- الخطب
- /
- ٠3الخطب الإذاعية
الخطبة الأولى:
العلم:
1 للإنسان هدف في الدنيا؟
لقد خلق الله الإنسان في أحسن تقويم.. وكرّمه الله أحسن تكريم.. سخر له الكون، ووهبه نعمة العقل، وأودع فيه الشهوات، وأحلّ له الطيبات، وحرم عليه الخبائث، ومنحه حرية الإرادة... كل ذلك ليعرف ربه فيعبده، ويسعد بعبادته في الدنيا والآخرة.
﴿ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ﴾
لهذا لا يسلم الإنسان، ولا يسعد، وهما مطلبان ثابتان للإنسان في كل زمان ومكان، لا يسلم الإنسان ولا يسعد إلا إذا تطابقت حركته اليومية في حياته الدنيا مع الهدف الحقيقي الذي خلق من أجله...
إذاً: تعدّ معرفة هذا الهدف والتحرك نحوه شرطين أساسيين لبلوغ هذين المطلبين الثابتين.
فإن لم يبحث الإنسان عن الهدف الحقيقي الذي خُلق من أجله، أو توهم هدفاً آخر لم يُخلق له، أو لم تأت حركته اليومية مطابقة للهدف الصحيح، كان القلق والاضطراب، وكان الضلال والشقاء، وتحققت خسارة كبيرة أبدية، قال تعالى:
﴿ قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالاً * الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً ﴾
الذي يحكم حركة الإنسان في الحياة تصورات للأهداف والوسائل هذه التصورات تُعد صحيحة إذا انطلقت من علاقة علمية.
2 ما هو العلم ؟
والعلم في الحقيقة هو علاقة ثابتة بين شيئين مقطوع بصحتها مطابقة للواقع، عليها دليل قطعي، فإن لم يكن مقطوع بصحتها كان الظن والشك والوهم، وإن لم تكن مطابقة للواقع كان الجهل، وإن افتقرت إلى الدليل كان التقليد.. قال تعالى:
﴿ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئا ﴾
ولن يستطيع الإنسان توجيه حركته اليومية نحو الهدف الصحيح الذي خُلق من أجله، إلا إذا انطلق من تصورات صحيحة، أساسها العلم اليقيني، وأسقط من تصوراته كل ما اعتراه الشك والظن والوهم والجهل والتقليد.
3 العلم أساس الدنيا والآخرة :
وذلك أن العلاقة بين طاعة الله وبين ثمارها علاقة علمية، أي علاقة سبب بنتيجة، كذلك العلاقة بين معصية الله وتبعاتها علاقة علمية أيضاً، لهذا يُعد العلم أساساً مكيناً لسلامة الإنسان وسعادته في الدنيا والآخرة، فإذا أردت الدنيا فعليك بالعلم، وإذا أردت الآخرة فعليك بالعلم، وإذا أردتهما معاً فعليك بالعلم، ومن هنا دعا الإسلام وهو دين الحق والفطرة، إلى العلم في كل المجالات أشاد بأداته، وهي العقل، في كل المستويات، لأن العلم في الإسلام كالروح في الجسد، وقوام الرجل عقله ، فمن لا عقل له لا دين له ، ومن لا دين له لا عقل له، وإنما الدين هو العقل.
4 القرآن بيَّن فضلَ العلمِ :
والآيات التي وردت في القرآن الكريم، والتي تتناول العلم والعقل تقترب من ألف آية، وحسبنا الدعاء القرآني:
﴿ وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْماً ﴾
وحسبنا أن الله يُفصِّل الآيات الكونية والقرآنية لقوم يعقلون حيث يقول:
﴿ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ ﴾
﴿ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ ﴾
بل إن العلماء وحدهم وليس أحد سواهم، هم الذين يخشون الله، قال تعالى:
﴿ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ ﴾
ولا يخفى أن ( إنما ) في الآية تفيد الحصر والقصر.
إن طلب العلم فريضة محكمة من فرائض الدين، لا تقلّ أهمية عن فرائضه الأخرى، بل هي أخطر فرائضه، وفي الحديث الصحيح:
(( طلب العلم فريضة على كل مسلم ))
5 العلمُ أفضل من نوافل العبادات :
حتى إن طلب العلم يفضُلُ في ثمراته نوافل العبادات.. ففيما روى ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
(( إن طلب العلم ساعة خير من قيام ليلة ، وطلب العلم يوماً خير من صيام ثلاثة أشهر ...))
6 العلمُ أساسُ المفاضلة :
والإسلام من خلال القرآن والسنة يرفض أشد الرفض أن تكون القوة، أو المال، أو النسب، أو المظهر أساساً للمفاضلة بين الناس، لكنه اعتمد العلم قيمة وحيدة مرجِحة بين بني البشر.. قال تعالى:
﴿ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ ﴾
روى الديلمي وابن عبد البر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال:
(( تعملوا العلم، فإن تعلمه لله خشية، وطلبه عبادة، ومذاكرته تسبيح، والبحث عنه جهاد، وتعليمه لمن لا يعلمه صدقة، وبذله لأهله قربة، لأنه معالم الحلال والحرام، ومنار سبيل الجنة، والأنيس في الوحشة والصاحب في الوحدة، والمحدِّث في الخلوة، والدليل على السراء والضراء، والسلاح عند الأعداء، والزين عند الأخلاء والقرب عند الغرباء، ويرفع الله به أقواماً فيجعلهم في الجنة قادة ...))
العلم بالله:
والعلم كما يرى الإمام الغزالي، علم بالله، وعلم بأمره، وعلم بخلقه، أو علم بالحقيقة، وعلم بالشريعة، وعلم بالخليقة، والعلم بالله أصل الدين، والعلم بأمره أصل العبادة، والعلم بخلقه أصل في صلاح الدنيا.
1 العلمُ بالله طريقُه التفكر في مخلوقات الله:
لقد دعا الإسلام إلى العلم بالله، من خلال التفكر في خلق السماوات والأرض، حيث تتابع الأمر به في سور القرآن، وعُدَّ الأساس الأول لبناء دعائم العقيدة والإيمان.. قال تعالى:
﴿ فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسَانُ مِمَّ خُلِقَ * خُلِقَ مِنْ مَاءٍ دَافِقٍ * يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرَائِبِ * إِنَّهُ عَلَى رَجْعِهِ لَقَادِرٌ ﴾
وقال تعالى:
﴿ فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسَانُ إِلَى طَعَامِهِ * أَنَّا صَبَبْنَا الْمَاءَ صَبّاً * ثُمَّ شَقَقْنَا الْأَرْضَ شَقّاً * فَأَنْبَتْنَا فِيهَا حَبّاً * وَعِنَباً وَقَضْباً * وَزَيْتُوناً وَنَخْلاً * وَحَدَائِقَ غُلْباً * وَفَاكِهَةً وَأَبّاً * مَتَاعاً لَكُمْ وَلِأَنْعَامِكُمْ ﴾
وقال أيضاً:
﴿ أَفَلَا يَنْظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ * وَإِلَى السَّمَاءِ كَيْفَ رُفِعَتْ * وَإِلَى الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ * وَإِلَى الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ ﴾
وقال تعالى:
﴿ قُلِ انْظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا تُغْنِي الْآيَاتُ وَالنُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لَا يُؤْمِنُونَ ﴾
2 التفكر في الكون من أرقى العبادات:
والتفكر في خلق السماوات والأرض نوع من العبادات بل هو من أرقى العبادات، ففي صحيح ابن حبان عن عطاء أن عائشة رضي الله عنها قالت:
(( أتاني النبي صلى الله عليه وسلم في ليلتي وقال:
(( ذريني أتعبد لربي عز وجل ))
فقام إلى القُربة، فتوضأ، ثم قام يصلي، فبكى حتى بلَّ لحيته، ثم سجد حتى بلَّ الأرض، ثم اضطجع على جنبه، حتى أتي بلالٌ يؤذنه بصلاة الصبح، فقال يا رسول الله ما يبكيك؟ وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر، فقال:
(( ويحك يا بلال، وما يمنعني أن أبكي وقد أنزل الله تعالى عليَّ في هذه الليلة ﴿ إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ ﴾))
ثم قال عليه الصلاة والسلام:
(( ويل لمن قرأها ولم يتفكر فيها ))
وقال:
(( أمرت أن يكون صمتي فكراً، ونطقي ذكراً، ونظري عبرةً ))
وقال الحسن البصري رحمه الله:
(( من لم يكن كلامه حكمةً فهو لغو، ومن لم يكن سكوته تفكراً فهو سهو، ومن لم يكن نظره عبرةً فهو لهو.. ))
انظر إلى الشمس، وسل: من الذي رفعها ناراً؟
انظر إلى الشمس، وسل من رفعها ناراً، ومن نصبها مناراً، ومن ضربها ديناراً، ومن علقها في الجو ساعة، يدب عقرباها إلى قيام الساعة، ومن الذي آتاها معراجها، وهداها أدراجها، وأحلها أبراجها، ونقَّل في سماء الدنيا سراجها، الزمان هي سبب حصوله، ومنشعب فروعه وأصوله، وكتابها بأجزائه، لولاها ما اتسقت أيامه، ولا انتظمت شهوره وأعوامه، ولا اختلف نوره وظلامه، ذهب الأصيل من مناجمها، والشفق يسيل من محاجمها، تحطمت القرون على قرنها، ولم يمح التقادم لمحة حسنها.
وهي تكبر الأرض بمليون وثلاثمائة ألف مرة حجماً، وتبعد عن الأرض مائة وستة وخمسين مليون كيلو متر، وهناك نجوم يزيد حجمها على حجم الأرض والشمس مع المسافة بينهما، وتصل الحرارة في مركزها إلى عشرين مليون درجة، فلو ألقيت الأرض في جوف الشمس لتبخرت في زمن قصير، ويزيد طول ألسنة اللهب المنطلقة من سطحها عن نصف مليون كيلو متر، لقد صدق الله العظيم إذ يقول:
﴿ سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ ﴾
انظر إلى القلب في فعله وأثره:
وانظر إلى القلب في فعله وأثره، وغرضه ووطره، وقدْرِه وقَدَره، وحيطانه وجدره، ومنافذه وحُجره، وأبوابه وستره، وكهوفه وحفره، وجداوله وغدره، وصفائه وكدره، ودأبه وسهره، وصبره وحذره، وعظيم خطره، لا يغفل ولا يغفو، ولا ينسى ولا يسهو، ولا يعثر ولا يكبو، ولا يخمد ولا يخبو، ولا يمل ولا يشكو، وهو دائب صبور بأمر الذي أحسن خلقته، وأعدَّ له عدته، وأوقد فيه جذوته، وقدّر له أجله ومدته، يعمل من دون راحةٍ ولا مراجعةٍ ولا توجيه.
