- ندوات تلفزيونية
- /
- ٠31برنامج الإيمان هو الخلق - قناة سوريا الفضائية
تقديم وترحيب :
أيها السادة المشاهدون ، السلام الله عليكم ورحمته وبركاته ، وأهلاً ومرحباً بكم في هذه الحلقة الجديدة من برنامجكم الإيمان هو الخلق ، ومسيرتنا ومحطتنا مع الأستاذ الدكتور محمد راتب النابلسي أستاذ الإعجاز العلمي في القرآن والسنة .
أهلاً وسهلاً بكم سيدي الكريم .
كنا قد بحثنا في حلقات ماضية مقومات التكليف ، ووصلنا إلى الفطرة ، وبدأتم بالفطرة ، فعرفتم الفطرة ، وخصائص الفطرة ، خصائص النفس كما للجسد خصائص ، فإن للنفس خصائص .
الآن الحقيقة ، وكنا قد وعدنا السادة المشاهدين أن نتحدث في هذه الحلقة عن الخواطر الضعيفة في الإنسان التي من خلالها يتقرب إلى ربه ، ومن خلالها يرتقي ، ومن خلالها سدها ، وجبرها ، ومن خلال مغالبتها يرتفع مقامه عند الله عز وجل ، لكن يبدو لي أن ما بدأناه في الفطرة يحتاج إلى إكمال ، وإلى هذه الحلقة حيث نقف هذه الحلقة بعد ما بسطت أستاذي الدكتور في مسائل خصائص النفس ، الآن نود أن نقف عند التوافق بين خصائص النفس البشرية ومنهج الله عز وجل ، كيف يكون هذا الاتساق ؟ هذا التوافق ، وكيف يصبح الإنسان في موضع وفي ساحة الاختلال .
التوافق بين خصائص النفس البشرية ومنهج الله عز وجل :
الدكتور :
أبدأ بمثل : هناك خارطات لسوريا بلاستكية نافرة ، مجسمة ، لو أحطناها بإطار خشبي ، وصببنا فوقها الجبصين السائل ، وبعد جفاف الجبصين نجد قالبا مطابقا تماماً 100 % على مستوى معشار الميلي بين القالب والأصل .أنا أعتقد ، ومعي أدلة أن منهج الله عز وجل متطابق مع الفطرة تطابقا تاماً ، فسواء أعصى الإنسان ربه في بند من بنود المنهج ، أو خرج عن مبادئ فطرته ، تعاقبه فطرته بحالة نفسية متعبة جداً ، هي الكآبة ، ولأن الناس توسعوا في
الخروج عن منهج الله ، وعن مبادئ فطرتهم السامية
المرض الأول في العالم هو الكآبة ، هناك من يعالج نفسه عدة مرات من الكآبة ، بل إن بعض الأطباء النفسيين يعالجون عند زملائهم من الكآبة ، لأن الكآبة مرض العصر .
لذلك لما أُلّف كتاب في أمريكا " دع القلق وابدأ الحياة " ، من شدة القلق الذي ينتاب النفوس من بُعدهم عن ربهم ، أو بُعدهم عن مبادئ فطرتهم ، الطبعة الأولى خمسة ملايين نسخة ، وقد نفذت ، هناك قلق عام .
الإنسان مبادئ فطرته كبنود منهج ربه تماماً ، الله عز وجل أمرنا بالصدق ، فإذا كذب فيحتقر ذاته ، ويشعر بالصغار ، ويشعر بالذنب ، ويتألم ، ويكتئب .
المذيع :
هذا الذي نقول له الرض ؟
الرضّ النفسي عقاب الفطرة :
الدكتور :
بالضبط ، الرض النفسي عقاب الفطرة ، فحينما يطيع الإنسان الله يطمئن قلبه ، قال تعالى :
﴿ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ ﴾
وحينما يصطلح مع ربه يصطلح مع نفسه ، وحينما يطبق منهج ربه يعطي نفسه السكينة ، والسعادة ، لذلك قال تعالى :
﴿ فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالْأَمْنِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ * الَّذِينَ آمَنُوا ﴾
وحدهم ، الدليل :
﴿ وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ ﴾
لم يقل الله : أولئك الأمن لهم ، لو قال : الأمن لهم لكان الأمن لهم ولغيرهم ، ولكنه قال :
﴿ لَهُمْ الْأَمْنُ ﴾
وحدهم ، خصهم بالأمن ، فأنت من خوف الفقر في فقر ، ومن خوف المرض في مرض ، وتوقع المصيبة مصيبة أكبر منها ، وإذا عصى الإنسان الله يتوقع كل شر ، وإذا أشرك بالله يقذف في قلبه الرعب .
