- أحاديث رمضان
- /
- ٠11رمضان 1425هـ - ومضات ايمانية
قصة سيدنا يوسف :
الحمد لله رب العالمين ، والصـلاة والسـلام على سـيدنا محمد الصـادق الوعد الأمين .
أيها الإخوة الكرام ؛ الكلام إما أن يسلك طريقاً مباشراً ، وإما أن يسلك طريقاً غير مباشر ، من الطرق غير المباشرة القصة .
القصة تعرض فكرة ، ولكن لا بشكل مباشر ، بل عن طريق شخصيات وأحداث وبداية ، وعقدة ، ونهاية ، وتحليل ، وسرد ، ووصف .
الحقيقة أن قصة سيدنا يوسف أطول قصة في القرآن الكريم ، لكن بطولة المؤمن أن يضع يده على مغزى القصة ، الذي يقرأ قصة ، ولا يبحث عن الفكرة التي يعبر عنها فكأنه ما قرأ قصة ، الأفكار في هذه القصة عرضت على شكل حوادث ، وعلى شكل تحليل ، وعلى شكل بداية ، وعقدة ، ونهاية .
والحقيقة أنه قلما تجد قصة ذكر بها المغزى مباشرةً ، لكن الله سبحانه وتعالى قال :
﴿ وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ ﴾
يقول الله عز وجل في الحديث القدسي :
(( أنت تريد وأنا أريد ، فإذا سلمت لي فيما أريد كفيتك ما تريد ، وإن لم تسلم لي فيما أريد أتعبتك فيما تريد ، ثم لا يكون إلا ما أريد ))
فإخوة يوسف أقوياء ، وقد مكروا به ، ووضعوه في غياب الجب ليتخلصوا منه
﴿ وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ ﴾
صار عزيز مصر ، الذين عارضوا النبي عليه الصلاة والسلام هم في مزبلة التاريخ ، والصحابة الكرام الفقراء الذين وقفوا معه أعلام في الدنيا والآخرة .
المغزى من القصة :
المغزى الأول :
أول مغزى في هذه القصة أنه مستحيل أن تطيعه وتخسر ، وأن تعصيه وتربح .
المغزى الثاني :
أن الله سبحانه وتعالى أودع في الإنسان الشهوات ، وبإمكانه أن يمارس هذه الشهوات بكل حرية وطلاقة ، ولكن الله سمح له بكل شهوة بحيز عند الله مقبول ، وما سوى هذا الحيز مرفوض .
حينما يضبط الإنسان شهوته وفق منهج الله يستحق من الله التكريم ، الآن الله عز وجل يكرمه بسعادة تفوق ملايين المرات عن اللذة التي كاد أن يحصلها من شهوة محرمة .
لذلك إن لم تقل وأنت مطيع لله عز وجل : أنا أسعد الناس ففي إيمانك خلل .
﴿ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنَ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللَّهِ ﴾
المعنى المخالف لو أنك اتبعت هواك وفق هدى الله عز وجل لا شيء عليك إطلاقاً ، فسيدنا يوسف كان شاباً في ريعان الشباب ، وكان عبداً ، وهناك أكثر من عشر أسباب تدعوه إلى أن يقترف المعصية ، أولاً غريب ، وثانياً التي دعوته إلى الفاحشة سيدته ، وليس من صالحها أن تفضحه ، وهو أعزب ، ووسيم .
في كتب التفسير كلام طويل حول الأسباب التي يمكن أن تكون مخففة له لو اقترف الفاحشة ، ومع ذلك قال :
﴿ قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ ﴾
جعله الله عزيز مصر ، لذلك يروى أن جارية في القصر تعرفه عبداً مملوكاً ، ثم رأته عزيز مصر ، فقالت : سبحان من جعل العبيد ملوكاً بطاعته ! لذلك الله عز وجل يقول :
﴿ وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ ﴾
هذه الآية في ظاهرها موجهة إلى النبي عليه الصلاة والسلام ، ولكن في حقيقتها هي لكل مؤمن ، كل مؤمن يؤثر طاعة الله يرفع له ذكره .
الشيء الثاني : أن المؤمن ولاسيما الشاب حينما يجعل قدوته هذا النبي الكريم الذي تميز بالعفة ، ماذا قال سيدنا جعفر عن رسول الله للنجاشي ؟ قال له :
(( حتى بعث الله فينا رجلاً نعرف صدقه وأمانته وعفافه ))
وكأن هذه الكلمات الثلاث أركان الخلق الكريم ، صادق إذا تحدث ، أمين إذا عاملته ، عفيف إذا استثيرت شهوته .
الآن إذا تتبعت ما ينشر في الصحف في العالم كله من فضائح ، كل هذه الفضائح تندرج في بابين ، فضيحة مالية أو فضيحة جنسية .
الشهوة وهوامش الأمان :
فهذا النبي الكريم هو قدوة لكل شاب ، لكن هذه الشهوة لا يمكن أن تنجو منها إلا إذا جعلت بينك وبينها هامش أمان .
فغض البصر هامش أمان .
وعدم الخلوة بامرأة أجنبية هامش أمان .
وعدم صحبة الأراذل هامش أمان .
وعدم مطالعة الأدب الإباحي هامش أمان .
من هنا قال الله عز وجل :
﴿ وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلاً ﴾
لم يقل : لا تزنوا ، قال :
﴿ وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا ﴾
إنك إذا تخطيت هامش الأمان جرتك هذه الشهوة إلى نهايتها دون أن تشعر ، وما من إنسان تلبس بفاحشة الزنا إلا وكان يعتقد أنه لم يصل إلى ما وصل إليه ، ولكنها سلسلة ، فالشريف من يهرب من أسباب الخطيئة .
