وضع داكن
13-09-2025
Logo
أسماء الله الحسنى - إصدار 2008 - الدرس : 007 أ - اسم الله الرزاق 1
رابط إضافي لمشاهدة الفيديو اضغط هنا
×
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات.
 

الرزّاق اسم من أسماء الله الحسنى:


أيها الإخوة الكرام؛ مع اسم جديد من أسماء الله الحسنى، إنه اسم الرزّاق، فالله سبحانه وتعالى سمّى نفسه الرزاق في الكتاب وفي السنة، في الكتاب في قوله تعالى: 

﴿ إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ (58)﴾

[  سورة الذاريات ]

وفي الحديث القدسي،

(( عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: أَقْرَأَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنِّي أَنَا الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ.))

[ سنن الترمذي: حسن صحيح ]

هذا الاسم الكريم ورد مطلقاً ومعرفا بـ ال مراداً به العلمية، دالاً على كمال الوصفية. 
وصيغة هذا الاسم صيغة مبالغة، وإذا جاءت أسماء الله الحسنى بصيغة المبالغة فتعني شيئين؛ تعني كَمًّا، ونوعاً، أي الله عز وجل يرزق من يشاء بغير حساب، ويرزق النملة السمراء على الصخرة الصماء في الليلة الظلماء، يرزق كل المخلوقات، لذلك الله عز وجل يقول: 

﴿ وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ (6)﴾

[ سورة هود ]

كلمة الدابة جاءت نكرة تنكير شمول، لتشمل هذه الكلمة كل شيء يدِب على وجه الأرض، ﴿وَمَا مِنْ﴾ المن تفيد استغراق أفراد النوع، لو دخلت إلى صف وقلت: هؤلاء الطلاب لهم عندي جائزة، أي الذين أمامك، أما إذا قلت: ما من طالب في هذا الصف إلا وله عندي جائزة، شمل الغائبين، إذًا من تفيد استغراق أفراد النوع، ﴿وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا﴾ إذا جاءت على قبل لفظ الجلالة دلت على الإلزام الذاتي، أن الله سبحانه وتعالى ألزم ذاته العلية برزق العباد. 
 

قوانين الرزق متحركة غير ثابتة:


أيها الإخوة؛ الآيات كثيرة جداً، والموضوع واسع جداً، ولكن لحكمة بالغة بالغة ثبّتَ الله ملايين القوانين كي تستقر حياتنا، وكي تنتظم، ولكنه لحكمة بالغة بالغة حرك قوانين الصحة وقوانين الرزق، وكأن صحتنا ورزقنا أداتان لتربيتنا، لذلك:

﴿ وَأَنْ لَوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقًا (16) لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَمَنْ يُعْرِضْ عَنْ ذِكْرِ رَبِّهِ يَسْلُكْهُ عَذَابًا صَعَدًا (17)﴾

[ سورة الجن ]

﴿ وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (96)﴾

[ سورة الأعراف ]

﴿ وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُوا التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ مِنْ رَبِّهِمْ لَأَكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ مِنْهُمْ أُمَّةٌ مُقْتَصِدَةٌ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ سَاءَ مَا يَعْمَلُونَ (66)﴾

[ سورة المائدة ]

ويقاس على ذلك ولو أن المسلمين أقاموا القرآن الكريم لأكلوا من فوقهم، ومن تحت أرجلهم، قد يُحرَم المرء بعض الرزق بالمعصية، إذًا حرك الله قوانين الرزق، وربطها بالإيمان والاستقامة، وإقامة أمر الله، قال تعالى: 

﴿ فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا (10) يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا (11) وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا (12)﴾

[ سورة نوح ]

أيها الإخوة الكرام؛ ثبات آلاف القوانين من أجل استقرار الحياة، ثبات قوانين المعادن، يُبنى بناء شامخ، الحديد خصائصه ثابتة، لو تغيرت خصائص الحديد لانهار البناء، ثبات خصائص البذور، ثبات ملايين ملايين القوانين، لكن الرزق ليس ثابتاً، والصحة ليست ثابتة، وكأن الصحة والرزق أداتان من أدوات تربية الله لنا، فلذلك رُبِط الرزق أحياناً بالتقوى وبالاستقامة وبالطاعة وبالاستغفار، وهناك بحث قيّم جداً حول زيادة الرزق وفق الكتاب والسنة. 

أرزاق الله عز وجل لا تُعدّ ولا تُحصى:


لكن النقطة الدقيقة أن كلمة رزق أوسع بكثير من أن تكون مالاً أو أن تكون طعاماً وشراباً، والدليل على ذلك قوله تعالى:

﴿ وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ (82)﴾

[ سورة الواقعة ]

فالإنسان إذا عرف الله هذا رزق من الله، إذا ألقى الله في قلب الإنسان الأمن هذا من رزق الله، الأمن رزق، إذا ألقى الله في قلبك الرضا هذا رزق، إذا ألقى الله في قلبك السكينة هذا رزق، إذا ألقى الله في قلبك الرحمة هذا رزق، لذلك الأرزاق أوسع بكثير من أن تكون مالاً أو أن تكون صحة أو أن تكون طعاماً وشراباً.
الرزق هو الشيء الذي تنعُم به، فنعمة الأمن من أعظم الأرزاق، نعمة الرضا من أعظم الأرزاق، نعمة الصحة من أعظم الأرزاق، لذلك العلماء أشاروا إلى ما يسمى بالرزق السلبي، حينما تُعافى من جميع الأمراض هذا رزق سلبي، يمكن أن يدفع الإنسان ملايين مملينة لمعالجة جسمه من مرض عضال، حينما ينجو الإنسان من ظلم ظالم قد يُدمر المال كله، هناك رزق سلبي، من خصائص المؤمنين، إذا نجاك الله من أمراض عضالة، من ظُلم الظالمين، من أساليب لا تُعدّ ولا تحصى لإتلاف المال، لذلك الرزق أوسع بكثير من أن يكون طعاماً وشراباً، أو من أن يكون مالاً، لذلك إن الله يعطي الصحة والذكاء والمال والجمال للكثيرين من خلقه، ولكنه يعطي السكينة بقدر لأصفيائه المؤمنين، السكينة رزق، كما أن المال رزق، والجمال رزق، والصحة رزق، والقوة رزق، والسكينة رزق، والرضا رزق، والحكمة رزق، قال تعالى: 

﴿ يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ (269)﴾

[ سورة البقرة ]

وأرزاق الله عز وجل لا تُعدّ ولا تُحصى، ولكن معظمها يستحقها المؤمن بإيمانه، يستحقها المؤمن بتوحيده، يستحقها المؤمن باستقامته، وإذا ذهبت لتُعدد النعم التي أسبغها الله على المؤمنين إنها نعم عظيمة، ولا تُعدّ ولا تحصى.
 

أشقى الناس مَن كان رزقه من الله أنه كذب بآياته:


أيها الإخوة؛ من أشقى الناس مَن كان رزقه من الله أنه كذب بآياته، ﴿وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ﴾ بعثة النبي أعظم مِنحة إلهية لنا، القرآن الكريم منهج عظيم سخّره الله لنا، لذلك أيها الإخوة، يجب أن نفهم مبدئياً أن الرب رب، وأن العبد عبد، بمعنى أن الله سبحانه وتعالى حينما أراد أن يؤكد بشرية الأنبياء ماذا قال؟ قال تعالى:

﴿ وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعَامَ وَيَمْشُونَ فِي الْأَسْوَاقِ وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ وَكَانَ رَبُّكَ بَصِيرًا (20)﴾

[ سورة الفرقان ]

أي هم مفتقرون في وجودهم إلى تناول الطعام، ومفتقرون في ثمن الطعام إلى أن يمشوا بالأسواق، هذا شأن العبد، مفتقر إلى الطعام والشراب، ومفتقر إلى ثمن الطعام والشراب، إذًا هو يعمل، فالذي يعمل ليكسب مالاً، ليشتري طعاماً، ليس إلهًا، كانوا: ﴿لَيَأْكُلُونَ الطَّعَامَ وَيَمْشُونَ فِي الْأَسْوَاقِ﴾ .
 

من معاني الرزّاق خلقُ الأرزاق بحكمة من حيث النوع والكم والوقت والتتابع:


أيها الإخوة الكرام؛ من معاني الرزاق أنه خلق الأرزاق، كم من الدواب يُذبح كل يوم على مستوى الأرض؟ مليارات، هذا رزق العباد، كم من أطنان القمح ينتج كل عام؟ بلدنا الطيب المتواضع يُنتج أحياناً من محافظات شمال شرق ستة ملايين طن، وحاجة بلدنا كله إلى مليون طن فقط، إذًا الله عز وجل رزاق، مَن خلق هذا القمح ليكون غذاء كاملاً؟ الله جلّ جلاله، مَن جعل سوق القمح غذاء نموذجيا كاملاً للدواب؟ الله جلّ جلاله، التبن الذي هو سوق القمح هذا غذاء إستراتيجي للأنعام، من صمم القمح ليكون غذاء كاملاً؟ عدد أنواع القمح بعشرات الألوف، هذا القمح ينبت في الصيف وفي الشتاء، وفي قمم الجبال، وفي الوديان، وفي الصحارى، وفي السواحل، وفي المنطقة الحارة والباردة، أنواع منوعة رزقاً للعباد، الله عز وجل جعل هذا الغذاء كاملاً، من أعطى هذه الدابة القدرة على إنتاج الحليب؟ مما يلفت النظر أن الغدة الثديية في البقرة شيء محير، إنها كالقبة تماماً، فوق هذه القبة شبكة أوعية دموية كثيفة جداً، وأن الخلية الثديية تختار من الدم حاجتها لتكوين الحليب، قال تعالى:

﴿ وَإِنَّ لَكُمْ فِي الْأَنْعَامِ لَعِبْرَةً نُسْقِيكُمْ مِمَّا فِي بُطُونِهِ مِنْ بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ لَبَنًا خَالِصًا سَائِغًا لِلشَّارِبِينَ (66)﴾

[ سور النحل ]

الفرث قد يكون سائلاً حمض البول، وقد يكون غازياً ثاني أكسيد الفحم، وقد يكون صلباً كالروث، ﴿مِنْ بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ لَبَنًا خَالِصًا سَائِغًا لِلشَّارِبِينَ﴾ هذا الحليب الذي وهبنا الله إياه عن طريق الأنعام غذاء كامل، ما شرِب النبي عليه الصلاة والسلام من هذا الحليب شيئاً إلا قال: اللهم زدنا منه، مشتقات الألبان غذاء أساسي للإنسان، من صممه؟ من خلقه؟ الله جلّ جلاله، هذه الفواكه التي ترونها من صمم أنها تنضج خلال صيف بأكمله، لماذا القمح ينضج في يوم واحد؟ والفواكه تنضج على مدى الصيف؟ حدثني أخ كريم ضمِن حقلاً من البطيخ قال لي: جنيت منه قدرَ تسعين سيارة، كل يوم سيارة، على مدى ثلاثة أشهر، من جعل الفاكهة تنضج تِباعاً؟ من برمج أن هذه الفواكه تبدأ بالكرز، ثم المشمش، ثم التفاح، ثم الأجاص ثم ثم، من وزع نضج هذه الفواكه وجعل آخرها العنب على مدى الصيف؟ تصميم من؟ رزق من؟ رزق الله عز وجل، فلذلك معنى الرزّاق أنه خلق الأرزاق، لكن الذي يلفت النظر تناسب هذه الأرزاق مع بنية الإنسان، القمح غذاء كامل للإنسان. 
 

التفكر في الرزق من موجبات القرآن الكريم:


هذه الغدة الثديية تختار هي مِن شبكة الدم الذي فوقها ما يناسبها لصنع الحليب، أما كيف تختار، وكيف تصنع الحليب، هذا حتى الآن شيء غير معلوم، لكن هذه الغدة الثديية التي على شكل قبة تأخذ حاجتها من الدم، وترشح نقاطَاً من الحليب، هذه النقاط تجتمع في ثدي البقرة، ثدي البقرة قد يجمع أربعين كيلو من الحليب، لئلا يتمزق هذا الثدي هناك جداران داعمان متعاكسان في ثدي البقرة، ولكل جزء من هذا الثدي حلمة، لو أن أربعة إخوة لهم بقرة، كل أخ يأخذ من حلمة نصيباً متساوياً مع بقية إخوته، قال تعالى:

﴿ وَالْأَنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ وَمَنَافِعُ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ (5)﴾

[ سور النحل ]

هذا معنى اسم الرزّاق، من صمم هذه البقرة؟ معمل صامت رائع، تأكل الحشيش فتعطيك الحليب، من صمم الدجاجة تأكل كل شيء فتعطيك البيضة؟ من صمم هذه الفواكه والثمار؟ هذه الخضراوات؟ من صمم المحاصيل القمح والشعير والعدس والحمص؟ تصميم من؟ من جعل هذه المواد متوافقة أتمّ التوافق مع بنية الإنسان؟ لو أن التفاحة مثلاً بقِوام لا يُقطع بأسنانك ماذا تفعل؟ لو أن طعم التفاحة لا يُحتمل لا تأكلها، لو أن شكلها لا يعجبك لا تأكلها، الشكل مناسب، والطعم مناسب، والقِوام مناسب، وفيها معادن، وفيها حديد ومغنيزيوم وصوديوم، ومواد سكرية، وحجمها معتدل، ولها قشرة تحميها من العطب، تصميم من؟ لذلك أيها الإخوة، قال تعالى: 

﴿ فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسَانُ إِلَى طَعَامِهِ (24)﴾

[ سور عبس ]

هذا أمر إلهي في القرآن الكريم، وكل أمر في القرآن الكريم يقتضي الوجوب، قال تعالى: 

﴿ فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسَانُ مِمَّ خُلِقَ (5) خُلِقَ مِنْ مَاءٍ دَافِقٍ (6) يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرَائِبِ (7)﴾

[ سورة الطارق ]

﴿ فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسَانُ إِلَى طَعَامِهِ (24) أَنَّا صَبَبْنَا الْمَاءَ صَبًّا (25) ثُمَّ شَقَقْنَا الْأَرْضَ شَقًّا (26)﴾

[ سور عبس ]

إلى آخر الآية، إذاً التفكر في الرزق من موجبات القرآن الكريم، لأن القاعدة الأصولية: كل أمرٍ في القرآن الكريم يقتضي الوجوب، وأنت تأكل الطعام صباحاً وظهراً ومساءً تَفكّر، الزبدة من مشتقات الألبان، واللبن المصفى من مشتقات الألبان، والجبنة من مشتقات الألبان، والقشدة من مشتقات الألبان، والسمن من مشتقات الألبان، ما هذه الألبان التي أكرمنا الله بها؟ 
 

الأرزاق متناسبة مع بنية الجسم:


لذلك أيها الإخوة؛ مما يلفت النظر أن هذه الأرزاق متناسبة تناسباً رائعاً مع بنية الجسم، أحياناً تشتري قطعة لمركبتك، حينما تأتي في مكانها الصحيح، على مستوى الدوزيم معنى ذلك أن المعمل واحد، المعمل الذي صنع السيارة هو الذي صنع هذه القطعة، وتناسب الأرزاق بدءاً من القمح والشعير، والعدس والحمص إلى الخضراوات إلى الفواكه إلى الألبان إلى العسل، تناسب هذه الأرزاق مع بنية الجسم هذا من صنع الحكيم، وهذا يؤكد اسم الحكيم أيضاً.
 

كيف يكسب الناس الأرزاق؟


شيء آخر؛ كيف تكسب هذا الرزق؟ جعل لك معايش، هذا معنى دقيق جداً، كم إنسان في الأرض يعيش على طول الشعر؟ ملايين، كم إنسان يعيش على الحر؟ المكيفات والبرادات والبوظة والثلج، كم إنسان في الأرض يعيش على الحر؟ كم إنسان في الأرض يعيش على البرد؟ كم إنسان في الأرض يعيش على جهل الصغار؟ التعليم والجامعات، كم إنسان يعيش على المرض؟ كم طبيب يوجد بالأرض؟ معنى معايش أي أسباب لكسب الرزق، أي خلق الأرزاق وجعلها متناسبة مع الإنسان، ثم أعطاك وسائل كسب الرزق.
الإنسان أحياناً يتمتع بخبرة عالية، هذه الخبرة مودعة في ذاكرته، والإنسان يتبدل تبدلاً كاملاً كل خمس سنوات، إلا دماغه وقلبه، لو تبدّل الدماغ خسر كل خبرته، يقول لك: أنا كنت طبيباً، أما ثبات خلايا الدماغ مِن نعمِ الله الكبرى، معنى هذا كل خبراتك في هذا الدماغ.
 

الخبرات أحد أسباب كسب الرزق:


أحد أسباب كسب الرزق خبراتك، الخبرات التي تملكها إما خبرات في الطب، أو الهندسة، أو التعليم، أو الفيزياء، أو الكيمياء، أو الرياضيات، أو الفلك، أو في صنعة، أو في حرفة، أو في مهارة، أو في شيء، كلّ إنسان يعيش من خبرة يملكها، من حرفة يحترفها، من مهنة يمتهنها، هذه كلها خبرات متراكمة، إذاً الله عز وجل فضلاً عن أنه خلق لك الأرزاق، وجعلها متوافقة توافقاً تاماً مع خلق الإنسان، أعطاك وسائل لكسب الرزق، كل واحد منا له عمل، العمل بفضل مهارات يملكها وخبرات، هذا بالتجارة، هذا بالصناعة، هذا بالزراعة، هذا بالطب، هذا بالهندسة، هذا بالتدريس، هذا بالفيزياء، بالكيمياء، هذا بالحقوق لحلّ مشكلات الناس، كل إنسان يعيش من حرفة، هي مجموعة خبرات متراكمة يستخدمها لكسب المال، إذاً الله عز وجل جعل لك معايش، والآية دقيقة:

﴿ وَلَقَدْ مَكَّنَّاكُمْ فِي الْأَرْضِ وَجَعَلْنَا لَكُمْ فِيهَا مَعَايِشَ قَلِيلًا مَا تَشْكُرُونَ (10)﴾

[ سور الأعراف ]

أي وسائل فعّالة لكسب الرزق. 
 

بين فقرِ القدَر وفقرِ الكسل فقرِ الإنفاق:


أيها الإخوة الكرام؛ لكنك إذا رأيت إنساناً فقيراً أنا لي رأي بهذا الموضوع، هناك فقر القدر، إنسان معه عاهة، هذا فقير معذور عند الله، هذا قضاء الله وقدره، وله حكمة بالغة، عرفها مَن عرفها، وجهلها مَن جهلها، لكن هناك الفقر المذموم، هو فقر الكسل، هذا يُرجئ، لا يتقن عمله، يقصر، يغش أحياناً، هذا الإنسان إذا كان فقيراً ففقره من خطأ يرتكبه، إنه الكسل، أنا أسميه فقر الكسل، وهناك فقر الإنفاق، فقر سيدنا الصديق حينما أنفق ماله كله، قال: يا أبا بكر، ماذا أبقيت لنفسك؟ قال: أبقيت الله ورسوله، هناك فقر القدر، وفقر الكسل، وفقر الإنفاق.
 

أسباب الرزق:


لكن الرزق أيها الإخوة؛ له سببان أساسيان، أن تأخذ بالأسباب بأسباب الرزق، ثم تتوكل على الله، لذلك:

(( عَنْ عَوْفِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّهُ حَدَّثَهُمْ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَضَى بَيْنَ رَجُلَيْنِ، فَقَالَ الْمَقْضِيُّ عَلَيْهِ لَمَّا أَدْبَرَ: حَسْبِيَ اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ اللَّهَ يَلُومُ عَلَى الْعَجْزِ، وَلَكِنْ عَلَيْكَ بِالْكَيْسِ، فَإِذَا غَلَبَكَ أَمْرٌ فَقُلْ: حَسْبِيَ اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ. ))

[ ضعيف أبو داود ]

أن أتحرك، أن أسعى، أن أخرج من البيت، أن أقرأ الصحف التي فيها إعلانات لأعمال، أن أتحرك، ثم أتوكل، لذلك لما سيدنا عمر رأى أناساً يتكففون الناس في الحج قال: من أنتم؟ قالوا: نحن المتوكلون، قال: كذبتم، المتوكل من ألقى حبة في الأرض ثم توكل على الله،  يدرس، يُجمّع خبرات، يطرق أبواب الوزارات أحياناً، يفتح الصحف التي فيها إعلانات عمل، هذا هو السعي، وبعدئذ يتوكل على الله عز وجل.
 

وقفة متأنية عند قوله تعالى: وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا*وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ:


أيها الإخوة الكرام؛ لكن آية مهمة جداً تحتاج إلى شرح طويل هي قوله تعالى: 

﴿ فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّهِ ذَلِكُمْ يُوعَظُ بِهِ مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا (2) وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا (3)﴾

[ سورة الطلاق ]

كلمة مخرج، أنا متى أقول: أين المخرج؟ حينما أرى أن الأبواب كلها مغلقة، أبحث عن المخرج، أحياناً:

نزلت فلما استحكمت حلقاتها                  فرجت وكنت أظنها لا تفرج

[ الشافعي ]

* * *

كلما طرقت باباً رأيته مسدوداً، باب الوظيفة مسدود، باب التجارة مسدود، باب الصناعة مسدود مثلاً:

نزلت فلما استحكمت حلقاتها                  فُرجت وكنت أظنها لا تفرج

[ الشافعي ]

* * *

إذاً الرزق أحياناً يجعلك في حيرة من أمرك، الأبواب كلها مغلقة، قال: ﴿وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ﴾ اتق الله، طبق منهج الله، وانتظر أن يفتح الله لك أبواب رزقه، هذه آية، زوال الكون أهون على الله من ألا يُحقق وعوده للمؤمنين، وهذه آية وعد: ﴿وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا﴾ هذا كلام موجه للشباب، الشاب بحاجة إلى عمل، بحاجة إلى مسكن، بحاجة إلى زوجة، وقد يتوهم أحياناً أن الطرق كلها مسدودة، ﴿وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا*وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ﴾ هذا كلام خالق الأكوان، هذا كلام من هو طليق الإرادة، هذه الآية وما فيها من وعد لا علاقة لها بالظروف كلها، ظروف صعبة، هناك بطالة، هناك فرص عمل قليلة، هذا كله كلام غير مقبول، ﴿وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا*وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ﴾ ولهذه الآية وقفة متأنية إن شاء الله في لقاء قادم.

الملف مدقق

والحمد لله رب العالمين 

الاستماع للدرس

00:00/00:00

نص الزوار

نص الدعاة

اللغات المتوافرة

إخفاء الصور