﴿ سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ بِمَا أَشْرَكُوا ﴾
وحينما يبتعد الإنسان عن الله تنشأ عنده أمراض لا تعد ولا تحصى ، أنا أسميها أعراض الإعراض عن الله ، كلها أعراض لمرض واحد ، هو البعد عن الله ، لأن الله سبحانه وتعالى يقول :
﴿ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ ﴾
المذيع :
إذاً طمأنينة تأتي من الخشية ، ومن الذكر ، ومن القربة إلى الله .
الانتفاع بالشيء ليس أحد فروع العلم به :
الدكتور :
وعظمة هذا الدين أنه موضوعي ، بمعنى أن إنساناً لا يؤمن بأصوله لو طبق مفرداته لشعر بسعادة ، إنسان لا يؤمن بأصول الدين ، بل طبق دقائقه قناعة أن هذا هو الموقف الكامل ، يشعر بسعادة ، لأنه منهج موضوعي ، سواء من طبقه ، من يعلم أومن لا يعلم ، لذلك قالوا : الانتفاع بالشيء ليس أحد فروع العلم به ، بمعنى قد يأتي إنسان أميّ لا يقرأ ولا يكتب يشتري مكيفا ، يضغط المفتاح فيأتيه هواء بارد ، قد يشتري مكيفا دكتور في التكييف ، فإذا ضغط المفتاح جاءه الهواء البارد ـ تساويا في المثال ـ عظمة الدكتور قد يكون معلما ، بإمكانه أن يعلم ، أما المنتفع غير متعلم فبإمكانه أن ينتفع فقط .
لذلك قيل : هناك عُباد ، وهناك علماء ، الذين يطيعون الله على نوعين ، عابد وعالم ، لكن العابد مقاومته هشة ، لا تصمد أمام الضغوط ، ولا أمام المغريات ، بينما العالم العلم سلاح ، لذلك قال عليه الصلاة والسلام :
(( ولفقيه واحد أشد على الشيطان من ألف عابد ))
الشيء الدقيق أن كل دقائق منهج الله ، منهج الخالق ، منهج الذي فطر الإنسان متوافقة تماماً توافقاً تاماً مع خصائص النفس ، فما من طريق لسعادة النفس إلا أن يصطلح الإنسان مع الله .
لذلك هذا الذي هداه الله إلى الإسلام في بلد غربي بعيد ، وهو عالم كبير ، وزار الجالية الإسلامية في بريطانيا ، قال : أنا لا أصدق أن يستطيع العالم الإسلامي اللحاق بالغرب على الأقل في المدى المنظور ، لاتساع الهوة بينهما ، ولكنني مؤمن أشد الإيمان أن العالم كله سيركع أمام أقدام المسلمين ، لا لأنهم أقوياء ، هم ضعفاء الآن ، لأن خلاص الإنسان في الإسلام ، وهذا الذي يفسر إقبال الناس على الدين ، مع أن العالم كله يحارب الدين ، مع أن حرباً عالمية ثالثة معلنة على المسلمين ، ومع ذلك الدين الأول نمواً هو الإسلام ، لأنه فيه خلاص الإنسان من الشقاء ، كما يقول السيد المسيح : " ليس بالخبز وحده يحيى الإنسان " ، فلو كنتَ في بيت فخم ، ولك مركبة فارهة ، دخل فلكي ، فالإنسان يسعد بقربه من الله ، ويسعد باصطلاحه مع مبادئ فطرته .
سأقول مرة ثانية : سواء عصى الإنسان خالقه ، أو خرج عن مبادئ فطرته يشعر بالكآبة .
المذيع :
هذا هو عدم التوافق ؟
المعصية سبب عدم التوافق بين الفطرة ومنهج الله :
الدكتور :
هذا هو ، أضرب مثل : مركبة من أعلى مستوى ، من أضخم المعامل ، بأحدث الأجهزة ، هذه مصممة لطريق معبد ، فلو مشيت بها في طريق وعر ، سمعت أصوات وتكسرت ، ولم تؤدِ أي ميزاتها ، لو انتقلت بها إلى طريق معبد اختفت الأصوات ، حركة انسيابية رائعة ، شيء لطيف ، نقول : هذه المركبة صممت لطريق معبد ، فلما استخدمتها على طريق معبد اصطلحت مع خصائصها ، أما المدرعة مصممة إلى طريق وعر ، لها جنزير ، تتلافى كل الحفر ، والأكمات ، والصعود ، والهبوط ، بأصل التصميم المركبة السياحية مصممة للطريق المعبد ، وأنت في أصل تصميمك الفطري مصمم الفطري مصمم لطاعة لله .
بالمناسبة ، يتوهم الناس أن طاعة الله هي حرمان ، لا ، ما من شهوة أوعدها الله في الإنسان إلا وجعل لها قناة نظيفة تسري خلالها ، الإسلام يغطي كل حاجات الإنسان ، الإسلام دين الفطرة ، الإسلام دين الواقع ، دين الوسطية ، الإسلام من عند خالق الإنسان ، وهو الخبير .
﴿ وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ ﴾
الآن عندنا مشكلة ، إذا خرج الإنسان عن مبادئ فطرته يشعر بالكآبة ، وهناك مصطلح نفسي جديد هو " اختلال التوازن " ، الإنسان متوازن ، دائماً وأبداً يبحث عن التوازن النفسي ، فإذا عصى ربه عمداً ، أو سهواً ، أو إذا كان بعيداً عن أصول أي دين ، وخرج عن مبادئ فطرته ، أو أساء لأخيه الإنسان يشعر بضيق .
لذلك الذين يبنون مجدهم على أنقاض الآخرين ، يبنون غناهم على إفقار الآخرين ، يبنون عزهم على إذلال الآخرين ، عندهم أمراض نفسية كبيرة ، من مظاهر هذه الأمراض القسوة البالغة ، رد الفعل العنيف غير المعقول ، الضجر ، ردود فعل قاسية ، موقف غير مقبول .
المذيع :
يصل إلى الانتحار دكتور ؟
الانتحار مرض نفسي ناتج عن الخروج عن الفطرة :
الأستاذ راتب :
طبعاً يصل .
المذيع :
يعني تودي به عدم التوافق ، أو الاختلال إلى أن ينهي حياته بيده .
الدكتور :
لذلك أنا حينما أدعو الإخوة المشاهدين إلى معرفة الله وإلى طاعته ، أدعوهم إلى السعادة ، أدعوهم إلى الشعور بالأمن ، إلى الشعور بالتوازن ، إلى الشعور الاستقرار ، إلى الرضا عن الله ، ضغوط الحياة كبيرة جداً ، قد لا تحتمل الآن ، العالم يغلي في كل بقاعه ، فيه تطرف ، وقسوة ، وضغوط .
الإنسان بأمسّ الحاجة إلى أن يتعرف إلى الله ، وأن يصطلح معه ، وأن يصطلح مع نفسه ، لكن حينما يعصي ربه ، حينما يخرج عن مبادئ فطرته يشقى .
مرة بفندق بألمانيا ، أحد أصدقائي نزل فيه ، رأى مكتوبا على السرير : إن لم تنَم هذه الليلة فالعلة ليست في فروشنا ، إنها وثيرة ، وإنما في ذنوبك .
مرض الهستيريا
درسنا في علم النفس أن هناك مرضا اسمه الهستيريا ، على خلاف ما يفهم منه ، الهستريا شلل عضوي لسبب نفسي ، نفحص المريض كل أجهزته تامة ، وجاهزة وسليمة ، لكنه مصاب بشلل ، هذا عقاب النفس للجسد ، الهستريا مرض نفسي ، أعراضه الكبرى شلل عضوي بسبب نفسي ، علاجه أن تقنع الإنسان أنه لم يخطئ .
أنا أذكر أن إنسانا دهس طفلا في مدينة عربية ، والساعة الثانية ليلاً ، أرسله أبوه لجلب حاجة من محل فدهسه ، ولا أحد يعرف أنه دهسه ، وكُتب الضبط ضد مجهول ، لم يذق هذا السائق طعم النوم أربعين ليلة ـ من تأنيب النفس ـ ذهب إلى طبيب نفسي فأقنعه أن يدفع دية لأهل الطفل ، والدية مجزية ، حتى يرتاح .
لا أحد ينتبه ، نحن حينما نعصي الله نشقى .
﴿ قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا ﴾
نحن حينما نخرج عن مبادئ فطرتنا نكون أشقى الناس ، وحينما نلبي حاجات فطرتنا في الاستقامة ، في العدل ، في الإنصاف نسعد ، وحينما يقوم الإنسان بعمل أخلاقي يبقى أحياناً أسابيع وهو منغمس في سعادة لا توصف ، كان أخلاقيا ، كان منصفا ، كان رحيما ، كان حكيما ، كان متواضعا ، وهؤلاء الطغاة حينما يزوّرون الحقائق ، ويقلبون المقاييس ، هؤلاء هم أشقى الناس ، وأنا أصنف الطغاة مع الأغبياء ، لأنهم في الأصل تجاهلوا وجود الله عز وجل ، وتجاهلوا أن الله سيحاسبهم ، وتجاهلوا أنه ما من قطرة دم تراق في الأرض إلا ويتحملها القاتل يوم القيامة ، لذلك :
﴿ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ ﴾
﴿ إِنَّ إِلَيْنَا إِيَابَهُمْ * ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا حِسَابَهُمْ ﴾
المذيع :
لذلك سيدنا قال عليه الصلاة والسلام :
(( إذا سرتك حسنتك ، وساءتك سيئتك ، فأنت مؤمن ))
الدكتور :
الآن إذا اختل توازن الإنسان هناك من يستعيده بطريقة خاطئة .
المذيع :
قبل أن ننتقل إلى اختلال التوازن سيدي ، هل هنالك مخلوق ، إنسان من بني البشر لا توجد عنده التوافقية فاختل ، فخالف فطرته ، فعصى ، وأذنب ، اعتدى على الناس وسرق ، وشتم هذا ، واختلس من هذا ، وهذه الحالة أصبحت حالة طبيعية في نفسه ، وهل وافقته نفسه عليها ، هل هنالك من مخلوق ؟ أم هذه القضية مرفوضة عند كل أنفس البشر؟
هل اختلال التوازن يصبح أمرا طبيعيا ؟
الدكتور :
في الأصل مرفوضة ، لكن المداومة عليها إلى أمد طويل جداً تنشأ حالة اسمها انطماس الفطرة .
﴿ كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ ﴾
في الأصل مرفوضة ، معها عذاب ، لكن لو استمر عليها ، وكانت الشهوات مستعرة ، والمكاسب كبيرة جداً ، عندئذٍ نقول : هذا الإنسان انطمست فطرته ، وفي التعبير القرآني هو الران ، هذا ميت لا خير فيه إطلاقاً ، لذلك قال الله :
﴿ لَا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ * وَلَا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ ﴾
وقال الله عز وجل :
﴿ وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا * فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا ﴾
صممت تصميما رائعا ، حيث إنها إذا فجرت تكتشف أنها فجرت ذاتياً .
الآن أرقى الطائرات ، العدادات كلها صفحة بيضاء ، إذا وجد خلل يظهر على الشاشة ، وهناك مركبات الآن حديثة جداً صفحة بيضاء فيها لوحة كمبيوتر ، إذا حدث خلل يظهر على الشاشة .
فالإنسان مصمم أعلى تصميم .
﴿ وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا * فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا ﴾
أما الآية :
﴿ وَأَنْ أَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً ﴾
فيها دقة بالغة ، أن تقيم وجهك للدين حنيفاً هذا العمل هو نفسه .
﴿ فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا ﴾
تطابق 100 % .
﴿ لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ ﴾
الخطوط الأربعة : نقل صحيح ـ فطرة سليمة ـ عقل صريح ـ واقع موضوعي :
وأي دين ليس فيه خط هو نقل صحيح ، وقلت : صحيح كي أتجنب النقل غير الصحيح ، الموضوع أو التأويل الغير الصحيح ، وفطرة سليمة ، تجنبت انطماس الفطرة ، وعقل صريح ، تجنبت العقل التبريري ، وواقع موضوعي ، تجنبت الواقع المزور ، هذا هو الحق :
فطرة سليمة ـ وعقل صريح ـ وواقع موضوعي ـ ونقل صحيح ، هذه خطوط تلتقي في دائرة الحق ، فإذا تخلف عنها خط واحد الحق في شك .
المذيع :
حصل الخلل .
موقف الإنسان السلبي بعد اختلال التوازن :
الدكتور :
الآن إذا اختل التوازن ـ اختل التوازن بين خصائص النفس ومنهج الله ـ فهناك سلوكان خاطئان ، وسلوك صحيح .
السلوك الأول الخاطئ :
السلوك الأول الخاطئ أن أبحث عن فكرة أرتاح لها ، كطالب كسول عنده قلق مستمر ، قال له صديقه : الأستاذ قبل الامتحان بيوم يعطيك الأسئلة مقابل هدية ثمينة ، الفكرة غير صحيحة ، لكن أراحته ، فتمسك بها ، قبل الامتحان بيوم طرق باب أستاذه فصفعه على وجهه ، وطرده ، هنا الطامة الكبرى ـ إذاً ارتاح لمرحلة كإبرة المخدر ـ .
لذلك العقائد الزائغة تتسرب إلى النفوس بشكل عجيب ، لأنها تريح الإنسان ، طبعاً أكبر انحراف أن تبني مجدك على أنقاض البشر ، هذا يحتاج إلى إلحاد ، إنكار الذات الإلهية كلياً ، والإنسان الذي يمكن أن يبني مجده على أنقاض الشعوب يجب أن يكون ملحداً ، لذلك الكفر مبني على نظرية : الإنسان أصله قرد ، وليس هناك يد خليقة ، الآن النظرية بدأت أؤمن بها ، لكن معكوسة ، كان الإنسان فأصبح قرداً ، هذا أول سلوك مرضي لرأب خلل التوازن .
السلوك الثاني الخاطئ :
أن أطعن في الصالحين والمتفوقين ، تجد المخفق عنده حسد عجيب ، أي إنسان تفوق يطعن في نياته ، يطعن في قدراته ، يقول : له حظ ، هذا مرد مركب النقص ، مركب النقص معه حسد ، ومعه إنقاص من قيمة الآخرين ، فكلما رأى إنسانا تفوق قلل من قيمته ، وطعن به ، وغمز ولمز ، هو عنده شعور بالنقص ، وتوازنه مختل ، اختل توازنه فقلّل من قيمة الناجحين ، الناجح يقدر الناجح ، والأخلاقي يقدر الأخلاقي ، أما اللاأخلاقي فيعد الأخلاقية ضعفا ، أو بالتعبير العامي سذاجة ، أو أجدب .
المذيع :
يقول عليه الصلاة والسلام :
(( لا يعرف القدر لأهل القدر إلا ذووه ))
الدكتور :
هذا السلوك الأول الطعن بالصالحين والمتفوقين والناجحين من صفات من اختل توازنه ، فعنده شعور بالنقص دائم .
أحيانا يضع الإنسان أربعة أقلام في جيبه ، ويكون جاهلا ، وقد يضع مكتبة في بيته ، وهو لا يقرأ ، ولا يكتب ، هذا شعور بالنقص .
التوبة هي السلوك الصحيح عند اختلال التوازن :
أما السلوك الصحيح إذا اختل توازن الإنسان هو الصلح مع الله ، العودة إلى الله ، إنسان اختل توازنه فيتوب ، باب التوبة مفتوح إلى يوم القيامة ، وتجُّب ما قبلها .
المذيع :
إذاً التوبة هي علاج مركب النقص والكآبة .
الدكتور :
من رحمة الله بنا يرد أن يتوب علينا ، الحقيقة أن النبي بيّن في الحديث الشريف الفطرة :
(( والإثم ما حاك في صدرك ، وكرهت أن يطلع عليه الناس ))
ما من إنسان يغش الحليب أمام الزبون ، لذلك قال النبي الكريم :
(( إياكم وما يعتذر منه ))
هذه الفطرة .
(( إياكم وما يعتذر منه ))
كل شيء تضطر أن تعتذر فهو منه خلاف الفطرة .
(( إياكم وما يعتذر منه ))
أنا أدعو إلى السعادة ، بكل الظروف أنت حينما تصطلح مع فطرتك ، ومع ربك تكون أسعد الناس .
المذيع :
سيدي إذاً لا جدال في أن الفطرة هي فطرة سليمة التي أودعها الله في نفس كل إنسان كل مولود يولد على الفطرة ، في آخر الحديث يقول عليه الصلاة والسلام وهو ما جاء في مثال للعرب :
(( كما تلد البهيمة بهيمة جمعاء ))
هل تجدونها من جدعاء ؟ ـ نعم ـ الذي يجدع البهائم ليميز قطعانهم عن قطعان غيرهم ، هم أصحابها ، إما بجدع الأذن ، أو الأنف كعلامة ، أما الله عزوجل فيبعثها كاملة الأوصاف ، وجميلة ، ورائعة .
كلّ مولود يولَد على الفطرة :
الدكتور :
كل مولود يولد على الفطرة ، لذلك الأطفال في العالم بريئون ، يحبهم الناس جميعاً ، بل إن آلامهم يتقطع لها القلب في العالم كله .
والله مرة كنت في جنوب السودان ، رأيت شقاء عند الصغار لا يوصف ، حدثت نفسي ، وجاءني خاطر : ما دين هؤلاء ، لاحتقرت نفسي ، هم على الفطرة ، إن الإنسان بنيان الله ، وملعون من هدم بنيان الله .
المذيع :
تحدثنا عن التوافق في الفطرة ، ثم تحدثنا عن الاختلال في التوازن ، وما ينجم عنه من أمراض نفسية ، لا يكون صلاحها والشفاء منها إلا بالصلح مع الله ، والتوبة ، وبالعودة إليه .
الآن لدينا متسع لشيء قبل أن نحط عند محطتنا العلمية ، الآن محطتنا العلمية عمَّ تتحدث أستاذنا ؟
من آيات الله : الجنين في بطن الأم : أحواله وتقلّباته :
الدكتور :
الجنين في بطن أمه يبدأ بخلايا ، هذه الخلايا تتكاثر ، لو لم يكن هناك خالق حكيم وإله عظيم ، ورب كريم لنمت هذه الخلايا على شاكلة واحدة ، لرأيت الجنين قطعة لحم أو قطعة عظم ، أو قطع أعصاب فقط ، أما ملايين الخلايا كيف تنسجم مع بعضها لتشكل شبكة أوعية يزيد طولها على 40 ألف كم ، هو محيط الأرض ؟ الآن خلايا تجتمع ، وتجتمع ، وتجتمع إلى أن تشكل أنبوبا مغلقا ، أما جدارها الداخلي فهو من الثقالة حيث لا يصدقه الإنسان من أجل ألا تترسب المواد عليها ، لذلك الشدة النفسية تثقب هذا الجدار الداخلي ، الشدة النفسية وراء معظم الأمراض ، فهذه ملايين الخلايا تجتمع مع بعضها بعضاً كي تشكل دورة شريانية وريدية مغلقة محكمة يزيد طولها على 40 ألف كم ، هو محيط الأرض ، يد من صنعت هذا الإنسان في بطن أمه ؟ .
الآن هناك خلايا تتشكل لتكوّن القلب ، الخلايا تضطرب ، وتنبض ، ولا تزال خلايا إلى أن تشكل القلب ، وهذا النبض يستمر إلى الممات ـ إذاً الخلايا في الأصل واحدة ، ثم تمايزت ، ثم انقسمت ، لتشكل الأعضاء والنسج ـ كيف ؟
الآن هذا الطفل في الأسبوع السادس انظر إلى طرفه ، هذا الطرف ينتهي بيد ، اليد على شكل دائرة ، ما الذي الهم الخلايا أن تنتحر ؟ وأن تتلف نفسها كيف تتشكل الأصابع ، اليد هكذا كانت ، هناك خلايا تميت نفسها ، أو بالتعبير المعاصر تنتحر ، انتحارية أو استشهادية ، لا نعرف ، فهذه الخلايا تنتحر كي تشكل فراغات بين الأصابع ، يد من صنعت هذه اليد في بطن الأم ؟ إنه شيء لا يكاد يصدق ، الطفل في بطن أمه ليس هناك مكان يجري فيه أو يمشي ، من صنع له الساق والقدم ؟ وسوف نرى هذه اليد كيف انتحرت الخلايا فكونت الأصابع ، هذه اليد شُكلت في بطن الأم في أسابيع معينة ـ كانت كتلة واحدة ، دائرة فرغت هذه بين الأصابع ، وأصبحت تكوّن لها حركة ومفاصل ـ .
الحقيقة أن خلق الإنسان معجزة ، والله عز وجل يقول :
﴿ وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ ﴾
﴿ إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعاً بَصِيراً ﴾
إذاً الطفل تُشكل له الأعضاء والأرجل من أجل أن يمشي في الأرض ، وهذه اليد لولاها لما كانت حضارة ، لما بنيت حضارة ، الآن الرحم ليس فيه ضوء ، فلماذا للجنين عين ؟ هذه العين فيها قرنية ، وفيها حدقة ، وفيها عدسة ، وفيها شبكية ، وفيها عضلات وفيها أعصاب ، وفيها أشياء مدهشة ، فلذلك لو فكر الإنسان في خلقه لآمن ، والله عز وجل قال :
﴿ وَبَنِينَ شُهُوداً ﴾
هذا الطفل الجنين في الأسبوع الرابع له هذا الوجه ـ في حالات التمايز والتشكل ـ الآن هاتان الحفرتان ستكونان العينين ، والعين كما تعلم ـ أستاذ علاء ـ يعني بأدق آلة تصوير ، بأغلى آلة تصوير احترافية [ ديجتل ]، في الميليمتر الواحد عشرة آلاف مستقبل ضوئي ، أما العين البشرية ففي الميليمتر مئة مليون مستقبل ضوئي ، من أجل أن تميز بين الألوان ، والعين البشرية تميز بين 8 ملايين لون ، لو دُرج اللون الواحد 800 ألف درجة لاكتشفت العين السليمة الفرق بين درجتين .
﴿ أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ ﴾
هذا الذي جعل لك العينين ألا يراك ؟ ألا يرى أعمالك ؟ ألا يرى أنك تبني مجدك على أنقاض الآخرين ؟.
﴿ أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ* وَلِسَاناً وَشَفَتَيْنِ * وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ ﴾
قال ابن عباس : الثديين ، إذاً العين تُشكل في بطن الأم هكذا ، والعين من أجمل ما في الوجه .
ليس في بطن الأم أصوات ، لكن تشكّل الأذن ، حتى الآن هناك من يجهل دقائقها ، فيها أجهزة تكبر الأصوات ، وتخمدها في وقت معاً ، بل إن الأذن البشرية يمكن أن يعرف الإنسان جهة الصوت ، قال تعالى :
﴿ وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ ﴾
﴿إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ﴾
خاتمة وتوديع :
لا يسعنا في نهاية هذه الحلقة إلا أن نشكر الأستاذ الدكتور محمد راتب النابلسي ، أستاذ الإعجاز العلمي في القرآن والسنة ، وأن نتابع في الحلقات القادمة إن شاء الله ما تبقى من مباحث تتعلق في مسألة الفطرة ، لننهي الفطرة كمقوم من مقومات التكليف ، شكراً دكتورنا وأستاذنا ، وشكراً للسادة المستمعين والمشاهدين على المتابعة ، وإلى اللقاء في الحلقة القادمة إن شاء الله .