وضع داكن
10-08-2025
Logo
مدارج السالكين - الدرس : 069 - الغيرة
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا وزدنا علماً، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.

  منزلة الغيرة:


أيها الإخوة المؤمنون؛ مع الدرس التاسع والستين من دروس مدارج السالكين، في منازل إيّاك نعبد وإيّاك نستعين، والمنزلة اليوم منزلة الغيرة، وقبل أن نمضيَ في الحديث عن هذه المنزلة، وعن خصائصها، وعن شروطها، لابدَّ من مقدِّمة.
 

من خصائص النفس البشرية أنها حيادية:


الإنسان كجسم فيه أعضاء، وفيه أجهزة، وفيه حواس، وفيه نُسُج، وفيه هيكل عظمي، أما كنفس فيه خصائص، فاللهُ عز وجل سوَّى هذه النفس وفق خصائص، هذه الخصائص أوّلُ صفة فيها أنها حيادية، يمكن أن تكون سُلَّماً نرقى بها، أو دركات نهوي بها، هذه الخصائص حيادية لأن الإنسان مُخيَّر، أضرب على ذلك مثلاً، من أدقِّ خصائص الإنسان أنه يتمنى أن يكون كالآخرين الناجحين في الحياة، سمِّها إن شئت: غيرةً، سمِّها إن شئت: حبَّ التنافس، سمِّها إن شئت: حسداً، هذه الخصيصة تتمنى أن تكون كفُلان، تتألَّم إن لم تكن مثلَه، هذه حيادية، فلو وظَّفتها في الخير رأيتَ إنساناً طالب علم شرعي، إنساناً يُتقن كتاب الله، إنساناً ضبط نفسَه، حزَم أمورَه، له اطِّلاعٌ واسع، أجرى اللهُ على يديه أعمالا طيِبةً، فيه خصيصة تتمنى أن تكون مثلَه، فهذه الخصيصة وظَّفتها في الخير فبعثتك إلى أن تُنافسه، فتفوز بالجنة، هذا توظيفها في الخير، أما توظيفها في الشرِّ، ترى إنساناً معه مالٌ كثير، أو له جاهٌ عريض، فتنافسه على المال، تريد أن تكون مثله في الغِنى والفجور، الخصيصة نفسها وظَّفتها للشرِّ، فبينما أن تكون هذه الخصيصةُ سُلَّما نرقى به أو دركاتٍ نهوي بها، فالخصيصة حيادية،

(( عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أنَّ رسِولَ اللَّه صلى الله عليه وسلم قال: لا حَسَدَ إلا في اثْنَتَيْنِ رَجُلٌ آتاهُ اللَّهُ الْحِكْمَةَ، فهو يَقضِي بها ويُعَلِّمُها، ورجلٌ آتَاهُ اللَّهُ مالاً فَسَلَّطَهُ على هَلكَتهِ في الحقَّ.  ))

[ صحيح البخاري ]

فمعناها إذا الإنسان تمنى أن يكون عالماً، أو تمنى أن يكون غنيًّا منفِقاً، تمنى أن يكون عالماً عاملاً معلِّماً، أو غنيًّا منفقاً، هذا شيء طيب، إذًا باعث من البواعث التي تدفعك إلى نيل الخيرات في أعلى الدرجات في الدنيا والآخرة هذه الخصيصة، هي نفسها لو وجَّهتها إلى الدنيا فتمنَّيتَ أن تكون غنيًّا، لا سمح الله، تمنى هذا الحاسد أن يكون غنياً فاجراً، غنياً غارقاً في المُتع الحسية أودت به إلى النار، فالخصيصة نفسها، السِّمة نفسها تقوده إلى الجنة أو تقوده إلى النار، إذاً هي حيادية، وكلُّ سمات النفس، وكل خصائصها، وكلُّ فِطَرها، وكل جِبِلِّتها حيادية، تُوظَّف في الخير أو تُوظَّف في الشر، الإنسان يُحبُّ أن يكون مهمًّا، مبرِّزاً، متفوِّقاً، سمِّ هذا الميلَ: تأكيدَ الشخصية، تأكيد الذات، الشعور بالأهمِّية، هذا الميل يمكن أن يُروى بالخير؛ تطلب العلم، تُعلِّم العلم، تعمل الأعمالَ الصالحة فترقى، أو تؤكِّد الذات بإيذاء الآخرين وإرهابهم وإيقاع الأذى بهم كي يهابوك، أكَّدت ذاتك.
أحياناً لك قضية عند إنسان، إما أن يخلق لك العراقيلَ كي يُشعِرك أنك لا شيء أمامه، أو أن يعاونك فتشعر أن هذا إنسان عظيم، إنسان طيِّب، في كلا الحالين يريد أن يلفتك إلى خطورته، وإلى أهمِّيته، إما عن طريق خدمتك، وإما عن طريق إيقاع الأذى بك، الميلُ واحد؛ لكن هذا الميل يُوظَّف في الخير كما يوظَّف في الشرِّ، لأن الإنسان مخيَّر، كلُّ خصائصه ومفردات جِبلِّته وتسوية نفسه إن صحَّ التعبيرُ قال تعالى:

