وضع داكن
23-11-2024
Logo
مدارج السالكين - الدرس : 059 - الحياة - 1 متى يكون الإنسان حيا ومتى يكون ميتا؟
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

منزلة الحياة :


الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علَّمتنا إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علِّمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علَّمتنا وزدنا علماً، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتِّباعَه، وأرنا الباطلَ باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القولَ فيتَّبعون أحسنَه، وأدخلني برحمتك في عبادك الصالحين.

 

الآيات الدالة على هذه المنزلة .


أيها الإخوة  الكرام ؛ مع الدرس التاسع والخمسين من دروس مدارج السالكين, في منازل إياك نعبد وإياك نستعين، والمنزلة اليوم: منزلة الحياة . 

الآية الأولى :

استنباطًا من قوله تعالى: 

﴿ أَوَمَنْ كَانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْكَافِرِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (122)﴾

[ سورة الأنعام ]

الضالُّ ميِّت, والشارد ميِّت, والعاصي ميِّت، والفاسق ميِّت, والمشرك ميِّت, والكافر ميِّت, والمنحرف ميِّت، قال تعالى: ( أَوَمَنْ كَانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا ) .

أيها الإخوة الكرام ؛ كيف أن الجسم من دون روحٍ تسري في خلاياه, فالعين بالروح ترى, ودون الروح تُلقى في القمامة، واللسان ينطق، والأذن تسمع, والأنف يشمُّ، والجلد يحسُّ ، وهذا الجسم يقوم بأعقد العمليات بالروح، فلو قُطِعت عنه الروحُ لكان جثَّة هامدةً، لا تساوي شيئاً، ولو عصرنا الجسمَ لكان: سبعين بالمائة منه ماء, فالذي وزنه مثلاً مئة كيلو، سبعون كيلو منه ماء، وثلاثون كيلو من مواد مختلفة من الحديد الذي هو بمقدار مسمارٌ صغير, ومن الكِلس الذي في عظامه يُطلَى كوخ دجاجٍ صغير أبيض، يُصنع من بعض المعادن قلمُ رصاص. مثلاً: 

الإنسان مادَّة دون روح لا يساوي خمساً وعشرين ليرة سورية، أما بالروح مثلاً: يصير قائداً كبيراً، وعالماً كبيراً, ومصلِحاً كبيراً، فالإنسان بالروح، كما أن الروح حياة الجسم, كذلك معرفة الله, وطاعته, والاتصال به, وذكره, والإقبال عليه, والتوكُّل عليه روحُ النفس، هناك نفس ميِّتة، ميِّتـة بكلِّ معنى الكلمة، يبحث عن طعام وشراب وامرأة فقط, ينام كالدابَّة, ويستيقظ كالدابة، ويتثاءب كالدابة، يبحث عن طعام وشراب من أيِّ طريق، له أو لغيره، يأخذ ما له وما ليس له.

أحياناً: لا أجد كلمةً معبِّرة عن إنسان شارد تائهٍ منحرفٍ ضالٍّ مضلٍّ فظٍّ غليظٍ شهوانيٍّ أنانيٍّ, لا أجد لمثل هذا النموذج من وصف يروي الغليل أدنى من كل وصف، هذا هو موت الإنسان، أما حينما ترِقُّ حاشيتُه, تلطف نفسُه, يتواضع لله عز وجل, ويرحم الآخرين, يتعرَّف إلى الله, ويعرِّف بالله عز وجل, صار حيًّا، قال تعالى:( أَوَمَنْ كَانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا )   

الآية الثانية :

﴿ إِنَّكَ لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَى وَلَا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاءَ إِذَا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ (80)﴾

[  سورة النمل ]  

الآية الثالثة :

هذا الميت المقبور بشهواته ، إن بعض العلماء يرى أن قوله تعالى: 

﴿ وَمَا يَسْتَوِي الْأَحْيَاءُ وَلَا الْأَمْوَاتُ إِنَّ اللَّهَ يُسْمِعُ مَنْ يَشَاءُ وَمَا أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ (22)﴾

[ سورة فاطر ]

هؤلاء المقبورون في شهواتهم، إنسان مقبور بامرأة، إنسان مقبور بالدرهم والدينار، إنسان مقبور بالمخدِّرات، وإنسان مقبور بالخمور، وإنسان مقبور بشهوات الدنيا، إنسان همُّه بطنُه، وإنسان همُّه فرجُه، إنسان همُّه أناقتُه، وإنسان همُّه أن يعيش بملذَّاته السخيفة، هذا مقبور, قال تعالى:( وَمَا أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ ) .

قال تعالى:

﴿ أَمْوَاتٌ غَيْرُ أَحْيَاءٍ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ (21)﴾

[ سورة النحل ]

قال تعالى: ( أَوَمَنْ كَانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا )

ليس من مات فاستراح بميتٍ    إنـمـا الـمـيت مـيـتُ الأحـيـاءِ

يا بنيَّ, مات خزَّانُ المال وهم أحياء , -في أوْج حياتهم, نبضُهم سبعون, ضغطهم 8-12، تحليل دمهم كلُّه طبيعي، ومع ذلك هم عند الله أموات-.

مات خزَّان المال وهم أحياء، والعلماء باقون ما بقي الدهر، أعيانُهم مفقودة وأمثالُهم في القلوب موجودة.

مرَّةً أردتُ أن أداعب طلابي في مسألة، وقلتُ لهم: من يأتي باسم غنيِّ عاش في دمشق عامَ 1865 وله علامة تامَّة؟ الطلاب فكَّروا فكَّروا فكَّروا، فقلت لهم: وأنا مثلكم لا أعرف، لكن من منكم لا يذكر اسمَ صلاح الدين الأيُّوبي، الشافعيَ, أبا حنيفة، مثلاً عمر بن الخطَّاب، خالد بن الوليد، القادة العِظام، العلماء الأعلام, والمصلحون الكبار، هؤلاء الذين غيَّروا مجرى التاريخ, هؤلاء الذين تركوا بصماتِهم في الحياة، من منَّا لا يذكرهم؟ . 

مات خزَّانُ المال وهم أحياء.  

الآية الرابعة :

الآن أدلَّة أقوى، طبعاً أولُ دليل:( أَوَمَنْ كَانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا ) ثاني دليل:( إِنَّكَ لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَى وَلَا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاءَ إِذَا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ ) ثالث دليل: ( وَمَا أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ ) الدليل الرابع، قال تعالى:

﴿ وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُوراً نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (52)﴾

[ سورة الشورى ]

هذا الوحيُ فيه حياة القلوب, الروح التي تعارفنا على أنها قوةٌ تمدُّ الإنسانَ بالحياة و الحركة، الروح حياة الأبدان والقرآن حياة القلوب، قال تعالى: ( وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنَا ) . الوحيُ روح ، والآن يمكن أن نقول: 

 

الناسُ رجلان : ميِّت وحيٌّ .


1- الذي عرف اللهَ حيٌّ, والذي استقام على أمره حيٌّ، والذي عمل الصالحاتِ تقرُّباً إليه حيٌّ، والذي أقبل عليه حيٌّ . 

2- والذي غفل عن الله ميِّت، والذي عصى اللهَ ميِّت، والذي أساء لخلقه ميَّت .

حيٌّ وميِّت, موصول ومقطوع، مقبل ومدبِر، محسن ومسيء، منضبط ومتفلِّت، سعيد وشقيٌّ, وهذا هو التقسيم الحقيقي، هذا التقسيم الواقعي.

