وضع داكن
23-11-2024
Logo
دروس جامع الأحمدي - الدرس : 112 - الإصلاح بين الناس.
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 الحمد لله رب العالمين, والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم, اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا وزدنا علما, وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه, وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه, واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه, وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.

باب الإصلاح بين الناس.

 أيها الأخوة الكرام؛ كما هي العادة, الإمام النووي -رحمه الله تعالى- عقد في كتابه رياض الصالحين من كلام سيد المرسلين -عليه أتم الصلاة والتسليم – باباً, سماه باب الإصلاح بين الناس، والحقيقة التي يدمى بها القلب أن المسلمين في أكثر بقاع الأرض، متخاصمون, متنازعون, متحاسدون, وهذا سبب ضعفهم. قال تعالى:

﴿وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ﴾

[سورة الأنفال الآية:46]

 تضعفوا, وهذه السمعة الطيبة التي كانت لكم في الماضي تتلاشى، فأحد أكبر الأعمال الصالحة:
 الإصلاح بين الناس، والآية الكريمة:

﴿لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ﴾

[سورة االنساء الآية:114]

 ما سوى ذلك لغو بلغو، وقوله تعالى:

﴿قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ* الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ* وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ﴾

[سورة المؤمنون الآيات:1-3]

﴿لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ﴾

[سورة االنساء الآية:114]

الكلمة الطيبة.

 أيها الأخوة, حينما نعتقد –جميعاً-: أن كلامك جزء من عملك تنجو, أما حينما تتوهم –مخطئاً-: أنه كلام -يا أخي- بكلام .....

(( إن الرجل ليتكلم بالكلمة لا يلقي لها بالاً -من سَخَط الله- يهوي بها في جهنم سبعين خريفاً ))

[ الترمذي عن أبي هريرة ]

(( إِنَّ العبد ليتكلّم بالكلمة -مِنْ رضوان الله- لا يُلْقِي لها بالا، يرفعه الله بها في الجنة))

[ أخرجه البخاري]

 كلمة تطيب القلب, كلمة تكسر القلب, كلمة تجمع, كلمة تفرق, كلمة تشتت أسرة, كلمة تلتئم بها الأسرة, كلمة تلتئم بها الشركة, كلمة تنفصل بها الشركة, كلمة تطلق بها المرأة, كلمة يؤويها زوجها, بكلمة طيبة، فلذلك:

(( إن الرجل ليتكلم بالكلمة لا يلقي لها بالاً -من سَخَط الله- يهوي بها في جهنم سبعين خريفاً ))

 يجب أن تعلم علم اليقين, يقيناً, جازماً: أن كلامك جزء من عملك:
 احذر لسـانك أيــها الإنسان لا يلـــدغنك إنــه ثعبان
 كم في المقابر من قتيل لسانه كانت تــهاب لقاءه الشجعان
 كلامك جزء من عملك, فإن لم يهلك الإنسان في الدنيا بكلامه, يهلك في الآخرة, لأن النمام لا يدخل الجنة, كلام النبي عليه الصلاة والسلام:

﴿وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى*إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى﴾

[سورة النجم الآيات:3-4]

 النمام لا يدخل الجنة قطعاً.

الآية الأولى في هذا الباب قال تعالى: لا خير في كثير من نجواهم.

 أي الكلام الفارغ الذي يتناجون به.
 الله عز وجل: وصف كلام نبيه -صلى الله عليه وسلم- بأنه:

﴿وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى*إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى﴾

[سورة النجم الآيات:3-4]

 وحي, أما الناس في معظم كلامهم ينطقون عن الهوى؛ إذا شيء اشتراه يمدحه, إذا ما اشتراه يذمه, إذا كان وكيلاً لمادة, يجعلها أحسن مادة في العالم, فإذا سحبت منه الوكالة, يذمها رأساً؛ يمدح ويذم, ويُعلي ويخفض, بحسب هواه.
 يعني: خُطبت ابنته, يجعل الصهر من أعظم الناس, ومن أقوى الناس, ومن أكمل الناس, فإذا فسخت هذه الخطبة, يجعله في الحضيض, هذا نطق عن الهوى, النبي -عليه الصلاة والسلام-: لا ينطق عن الهوى:

﴿لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ﴾

[سورة االنساء الآية:114]

الآية الثانية في هذا الباب قال تعالى: والصلح خير...........

