- ندوات تلفزيونية
- /
- ٠31برنامج الإيمان هو الخلق - قناة سوريا الفضائية
تقديم وترحيب :
أيها السادة المشاهدون ، سلام الله عليكم ورحمته وبركاته ، وأهلاً ومرحباً بكم في هذه الحلقة الجديدة والمتجددة من برنامجكم الإيمان هو الخلق ، ويسعدنا أن نكون بضيافة الأستاذ الدكتور محمد راتب النابلسي أستاذ الأعجاز العلمي في القرآن والسنة في كليات الشريعة وأصول الدين في دمشق .
أهلاً وسهلاً بأستاذنا الدكتور .
أهلا بكم أستاذ علاء ، وجزاكم الله خبراً .
سيدي الكريم ، كنا قد تحدثنا في الحلقات الماضية عن مسائل تتعلق بمقومات التكليف ، وأن الله عز وجل قبل أن يكلف المرء بحمل الأمانة ، وبأداء الأمانة الإنسان ، هيأ له مقومات تستوعب ، وتحمل ، وتعين الإنسان على التكليف ، وعلى الوظيفة ، وعلى المهمة التي انتخبه الله إليها ، واصطفاه من أجلها ، تحدثنا عن مقومات التكليف في الكون ، وتحدثنا عن العقل ، ثم أتينا إلى الفطرة ، وأفردنا للفطرة خمس حلقات متتاليات .
الآن سيدي الكريم من المعلوم أن الإنسان ينفر ، ويتألم من المصيبة ، وأنه يطرب ويسر للحسنة ، هذا من فطرته ، يقول الله عز وجل :
﴿ إِنَّ الْإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعاً *إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعاً * وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعاً ﴾
ثم يقول الله عز وجل في موضع آخر :
﴿ الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ ﴾
راجعون بها إلى الله عز وجل .
سيدي الكريم ، هنالك فرقاء ، هنالك أصحاب مدارس ، هنالك أصحاب آراء ، من يقول : إنّ المصيبة عقاب من الله عز وجل ، ومن يقول : إن المصيبة امتحان من الله ، ومن يقول : إن المصيبة رفع درجات ومراتب عند الله عز وجل ، تُرى لو أردنا أن نلم الموضوع من أطرافه كيف ننظر ، ونتبين فلسفة المصيبة ، إن شاء الله تعالى .
بناء الفروع على الأصول في المنهج الإلهي :
بسم الله الرحمن الرحيم ، الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين .
نحن حينما نتحدث في تفاصيل المنهج الإلهي إذا ربطناه بأصوله ، الأصول تلقي ضوءاً كافياً على الفروع .
سأتصور جامعة أعطت الطلاب في الامتحان أوراق الإجابة ، وقد طُبع عليها الجواب التام الصحيح ، وقد طُبع في موقع العلامة 100 على 100 ، وكلفنا الطالب أن يكتب اسمه فقط ، هذا النجاح هل له قيمة ؟ لا قيمة له إطلاقاً ، لا عند الجامعة ، ولا عند الممتحن ، ولا عند الناس إطلاقاً ، هذا الامتحان ساقط .
لو أن الله سبحانه وتعالى خلق مخلوقات ، وجعلها في الجنة ، بلا سبب من المخلوقات ، لا قيمة لهذه الجنة ، يبدو أن الإنسان حينما يقطف ثمار جهده ، وثمار عمله يسعد به .
حقيقة الحياة الدنيا :
إذاً : هذه مقدمة تبين أنه لا بد من حياة دنيا تكون إعداداً للحياة العليا ، نحن في الحياة الدنيا ، نحن في دار إعداد ، نحن في دار دفع ثمن الحياة العليا ، نحن في دار دفع التكاليف المترتبة علينا كي نفوز بالجنة ، إذاً في الأصل نحن في الدنيا في دار ابتلاء ، وقد قال الله عز وجل :
﴿ وَإِنْ كُنَّا لَمُبْتَلِينَ ﴾
﴿ الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً ﴾
أستاذ علاء ، حينما يفهم الإنسان حقيقة الكون ، وحقيقة الحياة الدنيا ، ويعرف مكانه بين المخلوقات يتحرك بشكل صحيح .
لذلك أصل الدين معرفة الله ، وهذه المعرفة أصل في الدين ، ومن أصول الدين الأخرى أن تعرف لماذا خُلق الإنسان ، ولماذا كان في الحياة الدنيا ، وماذا بعد الموت ، هذه الكليات ، وقد ذكرت في لقاءات سابقة أنه ما كل ذكي بعاقل .
شمولية النجاح الدنيوي والأخروي :
قد ينال الإنسان شهادة عليا في اختصاص نادر ، ويحقق دخلا فلكيا ، لكن لأنه لم يعرف ربه ، ولم يعرف منهج الله ، ولم يعرف ماذا بعد الموت ، ومن أين ؟ وإلى أين ؟ ولماذا ؟ لا يعد عاقلاً ، العقل متعلق بالكليات والشموليات ، وعند علماء النفس ليس النجاح نجاحاً إذا كان جزئياً ، يجب أن يكون شمولياً ، فلو نجح الإنسان في بيته ، ولم ينجح في عمله لا يسمى ناجحاً ، لو نجح في عمله ، ولم يكن ناجحاً في بيته لا يسمى ناجحاً ، لو نجح في عمله وبيته لم تكن صحته كما ينبغي لا يعد ناجحاً .
سيدي النجاح لا يتجزأ ، والحقيقة أن الإنسان قد ينجح في عمله ، وهو أسوأ زوج ، وقد يكون أفضل زوج ، لكنه في عمله غير ناجح ، فهو الشيء الدقيق أن أي خلل بأي فرع من فروع النجاح ينسحب على الفروع الأخرى .
إذاً البداية أن الحياة الآخرة هي التي خُلق لها الإنسان ، والدليل :
﴿ فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى * وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى ﴾
﴿ إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ ﴾
خلقهم ليرحمهم ، خلقهم ليسعدهم ، وعطاء الله عز وجل يجب أن يتناسب مع كرمه ، وأيّ عطاء ينتهي بالموت ليس عطاء ، لو ملك الإنسان الدنيا ، لو جمع أكبر ثروة في الأرض ، لو ارتقى إلى أعلى منصب في الأرض ، لو تمتع بمباهج الحياة أعلى تمتع ، أي عطاء ينتهي بالموت لا يعد عطاء يليق بكرم الله ، الله عز وجل عطاءه أبدي سرمدي .
لذلك نحن في الدنيا ممر ، وليست مقراً ، هي كالمدرسة ، المقاعد ليست مريحة تماماً ، فيها درس ، وانتباه ، ووظائف ، ودوام ست ساعات ، وعبء بالليل ، وأعمال ، ومسابقة ، ورسوب ، ونجاح ، هكذا دار الابتلاء ، لو أن طالباً أراد أن يجعل من مقعده في الصف كمقعد فخم جداً لمركبة فارهة ، يمكن أن يصبح سريراً ، لو وضع أمامه بعض المقبِّلات ، بعض الموالح ، بعض الفواكه ، لو وضع أمامه شاشة صغيرة ، لو وضع أمامه مذياعا ، نقول له : هذه الأشياء لا تناسب هذا المكان ، هذا مكان دراسة ، مكان إعداد لحياة أبدية .
فحينما ينقل الإنسان اهتمامه إلى الآخرة يكون قد أصاب الهدف ، ويكون قد عرف لماذا خلق ، حينما يبني حياته على العطاء .
نماذج الناس :
أستاذ علاء ، الناس على اختلاف مللهم ، ونحلهم ، وانتماءاتهم ، وأعراقهم وأنسابهم ، وطوائفهم ، ومذاهبهم ، اذكر ما شئت هم عند الله نموذجان :
النموذج الأول :
هو نموذج عرف سر وجوده ، وغاية وجوده ، وانضبط بمنهج ربه ، وبنى حياته على الإحسان ، وعلى العمل الصالح ، فسعد ، وسلم في الدنيا والآخرة .
النموذج الثاني :
النموذج الآخر : غفل عن الله ، وآمن أن الحياة هي كل شيء ، وانتهت آماله في الحياة الدنيا ، فاستغنى عن طاعة الله أصلاً ، وبنى حياته على الأخذ لا على العطاء ، هذا نموذج آخر ، ولن تجد على سطح الأرض في الستة آلاف مليون نموذجا ثالثا ، وكل تقسيمات الأرض تقسيمات ليست صحيحة ، تقسيمات مفتعلة .
نتيجة النموذجين :
الآية تقول :
﴿ فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى ﴾
صدق أنه مخلوق للجنة ، بناء على هذا التصديق اتقى أن يعصي الله ، بناء على هذا التصديق جعل نمط حياته العطاء ، الأنبياء أعطوا ، ولم يأخذوا ، يعطي من وقته ، من جهده ، من ماله ، له رسالة ، يحمل أمانة ، يحمل تكليف ، فحينما يقوم الإنسان بالمهمة التي خلق لها يَسعد ويُسعد ، وحينما يغفل عن هذه المهمة ، ويعيش لشهواته ، وملذاته ، ومصالحه ، وقد يبني مجده على أنقاض الآخرين ، وحياته على موتهم ، وعزه على ذلهم ، وغناه على فقرهم ، هذا الإنسان يشقى شقاء داخلياً ، لذلك :
﴿ وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى * قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيراً * قَالَ كَذَلِكَ ﴾
كنت أعمى في الدنيا لم تعرف سر وجودك ، ولا غاية وجودك ، إذاً حينما أتى الله بنا إلى الدنيا من أجل أن نؤهل أنفسنا للآخرة ، من أجل أن ندفع ثمن الآخرة ، أهل الجنة في الجنة يقولون :
﴿ وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ وَأَوْرَثَنَا الْأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشَاءُ ﴾
لولا أننا جئنا إلى الأرض ، وتعرفنا إلى الله ، وانضبطنا بمنهجه ، وأحسنا إلى خلقه لما كنا في الجنة .
تماماً كما لو أن طبيباً متألقاً جداً له دخل فلكي ، مر أمام جامعته ، قال : لولا هذا البناء ، لولا انتسابي لهذه الجامعة ، الدراسة المتعبة ، والسهر إلى أنصاف الليل ، لما كنت في هذا المكان :
﴿ وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ وَأَوْرَثَنَا الْأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنْ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشَاءُ ﴾
﴿ فَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ ﴾
إذاً : أنا سقت هذا المثل لأؤكد أنه لا بد من الابتلاء ، لا بد من أن يأتي الإنسان إلى الدنيا ليدفع ثمن الآخرة ، هذه واحدة .
الحكمة الإلهية تقتضي المحاسبة الدنيوية قبل الأخروية :
الشيء الآخر : الله عز وجل كان من الممكن أن يخلقنا في الدنيا ، ثم يحاسبنا في الآخرة ، من دون أي متابعة في الدنيا ، أنا أعتقد أن 99% من الناس يرسبون ، لو تركوا من دون متابعة .
تماماً لو كنت مديرة مؤسسة ، وأتيت بموظف ، لا بد من أن تمتحنه ، بهذه الحالة مهمتك أن تحصي على هذا الموظف أغلاطه فقط ، فإذا تراكمت تصرفه ، لو أن هذا الموظف ابنك ماذا تفعل ؟ مع كل خطأ تتابعه ، مع كل هفوة تنصحه ، مع كل تقصير تزجره ، مع كل أداء غير صحيح توجه انتباهه .
إذاً : الله عز وجل رحيم ، الله عز وجل رب العالمين ، فلذلك الإنسان مع أنه خلق للسعادة ، وخلق للسلامة ، وخلق لجنة عرضها السماوات والأرض ، وخلق ليكون في أعلى عليين ، وخلق لحياة لهم فيها ما يشاءون ، لكنه في الدنيا يغفل ، قد تستهويه الدنيا ، قد يؤثر شهوته على مبدأه ، قد يبني مجدة على أنقاض الآخرين ، قد يأخذ ما ليس له ، قد يستعلي ، قد يستكبر ، قد يتغطرس ، فربنا له بالمرصاد ، وربنا يؤدّبه .
لا بد من فكرة دقيقة : هذه السيارة لماذا صنعت في الأصل : من أجل أن تسير علة صنعها أن تسير ، لماذا فيها مكبح ؟ أساسي جداً في المركبة ، المكبح ضمان لسلامتها ، مع أن المكبح في فلسفته يتناقض مع علة صنعها ، هي صنعت لتسير ، ولكن المكبح ضروري جداً لضمان سلامة هذه المركبة ، ولضمان أن تكون في خدمة صاحبها .
إذاً أنت حينما تفهم المصيبة فهماً إلهياً ، ربانياً ، فهماً ينطوي على حكم ، وعلى رحمة ، نتلقها بصبر وبحلم ، وبرضاً عن الله عز وجل .
المذيع :
الخلاصة مما قدمت أن الدار الذي نعيش بها على البسيطة الدار الدنيا هي دار ابتلاء ، ومن الابتلاء أن تنزل المصائب ، ويمتحن الله عباده بمصائبه ، بما يحل بهم ، والآية واضحة :
﴿ الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ ﴾
هنا جاءت اللام للتعليل :
﴿ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ ﴾
إذاً : علة خلق الموت والحياة ابتلاء من الله .
﴿ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ ﴾
ما الذي يحسن العمل ؟ وما الذي لا يحسن العمل ؟
الدكتور :
الإمام الشافعي أستاذ علاء ، سُئل ندعو الله بالابتلاء أم بالتمكين ؟ فتبسم وقال : لن تمكن قبل أن تبتلى .
المذيع :
وهنالك من الأدعية التي تشتهر على ألسنة الناس : يا رب نحن عبيد إحسان ، ولسنا بعبيد امتحان ، ودائماً أن يدعو الله باللطف ، وأن يدعو الله بأن ينزل الرحمة والبركة ، وأن لا يبتلينا في ، المصائب حتى لسنا على قدر هذا الامتحان ، ما قولنا في هذا الموضوع ؟
لا تسأل المصيبة واسأل العافية :
الدكتور :
سيد الأنام في الطائف ، فإذا كان للدعوة الإسلامية خط بياني خط بيان الدعوة إلى الله وصل إلى الحضيض في الطائف ، مش 80 كم ، وصل إلى قوم يعلق آمالاً على هدايتهم فكذبوه ، وسخروا منه ، واستهزؤوا به ، وأغروا صبيانهم أن يضربوه ، فماذا قال ؟ قال :
(( الله إني أشكو غليك ضعف قوتي ، قلة حيلتي وهواني على الناس ، يا رب المستضعفين ، إلى من تكلين ، على صديق يتجهمني ، أم إلى عدو ملكته أمري ، إن لم يكن بك غضب علي فلا أبالي ولك العتبة حتى ترضى ، لكن عافيتك أوسع لي ))
الشاهد :
(( لكن عافيتك أوسع لي ))
لذلك الإنسان ممنوع بنص الإسلامي أن يسأل الله مصيبة ، مع أن فيها خيرا ، لكن سلوا الله السلامة .
مثلاً : لو أن إنسانا يعاني آلاما في المعدة ، قال له الطبيب : هناك علاج سهل جداً ، أن تأخذ بحمية صارمة ، فإن لم تفعل فلابد من عمل جراحي ، فالإنسان العاقل الذكي والموفق ، بدل أن يصل مع الله إلى عمل جراحي يطبق حميته الصحيحة ، ودائماً أنا أمشي في فلاة ، وأرى لوحة كتب عليها : ممنوع التجاوز ، حقل ألغام ، بالتأكيد أي إنسان عاقل يقرأ هذه اللوحة لا يشعر بحقد على من وضعها ، بالعكس يشكره من أعماقه ، لأنه لا يرى هذه اللوحة حداً لحريته ، بل يراها ضماناً لسلامته ، وأنا حينما أفهم أحكام الدين أنها ضمان لسلامتنا أكون فقيهاً .
المذيع :
سيدي ، الآن جئنا على مسألة بأننا في دار ابتلاء ، ولا أدري إن كان الوقت يسمح لنا ، بقي من وقت قبل أن تعرض لنا الموضوع العلمي الذي سترينا إياه ، وسوف تعلق عليه سيدي الكريم ، دار ابتلاء للمؤمنين ، والله عز وجل يبتلي الإنسان على هذه الأرض ليتبين العمل الصالح من العمل الطالح ، من يصبر ومن لا يصبر ، لكن جاءت المصائب نتيجة أعمال وعقاب شديد من الله ، هل تندرج هذه مع هذه ؟ أم تلك المصائب التي نزلت مثلاً بأقوام الطوفان ، المسخ ، ما جرى في قوم لوط ، ما جرى مع قوم نوح ، عندما كفروا ما جاء ، وما نزل من مصائب بهم ، هل ينضوي تحت الامتحان ؟ أم النتيجة للشذوذ ؟.
هل المصائب امتحان أم عقاب بسبب الشذوذ والعصيان ؟
الدكتور :
أستاذ علاء هذا سؤال كبير جداً ، قد يحتاج إلى حلقة مستقلة هذا السؤال ، الذي تفضلتم به ، لكن بادئ ذي بدء مستحيل وألف ألف مستحيل أن تكون المصائب من نوع واحد ، وقد قيل : التعميم من العمى .
هناك أنواع منوعة من المصائب ، هناك مصائب يرتقي بها الإنسان ، هناك مصائب تكشف حقيقة الإنسان الكاملة ، هناك مصائب ردع ، هناك مصائب قصم ، هناك مصائب دفع ، هناك مصائب رفع ، ولكل حالة جواب ، نحن في الطب ليس عندنا مرض ، عندنا مريض ، قال تعالى :
﴿ وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِمَّا عَمِلُوا ﴾
كل إنسان له عند الله ملف ، ومقيم تقييما دقيقا جداً ، الدول كلها عندها تقسيمات لموظفيها بـ : 30 درجة ، بعشر مراتب ، ولكل مرتبة 3 درجات ، فقد يعيّن إنسان يحمل دكتوراه مهمة جداً بمرتبة خامسة أولى فرضاً ، ويحمل إنسان دكتوراه سهلة جداً بالدرجة نفسها ، أما عند الله عز وجل فكل إنسان له مرتبة بحسب حجم عمله ، وضوابط عمله ، والصوارف ، والمعوقات ، والنيات ، والتضحيات ، هناك دقة بالغة جداً ، لذلك المصائب تأخذ وضعا شخصيا ، كل إنسان له مصيبة تتناسب مع مكانته وإيمانه ، الله عز وجل وضح كثيراً في القرآن الكريم ، وإن شاء الله في حلقة قادمة يمكن أن نوسع هذا الموضوع .
ولكن نتابع الحديث عن موضوع ، أن المدرسة فيها مذاكرات ، فيها فصح نصفي ، لماذا لو ألقي على الطلاب دروس إلى الامتحان الأخير قد لا ينجح معظمهم ، أما مذاكرة بعد أسبوعين ، وكانت علامته قليلة يبلغون والده ، الوالد يضغط على ابنه ، فيضاعف جهوده ، أعطاه إغراء ، لوّح له بجائزة إذا نجح ، لوّح له بعقاب إذا رسب .
فالمتابعة اليومية فيها رحمة ، لأن الله رب العالمين يتابع عبده ، وأنا أقول دائماً : الإنسان إذا تابعه الله عز وجل فهذه بشارة له أنه ضِمن العناية المشددة .
المذيع :
بقي الفقرة العلمية في حلقتنا ، ماذا اخترت لنا استأذنا في هذه الحلقة ؟
الموضوع العلمي : مقدمات في الإعجاز العلمي في الطيور :
الدكتور :
1 ـ معجزة الله في خلق الطائر :
الآن نقرأ الآية التي هي سبب اختيار الموضوع المتعلق بالطيور الله عز وجل يقول :
﴿ أَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ مُسَخَّرَاتٍ فِي جَوِّ السَّمَاءِ مَا يُمْسِكُهُنَّ إِلَّا اللَّهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ ﴾
أستاذ علاء
﴿ أَلَمْ يَرَوْا ﴾
يعني أيها البشر :
﴿ انْظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ﴾
هذه كلها آيات دالة على عظمة الله ، وقال أيضاً :
﴿ أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ فَوْقَهُمْ صَافَّاتٍ وَيَقْبِضْنَ مَا يُمْسِكُهُنَّ إِلَّا الرَّحْمَنُ إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ بَصِيرٌ ﴾
الطرائق إلى الخالق بعدد أنفاس الخلائق .
﴿ وَفِي الْأَرْضِ آيَاتٌ لِلْمُوقِنِينَ ﴾
وفي كل شيء له آية تدل على أنه واحد .
2 ـ أعظم طائرة صنعها الإنسان لا ترقى إلى مستوى الطائر :
فلذلك ننتقل إلى الفيلم الذي وعدنا به لهذا اللقاء الطيب ، والذي يتعلق بالطيور .
أستاذ علاء في موسوعة علمية دقيقة جداً ، موسوعة " لايف " فيها طبعة عربية لفت نظري بالجزء المتعلق بالطيور ، هنا صناعة الطائرات يعني من أعقد الصناعات في الأرض ، لأنه الإنسان على مركبة أرضية تتعطل فيقف ، أما في الجو فيسقط ويموت ، لذلك هناك عناية فائقة جداً في معامل الطائرات ، لكن الذي لفت نظري ، وتأثرت لهذه الكلمة تأثراً كبيراً أنه في مطلع هذه الموسوعة كُتب في البداية : أعظم طائرة صنعها الإنسان لا ترقى إلى مستوى الطائر ، وأطول رحلة تقوم بها الطائرة 15 ساعة ، الطائر يطير 86 ساعة بلا توقف ، هناك موازنات دقيقة جداً بين الطائر والطائرة ، فلذلك :
﴿ صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ ﴾
أستاذ علاء ، أهم شيء في الطائرة ، خفة وزنها ، وقوة محركها ، وأجهزتها ، وأضخم شيء في صناعة الطائرة قلة احتكاكها بالهواء ، ألا ترى إلى العجلات كيف تنثني إلى جسم الطائرة ، إذاً : تصميم الطائر شيء مذهل .
الحقيقة أنا أقول : صناعة الطائرات الآن أعلى صناعة في العالم ، لكن الطائر يفوقها من حيث التصميم ، يقول الله عز وجل :
﴿ أَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ مُسَخَّرَاتٍ فِي جَوِّ السَّمَاءِ مَا يُمْسِكُهُنَّ إِلَّا اللَّهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ ﴾
﴿ أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ فَوْقَهُمْ صَافَّاتٍ وَيَقْبِضْنَ مَا يُمْسِكُهُنَّ إِلَّا الرَّحْمَانُ إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ بَصِيرٌ ﴾
الحقيقة أن الطائر تأتي خفة وزنه من حقيقة مذهلة ، لكن قبل أن أذكر عن خفة وزنه ، هذا الطائر مَن علمه قوانين معقدة جداً في الهواء ، وفي الفراغ ، وفي الطيران ، وفي الاهتداء ؟ من علمه ؟ قال تعالى :
﴿ أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ ﴾
الطائرة صنَعها 5000 آلاف مهندس في المعمل ، وتجارب ، وخبرات متراكمة ، إلى أن صنعت هذه الطائرة الحديثة ، وقد كان الطيران قديماً رحلة قصيرة يحتاج إلى 17 ساعة ، الآن هناك رحلات مذهلة .
إذاً : هذا التصميم ، هذه القوانين التي يعرفها الطيور بالبديهة ، بعد أن يخرج الطير من البيضة ، فمَن علّمه إياها ؟
﴿ قَالَ فَمَنْ رَبُّكُمَا يَا مُوسَى * قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى ﴾
أستاذ علاء ، الطائرة ، الآية الكريمة :
﴿فَلِلَّهِ الْحَمْدُ رَبِّ السَّمَاوَاتِ وَرَبِّ الْأَرْضِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * وَلَهُ الْكِبْرِيَاءُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ﴾
3 – أهمية خفة الوزن في الطائرة :
أستاذ علاء عظام الطائر مفرغة ، فيها أنابيب وليست أسطوانات ، من أجل أن تكون خفيفة الوزن ، عظام الطائر فيها دعائم عرضية سطوح معترضة ، من أجل متانة العظم ، ومن أجل أن تكون العظة خفيفة ، الحقيقة هذا الطائر ، هذا الصقر أشير إلى هيكله العظمي بأنه عظام كلها مفرغة ، فارغة ، يعني كأنها أنابيب ، وليست أسطوانات ، وفيها سطوح معترضة من أجل أن تحقق خفة هذا الطائر .لكن شيء آخر ، ثبت علمياً أن الأسطوانات ، الأنبوب أكثر مقاومة من الأسطوانة ، الأسطوانة إذا فرغت أكثر مقاومة من الأسطوانة ، إذا فرغت أكثر مقاومة مما لو أنها ممتلئة ، إذاً هذا الطائر حقق المتانة والدقة .
4 – الريش في الطائر :
الآن الريش : ريش الطائر آية دالة على عظمة الله عز وجل داخل كل ريشة آلاف الرشيات بشكل تقاطعي ، ومرتبطة بعضها ببعض بصمرات مجهرية ، فيه آلاف التفاصيل المجهرية ، لو كبرنا ريشة الطائر إلى مئات المرات ، أو إلى آلاف المرات لرأينا تفاصيل في دقة صنع الريشة تفوق حد الخيال ، إذاً : الطائر يحتاج إلى هيكل عظمي فارغ خفيف ، وإلى ريش أيضاً مفرغ ، لو أخذنا ريشة الطائر ، وضغطناها نراها فارغة ، هذا كله من جل خفة الوزن .
والطائر يحتاج إلى عضلات كي تعينه على الطيران ، فلذلك الطائر يملك جهازا عضليا عاليا جداً ، ويملك جهاز تبريد ، فالهواء الذي يستنشقه يتغلغل إلى كل عضلاته .
طائر الطنان :
الآن عندنا طائر في الحقيقة هو من معجزات الطيران ، اسمه الطير الطنان ، يرف جناحه في الثانية 25 مرة في الثانية الواحدة ، ولا نستطيع أن نرى دقائق رف الجناح إلا بتبطيء الحركة ، هذا الطائر الطنان يرف في الثانية الواحدة 25 مرة ، والإنسان لا يستطيع أن يحرك يديه أكثر من مرة واحدة في الثانية ، لو جئنا بآلة لتحرك يديه 25 مرة بالثانية لاحترقت عضلاته ، أو لقطعت ، لكن هذا الطائر زوده الله بهذه الطريقة ، هذا الطائر يشبه الهيلوكبتر ، فهو يستطيع أن يقف ، انظر كيف يقف الآن الطائر ، ويتعامل مع هذه الزهر ، وكأنه طائرة هيلوكبتر ، لأنه بحسب مبدأ الفعل ورد الفعل ، الهيلوكبتر تدفع الهواء نحو الأسفل ، رد فعل هذه الحركة تصعد نحو الأعلى ، والطائر كذلك .
كيف يهتدي الطائر إلى هدفه ؟
فلذلك أودع الله عز وجل في هذا الطائر آيات دالة على عظمته ، والطائر يطير بارتفاعات عالية جداً ، وبارتفاعات منخفضة ، وأن اهتداءه إلى مكان هدفه يحير العقول والألباب .حتى الآن فيما أعلم ما في نظرية ثبتت في تفسير اهتداء الطائر إلى هدفه ، وقد قد يقطع الطائر 17 ألف كم ، قد ينتقل من دمشق إلى جنوب إفريقيا ، الآن يعود ، لو أخطأ في الزاوية درجة واحدة للجا إلى مصر ، أو العراق ، يأتي إلى دمشق بالذات ، هذا الإنسان يحرك يديه مرة واحدة في الثانية ، أما لو وضعناه على آلة كي يتحرك 25 مرة بالثانية لاحترقت عضلاته .
لذلك الله عز وجل يقول :
﴿ أَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ مُسَخَّرَاتٍ فِي جَوِّ السَّمَاءِ مَا يُمْسِكُهُنَّ إِلَّا اللَّهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ ﴾
الله عز وجل لا يُرى بالعين ، لكن تصل إليه العقول ، وكل شيء في الكون ينطق بوجوده ووحدانيته وكماله .
خاتمة وتوديع :
لا يسعنا في نهاية هذه الحلقة إلا أن نشكر أستاذنا الأستاذ الدكتور محمد راتب النابلسي أستاذ الإعجاز العلمي في القرآن والسنة في كليات الشريعة وأصول الدين في دمشق .