتان الآيتان تُشيران إلى أن النبوة تكون متحققة أولاً، ثم يأتي بعدها الإرسال، ونستطيع من هذا أن نفهم أنه قد تمرّ على النبي فترة الاصطفاء بالوحي قبل أن يُؤمَر بالتبليغ، النبي الرسول قد يأتي عليه حين من الدهر يكون في هذا الحين نبياً وليس رسولاً، ثم يُؤمَر بالتبليغ فيصبح عندئذٍ رسولاً.
شيئان يرفعانك عند الله سبحانه وتعالى عملك الصالح وتهجدك في الليل:
النبي عليه الصلاة والسلام ربنا سبحانه وتعالى خاطبه فقال:
﴿ يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ (1) قُمْ فَأَنْذِرْ (2)﴾
يُروى أن سيدنا رسول الله حينما نزلت عليه هذه الآية ألقى عن نفسه الدّثار وقام للتبليغ، فطلبت منه السيدة خديجة رضي الله عنها أن يبقى في الفراش فقال كلمة، هذه الكلمة لا يعرفها إلا من ذاقها، قال: يا خديجة انقضى عهد النوم.
يا ترى ربنا عز وجل وصف السابقين قال:
﴿ تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ (16)﴾
أي إذا فتّحت عينيك الساعة الرابعة والنصف، وبقي لأذان الصبح -على التوقيت القديم طبعاً-ثلاثة أرباع الساعة، هل تنزع عنك اللحاف وتقول: قم صلّ قيام الليل؟ قم ناجِ ربك في هذا الليل؟ قال تعالى:
﴿ أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا (78) وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا (79)﴾
فالمقام المحمود يأتي من التهجد في الليل، والمقام المحمود يأتي من العمل الصالح، شيئان يرفعانك عند الله سبحانه وتعالى عملك الصالح، وتهجدك في الليل، لذلك:
(( عَنْ أَبِي سَعِيدٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ قَالا: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ اللَّهَ يُمْهِلُ حَتَّى إِذَا ذَهَبَ ثُلُثُ اللَّيْلِ الْأَوَّلُ نَزَلَ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا فَيَقُولُ: هَلْ مِنْ مُسْتَغْفِرٍ؟ هَلْ مِنْ تَائِبٍ؟ هَلْ مِنْ سَائِلٍ؟ هَلْ مِنْ دَاعٍ؟ حَتَّى يَنْفَجِرَ الْفَجْرُ. ))
هذه نصيحتي لكم: من كانت له عند الله حاجة فليصلِّ قيام الليل، وليسأله حاجته في السجود، خالق الكون يقول لك: هل لك من حاجة عندي؟
لا تسألنّ بنيّ آدم حاجــــــة وسل الذي أبوابه لا تحجبُ
الله يغضب إن تركت سؤاله وبني آدم إن تسأله يغضب
يغضب متى؟ إن سألته، الآن تبقى العلاقات طيبة مادمت ما طلبت منه شيئاً، إذا طلبت منه شيئاً تراه تَغَيّر تجاهك، هكذا الإنسان، لكن الله سبحانه وتعالى إن الله يحبّ الملحين في الدعاء.
(( عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: مَن لَم يَدْعُ اللهَ عزَّ وجلَّ غضِبَ عليهِ. ))
إن الله يحبّ من عبده أن يسأله حاجته كلها:
(( عن أنس رضي الله عنه قال رسول الله ﷺ: ليسأل أحدكم ربه حاجته كلها حتى شسع نعله إذا انقطع. ))
اسأله، قال تعالى:
﴿ وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ (60)﴾
فما لك حاجة عند الله؟ حاجة في الدنيا أو في الآخرة؟ انقضى عهد النوم يا خديجة، ﴿يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ*قُمْ فَأَنذِرْ﴾ وقوله تعالى:
﴿ يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ (67)﴾