 عود نفسك: ألا تدخل في قضية إلا للصلح, إياك أن تدخل في قضية للفراق, للطلاق, لفصل الشركة, كن همزة وصل, ولا تكن همزة فصل.

(( من فرق فليس منا))

[أخرجه الطبراني في المعجم الكبير معقل بن يسار]

(( لَيسَ مِنَّا مَنْ دَعا إِلى عَصبيَّة))

[أخرجه أبو داود جبير بن مطعم رضي الله عنه]

 ولو أنك كذبت, هذا الكذب المباح في الإسلام, أن تكذب كي تصلح بين اثنين. والله عز وجل يقول:

﴿وَالصُّلْحُ خَيْرٌ﴾

[سورة النساء الآية:128]

 وفي استنباط رائع جداً:

﴿إِنْ يُرِيدَا إِصْلَاحاً يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا﴾

[سورة النساء الآية:35]

 التوفيق اقترن بالإصلاح, جعل الله شرط التوفيق فيه الإصلاح, ما دامت النية الإصلاح, فالله عز وجل يوفق بينهما:

﴿وَالصُّلْحُ خَيْرٌ﴾

[سورة النساء الآية:128]

الآية الثالثة في هذا الباب قال تعالى: فاتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم.

 أيها الأخوة, أما الآية الأساسية في هذا الباب:

﴿فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ﴾

[سورة الأنفال الآية:1]

 يعني اتق الله, والمعنى دقيق جداً: من أجل أن تتقي الله, أصلح ذات بينك؛ لو في خصومات, في عداوات, في مشكلات, هذه تعيق طريقك إلى الله, هذه تشوش عليك دينك, هذه تجعلك في دوامة؛ فمن أجل أن تتفرغ للعبادة, من أجل أن ترتاح, من أجل أن تنام قرير العين.
 الآن: ادخل بمحكمة ثماني سنوات, كل أسبوعين تسأل محامياً, رفعنا مذكرة القاضي, إن شاء الله تقبل, تبقى ثماني سنوات في أعصاب مشدودة, تتفاجأ في النهاية: أن القاضي حكم لخصمك, والحق معك, تراجع المحامي, قد أعطيته مئتي ألف, يقول لك: والله -يا أخي- أنت لم تدفع, الطرف الثاني دفع, ماذا نفعل؟ هذا بلدنا, يكون مقصراً, يعزوها إلى غيره, فإذا الإنسان, إذا يريد أن يدخل في المحاكم, والخصومات, طريق شائك, وملتو, وقد تطول.
 أنا سألت أخاً كريماً يعمل في المحاماة, قال لي: آلاف الدعاوى تشطب لموت أحد المتداعيين, كم من دعوى تمتد إلى كل العمر؟.
 قال لي أخ: يوجد دعوى من ثلاث وثلاثين سنة؛ دعوى ميراث, إلى الآن لم تنته.
 الله عز وجل قال:

﴿فَاتَّقُوا اللَّهَ﴾

[سورة الأنفال الآية:1]

 من أجل أن تتقوا الله, من أجل أن تتفرغوا للعبادة, من أجل أن تنام قرير العين, من أجل أن تكون مرتاحاً صافياً:

﴿وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ﴾

[سورة الأنفال الآية:1]

 اعتمد الصلح, الصلح سيد الأحكام.
 الآن: لو لك خصم, أو أخذت نصف حقك صلحاً, أفضل لك, أفضل ألف مرة من أن تأخذ حقك بعد عشر سنوات قضاء, لأنك تحطمت؛ داومة المحامين, والقضاة, والتأجيل, و, و ، وووووووو .......
 الله عز وجل قال:

﴿فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ﴾

[سورة الأنفال الآية:1]

 العلماء فهموا هذه الآية على ثلاثة مستويات:

المستوى الأول: إصلاح النفس.