أحياناً يقال لك: بين بلجيكا فرضًا وفرنسا الخطُّ الحدودي, لو أن قريةً يمرُّ خطُّ الحدود في وسطها، ما الفرق بين واحد بيتُه في القسم التابع لفرنسا، وإنسان بيتُه في القسم التابع لبلجيكا؟ التقسيم مصطنع: بلدةٌ واحدة, وعاداتها وتقاليدها, وجوّها الطبيعي وطقسها, وماؤها و أمطارها, وصناعتها وزراعتها, وثقافتها واحدة، ولكن بحسب القوانين: هذا بلجيكي وهذا فرنسي، فهذا التقسيم مفتعَل، أما التقسيم الحقيقي: مؤمن وكافر، مستقيم ومنحرف, وصادق و كاذب، محسن ومسيء, وسعيد وشقيّ، هذا التقسيم الحقيقي، فكما أن الروح حياة الأجسام,  كذلك الإيمانُ حياة القلوب ، آيةٌ ثانية، قال تعالى:

﴿ يُنَزِّلُ الْمَلَائِكَةَ بِالرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ أَنْ أَنْذِرُوا أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاتَّقُونِ (2)﴾

[ سورة النحل ]

الروح مرة ثانية، وآية ثالثة: قال تعالى:

﴿ رَفِيعُ الدَّرَجَاتِ ذُو الْعَرْشِ يُلْقِي الرُّوحَ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ لِيُنْذِرَ يَوْمَ التَّلَاقِ (15)﴾

[ سورة غافر ]

فالوحيُ حياة النفس، والروح حياة الجسم، صار الوحيُ روحُ النفس وروح القلب, وطبعاً هناك أدلة كثيرة، انظُر إلى وردة صناعية لا روح لها، انظُر إلى وردة طبيعية، بوْنٌ شاسع وفرق كبير بين وردة طبيعية تفوح منها الرائحة تحسُّ أنك قريب منها، أما الوردة الصناعية لا تحسُّ بهذا الميل إليها، لأنها عديمة الروح.

 

الحياة الطيِّبة هي حياة الروح .


الآن ندخل في آية مهمَّة جدًّا، قال تعالى:

﴿ مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (97)﴾

[ سورة النحل ]

أولُ مغالطة: قد يفهم بعضُ ضعاف الإيمان: أن الذي يؤمن بالله, ويعمل عملاً صالحاً, يحييه اللهُ حياة طيِّبة؛ أيْ يجعله غنيًّا، ويجعله قويًّا، و يجعله صحيحاً، لا، كلُّ إنسان له ظروف وله معطيات قدَّرها اللهُ بحكمةٍ بالغة، ولكن الحياة الطيِّبة التي وُعد بها المؤمنون حياة الروح المطمئنة.

والشيء الذي يلفت النظرَ: حينما يخاف الناسُ المؤمن لا يخاف, وحينما يحقد الناسُ المؤمن لا يحقد، وحينما تضعف معنويات الناس المؤمن لا تضعف معنوياتُه، وحينما ييأس الناسُ المؤمن لا ييأس, هذه حياة الروح، وحينما يفتقر الناسُ ويندبون حظَّهم المؤمن يصبر، و حينما يغتني الناسُ ويتغطرسون المؤمن يتواضع، وحينما ينجب الناسُ أولاداً يربُّونهم تربيةً لا ترضي اللهَ، المؤمن ينشِئ ابنه على طاعة الله، فقضية حياة الروح ميِّتٌ وحيٌّ، بأدقِّ ما في هذه الكلمة من معنى ميِّت وحيٌّ: أيْ إنسان متَّصل بالله حيٌّ، ومقطوع ميِّتٌ، أيْ ميِّت تشمئزُّ منه ويشمئزُّ منك، قياسه مادي، فإذا رآك ذا دخلٍ محدود وضَعك خارج الاهتمام، هو بدخله الكبير لا يُحتمَل ولا يحتمِل، يَعاف ويُعاف، هذا المنحرف، أما المؤمن يَألَف ويُؤلَف، يحبُّ ويحَبُّ, ليِّنُ العريكة، متواضع، عنده حياءٌ، واقتبس من كمال الله كمالاً، واشتقَّ من الكمال الإلهي الذي أرادنا اللهُ أن نتخلَّق به كمالاً.