﴿ وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا (7)﴾

[ سورة الشمس ]

حيادي.
 

الغيرة من صفات الكمال بالإنسان:


هذه المقدِّمة من أجل أن أصل إلى منزلة الغيرة، هذه المنزلة كما قال مؤلَّف الكتاب من منازل إيّاك نعبد وإيّاك نستعين، قال تعالى:

﴿ قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَاناً وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ (33)﴾

[ سورة الأعراف ]

وفي الصحيح:

(( عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: أَنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال: لا أحد أَغْيَرَ من الله ، من أَجل ذلك حرَّمَ الفواحشَ مَا ظهرَ منها وما بَطَنَ، ولا أحد أحبَّ إِليه المَدْحُ من الله تعالى، من أجل ذلك مَدَحَ نَفْسَهُ. ))

[ صحيح البخاري ]

طبعاً أغير خبر ما، التي تعمل عمل ليس، ((لا أحد أَغْيَرَ من الله، من أَجل ذلك حرَّمَ الفواحشَ مَا ظهرَ منها وما بَطَنَ، ولا أحد أحبَّ إِليه المَدْحُ من الله تعالى، من أجل ذلك مَدَحَ نَفْسَهُ)) .

(( وعَنْ الْمُغِيرَةِ قَالَ: قَالَ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ: لَوْ رَأَيْتُ رَجُلاً مَعَ امْرَأَتِي لَضَرَبْتُهُ بِالسَّيْفِ غَيْرَ مُصْفَحٍ، فَبَلَغَ ذَلِكَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: أَتَعْجَبُونَ مِنْ غَيْرَةِ سـَعْدٍ!؟ وَاللَّهِ لأَنَا أَغْيَرُ مِنْهُ، وَاللَّهُ أَغْيَرُ مِنِّي، وَمِنْ أَجْلِ غَيْرَةِ اللَّهِ حَرَّمَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ، وَلا أَحَدَ أَحَبُّ إِلَيْهِ الْعُذْرُ مِنْ اللَّهِ، وَمِنْ أَجْلِ ذَلِكَ بَعَثَ الْمُبَشِّرِينَ وَالْمُنْذِرِينَ، وَلا أَحَدَ أَحَبُّ إِلَيْهِ الْمِدْحَةُ مِنْ اللَّهِ، وَمِنْ أَجْلِ ذَلِكَ وَعَدَ اللَّهُ الْجَنَّةَ. ))

[ صحيح البخاري ]

