وضع داكن
10-10-2025
Logo
أسماء الله الحسنى - إصدار 2008 - الدرس : 015 ب - اسم الله المبين 2
رابط إضافي لمشاهدة الفيديو اضغط هنا
×
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين.

  اسم المبين وصف للذات والأفعال:


أيها الإخوة الكرام؛ مع اسم من أسماء الله الحسنى، وهو اسم المبين.
الحقيقة أن هذا الاسم فيه وصف للذات، فالله سبحانه وتعالى بائن أي ظاهر، من بان، واسم الفاعل من هذا الفعل بائن، أما إذا بيّن الله للناس آياته فهو المُبين، وهذا وصف للأفعال، فاسم المبين بين أن يكون وصفاً للذات وبين أن يكون وصفاً للأفعال.

﴿ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (242)﴾

[ سورة البقرة ]

جاءت آيات كثيرة:

﴿ أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ أَنْ تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنَابٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ لَهُ فِيهَا مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ وَأَصَابَهُ الْكِبَرُ وَلَهُ ذُرِّيَّةٌ ضُعَفَاءُ فَأَصَابَهَا إِعْصَارٌ فِيهِ نَارٌ فَاحْتَرَقَتْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ (266)﴾

[ سورة البقرة ]

﴿لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ﴾ .

﴿ وَإِذْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَالْفُرْقَانَ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (53)﴾

[ سورة البقرة ]

﴿ وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ الطُّورَ خُذُوا مَا آتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُوا مَا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (63)﴾

[ سورة البقرة ]

﴿ وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُمْ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ كَذَلِكَ سَخَّرْنَاهَا لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (36)﴾

[ سورة الحج ]

إذاً الله جلّ جلاله يبيّن لخلقه آياته، لعل هؤلاء الناس يعرفون الحقيقة، لعلهم يتفكرون، لعلهم يعقلون، لعلهم يهتدون، لعلهم يتقون، لعلهم يشكرون.
 

آياتُ الله عز وجل كونية وتكوينية وقرآنية:


ما هي آيات الله عز وجل؟ قال العلماء: هناك آيات كونية، أي خَلْق الله عز وجل، وهناك آيات تكوينية أي أفعاله، وهناك آيات قرآنية أي كلامه، فمن أجل أن نعرفه، ومعرفة الله أصل الدين ينبغي أن نتفكر بآياته الكونية، وأن ننظر في آياته التكوينية، وأن نتدبر آياته القرآنية، لو وقفنا وقفة متأنية عند آياته الكونية، فالله سبحانه وتعالى يأمرنا أن ننظر في السماوات والأرض، وكما تعلمون كل أمر في القرآن الكريم يقتضي الوجوب، لأن الله عز وجل جعل التفكر من أعلى درجات العبادة، فقال تعالى:

﴿ إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ (190) الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ (191)﴾

[ سورة آل عمران ]

 

نماذج من آيات الله الكونية:


من بعض آياته الكونية أن بين الأرض وبين أقرب نجم ملتهب أربع سنوات ضوئية، والضوء يقطع في الثانية الواحدة ثلاثمئة ألف كيلو متر، كم يقطع في الدقيقة؟ ضرب ستين، كم يقطع في الساعة؟ ضرب ستين، كم يقطع في اليوم؟ ضرب أربع وعشرين، كم يقطع في السنة؟ ضرب ثلاثمئة وخمسة وستين يوماً، كم يقطع في أربع سنوات؟ طالب من طلابنا في المرحلة الإعدادية يحسب كم يبعد هذا النجم الذي هو أقرب نجم ملتهب إلينا عن أرضنا، فإذا كان لهذا النجم طريق سالك، ومعنا مركبة أرضية، وسرِنا بسرعة مئة، لو قسمنا المسافة على مئة الجواب كم ساعة تستغرق الرحلة، لو قسمنا الناتج على أربع وعشرين كم يوم تستغرق الرحلة، لو قسمنا الناتج على ثلاثمئة وخمسة وستين كم عام، من أجل أن نصل إلى أقرب نجم ملتهب إلى الأرض بمركبة أرضية نحتاج إلى خمسين مليون عام، متى نصل إلى نجم القطب الذي يبعد عنا أربعة آلاف سنة ضوئية؟ بل متى نصل إلى مجرة المرأة المسلسلة التي تبعد عنا مليوني سنة ضوئية؟ ومتى نصل إلى بعض المجرات التي اكتُشفت حديثاً وتبعد عنا عشرين مليار سنة ضوئية؟ الآن إذا فتحت كتاب الله، وقرأت قوله تعالى:

﴿ فَلَا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ (75) وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ (76)﴾

[ سورة الواقعة ]

 لذلك أيها الإخوة:

﴿ وَمِنَ النَّاسِ وَالدَّوَابِّ وَالْأَنْعَامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ كَذَلِكَ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ (28)﴾

[ سورة فاطر ]

وإذا أردت الدنيا فعليك بالعلم، وإذا أردت الآخرة فعليك بالعلم، وإذا أردتهما معاً فعليك بالعلم، ولكن في الآية الكريمة ملمح دقيق: ﴿فَلَا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ﴾ إنها كلمة مواقع، الموقع يعني أن صاحب الموقع قد يكون ليس في الموقع، لأن هذا النجم، أو هذه المجرة، أو هذا النجم الذي يبعد عنا عشرين مليار سنة كان في هذا المكان، وأرسل ضوءه إلى الأرض، وبقي الضوء يقطع في الفضاء الخارجي مسافة يستغرق قطعها عشرين مليار سنة، النجم أين هو الآن؟ ليس في هذا المكان، سرعته تقترب من سرعة الضوء، لذلك إذا تأمل عالم فلك في كلمة مواقع لخرّ ساجداً لله، ﴿فَلَا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ﴾ لو أن الآية: فلا أقسم بالمسافات بين النجوم، هذا ليس قرآناً: ﴿فَلَا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ*وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَّوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ﴾.
إخوتنا الكرام؛ الأرض تدور حول الشمس، بين الأرض والشمس مئة وستة وخمسين مليون كيلو متر، يقطعها الضوء في ثماني دقائق، الشمس تكبر الأرض بمليون وثلاثمئة ألف مرة، أي أن جوف الشمس يتسع لمليون وثلاثمئة ألف أرض، وبينهما مئة وستة وخمسون مليون كيلو متر، وحينما قال الله عز وجل:

﴿ وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْبُرُوجِ (1)﴾

[ سورة البروج ]

أحد أبراج السماء اسمه برج العقرب، برج العقرب فيه نجم صغير متألق اسمه: قلب العقرب، هذا النجم الصغير المتألق يتسع-دققوا الآن-يتسع للشمس والأرض مع المسافة بينهما، أهذا الإله العظيم يُعصى؟! ألا يُخطب وده؟ ألا تُرجى جنته؟ ألا تُخشى ناره؟ ﴿فَلَا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ*وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَّوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ﴾ .

﴿ قُلِ انْظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا تُغْنِي الْآيَاتُ وَالنُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لَا يُؤْمِنُونَ (101)﴾

[ سورة يونس ]

لو انتقلنا نقلة فجائية من المجرات ومن السماوات إلى أحقر مخلوق عند الإنسان إنه البعوضة، البعوضة بعد أن وضِعت تحت المجهر الالكتروني تبيّن أن في رأسها مئة عين، وفي فمها ثمانية وأربعين سناً، وفي صدرها ثلاثة قلوب، قلب مركزي، وقلب لكل جناح، ويوجد في كل قلب أذينان وبطينان ودسامان، وتملك البعوضة جهاز استقبال حرارياً لا تملكه الطائرات، إنها ترى الأشياء لا بأشكالها، ولا بأحجامها، ولا بألوانها، ولكن ترى الأشياء بحرارتها فقط، وحساسية هذا الجهاز الحراري واحد على ألف من الدرجة المئوية، وتملك جهاز تحليل دم، فما كل دم يناسبها، وتملك جهازاً آخر، جهاز تمييع للدم، لأن لزوجة دم الإنسان لا تسري في خرطومها، وتملك جهاز تخدير، جهاز تحليل، جهاز تمييع، جهاز تخدير.
أما خرطومها ففيه ست سكاكين، أربع سكاكين لإحداث جرح مربع، وسكينان يلتئمان على شكل أنبوب لامتصاص الدم، فإذا قال الله عز وجل في قرآنه:

