- الحديث الشريف / ٠1شرح الحديث الشريف
- /
- ٠2دروس جامع الاحمدي
الحمد لله رب العالمين, والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين.
ما تعريف التجارة بمفهومي العام والقرآني؟ :
أيها الأخوة الكرام, من أبسط تعريفات التجارة: أن تشتري بضاعة, وأن تبيعها بسعر أعلى, والفرق بين السعرين هو الربح, لكن الله سبحانه وتعالى استخدم كلمة التجارة في القرآن الكريم, بمعنى: أن تؤمن بالله ورسوله, وأن تجاهد نفسك وهواك, فهذه أعظم تجارة عند الله, قال تعالى:
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ﴾
﴿تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ﴾
من هو التاجر الموفق؟ :
أيها الأخوة, التاجر الموفق يبحث عن أعلى ربح في أقل جهد, هذا هو الأصل, أعلى ربح في أقل جهد .
فسيدنا عثمان -رضي الله عنه- جاءه ستمئة جمل, محمل بشتى أنواع البضائع, قوافل من أضخم القوافل التجارية, جاءت المدينة المنورة, فلما جاءه التجار ليشتروا منه, كلما دفعوا له سعراً, يقول: دفع لي أكثر, إلى أن ضجروا, من دفع لك أكثر؟ قال: الله عز وجل .
فالله عز وجل يقول:
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ﴾
فالتجارة مع الله من أربح أنواع التجارة .
إذا التاجر ربح بالمئة ثلاثين, أربعين, بالمئة مئة, بالعرض يأتي, فكيف إذا ربحت بالمئة مليون؟ بالمئة مليار؟ بالمئة ألف مليار؟ هذه تجارة الله عز وجل .
نقطة دقيقة :
النقطة الدقيقة: أن الله سبحانه وتعالى يعلم أن الإنسان يحب التجارة, والشيء الذي يمكن أن يلهيه عن الله: هي التجارة, فلما ذكر الرجال, قال تعالى:
﴿رِجَالٌ﴾
ويقصد بهم: أبطال, كلمة رجل في القرآن الكريم: تعني أنه ذكر, تعني أنه بطل:
﴿رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ﴾
﴿وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْواً انْفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِماً قُلْ مَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ مِنَ اللَّهْوِ وَمِنَ التِّجَارَةِ﴾
ما المقصود بالتجارة هنا في هذه الآية؟ :
وردت التجارة مرة ثانية في آية كريمة, وتعني بها: التجارة مع الله, قال تعالى:
﴿إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرّاً وَعَلَانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَنْ تَبُورَ﴾
لن تخسر, ولن تكسد.
هذا ما يؤلم التاجر, وهذا ما وعد الله المؤمن :
الحقيقة: لما ربنا عز وجل قال:
﴿إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ﴾
ما الذي يؤلم التاجر؟ أن يرى المستودع ممتلىء بالبضاعة, ولا أحد يسأله, ماذا عنده؟ شعور لا يوصف, قال تعالى:
﴿وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا﴾
فربنا عز وجل عد المؤمن الذي يؤمن بالله, ويستقيم على أمره, ويتوب إليه:
﴿يرجو تجارة لن تبور﴾
وعد الإيمان بالله ورسوله, والبذل في سبيل الله؛ بذل الأنفس والأموال, أيضاً: من أربح أنواع التجارات, ونبهنا إلى أن التجارة, يمكن أن تكون ذا مفعول سلبي في الإيمان, يمكن أن تصرفنا عن طاعة الله .
قاعدة :
القاعدة الأساسية: أن أي عمل, ولو كان تجارة, إذا كان في الأصل مشروعاً, وسلكت به الطرق المشروعة, وأردت به كفاية نفسك, وأهلك, وخدمة المسلمين, ولم يشغلك عن فريضة, ولا عن واجب, انقلب إلى عبادة, فالأعمال التجارية بالانضباط الشرعي: تنقلب إلى عبادات, هذا ما جاء في القرآن الكريم عن التجارة, وعن التجارة مع الحق, والتجارة مع الخلق, وكيف أن للتجارة سلبيات؟ وكيف أن لها سلبيات؟ .