اللهُ يغار، أضرب مثلاً، أبٌ يمشي في الطريق، رأى ثلاثة شباب، أحدهم ابنُه، والثاني ابنُ أخيه، والثالث لا يعرفه، والثلاثة يُدخِّنون، بماذا يشعر هذا الأب؟ يشعر بمِرجلٍ تجاه من؟ تجاه ابنه؛ قد يضربه، قد يُعنِّفه، من شدَّة محبَّته له، ومن شدَّة حرصه على سلامته، ومن شدَّة غيرته عليه يُعنِّفه، التعنيف لابن أخيه ينزل إلى الربع، لماذا يا عمِّي تدخِّن أنت؟ ابنه أدَّبه، ضربه، ابن أخيه كلمة، الثالث ولا كلمة، فهذا الانفعال، وهذا الألم، وهذا الصوت المرتفع، وهذا الضرب أحياناً، وهذا التعنيف بسبب المحبَّة، الحرص، فلذلك الغيرة من صفات الكمال بالإنسان، فهذا الذي لا يغار ليس من بني البشر، من هو الدّيُّوث؟ قال: الذي لا يغار على عِرضه، ويرضى الفاحشة في أهله، لو برزتْ زوجتُه بأجمل زينة، لو بدا معظمُ ما في جسمها من فتن، لا يوجد غيرة أبداً، لا يغار على أهله ويرضى الفاحشة فيهم، هذا ديوث، والديوث كما ورد عن النبي عليه الصلاة والسلام: لا يروح رائحة الجنة، وفي الصحيح أيضاً من حديث أبي سلمة:

(( عن أبي هريرة رضي الله عنه: أَنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال: إنَّ الله يَغَارُ، وَإِنَّ المؤمنَ يَغار، وَإِن غَيْرَةَ الله أن يَأتِيَ المؤمن ما حرَّم الله عليه. ))

[ صحيح البخاري ]

أي أقرب الناس إليك، بالمناسبة قد يسأل أحدُكم: لماذا يُضرَب الأب مثلاً في أكثر  القضايا المتعلِّقة بالله عز وجل؟ لأن نظام الأبوَّة وحده يدلُّك على الله، أي هناك إنسان واحد يتمنَّى أن تكون خيراً منه، هو الأب، هناك إنسان واحد قد يعمل ليلاً نهاراً من أجل ابنه، والله حدَّثني أخٌ عن إنسان يعمل عملاً شاقًّا جدًّا، نقل أكياس، ينوءُ بحملها، جاء الساعة الثامنة تماماً، وبدأ يعمل حتى الساعة الثامنة مساءً، بمبلغ زهيد، فقال له صاحبُ العمل: أتعمل حتى الساعة الحادية عشرة وتأخذ خمسة وعشرين ليرة إضافية؟ قال: نعم، لماذا؟ عنده زوجة وأولاد، عمل يهُدُّ الجبالَ، بأجر زهيد جداً، لأن عنده زوجة وأولاداً، فهذا المبلغ اليسير قد يأتي بخبز، قد يأتي بفاكهة لأولاده وزوجته، هذا بطل، هذا بطل عند الله عز وجل، فهو لماذا يعمل هذا العمل الشاقّ؟ من شدَّة حبِّه لأهله وأولاده، من أجل أن يُفْرِحهم بفاكهة، بطعام، يجهد هذا الجهدَ، لذلك: ((إِنَّ اللَّهَ يَغَارُ وَغَيْرَةُ اللَّهِ أَنْ يَأْتِيَ الْمُؤْمِنُ مَا حَرَّمَ اللَّهُ)) إذا وجد ابنَه مثلاً يعمل عملاً يسيء إلى سمعته، أو إلى صحَّته، أو إلى مستقبله، يتألَّم الأب، هذا الألمُ هو الغيرة، هو الذي يدفعك إلى أن تؤدِّب ابنَك، نظام الأبوَّة يدلُّ على الله، أي رحمة وعلم.
 

العبدُ حينما يعصي اللهَ يغار اللهُ:


العبد حينما يعصي الله يغار الله، أي بصراحة، إذا كنت جالساً في غرفة الجلوس مرتاحاً أيام الشِّتاء على مقعد وثير، وقد أتيت البيتَ وأنت في غاية التعب، وما إن استرخيتَ على هذا المقعد الوثير، والمدفأةُ مشتعلةٌ حتى استرختْ أعضاؤك، فرأيت ابنك الصغيرَ يقترب نحو المدفأة وهو يجهل ما سيكون، هل هناك أبٌ في الأرض يبقى جالساً؟ لو كان منهكاً من التعب إلا ويقفز من مجلسه ليمنع ابنَه من أن تحترق يدُه بالمدفأة، ما هو هذا التفسير؟ غيرة، أساس الغيرة حبُّ، رحمة، إذًا الغيرة مظهر سلوكي ينطلق من حبٍّ ورحمة، فإن الله يغار، عبدٌ يشرب الخمرَ، اتركه لجهنم، أعوذ بالله، عبد يزني، اترُكه لجهنم، أو شعوب ضالَّة مُضلَّة، فسق وفجور، وبلد سياحي جميل، وجبال خضراء، وطعام طيِّب، ومناظر جميلة، وتجارة رائجة، وكلُّ شيء ميسور، وكل الموبقات موجودة، وكل الأشياء القذرة موجودة، لا يحدث مع هذا الشعب شيء إلى يوم القيامة، إلى جهنم كلهم، لا؛ هناك زلزال، هناك شُحُّ المياه، هناك قحط، هناك ضيق بالأرزاق، حتى يعودوا إلى الله عز وجل، هذه غيرة الله عز وجل، هذه غيرة الله.

  الحكمة من تحريم الله الفواحش:


إنسان مسترسل وسيصل إلى النار، غير المدفأة، حفرة عميقة جداً، وترى أنت طفلاً أعمى يمشي باتِّجاه الحفرة، تبقى ساكتاً؟ ليس ابنَك تبقى ساكتاً؟ مستحيل، هذه الغيرة، قال تعالى: ﴿قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ﴾ لماذا حرَّم الفواحش؟ لأنه يغار، الفواحش طريقٌ إلى النار، لو أنه أباحها وانتهت بصاحبها إلى النار، أين غيرةُ الله عز وجل؟ لأنه يغار حرَّم الفواحش، لأنه يغار يسوق لعباده بعض المصائب، لأنه يغار يغضب من عبد أتى ما حُرِّم عليه، لأنه حرَم نفسَه هذه السعادة، وفي الصحيح أيضاً: ((فَقَالَ: أَتَعْجَبُونَ مِنْ غَيْرَةِ سَعْدٍ!؟ لأَنَا أَغْيَرُ مِنْهُ، وَاللَّهُ أَغْيَرُ مِنِّي)) إنسان لا مبالٍ، كلُّ شيء يراه مرتاحاً، أحياناً رجال تخرج زوجتُه إلى الشُّرفة بالثياب الفاضحة لتنشر الغسيل، والشرفة على الطريق العام، تراه مرتاحاً، لا يغار، لا يخجل من الله أن تظهر امرأتُه بهذا الشكل أمام الرجال، فالغيرةُ من صفات المؤمنين، ((أَتَعْجَبُونَ مِنْ غَيْرَةِ سَعْدٍ!؟ لأَنَا أَغْيَرُ مِنْهُ، وَاللَّهُ أَغْيَرُ مِنِّي)) .
 

مفهوم الغضب:


إخواننا الكرام؛ هناك غضب شريف، وهناك غضب يُعدّ نقيصة بالإنسان، المؤمن يغار إذا انتُهكت حرمات الله، أما قضبة الأكل تأخر، الآنية كُسِرت، الزوجة غابت عند أهلها فترة أطول، سهل، هيِّن ليِّن، يألف ويُؤْلَف، أمور الدنيا لا شأن لها عنده، أما أمور الآخرة، والزوجة تشعر ما الذي يغضب زوجها؟ إن أغضبته الدنيا سقط من عينها، وإن أغضبته الآخرة عَظُم في عينيها، لا يوجد إنسان لا يغضب، والغضب ضروري، لكن ما الذي يُغضبك؟ يُغضِبك أن الأولاد ناموا ولم يأكلوا أم يغضبك أنهم ناموا ولم يصلُّوا؟ أول سؤال: كتبوا وظائفهم؟ قلَّما تجد أبًا يقول: هل صلوا العشاء؟ لكن كتبوا وظائفهم؟ تعشَّوا؟ نعم الحمد لله، والصلاة!! أين قوله تعالى:

﴿ وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لَا نَسْأَلُكَ رِزْقاً نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى (132)﴾

[ سورة طه ]