يا إخوان؛ مستحيل في عالَم الأغنام تجد غنمة ثمنُها مليون ضعف عن غنمة ثانية، أغلى غنمة ستَّة آلاف، وأرخص واحدة ألفان، الفرق ثلاثة أضعف، أما في عالم الإنسان: ممكن إنسان تكون مكانتُه تزيد عن إنسان مليار ضعف.

(( عَنْ سَهْلٍ قَالَ: مَرَّ رَجُلٌ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: مَا تَقُولُونَ فِي هَذَا؟ قَالُوا: حَرِيٌّ إِنْ خَطَبَ أَنْ يُنْكَحَ, وَإِنْ شَفَعَ أَنْ يُشَفَّعَ, وَإِنْ قَالَ أَنْ يُسْتَمَعَ, قَالَ: ثُمَّ سَكَتَ, فَمَرَّ رَجُلٌ مِنْ فُقَرَاءِ الْمُسْلِمِينَ, فَقَالَ: مَا تَقُولُونَ فِي هَذَا؟ قَالُوا: حَرِيٌّ إِنْ خَطَبَ أَنْ لا يُنْكَحَ, وَإِنْ شَفَعَ أَنْ لا يُشَفَّعَ, وَإِنْ قَالَ أَنْ لا يُسْتَمَعَ, فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: هَذَا خَيْرٌ مِنْ مِلْءِ الأَرْضِ مِثْلَ هَذَا  ))

من مثل هذا الإنسان، الأول يعدل مليار إنسان. 

العلماءُ قالوا: فُسِّرت الحياةُ الطيِّبة: بالقناعة والرضا والرزق الحسن وغير ذلك . 

والصواب: أنها حياة القلب ونعيمُها، وبهجتُه وسروره, والإيمان بالله ومعرفتُه، ومحبَّتُه والإنابة إليه والتوكُّل عليه، فإنه لا حياة أطيب من حياة صاحبها, ولا نعيم فوق نعيمه إلا نعيمُ الجنة.

بعضُ العارفين يقولون: هذه الحياة الطيِّبة، جنُّةُ القربِ، والكافر في جفوة البُعد، في شقاء البعد، والمؤمن في جنة القرب، يقول: إنه لتمرُّ بيَ أوقاتٌ أقول فيها: إن كان أهلُ الجنة في مثل هذا, إنهم لفي عيشٍ طيِّب.

في الدنيا جنَّة من لم يدخلها لم يدخل جنةَ الآخرة ؛ إنها جنة القرب، قال تعالى:

﴿ وَيُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ عَرَّفَهَا لَهُمْ (6)﴾

[ سورة محمد ]

في الدنيا ، وقال بعضُ العلماء: إنه ليمرُّ بالقلب أوقاتٌ يرقص فيها القلبُ طربًا. 

إنسان صدَق مع الله, وأخلَص له, وأناب إليه, وتاب توبةً نصوحاً، سيمرُّ على قلبه أحوالٌ لا يحلم بها الملوكُ، وقد يكون فقيراً, وقد يكون من عامة الناسِ، وقد يكون في الدرجة الدنيا في السلَّم الاجتماعي، هذه عظمةُ الدين.

المعيشة الضَّنكُ لمن أعرض عن ذكر الله، والحياة الطيِّبة لمن أقبل عليه.

أقسمَ باللهِ أخٌ قال لي: دخلتُ على تاجرٍ في بعض أسواق دمشق الكبرى، قال لي: أنا تاجرٌ أعرف أن حجمه المالي يزيد عن أربعة آلاف مليون، أقسم بالله، قال لي: من كثرةِ ما شكا لي همومَه, ومتاعبَه, وتشاؤمَه, وإحباطاته, وضيقَ نفسه، يكره بيتَه, ويكره أولادَه وزوجته, ولا يوجد بيعٌ، والناسُ لا يتعاملون، قال لي: ما كِدتُ أمشي على قدميَّ بعد أن التقيتُ به، ولحكمةٍ بالغة بالغة أرادها اللهُ عز وجل، قال لي: جاءتني امرأةٌ في محلِّي التجاري, محجَّبة حجاباً كاملاً, تريد مساعدةً -أجرة لبيتٍ-، تريد ألف ليرة، أين أنتِ يا أختي؟ قالت له: في قرية من قرى ريف دمشق, فقال لها: أنا عندي في المساء اجتماعٌ في جمعية خيرية هناك، أعطِي تعليماتٍ لهذه الجمعية أن يساعدوكِ، قال لي: في الاجتماع ذكرتُ لهم أن هناك امرأةً اسمها كذا, وعنوانها كذا تريد مساعدةً، فيُرجى أن تتحقَّقوا من ذلك, وتمدُّوها بهذا المبلغ، فقالوا: قمْ معنا نذهب إليها.

