- ندوات تلفزيونية
- /
- ٠31برنامج الإيمان هو الخلق - قناة سوريا الفضائية
تقديم وترحيب :
أيها السادة المشاهدون ، سلام الله عليكم ورحمته وبركاته ، وأهلاً مرحباً بكم في هذه الحلقة الجديدة من برنامجكم الإيمان هو الخلق ، ومسيرتنا متواصلة مع فضيلة الأستاذ الدكتور محمد راتب النابلسي ، أستاذ الإعجاز العلمي في القرآن والسنة في كليات الشريعة وأصول الدين في دمشق ، أهلاً وسهلاً ومرحباً بسيدي الأستاذ .
الشهوة من أهمّ مقومات التكليف:
سيدي ، في الحلقة الماضية كنا قد وقفنا وقفة ساخنة عند مسألة هامة ، كنا في سلسلة حلقاتنا قد مررنا على مقومات التكليف ، ولكنني أعتقد أن من مقومات التكليف أدقها وأكثرها حساسية هي قضية الشهوة التي أودعها الله في الإنسان ، والتي خلقها ملازمة معها لأمر يريده ، ولأمر يستهلكه الله عز وجل من وراء هذا الإيداع ، تبينا أن الشهوة من الأشياء التي تتهم بالسلبية ، لكن من خلال حلقتنا ومنشطنا الماضي تبينا بأن الشهوة فيها كل الإيجاب فيما لو اتبع الإنسان ، وهذه الشهوة قيدها بقيود الشرع وبالطريق الذي أراده الله عز وجل ، فهي دافعة رافعة له كما هي في آن هي مدمرة ، ومن أسباب سقوطه في جُرف هار إذا لم يتبع الطريق الذي أراده الله وتبينا أنه :
﴿ زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ ﴾
هذا نوع من الابتلاء .
﴿ لِأُولِي النُّهَى ﴾
لكي يميزوا بين هذه الشهوات أن يقربها بما أحل الله ، وأن يقربها بطريق لا يريده الله ، فلذلك هنا الامتحان والبلوى ، هنا الفتنة إن صح التعبير ، كما يأتي الصائغ فيفتن تلك الخليطة ليميز بها الخبيث من المعادن ، الخبث ، وذلك المعدن الثمين .
تبينا أيضاً من خلال الحديث الماضي بأن يرتفع الإنسان بالشهوة إلى الله مرتين بالصبر والشكر ، بقي المسائل سيدي الكريم ، وقفنا عند قضية في الحلقة الماضية مررت على أن الشهوة دافعة رافعة في آن ، وأيضاً أن الإنسان على أحد خطين إما أن يكون مع الحق ، وإما أن يكون مع الهوى ، ماذا عن كل هذه المسائل التي لم نستكملها ؟.
الدكتور :
بسم الله الرحمن الرحيم ، الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين .
الشهوة حيادية :
أستاذ علاء ، أول كلمة في هذا اللقاء الطيب الشهوة حيادية ، ذلك لأن الإنسان مخير ، وما دام الإنسان مخيراً فكل خصائصه ، وكل شهواته ، وكل حظوظه حيادية ، يمكن أن تكون الشهوة سلماً يرقى بها إلى أعلى عليين ، وما من شيء أكرم على الله من شاب تائب ، ويمكن أن تكون دركات إلى أسفل السافلين ، الشهوة نفسها .
1 – مثَلُ الشهوة كمثل البنزين متوقفة على طريقة استخدامها :
لو أردنا التمثيل لذكرنا صفيحة البنزين ، وهو سائل قابل للانفجار ، إذا وضع في مستودع مركبةٍ محكم ، وسال في الأنبوب المحكم ، وانفجر في القوت المناسب ، وفي المكان المناسب ، ولّد حركة نافعة أقلتك أنت وأهلك وأولادك إلى مكان جميل ، مع أن الذي يحصل انفجارات ، لكن هذا الانفجار كان حركة نافعة لك ، أما إذا صبّ أحدهم البنزين على مركبته ، وأعطاها شرارة أحرق المركبة ومن فيها .
أصل موضوع الشهوة في القرآن الكريم :
إذاً : الشهوة إما أن تكون قوة دافعة نافعة ، أو أن تكون قوة مدمرة مهلكة ، إذاً : هي حيادية متوقفة على طريقة استخدامها ، ولا أدل على ذلك من الآية الكريمة التي سوف نقرأها على الشاشة ، قال تعالى :
﴿ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنَ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ ﴾
1 – أضَلُّ إنسان على الأرض رجلٌ تحرّك وفق شهواته :
ليس على وجه الأرض إنسان أضل ممن تحرك بدافع شهواته بغير منهج الله عز وجل ، وهذا أصل الفساد في الأرض:
﴿ وَمَنْ أَضَلُّ ﴾
2 – اتباع الشهوة وفق منهج الله مسموحٌ :
المعنى المخالف عند علماء الأصول : الذي يتبع هواه وفق منهج الله لا شيء عليه ، كإنسان يتزوج ، وقد يصلي قيام الليل ، وقد يكون مع أهله في الفراش ، ويبكي في الصلاة ، لأن شهوة النساء كانت وفق منهج الله ، زوجته وأولاده ، أما إذا أقام علاقة لا تحل له مع امرأة لا تحل له ، بطريقة لا تحل له تنتابه كآبة كبيرة جداً ، لأن منهج الله عز وجل متوافق مع الفطرة .
إذاً : الآية التي ذكرتها قبل قليل أصل في هذا الموضوع :
﴿ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنْ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ ﴾
أي أنك إذا اتبعت هواك ـ لا سمح الله ولا قدر ـ بغير هدًى من الله ظلمت نفسك ، وحرمت نفسك السعادة في الدنيا والآخرة ، لذلك قالوا : الشهوة كالملح في الطعام ، إن زادت عن حدها انقلبت إلى ضدها .
وعند الفلاسفة أن مبدأ اللذة إذا كان هدفاً انقلب إلى مبدأ شقاء .
3 – لا تجعل اللذة هدفًا :
أستاذ علاء ، في العالم الآن كبار الأغنياء يتعودون القمار ، يمارسون شهواتهم بطريقة شاذة ، أحياناً لأنهم ملوا الشيء الطبيعي ، لأن هذا الإنسان الذي غرق في النعيم جعل اللذة هدفه الأول ، وكل شيء يُمل في الحياة ، لذلك ينتقل من الشيء الطبيعي المألوف ، إلى شيء شاذ غير معقول ، قد يبدد ملايين الدولارات على موائد القمار ، ولما يستخدم الإنسان الشهوة كهدف تصبح مبدأ شقاء ، كالملح في الطعام ، إذا أخذت منها بالحد المعقول والمعتدل وفق منهج الله كانت نعمة وأية نعمة .
هذه نقطة مهمة جداً ، إذاً هي حيادية ، لكن لو وسعنا الموضوع ، وهو موضوع دقيق جداً ، الشهوات حيادية وكذا الحظوظ .
حظ العلم واستعمالاته كسلاح :
إنسان أتاه الله علماً قد يكون لصنع سلاح مدمر للبشرية ، وقد يكون لصنع الخير للبشرية ، فالعلم ـ إتيان العلم لهذا الشخص هو حيادي ـ حيادي ، الآن الله قال :
﴿ اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ * اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ * الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ * عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ ﴾
ثلاث قراءات ، قراءة بحث وإيمان ، وقراءة شكر وعرفان ، وقراءة وحي وإذعان ، هذه قراءات المؤمن ، يتعلم ليتعرف إلى الله ، ويتعلم ليشكر الله على نعمة الإيجاد ، والإمداد والهدى والرشاد ، ويتعلم الوحي الذي أخبره عن حقيقة الكون والحياة والإنسان ، وماذا بعد الموت ، هذه قراءة المؤمن ، القراءة الرابعة مخيفة :
﴿ كَلَّا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَى * أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى ﴾
قوم عاد صورة حية لمن استعمل العلم للفساد :
قد ضرب الله على ذلك مثلاً ، قوم عاد ، قوم عاد تفوقت في شتى المجالات قال :
﴿ أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ*إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ* الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلَادِ ﴾
تفوقت في الناحية العمرانية ، قال :
﴿ أَتَبْنُونَ بِكُلِّ رِيعٍ آيَةً تَعْبَثُونَ * وَتَتَّخِذُونَ مَصَانِعَ لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ ﴾
تفوقت في الناحية العسكرية .
﴿ وَإِذَا بَطَشْتُمْ بَطَشْتُمْ جَبَّارِينَ ﴾
تفوقت في الناحية العلمية :
﴿ وَكَانُوا مُسْتَبْصِرِينَ ﴾
تفوقت في شتى المجالات ، هذا دفعها إلى الغطرسة ، وقالت :
﴿ مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً ﴾
وما أهلك الله قوماً إلا ذكرهم أنه أهلك من هو أشد منهم قوة ، إلا عاداً حينما أهلكها قال :
﴿ أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً ﴾
ما كان فوق عاد إلا الله ، وقد وصلوا إلى مرحلة من القوة ما كان فوقها إلا الله ، ماذا فعلت هي ؟ قال :
﴿ طَغَوْا فِي الْبِلَادِ * فَأَكْثَرُوا فِيهَا الْفَسَادَ ﴾
ما قال : طغوا في بلدهم ، في بلاد الأرض كلها ،
﴿ طَغَوْا فِي الْبِلَادِ ﴾
بالتدمير ،
﴿ فَأَكْثَرُوا فِيهَا الْفَسَادَ ﴾
بإشاعة الإباحية ، ماذا فعل الله بهم ؟
﴿ وَأَمَّا عَادٌ فَأُهْلِكُوا بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عَاتِيَةٍ * سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُوماً فَتَرَى الْقَوْمَ فِيهَا صَرْعَى كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ ﴾
قال :
﴿ فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذَابٍ * إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ ﴾
لعاد ، ولمن كان على شاكلة عاد .
إذاً : المثال موجود ،
﴿ كَلَّا إِنَّ الْإِنسَانَ لَيَطْغَى ﴾
بالعلم ،
﴿ أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى ﴾
إذاً : هناك قراءة بحث وإيمان ، وقراءة شكر وعرفان ، وقراءة وحي وإذعان ، وقراءة طغيان وعدوان ، حتى العلم حيادي ، لك أن تجعله سلّماً إلى الجنة ، ولك أن تجعله طريقاً إلى النار ، هذا الذي يبني مجده بالعلم على أنقاض الآخرين ، هذا الذي يدمر الشعوب ، يغير ثقافاتهم ، يشيع الفوضى في حياتهم ، يشيع الإباحية الجنسية عندهم ، هذا الذي يمنعهم أن يمارسوا شعائرهم الدينية ، هذا استخدم العلم الذي أنتج سلاحاً فتاكاً مدمراً لتحقيق مصالحه ، ونهب ثروات الأرض .
الأستاذ علاء :
ما ينطبق على العلم ينطبق على المال سيدي ؟
ما ينطبق على حظ العمل ينطبق على حظ المال :
الدكتور :
على المال ، يمكن أن تنافس بمالك أكبر الدعاة إلى الله ، الدليل :
(( لا حَسَدَ إِلاّ في اثْنَتَيْنِ : رَجلٌ آتَاهُ الله مَالاً فَهُوَ يُنْفِقُ منهُ آنَاءَ اللّيْلِ وآنَاءَ النّهَارِ، وَرَجُلٌ آتَاهُ الله القُرْآنَ فَهُوَ يَقُومُ بِهِ آنَاءَ اللّيْلِ وَآنَاءَ النّهَار ))
والله يا أستاذ علاء ، الغني أمامه فرص كثيرة لبلوغ أعلى درجات الجنة ، المال قوة ، فيمكن أن تنشئ المياتم ، المصحات ، أن تزوج الشباب ، يمكن أن ترعى المرضى ، يعني الغني أعطي المال ليكون به في أعلى درجات الجنة .
النقطة الدقيقة جداً العبادة الحقيقية عبادة الهوية ، أنت من ؟ أنت غني العبادة الأولى إنفاق المال ، أنت قوي ، العبادة الأولى إحقاق الحق ، أنت عالم ، العبادة الأولى أن تبلغ الناس العلم ، وألا تأخذك بالله لومة لائم ، فالمال حيادي ، نرقى به ، أو نسقط به ، والدليل ، والدليل في آية دقيقة جداً ، الله عز وجل قال :
﴿ فَأَمَّا الْإِنْسَانُ إِذَا مَا ابْتَلَاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ * وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلَاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ ﴾
جاء الرد الإلهي القاطع :
﴿ كَلَّا ﴾
كلا ليست أداة نفي ، أداة ردع ونفي ، قال : كلا ، ليس عطائي إكراما في الدنيا ، ولا منعي حرماناً ، عطائي ابتلاء ، وحرماني دواء .
أنا أحذر الإنسان الذي أعطاه الله المال أن يظن أن هذا دليل محبة الله له الله عز وجل ، فقد أعطى المال لمن لا يحب ، أعطاه لقارون ، وأعطاه لمن يحب ، إذاً ليس مقياساً .
الأستاذ علاء :
الذي يشيع عند العوام أن الله يحبه فأعطاه مالا ، لذلك سيدنا :
﴿ كَلَّا إِنَّ الْإِنسَانَ لَيَطْغَى * أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى ﴾
طلاقة اللسان حيادية :
الدكتور :
فالعلم حيادي ، والمال حيادي ، وطلاقة اللسان حيادية ، يمكن أن تقنع الناس بالباطل ، بالشر ، بالفسق ، بالفجور ، بالإباحية ، عن طريق الشِعر الفاضح ، المكشوف .
الأستاذ علاء :
فرعون ماذا قال لقومه في هذه المسألة ؟
الدكتور :
﴿ مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَى وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَادِ ﴾
إذاً : طلاقة اللسان قوة يمكن أن تربى في الخير أو في الشر ، والإعلام قوة ، يمكن أن يربى في الخير في الشر ، الإعلام نفسه هو الآن أكبر قوة .
الجَمال أمرٌ حيادي :
الجمال : إذا كان ، كان عليه الصلاة والسلام إذا نظر إلى المرآة ماذا يقول :
(( اللهم حسن خلقي كما حسنت خلقي ))
الجمال قوة ، يمكن أن يستخدم في إغواء الآخرين ، أو في ابتزاز أموالهم ، فالمرأة الجميلة إذا كانت زوجة صالحة قامت على بيتها ، وعلى رعاية زوجها ، وعلى رعاية أولادها ، هي في مرتبة المجاهد في سبيل الله ، قال عليه الصلاة والسلام :
(( انصرفي أيتها المرأة وأعلمي من وراءك من النساء أن حسن تبعل إحداكن لزوجها وطلبها مرضاته واتباعها موافقته يعدل ذلك كله ـ يعدل الجهاد في سبيل الله ـ ))
وقال مرة :
(( أول من يمسك بحلق الجنة أنا ، فإذا بامرأة تنازعني تريد أن تدخل الجنة قبلي ، قلت من هذه يا جبريل ؟ قال : هي امرأة مات زوجها ، وترك لها أولاداً فأبت الزواج من أجلها ))
ربت أولادها ، وكم هي المرأة عظيمة التي تربي أولادها ، وأنا أقول للأخوات الكريمات : أكبر شهادة تحملها المرأة أولادها ، وأنا أقول دائماً : من علم شاباً علم واحداً ، ومن علّم فتاةً علّم أسرة .
الأستاذ علاء :
صحيح أن شهادة نجاحها ، ووثائق نجاحها أولادها ، نأتي وتمحص وضع الأولاد ، فإما أن تكون قد نجحت في مهمتها ، وإما أن تكون قد فشلت .
الدكتور :
تأكيد الذات أمرٌ حياديّ :
كل شهوات الإنسان حيادية ، حتى العلو في الأرض شهوة ، تأكيد الذات ، تأكيد الأهمية ، إن استخدمت علمك لنشر الحق ، إن استخدمت مالك لإطعام الجياع ترقى عند الناس ، يعظمك الناس ، ويرفعونك إلى أعلى عليين ، فقد حققت شهوة العلو في الأرض ، وتأكيد الذات بالخير ، فما من شهوة أودعها الله في الإنسان إلا وجعل لها قناة نظيفة تسري خلالها ، ليس في الإسلام حرمان ، الإيمان شخصية فذة ، المؤمن شخصية فذة ، لها جانب علمي ، وجانب خلقي ، وجانب جمالي ، المؤمن له أذواق عالية جداً ، والله نزهته متميزة ، مكان جميل بلا ضجيج ، بلا غناء ، بلا اختلاط ، بلا صوت غير مقبول ، هذا هو المؤمن .
الأستاذ علاء :
مكان نومه يشتهى بنظافته ورتابته ، بحديثه يشتهى .
الدكتور ، يقول عليه الصلاة والسلام :
(( أصلحوا رحالكم ، وأحسنوا لباسكم حتى تكونوا شامة بين الناس ))
إذاً الجمال حيادي ، وطلاقة اللسان حيادية ، والمال حيادي ، والجاه حيادي كله حيادي ، كل وجود الإنسان ، وكل شهواته ، وكل قدراته حيادية ، أي يمكن أن تكون سلماً نرقى بها دركات في النار .
الأستاذ علاء :
سيدي لو توقفنا عند حديث النبي عليه الصلاة والسلام :
(( تعس عبد الدينار تعس عبد الدرهم ))
تعِس عبدُ الدينار ، تعِس عبدُ الدرهم :
الدكتور :
الحقيقة أن الشهوة إما أن تركبها ، وإما أن تركبك ، إما أن تكون في خدمتها ، فتشقى بها ، وإما أن تكون هي في خدمتك فترقى بها ، يعني الدنيا تغر ، وتضر ، وتمر ، أوحى ربك إلى الدنيا أنه من خدمك فاستخدميه ، ومن خدمني فاخدميه .
أستاذ علاء ، الإسلام دين الحياة ، أنا كنت أقول : الذي يموت في سبيل الله ، والله أصغرُ أمامه تقديساً له ، ولكنني الآن أتمنى على الإنسان أن يعيش في سبيل الله ، أن يكون قوة لأمته ، أن يقدم شيء ثمين لأمته ، أن يطور عمله ، أن نستغني باختصاصه عن اختصاصات غربية ، أنا أقول : نحن في أمسّ الحاجة إلى شباب يعيشون في سبيل الله ، لأن الإسلام هو الحياة ، لأن كل آية في القرآن الكريم تقتضي الوجوب ، فإذا قصرنا في تطبيقها دفعنا الثمن باهظاً ، قال تعالى :
﴿ وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ ﴾
لماذا القوة ؟ لأن الحق يحتاج إلى قوة ، عند الغربيين القوة هي الحق ، القوة هي الحق ، أما عند أهل الوحيين فالحق ما جاءنا من عند الله ، لكنه يحتاج إلى قوة ، ولو كنا أقوياء لعد الأقوياء للمليون قبل أن يتجاوزوا حدودهم معنا ، قبل أن يشوهوا صورة لنبيينا ، قبل أن يسخروا من ديننا ، قبل أن يسفهوا قرآننا ، الحق يحتاج إلى قوة ، أنا أتمنى أن نقول هذه الكلمة التي أرددها كثيراً : انتهى عهد النوم ، وانتهى عهد الكلام ، كدنا نكون ظاهرة صوتية فقط ، ائتِ بمسجلة ، ضع فيها شريطا ، ارفع الصوت إلى أعلى درجة ، هذه المسجلة تملأ ما حولها ضجيجاً ، اسحب مأخذ الكهرباء انتهى كل شيء ، فلئلا أن نكون ظاهرة صوتية ينبغي أن ندع النوم ، وأن ندع الكلام ، وأن نعمل بصمت ، لأن العالم لا يحترم إلا القوي ، والقوة جزء من ديننا ، ونحن إذا أضفنا على ديننا ما ليس منه تقاتلنا ، وكان بأسنا بيننا ، وإذا حذفنا منه ضعفنا ، فلابد من أن يكون الدين وفق ما جاء ، وهذا ما قاله الله عز وجل :
﴿ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِيناً ﴾
التمام عددي ، والإكمال نوعي ، وأية قضية عالجها الدين عالجها بكمال رائع ، وعدد القضايا التي عالجها الدين تام عدداً ، فنحن كل ما نعانيه الآن أعراض مرض واحد ، هو الإعراض عن منهج السماء .
الأستاذ علاء :
سيدي إما أن يكون الإنسان على أحد خطين ، إما خط المستقيم الالتزام ، أو خط الهوى إتباع الهوى الفاسد ، أو إما أن ينهج منهج الله ، وهو منهج الحق ، وإما أن يخالف هذا المنهج ، هل هذا الكلام صحيح ؟
هما طريقان : طريق الهوى أو طريق الشرع الرباني :
الدكتور :
أولاً : عند الفلاسفة كلمة اسمها الاثنينية ، في حياتنا اثنينية ، حق وباطل ، خير وشر ، جمال وقبح ، إخلاص وخيانة ، ليل ونهار ، وفي حياتنا شهوة ومبدأ ، ودنيا وآخرة ، وعقل وحاجة ، ومصلحة ، فلذلك إن لم تكن على الحق ـ لا سمح الله ولا قدر ـ فالإنسان على الباطل قطعاً ، الدليل :
﴿ فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ﴾
ليس هناك حالة ثالثة ، إما أن نكون على الحق ، أو أن نكون على الباطل ، هل نعتبر أن الشهوة محرك ؟ محرك ، هي الشهوة محرك السيارة ، والعقل مقودها ، والشرع الطريق المعبد ، فالبطولة أن نستخدم المقود ، ونوجه اندفاع المحرك ليبقى على الطريق .
الأستاذ علاء :
وأن لا تودي بنا تلك المركبة ، وأن نصل إلى غايتنا وبغيتنا ، بقي الموضوع العلمي اليوم ماذا اخترت لنا ؟.
الموضوع العلمي : من الذرة إلى المجرة :
الدكتور :
حول موضوع عنوانه من الذرة إلى المجرة ، إن شاء الله سيكون هذا الموضوع لافتاً للنظر .
1 – من مجرة درب التبابنة إلى ذرة :
أولاً : هناك درب التبابنة ، وهي مجرتنا المتواضعة ، من بين آلاف المليارات من المجرات ، ثم نتحرك معها بعد قليل في عملية تكبير متوالية حتى نصل إلى شجرة في فلوريدا ، ثم ننتقل من هذه الشجرة إلى أوراقها ، إلى إحدى أوراقها ، ونتابع التكبير إلى أن نصل إلى الذرة ، فعنوان هذا الموضوع العلمي " من المجرة إلى الذرة " .
الآن نشاهد لقطة رائعة من الفضاء الخارجي ، هذه لقطة من لقطات الفضاء الخارجي ، نتابع التكبير ، هذه لقطة أخرى في الفضاء الخارجي ، انظر أستاذ علاء ، كم هي كثيفة النجوم جداً في هذه اللقطة من الفضاء الخارجي ، ولكن نرى في وسط هذا المربع نقطة بيضاء أكبر ممن حولها ، هذه النقطة البيضاء تبعد عن الناظر عشرة ملايين سنة ضوئية هذه مجرتنا درب التبابنة .
نتابع التكبير ، هذا الكوكب ، أو هذه المجرة البيضاء التي كأنها حلزون هي درب التبابنة ، لو تابعنا تكبيرها ، وأخذنا الجانب الذي يتوقع أن تكون المجموعة الشمسية فيها هذا الجانب نكبره ، ونتابع التكبير ، ونتابع التكبير ، ونتابع التكبير ، ونبحث عن المجموعة الشمسية ، لعلها ظهرت نقطة أكثر تألقاً من بقية النقط ، هذه المجموعة الشمسية بأكملها ، لو تابعنا ، من بين المجموعة الشمسية كم هو صغير هذا الإنسان إذا قيس بعظمة الكون ؟ الآن وصلنا إلى المجموعة الشمسية ، وقد رُسمت مسارات كواكب المجموعة الشمسية ، يغلب على ظني أن مسار الأرض هو اللون الأزرق ، نتابع البحث عن أرضنا
إلى أن تظهر أرضنا على هذا المسار الأزرق نكبر ، ونكبر إلى أن نصل إلى أرضنا ، من بين مئات ألوف المليارات من المجرات أخذنا مجرة متواضعة هي مجرتنا درب التبابنة ، نقطة ، ثم كبرنا ، وكبرنا ، وكبرنا إلى أن وصلنا إلى المجموعة الشمسية ، وكبرنا ، وكبرنا ، وكبرنا إلى أن وصلنا إلى الأرض هذه الأرض نكبرها ، هذه أمريكا الشمالية ، نكبرها أيضاً ، فلوريدا ، نكبرها أيضاً ، موقع نكبره ، موقع آخر ، نكبره ، معمل كيميائي نكبره ، طبعاً فيها أشجار ، وأبنية ، وبحيرة نكبره ، بكبره ، نصل إلى الورقة ، إلى أوراق الشجار ، هذا شجر بلوط ، نكبره ، نكبر ورقة واحدة ، الآن نكبرها ، نكبرها ، نكبرها بدأنا نصل إلى جزئيات الورقة ، ثم إلى مكوناتها ، ثم إلى جدار الخلايا ، ثم إلى الكروماتين ، ثم إلى الدي إن إي ، وأخيراً نتابع التكبير إلى أن نصل إلى الذرة ، وهي أدق شيء في الكون ، لذلك بدأنا بالمجرات ، وانتهينا إلى الذرات .
لذلك قال بعضهم :
انظر لتلك الشجرة ذات الــغصون الـنضرة كيف نمت من حبة
وكيف صارت شجرة فابحث وقل من الذي يخرج منها الثمرة وانظر
إلى الشمس التي جذوتها مستعرة فيها ضياء وبها حــرارة منتشرة
***
نتابع ، نصل إلى بعض الأبيات التي قالها بعض العارفين بالله :
لله في الآفاق آيات لعل أقــلها هو مــــــــــا إليه هداك
ولعل ما في النفس من آيــاته عجب عجاب لــــو ترى عيناك
والكون مشحون بأســــرار إذا حاولت تفسيراً لــــها أعياك
فإذا رأيت الـنبت في الصحراء يربو وحده فسألـــــه من أرباك
وإذا رأيت الـبدر يسري ناشراً أنواره فسأله من ذا الـــذي أسراك
وإذا رأيت النهر بالعذب الفرات جرى فسأله من يا نـــهر قد أجراك
وإذا رأيت البحر في المــلح الأجاج طغى فسأله من ذا الذي أطغاك
وإذا رأيت اللـيل يخشى داجياً فسأله من يا ليل حـــــاك لجاك
***
إذاً : نحن في هذا الموضوع انتقلنا من المجرة إلى الذرة .
خاتمة وتوديع :
الأستاذ علاء :
كنا نتمنى أن نوسع في البحث لكن دائماً الوقت عجول يا سيدي ، شكراً لما قدمت ، شكراً الأستاذ الدكتور محمد راتب النابلسي ، أستاذ الإعجاز العلمي في القرآن والسنة في كليات الشريعة وأصول الدين في دمشق ، شكراً لك على كل ما افترشت لنا من علم أمام الناظرين ونتابع إن شاء الله في الحلقة القادمة ، شكراً لكم .
والسلام عليكم ورحمة الله