الاستنباط الرابع من الآيات الكريمة فيما يتعلق بالنبوة أن الله سبحانه وتعالى قد يقتصر على الاصطفاء بالنبوة بالنسبة لبعض الأنبياء، أي هناك أشخاص اصطفاهم الله ليكونوا أنبياء فقط، دون أن يأمرهم بتبليغ رسالته، وهؤلاء يمكن أن نسميهم أنبياء لا رسلاً، وعلى هذا فتكون مهمة النبي الذي لم يُؤمر بتبليغ رسالة العمل والفتوى بشريعة رسول سابق، النبي الذي لم يُكَلّف برسالة يبين للناس ما نُزّلَ إليهم سابقاً، يعمل ويُفتي برسالة رسول سابق، لذلك قيل: علماء أمتي كأنبياء بني إسرائيل، أي ما من عالم في أمة محمد صلى الله عليه وسلم يستطيع أن يأتي بجديد، إنما أنا مُتّبع ولست بمبتدع، القرآن كلام الله، والسُّنة المطهرة ودور العلماء توضيح كتاب الله وتوضيح السّنة المطهرة، أما أن يأتوا بجديد فهذا مستحيل، لأن علماء أمتي كأنبياء بني إسرائيل، من حيث الوظيفة لا من حيث المرتبة، النبي نبي، والعالم عالم، لا يرقى الولي إلى مرتبة النبي، العالم ليس معصوماً لكن النبي معصوم، أي من قال لك أنا لا أخطئ، قل له: أنت كاذب، لأنك إن لم تُخطئ فأنت معصوم، والعصمة للأنبياء، قال تعالى:
﴿ أَلَمْ تَرَ إِلَى الْمَلَإِ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى إِذْ قَالُوا لِنَبِيٍّ لَهُمُ ابْعَثْ لَنَا مَلِكًا نُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ قَالَ هَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ أَلَّا تُقَاتِلُوا قَالُوا وَمَا لَنَا أَلَّا نُقَاتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَدْ أُخْرِجْنَا مِنْ دِيَارِنَا وَأَبْنَائِنَا فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ تَوَلَّوْا إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ (246)﴾
هذا النبي لم يُذكر اسمه في القرآن الكريم، بعض المؤرخين يقولون: إنه صموئيل، نبي أرسله الله لبني إسرائيل وليس رسولاً، معنى أرسله أي كان بينهم، أما معنى أعطاه الرسالة كلفه بكتاب من عند الله.
ملخص هذا البحث؛ من ذلك يتبين لنا أن كل رسول نبي، ولا يلزم أن يكون كل نبي رسولاً، وبالنظر إلى هذه الأمور السابقة التي نلاحظها في نصوص القرآن حول الفرق بين النبي والرسول نُدرك السرّ البلاغي التالي: ندرك السر البلاغي في الجمّ الغفير من النصوص القرآنية التي تتعرض إلى ألفاظ الرسول والرسل والرسالة، إذ تقترن بالمهام المتصلة لتبليغ الشريعة، ودعوة الخلق إلى الحق، أي حيثما وردت كلمة رسول، رسالة، رسل، معناها تبليغ الشريعة للخلق، كما نُدرك السرّ البلاغي في الجمّ الغفير من النصوص القرآنية التي تتعرض إلى ألفاظ النبي والنبيين والنبوة، إذ تقترن بالأحوال والصفات والأحكام الخاصة المناسبة لمعنى النبوة الذي شرحناه وهو الاصطفاء بالوحي، فحيثما وردت كلمة النبي فتعني الوحي والتلقي، وحيثما وردت كلمة الرسول تعني الإلقاء والتبليغ، هذا الفرق الدقيق بين النبي والرسول هو ما عليه جمهور العلماء، وجمهور أهل التوحيد، وهناك آراء أخرى لا مجال لذكرها في هذا الدرس، نكتفي برأي كلمة جمهور تعني أكثر العلماء، وينبغي أن يكون المسلم الحق مع من؟ مع جمهور العلماء، مع الأكثرية، الأكثرية هذا رأيهم في الفرق بين النبي وبين الرسول، فحسبُنا أن نفهم أن النبي عبد اصطفاه الله بالنبوة، وذلك بأن أوحى إليه، وأن الرسول نبي اصطفاه الله بالرسالة، فأمَرَه أن يبلغ شرعه إلى الناس.
هذا ملخص الموضوع، وسوف ننتقل في درس قادم إلى حاجة الناس إلى الرسل، هل هم بحاجة ماسة إلى الرسل؟ هذا سؤال، قال سيدنا علي كرّمَ الله وجهه يجيب أحد السائلين حينما سأله: أكان مسيرنا إلى الشام بقضاء من الله وقدر؟ قال: ويحك لو كان قضاءً لازماً، وقدراً حاتماً إذاً لبَطَلَ الوعد والوعيد، ولانتفى الثواب والعقاب، إنَّ الله أمر عباده تخييراً، ونهاهم تحذيراً، وكلّفَ يسيراً، ولم يُكلّف عسيراً، وأعطى على القليل كثيراً ، ولو أنَّ الأمر كذلك لكانَ إرسال الرسل عبثاً، فالرسل لهم مهمة كبيرة جداً هذا ما نبحثه إن شاء الله في الدرس القادم.
الملف مدقق