 على مستوى فيما بينك وبين نفسك: أصلحها؛ في معصية, في خلل, في شرك, في شهوة, في مخالفة في البيت, في خطأ في كسب المال, في خطأ بإنفاق المال, في خطأ بالعلاقات الاجتماعية, في سهرات مختلطة, أصلح نفسك:

﴿وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ﴾

[سورة الأنفال الآية:1]

 أصلح قلبك.
 يقول سيدنا عمر -رحمه الله تعالى-: تعاهد قلبك:

﴿فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ﴾

[سورة الأنفال الآية:1]

 كن صالحاً, كن عبداً صالحاً:

﴿فَوَجَدَا عَبْداً مِنْ عِبَادِنَا آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْماً﴾

[سورة الكهف الآية:65]

 فكن عبداً صالحاً, هذا أول معنى.

المستوى الثاني: إصلاح العلاقة بينك وبين الناس.

﴿وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ﴾

[سورة الأنفال الآية:1]

 أصلح العلاقة بينك وبين الناس, أنت وزوجتك؛ كلمة طيبة, هدية, ابتسامة, ثناء, اعتذار, لا يوجد مانع؛ أنت وبناتك, أنت وأولادك, أنت وأصهارك, أنت وجيرانك, أنت وزملاؤك, أنت وأخوانك, أنت وأقرباؤك, أنت وأخواتك, أنت وأخَوَاتَك, أنت وأولاد ....... أصلح, هذه شبكة العلاقات أصلحها؛ بالكلمة الطيبة, بالاعتذار, بالهدية, بالمسامحة, بالعفو.
 تجد في أشخاص, الله عز وجل آتاهم يعني حكمة بالغة, فكل علاقاتهم إيجابية مع الناس, قلما تجد لهم عدواً, من حكمة أودعها الله فيهم.
 المعنى الثاني: أنت مهمتك أن تصلح بين كل اثنين.
 الآن أول معنى: أصلح نفسك, أو أصلح ما بينك وبين الله, المعنى الثاني: أصلح ما بينك وبين الناس.

المستوى الثالث: إصلاح بين أثنين.

 أنت لا علاقة لك بهذه المشكلة؛ أصلح بين اثنين, أصلح بين زوجين, بين متخاصمين, بين جارين, بين شريكين.
 هذه رائعة جداً:

﴿فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ﴾

[سورة الأنفال الآية:1]

 يعني حينما تصلح ذات بينك, حينما تصلح العلاقة بينك وبين الله, تتقي الله, صار الطريق سالكاً, ممهداً, حينما تصلح العلاقة بينك وبين الآخرين, تتقي الله, حينما تسهم بالإصلاح بين الناس, تشعر أن لك عملاً طيباً, تتقي الله عندئذ:

﴿فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ﴾

[سورة الأنفال الآية:1]

الآية الرابعة في هذا الباب قال تعالى: إنما المؤمنون إخوة فأصلحوا بين أخويكم.

﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ﴾

[سورة الحجرات الآية:10]

 يعني الأصل العلاقة بين المؤمنين, علاقة من أمتن العلاقات, أخوة النسب, يجب أن تكون علاقتك بأخيك المؤمن, كأمتن علاقة على وجه الأرض, إنها علاقة الأخوة النسبية:

﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ﴾

[سورة الحجرات الآية:10]

 هذا هو الأصل, هذا هو المبدأ, فإذا أصاب هذه العلاقة خلل أو ضعف. قال:

﴿وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ﴾

[سورة الأنفال الآية:1]

﴿فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ﴾

[سورة الحجرات الآية:10]

 قال له: أختك تعذبني جداً, -إنسان اشتكى لأخ زوجته-, قال له: طلقها, أحسن لك, هكذا, مباشرة, هذا أحمق.
 كم من كلمة طيبة -من أخ إلى الصهر- عطَّفت قلب الزوج على زوجته, وكم من كلمة طيبة عطَّفت قلب الزوجة على زوجها, وكم من كلمة طيبة عطفت قلب الشريك على شريكه؛ أما القسوة, والفظاظة, والانتقاد, والغيبة, والنميمة, هذه تفتت المجتمع.
 الله عز وجل وصف الطرف الآخر, أهل الدنيا, وصف الشاردين عن الله. قال:

﴿تَحْسَبُهُمْ جَمِيعاً وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى﴾

[سورة الحشر الآية:14]

 فكيف إذا كان المسلمون على هذه الحال؛ خصومات, وحسد, وبغي, وعدوان, نحن ......
 هناك اختلاف, هناك اختلاف طبيعي؛ لا يمدح, ولا يذم, طبيعي, سببه نقص المعلومات:

﴿كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ﴾

[سورة البقرة الآية:213]

 هذا خلاف طبيعي, طبيعي جداً؛ لا يمدح, ولا يذم, فرضته الظروف, معلومات قليلة, صار في اختلاف, أما بعد أن يأتي الوحي من السماء, بعد أن يتنزل القرآن, بعد أن توضح الأمور تماماً.
 ويوجد خلاف. قال:

﴿وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْياً بَيْنَهُمْ﴾

[سورة آل عمران الآية:19]

 هذا الاختلاف القذر؛ اختلاف البغي, والحسد, والهوى, والمصالح, والعدوان:

﴿وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْياً بَيْنَهُمْ﴾

[سورة آل عمران الآية:19]

 الخلاف الثاني قذر, الأول طبيعي, الثاني قذر.
 والثالث –قال-: خلاف محمود:

﴿فَهَدَى اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ﴾

[سورة البقرة الآية:213]

 أنا أرى أن أعظم عمل: الدعوة إلى الله, إنسان يرى أعظم عمل: تأليف كتب إسلامية, إنسان ثالث يرى أعظم عمل: إنشاء المساجد, إنسان رابع أعظم عمل: تأسيس جمعية خيرية, إنسان خامس أعظم عمل: تدريس التفسير, إنسان سادس: تدريس السنة, إنسان سابع: تدريس السيرة, إنسان ثامن: تدريس الفقه مثلاً.
 فحينما نختلف اختلاف تنافس, هذا خلاف محمود, فنحن بين خلاف طبيعي سببه: نقص المعلومات, علاجه الوحي, وبين اختلاف قذر سببه: الحسد, والهوى, والبغضاء, وبين اختلاف محمود: هو التنافس. قال تعالى:

﴿وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ﴾

[سورة المطففين الآية:26]

﴿لِمِثْلِ هَذَا فَلْيَعْمَلِ الْعَامِلُونَ﴾

[سورة الصافات الآية:61]

الخلاصة :

 أيها الأخوة؛ يقول الله عز وجل:

﴿لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ﴾

[سورة االنساء الآية:114]

 وقال تعالى:

﴿وَالصُّلْحُ خَيْرٌ﴾

[سورة النساء الآية:128]

 وقال تعالى:

﴿فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ﴾

[سورة الأنفال الآية:1]

 وقال تعالى:

﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ﴾

[سورة الحجرات الآية: 10]

 هذه الآيات.

حديث صحيح في هذا الباب: الإصلاح بين الناس.

 في الحديث الصحيح, المتفق عليه -وهو أعلى حديث في العالم الإسلامي, ما اتفق عليه الشيخان البخاري ومسلم- عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم– قال:

((كلُّ سلامى من الناس عليه صدقةٌ، كلَّ يومٍ تَطْلُعُ فيه الشَّمسُ تَعدِلُ بين الاثنين صدقة، وتُعينُ الرَّجل في دابته، فتحمله عليها أو ترفع له عليها مَتاعَه صدقةٌ، والكلمَةُ الطَّيِّبَةُ صدقة، وكلُّ خُطوةٍ تمشيها إلى الصلاة صَدَقة، وتُميطُ الأذى عن الطريق صدقة))

[أخرجه البخاري ومسلم في الصحيح]

 الحديث طويل, يهمنا فيه الفقرة التي تقول:

((تَعدِلُ بين الاثنين صدقة، وتُعينُ الرَّجل في دابته، فتحمله عليها أو ترفع له عليها مَتاعَه صدقةٌ، والكلمَةُ الطَّيِّبَةُ صدقة، وكلُّ خُطوةٍ تمشيها إلى الصلاة صَدَقة، وتُميطُ الأذى عن الطريق صدقة))

 يعني إذا عدلت بين اثنين:

﴿وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ﴾

[سورة االنساء الآية: 58]