ماذا تعني: الصفة قيد؟ :
في الجامع الصغير, ورد الحديث الشريف:
((إن أطيب الكسب كسب التجار...))
قبل أن أتابع الحديث, لو قلنا: إنسان كم شخص تغطيه هذه الكلمة؟ تغطي كل البشر, كلمة إنسان تغطي خمسة آلاف مليون, أضف للإنسان كلمة, قل: إنسان مسلم, الخمسة آلاف مليون, صاروا مليار ومئتي مليون, الخمسة آلاف مليون بكلمة, إنسان مسلم, أصبحت الدائرة مليار ومئتي مليون فقط, حسناً: إنسان مسلم عربي مئة وخمسون مليون, إنسان مسلم عربي مثقف فرضاً: خمسون مليون, إنسان مسلم عربي مثقف طبيب مليون, إنسان مسلم عربي مثقف طبيب قلب مئتا ألف, إنسان عربي مسلم مثقف طبيب قلب جراح قلب مئة, إنسان مسلم عربي طبيب جراح قلب مقيم في سوريا اثنان, ماذا فعلت أنا؟ .
كلما أضفت صفة, ضاقت الدائرة .
علماء المنطق قالوا:
((الصفة قيد))
الآن أقول: أنا أريد موظف, مليون إنسان يريدون وظيفة؛ يتقن اللغة الإنكليزية, والفرنسية, ذهب ثلاثة أرباعهم, يتقن الكمبيوتر ذهب نصفهم, قضى عسكرية ذهب عمرهم, عمره من كذا لكذا ..... كلما تضيف شرطاً, تضيق الدائرة, فحتى الواحد ما ينغش .
بماذا ينوه هذا الحديث الشريف؟ :
النبي قال:
((إن أطيب الكسب كسب التجار؛ الذين إذا حدثوا لم يكذبوا
-ضاقت الدائرة-
وإذا ائتمنوا لم يخونوا
-بالأمانة, يكون ضايف رحلاته, وسفرياته, هو وزوجته بالفنادق, على البضاعة أنت تعمل سيران, لست عاملاً تجارة, بالأمانة غير الأرقام- وإذا وعدوا لم يخلفوا, -باع, وقبض, وصار إيجاب وقبول, وفجأة ارتفع السعر, الآن مشكلة, خرج من البيعة قلب معناها- وإذا اشتروا لم يذموا -الدوائر تضيق, تلاحظون: تضيق .
صديق بدأ بالأقمشة, اشترى صفقة, عرضها على تاجر قديم من باب الاستشارة, فقال له: أصلحك الله, هذه ليست تمشي إطلاقاً, وكم نرد؟ قال له: بخمسة آلاف, قال له: أصلحك الله مرة ثانية, ظل يقول له: أصلحك الله حتى بركه, بعد ذلك: أخذه برأس مالها هذه, باعها في اليوم الثاني بالضعف, قال تعالى:
﴿وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ﴾
وإذا باعوا لم يطروا -ممنوع تذم البضاعة المشتراة, ممنوع تمدح البضاعة التي تبيعها, طبعاً: تمدحها بما فيها ليس مانع, (بما فيها), أما بما ليست فيها لا يجوز-.
وإذا كان عليهم لم يمطروا
-يعني يؤدي ما عليه بلا إمطال-
وإذا كان لهم لم يعسروا))
هؤلاء بهذه الصفات السبعة, إن كسبهم أطيب المكاسب .
((إن أطيب الكسب كسب التجار؛ الذين إذا حدثوا لم يكذبوا, وإذا ائتمنوا لم يخونوا, وإذا وعدوا لم يخلفوا, وإذا اشتروا لم يذموا, وإذا باعوا لم يطروا, وإذا كان عليهم لم يمطروا, وإذا كان لهم لم يعسروا))
هذا الحديث ورد في الجامع الصغير .
بشرى لك أيها التاجر :
ويقول عليه الصلاة والسلام, كما قلت لكم من قبل: هذا الحديث يمكن لا يوجد حديث شريف, يلقي في قلب التاجر الطمأنينة والسرور كهذا الحديث .
يقول عليه الصلاة والسلام:
((التاجر الصدوق الأمين مع النبيين, والصديقين, والشهداء))
نقطة معالجة :
النقطة الدقيقة التي سأعالجها الآن: الجنة ليست لبعض الناس, الجنة لكل الناس, كل في عمله, فالتاجر الصدوق الأمين, هذا قدوة, وهذا مثل أعلى, وهذا داعية, داعية في تعامله التجاري, كيف أن أكبر دولة إسلامية .......
الآن أندونيسيا: دخلوا في دين الله أفواجاً, على يد التجار المسلمين؛ بصدقهم وأمانتهم, كذلك: ممكن باستقامتك الصارمة, الصدق الذي لا حدود له, والأمانة: أن تجعل الناس يلتفون حولك, معتقدين بصحة مبدئك, وسلامة دينك .
تفسير حديث النبي: التاجر الصدوق الأمين مع النبيين والصديقين والشهداء :
أيها الأخوة, هذا الحديث, لا يُفسر إلا بالشكل التالي: عندما ينوي التاجر أن يكون مسلماً نموذجياً, أن يكون مسلماً قدوة, أن يكون داعية بعمله, ولقد قالوا:
((لغة العمل أبلغ من لغة القول))
فلاحظوا أخواننا الكرام, يعني: معظم الناس لهم أعمال؛ يعمل, ويجهد, ويتعب, ويربح, أو يخسر, ولا أجر له, أما المؤمن إذا مارس عمله المهني, تجارته .
كان السلف الصالح إذا فتح دكانة يقول:
((نويت خدمة المسلمين))
في شخص ليس له مصلحة من أخواننا الحاضرين, وأنا معكم, هذه المصلحة مشروعة, فإذا نويت بها خدمة المسلمين, ماذا يحصل؟ مهنة مألوفة معروفة, أنت بهذه النية الطيبة تقلبها إلى عبادة, بهذه النية الطيبة تنقلب إلى عبادة, والمؤمن دائماً يوجد عنده مقياس لا يخيب, دقيق جداً, يضع نفسه محل الطرف الآخر, إذا كنت أنت المشتري, هل ترضى عن بائع يبيعك بهذه الطريقة؟ هذه قاعدة .
والإنسان إذا قال: أننا إذا لم نعمل هكذا لا نربح, وعلينا مصاريف ضخمة, والناس مالها حرام, تستأهل الغش, هذا كلام شيطان, ليس كلام مؤمن, أنت عليك أن تستقيم, وعلى الله الباقي, هو الرزاق ذو القوة المتين, ومعنى رزاق: يعني الله عز وجل, هناك ملايين الأساليب؛ يعطيك مالاً وفيراً, بجهد قليل, إن علم منك خيراً, وعلم منك استقامة, هذا الشيء ملموس, النية الطيبة, سبب الرزق: النية الطيبة, فأنت إذا نويت خدمة المسلمين ......
تاجر صادق :
حدثني أخ, اشترى معمل في صناعات غذائية للأطفال, أقسم لي بالله -أنا والله أصدقه-, كلما أراد يشتري مواد أولية, اشترى أفضل شيء لأولاد المسلمين, في مواد أولية درجة خامسة وسادسة, في مواد جيدة جداً, لأن الله يراقبه, فكان يشتري المواد الأولية من أعلى مستوى, لا يبتغي بها أحد؛ لا تموين, ولا سجل صناعي, ولا شيء من هذا القبيل, يبتغي أن يرضي الله, يعني: عليه ديون كانت كثيرة, وفاها بأقل من عام, قدم لها ثلاث سنوات, فالله عز وجل رب النوايا .