يضخ في اليوم الواحد ثمانية أمتار مكعبة من الدم، تجري في مائة وخمسين كيلو متراً من الأوعية، ويضخ في عمر متوسط ما يملأ حجماً يساوي واحدةً من أكبر ناطحات السحاب في العالم.. لقد صدق الله العظيم إذ يقول:
﴿ سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ ﴾
انظر إلى النملة في صغر جثتها، ولطافة هيئتها:
وانظر يا أخي مع الإمام علي كرم الله وجهه:
(( انظر إلى النملة في صغر جثتها، ولطافة هيئتها، لا تكاد تنال بلحظ البصر، ولا بمستدرك الفكر، كيف دبت على أرضها ، وصُبَّت على رزقها، تنقل الحبة إلى جحرها وتعدُّها في مستقرها، تجمع في حرّها لبردها ، وفي وردها لصدرها، مكفولة برزقها، مرزوقةٌ بوفقها، لا يغفلها المنَّان، ولا يحرمها الدَّيَّان، ولو في الصفا اليابس والحجر الجامس، ولو فكرت في مجاري أكلها في علوها وسُفلها، وما في الجوف من شراسيف بطنها، وما في الرأس من عينها وأذنها، لقضيت من خلقها عجباً، ولقيت من وصفها تعباً، فتعالى الذي أقامها على قوائمها، وبناها على دعائمها، لم يشركه في فطرتها فاطر، ولم يعنه على خلقها قادر ))
لقد صدق الله العظيم إذ يقول:
﴿ وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ ﴾
وانظر لتلك الشجرة ذات الغصون النضرة
كيف نمت من حبة وكيف صارت شجرة
فابحث وقل من ذا الذي يذُخرج منها الثمرة
وانظر إلى الشمس التي جذوتها مستعرة
من ذا الذي أوجدها في الجو مثل الشررة
وانظر إلى الليل فمن أوجد فيه قمره
وزانه بأنجم كالدرر المنتثرة
وانظر إلى الغيم فمن أنزل فيه مطره
فصير الأرض به بعد اصفرار خضره
ذاك هو الله الذي أنعمه منهمرة
ذو حكمة بالغة وقدرة مقتدرة
* * *
العلم بأمر الله:
هذا عن العلم بالله، علم الحقيقة، فماذا عن العلم بأمر الله علم الشريعة؟
1. العلم بأمر الله يأتي بعد العلم بالله:
إن الإنسان إذا تفكر في خلق السماوات والأرض، فعرف الله خالقاً ومربياً ومسيراً، وعرف طرفاً من أسمائه الحسنى، وصفاته الفضلى، يشعر بدافع قوي إلى التقرب إليه من خلال امتثال أمره، واجتناب نهيه، عندها يأتي علم الشريعة ليبيّن أمر الله ونهيه في العبادات والمعاملات والأخلاق.
والشريعة عدل كلها، ورحمة كلها، ومصالح كلها، فكل مسألة خرجت عن العدل إلى الجو، وعن الرحمة إلى ضدها، وعن المصلحة إلى المفسدة، وعن الحكمة إلى العبث، فليست من الشريعة وإن أدخلت عليها بألف تأويل وتأويل.
قال عليه الصلاة والسلام فيما رواه الإمام البخاري في صحيحه:
((مَنْ يُرِدِ الله بِهِ خَيْراً يُفَقِّهْهُ في الدِّينِ ))
(( وإنما العلم بالتعلم ))
وفي الحديث الشريف الصحيح:
(( قليل الفقه خير من كثير العمل ))
2. العلم بأمر الله من أفضل أنواع العبادات:
بل إن التفقه في أحكام الشريعة والعمل بها يُعدُّ أفضل أنواع العبادات قال عليه الصلاة والسلام فيما رواه الدار قطني:
(( ما عُبدَ الله بشيءٍ أفضل من فقه في دين ، ولفقيه واحد أشدُّ على الشيطان من ألف عابد، ولكل شيءٍ عماد، وعماد الدين الفقه ))
العلم بالخليقة:
1ـ الإسلام يدعو إلى العلم بطبائع الأشياء وخصائصها:
بقي علم الخليقة، لقد دعا الإسلام إلى العلم بطبائع الأشياء وخصائصها، والقوانين التي تحكم العلاقة بينها، كي نستفيد منها تحقيقاً لتسخير الله جلّ وعلا للأشياء.. قال تعالى:
﴿ أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً ﴾
﴿ وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ ﴾
2ـ العلوم المادية طريق لعمارَة الأرض:
وتعلُّم العلوم المادية يحقق عمارَة الأرض عن طريق استخراج ثرواتها، واستثمار طاقاتها، وتذليل الصعوبات، وتوفير الحاجات تحقيقاً لقوله تعالى:
﴿ هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا ﴾
3ـ العلوم المادية طريق لمجابهة الأعداء:
وتعلم العلوم المادية، والتفوق فيها قوة، يجب أن تكون في أيدي المسلمين، ليجابهوا أعداءهم، أعداء الحق والخير والسلام، تحقيقاً لقوله تعالى:
﴿ وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ ﴾
4ـ الانتفاع بالخيرات لابد له من جهدٍ كبير:
لأن القوة قوة هذا العصر في العلم، بل إن الحرب الحديثة ليست حربا بين ساعدين، بل هي حرب بين عقلين.
