- أحاديث رمضان
- /
- ٠18رمضان 1435 هـ - خواطر إيمانية
بسم الله الرحمن الرحيم ، الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيّدنا محمّد ، وعلى آل بيته الطيّبين الطاهرين ، وعلى صحابته الغر الميامين ، أمناء دعوته ، وقادة ألوِيَتِه ، وارضَ عنّا وعنهم يا ربّ العالمين ، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم ، ومن وُحول الشهوات إلى جنّات القربات .
كلمة رجل في القرآن والسنة لا تعني أنه ذكر تعني أنه بطل :
أيها الأخوة الكرام ، قبل أن أقرأ الحديث الشريف حديث اليوم ، هناك مقولة دقيقة تلقي ضوءاً على بعض كلمات هذا الحديث ، كل رجل ذكر ، لكن ما كل ذكر رجل ، لماذا ؟ لأن كلمة رجل في القرآن والسنة لا تعني أنه ذكر تعني أنه بطل ، فلذلك سيدنا سعد بن أبي وقاص هذا الصحابي الجليل الذي فداه النبي بأمه وأبيه ولم يفد أحداً من أصحابه إلا سعد بن أبي وقاص ، في المعركة قال له :
(( ارْمِ سَعْدٌ فِدَاكَ أَبِي وَأُمّي ))
وما دخل سعد على رسول الله إلا قال عليه الصلاة والسلام :
(( هذا خالي، فَلْيُرِنِي امرُؤٌ خالَه ))
له مكانة كبيرة جداً ، لكن كتعليق سريع سيدنا عمر يقول له بعد انتقال النبي إلى الرفيق الأعلى : " يا سعد لا يغرَّنك أنه قد قيل خال رسول الله ، فالخلق كلُّهم عند الله سواسية ، ليس بينه وبينهم قرابةٌ إلا طاعتهم له "
﴿ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ﴾
هذا الصحابي الجليل الذي قال عنه النبي الكريم :
(( هذا خالي، فَلْيُرِنِي امرُؤٌ خالَه ))
هذا الصحابي يقول : " ثلاثة أنا فيهن رجل ، وفيما سوى ذلك أنا واحد من الناس ، ما صليت صلاةً وشغلت نفسي حتى أقضيها ، ولا سرت في جنازة فحدثت نفسي بغير ما تقول حتى أنصرف منها "
هناك ملمح دقيق إذا إنسان مشى وراء جنازة هذه الجنازة تقول له : - هذا يسمونه لسان الحال - كبير ، صغير ، غني مليونير ، يحتل منصباً رفيعاً جداً ، الآن في النعش ، يقال لهذا الميت : أن عبدي رجعوا وتركوك ، وفي التراب دفنوك ، ولو بقوا معك ما نفعوك ، ولم يبقَ لك إلا أنا ، وأنا الحي الذي لا يموت .
هذا الصحابي الجليل يقول : " ثلاثة أنا فيهن رجل ، وفيما سوى ذلك أنا واحد من الناس ، ما صليت صلاةً وشغلت نفسي حتى أقضيها ، ولا سرت في جنازة فحدثت نفسي بغير ما تقول حتى أنصرف منها - الشاهد بالثالثة - وما سمعت حديثاً من رسول الله حتى علمت أنه حق من الله تعالى ".
الدعوة إلى الله فرض عين على كل مسلم :
حديث اليوم :
(( فَوَ اللَّهِ لَأَنْ يُهْدَى بِكَ رَجُلٌ وَاحِدٌ خَيْرٌ لَكَ مِنْ حُمْرِ النَّعَمِ ))
و :
(( خير له مما طلعت عليه الشمس ))
و :
(( خير لك من الدنيا وما فيها ))
إذا سمح الله لك أن تكون سبباً في هداية إنسان واحد خير لك من الدنيا وما فيها، في الدنيا أموال طائلة ، شركات عملاقة ، أموال لا يعلمها إلا الله ، أماكن جميلة ، قصور ، مزارع ، خير لك من الدنيا وما فيها ، طبعاً حمر النعم الناقة الحمراء وهي من أغلى الأنواع في العالم العربي قبل الإسلامي ، أغلى شيء وأثمن مال الناقة الحمراء ، سماها النبي حمر النعم ، خير لك من الدنيا وما فيها ، وخير لك مما طلعت عليه الشمس ، تبين من هذا الحديث أن الدعوة إلى الله - وهذا الكلام دقيق - وأنا قبل أن أذكره لو سألت أخاً كريماً لماذا تصلي ؟ الجواب بديهي لأن الصلاة فرض ، هذا كلام صحيح لكن هل تصدقون أن الدعوة إلى الله فرض عين ، على كل واحد ، لكن يقول لك : أنا لست دارساً ، أنت ما سمعت الحديث الشريف اليوم، ما سمعت تفسير آية ، لم أصلِّ وراء إمام وأتأثر بقراءته ؟ هذا الذي تأثرت به فقط انقله للآخرين:
(( بلغوا عني ولو آية ))
أحياناً إنسان يحضر مجلس علم ويأتي إلى البيت والزوجة جالسة والأولاد والأصهار، اعمل ملخصاً بما سمعت تكون قد نقلت للآخرين ما سمعت :
(( بلغوا عني ولو آية ))
الدعوة إلى الله - والكلام دقيق جداً- في حدود ما تعلم ومع من تعرف فقط فرض عين ، ترتقي الدعوة إلى الله إلى أن تكون فرضاً ، وكل واحد من أخواننا الكرام يسمع خطبة جمعة ، يتابع ندوة على الشاشة ، ندوة فيها علماء وفيها أدلة وآيات وأحاديث ، فإذا أنت تأثرت بشرح ، بتفسير ، بآية ، بلمحة ، بموقف صحابي جليل ، كتبته على دفتر صغير ، جالس مع أولادك ، وأصهارك ، مع شركائك بالعمل ، في سهرة أسبوعية ، هذا الكلام الذي سمعته انقله هذا معنى قول النبي :
(( بلغوا عني ولو آية ))
وهذا معنى الدعوة إلى الله فرض عين على كل مسلم .
