- تفسير القرآن الكريم / ٠1التفسير المختصر
- /
- (018) سورة الكهف
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين .
القرآن الكريم منهج الله لا يأتيه الباطل مهما تقدم العلم :
أيها الأخوة المؤمنون ؛ الآية التاسعة والعاشرة بعد المئة من سورة الكهف ، وهي قوله تعالى :
﴿ قُلْ لَوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَاداً لِكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَداً (109) قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَداً (110)﴾
كلنا يعلم أن دواة الحبر تكفي الإنسان عاماً بأكمله ، وقد تكفيه عامين أو ثلاثة ، أما لو أن الإنسان اشترى لتر حبر هذا اللتر يكفيه كل العمر كتابة ، فكيف إذا كان البحر كله مداداً لكلمات الله ؟! كي نعلم ما معنى البحر ؛ القارات الخمس : آسيا ، وإفريقيا ، وأوروبا ، وأوقيانوسيا ، وأمريكا ، تشكل خمس اليابسة ، وأربعة أخماسها بحراً ، وأعمق نقطة بالبحر 12 كيلو متر ، في خليج مريانا بالمحيط الهادي ، القارات الخمس وما فيها من دول آسيا ، وإفريقيا ، وأوقيانوسيا ، وأمريكا ، وأوروبا ، كلها خمس البحر ، وأربعة أخماس الأرض بحر ، وهناك أعماق متفاوتة ، وعميقة ، البحر كله مداد لكلمات الله .
﴿ قُلْ لَوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَاداً لِكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَداً (109)﴾
يوجد آية أخرى تشبهها .
﴿ وَلَوْ أَنَّمَا فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلَامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (27)﴾
غابات الأرض كلها أقلام ، هناك غابات بالأمازون كلها عذراء لم يستطع إنسان أن يدخلها .
﴿ وَلَوْ أَنَّمَا فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلَامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ
هذا هو كتابنا ، هذا هو كتاب الله ، تقرأ الآية ألف مرة ، وفي كل مرة يتضح لك من معانيها ما كان خافياً عليك ، وصف النبي كلام الله عز وجل أنه لا يبلى على كثرة الرد ، ولا تنقضي عجائبه ، وكلما زدته فكراً زادك معنى ، وفضل كلام الله على كلام خلقه كفضل الله على خلقه ، فهذا القرآن الكريم الذي هو منهج الله ، الذي لا يأتيه الباطل لا من بين يديه ، ولا من خلفه ، مهما تقدم العلم ، هل رأيتم آية علمية صدمت آية قرآنية ؟ أما أي كتاب مهما علا شأنه بعد حين ترى فيه أفكاراً مضحكة ، أنا قرأت كتاباً لعالم سمعته ملأت الأرض ، في حينه كان يظن أنك إذا أكلت طعاماً دسماً بخار الطعام يصعد إلى الدماغ ، وكأن المعدة مفتوحة كالوعاء ، وبخار الطعام يصعد إلى الدماغ ، ويعطل التفكير ، هذه الفكرة الآن تبدو ساذجة مضحكة ، ما من كتاب على وجه الأرض تقرؤه بعد خمسة أعوام إلا وترى فيه أشياء مضحكة ، وغير مقبولة ، القرآن الكريم مضى على نزوله من السماء 1500 عام ، هل فيه آية قرآنية تصدم حقيقة علمية ؟ أبداً ، لأنه كلام الله عز وجل ، عندما قال ربنا :
﴿ وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً وَيَخْلُقُ مَا لَا تَعْلَمُونَ (8) ﴾
لو لم يكن هناك :
﴿ وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً وَيَخْلُقُ مَا لَا تَعْلَمُونَ
يركب الإنسان طائرة ، يركب سيارة شبح ، لكن لما ربنا قال :
﴿ وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً وَيَخْلُقُ مَا لَا تَعْلَمُونَ
معناها كلام خالق الكون ، لو أنه كلام النبي لغاب عنه ماذا سيكون .
﴿ وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً وَيَخْلُقُ مَا لَا تَعْلَمُونَ
لذلك ربنا عز وجل قال :
﴿ قُلْ لَوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَاداً لِكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَداً (109) ﴾
الحكمة من عدم تفسير النبي الكريم للآيات الكونية :
آية قرآنية : مثلاً الله عز وجل قال :
﴿ وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الرَّجْعِ (11) ﴾
ماذا فهم العلماء من هذه الآية ؟ أن بخار الماء يصعد إلى السماء ويرجع مطراً ، شي جميل ، هذه الآية تتوافق مع حقيقة علمية ، بعد حين وجدوا أن الأمواج الكهرطيسية إذا انبعثت من الأرض هناك طبقة اسمها الأثير تعيدها إلى الأرض ، ولولا هذه الطبقة لما كانت هناك إذاعة تنطق ، كل الإذاعات مبدؤها أن هذه الأمواج تنعكس من طبقة الأثير إلى الأرض ، لذلك أحياناً يضطرب الإرسال يقول لك : هناك اضطراب في طبقة الأثير ، هذا معنى آخر .
﴿ وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الرَّجْعِ (11) ﴾
ثم اكتشف العلماء أن كل الكون يتحرك ، ولولا هذه الحركة لأصبح كتلة واحدة ، من حركته تنشأ قوى نبذ تكافئ قوى الجذب ، لأن نظام الجاذبية كل كتلة تجذب الأصغر منها ، لو كان الكون سكونياً لأصبح كتلة واحدة ، مادام هناك حركة ، الحركة تنشئ قوة نابذة ، الآن مبدأ النشافة بالغسالة ، الحركة السريعة ، الماء يخرج من الثياب إلى خارج المستودع ، هذا المعنى الأخير أن كل نجم بالكون يسير في مدار مغلق ، مذنب هالي بدا قبل سبعين عام ، وعاد بعد سبعين عام ، بالدقيقة والثانية ، لذلك الوصف الوحيد الجامع ، المانع ، الشامل ، والمطلق للكون أن كل كوكب فيه يدور حول كوكب آخر بمسار مغلق ، إذاً :
﴿ وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الرَّجْعِ (11) ﴾
لهذا النبي عليه الصلاة والسلام إما بتوجيه من الله عز وجل ، أو لاجتهاد منه لم يشأ أن يفسر الآيات الكونية ، لماذا ؟ لأنه لو فسرها تفسيراً بسيطاً يتناسب مع عقول من كان ، ومع معطيات العصر وقتها لأنكرنا عليه هذا التفسير ، ولو فسرها تفسيرات حديثة جداً تقبلها عقولنا لأنكر عليه أصحابه هذا التفسير ، الآيات الكونية تركت للتطور العلمي ، فكلما تطور العلم كشف جانباً من عظمة هذه الآيات .
الدين توحيد كله :
الآية الأخيرة في سورة الكهف :
﴿ قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَداً(110)﴾
أحياناً الإنسان يقرأ كتاباً ثميناً ، يجد في كل فصل ملخصاً ، يوجد كتب لكل فقرة ملخص على الهامش ، وكتب لكل فصل ينتهي الفصل بالتلخيص ، الآن نحن أمام آية تلخص القرآن الكريم كله .
﴿ قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ
هذا هو الدين ، الدين كله توحيد ، أن تؤمن أن لهذا الكون خالقاً هذه قضية لا قيمة لها ، بسيطة كل الخلق يعلمون هذه الحقيقة ، ولئن سألت عباد الأوثان ، الذين عبدوا اللات والعزى .
﴿ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ(61) ﴾
﴿ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى (3) ﴾
فالإيمان أن لهذا الكون خالقاً ، هذه حقيقة معروفة ، ويستوي فيها جميع الناس ، لكن الإيمان الحقيقي أن تؤمن أن هذا الذي خلق الكون بيده كل شيء ، هو الفعال ، ليس خلاقاً فحسب ، بل هو خلاق وفعال .