قد يكون صاحب محلٍّ تجاري عنده موظَّف، إذا تأخَّر ربعَ ساعة يُقيم عليه النكير، هو لم يصلّ الظهر، ولم يصلّ العصر، ولم يصلّ المغرب، لا علاقة لي، لا يوجد فيه دين، مرتاح، لكن لا يشعر بغيرة، هذا مثل ابنك، أمانة في عنقك، لمَ لا توجِّهه؟ ((أَتَعْجَبُونَ مِنْ غَيْرَةِ سَعْدٍ!؟ لأَنَا أَغْيَرُ مِنْهُ، وَاللَّهُ أَغْيَرُ مِنِّي)) لأن الله يغار حرَّم الفواحش، لأنه يغار ساق المصائب، لأنه يغار أدَّب عبادَه، لأنه يغار ساق لهم ما يرجعهم إلى الله عز وجل، قال: ومما يدخل في الغيرة قوله تعالى:

﴿ وَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ جَعَلْنَا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ حِجَاباً مَسْتُوراً (45)﴾

[ سورة الإسراء ]

قال بعضُ العلماء: أتدرون ما هذا الحجاب؟ قال: هذا حجاب الغيرة، ولا أحدَ أغيرُ من الله، إن الله تعالى لم يجعل الكفارَ أهلاً لفهم كلامه، ولا أهلاً لمعرفته، وتوحيده، ومحبَّته، فجعل بينهم وبين رسوله وكلامه وتوحيده حجاباً مستوراً عن العيون، غيرةً عليه أن ينالَه من ليس أهلا له.
أي أنت لا ترض أيضاً إذا كان عندك سبيكة ذهب كيلو، ثمنها خمسمئة ألف، أن تجدها في القمامة، تقيم النكيرَ، قد تجد قطعةً ثمينة في المطبخ، أو مهملة، أو غير منظَّفة، أو غير ملمَّعة، أو الشيء ليس في مكانه الصحيح تغار، إذا الشيء مُهان وهو ثمين تغار، كلُّ إنسان في بيته يوجد أشياء ثمينة، إن رآها مهملةً أو غير معتنى بها يتألَّم، أن هذه قطعة ثمينة، مكانها في غرفة الضيوف، الأولى أن تكون نظيفةً ومُلمَّعة وموضوعة بشكل يلفت النظر، لذلك الله عز وجل جعل هذا الحجابَ المستور بين الفجّار والكفار وبين أنبيائه ورسله وكتابه وأسمائه.
 

أنواع الغيرة:


قال: والغيرة نوعان، غيرة من الشيء، وغيرة على الشيء، فالغيرة من الشيء كراهةُ مزاحمته، ومشاركته لك في محبوبك، طفل آخذٌ أعلى مكانة من والديه، فإذا أنجبت أمُّه طفلاً آخر تبدأ الغيرةُ، الطفل يريد أن يستأثر بأمِّه، وهناك أزواج يشكون من غيرة زوجاتهم، لو لم تكن زوجاتُهم بهذه الغيرة لتألَّموا ألماً شديداً، من شدَّة محبَّتها لك تسألك: أين كنت؟ طبعاً الغيرة لها حدٌّ طبيعي سوي، ولها حدُّ مَرَضي، الحدُّ المرضي لا يُحتمل، مثلاً إنسان رجل صالح، مؤمن، مستقيم، معروف، مكشوف، له أصدقاء صالحون، تسأله: أين كنت؟ كنا عند أصدقائنا، ألم تكن  معك امرأة؟ هناك مثل هذه الحالات، حالات غيرُ معقولة، هذه اسمُها: غيرةٌ مرضية، تتوهَّم أن زوجها ينحرف وهو أنقى من ماء السماء، لأنه تأخَّر عن البيت فقط، الغيرة بحدِّها المعتدل ممتازة وجيِّدة وضرورية وحيادية، وسُلَّمٌ نرقى به، أو دركات نهوي بها، الله لأنه يغار جعل هذا الحجاب بينه وبين عباده العصاة، لأن هذا الشيء الثمين ليس لهم، لذلك قالوا: من حدَّث بالحكمة لغير أهلها فقد ظلمها، ومن منعها أهلَها فقد ظلمهم.
مرة قال لي طالبٌ في التعليم، هو ضعيف في اللغة، اللغة ما فائدتها؟ وصل الناس إلى القمر، نحن لا زلنا في الفاعل والمفعول، بعيد جداً عن أن أجيبه إجابة جادة، قلت له: هذه المادة اللغة بلاء من الله، بعيد جداً عن أن أجيبه إجابة جادة، هو يسخر من هذه المادة، يسخر من لغة أمته، يسخر من لغة وطنه، العربية، ليس هناك أمة إلا تفتخر بلغتها، فهو يرى أن هذه المادة لا حاجة لنا بها، يجب أن تُلغى، لأنها صعبة، فقلتُ له: هذه بلاء من الله يا بني، تحمَّلْ، تحسّ أحياناً إنساناً مستحيل أن تكون معه جاداً، لأنه يسخر، ليس أهلاً أن تجيبه إجابة جادَّة.
يقولون: مرة أحد كبار فلاسفة البريطانيين، برنارد شو، في حفل جلست إلى جانبه امرأةٌ حسناء، هو كان دميماً جدًّا، فقالت: لو تزوَّجتَني فأنجبنا ولداً يجمع بين ذكائك وجمالي، هو كان ذكيًّا جدًّا، قال: وإذا كان العكس، فجمع بين غبائك ودمامتي، النقطة دقيقة جداً، أن اللهُ عز وجل إذا الإنسان لم يكن مستقيماً، لم يكن طاهراً، القرآن محجوب عنه، هناك دليل أقوى؟ قال تعالى:

﴿ وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلَا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَسَاراً (82)﴾

[ سورة الإسراء ]

دليل أقوى، قال تعالى:

﴿ وَلَوْ جَعَلْنَاهُ قُرْآناً أَعْجَمِيّاً لَقَالُوا لَوْلَا فُصِّلَتْ آيَاتُهُ أَأَعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌّ قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ وَالَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ فِي آذَانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى أُولَئِكَ يُنَادَوْنَ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ (44)﴾

[ سورة فصلت ]

أي القرآن، أحياناً تجد الإنسان مستواه هابط جداً، هذا ليس أهلاً أن تعطيَه الحق، الحق لأهله، له أهل، بالمناسبة إذا أنت وجدتَ إنساناً معدنه طيِّب، كما قال عليه الصلاة والسلام:

(( عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: تَجِدُونَ النَّاسَ مَعَادِنَ خِيَارُهُمْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ خِيَارُهُمْ فِي الإِسْلامِ إِذَا فَقِهُوا، وَتَجِدُونَ خَيْرَ النَّاسِ فِي هَذَا الشَّأْنِ أَشَدَّهُمْ لَهُ كَرَاهِيَةً، وَتَجِدُونَ شَرَّ النَّاسِ ذَا الْوَجْهَيْنِ الَّذِي يَأْتِي هَؤُلاءِ بِوَجْهٍ وَهَؤُلاءِ بِوَجْهٍ ))

[ صحيح البخاري ]

يوجد معدن طيِّب، فيه حياء، فيه أدب، في قلبه رحمة، ولو كان غير ملتزم، احرص على هدايته، أما إنسان وقِح، مُتجهِّم، لا يستحي من الله، تعليقاته لاذعة جداً، هذا انصرِف عنه فهو أشرف لك وله، لا تضع الحكمةَ في غير أهلها، ومن وضعها في غير أهلها كمن يُقلِّد الخنازيرَ عقودَ الماس، إذا إنسان أحضر مطيف ألماس،  قيمته ثمانون أو تسعون ألفاً، وضعه على خنزير، هذا العقد ليس لهذا الحيوان، أحدهم قدَّم لحمار فلَّةً، فأكلها الحمارُ، فكان تعليقُ أحدهم: إن الحمار هو الذي أعطاه إياها ليشُمَّها، هو أكلها، هذه الفلة ليست له، الفلة لإنسان، الفلَّة تُشمُّ لإنسان، قدمها لحمار فأكلها.
الغيرةُ نوعان؛ غيرةٌ من الشيء وغيرة على الشيء، فالغيرة من الشيء كراهةُ مزاحمته ومشاركته لك في محبوبك، هذه صفة مذمومة، طبعاً الدنيا محدودة، ففيها غيرة، وفيها تنافس، وفيها حسد، وفيها بغضاء، أما الآخرة مفتوحة للكلِّ، لا يوجد إنسان ينافس إنساناً:

﴿ مَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَلَا الْمُشْرِكِينَ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْكُمْ مِنْ خَيْرٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَاللَّهُ يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (105)﴾

[ سورة البقرة ]

 رحمة الله تسع كلَّ الناس.
نحن عندنا وظيفة واحدة مدير عام، يوجد مئتا موظَّف، هذا المدير العام نُقِل، هناك تناحر على هذه الوظيفة لأنها واحدة، ويوجد مئتا موظَّف، أما عند الله ليست كذلك، عند الله عز وجل لو فرضًا مئة ألف مليار إنسان ارتقوا إلى مرتبة الصّدِّيقين تسعهم رحمةُ الله عز وجل، لا توجد غيرةٌ، لا تُنَافس أخاك، رحمة الله واسعة، وفضله عميم، ورزقه وفير، فالغيرة من الشيء كراهةُ أن يُزاحمك أحدٌ في محبوبك، الله للجميع، بل إن من صفات النبيِّ عليه الصلاة والسلام أنه ما من أحد من أصحابه إلا وكان متأكِّداً أنه أقربُ الناس إليه. 
والغيرة على الشيء هي شدَّة الحرص على المحبوب أن يفوز به غيرُك دونك، أن تغار عليه محبَّة بالغة له، أن تغار منه بأمور الآخرة محمودة، بأمور الدنيا مذمومة، أن تغار من إنسان لأمر من أمور الآخرة غيرة محمودة، أن تغار من إنسان لأمر دنيوي هذه غيرة مذمومة، أما أن تغار على إنسان فهذه صفةٌ محمودة دائماً، حرص شديد.
الآن والغيرة أيضاً نوعان؛ غيرة العبد من نفسه على نفسه، داخلية، كيف؟ يغار من إعراضه على إقباله، من صفاته المذمومة على صفاته الممدوحة، من النفس الدنيَّة على النفس الشريفة، هناك صفات مذمومة، يغار من هذه الصفات أن تحتلَّ مكان الصفات العالية، دائماً المؤمن في قلق، يغار من نفسه على نفسه، صار هناك شخصيتان، نفسٌ مُقصِّرة ونفس مُتفوِّقة، يغار على نفسه المتفوِّقة من نفسه المتخلِّفة، والغيرة أيضاً نوعان؛ غيرة الحق تعالى على عبده، وغيرة العبد لربِّه، أما أن يغار الربّ جلَّ جلاله على عبده فهي ألا يكون للخلق عبداً، أي أنت لله، فإذا كنتَ لغيره يغار عليك، قال تعالى: 

﴿ وَاصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي (41)﴾

[ سورة طه ]

أنت لله، فإذا كنت لغيره الله عز وجل يغار عليك، لذلك غيرة الله على عبده ألا تكون للخلق عبداً، أما غيرة العبد لربِّه هذه نوعان، غيرة من نفسه وغيرة من غيره، فالتي من نفسه ألا يجعل شيئاً من أعماله وأقواله وأوقاته وأنفاسه لغير الله، قال تعالى:

﴿ قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (162)﴾

[ سورة الأنعام ]

والتي من غيره يغضب إذا انتُهِكت محارمُ الله عز وجل، تجد المؤمن يرتجف إذا انتُهكت محارم الله عز وجل، امرأة مستورة تُهان أو شيخ وقور يُهان.
 