﴿ إِنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلًا مَا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَيَقُولُونَ مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَذَا مَثَلًا يُضِلُّ بِهِ كَثِيرًا وَيَهْدِي بِهِ كَثِيرًا وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفَاسِقِينَ (26)﴾

[ سورة البقرة ]

هذه الآية تندرج تحت الإعجاز العلمي في القرآن الكريم، في أرجل البعوضة مخالب، إن أرادت أن تقف على سطح خشن، وفي أرجل البعوضة محاجم، إن أرادت أن تقف على سطح أملس، ﴿قُلِ انظُرُواْ مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ﴾ ، ﴿إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ لِّأُوْلِي الألْبَابِ*الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىَ جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ﴾ .
أيها الإخوة الكرام؛ الآيات التي تتحدث عن العلم، وعن التفكر، وعن العقل تقترب من ألف آية في القرآن الكريم، والآيات التي تتحدث عن الكون تقترب أيضاً من ألف آية، لذلك السبيل الوحيد لمعرفة الله التفكر في آياته، فالله عز وجل حينما قال:

﴿ تِلْكَ آيَاتُ اللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَ اللَّهِ وَآيَاتِهِ يُؤْمِنُونَ (6)﴾

[ سورة الجاثية ]

الله عز وجل مبين، بيّن هذه الآية، والله عز وجل ظاهر، بل إن كل شيء في الكون ينطق بوجود الله، وبوحدانيته، وبكماله، هذا عن آياته الكونية.
 

نماذج من آيات الله التكوينية:


ماذا عن آياته التكوينية؟ نحن مأمورون أن نتفكر بآياته الكونية، أما آياته التكوينية فهي أفعاله، تصوروا فرعون، وما أدراكم من فرعون، بجبروته، بقوته، باستعلائه، باستكباره، بقسوته، بظلمه، بطغيانه، هذا فرعون وراء سيدنا موسى بقوته، سيدنا موسى معه شرذمة قليلون من بني إسرائيل، وصلوا إلى ساحل البحر الأحمر.

﴿ فَلَمَّا تَرَاءَى الْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ (61)﴾

[ سورة الشعراء ]

أي احتمال النجاة صفر، فرعون بأسلحته الفتاكة، بحقده، بطغيانه، باستعلائه، باستكباره، وراء نبي كريم مع شرذمة من بني إسرائيل، قال تعالى:

﴿ فَلَمَّا تَرَاءَى الْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ (61) قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ (62)﴾

[ سورة الشعراء ]

القصة معروفة لديكم، حيث إن هذا النبي الكريم ضرب البحر بعصاه فأصبح طريقاً يبساً، سار به موسى ومن معه، تبِعهم فرعون، وفرعون في منتصف البحر فغرق، وكان إغراق فرعون آية من آيات الله عز وجل، وهذه القصة لنا من أجل ألا نيأس، من أجل أن نثق بالله عز وجل، وأن الله سبحانه وتعالى لا يتخلى عن عباده المؤمنين.

﴿ وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (139)﴾

[ سورة آل عمران ]

هذه آية من آياته التكوينية، قال تعالى:

﴿ قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلُ كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُشْرِكِينَ (42)﴾

[ سورة آل عمران ]

هؤلاء الذين عارضوا النبي الكريم أين هم الآن؟ في مزبلة التاريخ، أبو جهل وأبو لهب، هؤلاء الذين وقفوا معه أين هم؟ في أعلى عليين.