﴿ اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ (62) ﴾
﴿ لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ (54) ﴾
العمل الصالح والإيمان بالله ثمن لقاء الله عز وجل :
لذلك الآية هنا :
﴿ قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَداً(110)﴾
أدق ما في الآية ، ما قيمة العقيدة الصالحة إذا لم يكن هناك حركة ؟ لم يكن هناك التزام ؟ لم يكن هناك تطبيق ؟ لو أنك قلت : الشمس ساطعة ، هي ساطعة ، إن قلت أو لم تقل هي ساطعة ، إن قلت : ساطعة ، هي ساطعة ، إن قلت : ليست ساطعة ، هي ساطعة ، إقرارك بها لا يقدم ولا يؤخر لكن ما الذي ينفعك من هذه الحقيقة ؟ أن تتعرض للشمس ، أن تستفيد من ضوئها ، أن تستفيد من أشعتها ، أن تستفيد من دفئها ، لذلك :
﴿ قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ
هذه العقيدة ، الآن :
﴿ قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ
العبرة أن تلقى الله عز وجل ، أن تتصل به ، أن تقبل عليه ، أن تتوجه إليه ، أن تلوذ به ، أن تستعين به ، أن تتوكل عليه ، أن تسمو نفسك إليه ، الحقيقة إن لم تستفد منها لا قيمة لها .
﴿ قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ
الثمن :
﴿ قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً
أحياناً لا يتاح لك أن تقابل زيداً من الناس ولا بشهر ، لا يوجد عنده مواعيد ، أحياناً طبيب يقول لك : لثلاثة أشهر ، أحياناً رجل مسؤول يقول لك : لن تستطيع مقابلته ، المواعيد محجوزة لشهر ، أما خالق الكون فقد قال لك :
﴿ قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً
لمجرد أن تعمل عملاً صالحاً خالصاً لله عز وجل تشعر أن الطريق إلى الله سالك ، لذلك الله عز وجل لرحمته تعامله مع خلقه مقنن ، واضح ، أي إنسان عمل عملاً صالحاً يجد نفسه مع الله عز وجل ، يقبل عليه ، الله جل جلاله يتجلى على قلبه بالسكينة ، بالرحمة ، بالطمأنينة ، هذا الدين كله بهذه الآية ، أن تؤمن أن الله واحد ، وبيده كل شيء ، خالق ، بسيطة ، إبليس عرفه خالقاً ، هذا اسمه : إيمان إبليسي ، أنه خلق الكون ، الكفار قالوا : الله خلق السماوات والأرض ، الأجانب والأمريكان ثقتنا بالله على الدولار موجودة ، وهم يقتلون الناس بالعالم كله ، لذلك العبرة أن تؤمن أن الله هو الفعال ، وبيده الأمر .
من استقام وعمل صالحاً وآمن بأن الله هو واحد فقد وصل لكل شيء :
النقطة الثانية :
﴿ قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً
عمل صالح من دون استقامة لا يعطي ثماره .
﴿ قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَداً
أي يجب أن تسير على منهج الله ، وأن تؤمن بالله ، وأن تعمل عملاً يقربك من الله ، والله هذه الآية تكفينا جميعاً ، والله الذي لا إله إلا هو لو لم يكن في كتاب الله إلا هذه الآية لكفت ، الإيمان أن تؤمن أنه واحد ، وفعال ، وطريق الوصول إليه أن تستقيم على أمره ، وأن تعمل عملاً صالحاً ، فإذا فعلت وصلت إلى كل شيء .
﴿ قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَداً
عليه أن يطبق منهج الله وحده ، استقم ، واعمل صالحاً ، وآمن بأن الله هو واحد وبيده كل شيء تصل إلى كل شيء .
والحمد لله رب العالمين