وضع داكن
21-02-2025
Logo
العقيدة الإسلامية - الدرس : 42 - الإيمان بالكتب السماوية 2
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا وزدنا علماً، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.

 

الإيمان بالقرآن الكريم:


أيها الإخوة المؤمنون؛ مع الدرس الثاني والأربعين من دروس العقيدة، نحن في موضوع الإيمان بالكتب، وقد تحدثنا في الدرس الماضي عن تعريف الكتب لغةً وشرعاً، وعن وجوب الإيمان بالكتب السماوية، والأدلة النقلية في القرآن والسنة، وعن ضرورة أو حاجة الناس إلى الكتب السماوية، وننتقل اليوم إلى موضوع جديد وهو الكتب السماوية التي يجب الإيمان بها، أي الحقائق الأساسية المتعلقة بالكتب السماوية التي يجب أن نؤمن بها بالضرورة.

أول هذه الكتب بوصفنا مسلمين هو القرآن الكريم، فالله سبحانه وتعالى كما تعلمون جميعاً بعث نبينا محمداً صلى الله عليه وسلم، وأنزل عليه القرآن مُعجزاً، وتكفّل بحفظه مِن أيّ تحريف، أو تبديل، أو زيادة، أو نقصٍ، وقد شمل هذا الحفظُ كل نصّ من نصوصه، فهيأ له سبحانه من وسائل الحفظ في الصدور وفي السطور ما جعله محفوظاً كلاً وتفصيلاً، حتى انتشر في الأمم على اختلاف أمكنتهم وألسنتهم وأزمانهم، وجعله ربنا سبحانه وتعالى قطعي الثبوت في كل عصر، ومكّن له في القلوب والعقول بما أودع فيه مِن حلاوة، وطلاوة، وحقّ، وعدلٍ، ودعوة إنسانية، فما ينكر إسناده إلى خاتم الرسل صلى الله عليه وسلم إلا مَن كان لا ينطوِي على ذرة مِن عقلٍ.

 

القرآن الكريم يتضمن عدة حقائق منها:

 

1- القرآن الكريم كتاب من عند الله: 


حول هذا الكتاب الكريم الذي هو دستورنا العظيم، الذي منّ الله به علينا وكرّمنا به، وجعله معجزة على مرّ العصور والدهور، حول هذا الكتاب الكريم حقائق أساسية، من هذه الحقائق الأساسية أن القرآن الكريم كتاب مِن عند الله، لو جمعت كتُبَ الأرض كلّها لكانت كلها في كِفَّة، وكان كتاب الله في كفة أخرى لأنه كلام الله، وفَضْلُ كلام الله على كلام خلقه كفضلِ الله على خلقِه، هل يوازن خالق بمخلوق؟ إذا كان لا يوازَن الخالق الذي السماوات مطويات بيمينه، والذي أمره إذا أراد شيئاً أن يقول له كن فيكون، إذا كان لا يوازن خالق السماوات والأرض بمخلوق ضعيف عاجز فقير مفتقر إلى كأس ماء، وإلى نشقة هواء، وإلى لقمة، وإلى دواء، وإلى طعام، وإلى شراب، إذا كان لا يوازن الخالق بمخلوق كذلك لا يوازَن كلامُ الخالق بكلام المخلوق.

كل ما تقع عينك عليه في الأرض مِن كتب إنما هي من تأليف المخلوقات، من تأليف البشر، لكن القرآنَ كلامُ الله جلّ وعلا، فلذلك الحقيقة الأولى أن القرآنَ الكريم كتابٌ مِن عند الله، أي أنت عندما تعرف أن هذا الكتاب معرفة يقينية كلام الله عزّ وجل، وفيه أمر ونهي، عندئذٍ تعرف قيمة الأمر الإلهي، لأن قيمة الأمر من قيمة الآمر.

لو أنّ إنساناً ذو رتبة عسكرية ضئيلة جداً أعطاك أمراً قد تستجيب وقد لا تستجيب، لكن الرتبة العالية جداً إذا وَجَّهتْ إليك أمراً أغلبُ الظن أنك تستجيب بسرعة مذهلة، لأنك تعرف حجم الآمر، ومدى ما يُبنى على مخالفته من مسؤولية، ومدى ما يُحصّل من مكاسب فيما لو نفذتَ الأمر، وقد ثبت ذلك بكل من الدليلين العقلي والنقلي.

بالمناسبة إذا أردت أن تُنوّع الأدلة حول موضوع ما فهناك الدليل العقلي، وهناك الدليل النقلي، وهناك الدليل الواقعي، أكثر الأدلة لا تزيد عن دليل عقلي، ودليل نقلي، ودليل واقعي، فالدليل النقلي نصّ قطعي الثبوت، قطعي الدلالة من كتاب الله، أو من الأحاديث الصحيحة المتواترة، أو من أحاديث الآحاد، هذا هو الدليل النقلي، بينما الدليل العقلي أن تُبنى النتائج الصحيحة على المقدمات المسلَّم بها، مقدمة مُسّلّمٌ بها يُبنى عليها نتيجة صحيحة، هذا دليل منطقي، دليل عقلي، كل إنسان فانٍ، هذه مقدمة، سقراط إنسان، سقراط فان، مقدمة ونتيجة منطقية، كل إنسان يتنفس، فلان إنسان، إذاً فلان يتنفس، فالدليل العقلي هو ما تضمن من وجوه الإعجاز. 

 

الدليل على أن القرآن الكريم كلام الله:


هذا الكتاب كلام الله عز وجل الذي بين يديك ما الدليل على أنه كلام الله عز وجل؟ أن فيه إعجازاً يستحيل ويستعصي على البشر مجتمعين أن يأتوا بسورة من مثله، أو بآية من مثله، هذا هو الدليل، طبعاً يوجد إعجاز تشريعي، يوجد إعجازٌ لغوي، يوجد إعجازٌ بياني، يوجد إعجازٌ رياضي، يوجد إعجازٌ حسابي، يوجد إعجازٌ علمي، يوجد إعجازٌ تاريخي، يوجد إعجازٌ اجتماعي، يوجد إعجازٌ فني، يوجد إعجاز أسلوبي، مِن أيّ زاوية نظرتَ إلى كتاب الله تجد فيه إعجازاً، بمعنى أن البشر لا يستطيعون ولو اجتمعوا على أن يأتوا بآية من مثله، هذا هو الدليل العقلي، هو ما تضمن من وجوه الإعجاز بحيث لا تتطاول القدرات الإنسانية مفترقة أو مجتمعة على الإتيان بمثله مهما تعاقبت العصور وتوالت الدهور، والمعجزات على اختلافها تُثبت برهاناً ذاتياً قاطعاً على أنها من عند الله، لأن المعجزة خرقٌ لمألوفِ العادات، ولا يستطيع أن يخرق مألوف العادات إلا رب الأرض والسماوات، وما دامت هذه العادات قد خُرِقت، إذاً هذا دليل قطعي على أن هذا الكلام مِن عند الله عزّ وجل.

أما الدليل النقلي فهو ما ثبت بالتواتر القطعي الدلالة، كابراً عن كابر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وما ثبت في آيات القرآن نفسه أنه من عند الله، وليس من كلام سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم.

يوجد عندنا شيءٌ اسمه التواتر، أيْ ما رواه الجمع الثقاة العدول عن الجمع الثقاة العدول عن الجمع الثقاة العدول، من وقت أن أُنزِل هذا القرآن إلى يومنا هذا، القرآن متواتر شفاهاً، لو لم يكن بين أيدينا هذا الكتاب، هذا المصحف، لكان القرآن الكريم متواتراً تواتراً شفهياً، لا يوجد عصر إلا وفيه حفظة، الحفّاظ حفظوا على أيدي أساتذتهم، والأساتذة حفظوا على أيدي أساتذتهم، جيلاً بعد جيلٍ بعد جيلٍ، إلى أن نصل ونحن صاعدون إلى السيد الأعظم سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم.

إذاً لو بحثت في مضمون القرآن الكريم، في مضمونه الاجتماعي، والفكري، والعلمي، والبياني، واللغوي، والتاريخي، والتشريعي، لو درست مضامين القرآن الكريم لوجدتها من الإحكام، والدقة، والعمق، والشمول، والتحدي، أنه لم تظهر في المستقبل نظرية، ولا حقيقة علمية تناقض ما في كتاب الله، إذاً مضمونه في الإعجاز، أما الدليل النقلي على أنه كلام الله أنه نُقِل إلينا بالتواتر، ومعنى التواتر أن يروي الجمع الغفير من الثقاة والعدول عن الجمع الثقاة والعدول، إلى أن نصل بهذا التواتر إلى النبي عليه الصلاة والسلام.

الحقيقة الأولى أن القرآن كتاب من عند الله، اعلم أنك إذا فتحت هذا المصحف فهو كلام الله رب العالمين، فعلى قدر معرفتك بالله رب العالمين تعرف كلام الله رب العالمين. 

2- مرتبة القرآن الكريم من حيث الكتب السماوية آخر كتاب:

الحقيقة الثانية: أن القرآن هو آخر الكتب السماوية التي أنزلها الله على خاتم رسله محمدٍ صلوات الله وسلامه عليه، أول حقيقة: من عند الله، ثاني حقيقة: هو آخر كتاب سماوي. 

3- تكفّل الله بحفظ كتابه من أي دخيل عليه:

الحقيقة الثالثة أن القرآن محفوظ بحفظ الله مِن كل تحريف، أو تبديل، أو زيادة، أو نقص، ومُصَانٌ عن أن يأتيه الباطل من بين يديه أو من خلفه حتى يرث اللهُ الأرضَ ومَن عليها.

أول حقيقة أنه من عند الله بالدليل العقلي وبالدليل النقلي، والحقيقة الثانية أن القرآن الكريم آخر الكتب السماوية الذي أنزله الله على آخر أنبيائه خاتم النبيين، الحقيقة الثالثة أن القرآن محفوظ بحفظ الله من كل تحريف أو تبديل أو زيادة أيضاً، ومُصَانٌ من أن يأتيه الباطل، مثلاً لو أنّ هناك آية قرآنية فيها توجيه صحي مثلاً، ثبت بالعلم الحديث ما يناقض هذا التوجيه، معنى ذلك أن الباطل قد أتاه، أحياناً تظهر نظرية نُعجب بها، نصفق لها، بعد حين من الزمن يظهر أنها غير صحيحة، وأنها باطلة، وأنّ أصحابها وقعوا في متاهة، عندئذٍ تسقط هذه النظرية، ما من آية قرآنية على مرّ الدهور والعصور جاءت حقيقة علمية قطعية ناقضتها، أبداً، إذاً لا يأتيه الباطل من بين يديه حينما أُنزل، ولا من خلفه، ولا بعد كرّ العصور والدهور.

الشيء الآخر، وقد ثبت ذلك بدليل الخبر المتواتر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم كما ثبت أيضاً ببرهان التجربة والمشاهدة في كل عصر، أي من حفظ الله تعالى لهذا الكتاب أنه قيّض له رجالاً في كل عصر دقيقين جداً في استنباطهم وأحكامهم، ضبطوا آياته، ضبطوا مكيه، ضبطوا مدنيه، ضبطوا ناسخه، ضبطوا منسوخه، ضبطوا أسباب نزوله، ضبطوا أماكن الوقوف اللازم، ضبطوا حركاته، وسكناته، أي إنّ أدق الدقائق ضُبطت، وفُرغ منها، وهؤلاء الذين سخرهم الله عزّ وجل لهذا الكتاب في كل عصر وفي كل مِصر يقظون أشدّ اليقظة، افتح أيَّ مصحف تجد آخر صفحة الله عزّ وجل سخّر أناساً شيخ المقارئ الفلاني، توقيعه، خاتمه، الشيخ الثاني، الثالث، عشرون أو ثلاثون عالماً من علماء القرآن الكريم قرؤوه كلمة كلمة، وحرفاً حرفاً، وحركة حركة، وسكنة سكنة، ووجدوه مطابقاً لما عندهم، ووقعوا على هذه النسخة، وأي نسخة فيها تبديل أو تحوير سبحان الله! سُرعان ما تنكشف، وسُرعان ما تظهر، وسُرعان ما يُؤمر بحرق النسخ.

هذه الحقائق أنه من عند الله، وأنه آخر الكتب، وأنه محفوظ ومُصان من أن يأتيه الباطل من بين يديه ومن خلفه، هذه الحقائق عمت في العالَم الإسلامي إلى درجة أنها أصبحت مِن العقائد المعلومة مِن الدين بالضرورة، وأنّ على كل مسلم أن يعرفها معرفة يقينية، وأن مَن أنكرها فقد كفر لا محالة. 

إذا قال أحدهم: إن الله لم يحفظ القرآن فقد كفر، إذا قال مثلاً: هذا الكتاب ليس آخر الكتب، إذا قال: بعضه من الله، بعضه مِن رسول الله فقد كفر، يكفر فوراً، إذا أنكر أحد هذه الحقائق وقع مُنْكِرَها بالكفر الصريح. 

 

تصديق المؤمن لكتاب ربه يعطيه التسليم المطلق له:


يوجد عندنا فكرة هامة جداً، وحيث آمنّا، وصدقنا بالقرآن الكريم جملة وتفصيلاً أنه من عند الله، وكتابه الذي أنزله على عبده ورسوله محمدٍ صلى الله عليه وسلم، وحيث نعلم أن الله تعالى، أول فكرة من عند الله، ثاني فكرة أن الله عز وجل مُنزّه عن أن يُثبت في كلامه غير الحق، إذاً نحن نؤمن بكل خبرٍ تضمّنه القرآن الكريم تضمناً قطعياً، ونعتقد أنّ مُنكر ذلك كافرٌ، لأن مُكذبَ خبر الله في كتابه كافر، ماذا نستنتج؟ القرآن كلام الله، اللهُ مُنّزه عن أن يُثبت غير الحق، إذًا كل ما فيه من أخبار صحيحة، هذه المقدمة المنطقية تنقلنا إلى الإيمان بأن كل ما ذكره الله عزّ وجل في القرآن الكريم مِن كتب سماوية أُنزلت على أنبياء سابقين وجب أن نؤمن بها بالضرورة، قال تعالى:

﴿ وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنَ الْحَقِّ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِنْ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ (48)﴾

[ سورة المائدة ]

فنحن بالتسليم المطلق نؤمن بكل كتاب أنزله الله، سواء عرفنا اسمه أو لم نعرف، وسواء عرفنا الرسول الذي أُنزل عليه أو لم نعرف، وهذا هو معنى الإيمان الإجمالي بالكتب، نحن جميعاً مؤمنون إيماناً إجمالياً بالكتب، أيُّ كتاب أنزلـه الله عزّ وجل على أي نبيٍّ هو حَقٌّ لا شك فيه، وإيماننا به تصديق لخبـرِ الله تعالى في القرآن القطعي الثبوت، القطعي الدلالة، كما نؤمن تفصيلاً آمنا إجمالاً، الآن نؤمن تفصيلاً بالكتب والصحف التي نوَّه القرآن بها بشيءٍ من التفصيل، وبالقدر الذي فصّله القرآن لا نزيد على ذلك، ولا ننقص، لأن كل زيادة على ما فصّله القرآن لم تصل في واقع حالها إلى درجة صحة النسبة فضلاً عن درجة القطعية.

هذه نقطة مهمة جداً، نحن نقول ما قاله الله، أما الزيادات فهذه ظنية، الله عزّ وجل لما ذكر عن سيدنا يوسف، القصة انتهت حينما جاء أهله من مصر وسجدوا له، ولهذا السجود معانٍ كثيرة في كتاب الله، وانتهى الأمر، يا ترى هل تزوج امرأة العزيز؟ لا نعرف، أخي قل لنا؟ والله لا أدري، القصة سكتت عن هذا الموضوع، وأنا يجـب أن أسكت، ما دامت القصـة القرآنية سكتت أنا يجب أن أسكت، أي زيادة، أي تشقيق، أي إضافة، أي تفصيل، هذا لا يُقدم ولا يؤخر، إنما هو ظني وليس قطعياً، لذلك أريحوا أنفسكم من زيادات ومن تفصيلات ومن إضافات على الأخبار التي وردت في كتاب الله، وأغلب الظن أن الذي سكت الله عنه لا طائل من البحث فيه، والذي فصّله الله عزّ وجل يجب أن نستفيض فيه.

 

التفصيلات التي وردت في القرآن الكريم عن بعض الكتب السماوية:


القرآن الكريم أخبرنا تفصيلاً ببعض الكتب السماوية، فأول شيء صُحُفِ إبراهيم عليه السلام، وهي أول ما أنزل الله من كتاب مما لدينا به علم يقيني. 

