- ندوات تلفزيونية
- /
- ٠31برنامج الإيمان هو الخلق - قناة سوريا الفضائية
الأستاذ علاء :
تقديم وتذكير :
أيها السادة المشاهدون ، أهلاً ومرحباً بكم في هذه الحلقة الجديدة ، من برنامجكم الإيمان هو الخلق .
في الحلقة الماضية توقفنا عند مسألة هامة ، المسألة تتعلق بالشهوة التي أفردنا لها من هذا البرنامج الكثير من الحلقات ، كونها مقومًا من مقومات التكليف ، وتبينا مع أستاذنا الفاضل الأستاذ الدكتور محمد راتب النابلسي أستاذ الإعجاز العلمي في القرآن والسنة في كليات الشريعة وأصول الدين في دمشق ، تبينا الكثير حول هذا الموضوع ، نرحب بك .
ووقفنا عند مسألة الشهوة التي عرفت الشهوة هي الطاقة الكامنة التي إن كُمنت كانت أداة رفع ونهوض ، وإن أُطلقت دون ضوابط ، واستخدمت في أماكن لم تُخلق من أجلها كانت أداة تدمير ، وأداة نقوص .
وقفنا عند مسألة هامة جداً في مسألة الشهوة ، وقلت : إن الشهوة ليست معصية ، وإن الشهوة التي خُلقت مع الإنسان لم تلزم المعصية ، فالإنسان الذي خُلقت معه الشهوة ، وزُرعت في جبلته لمجرد وجود هذه الشهوة ليست معصية ، وليست خطأ ، كما مر معنا ، إنما استخدامات الشهوة غير المنضبطة هي التي تنقل الإنسان بتصرفاته من الصواب إلى التهلكة إن صح التعبير .
وقفنا عند قضيتين هامتين ، بحثنا في الأولى ، وهي مسألة النساء ثم المال ، وقلنا : إن معظم الشهوات ومعظم الفضائح في العالم إما فضيحة أخلاقية ، أو فضيحة مالية ، قضية سوء ائتمان .
نأتي إلى المسألة التي بدأنا بها في الحلقة الماضية هي الجانب السلبي ، والشهوات المتعلقة بشهوة تكون حول النساء ، وبالنساء ، وقلت : إنه مجتمع يجب أن يلتزم شرع الله حتى يساعد الكل من انضوى تحت الكل ، أفراد المجتمع يتعاونون حتى ينهضوا جميعاً بمنهج الله عز وجل ، فلا يكفي أن نقول للشاب : غض بصرك ، وأن تخرج الفتاة متبرجة ، وتتفنن في تبرجها ، ولفت نظر الشاب في الشارع ، هذه عملية غير معقولة ، وغير متعادلة ، إن صح التعبير.
إذاً : قلنا عن غض البصر : إن الشاب عليه أن يغض البصر ، والمرأة يجب أن تساهم بإعفاف الرجال ، بإعفاف الشباب بثياب محتشمة ، ودورها كمن يجاهد في سبيل الله ، وقلنا : هذا رجل حاول أن يغض بصره ، وهذه المرأة حاولت أن تغض بصرها ، وأن تلتزم ، لكن هل من مساعدات أخرى لكي تنهض بهذا الفرد في المجتمع لكي يكون على الجادة الصواب ، ولكي لا يجنح يمنة ويسرى ؟
الدكتور راتب :
المساعد الإيديولوجي للنهوض بالفرد في المجتمع الصالح :
1 ـ ليس في الإسلام حرمان :
قلت : إن المساعد الأول المساعد إيديولوجي ، أن تعتقد أنه ليس في الإسلام حرمان ، وليس فيه تفلت ، وأن الله عز وجل خلق الإنسان لجنة عرضها السماوات والأرض ، وثمن هذه الجنة الانضباط .
2 ـ التناقض بين التكليف والطبع ثمن الجنة :
بل إن التناقض بين التكليف والطبع ثمن الجنة ، أنت مكلف أن تغض البصر ، والطبع يقتضي أن تطلق البصر ، هذا التناقض بينهما هو ثمن الجنة .
﴿ وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى * فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى ﴾
كوسائل وقائية أُمرت النساء بالاحتشام ، والرجال بغض البصر .
3 ـ لابد من هامش أمان بينك وبين وسائل إثارة الشهوة :
الآن عندنا قضية دقيقة جداً : الشهوة فيها قوة جذب ، فلابد من هامش أمان بينك وبين وسائل إثارة الشهوة ، تماما :
كما نرى أن الخط الكهربائي عالي التوتر فيه قوة جذب ، فلا بد من إعلان واضح : ممنوع الاقتراب من الخط لمسافة 8 أمتار ، فإذا دخل الإنسان هذه الأمتار الثمانية جذبه التيار ، وأصبح فحمة سوداء ، وأهلكه .
إذاً : هذا معنى قوله تعالى :
﴿ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَقْرَبُوهَا ﴾
لا بد أن تدع هامش أمان بينك وبين الشهوة ، وللسيد المسيح كلمة رائعة يقول : " الشريف من يهرب من أسباب الخطيئة " ، لأنه قد لا يستطيع الإنسان أن يهرب من الخطيئة ، لكن يستطيع الهرب من أسبابها ، وكأن الشهوة صخرة متمكنة في رأس جبل ، فإذا أردت أن تدفعها نحو الوادي ، وتمنيت أن تقف بعد عشرة أمتار لا تستقر إلا في قعر الوادي ، والخطأ أنك دفعتها ، وظننت أنها تقف عند هذه المسافة ، فإذا دفعتها فلا بد من أن تستقر في قعر الوادي .
إذاً : أول شيء قضية قناعة ، وتصور أن الإسلام ليس فيه حرمان ، وما من شهوة أودعها الله في الإنسان إلا جعل لها قناة نظيفة تسري خلالها .
﴿ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنَ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللَّهِ ﴾
معنى ذلك أنه ينبغي أن تتبع هواك وفق هدى الله عز وجل ، فليس في الإسلام حرمان ، إنه دين الفطرة ، دين الحياة .
الأستاذ علاء :
وقفت عند أمر :
﴿ فَلَا تَقْرَبُوهَا ﴾
وتوقفت عند أمثلة الحقيقة ، إذاً : الإنسان إذا جاء في منتصف هذه المعصية فلا يستطيع أن يتفلت منها ، كالكهرباء التي تمسك به ، لذلك :
﴿ فَلَا تَقْرَبُوهَا ﴾
كما تفضلت ، هذا جانب الأمان ، أو حيز الأمان ، وهذا أمر ، لا أن يقول الواحد : والله أنا بإمكاني أن أذهب ، وأجلس في هذا المجلس ، وأدخل إلى هذه الجماعة ، ولا أمارس المعصية ، هذا الكلام غير صحيح .
الدكتور راتب :
الفرار من مواضع الفتن أمان منها :
مستحيل ، هناك جريمة ارتكبت في بلد عربي ، والمجرم هو شاب صغير ، اغتصب عشر فتيات وقتلهن ، وهناك باحثة اجتماعية طلبت من وزير الداخلية أن تلتقي بهذا الشاب على قناة فضائية ، وحدثني من شاهد هذا اللقاء ، هذه المرأة الباحثة سألت هذا الشاب : لماذا فعلت هذا ؟ فقال : من ثيابهن ، فكأن هناك مصطلح جديد : كيف أن الرجل يتحرش بالفتاة بكلمة أو بحركة ، كذلك الفتاة تتحرش بالرجل من خلال ثيابها فقط ، الإسلام أمر النساء بالحشمة ، والرجال بغض البصر ، وأمرنا أن نبتعد عن مثيرات الفتن ، أن نبقي هامش أمان بيننا وبينها .
كأن النهر له شاطئ مائل زلق ، وشاطئ جاف مستوٍ ، فأنت كبطل تمشي على الشاطئ الجاف المستوي ، فأنت في أمان ، أما إذا سرت على الشاطئ المائل المنزلق الزلق ففي أغلب الأحيان تسقط في الماء .
إذاً : فضلاً عن الحشمة ، وعن غض البصر هناك ابتعاد عن مثيرات الفتن ، فصحبة الأراذل مثلاً ، ومتابعة الأفلام الإباحية ، ومواقع الإباحية في الإنترنت ، وقصص ماجنة ، وأشخاص منحرفون ، صحبتهم ، وسماع هذه القصص ، وإطلاق البصر ، وتتبع عورات النساء ، هذه كلها كأنك دخلت في المنطقة المحرمة .
(( مَنْ حَامَ حَوْلَ الحِمَى يُوشِكُ أَن يُوَاقعهُ
وأنا أصدقك القول أن آلاف الحالات التي تنتهي بالفاحشة أصحابها لم يقصدوا بلوغ هذه النهاية ، لكن تقصيرهم في اقتحام المنطقة المحرمة قادتهم إلى النهاية .
وحينما تفقد الفتاة أثمن شيء تملكه ، هناك فطرة ، يأتيها آلام لا يمكن أن تصور ، آلام نفسية ، لو لم يعلم بها أحد ، لأن الله عز وجل قال :
﴿ فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ﴾
إذاً الشيء الثاني أن نبتعد عن أسباب الفتن .
الأستاذ علاء :
حتى الرجل عندما يرتكب الخطأ ، أو يقع في معصية ، وينتهي به الأمر إلى الحالات التي تنتاب هذا الرجل من الكآبة ، ومن الغمة في صدره ، ومن الظلمة حوله ، وهذا شيء يدفع الكثير منهم أحياناً إلى أن ينهي حياته في بعض الأحيان .
الدكتور راتب :
احذروا الكآبة ، إنه مرض العصر :
هذه الفطرة ، أكمل شيء في الموضوع أن هناك تطابقاً تاماً وكاملاً بين الفطرة ومنهج الله ، فسواء أعصى الإنسان ربه ، لأنه يعرف هذه معصية ، وسواء أنه خرج عن مبادئ فطرته فوقع في الكآبة ، الآن الكآبة مرض العصر ، الإنسان تعذبه نفسه ، ولو لم يحاسبه أحد .فلذلك لا بد من تطبيق منهج الله من أجل السعادة ، قال تعالى :
﴿ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ ﴾
﴿ إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ ﴾
فالإنسان في جنة ، وقال بعض العلماء : في الدنيا جنة ، من لم يدخلها لم يدخل جنة الآخرة ، إنها جنة القرب من الله ، يجدها في القرآن :
﴿ وَيُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ عَرَّفَهَا لَهُمْ ﴾
في الدنيا ، ذاقوا طعمها في الدنيا .
إذاً : إن الله يعطي الصحة ، والذكاء ، والمال ، والجمال ، للكثيرين من خلقه ، ولكنه يعطي السكينة بقدره لأصفيائه المؤمنين .
الأستاذ علاء :
الآن سيدي نحن ابتعدنا عن المثيرات ، الإيجابي :
الدكتور راتب :
المساعِد التطبيقي لكبح جماح الشهوات :
الإيجابي أن نشحن بطاقة روحية من الله تعيننا على شهواتنا ، وكبح شهواتنا ، الصلاة شحنة ، صلاة الجمعة شحنة ، فيها خطبة ، صيام شهر رمضان شحنة ، الحج شحنة ، الجهاز المحمول إن لم يشحن ينتهي ، والمؤمن يحتاج إلى شحن مستمر ، شحن يومي بالصلوات الخمس ، وشحن أسبوعي بخطبة الجمعة ، وشحن شهري ، وشحن سنوي ، وشحن للعمر كله بالحج ، فهناك شحنة.
فالإنسان بين أن بدافع التدني بترك الأماكن الخطرة ، فهو بالشحنة يتابع الترقي ، والفرق كبير بين مدافعة التدني ومتابعة الترقي ، فبترك مسببات الفتن يدافع التدني ، وحينها نتصل بالله عز وجل .
قد يرتدي إنسان ثيابا قديمة وقذرة ، وينزل ببركة مياه سوداء آسنة ، ودخل إلى الحمام ، واغتسل ، وتعطر ، ولبس ثيابًا نظيفة ، ومر أمام هؤلاء الصغار الذين يعبثون بالمياه السوداء ، لا يمكن أن يتمنى أن يكون معهم بعد أن ذاق طعم النظافة .
حينما يتصل الإنسان بالله عز وجل تسمو نفسه :
(( نعم العبدُ صهيبٌ ، لو لم يخَف الله لم يعصِه ))
أستاذ علاء ، الإنسان يكون بمستوى دون مستوى الشرع ، لكنه يطبق الشرع خوفاً من الله ، لكن بعد حين ، بعد اتصاله بالله يرتقي مستواه إلى مستوى الشرع ، فعندئذٍ تمج نفسه المعصية ، فلا يَدَعها خوفاً من الله فقط ، بل يدعها خوفاً من الله واشمئزازاً منها ، هذه النقطة دقيقة جداً ، المجاهدة لا تطول مع الإنسان حينما يسلك طريق الإيمان ، ويطهر قلبه ، وتسمو نفسه ، يصبح منهجه وهواه وفق الله عز وجل ، تنتهي مرحلة مدافعة التدني ، فيسمو .
الأستاذ علاء :
عندما يسمو ، وعندما يذوق طعم القرب من حضرة الله عز وجل .
الدكتور راتب :
وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ
قال تعالى :
﴿ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ ﴾
لكن هنا ملمح رائع جداً :
﴿ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ ﴾
بعضهم قال : ذكر الله أكبر ما فيها ، بعضهم قال : أنت حينما تصلي تذكر الله ، وهذا شأن العبد ، لكنك إذا صليت الصلاة التي أرادها الله يذكرك الله ، وذكر الله لك أكبر من ذكرك له ، فأنت إن ذكرته فإنك تؤدي عبادتك ، لكن الله إذا ذكرك ألقى في قلبك السكينة ، ألقى في قلبك الأمن ، منحك الحكمة ، منحك التوفيق ، منحك السعادة ، وسرت في الطريق الصحيح ، فجمع لك نعمتي الدنيا والآخرة :
﴿ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ ﴾
قال النبي الكريم :
(( أقم الصلاةَ يا بلالُ ، أرِحْنا بها ))
هناك يؤديها ويقول : أرحنا منها ، والفرق كبير بين أرحنا بها ، وأرحنا منها ، الصلاة عماد الدين ، والصلاة معراج المؤمن ، الصلاة غرة الطاعات ، سيدة القربات ، ومعراج المؤمن إلى رب الأرض والسماوات .
(( ليس كل مصلٍ يصلي ، إنما أتقبل الصلاة ممن تواضع لعظمتي ، وكف شهواته عن محارمي ، ولم يصر على معصيتي ، وأطعم الجائع ، وكسا العريان ، ورحم المصاب ، وآوى الغريب ، كل ذلك لي ، وعزتي وجلالي إن نور وجهه لأضوأ عندي من نور الشمس ، على أن أجعل الجهالة له حلما ، والظلمة نورا ، يدعوني فألبيه ، يسألني فأعطيه ، يقسم علي فأبره ، أكلؤه بقربي ، وأستحفظه ملائكتي ، مثله عندي كمثل الفردوس لا يمس ثمرها ، ولا يتغير حالها ))
الأستاذ علاء :
من هنا قال عليه الصلاة والسلام :
(( حبب لي من دنياكم ))
عندنا الجانب المادي .
(( النساءُ ، والطِّيبُ ، وجُعِلَتْ قُرَّةُ عَيني في الصلاة ))
الدكتور راتب :
المرأة محببة ومطلوبة عند الرجل :
لكن لابد من أن أقف وقفة سريعة عند كلمة النساء ، يحب أن تُزوج ، لينجب ولداً يتابع العمل الصالح من بعدي ، سيدنا عمر فهم هذا المعنى ، قال : << والله أقوم إلى زوجتي وما بي من شهوة ، إلا ابتغاء ولد صالح ينفع الناس من بعدي >> .
هناك من يسيء الظن برسول الله ، حينما يتهمه أنه يحب النساء ، تزوج امرأة بقي معها ربع قرن ، وهي في سن أمه ، فهذه تهمٌ باطلة يسوقها أعداء الدين .
الأستاذ علاء :
سيدي ، النبي عليه الصلاة والسلام هو أولاً سيد الخلق ، وصاحب المنهج ، ليس بمريض حتى يبتعد عن النساء ، والوضع الطبيعي أن يحب النساء ، وهو شاب ، وأي واحد منا يحب النساء وهو شاب ، وإن لم يكن محباً للنساء ، أو في ما يجذب للنساء فهو مريض لا يعيش حياة طبيعية ، النبي كما تفضلت ـ عليه الصلاة والسلام ـ يحب النساء ضمن شرع الله ، ويحب الطيب مظهراً من مظاهر النظافة والحضارة والذوق ، إنسان سوي بكل معنى الكلمة ، وجاء العلوّ من جانب :
(( وجُعِلَتْ قُرَّةُ عَيني في الصلاة ))
الدكتور راتب :
الهدى علوٌّ والضلال سفولٌ وانحطاط :
هناك ملمح لطيف :
﴿ أُولَئِكَ ﴾
المؤمنون :
﴿ عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ ﴾
على تفيد العلو ، يعني الهدى يرفعك إلى أعلى عليين ، يسمو بك ، يسمو بهمومك ، تحمل هم الأمة ، الهدى يجعلك إنسانا إيجابيا ، إنسانا معطاء ، إنسانا ذا خلق عظيم ، أما الضلال :
﴿ أُولَئِكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ ﴾
شيء ضمن شيء ، فإمّا الكآبة ، وإمّا السجن ، لأن الانحراف ينتهي بك إلى سجن ، إما سجن نفسي ، أو سجن حقيقي ، الحصار .
الأستاذ علاء :
الآن سيدي إن سمحت لي قبل أن ننتقل إلى مَن وقع في الشهوة المحرمة ، وما هي الطريقة للرجوع ؟ وهل له من عودة ، أم أنه الطريق مقطوع أمامه ؟ نأتي إلى مسألة أخرى في مسألة الوجاء ، النبي عليه الصلاة والسلام في كثيرٍ من أحاديثه عندما تحدث عن هذه القضية ، وأقر أن الشاب بحاجة إلى زواج ، ولكن لا يستطيع أحياناً الباءة ، ولا يستطيع التكلفة ، ولكن وصف له وصفة النبي عليه الصلاة والسلام لكي تكون له وجاء أمام الجانب السلبي من الشهوة .
الدكتور راتب :
الصوم علاج للشهوة :
إنه الصوم ، لكن أستاذ علاء ، ربما لا نصدق جميعاً أنه ما من شيء أحب إلى الله من شاب تائب ، أنا أخاطب الشباب الآن والشابات ، ما من شيء أحب إلى الله من شاب تائب ، الشاب كتلة نشاط ، كتلة حيوية ، وكتلة طموح ، فإذا ضبط نشاطه وحيويته وقوته وَفق منهج الله فهو عند الله في أعلى عليين ، وقد قال عليه الصلاة والسلام :
(( ريح الجنة في الشباب ))
أيعقل أن يكون شاب في عهد النبي قائد جيش ، من جنوده أبو بكر ، وعمر وعثمان ، وعلي ، وركب الناقة ، فمشى الصديق في ركابه ، قال له الشاب : يا خليفة رسول الله ، لتركبن أو لأنزلن ، قال له : والله لا ركبت ولا نزلت ، وما علي أن تغبر قدمي ساعة في سبيل الله ، فلما أراد أن يستبقي عمر إلى جانبه ، استأذنه ، قال له : أتأذن لي بعمر ، انظر إلى نظام التسلسلي في حياة المسلمين .
إذاً : حينما نركز على الشباب فهم قوام الأمة ، وهم أمل الأمة ، وهؤلاء الشباب طاقات كبيرة جداً ، ينبغي أن نعتني بهم ، ينبغي نيسر لهم أعمالهم ، أن نيسر لهم مساكنهم ، وما من عمل أعظم ـ كما أرى ـ من تزويج الشباب ، ومن تهيئة فرص عمل للشباب ، ومن تهيئة بيوت للشباب ، هذا شيء الآن لا يعلو عليه هدف ، فالشباب قوة تنهض بنا ، وقوة مدمرة ، فنحن في أمسّ الحاجة إلى أن نربي الشاب على منهج الله ، وعلى أن يكون بطلاً ، فالصوم كما قال النبي الكريم أحد الأسباب الوقائية .
صحبة الصالحين أمان من الوقوع في الشهوات :
لكن في سبب وقائي آخر : صحبة الصالحين ، أنت ابن بيئتك شئت أم أبيت .
﴿ وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطاً ﴾
لذلك :
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ ﴾
وكأن في الآية معنًى ضمنياً ، لن تستطيعوا أن تتقوا الله إلا إذا كنتم مع الصادقين ، فنحن بحاجة إلى بيئة .
أنا أوجه الخطاب للآباء ، ابحث عن صديق لابنك ، صديق منضبط ، اسأل من هو صديق ابنك ، فالصديق له أثر كبير ، وفي بعض إحصاءات علم النفس أن تأثير الصديق على صديقه يزيد على 60% من مجمل التأثير ، فالوالدان ، والإخوة ، والمعلم ، والمدرسة ، وشيخ المسجد كلهم 40% ـ و60% ، لذلك الأب العاقل يسأل عن صديق ابنه قبل كل شيء .
ثبت أن البيئة الفاسدة تغري بالمعصية ، والبيئة الصالحة تغري بالطاعة ، فأنت ابن بيئتك شئت أم أبيت .
الأستاذ علاء :
لذلك هنا سيدي أحد العلاجات الهامة في العالم ، وفي كل البلدان التي تتبع مسألة الفطام من المخدرات ، والمادة المخدرة ، في مراكز الاستشفاء ، بعد الفطام ، وسحب المادة الكيماوية من الدم ، وإعطاء المادة البديلة ، ويشفى الإنسان ، أهم نقطة بعد أن يخرج من المصح أن يغير مكان سكناه ، وأن يغير صحبة أولئك الناس الذين كان يجالسهم ، وأن لا يشاهدهم ، لأن مجرد المشاهدة والاقتراب من المكان تعود الحالة في الذاكرة ، ويعود الانجذاب ، ويعود إلى المرض مرة ثانية .
الدكتور راتب :
هناك حالة نادرة في أحد دروسي في الجامع ، أحدُهم أخذه الانفعال ووقف ، وقال لي : نحن نستمع إلى الدرس فنتأثر تأثراً كبيراً ، فإذا عدنا إلى البيت عدنا كما كنا ، فما الحل ؟ فأنا قلت له جوابا سريعا : غير الطقم ، مَن حولك سيئ ، والنبي الكريم يقول :
(( لا تُصَاحِبْ إِلا مُؤْمِنا ، ولا يأكُلْ طَعَامَكَ إِلا تَقِيّ ))
العلاقات الحميمة ينبغي أن تختصر على المؤمنين ، أما علاقات العمل فمقبولة .
الأستاذ علاء :
كنت أود أن نستمر في هذا الأمر ، لكن يبدو لي الوقت دائماً يدركنا ، وحديثك جميل ، والحمد لله ، العلم المتدفق يقصر عنه الوقت بكل معنى الكلمة .
وصلنا إلى الفقرة العلمية ، والمادة الفيلمية ، فماذا اخترت لنا اليوم سيدي ؟
الدكتور راتب :
الموضوع العلمي : تكوُّن الجنين في بطن أمّه :
1 ـ معجزات القرآن تؤكدها البحوث العلمية الصحيحة :
نتابع تخلق الجنين في بطن أمه ، ولكن في هذا اللقاء الطيب ينبغي أن نرى الآيات القرآنية التي تؤكدها الأبحاث العلمية ، فجميع المعلومات التي شُرحت حتى الآن في موضوع تطور الجنين في رحم الأم كُشفت خلال البحوث العلمية منذ ثلاثين أو أربعين سنة ، وهذه المعلومات الجديدة أمّنت فهم معجزات القرآن الكريم من جديد ، أن تأتي آية قبل 1400 سنة ، ثم يأتي بحث علمي معاصر يؤكدها فهذا هو الإعجاز العلمي ، يؤكد أن الذي خلق الأكوان هو الذي أنزل هذا القرآن .
2 ـ تشكُّل العظام أوّلاً ثم اللحم : فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْماً
فإلى فترة قريبة جداً كان يُظن أن العظم والعضلات يتشكلان معاً ، هذا موجود في أعظم كتب العلوم الطبية في الأجنة ، إلا أنه اكتشف أخيراً في بريطانية أن العظام تتشكل أولاً ، ثم تكسى العظام لحماً ، هذا الأستاذ الكبير ، الذي معه كتاب شهير قام طالب مسلم في الجامعة في لندن ، وقال : لا ، كتاب المسلمين أشار إلى هذا ، صُعق ، ولم يصدق ، وعدّ هذا تحدياً من الطالب ، فقال : ائتني بالدليل ، في اليوم التالي جاءه بالقرآن الكريم ، وقد تُرجم إلى اللغة الإنكليزية :
﴿ فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْماً ﴾
الحقيقة أن المفاجأة لم تكن متوقعة ، أعلن بعد حين إسلامه ، هو بعد رأي ، وبعد بحث ودراسات وصل لهذه الحقيقة ، فإذا هي في آية قرآنية ، وهذا هو الإعجاز العلمي في القرآن الكريم .
3 ـ مراحل الجنين الثلاث : خَلْقاً مِنْ بَعْدِ خَلْقٍ فِي ظُلُمَاتٍ ثَلَاثٍ
من جانب آخر : أوضحت البحوث الجارية في موضوع الولادة أن الطفل يجتاز ثلاث مراحل كاملة في بطن الأم ، وقد شُرحت هذه الحقيقة في واحد من المراجع الأساسية في علم الأجنة ، الحياة في بطن الأم تتكون في ثلاث مراحل :
المرحلة الأولى : منذ التلقيح وحتى أول أسبوعين ونصف الأسبوع .
والثانية : إلى آخر أسبوع الثامن .
والثالثة : من أسبوع الثامن وحتى الولادة ، القرآن الكريم أشار قبل 1400 عام إلى ما توصلت إليه نتائج البحوث ، قال تعالى :
﴿ يَخْلُقُكُمْ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ خَلْقاً مِنْ بَعْدِ خَلْقٍ فِي ظُلُمَاتٍ ثَلَاثٍ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ ﴾
الأستاذ علاء :
شيء جميل ، الظلمات الثلاث هذه في القرآن الكريم ، سيدي الكريم ، الآن من خلال هذا الخلق الرائع الذي لا يوجد فيه فطور ، ولا يوجد فيه أي خلل ، وهذا الإعجاز اليومي من خلال الأبحاث ، ومن خلال ما تقدمه التقنيات ، وما تقدمه مراكز البحوث ، أليس حرياً بنا جميعاً من خلال هذه الفتوح العلمية أن نتجه إلى الله ، وأن نتمسك بهداه ، وأن نعود إليه ، وأن نتوب إليه ؟.
الدكتور راتب :
لابد من عبادة الله الخالق وحْده :
هذا الإله العظيم ألا يخطب وده ؟ ألا ترجى جنته ؟ ألا تخشى ناره ؟
حقيقة هذا الدين يجب أن تشدنا إليه ، وأن تجعلنا نسمو على كل خلافاتنا ، وأن نرتقي إلى الله رب العالمين كي نَسعد ونُسعد .
الأستاذ علاء :
هناك فهم خاطئ بأن الالتزام بشرع الله قيد ، وشغف ، ومعاناة .
الدكتور راتب :
الالتزام بالشرع ضمان للسلامة وليس قيدا للحرية :
هذا جهل فادح في حقيقة الدين ، أنت إذا رأيت لوحة كتب عليها : حقل ألغام ، ممنوع التجاوز ، هل تنقم على واضع هذه اللوحة ؟ هل تراها حداً لحريتك أم ضماناً لسلامتك ؟ هكذا الدين ، جميع الأوامر والنواهي هي ضمان لسلامتنا ، والعلاقة في كل أمر إلهي بينه وبين النتائج علاقة علمية ، علاقة سبب بنتيجة .
الأستاذ علاء :
خاتمة وتوديع :
لا يسعنا في نهاية هذه الحلقة أعزائي المشاهدين إلا أن أشكر شكراً جزيلاً أستاذنا الدكتور محمد راتب النابلسي ، أستاذ الإعجاز العلمي في القرآن والسنة في كليات الشريعة وأصول الدين في دمشق على كل ما قدم ، وعلى كل ما تقدم به ، ونسأل الله عز وجل أن يبقي لنا في العمر السعة ، وللسادة المشاهدين الكرام حتى نتبين ، وحتى نقف عند حقيقة هذا الدين وتعاليمه التي جاءت لخيرنا ولسعادتنا .
شكراً سيدي ، وإلى اللقاء .