- تفسير القرآن الكريم / ٠1التفسير المختصر
- /
- (018) سورة الكهف
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين.
أيها الأخوة المؤمنون:
في سورة الكهف آية في حد ذاتها تنصب على معناً جزئي من معاني هذه السورة، إلا أنه يقاس عليها أشياء كثيرة، يقول الله عز وجل:
﴿سَيَقُولُونَ ثَلَاثَةٌ رَابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ وَيَقُولُونَ خَمْسَةٌ سَادِسُهُمْ كَلْبُهُمْ رَجْماً بِالْغَيْبِ وَيَقُولُونَ سَبْعَةٌ وَثَامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِمْ مَا يَعْلَمُهُمْ إِلَّا قَلِيلٌ فَلَا تُمَارِ فِيهِمْ إِلَّا مِرَاءً ظَاهِراً وَلَا تَسْتَفْتِ فِيهِمْ مِنْهُمْ أَحَداً (22) ﴾
طيب يا رب لما لم تذكر كم هم بالضبط ؟ ما ذكر الله عز وجل ذكر اختلاف الأقوال في عددهم، ولم يذكر العدد، الحقيقة هذا الموضوع يقودنا إلى موضوع دقيق جداً، الموضوع الدقيق أن الإنسان له حواس خمس، وفي أمامه واقع، فهذا الواقع الذي أمامه، أداة إدراكه الحواس الخمس، الشيء الذي له صوت يسمع بالأذن، الذي له رائحة يشم بالأنف، الذي له ملمس يلمس بالجلد، الذي له صورة يرى بالعين، الشيء التي ظهرت عينه، الشيء له حيز، له وزن، له طول له عرض، له ارتفاع، له لون، سبيل إدراكه الحواس الخمس، هذا اسمه اليقين الحسي، الآن الشيء غابت ذاته، وبقيت آثاره، نحن جميعاً نوقن يقيناً قطعياً أن في هذا المسجد كهرباء، مع أننا جميعاً لا نراها ولا نستطيع أن نراها، لكن نرى المصابيح متألقة، نرى تكبير الصوت في الصيف نسمع صوت المكيف، صوت المكيف مع برودته، وتكبير الصوت، وتألق المصابيح، دليل قطعي على وجود الكهرباء، مع أننا لم نراها، الكهرباء غابت عينها، بقيت آثارها، مثل الأداة المكلفة باكتشاف ما وراء الآثار، هو العقل، لذلك الإيمان بالله عز وجل لا عن طريق الحواس، لقوله تعالى:
﴿لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ (103)﴾
﴿أَفَلَا يَنْظُرُونَ﴾
﴿أَفَلَا يَعْقِلُونَ (68)﴾
﴿قُلِ انْظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا تُغْنِي الْآيَاتُ وَالنُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لَا يُؤْمِنُونَ (101)﴾
﴿فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسَانُ إِلَى طَعَامِهِ (24)﴾
﴿فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسَانُ مِمَّ خُلِقَ (5)﴾
﴿وَكَأَيِّنْ مِنْ آيَةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْهَا وَهُمْ عَنْهَا مُعْرِضُونَ (105)﴾
الله سبحانه وتعالى سبيل معرفته الوحيد عن طريق العقل من خلال الكون، هذا اسمه الاستدلال، هذا اسمه اليقين الاستدلالي، وكذلك الإيمان بالأنبياء، وكذلك الإيمان بالقرآن، القرآن من خلال إعجازه والأنبياء من خلال الكتب السماوية، والله من خلال الكون، لكن الآن دققوا، إذا غابت عين الشيء، وغابت آثاره معاً، عين الشيء نراها بالحواس، وإذا غابت عينه، وبقيت آثاره نرى الشيء بالعقل، أما إذا غابت عنا عين الشيء وآثاره، الجن، الملائكة، اليوم الآخر، الماضي السحيق، المستقبل البعيد، هذه الموضوعات لا سبيل إلى معرفتها إلا بالخبر الصادق، أكبر أخطاء المسلمين أن موضوعاً ينبغي أن يسلم له لله عز وجل يحكمون عقولهم فيه، وأن موضوعاً ينبغي أن تفكر فيه تسلم تسليماً.
لذلك النبي الكريم يقول:
(( تفكروا في مخلوقات الله ولا تفكروا في ذاته فتهلكوا ))
تقريباً للتقريب، بقالية فيها عشرة آلاف صنف، في ميزان حساس إلكتروني مع ذاكرة، غالي كثير، هذا الميزان على أنه غالي الثمن، وحساس جداً، وفيه ميزات كبيرة، إلا أن طاقته من خمسين غرام، إلى خمسين كيلو، فإذا أردت أن تزين به سيارتك تكسره، هذا الميزان لم يصنع من أجل سيارتك، هذا صنع من أجل هذه البقالية، فإذا استخدمته ضمن هذه الشروط يؤدي أعلى النتائج.
فكل إنسان حكم عقله في ذات الله يهلك، أخي أنا إذا ما في دليل قطعي على الملائكة لا أؤمن، ما في دليل قطعي، الإيمان بالملائكة إيمان إخباري، إذا أمنت بالله إيماناً يقينياً بوجوده، وأمنت بنبيه، وأمنت بكلامه، القرآن أخبرك أن هناك ملائكة، الإيمان بالملائكة إيمان تصديقي، أما الإيمان بالله إيمان تحقيقي، أيام الإنسان من جهله يريد إيمان تحقيقي على الإيمان بالملائكة، وعلى الإيمان بالله يقول لك على الفطرة، يجب أن تطالب نفسك بالدليل التحقيقي على وجود الله، وعلى ربوبيته، وعلى ألوهيته، وعلى أسمائه الحسنى، وعلى وحدانيته، وأن تسلم فيما أخبرك به.
الآن لما ربنا عز وجل يذكر لنا بعض القصص في كتاب الله، الآن دققوا، ذكر معلومات محددة، مثلاً، أغفل اسم فلان، أغفل المكان، أغفل الزمان، أغفل التفصيلات، نحن بخطأ منا فاحش نسعى جهدنا لمعرفة الأسماء، والأمكنة، والأزمنة، والتفاصيل، وماذا حصل بعد ذلك، يا ترى يوسف تزوجها أم لم يتزوجها لامرأة العزيز ؟ وماذا اسمها إزديخا فعلاً ؟ لما الإنسان يطلب تفاصيل، وجزئيات، وأسماء وأماكن، وأزمنة، ما ذكرها الله إطلاقاً، هذا الإنسان يرد أن يفسد على الله حكمته، لأن الله عز وجل أراد من هذه القصة أن تكون نموذج متكرر، أنت أردتها أن تكون قصةً، وتاريخاً، والآية دقيقة جداً في نقطة أحب أن تكون واضحة عندكم، النبي قال مثلاً:
((تجب الزكاة بالقمح، والشعير، والتمر، والزبيب))
فقط، ويلي عنده مزرعة كرز و مضمنها بمليون ليرة، قال ما عليها زكاة ! يلي عنده مزرعة تفاح ويلي زارع الفريز مثلاً، في أشياء غالية جداً قال ما عليها زكاة ! من قال لك ذلك ؟ العلماء قالوا: تجب الزكاة في علتها لا في عينها، ما علتها ؟ أنها محصول ثمين، لما الله عز وجل ذكر هذه القصة تقيس عليها مليون موضوع، لا تطلب تفاصيل، الله ما ذكرها.
يعني قلت أنا لو أستاذ جامعة أراد أن يبين للطلاب عوامل نجاح التجارة، قال: لي صديق اشترى محل في مكان مزدحم، واشترى بضاعة أساسية في حياة المواطن، غذاء مثلاً، اختار أفضل الأنواع، وضع سعر معتدل، ما دين، كان طيب المعاملة، هذه عوامل نجاح التجارة، الأستاذ لأنه بليغ وأديب، صاغ هذه العوامل على شكل قصة، قام طالب ورفع إصبعه قال له أستاذ هذا صاحبك أبيض لما أسمر ؟ معناه لم يفهم الدرس بالمرة طويل لما قصير ؟ ما اسمه ؟ في أي سوق محله، كل هذه الأسئلة ليست مقصودة، مغزى القصة أن عوامل نجاح التجارة مكان فيه ازدحام، البضاعة أساسية، النوع جيد، السعر معتدل لا تدين، وأن تكون طيب المعاملة، هذا النجاح.
لا تفسد على الله حكمته، لا تطلب تفاصيل أهل الكهف.
﴿آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى (13)﴾
أهل الكهف اعتزلوا مجتمعهم المنحرف، أنت اعتكف في بيتك، وفي مسجدك، ودع الأماكن الموبوءة، هذا المغزى من القصة، لا تقول كم واحد كانوا ؟ ربنا عز وجل ما أراد أن يجيب عن هذا، لأن قال كلمة هم سبعة، وانتهى الأمر، لا لم يقول لك قال:
﴿سَيَقُولُونَ ثَلَاثَةٌ رَابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ وَيَقُولُونَ خَمْسَةٌ سَادِسُهُمْ كَلْبُهُمْ رَجْماً بِالْغَيْبِ وَيَقُولُونَ سَبْعَةٌ وَثَامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِمْ مَا يَعْلَمُهُمْ إِلَّا قَلِيلٌ فَلَا تُمَارِ فِيهِمْ إِلَّا مِرَاءً ظَاهِراً وَلَا تَسْتَفْتِ فِيهِمْ مِنْهُمْ أَحَداً (22)﴾
أخي من هو ذو القرنين ؟ لا أعرف ؟ يا ترى اسكندر المخزومي ؟ لا أعرف، بأي بلاد ظهر ؟ بما وراء النهر ؟ لا أعرف والله، ولا أريد أن أعرف، لأن الله عز وجل ما أرادني أن أبحث بالتفاصيل التي لا تعنيني، أما أرادني أن أستنبط من هذه القصة أنه يمكن أن يكون هناك ملك، وله عند الله مكان رفيع جداً لعدالته وإحسانه، هذا المغزى.
لذلك نحن في عندنا في حياتنا الآن يقين حسي، يقين استدلالي يقين إخباري، إذا قضية مع اليقين الإخباري، لا تنقلها إلى اليقين العقلي دعها في اليقين الإخباري، اكتفي بما قاله الله عز وجل، لذلك قالوا العلماء: أية زيادة على الخبر الصادق، فهي زيادة ظنية، أخي أهل الجنة كيف يعيشون ؟ لا نعرف، لا نقول إلا ما قاله الله عز وجل.
﴿لَهُمْ فِيهَا مَا يَشَاءُونَ خَالِدِينَ كَانَ عَلَى رَبِّكَ وَعْداً مَسْئُولاً (16)﴾
يتغوضون ؟ لا أعرف معناها، لا يأكلون ! طيب قال الله يأكلون ! الجنة لها نظام آخر، غير نظامنا، نظام آخر مستقل.
في ساعة يسمونها بيانية، وساعة عقارب، أستاذ هذه الإلكترونية ما لها أسنان ؟ نظام ثاني هذا، ما في أسنان هنا، طيب كيف بدون أسنان ؟ ما لها محاور، لا، هذه نظام إلكتروني، هذه لوحة كريستال هذا موضوع ثاني.
الجنة موضوع ثاني غير موضوعنا، لا تنقل موضوع لموضوع لا تدخل موضوع بموضوع، موضوع الإخباري دعه إخباري موضوع العقلي دعه عقلي، الحسي دعه حسي، أما لما الإنسان ينقل موضوع لموضوع يقع بإشكال وهذه الآية من أدق ما يكون، أنت اكتفي بما قاله الله عز وجل، اسكت عما سكت عنه الله، وابحث فيما أمرك الله أن تبحث به، قال لك:
﴿إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ (190) الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ (191)﴾
قال لك فكر بالمخلوقات، فكر بها، بالذات لا تفكر، تجن، مثل ورقة سيجارة سنضعها في فرن صهر الحديد، أخي شو صار بها، من الوهج تبخرت، انتهت من الوهج.
﴿وَلَمَّا جَاءَ مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَنْ تَرَانِي وَلَكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكّاً وَخَرَّ مُوسَى صَعِقاً فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ (143)﴾
لا تقرب على ذات الله، لا تطلب الغيوب الثلاثة، الماضي والمستقبل، والحاضر، لا تطلب تفاصيل، يلي الله ذكره اكتفي به، هذا هو الإيمان، والصحابة الكرام رضي الله عنهم بلغوا أعلى المراتب دون أن يقحموا أنفسهم بموضوعات نهاهم الله عنها، الدين عقدنا ! لا نحن عقدنا الدين، الدين واضح، والدين عملي، الدين مثل الهواء للإنسان، نحن عقدناه وعملنا الهواء مقنن، الأمور بسيطة جداً، قول أمنت بالله ثم استقم، قال له عظني ولا تطول قال له:
﴿فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ (7)﴾
نحن عندنا مائة صفحة، وعندنا تفاسير وخطب وأشرطة، وكتب، قال له كفيت وقال النبي فقه الرجل، بدوي تكفيه آية واحدة بالقرآن الكريم، والنبي يقول فقه الرجل، ما قال فقيه، قال فقه، يعني صار فقيهاً وبآية واحدة ونحن نقرأ القرآن كله وتفسيره، وأراء العلماء، والكاسيت، والخطب، ما بدها عيّ الشغلة، بدها استقامة، وبدها إخلاص، وبدها تقرب إلى الله عز وجل.
والحمد لله رب العالمين
بسم الله الرحمن الرحيم، والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم أعطنا ولا تحرمنا وأكرمن ولا تهنا، وآثرنا ولا تؤثر علينا، وأرضنا وأرض عنا، وصلى الله على سيدنا محمد النبي الأمي، وعلى آله وصحبه أجمعين وسلم.