وضع داكن
17-11-2025
Logo
أسماء الله الحسنى - إصدار 2008 - الدرس : 028 ب - اسم الله الوتر 2
رابط إضافي لمشاهدة الفيديو اضغط هنا
×
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات.
 

المخلوقات من خصائصها أنها مفتقرة إلى بعضها البعض:


أيها الإخوة الكرام؛ لا زلنا في اسم الوتر، والوتر هو الله، لأنه واحد أحد، فرد صمد.

﴿ لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ (3) وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ (4)﴾

[ سورة الإخلاص ]

والشفع المخلوقات، ومن خصائص المخلوقات أنها مفتقرة إلى بعضها البعض، كمثل صارخ؛ الرجل مفتقر إلى المرأة، والمرأة مفتقرة إلى الرجل، الرجل يُكمِّل نقصه العاطفي بزوجته، والزوجة تُكمِّل نقصها القيادي بزوجها، والمجتمع بحاجة أن يكون مُجتمَعاً ومُجتمِعاً، فلذلك يقول الله عز وجل:

﴿ وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (49)﴾

[ سورة الذاريات ]

آية مطلقة، والمطلق على إطلاقه، أي حتى الذرة هناك كهارب مشحونة سلبياً، وهناك نواة مشحونة إيجابياً، حتى النبات نظام الكائنات، نظام المخلوقات، ﴿وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ﴾ .
 

التوحّد والعزلة مرض خطير:


لذلك التوحد مرض خطير يصيب الأولاد، ينعزل، يعيش وحده، لا يحب أن يلتقي مع أحد، ولهذا المرض آثار خطيرة جداً، وإلى الآن ليس له دواء ناجع، الأصل في الإنسان أنه اجتماعي، الإنسان اجتماعي في الطبع، مفتقر إلى زوجته، والزوجة مفتقرة إلى زوجها، الرجل مفتقر إلى صديقه، والشاب إلى رفيقه، والناس يألفون أن يعيشوا مع بعضهم بعضاً، ممكن لو أننا أبعدنا إنساناً عن أخيه الإنسان، وقطعنا عنه الأخبار، وقطعنا عنه الليل والنهار بمنفردة، خلال عشرين يوماً يختل توازنه العقلي، أبداً، لو قطعت عنه الأخبار، وتبدُّل الليل والنهار، ومنعت عنه الساعة، والتاريخ، ومنعته أن يلتقي بإنسان، يختلّ توازنه العام، فالإنسان هكذا خُلق.
 

بعض الاستثناء من القاعدة يؤكد القاعدة:


أيها الإخوة؛ التوحد مرض خطير يصيب الأولاد يؤكد هذه القاعدة، وهناك رأي دقيق ولطيف أن بعض الاستثناء من القاعدة يؤكد القاعدة، يولد مئات ألوف الأطفال، بكل مئتين، ثلاثمئة ألف طفل يأتي طفل الثقب الذي بين الأذينين والذي اسمه ثقب بوتال مفتوح، لأن الطفل في بطن أمه يحتاج إلى دورة دموية، وهذه الدورة الدموية لا يُجدّد الأوكسجين فيها عن طريق الرئتين، لعدم وجود الهواء، فالرئتان في بطن الأم معطلتان، فالله سبحانه وتعالى جعل بين الأذينين ثقباً اكتشفه عالم فرنسي اسمه بوتال، فصار اسم هذا الثقب: ثقب بوتال، فالدم بدل أن يذهب إلى الرئتين، ويُجدّد الأوكسجين، ويعود إلى القلب ينتقل من أذين إلى أذين مباشرة عبر هذا الثقب.
حدثنا أستاذ جامعي أنه في أثناء الولادة تأتي جلطة فتُغلق هذا الثقب، ولو بقي هذا الثقب مفتوحاً لأصيب الطفل بمرض خطير ينتهي به إلى الموت خلال سنوات، داء الزرق، لأن الدم بدل أن يذهب إلى الرئة ليجدَّد الأوكسجين ينتقل عبر الطريق الأسرع والأقرب إلى الأذين الآخر، يبقى أزرق اللون، والعملية معقدة وغالية جداً، واحتمال نجاحها ضعيف، فطفل كل أربعمئة خمسمئة ألف طفل مصاب بداء الزرق، هذا الاستثناء يؤكد القاعدة.
 

