فريضة الزكاة في الإسلام .
أعزَّائي المستمعين أخوتي المؤمنين ؛ السلام عليكم ورحمة الله و بركاته .
شهرُ رمضان ، شهر الإنفاق ، شهر الصدقات ، شهر الزكاة ، قال تعالى :
﴿ خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (103) ﴾
هذه الآية الكريمة أيها الإخوة أصلٌ في فرضية الزكاة ، وفيها من دقَّة النظم وروعة الدَّلالة وقوة الاستنباط الشيءُ الكثيرُ .
فيُستنبَط من كلمة ( خُذْ ) في هذه الآية ؛ أن الزكاة ليست مجرَّد عمل طيِّب من أعمال البِرِّ يفعله المرءُ أو لا يفعله ، و ليست خُلَّةً حسنة من خلال الخير يتَّصف بها المسلم أو لا يتَّصف ، بل هي ركنٌ أساسي من أركان الإسلام ، و شعيرة من شعائره ، بل هي حجَرُ الزاوية في نظام الإسلام الاقتصادي ، وأساسٌ من أسس التكافل الاجتماعي ، إنها ليست أحسانا اختياريا ، ولا صدقة تطوُّعية ، وإنما هي فريضة تتمتع بأعلى درجات الإلزام الشرعي والخُلُقي .
ويُستنبط من كلمة ( مِنْ ) التي هي للتبعيض في هذه الآية أن الزكاة لا تطول جميعَ المال بل بعضَه ، وقد بيَّنت السُّنةُ مقادير هذا البعض بحسب الأموال وبحسب طريقة تحصيلها ومقدار الجُهد المبذول في جمعها .
ويُستنبط من كلمة ( أَمْوَالِهِمْ ) التي ورَدت جمعا أن الزكاة تطول كلَّ أنواع المال فتجب الزكاةُ في كل ما أخرجته الأرضُ من إنتاج زراعي ، وفي الثروة الحيوانية ، وفي المنتجات الحيوانية ، وفي الذهب والفضَّة ، وفي كل أنواع النقد المتداول ، والسندات والديون ، والسُّلَف ، وفي عُروض التجارة بشتَّى أنواعها ، وفي الحُلِّيِّ التي ليست للاستعمال الشخصي ، بل وتجب في الثروات الباطنية التي تحت الأرض ، وما تلِف مالٌ في برِّ أو بحرٍ إلا بحبس الزكاة ، ويُستنبط من ضمير الجمع في ( أَمْوَالِهِمْ ) أن الزكاة مفروضة على جميع المسلمين كافة ممن يملكون النَّصابَ الذي بيَّنته السُّنة من دون استثناءٍ أو إعفاء أو تخفيض أو طيٍّ .
ويُستنبط من كلمة ( صَدَقَةً ) في الآية أن المسلم حينما يدفع زكاة ماله يؤكِّد صدقَه ، أي تطابق فعله مع اعتقاده ، ويؤكِّد تصديقه لأمر الله عز وجل وتصديقه ليوم الدين ، وقد قال عليه الصلاة و السلام :
(( عَنْ أَبِي مَالِكٍ الْأَشْعَرِيِّ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: الطُّهُورُ شَطْرُ الْإِيمَانِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ تَمْلَأُ الْمِيزَانَ وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ تَمْلَآنِ أَوْ تَمْلَأُ مَا بَيْنَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالصَّلَاةُ نُورٌ وَالصَّدَقَةُ بُرْهَانٌ وَالصَّبْرُ ضِيَاءٌ وَالْقُرْآنُ حُجَّةٌ لَكَ أَوْ عَلَيْكَ كُلُّ النَّاسِ يَغْدُو فَبَايِعٌ نَفْسَهُ فَمُعْتِقُهَا أَوْ مُوبِقُهَا ))
فالزكاة عبادة مالية يؤكِّد بها المسلمُ تصديقه وصدقه ، فلو لم يطالبه بها السلطانُ طالبه بها القرآنُ .
ويُستنبط من كلمة ( تُطَهِّرُهُمْ ) في هذه الآية أن الزكاةَ تطهَّر نفسَ الغنيِّ من الشُّحِّ البغيض ، تلك الآفةُ النفسية الخطِرة التي قد تدفع صاحبَها إلى الدم فيسفكه ، وإلى العِرض فيبذلُه ، أو إلى الوطن فيبيعُه ، ولن يفلح فردٌ أو مجتمعٌ سيطر الشُّحُّ عليه وملَك ناصيَته .
﴿ فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ وَاسْمَعُوا وَأَطِيعُوا وَأَنْفِقُوا خَيْراً لِأَنْفُسِكُمْ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (16)﴾
ويُستنبط من كلمة ( وَتُزَكِّيهِمْ ) في هذه الآية النماء والزيادة ، نماءٌ للغني والفقير ولمال كلٍّ منهما ، ونماْءٌ للعلاقات الاجتماعية ، ونماء للقيم الإنسانية .
فهو نماءٌ لشخصية الغنيِّ ولكيانه المعنوي ، فالإنسان الذي يسدي الخيرَ ويصنع المعروفَ ويبذل من ذات نفسه ويده لينهض بإخوانه في الدين والإنسانية ، وليقوم بحقِّ الله عليه ، يشعر بامتداد في نفسه ، وانشراح في صدره ، ويحِسُّ بما يحسُّ به من انتصر في معركة وهو فعلاً قد انتصر على ضعفه وأثَرته وشيطان شحِّه وهواه .
وهي نماءٌ لشخصية الفقير ، حيث يشعر أنه ليس ضائعا في المجتمع ولا هيِّنا عليه ولا متروكا لضعفه وفقره ، إن مجتمعه ليعمل على إقالة عثرته ويحمل عنه أثقاله ويُمدُّ له يدَ المساعدة بكلاِّ ما يستطيع .
والزكاة بعد ذلك نماء للمال وبركَة فيه ، فأداءُ الزكاة ترفع القوَّةَ الشرائية عند الفقير ، وهذا يعود بالنفع على دافع الزكاة ، وقد يزيد المالُ بالعناية الإلهية المباشرة بغير ما يُعرَف من الأسباب ، قال تعالى :
﴿ يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ (276) ﴾
أرجو اللهَ أن تكونوا قد أفدتُم من هذا الموضوع ، وشكرًا لإصغائكم وإلى لقاءٍ آخرَ إن شاء اللهُ تعالى .
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته