- ندوات تلفزيونية
- /
- ٠31برنامج الإيمان هو الخلق - قناة سوريا الفضائية
الأستاذ علاء :
مقدمة وترحيب :
أيها السادة المشاهدون ، وأهلاً ومرحباً بكم في حلقة جديدة من برنامجكم : الإيمان هو الخلق ، يسعدنا أن نكون بمعية فضيلة الأستاذ الدكتور محمد راتب النابلسي أستاذ الإعجاز العلمي في القرآن والسنة في كليات الشريعة وأصول الدين بدمشق .
سيدي الأستاذ ، سلام الله عليك .
عليكم السلام ورحمة الله تعالى وبركاته .
كنا قد بدأنا في الحلقة الماضية وقبلها موضوعاً ، وهو مقوّم من مقومات التكليف ، موضوع الاختيار ، عرفنا الاختيار ، وكيف أن الإنسان مخير في أفعاله ، وفي تصرفاته وفيما كلف به ، هو مخير في المهمة التي كلف بها هو مخير ، وكيف أن الإرادة له والمشيئة له في أن يمشي هذا الطريق ، أو يمتنع عنه ، ويمشي الآخر أو يمتنع عنه .
وتبينا بأن الاختيار يقتضي الحساب ، ويقتضي النتيجة ، مثوبة أو عقاباً ، وتبينا أن الاختيار يثمن العمل ، ويرفع من قيمة العمل ، وإلا لو فرض العمل على الإنسان بشكل جمعي لما كان له قيمة أو ثمن ، وإنما كان يؤدي هذا العمل بشكل تلقائي .
نصل إلى نقطة سيدي الكريم في مسألة الدين ، هل الإنسان يختار الدين ؟ هل الإنسان له الأحقية في أن يختار الهداية ؟ أو ألا يختار ؟ هل هناك إكراه في الدين ؟ أو إلزام وجذب إلى هذا الجانب أو إلى ذلك الجانب ؟ ماذا عن هذه المسألة سيدي .
الدكتور راتب :
الأصلُ أنّه : لا إكراه في الدين :
بسم الله الرحمن الرحيم ، الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين .
أستاذ علاء جزاك الله خيراً ، الأصل أن العقيدة نستقيها من كتاب الله ، وفي آية واضحة جليلة قطعية الدلالة يقول الله عز وجل :
﴿ لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ ﴾
هذا الذي يقول وهو لا يفقه ما يقول : إن الدين انتشر بحد السيف ، قلب الإنسان كالصندوق الحديدي ، لا يمكن أن يفتح بسيف ، ولا ببندقية ، ولا بصاروخ ، ولا بقنبلة نووية ولا بطائرة ، لا يفتح إلا بالحق ، يفتح بالرحمة ، يفتح بالعدل ، يفتح بالحب ، فالإنسان مغلق بإمكانه أن ينافق ، بإمكانه أن يمثل ، بإمكانه أن يداري ، أما أن يؤمن ؟ لا يؤمن إلا بما هو قانع به ، لذلك في الأصل :
﴿ لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ ﴾
لأن الإنسان صندوق مقفل لا يفتح إلا وفق مبادئ فطرته ، ويحب العدل يفتح بالعدل ، يحب الرحمة يفتح بالرحمة .
لذلك العمل الذي فيه عدل يلفت نظر الناس جميعاً ، الذي فيه رحمة ، البطولات في التاريخ نقرأها مراراً وتكراراً لا نمل منها ، لأنها تتناغم مع فطرنا.
لذلك العصور السابقة مع أنها خشنة في معداتها ، وفي أساليب العيش فيها ، لكنها متفوقة في فضائلها ، والحياة المعاصرة فيها تقنية عالية جداً ، أدوات التحكم عن بُعد على الطاولة كثيرة ، لكن لا سعادة فيها ، ولا فضيلة ، ولا عمل صالح ، ولا تضحية ، ولا مبادئ ، ولا قيم ، ولا مادة ، لذلك قالوا : إن الله يعطي الصحة ، والذكاء ، والمال ، والجمال للكثيرين من خلقه ، ولكنه يعطي السكينة بقدر لأصفيائه المؤمنين .
حينما يشرد الإنسانُ عن الله عز وجل يضيع ، ومشاعر المؤمن أنه تعرف إلى الله ، واستقام على أمره ، واصطلح معه ، وهذا شيء لا يكاد يصدق ، لذلك لا يمكن أن يكون الدين إكراهاً ، هو اختيار ، هو اتخاذ قرار من أعماق الإنسان ، لو كان إكراهاً لفسدت الحياة ، الدليل بعض الآيات :
الأدلة القرآنية على الاختيار في الدين وعدم الإكراه :
الآية الأولى :
﴿ وَلَوْ شَاء رَبُّكَ لآمَنَ مَن فِي الأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا أَفَأَنتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُواْ مُؤْمِنِينَ ﴾
مستحيل ، وآية واضحة جداً
﴿ وَلَوْ شَاء رَبُّكَ لآمَنَ مَن فِي الأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا أَفَأَنتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُواْ مُؤْمِنِينَ ﴾
كلهم توكيد وجميعاً .
أستاذ علاء ، لو أن رئيس جامعة وزع على الطلاب أوراق الإجابة ، وقد كتبت عليها الإجابة الكاملة ، وكتب عليها 100 على 100 ، وكلف الطالب أن يكتب اسمه فقط ، ما قيمة هذا النجاح ؟ هذا النجاح لا يسعد إطلاقاً ، لو أنه يسعد لفعله الله عز وجل ، لا يسعد إلا أن تأتيه طائعاً ، من مبادرة منك ، بمحبة .
لذلك الله عز وجل جعل العلاقة بينه وبين الخلق علاقة محبوبية ، الأصل في العلاقة الحب ، وإيمان بلا حب جسد بلا روح .
مرة وردة طبيعية فواحة ، ألوانها رائعة ، يهفو القلب إليها ، ووردة بلاستيك تملها .
الإسلام من دون حب لا معنى ، هو له طقوس ، وعادات ، وتقاليد ، أما الصلاة فهي صلة بالله .
(( أرحنا بها يا بلال ))
الآية الثانية :
﴿ وَلَوْ شَاء اللّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلكِن يُضِلُّ مَن يَشَاء ﴾
هو مخير ، يشاء تعود على الإنسان .
الأستاذ علاء :
نقف عندها سيدي لو سمحت ، الكثير من الناس في مفهومهم ، في تخيلهم ، في تصورهم أن متى شاء يشاء الله ، فالفاعل هو الله ، لكن نريد أن نتبين من هو الفاعل يشاء ؟
الدكتور راتب :
بين مشيئة العبد ومشيئة الله :
الإنسان يضل من يشاء الضلال ، إنسان آثر الشهوة ، آثر المادة ، آثر الدنيا فقط هذا اختياره ، فلما اختار هذا الاختيار أصبح بعيداً عن حقائق الدين .
أنت ذاهب إلى حلب ، وفي طريقين ، وأنت عند المفترق لا تعرف إلى أين الجهة في تقسيم من إدارة المرور ، واقف واحد ، قلت له : أين حلب ؟ قال لك : من هنا ، فقلت له : جزاك الله خيراً ، فقال لك : انتظر ، أمامك تحويلة ، أمامك مشكلة ، طريق ضيق ، جسر يصلح ، أعطاك معلومات كثيرة ، لمَ قبلت استشارته ؟ لو قال له أحدُهم : أنت كذاب ، هذا يضل .
إن الإنسان اختار الدنيا ، اختار شهوته ، اختار مصلحته ، اختار مالاً من طريق غير مشروع ، اختار التمتع بالنساء بطريق غير مشروع ، فهذا اختياره ، إذاً : هو حُجِب عن الدين ، حجِب عن كل ميزات الدين ، حجب عن السلامة والسعادة ، حجب عن الحكمة ، عن الطمأنينة ، عن الشعور بالأمن ، عن الراحة ، كل ثمار الدين بطاعة الله عز وجل ، فلما رفض طاعة الله خسر كل هذه الثمار هذا اسمه إضلال حكمي ، له في لقاءات قادمة بحث طويل جداً ، فحيثما عُزي الإضلال إلى الله فهو إضلال جزائي المبني على ضلال اختياري .
﴿ فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ ﴾
حينما يُشم من الآية أن الإضلال عُزي إلى الله فهو الإضلال الجزائي المبني على ضلال الاختياري ، على كلٍ :
﴿ وَلَوْ شَاء اللّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلكِن يُضِلُّ مَن يَشَاء ﴾
الضلالة ، هذا اختيار .
﴿ وَيَهْدِي مَن يَشَاء وَلَتُسْأَلُنَّ عَمَّا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ {93} ﴾
أنتم أصحاب المشيئة .
آخر قسم في الآية يلقي الضوء على من يشاء ، لذلك القرآن مثاني ، تنثني الآية ، تفسر أختها ،
﴿ وَلَتُسْأَلُنَّ ﴾
لو كان المشيئة لله ، الآية ما لها معنى ، دقيقة جداً .
ألقاه في اليم مكتوفاً وقال له : إياك إيّاك أن تبتل بالماء
***
الآية الثالثة :
﴿ وَلَوْ شَاء اللّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَـكِن لِّيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُم ﴾
أنتم مخيرون ، وكما قلت قبل قليل : الإنسان مخير فيما كلف ، والحقيقة أن الواقع كذلك ، جنابك تذهب لتصلي باختيارك ، وبإمكانك ألا تصلي ـ لا سمح الله ـ أحياناً يؤدي الإنسان شهادة صادقة ، وبإمكانه أن يكذب .
مرة جاء شاهد زور إلى المحكمة ، فاتفق مع الذي كلّفه بخمسة آلاف ليرة ، فلما وجد المصحف قال له : أريد عشرة آلاف ، هذا مصحف .
﴿ وَلَوْ شَاء اللّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَـكِن لِّيَبْلُوَكُمْ فِي مَاآتَاكُم ﴾
﴿ فَاسْتَبِقُوا الخَيْرَاتِ ﴾
أنتم مخيرون .
الآية الرابعة :
﴿ وَلَوْ شَاء اللَّهُ لَجَعَلَهُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِن يُدْخِلُ مَن يَشَاء فِي رَحْمَتِهِ وَالظَّالِمُونَ مَا لَهُم مِّن وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ ﴾
ما الذي أدخله في رحمته ؟ الذي لم يظلم ، واضحة الآية ، معنى ذلك :
﴿ لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ ﴾
ومستحيل وألف ألف ألف مستحيل أن يجبر الله عباده على المعصية .
﴿ قُلْ إِنَّ اللّهَ لاَ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاء أَتَقُولُونَ عَلَى اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ {28} ﴾
لأن الله عز وجل لا يجبر عباده على المعصية ، هذا مستحيل وألف ألف مستحيل ، بيده الخير ، بيده السعادة ، والأمن ، والسلامة .
﴿ إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ ﴾
معقول الله ينهى عن الفحشاء والمنكر ، ويجبر عبده على فعل الفحشاء والمنكر ؟! مستحيل ، كما قلت قبل قليل ، عقيدة الجبر عقيدة فاسدة شلت الدين الإسلامي ، وشاعت هذه الفكرة بين أوساط العوام ، هذا الفهم للدين المشوه أبعدهم عن العمل .
عن أَنَسِ بْن مَالِكٍ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
(( إِنْ قَامَتْ السَّاعَةُ ، وَبِيَدِ أَحَدِكُمْ فَسِيلَةٌ ، فَإِنْ اسْتَطَاعَ أَنْ لَا يَقُومَ حَتَّى يَغْرِسَهَا فَلْيَفْعَلْ ))
الأستاذ علاء :
هذه تنفي وتدحض فكرة الجبرية ، وعقلية الجبرية .
الدكتور راتب :
عقيدةُ الجبرية باطلة نقلا وعقلا ومنطقا وواقعًا :
ما من إنسان على الأرض يستحق النصر كرسول الله ، ومع ذلك أخذ بالأسباب استأجر دليل ، رجح فيه الخبرة على الولاء ، هيأ من يأتيه بالأخبار ، هيأ من يمحو الآثار ، هيأ من يأتيه بالطعام ، ما من ثغرة ما سدها ، هذا هو الإسلام ، نحن حينما ألغي العمل أصبحنا في مؤخرة الأمم .
الأستاذ علاء :
سيدي ، إلغاء العمل ، أو هذا الفكر دخل إلينا من أعدائنا ؟ هل كان هذا الفكر بمخطط ليسري بيننا حتى نقعد عن العمل ؟ وحتى تستولي ، وتهيمن علينا القوى في الدنيا ؟ .
الدكتور راتب :
الوضع الاستسلامي والتقاعس غير مقبول :
مستحيل ، سيدنا عمر رأى رجل من الأعراب جمله مصاب بالجرب ، قال له : << يا أخا العرب ، ماذا تفعل بهذا الجمل ؟ قال : أدعو الله أن يشفيه ، قال له : هلا جعلت مع الدعاء قطرانا ؟ >> .
إنسان توقفت مركبته ، فيدعو قائلاً : يا رب أصلحها ، هذا كلام فارغٌ ! افتح الغطاء ، قد يكون خطأ ، ثم قل : يا رب ، ألهمني معرفة مكان الخطأ ، وأحيانا يلهم اللهُ الإنسانَ موضع الخطأ .
فالوضع السلبي الاستسلامي للكوارث هذا صفة غير لائقة بالإنسان .
(( إِنَّ اللَّهَ تَعالى يَلُومُ على العَجْزِ ))
يستسلم للمصيبة ، ما عمل شيء ، ماذا نفعل ، انتهينا ، هذا قدرنا ، هكذا الله يريد هذا كله كلام غلط .
(( وَلَكِنْ عَلَيْكَ بالكَيْسِ ))
تحرك ، اسعَ ، اتفق مع أخوك ، حاول ، قدم استدعى ، اعترض ، حاول تنقذ نفسك ، الآن :
(( فإذَا غَلَبَكَ أمْرٌ فَقُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ ونِعْمَ الوَكِيلُ ))
لا يجوز أن تقول : حسبي الله ونعم الوكيل ، إلا بعد استنفاذ الجهد ، غير معقول لطالب لا يدرس ويقول : هكذا الله يريد ، هو كتب لي ألا أنجح .
الأستاذ علاء :
لذلك مثلما تفضلت سيدي ، من بداية نزول الدعوة ، ونزول القرآن على النبي عليه الصلاة والسلام إلى انتقاله للرفيق الأعلى ، ثم إلى الصدر الأول من الإسلام ، إلى الخلافتين ، لن نشاهد هذا الفكر ، أو هذا المنهج له وجود ، وإنما كان العمل .
الدكتور راتب :
لابد من الحركة والعمل :
العالم الغربي يعمل ليلاً نهاراً في الظلام ، والمسلمون نائمون في ضوء الشمس ، وهناك إحصاءات مخيفة ، الإنسان في دولة متخلفة يعمل في النهار ثلاثين دقيقة فقط ، 27 دقيقة بالضبط ، وهذه إحصاءات رسمية ، يقسمون الدخل القومي على أفراد المجتمع فيصبح ثلاثين دقيقة ، وفي بعض البلاد يعمل الإنسانُ ثماني ساعات ، أمة تعمل لا يمكن أن تسوى عند الله بأمة لا تعمل ، فنحن العمل جزء من حياتنا .
سيدنا رسول الله أمسك بيد عبد الله بن مسعود ، وكانت خشنة قال :
(( إن هذه اليد يحبها الله ورسوله ))
خشنة من العمل .
ورأى شابًا يعبد الله في وقت العمل ، فقال له : مَن يطعمك ؟ قال له : أخي ، قال له : أخوك أعبد منك .
هذا الدين دين عمل ، دين تفوق ، دين تجد فيه الصناعي الكبير ، والمزارع عنده مزارع ضخمة ، يقدم للأمة حاجاتها ، نستغني عن الاستيراد ، نريد مواطنين قمما في الصناعة ، في التجارة ، في الزراعة ، هيئوا فرص عمل للناس .