الإنسان اجتماعي:


إذاً الأصل أن الإنسان اجتماعي، أردت من هذا المثل، وعندي مثل آخر رائع جداً هو أن هناك آلية معقدة جداً سماها العلماء آلية المص، أو منعكس المص، فالطفل بعد أن يولد لتوه خلال ثوانٍ إن وصلت أصبع الممرضة إلى فمه يمصها، والمص آلية مُعقدة، يضع شفتيه على حلمة ثدي أمه، ويُحكِم الإغلاق، ويسحب الهواء، لا يوجد قوة في الأرض تستطيع أن تُعَلِّم هذا الوليد كيف يمص ثدي أمه لو لم يكن معه هذا المنعكس، لولا هذا المنعكس لما كان هذا الدرس، ولما كانت دمشق، ولما كان إنسان على وجه الأرض.
أيضاً كل خمسمئة ستمئة ألف يأتي طفل لا يوجد عنده هذا المنعكس، يموت من الجوع، لا يوجد قوة تُعلمه، تصور أبًا يخاطب ابنه الوليد لتوه: بابا-الله يرضى عليك-يجب أن تضع شفتيك على حلمة ثدي أمك، وأن تُحْكِم الإغلاق تماماً، وأن تسحب الهواء ليأتيك الحليب،  شيء مضحك.
لذلك أيها الإخوة؛ الكون فيه آيات مذهلة، فالاستثناء يُؤكد القاعدة، الاستثناء يلفِت نظرك إلى القاعدة، الاستثناء يشير إلى روعة عظمة الله عز وجل، فالإنسان اجتماعي، وأخطر مرض يصيب الأطفال مرض التوحد، كنا مرة باحتفال، وإنسان كان معه ابنه المصاب بهذا المرض، شيء لا يحتمل، شيء فوق طاقة البشر، لأنه متوحد، فالإنسان من شأنه الاجتماع، والافتقار إلى أخيه الإنسان، وربنا جلّ جلاله من شأنه التوحد، واحد أحد، فرد صمد: ﴿لَم يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ*وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ﴾ والآية واضحة ﴿وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ﴾ .

﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ (13)﴾

[ سورة الحجرات ]

أي تصور أيّة فتاة على وجه الأرض طموحها الأول، هدفها الأكبر أن تتزوج، لأن علماء النفس اكتشفوا أن أقوى دافع في الجنس البشري دافع الأمومة، لذلك أي مجتمع يسعى لتزويج الشباب بالشابات، والشابات بالشباب مجتمع متكامل، مجتمع صحي، أما حينما تُهاجَم الأسرة، وحينما تُقوَّض أركانها، وحينما يُدعَى إلى التفلت، وإلى قضاء هذه الشهوة عبر الحرام، وعبر القنوات الأخرى فإن مجتمعاً بأكمله ينهار، تشريعات السماء تدعم الأسرة، وتشريعات الأرض تدعو إلى التفلت، ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى﴾ .

﴿ وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى (1) وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى (2) وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى (3)﴾

[ سورة الليل ]

 

تبادل الخبرات والمعارف موجود في أصل تصميم الإنسان:


كنت أقول سابقاً أنت لست مفتقراً إلى الله فحسب بل أنت مفتقر إلى زوجة، أي أحياناً ينشأ خلاف بين زوجين من رواد المسجد، بعد أن تذهب إلى بيت أهلها يتوتر، تجده بعد أسبوعين متوتراً جداً، وهي متوترة جداً تسأل أباها ما الذي حصل؟ متى سيعود؟ أي شيء من خصائص بنية الإنسان النفسية، ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ﴾ في أصل التصميم، في أصل السنن الكونية ﴿لِتَعَارَفُوا﴾ لتتبادلوا الخبرات، لتتعاونوا، أما الآن لتتقاتلوا، ليأكل بعضكم بعضاً، موت كعقاص الغنم، لا يدري القاتل لمَ يقتل؟ ولا المقتول فيمَ قُتل؟ يوم يذوب قلب المؤمن في جوفه مما يرى ولا يستطيع أن يغير، إن تكلم قتلوه، وإن سكت استباحوه، ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ﴾ هذه الخاصة في بني البشر الاجتماع، وأن يفتقر كل واحد منا إلى الآخر، وأن يُمَكِّنه الله من إتقان العمل، وهو بحاجة إلى مليون حاجة، وكل حاجة خبرات، وجهود متراكمة، وكشوفات، فأنت تأخذ جهود الآخرين جميعاً بأجر بسيط، مثلاً أنت حينما تشتري كيلو من التفاح، تتوهم أنك تدفع ثمنه، هذا خطأ كبير، لا يوجد مبلغ في الأرض يمكن أن يصنع تفاحاً، إلا أنك تدفع ثمن خدمته، الذي زرع، وسمّد، وقطف، وسوّق، وعرض بضاعته في سوق الخضراوات والفواكه، أنت اشتريت جهود مزارع، اشتريت خدمة التفاح فقط، كل شيء تشتريه هو خدمة.
هناك قصة فرنسية مترجمة إنسان يقطع الصحراء، ضلّ الطريق، ونفذ طعامه وشرابه، وكاد يموت جوعاً، لمح عن بُعد شجرة، فأشرق في نفسه نور من الأمل، هُرع نحو الشجرة فإذا إلى جانبها بركة ماء، شرب منها حتى ارتوى، ثم تولّى إلى الظل، فحانت منه التفاتة فرأى كيساً فسُرّ به سروراً عظيماً، وكاد يختل توازنه، لأنه ظنّ أن فيه خبزاً، ولكن يا للأسف لقد فتح الكيس فلم يجد فيه إلا لآلئ، فصاح قائلاً: وا أسفاه، هذه لآلئ، أي كيسٌ من اللآلئ ثمنه مليارات حينما تجوع لا قيمة له أبداً، لذلك بيع رغيف الخبر في الحرب العالمية الثانية بخمس ليرات ذهبًا، رغيف خبز واحد، فإذا وجد الإنسانُ طعاماً في بيته، وجد ماء، وجد أولاده أمامه، زوجته أمامه، هذه نعمة لا تعدلها نعمة.
 

واقع المسلمين انتماء فردي ومصلحة شخصية:


أيها الإخوة؛ الآية الكريمة: 

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحِلُّوا شَعَائِرَ اللَّهِ وَلَا الشَّهْرَ الْحَرَامَ وَلَا الْهَدْيَ وَلَا الْقَلَائِدَ وَلَا آمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنْ رَبِّهِمْ وَرِضْوَانًا وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ أَنْ صَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَنْ تَعْتَدُوا وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (2)﴾

[ سورة المائدة ]

أنا أرى أن المسلمين بحاجة ماسة إلى قيم حضارية هي في أصل دينهم، لكنهم غفلوا عنها، من هذه القيم الانتماء للمجموع، وأخطر مرض يصيب المجتمع الانتماء الفردي، الانتماء الفردي أي إنسان مضطجع تحت شجرة تفاح، قد قُطِفت ثمارها كلها، لكن بقيت تفاحة واحدة لم ينتبه إليها من قطف الفواكه، كبيرة، وذات لون شهي، أي لون أصفر، ولها خد أحمر، ومعه منشار شجر، فنشر هذه الشجرة، هي عالية جداً، نشرها فوقعت على الأرض ليأكل هذه التفاحة، هذا الانتماء الفردي، من أجل مصلحته المحدودة يقضي على مصالح المجتمع، من أجل شهواته المنحطة يُدمر أمة، أخطر شيء بالمجتمع الانتماء الفردي، وأعظم شيء بالمجتمع الانتماء الجماعي، قال تعالى: ﴿وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ﴾
 

التعاون أصل في ديننا: 


التعاون أصل في ديننا، وهو خصيصة ثابتة عند الطرف الآخر، وهذه الخصيصة أحد أسباب قوتهم ﴿وَتَعَاوَنُوا﴾ الشيء المؤلم جداً الطرف الآخر يتعاونون، وبينهم خمسة بالمئة قواسم مشتركة، ويبحثون كل يوم عن وسيلة لتقارب هذه المجتمعات، كنت في ألمانيا، مشينا في طريق في مدينة آخن، قال: هذه هولندا، ولا لوحة، ولا إشارة، ولا كلمة، كيف عرفتم أن هذه هولندا؟ قال: من ألوان لوحات السيارات، كانت بيضاء فأصبحت صفراء، دولة واحدة، عملة واحدة، ناطق رسمي واحد، وحدة اقتصادية، هؤلاء أعداؤنا الذين يبحثون كل يوم عن نقاط اللقاء، ونحن حدود وسدود، وساعات تقف، وجدار فصل، ونحن نتقاتل، وبيننا خمسة وتسعون بالمئة قواسم مشتركة، هذه وصمة عار بحق الأمة.
أيها الإخوة؛ الله عز وجل يريدنا أن نتعاون، لذلك الانتماء للمجموع حضارة، الانتماء للمجموع دين، الانتماء للمجموع شيء يرقى بالمجتمع، والانتماء الفردي خطر يهدد المجتمعات الإسلامية، من بعدي الطوفان، له هدف مادي، أن يجمع ثروة طائلة ولا يعبأ بكل مآسي المجتمع،

(( عن أنس: والله ما آمن بي مَن بات شبعاناً وجاره إلى جانبه جائع وهو يعلم. ))

[ البزار بسند صحيح ]

الله عز وجل ذات كاملة، صمدية، وصفاته فردية، واحد أحد، فرد صمد: ﴿لَم يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ*وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ﴾ هو المنفرد بالأَحدية والفردية.  

معنى آخر للوتر:


الآن هناك معنى آخر للوتر، معنى جديد، الشفع مخلوقاته، صفاتهم متنوعة، بل متناقضة، هناك بخيل وهناك كريم في بني البشر، هناك مستقيم وهناك منحرف، هناك صادق وهناك كاذب، هناك أمين وهناك خائن، هناك مُتجمِّل وهناك متوحش، لكن الله سبحانه وتعالى أسماؤه كلها حسنى، وصفاته فضلى، مُتَوحد بكماله، هذا معنى جديد، بينما خَلقه متنوعون بصفاتهم.
 

شهوة الجنس:


أيها الإخوة؛ لكن في بعض الأحاديث:

(( عن أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعاً: وَإِنَّ اللَّهَ وِتْرٌ يُحِبُّ الْوِتْرَ. ))

[ صحيح البخاري ]

هذا شي جديد، أي الإنسان أودع الله فيه حاجة إلى الطعام والشراب حفاظاً على جسمه، أو على شخصه، أو على فرديته، وأودع فيه حاجة إلى المرأة، وأودع في المرأة حاجة إلى الرجل، أي أودع فيه حاجة إلى الجنس حفاظاً على النوع، لولا هذه الشهوة التي أودعها الله فينا ما كان هذا الدرس، تجد الإنسان يسعى جاهداً، يعمل ليلاً ونهاراً ليُجمِّع مبلغاً يتزوج به امرأة، يشتري بيتاً، يستأجر بيتاً، يجهد جُهداً كبيراً، حاجة أساسية، والفتاة ومعها كل الحق تنتظر خاطبًا، يرعاها، يحفظها، يدافع عنها، ملء سمعها وبصرها، هي تنتظر، وهو يبحث، لأن الله أودع فينا دافع إلى الجنس، وهذا الدافع إلى الجنس قوي جداً، فإن لم يتحرك في القنوات الشرعية تحرك في القنوات غير الشرعية، إن وضعت العراقيل أمام الشباب في زواجهم إياك أن تظن أنك توقف هذه الحاجة، تستمر ولكن بالحرام، المعنى من أين؟

(( عن أبي هريرة رضي الله عنه: إذا أتاكم من تَرضَون دِينَه وخُلُقَه فأنكِحوه إلا تفعلُوه تكن فتنةٌ في الأرضِ وفسادٌ كبيرٌ. قالوا: يا رسولَ اللهِ وإن كان فيه؟ قال: إذا جاءكُم مَن تَرضَون دينَه وخُلُقَه فأنكِحوهُ. ))

[  أخرجه الترمذي: حسن ]

ما قال: يُلغى الزواج، ما قال: تُلغى علاقة الذكر بالأنثى، ما قال: تمنع هذه الحاجة، أبداً، ((إلا تفعلُوه تكن فتنةٌ في الأرضِ وفسادٌ كبيرٌ)) هذه الحاجة الثانية، حفاظاً على النوع. 
 