قال: فانطلقنا إلى بيتها، المفاجأة الكبيرة أنَّ البيتَ تحت درَجٍ مع فسحةٍ بسيطة، المنطقةُ العالية فيها غرفة، ومنطقة الزاوية الضيِّقة للمطبخ والمنافع، وهناك ساحة ضيِّقة، هذا البيتُ أجرتُه ألفُ ليرة في الشَّهر، في قرية من قرى ريف دمشق غربًا، قال: دخلنا بيتاً نظيفاً، وزوجها مريض مستلقٍ على سرير, والأولاد في وضع جيِّد جدًّا، ثيابهم نظيفة ويضحكون و يلعبون، وجدنا هذا البيت كأنه قطعة من الجنة، قال: لهذه الأخت الكريمة نعطيكم ألفين في الشهر، قالت له: لا ألف فقط، لسنا في حاجة إلى ألفين، معاشُ زوجي يكفي للمصروف، و نحن في حاجة إلى ألف.

قال: وازنتُ بين الذي كنتُ عنده الظهر, وله حجمٌ يزيد عن أربعة آلاف مليون، وبين هذه المرأة الفقيرة المُعدَمة التي تسكن مع زوجها في بيت قميء، وكيف أن هذا البيت قطعة من الجنة؟ قال: عرفتُ أن الله على كل شيء قدير؛ أي قادر أن يعطيك ويشقيك، وقادر على حرمانك وإسعادك، فاطلُب ما عند الله.

إذا الواحد دخل عند صائغ، والصائغ صديقُه، صاحب محل أراد أن يقدم هدية لعامل عنده, فقال: نويتُ أن أهديك قطعة من قطع المحلِّ, اِختَر واحدةً، صاحب المحل مخلص وفهيم ، وذوقه مرتفع، قال العامل: أنت اختر لي, الآن مضطر صاحب المحل أن يقدِّم له أنفسَ قطعة، لأنه قال له: أنت اختَر لي.

(( عَنْ عَائِشَةَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ, أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا أَرَادَ أَمْرًا قَالَ: اللَّهُمَّ خِرْ لِي وَاخْتَرْ لِي ))

[ أخرجه الترمذي في سننه ]

خر لي واختر لي أنت تحبُّني، إذا بِعتَ بيتك, وقبضتَ حقَّه بالتمام والكمال, ووقَّعت العقد, وأفرغتَ في السجل الرسمي، بلغك أن الذي اشترى البيت ألغى حائطاً بين غرفتين، هل تذهب لتختصم معه؟ يقول لك: ما شأنك أنت؟ بعتَ البيت وقبضت ثمنه، يلغي حائطاً, ويلغي غرفة, ويغيِّر مكان الحمَّام, هو حرٌّ، هذا المعنى البسيط اللطيف وسِّعْه في قوله تعالى:

﴿ إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْداً عَلَيْهِ حَقّاً فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (111)﴾

[  سورة التوبة ]

الثمن هو الجنة، فالله عز وجل أراد أن يبعث لك رزقاً وفيراً، تقول: أنا بعتُ  أنا بعت، أراد أن يجعلك بدخل محدود، تقول: أنا بعت، أراد أن يجعل صحَّتك في أعلى مستوى، تقول: أنا بعتُ، أراد أن يسوق إليك مرضًا، تقول: أنا بعت، فإذا أنت بعتَ نفسك لله حقيقةً, فلا تنزعج من شيء ساقه اللهُ إليك, وعلامةُ أنك بِعتَ نفسك بيعةً قطعية لله عزوجل: لا تعترض على حكمه أبداً.

هذا الكلام يجب أن يكون له توضيحٌ: 

أنت فقيرٌ وبإمكانك أن ترفع مستوى دخلك، و بإمكانك أن ترفع مستوى معيشة أولادك، وهناك طرقٌ سالكة، ولم تسلكها فأنت آثم، ابذِل قصارى جهدك وينتهي بك الجهدُ عند هذا الحدِّ، عندئذٍ ارضَ عن الله عز وجل.

يا ربي, هل أنت راضٍ عني؟ فوقع في قلبه: أن يا عبدي, هل أنت راضٍ عني حتى أرضى عنك؟ لقوله تعالى:

﴿ جَزَاؤُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ (8)﴾

[ سورة البينة ]

أن ترضى عن الله، أن ترضى بجسمك، وشكلك, ولونِك, وبشعرك, وبإمكاناتك, وبحرفتك, وبدخلك, وبزوجتك, وأولادك, وبيتك، هذه أشياء كلُّها معطيات صارت ثابتةً.

 

الخلاصة :


أيها الإخوة ؛ هناك دورٌ ثلاثة : دور جمع دار .

دار الدنيا ودار البرزخ ودار الآخرة .

والعلماء قالوا: 

الحياة الطيّبة في دار الدنيا وفي دار البرزخ وفي الدار الآخرة .

والمعيشة الضنك في الدار الدنيا وفي البرزخ وفي الآخرة . 

دار الدنيا سُمِّيت دنيا لأن الحياة في الآخرة حياةٌ عُليا، دار البرزخ ممرٌّ بين الدنيا والآخرة، دار الآخرة دارُ القرار والأبرار, قال تعالى:

﴿ إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ (13)﴾

[ سورة الانفطار ]

مطلقاً، أي في الدنيا وفي البرزخ وفي الآخرة، قال تعالى:

﴿ وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ (14)﴾

[ سورة الانفطار ]

في الدنيا وفي البرزخ وفي الآخرة، والقبر -كما تعلمون- روضة من رياض الجنة أو حفرة من حفر النيران. قال تعالى:

﴿ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ وَلَا يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَلَا ذِلَّةٌ أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (26)﴾

[ سورة يونس ]

وقال تعالى:

﴿ وَقِيلَ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا مَاذَا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ قَالُوا خَيْراً لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ وَلَدَارُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ وَلَنِعْمَ دَارُ الْمُتَّقِينَ (30) ﴾

[  سورة النحل ]

وقال تعالى:

﴿ وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ (201)﴾

[ سورة البقرة ]

قال تعالى:

﴿ وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُمْ مَتَاعاً حَسَناً إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ كَبِيرٍ (3)﴾

[ سورة هود ]

دقِّقْ الآن: ( يُمَتِّعْكُمْ مَتَاعاً حَسَناً إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ ) فذكر الله سبحانه وتعالى ومحبَّتُه وطاعته والإقبال عليه ضامنٌ لأطيب الحياة الدنيا والآخرة, والإعراض عنه والغفلة ومعصيته كفيل بالحياة المنغَّصة والمعيشة الضَّنك في الدنيا والآخرة، ومعنى ذلك: أن يكون قلبُك حيًّا بذكر الله, فأنت في حياة طيِّبة في الدنيا والبرزخ والآخرة، وأن تكون غافلاً عن الله, فأنت في معيشة ضنك في الدنيا والبرزخ والآخرة.

 

والحياة مراتب: حياة القلب وحياة الروح مراتب :


المرتبة الأولى: حياة العلم من موت الجهل، الجاهل ميِت والعالِم حيٌّ، فإن الجهل موتٌ لأصحابه، قال بعضُ الشعراء:

  وفي الجهل قبل الموت موتٌ لأهله      وأجســامهم قبل القبور قبـورُ

وأرواحهم في وحشة من جسومهم      فليس لهم حتــى النشور نشورُ

الجاهل ميِّتُ القلب وإن كان حيَّ البدن، جسدُه قبرٌ يمشي به على وجه الأرض، قبر متحرِّك، الكون قرآن صامتٌ، والقرآن كون ناطق, والنبيُّ عليه الصلاة و السلام قرآن يمشي، والكافرُ قبرٌ يمشي. دقِّق في قوله تعالى: 

﴿ أَوَمَنْ كَانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْكَافِرِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (122)﴾

[ سورة الأنعام  ]

قال تعالى:

﴿ وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنْبَغِي لَهُ إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ وَقُرْآنٌ مُبِينٌ (69) لِيُنْذِرَ مَنْ كَانَ حَيّاً وَيَحِقَّ الْقَوْلُ عَلَى الْكَافِرِينَ (70)﴾

[ سورة يس ]

لينذر من كان حيًّا، أما الميِّت دعْه فإنه ميِّت.

المؤمن الصادق أحياناً يلتقي بإنسان ميِّت ولو كان في الظاهر حياً.

مرَّة دعاني أخٌ إلى تناول طعام الغداء في منطقة خارج دمشق, وهناك واحد من الحاضرين, لا أعتقد أن إنساناً يتحمَّله خمس دقائق, هو ضدّ كلِّ شيء متعلِّق بالدين والقيم والأخلاق, لا شيء عنده, الحياة بالنسبة له مادة مال وشهوات، ما شعرتُ بإنسان ينطبق عليه لفظُ الموت كهذا الإنسان.

ومرَّة التقيتُ بمندوب شركة, بعد ما انتهى العملُ, قلت بضع كلمات عن الله عز وجل في الحج، قال لي: هذه المعلومات لا تعنيني, ولا أهتمُّّ بها, ولا ألقي لها بالاً, أنا لا أهتمُّ إلا بامرأةٍ جميلة, وبيت واسع, وسيارة فارهة، وما سوى ذلك وراء ظهري، ميِّت، وكلُّ واحد من إخواننا الكرام، ممكن أن يلتقي بشخصٍ ميت أنيق جدًّا، جميل الصورة.

جمال الوجه مع قبح النفوس    كقـنديل على قبر المجـوس

جميل الصورة, أنيق جدًّا, وحياته في أعلى مستوى, ولكنه ميِّت، رأيت هذا في أمريكا، رأيت الناس بلا هدف؛ استلقاء, وراحة, وشطرنج، وورق، نوم, وأكل, وعمل بلا قيم, وبلا هدف، بلا أدنى درجة من درجات الخجل والحياء أبداً.

قال لي أحدهم: إنه ذهب إلى بلد من بلاد أوروبا الشرقية ليزورها، جامعة من أضخم الجامعات, الدورات العامَّة أين؟ في الصالون، لا يوجد جدران أبدا، أي خمسين قطعة لقضاء الحاجة، صالون مكشوف كلُّه, والناسُ يقضون حاجاتهم أمام بعضهم بعضاً كالبهائم تماماً، وقال لي: إن الحمَّامات أصعب، شباب وشابَّات يغتسَّلون أمام بعضهم بعضاً، كذلك الرشَّاشات في السقف إلى جنب بعضها بعضاً، لا توجد حواجز أبداً, أموات غيرُ أحياء.

أرادوا أن يجرِّبوا قياس الدافع الإنساني بفرنسا, جاؤوا بإنسان ووضعوا عليه حبراً أحمرَ, كأنه وقع له حادثٌ، وسيارة مهشَّمة على أكثف طريق في فرنسا، بين ليون وباريس، كثافة الطريق مخيفة، في بعض الجسور في أمريكا, سبعمائة ألف سيارة تقطعه كلَّ يوم, فكلُّ دولة كبرى لها طرقٌ كثيفة جدًّا، فأكثف طريق في فرنسا طريق ليون باريس، وضعوا هذا الإنسان على جانب الطريق, كأنه ميِّت, أو كأنه مجروح، وسيارته مهشَّمة، في شكلٍ تمثيلي متقَن، وانتظروا أن تقف بعـضُ السيارات كي تتفقَّد حالَه أو أن تمدَّ له يدَ المساعدة، ستُّ ساعات لم تقف ولا سيارة، أموات غير أحياء.