 يعني العدل هو الله, الله من أسمائه العدل, وحينما يظلم الإنسان, يهتز عرش الرحمن؛ لذلك دعوة المظلوم, ليس بينها وبين الله حجاب ولو كان كافراً, فالإصلاح بين الناس بالعدل لا بالظلم.
 يعني أحياناً: تحكم بين اثنين, يوجد عندنا وهم غير صحيح: أن القاضي هو الذي يجلس على قوس المحكمة, لا؛ أنت قاض بين أولادك, قاض بين ابنتك وزوجها, قاض بين كل اثنين ممن يلوذ بك, أنت قاض:

﴿وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ﴾

[سورة االنساء الآية: 58]

 اعدل فيما لو رفعت إليك قضية:

﴿وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى﴾

[سورة المائدة الآية: 8]

﴿وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى﴾

[سورة المائدة الآية: 8]

 والحديث الصحيح -أيضاً- المتفق عليه, يقول عليه الصلاة والسلام:

((ليس الكذَّابُ الذي يصلح بين اثنين -أو قال: بين الناس- فيقول خيراً، أو ينّمي خيْرا))

[أخرجه البخاري ومسلم في الصحيح, والترمذي في سننه]

 يعني ممكن أن تقولوا: والله إن ذكرت أثنى عليك, إن ذكرت قال لك: فضل عليك, إن ذكرت أمامه قال: أنا لك فضل لا ينساه لك حتى الموت, إن ذكرت أمامه قال: والله أثنى على أخلاقك, وأنت لم تتكلم بشيء, هذا كذب؛ ولكن هذا الكذب الذي سمح لنا النبي به.
 الشيخ علي الطنطاوي في بعض الأحاديث, -هكذا بلغني-, نشب خلاف بين عالمين من أعلام الأمة, والخلاف تفاقم, فذهب إلى الأول وحدثه بكلام طيب على لسان الطرف الثاني, وذهب إلى الثاني فحدثه بكلام طيب على لسان الطرف الأول, فإذا بهما يجتمعان, ويتعانقان, ويذوب الجليد بينهما.
يعني ممكن في أسر كثيرة, يعني أب في ساعة غضب, تحدث على زوجته كلمة قاسية, يأتي الابن الأحمق ينقلها لها: هكذا قال عنك أبي, البنت الحمقاء تنقلها لها. النمام لا يدخل الجنة أبداً.
 من أكبر الكبائر: أن يكون الإنسان نماماً, ينقل كلاماً.
 يعني أحياناً: تجد ينهدم جسر بين شخصين, ينهدم, تمتلىء القلوب بالأحقاد, فأنت حاول ألا تنقل كلاماً سيئاً, أو لو أنك لم تنقل الكلمة السيئة, ما حدث شيء, بالعكس: أخي قالها, قالها؛ قالها وندم عليها, قالها ولم يندم, لما أنت نقلتها, فجرت قنبلة بينهما, لو لم تنقلها .......
لذلك المغتاب, -الذي يغتاب الناس-, يأكل الذين اغتابهم حسناته يوم القيامة.
 قال لك إنسان .......
 قال: إنني اغتبتك, قال له: ومن أنت حتى أغتابُك أو أغتابَك؟ قال له: فلان تكلم فيك كلاماً بسوء, فاذكره بسوء, قال: ومن هو حتى أغتابه؟ لو كنت مغتاباً أحد, لاغتبت أبي وأمي –لماذا؟ قال-: لأنهما أولى بحسناتي منه.
 لو كنت مغتاباً أحد, لاغتبت أبي وأمي, لأنهما أولى بحسناتي منه.
 فلذلك الحديث:

((ليس الكذَّابُ الذي يصلح بين الناس فينّمي خيْراً أو يقول خيراً))

[أخرجه البخاري ومسلم في الصحيح, والترمذي في سننه]

 والنبي -عليه الصلاة والسلام, لهذا الحديث زيادة- قال مسلم في صحيحه:

((ولم أسمعه يرخص في شيء مما يقوله الناس إلا في ثلاث -يعني لم يرخص النبي الكذب إلا في ثلاث-: الحربَ، والإصلاحَ بين الناس -الحرب خدعة, فلك أن تذب في الحرب- وحديث الرجل زوجته, وحديث المرأة زوجها))

[أخرجه مسلم في الصحيح]

 يعني بعض الأخوة الكرام -سامحهم الله- فهموا هذا الحديث: على أن الكذب على الزوجة مباح, لا, الكذب على الزوجة مباح في حالة واحدة ضيقة جداً, أما كلما سألته على السعر, يقول لها: أربعة أضعاف, تذهب إلى عند أختها, والله زوجي أخذه بثلاثة آلاف, تقول لها: ماذا؟ مجنونة أنت!! هذا ثمنه خمسمئة, تفضلي لكي أريك مكانه, يصبح الزوج كذاباً, يسقط من نظر زوجته, من نظر أولاده ......
 هذا الكذب ليس مرخصاً, الكذب المرخص, لو سألتك: أتحبني؟ وأنت لا تحبها, ما كل زواج يبنى على الحب, في زواج يبنى على المصلحة.
 إنسان توفيت زوجته, أخذ امرأة أخيه, يجوز, يعني مضطر, أولاده حتى تربيهم خالتهم , لو قالت: أتحبني؟ ينبغي أن يكذب, لأن المرأة رأس مالها جمالها, يعني رأس مالها زوجها, هو عالمها كله, فإذا قال لها: لا أحبك؛ حطمها, سحقها, دمرها, فإذا سألته, قال: أحبك, هو قالها كاذباً , هذا الكذب المسموح به؛ هذا كذب فيه جبر خاطر, كذب فيه تطمين, تطمين قلب, هذا الكذب مباح.
 طبعاً: لما النبي سألته السيدة عائشة, النبي لم يكذب, قالت له:

((كيف حبك لي؟ قال: كعقدة الحبل فأصبح بينهما شيفرة, تسأله من حين لآخر: كيف العقدة يا رسول الله!؟ يقول: على حالها))

 لا تنحل, ثابتة وقاسية.
 لم يكذب النبي, كان يحبها.
 أنا أقول: لو أنك لا تحب امرأتك, ماذا ينبغي أن تقول لها؟ والله إني أحبك, أو لو سألها: أتحبينني؟ -أخذته كبيراً؛ طقم أسنان, ويعني .....- قالت له: والله ليس لي غيرك أساساً, أطال الله في عمرك, أيضاً طيب, يملأ قلب الزوج رحمة, فهذا الكلام القاسي ......
 تجد الشباب أحياناً, يتزوج فتاة, أكثر حديثه استهزاء على شكلها, يحطمها, هو يمزح؛ هذا مزح محرم, هذا مزح فيه جرح, هذا مزح فيه تحقير, يعني هي خلقت نفسها؟ إذا في كذب, إذا تكذب عليك, عنفها, إذا في أخطاء من كسبها عنفها, أما أنت قبلتها بهذا الشكل.
 الآن في ظاهرة جديدة: شاب مندفع للدين, يقول لك: لا يهمني الشكل, فقط الدين, نعم, يختار زوجة صالحة, دينة جداً, جمالها درجة خامسة, بعد أن تزوجها, لماذا أنت هكذا؟ أنت لماذا قبلتها؟ أبقها في بيت أهلها معززة, مكرمة, محترمة جداً, غالية على أبيها جداً, أنت بعد أن نقلتها لك, وقبلتها بهذا الشكل, تريد أن تحطمها؟.
 والله في كل كلمة يقولها الزوج, والله لو أن الله يحاسبه عليها لدمره, هذه هدية من الله.
 الآن: أي إنسان منا له رأي بشكله, أي إنسان منا له رأي بكونه أبيض أو أسمر, طويل أو قصير, لا, هذا الخلق من الله عز وجل؛ فلما الإنسان يقرع زوجته على عيب في شكلها, هذا إنسان كأنه يتحدى الله عز وجل, هي ليس لها علاقة, علاقتك بأخلاقها, بطاعتها لك, فقط.
 بسم الله الرحمن الرحيم, الحمد لله رب العالمين, والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين.
 اللهم أعطنا ولا تحرمنا, أكرمنا ولا تهنا, آثرنا ولا تؤثر علينا, أرضنا وارض عنا. وصلى الله على سيدنا محمد النبي الأمي وعلى آله وصحبه وسلم.

 

الاستماع للدرس

00:00/00:00

نص الزوار

اللغات المتوافرة

إخفاء الصور