﴿ قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ ثُمَّ انْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ (11)﴾

[ سورة الأنعام ]

وفي آية أخرى:

﴿ قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ (69)﴾

[ سورة النمل ]

أحياناً يأتي التدمير سريعاً، وقد يأتي متأخراً لحكمة أرادها الله عز وجل، فآياته الكونية أُمِرنا أن نتفكر فيها، وآياته التكوينية أُمِرنا أن ننظر فيها.
 

الآيات القرآنية:


بقي آياته القرآنية أُمرنا أن نتدبر آياته القرآنية، والقرآن الكريم يُقرأ، والأولى أن يُقرأ قراءة صحيحة، وفق قواعد اللغة، لأن هذا القرآن الكريم نزل بلسان عربي مبين، وإن أمكن ينبغي أن يُقرأ قراءة وفق أحكام التجويد، هذا تحت قوله تعالى:

﴿ الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلَاوَتِهِ أُولَئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ (121)﴾

[ سورة البقرة ]

ثم ينبغي أن نفهمه، ثم ينبغي أن نتدبره، ما الفرق بين أن نفهمه وبين أن نتدبره؟ أن نفهمه أن نفهم المعنى الذي أراده الله عز وجل وفق علم الأصول، أما التدبر أين أنا من هذه الآية؟ هل أنا مُطِبق لها؟ دائماً وأبداً التدبر يعني أن تسأل نفسك: أين أنا من هذه الآية؟ فلذلك القرآن الكريم يقول: إن الله يحب الصادقين.

﴿ فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ (159)﴾

[ سورة آل عمران ]

هل أنا متوكل؟ فالمؤمن الصادق حيثما قرأ آية في كتاب الله يسأل نفسه: هل أنا مطبق لها؟ هذا هو التدبر، وأعلى شيء في تلاوة القرآن الكريم التطبيق، إذاً: ﴿يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلاَوَتِهِ﴾ بدءاً من تلاوته وفق أحكام اللغة العربية الصحيحة، ثم قراءته وفق علم التجويد، ثم فهمه، ثم تدبره، ثم تطبيقه،

(( عن صهيب: ما آمن بالقرآن من استحل محارمه. ))

[ أخرجه الترمذي: حسن ]

إذاً الآيات الكونية أتفكر فيها، والتفكر أمرٌ في القرآن الكريم، بل إن هذا الأمر يُعدّ من أوثق الأوامر، لماذا؟ جاء بفعل مضارع، يتفكرون، التفكر مستمر، ﴿إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ لِّأُوْلِي الألْبَابِ*الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىَ جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ﴾ .

  ماذا تقتضي قراءة الآيات الكونية والتكوينية والقرآنية؟


الآيات التي تزيد عن ألف آية في كتاب الله، وتتحدث عن الكون هي في الحقيقة منهج لنا، منهج للتفكر، فأية آية كونية يجب أن تقف منها الموقف الذي أراده الله، مثلاً أنت إذا قرأت آية فيها أمر ماذا تقتضي منك هذه الآية؟ أن تأتمر، إن قرأت آية فيها نهي ماذا تقتضي منك هذه الآية؟ أن تنتهي، إن قرأت آية فيها وصف لأهل الجنة ماذا تقتضي منك هذه الآية؟ أن تسعى لدخول الجنة بالعمل الصالح، والتوبة، والاستقامة، وإن قرأت آية فيها وصف لأهل النار ماذا تقتضي منك هذه الآية؟ أن تبتعد عن النار،

(( عن عديّ بن حاتم رضي اللّه عنه: اتَّقُوا النَّارَ وَلَوْ بِشِقّ تَمْرَةٍ. ))

[ صحيح البخاري ]

فإذا قرأت آية تتحدث عن الأقوام السابقة ماذا تقتضي منك هذه الآية؟ أن تعتبر، الآن الشاهد، فإذا قرأت آية كونية ماذا تقتضي منك هذه الآية؟ أن تتفكر في خلق السماوات والأرض، وربما كان التفكر أعلى عبادة يقوم بها الإنسان، لأن التفكر طريق إلى معرفة الله، وأصل الدين معرفته، وأنت حينما تعرف الآمر ثم تعرف الأمر تتفانى في طاعة الآمر، أنت حينما تعرف الأمر ولا تعرف الآمر تتفنن في التفلت من الأمر، وهذه مشكلة المسلمين الأولى، عرفوا الأمر ولم يعرفوا الآمر، هان أمر الله عليهم فهانوا على الله، هان أمر الله عليهم لأنهم ما عرفوا من الآمر، لذلك المرحلة المكية التي أمضى فيها النبي عليه الصلاة والسلام سنوات طويلة في تعريف أصحابه بالله، لذلك يغلب على الآيات المكية أنها كونية، ويغلب على الآيات المدنيّة أنها تشريعية، وفي الدعوة إلى الله لابد من أن تتمايز المرحلة المكية التي فيها تعريف بالله عز وجل عن المرحلة المدنيّة التي فيها تعريف بأمره. 
والمقولة التي أرددها كثيراً: أنت بالكون تعرفه، وبالقرآن الكريم تعبده، بالكون تعرفه، وبالمنهج القويم الذي جاء به القرآن الكريم والسنة المطهرة تعبده، بالتفكر تعرفه، وبالطاعة تعبده، والإنسان علة وجوده أن يعبد الله، والعبادة طاعة طوعية، ممزوجة بمحبة قلبية، أساسها معرفة يقينية، تُفضي إلى سعادة أبدية.
 

كمال الخلق يدل على كمال التصرف:


أيها الإخوة؛ الله عز وجل من خلال التفكر في خلق السماوات والأرض نرى كمالاً، ونرى عظمة، ونرى رحمة، ونرى حكمة، ونرى قوة، أسماء الله الحسنى نستشفها من التفكر في خلق السماوات والأرض، قد نصل في نهاية المطاف إلى أن الله موجود، وكامل، وواحد، وأسماؤه حسنى، وصفاته فضلى.
كمال الخلق يدل على كمال التصرف، إذاً من مقتضيات كماله الذي وصلنا إلى هذه الحقيقة من خلال التفكر في خلقه أنه يبين لعباده، يبين لهم الآيات من أجل أن يتفكروا، يبين لهم الآيات من أجل أن يعقلوا، يبين لهم الآيات من أجل أن يهتدوا، من أجل أن يطيعوا، من أجل أن يتّقوا، من أجل أن يشكروا.

﴿ مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ وَكَانَ اللَّهُ شَاكِرًا عَلِيمًا (147)﴾

[ سورة النساء ]

أي أنت حينما تؤمن وحينما تشكر تحقق الهدف من وجودك، ذلك لأن الكون مسخر لك أيها الإنسان تسخير تعريف وتكريم، هذا يُستنبط من قول النبي الكريم حينما رأى هلالاً قال:

(( عَنْ قَتَادَةَ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا رَأَى الْهِلَالَ قَالَ: هِلَالُ خَيْرٍ وَرُشْدٍ، هِلَالُ خَيْرٍ وَرُشْدٍ، هِلَالُ خَيْرٍ وَرُشْدٍ. ))

[  أبو داود وفي سنده ضعف  ]

أي ننتفع به، ويرشدنا إلى الله عز وجل، وأي شيء من دون استثناء خلقه الله عز وجل له وظيفتان كبيرتان، وظيفة إرشادية، ووظيفة نفعية، العالم الغربي حقق الوظيفة الثانية في أعلى مستوى، انتفع من خيرات الأرض، وخيرات السماء، وما تحت الأرض، بينما المسلم ينبغي أن يُضيف إلى انتفاعه من خيرات ربه جلّ جلاله أن يضيف إلى استمتاعه بهذه الخيرات أنه يعرف الله من خلالها، لذلك أي شيء خلقه الله عز وجل له وظيفتان، وظيفة نفعية، ووظيفة إرشادية.
إذاً أن يبين الله لنا آياته هذا من لوازم كماله، من هنا جاءت الرسالات السماوية والأنبياء، والمرسلون، وكل وسائل هداية الخلق هي تعبير عن محبة الله لنا، وعن أنه خلقنا ليسعدنا.

  البيان يطرد الشيطان:


الآن أنت كمؤمن ماذا ينبغي أن تفعل حيال هذا الاسم؟ ينبغي أن تُبيّن، النبي عليه الصلاة والسلام كان في معتكفه، وجاءته السيدة صفية رضي الله عنها تتفقده، وتُقدم له بعض الحاجات، جلست معه قليلاً، ثم أرادت أن تنقلب إلى بيتها، رافقها النبي عليه الصلاة والسلام، لما رافقها النبي، وهما في الطريق رأيا صحابيين،

(( عن صَفِيَّةَ زَوْجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهَا جَاءَتْ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَزُورُهُ فِي اعْتِكَافِهِ فِي الْمَسْجِدِ فِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ مِنْ رَمَضَانَ ، فَتَحَدَّثَتْ عِنْدَهُ سَاعَةً ، ثُمَّ قَامَتْ تَنْقَلِبُ ، فَقَامَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَهَا يَقْلِبُهَا ، حَتَّى إِذَا بَلَغَتْ بَابَ الْمَسْجِدِ عِنْدَ بَابِ أُمِّ سَلَمَةَ مَرَّ رَجُلَانِ مِنْ الْأَنْصَارِ ، فَسَلَّمَا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَقَالَ لَهُمَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: عَلَى رِسْلِكُمَا - أي تمهلا وقفا- إِنَّمَا هِيَ صَفِيَّةُ بِنْتُ حُيَيٍّ، فَقَالَا : سُبْحَانَ اللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ!!! وَكَبُرَ عَلَيْهِمَا، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ الشَّيْطَانَ يَبْلُغُ مِنْ الْإِنْسَانِ مَبْلَغَ الدَّمِ، وَإِنِّي خَشِيتُ أَنْ يَقْذِفَ فِي قُلُوبِكُمَا شَيْئًا. ))

[ متفق عليه ]

بيّن، وضح، لذلك قالوا: البيان يطرد الشيطان، والمؤمن مِن تخلّقه بهذا الاسم العظيم يبيّن، هناك حساب بيني وبينك، أنت أمين إلى أعلى درجة، وجدت أن المدفوعات تساوي المصروفات، تبني: الحساب مغلق، انتهى، لا يكفي، لابد من أن تقدم الحساب، تبيّن، كلمة هذه زوجتي صفية يُحمل عليها آلاف الحالات، بيّن، وضّح، هذه زوجتي.
أنت مسافر، كلفت أخا زوجتك أن يتفقدها في غيبتك، بلِّغ الجيران، أنا مسافر، وسيأتي أخو زوجتي يتفقد شؤون أخته، لئلا يظن الناس أن هذا الإنسان غريب دخل إلى بيتك في غيبتك، لذلك لا تضع نفسك موضع التهمة، ثم تلوم الناس إذا اتهموك.
الآن البطولة أن كل عمل يقتضي تفسيرين يجب أن تبتعد عنه، فإن كنت مضطراً بيّن ماذا تريد من هذا العمل، هذه من صفات المؤمن، يُبيّن، هذه زوجتي صفية، وهذا هو الحساب، وهذا الذي جاء إلينا فلان، فكلما بيّنت أزلت الشكوك، وأبعدت نفسك عن التهم، والمؤمن حريص على سمعته، وعلى كلام الناس في غيبته، ورحم الله عبداً جبّ المغيبة عن نفسه.
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم أعطنا ولا تحرمنا، أكرمنا ولا تُهنّا، آثرنا ولا تؤثر علينا، أرضنا وارض عنا، وصلى الله على سيدنا محمد النبي الأمي وعلى آله وصحبه وسلم.

الملف مدقق

والحمد لله رب العالمين

الاستماع للدرس

00:00/00:00

نص الزوار

نص الدعاة

اللغات المتوافرة

إخفاء الصور