ولي صديق ذهب إلى بريطانيا, قال لي: قبل مئة متر وجدتُ امرأةً وقعتْ على الأرض, على الرصيف، والمرور كثيف جدًّا، تمنَّيتُ أن يلتفت لهذه المرأة إنسان يُنهضها، إلى أن وصلتُ إليها امرأة متقدِّمة في السِّن, فحاولتُ أن أنهضها، وقفت وانتعشتْ، قالت لي: أنت غريب؟! أول كلمةٍ قالتها: أنت غريب عن هذه البلدة، فما اعتادت أن يساعدها أحدٌ من بلدتها، أموات غير أحياء.

يحتمل أن تقتل عشرين مليون غنمةً بالرصاص من أجل أن تحافظ على السعر المرتفع ، وشعوب تموت من الجوع, وأن تتلف مثلاً خمس مئة ألف طن حمضيات من أجل السعر المرتفع، وهناك طبقة فقيرة جداً تموت من الجوع؟ أن يتسلَّى الزنجي, يأكل برتقالةً في العام القادم, وقد تسمَّم المحصولُ تسميماً، لو أكل الواحد برتقالة من هذا المحصول المتلَف يموت، ممكن، وحوشٌ، أموات غير أحياء.

هناك في التاريخ الإسلامي مواقف مشرِّفة, فحياة العلم من موت الجهل, فالجهل موتٌ والعلم حياة، الجاهل ميِّت القلب والروح, وإن كان حيَّ البدن، قال تعالى: ( أَوَمَنْ كَانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا ) قال تعالى: ( إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ وَقُرْآنٌ مُبِينٌ (69) لِيُنْذِرَ مَنْ كَانَ حَيّاً وَيَحِقَّ الْقَوْلُ عَلَى الْكَافِرِينَ(70) قال تعالى:( إِنَّكَ لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَى وَلَا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاءَ إِذَا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ ) . ( وَمَا أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ ) الإمام أحمدُ ذكر في كتاب الزهد من كلام لقمان أنه قال لابنه: يا بنيَّ, جالسْ العلماء وزاحمهم بركبتيك، فإن الله يحيي القلوبَ بنور الحكمة كما يحيي الأرضَ بوابل القطر.

أحد إخواننا الكرام توفِّي ابنُه وهو من حلب, وعمل في الدعوة, فذهبنا لتعزيته، عرَّفنا على شيخه، شيخه في التسعين فما فوق، ما رأيتُ إنساناً له هيبة ونورانية ومكانة كهذا الإنسان، حياة العلم, الآن: إنسان في التسعين يقال عنه: خرفان، ويقول لك: أبي من الطراز القديم، يحتقره ابنُه أحياناً, وضعوه في غرفة وحده, إنسان في التسعين مخدوم, محشود, محفود، وحوله أخوانه وطلاَّبُه وأولاده بأدب جمٍّ, ودَّعني لمدخل البيت، إنسان موصول بالله عز وجل, شيء رائع جدًّا.

من لم تكن له بداية محرِقة لم تكن له نهاية مشرقة.

والبطولة في خريف العمُر، والشباب كلُّهم من حيث النشاط سيَّان، أما خريف العمر تجد شخصًا كأنه ملِك هيبة ووقاراً.

وفي الدرس القادم ننتقل إلى موضوعين اثنين من موضوعات الحياة والموت، وهي مرتبة من مراتب مدارج السالكين في منازل إياك نعبد وإياك نستعين.

و الحمد لله رب العالمين

الاستماع للدرس

00:00/00:00

نص الزوار

إخفاء الصور