ولحكمة بالغة لم يشأ الله جل وعلا أن يكون الانتفاع بخيرات الأرض وثرواتها وطاقاتها انتفاعاً بشكل مباشر، يلغي دور الإنسان، وإنما جعل هذا الانتفاع متوقفاً على جهد بشري: علم وعمل، فقد أودع الله في البذرة فيما يبدو قوة إنبات، ولكن لابد للإنسان من أن يزرعها ويرعاها، ولا بد للإنسان أن يحصدها، ليجني ثمارها، وأودع الله في الأرض خامات المعادن، ولكن لابد للإنسان أن يبحث عنها ويكتشفها، وأن يستخرجها، كل هذا ترسيخاً لقيم العلم والعمل، وابتلاءً لإنسانية الإنسان، فهل يرفعه العلم والعمل إلى أعلى عليين، أم يسقطانه إلى أسفل سافلين؟
5ـ النظرة العلمية والموضوعية طريق لإسقاط الدعاوى الباطلة:
وبالتحرر من الجهل والوهم، واعتماد النظرة العلمية، واتباع الطريقة الموضوعية، نستطيع أن نسقط كل الدعاوى الباطلة المزيفة التي يطرحها أعداؤنا أعداء الدين للنيل من إمكاناتنا وطموحاتنا، فباعتماد النظرة العلمية تصح رؤيتنا، وبإيماننا بالله واستقامتنا على أمره نستمد قوتنا، قال تعالى:
﴿ إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ فَلَا غَالِبَ لَكُمْ وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ ﴾
6ـ التعلم والتعليم قوام هذا الدين:
إن التعلم والتعليم قوام هذا الدين، ولا بقاء لجوهره، ولا ازدهار لمستقبله إلا بهما، والناس أحد رجلين: متعلم يطلب النجاة، وعالم يطلب المزيد.. وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
(( العالم والمتعلم شريكان في الخير ، ولا خير في سائر الناس ))
وقد قيل:
(( تعلموا العلم، فإن كنتم سادة فقتم، وإن كنتم وسطاً سدتم، وإن كنتم سوقةً عشتم ))
لكن العلم لا يعطيك بعضه إلا إذا أعطيته كلك، فإذا أعطيته بعضك لم يعطك شيئاً.
فلا بد أيها الأخ الكريم أن تكون عالماً، أو متعلماً، أو مستمعاً، أو محباً، ولا تكن الخامسة فتهلك.
على مثل هذه الصورة كن مع العلم:
وإن هذا العلم دين، فانظر عمَّن تأخذ دينك.. خذه عن الذين استقاموا، ولا تأخذه عن الذين مالوا.
العلم الذي نرتزق منه وكفى.. ليس إلا حرفة من الحرف.
والعلم الذي لا يصل تأثيره إلى نفوسنا، ومن ثم إلى سلوكنا، ما هو إلا حذلقة لا طائل منها.
العلم الذي يجعلنا نتيه به على غيرنا، ما هو إلا نوع من الكبر.
العلم الذي يعطل فينا المحاكمة السليمة والتفكر السديد نوع من التقليد.
والعلم الذي يوهمنا أننا علماء كبار، هو نوع من الغرور..
والعلم الذي يسعى لتدمير الإنسان، والفتك به، ويسعى لصناعة المرض نوع من الجريمة..
والعلم الذي نستخدمه للإيقاع بين الناس، والعدوان على أموالهم وأعراضهم، نوع من الجنوح والانحراف.
والعلم الذي لا يتصل بما ينفعنا في ديننا، ودنيانا، نوع من الترف المذمم ..
وفي الدعاء النبوي الشريف:
(( اللهم إنا نعوذ بك من علم لا ينفع، ومن قلب لا يخشع، ومن أذن لا تسمع، ومن عين لا تدمع، ومن نفس لا تشبع ))
الخطبة الثانية: