الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات.
السُّبوح من يُعظَّم كثيراً ويُنزَّه كثيراً:
أيها الإخوة الكرام؛ لا زلنا في اسم السبوح، والسبوح من التسبيح، والتسبيح هو التعظيم والتنزيه، ومعنى السبوح هو الذي يُعظَّم كثيراً، ويُنزَّه كثيراً، قال تعالى:
﴿ فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ هَاؤُمُ اقْرَءُوا كِتَابِيَهْ (19) إِنِّي ظَنَنْتُ أَنِّي مُلَاقٍ حِسَابِيَهْ (20)﴾
أي أيقنت، ﴿أَنِّي مُلَاقٍ حِسَابِيَهْ﴾ .
﴿ فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ (21) فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ (22) قُطُوفُهَا دَانِيَةٌ (23) كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الْأَيَّامِ الْخَالِيَةِ (24) وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِشِمَالِهِ فَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيَهْ (25) وَلَمْ أَدْرِ مَا حِسَابِيَهْ (26) يَا لَيْتَهَا كَانَتِ الْقَاضِيَةَ (27) مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيَهْ (28) هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيَهْ (29) خُذُوهُ فَغُلُّوهُ (30) ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ (31) ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعًا فَاسْلُكُوهُ (32)﴾
مشكلة الإنسان ليست أن يؤمن بالله بل أن يُعَظّمه:
لماذا؟ قال:
﴿ إِنّهُ كَانَ لَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ الْعَظِيمِ (33)﴾
آمن بالله، لكنه ما آمن بالله العظيم، بل إن الذين يعبدون الأصنام يقولون:
﴿ أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ (3)﴾
ليست المشكلة أن تؤمن بالله، إبليس من الذين آمنوا بالله.
﴿ قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (82)﴾
﴿ قَالَ أَنْظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (14)﴾
﴿ قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ (12)﴾
ليست المشكلة أن تؤمن بالله، ما من أهل الأرض إلا قلة قليلة جداً ممن عطلت عقولها إلا وتؤمن بالله.
﴿ وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ (106)﴾
الله عز وجل أمدّ الإنسان بكل ما يحتاجه ومع ذلك لم يؤمن به:
لذلك أيها الإخوة؛ ﴿إِنّهُ كَانَ لَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ الْعَظِيمِ﴾ العبرة أن تُعظِّم الله، أن تُعظِّم أمره، أن تُعظِّم حرماته، أن تُعظِّم كتابه، أن تُعظِّم دينه:
﴿ إِنّهُ كَانَ لَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ الْعَظِيمِ (33) وَلَا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ (34) فَلَيْسَ لَهُ الْيَوْمَ هَاهُنَا حَمِيمٌ (35) وَلَا طَعَامٌ إِلَّا مِنْ غِسْلِينٍ (36) لَا يَأْكُلُهُ إِلَّا الْخَاطِئُونَ (37)﴾
الآيات التي ورد فيها اسم الله العظيم تزيد عن مئة وعشرين آية، من هذه الآيات:
﴿ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ (129)﴾
﴿ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَلَا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ (255)﴾
﴿ وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعًا مِنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ (87)﴾
﴿ مَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَلَا الْمُشْرِكِينَ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْكُمْ مِنْ خَيْرٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَاللَّهُ يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (105)﴾
منحك نعمة الإيجاد، منحك نعمة الإمداد، منحك نعمة الهدى والرشاد، أنت مخلوق، هذا من فضل الله العظيم، أمدك الله بكل ما تحتاج، هذا من فضل الله العظيم، هداك إليه من خلال الوحي، من خلال الأنبياء، من خلال الآيات الكونية، من خلال الآيات التكوينية، من خلال التربية النفسية، من خلال المصائب.
تسخير الكون للإنسان بنص القرآن الكريم:
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ وَلْيَكْتُبْ بَيْنَكُمْ كَاتِبٌ بِالْعَدْلِ وَلَا يَأْبَ كَاتِبٌ أَنْ يَكْتُبَ كَمَا عَلَّمَهُ اللَّهُ فَلْيَكْتُبْ وَلْيُمْلِلِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ وَلَا يَبْخَسْ مِنْهُ شَيْئًا فَإِنْ كَانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهًا أَوْ ضَعِيفًا أَوْ لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُمِلَّ هُوَ فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ بِالْعَدْلِ وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَى وَلَا يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إِذَا مَا دُعُوا وَلَا تَسْأَمُوا أَنْ تَكْتُبُوهُ صَغِيرًا أَوْ كَبِيرًا إِلَى أَجَلِهِ ذَلِكُمْ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ وَأَقْوَمُ لِلشَّهَادَةِ وَأَدْنَى أَلَّا تَرْتَابُوا إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً حَاضِرَةً تُدِيرُونَهَا بَيْنَكُمْ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَلَّا تَكْتُبُوهَا وَأَشْهِدُوا إِذَا تَبَايَعْتُمْ وَلَا يُضَارَّ كَاتِبٌ وَلَا شَهِيدٌ وَإِنْ تَفْعَلُوا فَإِنَّهُ فُسُوقٌ بِكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (282)﴾
لمَ لا تتقونه؟ ﴿وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ﴾ أحياناً يعلمك برؤيا، أحياناً يعلمك بمصيبة، أحياناً يعلمك بضيق، أحياناً يعلمك بنصيحة، أحياناً يعلمك بدرس، أحياناً يعلمك بتفسير، أحياناً يعلمك بحدث، لذلك أيها الإخوة؛ ﴿وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ﴾ منحك نعمة الإيجاد، ونعمة الإمداد، ونعمة الهدى والرشاد، سخّر لك ما في السماوات وما في الأرض، الكون عظيم سخّره لك بنصّ القرآن الكريم.
﴿ وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِنْهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (13)﴾
من أحبّ الله ولم يطعه ما عبده:
أيها الإخوة؛ ردّ فعل التسخير الحب، أراد الله أن تكون العلاقة بينك وبينه علاقة حب فقال:
﴿ لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لَا انْفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (256)﴾
أراد الله عز وجل أن تأتيه طائعاً، أن تأتيه مختاراً، أن تأتيه بمبادرة منك، بيّن لك الله عز وجل أنه يحبك، وينبغي أن تحبه، ومن أعجب العجب أن تعرفه ثم لا تحبه، ومن أعجب العجب أن تحبه ثم لا تطيعه، وما عبَدَ الله من أحبه ولم يطعه، وما عبَدَ الله من أطاعه ولم يحبه.
العاقل من أطاع الله عز وجل وأعدّ ليوم القيامة عدته:
أيها الإخوة:
﴿ عَمَّ يَتَسَاءَلُونَ (1) عَنِ النَّبَإِ الْعَظِيمِ (2)﴾
والله أيها الإخوة؛ أنا أقول دائماً: الذكاء كل الذكاء، والعقل كل العقل، والفوز كل الفوز، والنجاح كل النجاح، والتوفيق كل التوفيق، والفلاح كل الفلاح أن تطيع الله، وأن تُعِدّ لهذا اليوم العظيم عدته.
﴿ يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ (6)﴾
﴿ يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ (2)﴾
تسبيح الله عز وجل ينصبّ على التعظيم أولاً والتنزيه ثانياً:
أيها الإخوة؛ إله عظيم، رب رحيم، كتاب كريم، عذاب أليم، نبأ عظيم، لذلك:
﴿ فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ (74)﴾
التسبيح ينصبّ على التعظيم، والتنزيه، التعظيم أولاً، والتنزيه ثانياً، ما لم تُعَظّم ربك لا يمكن أن تنتفع من دعوته، قال تعالى:
﴿ ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ (32)﴾
والمؤمن يُعَظّم حرمات الله، هل من الممكن أن تُلَخص مشكلات المسلمين في العالم الإسلامي اليوم بكلمات؟ نعم ممكن، هان أمر الله على المسلمين فهانوا على الله، الإنسان حينما يشرد عن الله لا يقيم الله له يوم القيامة وزناً، لهم:
﴿ وَإِذَا جَاءَتْهُمْ آيَةٌ قَالُوا لَنْ نُؤْمِنَ حَتَّى نُؤْتَى مِثْلَ مَا أُوتِيَ رُسُلُ اللَّهِ اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ سَيُصِيبُ الَّذِينَ أَجْرَمُوا صَغَارٌ عِنْدَ اللَّهِ وَعَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا كَانُوا يَمْكُرُونَ (124)﴾
(( عن الحسين بن علي بن أبي طالب: إنَّ اللهَ تعالى يُحِبُّ مَعاليَ الأُمورِ، وأَشرافَها، ويَكرَهُ سَفْسافَها.))
[ صحيح الجامع: خلاصة حكم المحدث: صحيح ]
الفوز العظيم أن تُزَحزح عن النار وتدخل الجنة:
أيها الإخوة؛ البطولة أن تأتي مقاييسك التي تعتمدها وفق مقاييس القرآن الكريم، الله عز وجل يقول:
﴿ يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا (71)﴾
ليس الفوز العظيم أن تشتري أرضاً، ويرتفع سعرها مئة ضعف، ولا أن تملك شركة عملاقة دخلها فلكي، ولا أن تستمتع بمباهج الدنيا حتى قمة رأسك، الفوز العظيم أن تعرف الله، الفوز العظيم أن تطيعه، الفوز العظيم أن تُزَحزح عن النار.
﴿ كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ (185)﴾
كل حجمك المالي، وكل شأنك الاجتماعي، وكل هيمنتك، مبنية على شريانك التاجي، كم قطره؟ فإذا ضاق هذا الشريان دخل الإنسان في متاعب كثيرة، كل هذا الحجم المالي والشأن الاجتماعي مبني على سيولة الدم، كل هذا الحجم المالي والشأن الاجتماعي مبني على نمو الخلايا، فإذا نمت نمواً عشوائياً انتهت حياة الإنسان، الإنسان يموت بثانية، بثانية يكون شخصاً فإذا هو خبر، يكون إنساناً ذا شأن عظيم يصبح بضاعة في صندوق.
بطولة الإنسان أن يُعظِّم ما ينبغي أن يُعظَّم ويحتقر ما ينبغي أن يُحَتَقر:
أيها الإخوة الكرام؛ لا زلنا في موضوع السبوح، والسبوح من التسبيح، والتسبيح هو التعظيم، والبطولة أن تُعظِّم ما ينبغي أن يُعَظَّم، وأن تحتقر ما ينبغي أن يُحتَقَر، البطولة أن تُكبِّر ما ينبغي أن يكون كبيراً، والبطولة أن تُصَغِّر ما ينبغي أن يكون صغيراً.
الإنسان العظيم يتمتع بقلب كبير، يتضاءل أمامه كل كبير، بينما الإنسان إذا شرد عن الله عز وجل وغفل عنه له قلب صغير، هذا القلب الصغير يصغر أمام كل صغير، بين أن يَصْغر كل كبير أمامك، وبين أن يكبر كل صغير أمامك، فرق كبير.
النبي الكريم آتاه الله عز وجل كل شيء ومع ذلك فقد مدحه بخلقه العظيم:
أيها الإخوة؛ في القرآن الكريم:
﴿ وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ (33) وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ (34) وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ (35)﴾
الآن دقق: ﴿وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ﴾ المؤمن له من الله حظّ عظيم، اشتق من كماله، اشتق من رحمته، اشتق من عدله، اشتق من حبه، اشتق من لطفه، اشتق من غناه، المؤمن غني بالله، قوي بالله، عزيز بالله، المؤمن شخصية فذّة، نصيبك من الله عظيم فكنت عفيفاً، نصيبك من الله عظيم فكنت مُنصِفاً، نصيبك من الله عظيم فكنت عفواً، نصيبك من الله عظيم فكنت متواضعاً، نصيبك من الله عظيم فكنت رحيماً، بماذا مُدِح النبي عليه الصلاة والسلام؟ آتاه القرآن، آتاه الوحي، آتاه المعجزات، آتاه البيان، آتاه الفصاحة، آتاه الجمال، آتاه الحكمة، آتاه القيادة، آتاه أنه لا ينسى.
﴿ سَنُقْرِئُكَ فَلَا تَنْسَى (6)﴾
مُدِح بخُلقه العظيم.
من اشتقّ من الله معرفة وكمالاً كان ذا شأن عظيم بين أقرانه:
لذلك هذه الآية أيها الإخوة؛ ﴿وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ*وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ*وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ﴾ الحظ هو النصيب، أنت بقدر ما تشتق من الله من معرفة وكمال تكون ذا شأن عظيم بين أقرانك، الآن:
﴿ إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ وَاللَّهُ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ (15)﴾
الإنسان إن لم يعرف الله لا يتحرك بلا أجر، لا ينطق كلمة بلا تعويض، هذا المادي،
(( عن أنس بن مالك: فإذا رأيتَ شُحًّا مطاعًا، وَهوًى متَّبَعًا، وإعجابَ كلِّ ذي رأيٍ برأيِه فعليكَ بِخُويصَةِ نفسِك ودَع أمرَ العوَامِّ. ))
[ خلاصة حكم المحدث: ثابت: ابن كثير: نهاية البداية والنهاية ]
هذه من علامات آخر الزمان، شح مطاع، مادية مقيتة، هوى متبع؛ الجنس، إعجاب كل ذي رأي برأيه، الكِبر، كل واحد يرى نفسه محور العالم.
أفضل عطاء للإنسان أن يعرف الله عزّ وجل:
لذلك أيها الإخوة؛ ﴿وَاللَّهُ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ﴾ .
﴿ وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ (4)﴾
لكن أريد أن أقف وقفة متأنية، أنت أمام طفل عقب العيد زرت أهله فقال لك بحضرة أبيه: أنا معي مبلغ عظيم، ببلدنا، والأب مُدرّس، أي مبلغ عظيم كلمة عظيم إذا قالها طفل أنا أقدرها بمئتي ليرة، لو أن مسؤولاً كبيراً بدولة عظمى تزمع أن تشُنّ حرباً كبيرة على بلد نفطي، فقال المسؤول الكبير: أعددنا لهذه الحرب مبلغاً عظيماً، الطفل قال: عظيم، قدرناها بمئتي ليرة، أما هذا المسؤول الكبير قال: أعددنا لهذه الحرب مبلغاً عظيماً، نقدر مئتي مليار دولار، الرقم قفز من مئتي ليرة سورية إلى مئتي مليار دولار أميركي، فإذا قال ملك الملوك ومالك الملوك، إذا قال خالق السماوات والأرض، إذا قال رب العرش العظيم، إذا قال العلي العظيم:
﴿ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ وَرَحْمَتُهُ لَهَمَّتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ أَنْ يُضِلُّوكَ وَمَا يُضِلُّونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَضُرُّونَكَ مِنْ شَيْءٍ وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا (113)﴾
هل هناك من عطاء بنص هذه الآية يفوق أن تعرف الله؟ يفوق أن تعرف أن الله موجود وواحد وكامل؟ يفوق أن تعرف أسماءه الحسنى وصفاته الفضلى؟ يفوق أن تعرف رحمته وحلمه وكرمه وغناه وقوته؟ لذلك: ابن آدم اطلبني تجدني، فإذا وجدتني وجدت كل شيء، وإن فتك فاتك كل شيء، وأنا أحبّ إليك من كل شيء.
المؤمن عظمة الله عز وجل ملأت نفسه أما غير المؤمن مأخوذ بالدنيا:
أيها الإخوة؛
(( عن أبي هريرة رضي الله عنه: مَنْ قال حين يُصبحُ: سبحانَ الله العظيم وبحمدِهِ، مِائَةَ مَرَّةٍ، وإذا أَمسى كذلك لم يَأتِ أَحدٌ يَومَ القيامةِ بأفْضَلَ مما جاءَ به. ))
كان عليه الصلاة والسلام:
(( عن أبي هريرة رضي الله عنه: إذا دَهَمَه أمر رفع رأسه، وقال: سبحان الله العظيم، اللهمَّ إليكَ المشتَكى وبك المستعَانُ، وعليك التُكْلانَ، يا حَيُّ يا قيُّوم.))
[ أخرجه الترمذي عن أبي هريرة ]
من أدق الأذكار التي رويت عن النبي عليه الصلاة والسلام:
(( عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: كلمتان حبيبتان إلى الرحمن، خفيفتان على اللسان، ثقيلتان في الميزان: سبحان الله وبحمده، سبحان الله العظيم. ))
الإنسان إذا رأى الكعبة المشرفة من السنة أن يقول:
(( عن ابن عمر قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يطوف بالكعبة، ويقول: ما أطيبك، وأطيب ريحك! ما أعظمك! وأعظم حرمتك! والذي نفس محمد بيده، لحرمة المؤمن أعظم عند الله حرمة منك، ماله، ودمه. ))
لماذا؟ لأنه عرف الله العظيم، ما سوى المؤمنين عرفوا الدنيا، قال تعالى:
﴿ يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ (7)﴾
أما المؤمن عرف الله العظيم، وبين معرفة المؤمن ومعرفة غيره ما بين الله وخلقه.
بطولة الإنسان أن يستعد للقاء الله عز وجل:
إخواننا الكرام؛ بشارة من رسول الله، الذي لا ينطق عن الهوى، يقول عليه الصلاة والسلام:
(( عن عبد الله بن عباس: من عاد مريضاً لم يحضُر أجلُه، فقال عنده سبع مِرَارِ: أسأل اللَّه العظيم، ربَّ العرشِ العظيم: أن يشفيَك، إلا عافاه اللَّه عز وجل من ذلك المرض. ))
الأمراض نوعان؛ أمراض يُشفى منها الإنسان، ومرض الموت لا يُشفى منه، مرض الموت بوابة الخروج، كل واحد منا إذا سافر آخر مرحلة يعطونه بطاقة صعود للطائرة يحددون له البوابة، وأنا أقول لكم وليس هذا من التشاؤم: كل واحد منا له بوابة خروج، هناك بوابة تبدأ من القلب، شيء من الكليتين، شيء من الدماغ، شيء بحادث سير، كل واحد منا له بوابة خروج، بطولته أن يستعد لهذه البوابة، فلذلك قال عليه الصلاة والسلام: ((من عاد مريضاً لم يحضُر أجلُه، فقال عنده سبع مِرَارِ: أسأل اللَّه العظيم، ربَّ العرشِ العظيم: أن يشفيَك، إلا عافاه اللَّه عز وجل من ذلك المرض)) .
الله تعالى رسم لنا طريق التفكر من أجل أن نعرفه سبحانه:
لذلك من أجل أن تعرف الله العظيم، من أجل أن تكون مُسَبّحاً، من أجل أن تستوعب أو أن تعرف هذا الكمال الإلهي، قال تعالى:
﴿ وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّماوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ (67)﴾
وقال:
﴿ فَلَا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ (75) وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ (76)﴾
كأن الله سبحانه وتعالى رسم لنا طريق التفكر من أجل أن نعرف الله العظيم، أي بين الأرض وبين أقرب نجم ملتهب أربع سنوات ضوئية، والضوء يقطع في الثانية الواحدة ثلاثمئة ألف كيلو متر، وبالدقيقة ضرب ستين، وبالساعة ضرب ستين، وباليوم ضرب أربع وعشرين، وبالسنة ضرب ثلاثمئة وخمسة وستين، وبأربع سنوات ضرب أربع، هذه المسافة لو قُسِّمت على مئة أي يوجد مركبة نركبها إلى هذا النجم والسرعة مئة الناتج كم ساعة نحتاج؟ لو قسمنا على أربع وعشرين كم يوم، ولو قسمنا على ثلاثمئة وخمسة وستين كم سنة، من أجل أن نصل إلى أقرب نجم ملتهب إلى الأرض عدا الشمس الذي بعده عنا أربع سنوات ضوئية نحتاج إلى خمسين مليون عام، من أجل أن نصل إلى أقرب نجم ملتهب إلى الأرض يبعد عنا أربع سنوات ضوئية، أقرب نجم حصراً، نحتاج إلى خمسين مليون عام، متى نصل إلى نجم القطب الذي بعده عنا أربعة آلاف سنة ضوئية؟ ومتى نصل إلى المرأة المسلسلة التي بعدها عنا مليونا سنة ضوئية؟ ومتى نصل إلى مجرة اكتُشفت حديثاً بعدها عنا أربعة وعشرين مليار سنة ضوئية؟ قال تعالى: ﴿فَلَا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ*وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ﴾ خلْق الله عظيم، كماله عظيم، يوم القيامة عظيم، قرآنه عظيم، وعده عظيم، وعيده عظيم، فلذلك المؤمن عظمة الله عز وجل ملأت نفسه، غير المؤمن عظمة مَرْكبة، عظمة بيت، عظمة جمال امرأة، أي غير المؤمن مأخوذ بالدنيا، بينما المؤمن مأخوذ برب السماوات والأرض.
فلو شاهدت عيناك من حسـننــا الذي رأوه لما وليت عنا لغيرنـا
ولو سمعت أذناك حُسن خطابنا خلعت عنك ثياب العجب وجئتنا
ولو ذقت من طعم المحـبَّـة ذرةً عذرت الذي أضحى قتيلاً بحبنـا
ولو نسمت من قربنا لك نسمـةٌ لمـُت غريباً واشـتياقــاً لقربــنــا
ولو لاح من أنوارنا لـك لائـــحٌ تركــت جميع الكـائنات لأجلنــا
فما حبنا سهلٌ وكل مـن ادّعـى ســهولته قلنا له: قد جهـلتنـــــــا
أكبر مصيبة تصيب الإنسان أن يكون من الغافلين:
أيها الإخوة الكرام؛ يجب أن نجتهد في التفكر في خلق السماوات والأرض حتى نُدرك طرفاً من اسم الله العظيم، حتى نسبح الله العظيم، حتى نكون من المسبحين، لا أن نكون من الغافلين، وأكبر مصيبة تصيب الإنسان أن يكون من الغافلين.
البشر نوعان؛ نوع عرف الله، عرف عظمته، عرف ما عنده من إكرام لو أطعته، عرف ما عنده من عذاب لو عصيته، عرف الله فانضبط بمنهجه، وأحسن إلى خلقه، فسلم وسعد في الدنيا والآخرة، وإنسان آخر غفل عن الله، وتفلّت من منهجه، وأساء إلى خلقه، فهلك وشقي في الدنيا والآخرة، وقد أقول: ولن تجد في الأرض نموذجاً ثالثاً.
أشقى الناس من وضع نفسه في خندق معاد للدين:
أهل الأرض مؤمن وغير مؤمن، هناك من عرف العظيم، وهناك من لم يعرفه، هناك من اتصل بالعظيم فسعد، وهناك من لم يتصل به، فكيف بمن يحارب عباد الله؟ كيف بمن يحارب دينه؟ كيف بمن يضع نفسه في خندق مضاد للدين؟ هؤلاء أشقى البشر الذين وضعوا أنفسهم في خندق معاد للدين، الذين نصروا هذا الدين أين هم؟ في أعلى عليين، أسماؤهم في لوحات الشرف في التاريخ البشري، وهؤلاء الذين حاربوا الدين أين هم؟ في مزبلة التاريخ، في أسفل سافلين، والإنسان إما أن يكون فوق الملائكة، وإما أن يكون أدنى من أحقر حيوان في الأرض، قال تعالى:
﴿ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ (7)﴾
﴿ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أُولَئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ (6)﴾
في نهاية الآية: ﴿أُولَئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ﴾ .
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم أعطنا ولا تحرمنا، أكرمنا ولا تهنا، آثرنا ولا تؤثر علينا، أرضنا وارض عنا، وصلى الله على سيدنا محمد النبي الأمي وعلى آله وصحبه وسلم.
الملف مدقق