أنا بصراحة لي مقولة لعلها لا ترضي : نحن الآن في وقت إن لم تكن متفوقاً في دنياك لا يحترم دينك ، يجب أن تكون الطبيب الأول ، المهندس الأول ، المدرس الأول ، بالضبط والدقة والتفوق ، وأنت تصلي الآن تحترم صلاتك ، هذا من دون دليل ، لكن أنا هذا شعوري ، نحن في عصر إن لم تكن متفوقاً في اختصاصك ، تقدم للأمة شيئًا ثمين جداً ، تحل مشكلات أمة ، حاملا همّ المؤمنين ، حاملا همّ الناس ، وحياتُك مبنية على العطاء لا على الأخذ ، أنت بقلوب المئات من إحسانك ، إن فعلت هذا الآن فإنه يحترم إلى أعلى درجة تدينك وعبادتك .
الأستاذ علاء :
هذا يسوقني إلى المثال الذي نعرفه في التاريخ إندونيسيا ، وماليزيا وجنوب شرق آسيا التي فيها أكثر العالم الإسلامي هنالك ، لم يدخلها فاتح فارس ، أو جيش ، وإنما بعمل وأخلاق التجار الذين دخلوا .
الدكتور راتب :
الدعوة الصامتةُ :
نحن الآن بحاجة إلى ما يسمى بالدعوة الصامتة ، اسكت ، وليكن عملك دعوة ، وإتقان عملك دعوة ، الصدق دعوة ، الأمانة دعوة ، العفة دعوة ، حب الخير دعوة لله عز وجل ، الآن نحن لا نريد دعاة فصحاء ، نريد دعاة عاملين ، مطبقين لمنهج الله عز وجل كيف أن الكون قرآن صامت ، وكيف أن قرآن كون ناطق ، وكيف أن النبي عليه الصلاة والسلام قرآن يمشي ، نحن نريد مسلما يمشي ، مسلما ملء السمع والبصر ، المسلم شخصية فذة ، مرتبة علمية ، مرتبة أخلاقية ، مرتبة جمالية ، لما يكون المسلم متفوق باختصاصه منضبط بأخلاقه ، نير بأفكاره ، عنده قيم واضحة جداً ، يفترق عن غير المؤمن بشيء صارخ ، لا بالصلاة فقط يفترق ، إذا حدث فهو صادق ، إذا عومل فهو أمين ، إذا ائتمن فهو عفيف ، هذا المسلم يمكن أن يكون منار دعوة ، وهو صامت .
آيات الهداية :
هناك نقطة دقيقة ، حينما تحدثنا على من يعود فعل يشاء ، الآن عندنا آيات قطعية الدلالة ، يقول الله عز وجل :
﴿ ذَلِكَ هُدَى اللّهِ يَهْدِي بِهِ مَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ ﴾
واضح مثل الشمس .
﴿ ذَلِكَ هُدَى اللّهِ يَهْدِي بِهِ مَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ وَلَوْ أَشْرَكُواْ لَحَبِطَ عَنْهُم مَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ ﴾
آية ثانية فيها ملمح لطيف :
﴿ يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَن يَشَاء ﴾
تتمة الآية تنبئ أن( يشاء )تعود على العبد .
﴿ وَاللّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ ﴾
لكل الخلق ، هذه الرحمة لكل الخلق ،
﴿ يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَن يَشَاء وَاللّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ ﴾
الإنسان لا حجة له .
أنا أتمنى مرة ثانية على الإخوة المشاهدين أن ينتبهوا ، أنت مخير ، وأعمالك من كسبك ، وأنت محاسب عنها ، ولكنك ترتاح لما تعزو كل شيء للقضاء والقدر ، هذه واللهِ بضائع الحمقى ، بضائع الكسالى ، لأنه يقول : أنا هكذا قدّر الله علي ، تحرك .
مرة ذكرت قصة ، أن إنسانًا أرسل ابنه إلى الأزهر ، ورجع خطيب مسجد ، فأول خطبة يخطبها أمام أبيه بالقرية بكى الأب ، بكى بكاء شديدا ، توهم الناس أنه بكى فرحًا بابنه الخطيب العالم ، والحقيقة عكس ذلك ، بكى تأسفاً على نفسه ، كيف أمضى هذا العمر بالجهل ، عمره 55 سنة ، القصة من الممكن أن تصدق ، لأن الراوي صادق ، أما هي فصعب تصديقها ، ركب دابته من صعيد مصر إلى القاهرة شهرا حتى وصل ، سأل : أين الأزعر ؟ لم يعرف اسمه ، دُل على الأزهر ، وتعلم القراءة والكتابة ، وقرأ القرآن ، وما مات إلا وهو شيخ الأزهر في الـ96 .
الله تعالى لا يتعامل بالتمنيات :
إن القرار الذي يتخذه الإنسان في شأن مصيره قلّما تنقضه الأيام ، إذا كان صادراً حقاً عن إرادة وإيمان ، واللهُ عز وجل لا يتعامل مع التمنيات .
﴿ لَّيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَن يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ ﴾
الله يتعامل مع الصدق .
﴿ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ ﴾
فالإنسان إذا صدق ، أنا أرى أن علاقة العبد بربه مبنية أن العبد إذا شاء الخير الله يشاء له الخير .
الأستاذ علاء :
لذلك قال أهل العقيدة : إن مشيئة الله مقترنة بمشيئة عبده .
الدكتور راتب :
هذا الكلام رائع ، لكن له آية :
﴿ وَمَا تَشَاؤُونَ إِلَّا أَن يَشَاء اللَّهُ ﴾
ما تشاءون إلا أن يشاء الله تنفيذاً لمشيئته .
الأستاذ علاء :
إذاً مشيئة الله لا تقف أمامنا .
الدكتور راتب :
مشيئة الله لا تقف عائقا أمام مشيئة العبد :
أبداً ، بالعكس ، الأب هدفه الأول أن يكون أولاده علماء كبار ، يمنهم من المدرسة ؟ مستحيل .
الأستاذ علاء :
سيدي الكريم الآن قلت ، ومررنا على ،
﴿ لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ ﴾
ومررنا على
﴿ يَهْدِي مَن يَشَاء ﴾
ومررت على ملمح أن الذين قالوا : إن الإسلام انتقل بالسيف ، انتقل بالقوة ، انتقل بالعنف ، انتقل بالقسوة ، بالقسر ، وكل فترة وفترة يخرج لنا من هنا وهناك إلى مقالات إلى محاضرات ـ ما ضر السحاب نبح الكلاب ـ لكن هنالك واقع نعيشه ، وهنالك منهج سار عليه أتباع هذا الدين ، وهذا المنهج فعلاً ،
﴿ لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ ﴾
والذين دخلوا في الإسلام دخلوا طواعية ، وحباً كما تفضلت من العمل الصالح دخلوا في الإسلام ، ومن العدل دخلوا في الإسلام ، ومن حالات تناسب الفطرة دخلوا في الإسلام ، أن البلاد التي فتها وجاءها المسلمون بقي بها الديانات الأخرى ، ولم يكرهوا على الدخول ، وإنما كانوا إتماماً للوحة الجميلة .
الدكتور راتب :
الإسلام دين وسطي يقبل بالطرف الآخر :
الحقيقة أن الإسلام دين العصر ، دين الوسطية ، دين قبول الآخر ، دين التسامح دين السلامة ، دين السعادة ، هذا الشيء بديهي عند المسلمين ، لكن نتمنى الطرف الآخر أن ينتبهوا لهذه الحقائق .
الأستاذ علاء :
سيدي الكريم ، الآن يبدو لي أنّ وقت الفقرة العلمية حان الآن ، كنا نود أن نتبين في هذه الحلقة مسألة هامة هي التخيير بين المغفرة ، والعقاب لكن في الحلقة القادمة إن شاء الله سنوسع لها وقتاً كافياً ، ماذا اخترت لنا ؟ .
الدكتور راتب :
الموضوع العلمي : الرحمة والحنان عند الطيور :
الأستاذ علاء :
الكونُ مجموعة من دروسٍ :
والكون عبارة عن مجموعة دروس ، لا نجد فيه فطوراً وشقوقًا .
﴿ فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرَى مِن فُطُورٍ {3} ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ يَنقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خَاسِئًا وَهُوَ حَسِيرٌ {4} ﴾
خاتمة وتوديع :
لا يسعني إلا أن أشكر فضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي أستاذ الإعجاز العلمي في القرآن والسنة في كليات الشريعة وأصول الدين بدمشق .
شكراً سيدي الأستاذ ، نكمل الموضوع إن شاء الله في الحلقة القادمة إن شاء الله .