﴿ إِنَّ هَذَا لَفِي الصُّحُفِ الْأُولَى (18) صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى (19)﴾

[ سورة الأعلى ]

انتهى يوجد صحف إبراهيم، والثاني التوراة، وهو الكتاب الذي أنزله الله على سيدنا موسى عليه السلام، ويشمل الصحف التي أُلقيت إليه في المناجاة، وهو ثاني ما أنزل الله من كتاب مما لدينا به علم يقيني، وارد بالتفصيل.

الثالث الزبور، وهو الكتاب الذي أنزله الله على سيدنا داود عليه السلام، وهو ثالث ما أنزل الله من كتب مما لدينا به علم يقيني.

والرابع هو الإنجيل، وهو الكتاب الذي أنزله الله على عيسى عليه السلام، وهو رابع ما أنزله الله من كتب مما لدينا به علم يقيني. 

القرآن ذكر هذه الكتب الأربع، صحف وثلاثة كتب، قال تعالى مما يؤكد هذا: 

﴿ أَمْ لَمْ يُنَبَّأْ بِمَا فِي صُحُفِ مُوسَى (36) وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى (37)﴾

[ سورة النجم ]

أي في صحف موسى، وفي صحف إبراهيم، ماذا في صحف موسى؟ وماذا في صحف إبراهيم؟ قال تعالى:

﴿ أَلَّا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى (38) وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى (39) وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَى (40) ثُمَّ يُجْزَاهُ الْجَزَاءَ الْأَوْفَى (41) وَأَنَّ إِلَى رَبِّكَ الْمُنْتَهَى (42) وَأَنَّهُ هُوَ أَضْحَكَ وَأَبْكَى (43)﴾

[ سورة النجم ]

كل هذا في صحف إبراهيم وموسى، قال تعالى: 

﴿ وَأَنَّهُ هُوَ أَضْحَكَ وَأَبْكَى (43) وَأَنَّهُ هُوَ أَمَاتَ وَأَحْيَا (44) وَأَنَّهُ خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى (45) مِنْ نُطْفَةٍ إِذَا تُمْنَى (46) وَأَنَّ عَلَيْهِ النَّشْأَةَ الْأُخْرَى (47) وَأَنَّهُ هُوَ أَغْنَى وَأَقْنَى (48) وَأَنَّهُ هُوَ رَبُّ الشِّعْرَى (49) وَأَنَّهُ أَهْلَكَ عَادًا الْأُولَى (50) وَثَمُودَ فَمَا أَبْقَى (51) وَقَوْمَ نُوحٍ مِنْ قَبْلُ إِنَّهُمْ كَانُوا هُمْ أَظْلَمَ وَأَطْغَى (52) وَالْمُؤْتَفِكَةَ أَهْوَى (53) فَغَشَّاهَا مَا غَشَّى (54)﴾

[ سورة النجم ]

هذا كله ورد في صحف إبراهيم وموسى، آية واضحة، ﴿أَمْ لَمْ يُنَبَّأْ بِمَا فِي صُحُفِ مُوسَى* وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى* أَلَّا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى*وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى* وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَى﴾ هذا دليل قطعي، الله أخبرنا به، قال تعالى:

﴿ قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى (14) وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى (15) بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا (16) وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى (17) إِنَّ هَذَا لَفِي الصُّحُفِ الْأُولَى (18) صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى (19)﴾

[ سورة الأعلى ]

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ:

﴿  اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ (2) نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَأَنْزَلَ التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ (3) مِنْ قَبْلُ هُدًى لِلنَّاسِ وَأَنْزَلَ الْفُرْقَانَ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَاللَّهُ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ (4)﴾

[ سورة آل عمران ]

﴿ وَكَيْفَ يُحَكِّمُونَكَ وَعِنْدَهُمُ التَّوْرَاةُ فِيهَا حُكْمُ اللَّهِ ثُمَّ يَتَوَلَّوْنَ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَمَا أُولَئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ (43) إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هَادُوا وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَارُ بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ وَكَانُوا عَلَيْهِ شُهَدَاءَ فَلَا تَخْشَوُا النَّاسَ وَاخْشَوْنِ وَلَا تَشْتَرُوا بِآيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلًا وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ (44)﴾

[ سورة المائدة ]

آيات واضحة، قال تعالى:

﴿ وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالْأَنْفَ بِالْأَنْفِ وَالْأُذُنَ بِالْأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (45)﴾

[ سورة المائدة ]

﴿وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا﴾ أي في التوراة.