أدلة على أن الدعوة إلى الله فرض عين :
نريد أدلة دقيقة ، أنا أقول إن الدعوة إلى الله فرض عين ، أنا أقول كلمة وهي نصيحة لا تقبل شيئاً من دون دليل ، ولا ترفض شيئاً من دون دليل ، ولولا الدليل لقال من شاء ما شاء ، إن هذا العلم دين فانظروا عمن تأخذون دينكم ، ابن عمر دينك ، دينك ، إنه لحمك ودمك ، خذ عن الذين استقاموا ، ولا تأخذ عن الذين مالوا .
الآية كفرض عين :
﴿ قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ ﴾
الذي لا يدعو إلى الله على بصيرة من خلال هذه الآية الواضحة الصريحة القاطعة الجامعة ليس متبعاً لرسول الله ، والآية تقول :
﴿ قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي ﴾
أنا أقول : الدعوة فرض عين في حدود ما تعلم فقط ومع من تعرف ، ما كلفت أن تصعد منبراً ، وأن تلقي خطبة ، أنت قاعد مع بناتك ، مع أصهارك ، مع شركائك بسهرة أسبوعية ، سمعت من الخطيب ملمحاً لطيفاً بآية ، سمعت قصة مؤثرة اروها ، أنا أذكر أحد علماء الشام توفي رحمه الله ذكر قصة جامع من جوامع دمشق العريقة ، صعد الخطيب المنبر وقد رأى رسول الله في المنام ، هو خطيب ودارس وقرآن وتجويد وشريعة وأدلة له جار بقال يبيع الخضر و الفواكه ، رأى رسول الله في المنام ، قال له النبي في الرؤيا : قل لجارك فلان إنه رفيقي في الجنة ، هذا الخطيب والإمام دارس ومتعلم وداعية والبشارة لهذا البقال من رسول الله ، هو في الحقيقة استغرب لكن هذه أمانة ، طرق بابه ، قال له : لك عندي بشارة من رسول الله ، لن أقولها لك إلا إذا أخبرتني ماذا فعلت مع ربك ؟ فامتنع ، فبعد إلحاح شديد شديد ، ذكر له قال له : تزوجت إنسانة ، بالشهر الخامس من زواجي كان حملها في الشهر التاسع - فهمكم كفاية - قال له : بإمكاني أن أسحقها ، وأن أفضحها ، وأن أطلقها، والشرع معي، وأهلها معي ، وأهلي معي ، والمجتمع معي، والقانون معي ، لكن أردت أن أعينها على التوبة ، ولدت ، حمل الجنين المولود تحت عباءته ، وتوجه إلى جامع الورد بحي سوق ساروجة في الشام ، وبقي واقفاً أمام الباب حتى نوى الإمام الصلاة ، قال : الله أكبر ، دخل ووضعه وراء الباب والتحق بالمصلين ، فلما انتهت الصلاة بكى هذا الصغير ، تحلق المصلون حوله ، وتأخر هو حتى يكتمل تحلق المصلين حوله ، ثم اقترب ، قال : ما القصة ؟ قال : تعال انظر ! جنين مولود لقيط ، قال : أنا أكفله ، فأخذه ، ودفعه إلى أمه من أجل أن تربيه وسترها .
أنا أقول دائماً لا تظن البطولة دائماً بالعدل ، البطولة بالإحسان إن الله عز وجل يقول :
﴿ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ ﴾
لو طلقها عدل ، أو فضحها عدل ، لكن الله أمره بالإحسان فرد هذا الابن إلى أمه وهو عند أهل الحي هذا ابن لقيط وهو كفله ، لذلك قال له النبي في الرؤيا : قل لجارك فلان إنه رفيقي في الجنة .
هناك أعمال عظيمة جداً لا يندفع الإنسان اندفاعاً أعمى لعمل شيء عنيف قبل أن يفكر ، هو لو فضحها انتهت ، وقد تنتهي حياتها كمومس ، ممكن ، يئست ، أما هو سترها فأبواب الخير مفتوحة بشكل كبير .
هذا الصحابي يقول : " ثلاثة أنا فيهن رجل ، وفيما سوى ذلك أنا واحد من الناس ، ما صليت صلاةً وشغلت نفسي حتى أقضيها ، ولا سرت في جنازة فحدثت نفسي بغير ما تقول حتى أنصرف منها ، وما سمعت حديثاً من رسول الله حتى علمت أنه حق من الله تعالى" .
الدعوة إلى الله في حدود ما تعلم ومع من تعرف فقط ، لكنها فرض كفاية إذا قام بها البعض سقطت عن الكل ، هذه تحتاج إلى تبحر وتعمق وتفرغ ، هذا شأن الدعاة إلى الله ، هناك إنسان داعية في موضوع صغير فرض عين ، أما أن تختص في الشريعة ، تحمل دكتوراه، يكون عملك دعوة إلى الله ، فهذا فرض كفاية إذا قام به البعض سقط عن الكل .
القدوة قبل الدعوة :
لكن بالمناسبة هناك بعض الحقائق إن شاء الله نتابعها في وقت آخر لكن من هذه الحقائق
- هذا الكلام موجه للآباء والأمهات والأساتذة في كل مراحل التعليم وإلى القادة - القدوة قبل الدعوة ، أن تكون مستقيماً وصادقاً وأميناً أبلغ من ألف محاضرة في الصدق والأمانة والاستقامة ، أن تكون أنت صادقاً ، أحياناً الأب لا يتكلم ولا كلمة لأن الأب صادق والابن ما سمع كلمة فاحشة في البيت ، ولا سباباً منحطاً ، ولا شاهد مواقف عنيفة ، شاهد أباً هادئاً وأباً عاقلاً وأباً محترماً وأباً رحيماً ، السلوك أحياناً دعوة ، الأمانة وحدها دعوة ، والصدق دعوة، والعفة دعوة ، فلذلك سيدنا جعفر وقف أمام النجاشي قال له حدثني عن الإسلام ؟ قال له :
(( أيها الملك كنا قوماً أهل جاهلية ، نعبد الأصنام ، ونأكل الميتة ، ونأتي الفواحش ، ونقطع الأرحام ، ونسيء الجوار ، ويأكل القوي منا الضعيف ، فكنا على ذلك ، حتى بعث الله إلينا رسولاً منا نعرف نسبه ، وصدقه ، وأمانته ، وعفافه ....))
أربع كلمات إن حدثك فهو صادق ، وإن عاملك فهو أمين ، وإن استثيرت شهوته فهو عفيف ، وفوق كل شيء النسب تاج يوضع على رأس المؤمن .
(( ... فدعانا إلى الله لتوحيده ، ولنعبده ، ونخلع ما كنا نعبد نحن وآباؤنا من دونه من الحجارة والأوثان - العبادة التعاملية ...- وأمرنا بصدق الحديث، وأداء الأمانة ، وصلة الرحم ، وحسن الجوار ، والكف عن المحارم والدماء ))
هذه الكلمات العبادة التعاملية ، والعبادة الشعائرية الصوم ، والحج ، والزكاة.
العبادات الشعائرية لا تقبل إلا إذا صحت العبادة التعاملية :
بكلام بليغ وسريع : العبادات الشعائرية لا تقطف ثمارها أو لا تقبل إلا إذا صحت العبادة التعاملية :
(( لَأَعْلَمَنَّ أَقْوَامًا مِنْ أُمَّتِي يَأْتُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِحَسَنَاتٍ أَمْثَالِ جِبَالِ تِهَامَةَ بِيضًا، فَيَجْعَلُهَا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ هَبَاءً مَنْثُورًا، قَالَ ثَوْبَانُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ، صِفْهُمْ لَنَا، جَلِّهِمْ لَنَا أَنْ لَا نَكُونَ مِنْهُمْ، وَنَحْنُ لَا نَعْلَمُ، قَالَ : أَمَا إِنَّهُمْ إِخْوَانُكُمْ، وَمِنْ جِلْدَتِكُمْ، وَيَأْخُذُونَ مِنْ اللَّيْلِ كَمَا تَأْخُذُونَ، وَلَكِنَّهُمْ أَقْوَامٌ إِذَا خَلَوْا بِمَحَارِمِ اللَّهِ انْتَهَكُوهَا ))
هذه الصلاة .
(( مَن لم يَدَعْ قولَ الزُّورِ والعمَلَ بِهِ، فَليسَ للهِ حاجة فِي أَن يَدَعَ طَعَامَهُ وشَرَابَهُ))
وهذا الصيام ، بقي الحج :
(( من حج بمال حرام فقال : لبيك اللهم لبيك ، قال الله له : لا لبيك ولا سعديك حجك مردود عليك ))
بقي الزكاة :
﴿ قُلْ أَنْفِقُوا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً لَنْ يُتَقَبَّلَ مِنْكُمْ إِنَّكُمْ كُنْتُمْ قَوْماً فَاسِقِينَ ﴾
العبادة الشعائرية الصوم والحج والزكاة و النطق بالشهادة ، هذه لا تقطف ثمارها إلا إذا صحت العبادة التعاملية .