ف:
((التاجر الصدوق الأمين, مع النبيين, والصديقين, والشهداء يوم القيامة))
موطن فيه إغراء :
أيها الأخ الكريم, فألا تحب أن تغدو حرفتك دعوة إلى الله؟ حرفتك .
أحياناً: يكون عندك موظفين, رأوا منك استقامتك, ورعك, صدقك, أمانتك .
قال له: عندك بيض؟ قال له: نعم عندي, قال له: تازة؟ لا والله, من ستة أيام, لكن جاري الآن أتى بالبيض, اذهب إلى جاري, هذا المؤمن .
كان السلف الصالح إذا استفتح, لا يقبل زبوناً أخرق, لو تذهب إلى جاري, أنا استفتحت, فالله رب النوايا .
فهذا التاجر الصدوق الأمين, مع النبيين, والصديقين, والشهداء يوم القيامة .
ألا تغريك هذه المنزلة استقامة؟ .
بيان قرآني :
أيها الأخوة الكرام, معقول الإنسان إذا استقام يقل رزقه؟ هذا الإله العظيم, لأنك أطعته, يضاعف لك رزقك, قال تعالى:
﴿إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ﴾
﴿نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ﴾
﴿نُزُلاً مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ﴾
ما معنى هذا الحديث؟ :
أيها الأخوة, يقول عليه الصلاة والسلام:
((الاقتصاد في المعيشة, خير من بعض التجارة))
يعني: إذا تجارة فيها مواد محرمة, تجارة فيها أساليب ربوية, تجارة فيها شبهات, تجارة فيها قرض كبير .
((الاقتصاد في المعيشة خير من بعض التجارة))
هذا ما أرشدنا النبي إليه :
أيها الأخوة, ثبت أن الشدة النفسية وراء أي مرض؛ الأمراض العضوية, أمراض جهاز الهضم, أمراض القلب, أمراض الشرايين, ضغط الدم, السكري, القرحة, آلام الأعصاب, حتى الآن الورم الخبيث, ثبت أن: هذا الورم الخبيث, يتأتى من ضعف جهاز المناعة, وجهاز المناعة ماذا يُضعفه؟ الشدة النفسية .
الآن: إذا كان تجارة فيها عريضة, فيها مخاطرة, فيها مواد محرمة, فيها قروض ربوية, فيها مشكلات, فيها مواد ممنوعة, هذه الشدة النفسية التي تصيب الإنسان وراء أكثر الأمراض, فلذلك: يقول عليه الصلاة والسلام في هذا الحديث الرائع:
((الاقتصاد في المعيشة خير من بعض التجارة))
يعني: يصير معك عرس في الشيراتون بمئة مليون, وبالأكرم بمئة ألف, بخمسين ألف, ممكن تعمل عقد قران متواضع, أحسن ما تدخل بمغامرات, ومخاطرات, وضربات تسحق الإنسان أحياناً, لا .
النبي قال:
((الاقتصاد في المعيشة خير -لم يقل: من كل التجارة, لا- من بعض التجارة))
إذا تجارة محرمة؛ فيها مغامرة, فيها مخاطرة, في علاقة ربوية, فيها بضاعة ممنوعة, هذه تعمل لك شدة نفسية ساحقة جداً .
فالنبي -عليه الصلاة والسلام- هكذا يرشدنا .
لك أيها التاجر :
ويقول عليه الصلاة والسلام:
((ثلاثة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله, -من هؤلاء الثلاثة-: التاجر الأمين))
أردت أن يكون الموضوع متعلقاً بالتجارة .
العلوم قسمان هما :
العلماء قالوا:
((العلم علمان؛ فرض عين, وفرض كفاية))
الفرض: العلم الذي هو فرض عين, يتعلق بأصول الإيمان, أركان الإيمان, وأركان الإسلام, وأحكام الفقهية المتعلقة بحرفتك, هي فرض عين, الأحكام الفقهية المتعلقة بحرفتك, تعلمها فرض عين .
يعني: شخص تزوج زوجة صالحة, وهو متفاهم معها إلى أبعد الحدود, ولا يفكر أبداً بتطليقها, فلو جهل هذا الإنسان –مثلاً- أحكام الطلاق, لا شيء عليه, أما إنسان أراد أن يبيع ويشتري, فإذا جهل أحكام البيوع, وقع في إثم شديد, لأن أحكام البيوع بالنسبة للتاجر, من العلوم التي ينبغي أن تعلم بالضرورة, ولا يعفى إنسان من الجهل بها, كما أنه في القانون: لا جهل في القانون, وعند الله لا عذر في أن تجهل أحكام دينك, لأن النبي عليه الصلاة والسلام يقول:
((طلب العلم فريضة على كل مسلم))
فريضة؛ كيف أنك تصلي, لكن الصلاة فرض, كيف أنك تصوم رمضان الصيام فرض, كيف أنك تحج البيت إذا كنت مستطيعاً الحج فرض .
و:
((طلب العلم فريضة على كل مسلم ومسلمة))
الفرض متعلق فيما ينبغي أن تعلم بالضرورة, العلوم التي ينبغي أن تعلم بالضرورة؛ تكون تاجراً, تكون طبيب, مهندس, موظف, العلوم التي ينبغي أن تعلم بالضرورة, هي أركان الإيمان, وأركان الإسلام, والأحكام الفقهية المتعلقة بحرفتك, هذه ينبغي أن تعلم بالضرورة .
احذر من أن تقع في هذا يا تاجر :
ف:
((من اتجر من غير فقه أكل الربا شاء أم أبى))
((من اتجر من غير فقه من اتجر من غير فقه))
مثلاً: شيء مألوف عند التجار, يأخذ من شخص مئة ألف, يعطي عليه مبلغاً بالشهر ثابت, هي عين الربا, لا بد من ربح حقيقي أو خسارة, أما إذا أعطيت أرباحاً ثابتة على مبالغ ثابتة .
أنت محل تجاري, مثل البنك تمام فعلت أنت, فلذلك:
((من اتجر دون أن يتفقه, وقع في الربا شاء أم أبى))
من أين تأتي الأمانة؟ :
((ثلاثة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله؛ التاجر الأمين))
والأمانة تأتي من معرفة أحكام الفقه, ومن إرادة تطبيق الشريعة, فلذلك: العلم فرض عين .
و:
((طلب العلم فريضة على كل مسلم))
وليس لك خيار في معرفة الحق من الباطل, لأنك .......
إذا –مثلاً- السيارة ممكن لا تعرف نوع معدن المحرك, ممكن لا تعرف كيف يصنع المكبح؟ لكن لا بد من أن تعرف كيف توقف السيارة؟ وكيف تنطلق بها؟ وكيف تعطف يميناً ويساراً؟ هذه معلومات لا بد منها, من أجل أن تضمن سلامتك, وكذلك من أجل أن أضمن تجارتي في التجارة, ينبغي أن أتقيد بقواعد الشرع .
هذا ما قصدته :
قال لي شخص: والدي كان تاجر صوف, فلما تقدمت به السن, ندبني أن أكون مكانه, فذهب أول رحلة إلى البادية, ليشتري الصوف والسمن, قال لي: أخذت سيارة شاحنة, وأخذت أبان, ذهبت, قال لي: أنا راجع .
وقال لي شخص كلمة, تركت في نفسي أثراً: أن البدو اذبحهم, بمعنى: كيفما كان, خذ بضاعته بأرخص سعر, فوصل لزبون ثابت, يعني: يعرف والده كان, قال لي: زين الجزة, تطلع ثلاثة وثلاثون وثمانمئة غرام, أن خمسة وعشرين, وثمانين, سمع ثمانمئة, جديدة عليه, في حياته ما زان بالغرامات, لكن لم ينتبه الجلوة, ثلاثة وثلاثون, أن خمسة وعشرين وثمانمئة.
قال له: والله زينك زينك, في تفاصيل لا يعرفها سابقاً هذه, فبعد ما انتهى الوزن, وأخذ الرقم الإجمالي بالشعور الخاص, هذه الكمية وزنها قليل جداً, بدوي, قال له: إن شاء الله تلقاها بصحتك, إذا كنت تغشني .
يقول لي هذا الأخ: والله كلمة خوفتني, قال لي: مشينا, بدأت بصراع مع نفسي, أرجع أعطيه الفرق, ظل صامتاً, أرجع بعد جمعة, قال لي: من بعد ما أخذت البضاعة إلى قبل الضمير, وأنا في صراع مع نفسي, قال لي: عند الضمير قلت كلمة, قلت: حط بالخرج .
الآية الكريمة:
﴿أَمْ أَبْرَمُوا أَمْراً فَإِنَّا مُبْرِمُونَ﴾
يعني: هكذا طلع معك, بعد ذلك: تحط بالخرج! .
يقسم بالله, ما هي إلا دقائق معدودة, إلا ورأى نفسه وسط بركة من الدماء, السيارة قلبت, وتنك السمن البلدي انكب, وهو جاء تحت الرفراف, وجرح, ودمه مشي, أنقذوه, وأخذوه إلى خيمة, وبعد فترة: سأل أحد شيوخ الشام -توفي رحمه الله-, قال له: هكذا عملت, وهذا البدوي, قال له: اذهب استسمح منه, وأعطه الفرق فذهب, قال له: لا, أنا سامحتك, وهذه تنكتا سمنة هدية عوضاً عنهم, لكن قصدي: إذا شخص تاجر من دون فقه, في ضربات قاسية جداً .
النبي قال:
((استقيموا لن تحصوا))
فالإنسان لما يكون فقيهاً؛ يعرف الحق والباطل, الحلال والحرام, يكون وقافاً عند كتاب الله, وقافاً عند الحدود .
((من أخذ أموال الناس يريد أداءها, أدى الله عنه, ومن أخذ أموال الناس يريد إتلافها, أتلفه الله))
ليتها تتلف, لا يتلف معها, فالله كبير .
أحياناً إنسان: لا يدخن, الخوف من الله في حساباته, يظن أنه يفعل ما يشاء, لكن أحياناً ربنا عز وجل, يؤدب تأديب كبير .
من هو التاجر الذي يحبه الله, ومن هو التاجر الذي يبغضه الله؟ :
ف:
((ثلاثة يظلهم الله يوم لا ظل إلا ظله, -من هؤلاء الثلاثة؟- التاجر الأمين, وثلاثة يبغضهم الله عز وجل -من هم؟- التاجر الحلاف))
قال:
((اليمين منفقة للسلعة, ممحقة للبركة))
وفي حديث آخر: يقول عليه الصلاة والسلام:
((التاجر الصدوق لا يُحجب من أبواب الجنة, والتاجر الصدوق تحت ظل العرش يوم القيامة, والتاجر الصدوق مع النبيين, والصديقين, والشهداء يوم القيامة))
هذا هو الأصل في البضاعة :
أيها الأخوة, فما قولكم: أن تكون حرفة أحدنا سبباً لدخول الجنة, وسبباً لدخول أعلى مرتباتها, لكن هذا يحتاج إلى علم, وﺇلى استقامة, وﺇلى التزام.
الأصل: أن تكون البضاعة في أصلها مشروعة, البضاعة في أصلها مشروعة, لا بد من أن يكون التعامل مع الناس وفق المنهج الإلهي؛ لا كذب, ولا غش, ولا تدليس, ممكن يكتب على البضاعة صنع فرنسا, وهي صنع تايواند, ممكن, هذا تدليس أخو الكذب .
العبرة في المقاصد والمعاني لا في الألفاظ والمباني :
قال لي شخص: كيف التدليس؟ قلت له: شخص خطب فتاة, من أسرة من أسر دمشق, سألوه على البيت, قال لهم: بيتي في المالكي, وافقوا فوراً, معنى بيته بالمالكي, يعني وضعه المادي جيد جداً, بيت ثمنه خمسون مليون, ثم كشف أن بيته في المالكي في شارع بيلدا, شارع المالكي, هو لم يكذب, لم يكذب أبداً, هذا اسمه تدليس, التدليس أخو الكذب, أنا لم أكذب يا أخي, التدليس عند الله كذب .
الآن: إذا شخص طرق بابك, خرج ابنك, فتح, قال لك: الوالد موجود؟ الابن دارس لغة, قال له: والله الآن راح يا عمو, معنى راح: عاد إلى البيت, غداً: ذهب إلى عمله قبل الشمس, وراح: عاد إلى بيته, قال له: الآن والله راح, حسناً: الابن لم يكذب, قال له: سلم عليه, لغة لم يكذب, أما شرعاً: كذب, ماذا فهم منه؟ أنه ليس في البيت, قال له: سلم عليه .
فالله عز وجل لا يحاسب على اللفظ, على القصد .
مثلاً: أخي ما سعر المصحف؟ حرام, هذا وهبته مئة ليرة, إن قلت: وهبته, وإن قلت: ....... ما دام قبضت ثمنه مئة ليرة, أنا لا أقول حرام تأخذ حقه, لا, لكن قبضت حقه مئة بالتمام والكمال, لا تقل: بيع, وهبته مئة ليرة .
العلماء قالوا:
((إذا قلت: وهبتك هذا الكتاب بمئة ليرة, هذا اسمه عقد بيع, وإذا قلت: بعتك هذا الكتاب بلا ثمن, هذا اسمه عقد هبة))
إذا قلت: بعتك هذا الكتاب بلا ثمن, هذا عقد هبة, قلت: بعتك, عقد هبة, إذا قلت: وهبتك هذا الكتاب بمئة ليرة, عقد بيع, العبرة: في المقاصد والمعاني لا في الألفاظ والمباني.
فأحياناً الإنسان: يعمل مداخلات, يظن أنه فعل خيراً, الله عز وجل يكشف كل إنسان على حقيقته.
هذا ما ورد في هذا الحديث القدسي :
أيها الأخوة, الذين يبغضهم الله عز وجل: التاجر الحلاف, والفقير المختال, والبخيل المنان .
ورد بالحديث القدسي:
((أحب ثلاثاً وحبي لثلاث أشد؛ أحب الطائعين وحبي للشاب الطائع أشد, أحب المتواضعين وحبي للغني المتواضع أشد, أحب الكرماء وحبي للفقير الكريم أشد, وأبغض ثلاثاً وبغضي لثلاث أشد؛ أبغض المتكبرين وبغضي للفقير المتكبر أشد, وأبغض العصاة وبغضي للشيخ العاصي أشد, وأبغض البخلاء وبغضي للغني البخيل أشد))
خاتمة القول :
أختم هذا الدرس بهذا القول:
ذكرت لكم من قبل:
((العدل حسن لكن في الأمراء أحسن -يعني في الأمير ألزم ما يلزمه العدل- والورع حسن لكن في العلماء أحسن -والعالم ألزم ما يلزمه الورع- والسخاء حسن لكن في الأغنياء أحسن -والغني ألزم ما يلزمه السخاء- والصبر حسن لكن في الفقراء أحسن))