موازنة بين اللذة والسعادة :
أيها الإخوة الكرام ؛ هناك شهوة ينتج عنها لذة ، وهناك اتصال بالله ينتج عنه سعادة ، اسمحوا لي أن أوازن بين اللذة والسعادة .
اللذة حسية ، تأتيك من الخارج ، من طعام ، من شراب ، من بيت ، من امرأة ، اللذة متناقصة لا يمكن أن تمدك اللذة بشعور مريح مستمر ، واللذة التي تمارس إن كانت بخلاف منهج الله تنتهي بكآبة .
لذلك أيها الإخوة ، المرض الأول في العالم هو الكآبة ، إنهم متفلتون ، يفعلون ما يروق لهم ، لكن العقاب الإلهي المعجل تلك الكآبة ، قال تعالى :
﴿ وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى ﴾
أما هذا الذي يغض بصره ، ويضبط شهوته مع من سمح الله بها ، هي زوجته ويكتفي بزوجته ، ولا ينظر :
﴿ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجاً مِنْهُمْ ﴾
ويرضى بإكرام الله له من خلال هذه الزوجة ، الله عز وجل يذيقه سعادة من نوع آخر .
فالشهوة واللذة حسية تأتيك من الخارج ، لا يمكن أن تمدك بسعادة مستمرة ، إن كانت خلاف المنهج تعقبها كآبة .
والمشكلة أيها الإخوة أن اللذات من أجل أن تصل إلى المتعة فيها أنت بحاجة ماسة إلى شروط ثلاثة :
إلى وقت ، وإلى مال ، وإلى صحة .
ولحكمة أرادها الله أن هذه الشروط لا يمكن أن تجتمع في إنسان ، ففي البداية شاب في ريعان الشباب عنده صحة جيدة ، وعنده وقت مديد ، لكن ليس معه مال يعينه على اقتناص الشهوات ، في مرحلة أخرى أسس عملا ، عنده صحة ، وعنده مال ، لكن ليس عنده وقت ليحقق هذه الشهوات ، في خريف العمر عنده مال ، وعنده وقت لكن ليس عنده صحة ، أما السعادة :
أولاً : تنبع من الداخل ، ولا تحتاج إلى شروط خارجية ، حينما تنعقد مع الله صلة محكمة تشعر أنك ملكت الدنيا ، تشعر بسعادة لا توصف ، تنبع من الداخل ، والسعادة الناتجة عن اتصالك بالله عز وجل مستمرة من بداية الحياة إلى نهايتها ، لذلك ، لا يحزن قارئ القرآن .
ما دمت تقبل على الله ، وتذوق من الله حلاوة القرب فأنت في سعادة ولو كنت في أسوأ ظرف ، قد تسعد بالسكينة ، وقد حرمت معها كل شيء ، وقد تشقى بفقدها ، وقد ملكت الدنيا من أطرافها ، هذه حقائق أيها الإخوة ، نحن حينما نقرأ هذه السورة يجب أن نعرف أن الشهوة إن ترفعت عن جانبها المحرم عوضك الله قرباً وسعادةً وتوفيقاً لا حدود له .
والشيء الدقيق أن الله تعالى قال :
﴿ وَأَنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي كَيْدَ الْخَائِنِينَ ﴾
هذا قانون ، مستحيل لإنسان يخون ويحقق أهدافه بالخيانة ، لا بد من أن يفتضح .
﴿ وَأَنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي كَيْدَ الْخَائِنِينَ ﴾
الشيء الثاني : أن تفاصيل الحياة وضع في جب .
﴿ وَجَاءَتْ سَيَّارَةٌ فَأَرْسَلُوا وَارِدَهُمْ فَأَدْلَى دَلْوَهُ قَالَ يَا بُشْرَى هَذَا غُلَامٌ ﴾
أُخذ إلى القصر ، امتحن من امرأة العزيز ، نحج بالامتحان ، دخل السجن .
مرة أيها الإخوة أحد إخواننا الكرام دخل السجن ، من حقه علي أن أزوره في السجن كي أطمئنه ، وكي أرفع من معنوياته ، لأنني على يقين قطعي أنه بريء ، لكن هناك خطأ طفيف جداً أودى به إلى السجن ، لما دخلت ماذا أقول له ، قلت له : إن نبياً كريماً أدخله الله السجن ليكون تسلية لكل مؤمن دخل السجن ظلماً ، الله عز وجل جعل الأنبياء بالتعبير الشائع كبش فداء ، سيدنا يوسف سُجن ، وسيدنا نوح ابنه كان كافراً ، وسيدنا لوط زوجته كافرة ، وسيدنا إبراهيم أبوه كافر ، ونبي كان عقيماً ، ونبي كان مريضاً ، فكل ما يطرأ على الإنسان من ظروف تمثلت بالأنبياء ليكونوا قدوة لنا .
أنا الذي أرجوه أن تكون هذه السورة منهجاً للشباب .
عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
(( إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ لَيَعْجَبُ مِنْ الشَّابِّ لَيْسَتْ لَهُ صَبْوَةٌ ))
(( إن الله تعالى يباهي بالشاب العابد الملائكة ، يقول : انظروا إلى عبدي ، ترك شهوته من أجلي ))
لكن أنصح الشباب بغض البصر ، أنصح الشباب بعدم الخلوة مع فتاة لا يحل له أن يخلو بها ، ألاّ يصحب الأراذل ، ألاّ يطالع أدباً مكشوفاً ، ألاّ يتابع مسلسلاً فاضحاً ، يجب أن يبتعد عن أسباب الفاحشة ، عندئذ يتولّى الله حفظه فهو في مظلة الله .