﴿ وَاكْتُبْ لَنَا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ إِنَّا هُدْنَا إِلَيْكَ قَالَ عَذَابِي أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَشَاءُ وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ (156) الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (157)﴾

[ سورة الأعراف ]

﴿ إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (111)﴾

[ سورة التوبة ]

على كتاب الزبور:

﴿ وَكُلُّ شَيْءٍ فَعَلُوهُ فِي الزُّبُرِ (52)﴾

[ سورة القمر ]

ورد الذنب وعقابه، قال تعالى:

﴿ وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ (105)﴾

[ سورة القمر ]

الإنجيل، ورد الإنجيل مع التوراة:

﴿ وَلْيَحْكُمْ أَهْلُ الْإِنْجِيلِ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فِيهِ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (47)﴾

[ سورة المائدة ]

 

المضامين العامة التي اشتركت بها الكتب السماوية كلها:

 

1- أصول الدين:

الآن الموضوع الأخير المتعلق بالكتب، المضامين العامة التي اشتركت بها الكتب السماوية كلها، هناك آيات كثيرة، ربنا عزّ وجل قال: 

﴿ وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ (25)﴾

[ سورة الأنبياء ]

أي الأنبياء جميعاً، والرسل جميعاً، والكتب المُنَزّلة جميعاً، مضمونها كله، مضمونها جميعاً أن ﴿لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ﴾ .

﴿لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا﴾ عقيدة، ﴿فَاعْبُدُونِ﴾ عمل، لا إله إلا الله إيمان،﴿فَاعْبُدُونِ﴾ العمل الصالح، يوجد جانب نظري اعتقادي، وجانب سلوكي تطبيقي، نهاية العلم أن ترى أنه لا إله إلا الله، ونهاية العمل أن تعبد الله كأنك تراه، لذلك يوجد مضامين موحدة مشتركة بين كل الكتب وبين كل دعوات الأنبياء عليهم الصلاة والسلام.

الكتب السماوية كلها اشتركت في بيان أصول الدين، الدين له أصول، له عقائد أساسية، التوحيد من أصول الدين، الإيمان باليوم الآخر من أصول الدين، الإيمان بالرسالات السماوية من أصول الدين، الإيمان بالرسل من أصول الدين، لذلك أركان الإيمان: آمنت بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، والقدر خيره وشره من الله تعالى، هذه أصول الدين. 

2- أصول الأخلاق:

آخر شيء؛ الله سبحانه وتعالى ذكَرَ لنا وصايا لقمان لابنه في سورة لقمان، وضمّن هذه الوصايا ما يفيد بأنها وصايا ربانية، اقتبسها لقمان مما أنزل الله في الكتب الأولى، وساقها القرآن مساق وصايا يوصي الناس بها، مِمّا لهُ صفة الاستمرار والدوام، وعليه تكون هذه الوصايا القرآنية مما سبق حتماً أن جاء في الكتب الأولى، أوردها الله حكاية على لسان سيدنا لقمان، قال تعالى: 

﴿ وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ (13)﴾

[ سورة لقمان ]

هذا التوحيد.

﴿ وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ (14) وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (15) يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِنْ تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَاوَاتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ (16) يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ (17) وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ (18) وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ (19)﴾

[ سورة لقمان ]

لعـل هذه الوصايا الثمينة جداً إنما وردت في الكتب الأولى التي لم تذكر في القرآن الكريم صراحة.

إذاً الكتب السماوية كلها يجب أن نؤمن بها إجمالاً وتفصيلاً، إجمالاً أيّ كتابٍ على أي رسول حقّ من عند الله، أمّا تفصيلاً فالكتب التي ذُكِرت في القرآن صراحة يجب أن نؤمن بها، والإيمان بها جزء من العقيدة التي يجب أن تُعلَم بالضرورة، وأنّ الذي يُنكرها كافر، هذا الكلام أنهينا به موضوع الإيمان بالكتب.

وسوف ننتقل إن شاء الله تعالى بعد أسبوعين من هذا الأسبوع  إلى موضوع رابع أو خامس مِن موضوعات العقيدة، وهو الإيمان باليوم الآخر.


الملف مدقق

والحمد لله رب العالمين 

الاستماع للدرس

00:00/00:00

نص الزوار

اللغات المتوافرة

إخفاء الصور