الحاجة إلى تأكيد الذات:


أما الذي يعنينا في هذا الدرس الحاجة الثالثة تأكيد للذات، أن تكون متميزاً، أن تكون علماً، أن تكون نجماً، أن تكون شيئاً مذكوراً، أن تكون مُهِمًّا، أن يُشار إليك بالبنان، أن يتحدث الناس عنك، حاجة أساسية، هذه الحاجة تُروى في الحق، وفي الباطل، إنسان جمّع أموالاً طائلة، وأنفقها على ملذاته، وشهواته، وبيته، ومركبته، وحماقاته، وسفرياته، يصبح حديث الناس، وإنسان آخر:

﴿ وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ (33)﴾

[ سورة فصلت ]

يصبح حديث الناس أيضاً، هناك فرق، هذه الحاجة الثالثة تأكيد للذات، لعلها معنية بقول النبي عليه الصلاة والسلام: ((وإن الله وتر يحب الوتر)) يحبك أن تكون متفوقًا، لا أن تكون رقمًا بسيطًا، لا أن تكون مع دهماء الناس، لا أن تكون إنسانًا لا يأبه بك أحد، همه بطنه، أو همه فرجه، أو همه ثوبه، أو همه مسكنه، همه شهواته، ((وإن الله وتر يحب كل وتر))

(( عن الحسين بن علي بن أبي طالب: إنَّ اللهَ تعالى يُحِبُّ مَعاليَ الأُمورِ وأَشرافَها، ويَكرَهُ سَفْسافَها. ))

[  صحيح الجامع: خلاصة حكم المحدث: صحيح ]

لا تكن رقمًا لا يعني شيئاً، جاء إلى الدنيا وعاش ومات، ما أحد علِم به أساساً، أما أعلام المجتمع يُشار إليهم بالبنان.
فيا أيها الإخوة الكرام؛ ((وإن الله وتر يحب الوتر)) يحبك أن تكون شيئًا مذكورًا، يحبك أن تحقق إنجازًا للأمة، تترك بصمات، كلنا يقول: رحم الله صلاح الدين الأيوبي، انتصر على جيوش جرارة، وفتح القدس، ورفع رأسنا عالياً، العالم كله يقول: رضي الله عن سيدنا خالد الذي خاض مئة معركة أو زهاءها ، وما في جسمه موضع شبر إلا وفيه طعنة برمح، أو ضربة بسيف، ومات على فراشه، أي في العيد الماضي وُضِع على ضريحه كساء جديد في حمص، له بطولات كبيرة جداً،لا تكن شخصًا عاديًا، لا أحد ينتبه إليك، اعمل عملاً، قدم خدمة لأمتك، حل مشكلة من مشكلات أمتك، أتقن عملك، الحد الأدنى أتقن عملك، وقدم للناس بضاعة جيدة بسعر معتدل، حل مشاكلهم، هذا الذي ينتمي لنفسه فقط إنسان غير سوي.
أيها الإخوة؛ الله عز وجل واحد وتر وواسع. 
 

الله وتر وواسعٌ:


آخر فكرة أنك قد تجد طبيبًا درس بأمريكا، تعيّن بالخليج، جاءه مريض من الهند، وصف له دواء صنع ماليزيا، كيف؟ لأن بنية الإنسان واحدة، مكان العصب بالميلي بالعالم كله، مكان الوريد، مكان الشريان، التصميم واحد يدل على إله واحد، لكن لا يوجد واحد وجهه كالثاني، الله عز وجل واحد وواسع، لا يوجد قُزحية عين في الأرض كقزحية عين الآخر، أبداً، لا يوجد رائحة جلد كرائحة أخرى، لا يوجد نبرة صوت، الله أعطى الإنسان فردية، والله لو تشابهت ورقتا زيتون لما سميت الواسع، حدثني أخ صديق قال لي: أنجبت زوجتي بنتين من بويضة واحدة، هذه أشدّ أنواع التشابه، من بويضة واحدة، ومع ذلك الطباع متباينة.
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم أعطنا ولا تحرمنا، أكرمنا ولا تهنا، آثرنا ولا تؤثر علينا، أرضنا وارض عنا، وصلى الله على سيدنا محمد النبي الأمي وعلى آله وصحبه وسلم.

الملف مدقق

والحمد لله رب العالمين 

الاستماع للدرس

00:00/00:00

نص الزوار

نص الدعاة

اللغات المتوافرة

إخفاء الصور