غيرة الأنبياء على البشرية:


أيها الإخوة؛ الأنبياء والرسل من شدَّة غيرتهم على البشرية كانوا يتألّمون أشدَّ الألم حينما لا يستجيب الناسُ لهم، قال تعالى:

﴿ طه (1) مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى (2)﴾

[ سورة طه ]

من شدة غيرته على الخلق كان يتألَّم، قال تعالى:

﴿ أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ (1)﴾

[ سورة الشرح ]

كان منقبض الصدر، لأن أهل مكة منحرفون، غارقون في الربا، والخمور، والزنا، ولا يعرفون اللهَ عز وجل، فكان في ضيق، فلما جاءه الوحيُ انشرح صدرُه، ﴿أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ﴾ فالأنبياء يغارون ويتألَمون أشدَّ الألم من أقوامهم حينما لا يستجيبون لهم، مثلاً أمٌّ هيأتْ طعاماً نفيساً جداً، جاء ابنُها من المدرسة فأكل أخشن طعام، جائع، تقول له: انتظر ربع ساعة تأكل أطيبَ الطعام، لا يستجيب، أحياناً تذمُّه، لماذا؟ يأكل، يأكل أخشن طعام، تُعدّ له طعاماً نفيساً ويأكل هذا الطعام؟ هذا حبّ ورحمة:

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ أَرَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الْآخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ (38)﴾

[ سورة التوبة ]

من شدة غيرة الله علينا.

﴿ إِلَّا تَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذَاباً أَلِيماً وَيَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ وَلَا تَضُرُّوهُ شَيْئاً وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (39)﴾

[ سورة التوبة ]

أما إذا أصررتم ﴿وَيَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ وَلَا تَضُرُّوهُ شَيْئاً﴾ .

﴿ وَمَا ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ بِعَزِيزٍ (20)﴾

[ سورة إبراهيم ]

 

أنواع الجهاد:


إخواننا الكرام؛ ورد عن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:

(( عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَنْ مَاتَ وَلَمْ يَغْزُ وَلَمْ يُحَدِّثْ بِهِ نَفْسَهُ، مَاتَ عَلَى شُعْبَةٍ مِنْ نِفَاقٍ.   ))

[ صحيح  مسلم  ]

والجهاد كما هو مقرَّر يوجد عندنا جهاد النفس والهوى، وهناك الجهاد الدعوي، والجهاد الدعوي والحمد لله مُتاح لكل مسلم، أي أن تجاهد الناس؛ أي أن تعلِّمهم القرآن، قال تعالى:

﴿ فَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَجَاهِدْهُمْ بِهِ جِهَاداً كَبِيراً (52)﴾

[ سورة الفرقان ]

فإذا الشخص ما خطر في باله أبداً أن يهدي إنساناً، ولا ينصح إنساناً، يقول لك: دعهم وشأنهم الناس لا خير فيهم،

(( عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: إِذَا قَـالَ الرَّجُلُ: هَلَكَ النَّاسُ فَهُوَ أَهْلَكُهُمْ، قَالَ أَبُو إِسْحَقَ: لا أَدْرِي أَهْلَكَهُمْ ))

[ صحيح  مسلم  ]

ما خطر بباله أن يتكلَّم كلمة حق بمجلس، ما خطر بباله أن يسمع شريطاً لإنسان، ما خطر بباله أن يدلَّ إنساناً على مسجد فيه درس علم، يقول لك: دعهم وشأنهم، هذا الذي لا يُحدِّث نفسه في كل حياته أن يدلَّ إنساناً على الله يموت منافقاً.
 

الغيرة هي الرحمة والحب والحرص:


حقيقة الإيمان أيها الإخوة؛ ما إن تستقر في القلب حتى تُعبِّر عن ذاتها بذاتها، بحركة نحو الخَلق، لا يوجد إنسانٌ مؤمن منسحِب بالحياة، إنسان مؤمن متقوقِع، إنسان مؤمن سلبي، إنسان مؤمن، لا دخل لي، إنسان مؤمن يقول لك: دعهم وشأنهم، سلامتك يا رأسي، يقول لك: الناس ليس فيهم خير، هذا الانسحاب وعدم الاهتمام بالآخرين هذا يدلُّ على النفاق،

(( عن أبي هريرة رضي الله عنه: من ماتَ ولم يَغزُ ولم يحدِّثْ نفسَهُ بالغزوِ ماتَ على شعبةٍ منَ النِّفاقِ. ))

[ أبو نعيم المصدر: حلية الأولياء: حكم المحدث: صحيح ثابت ]

والحد الأدنى ولم يحدث نفسه بالجهاد، والجهاد كما ذُكِر جهاد النفس والهوى أولاً، ثانياً: جهاد دعوي، ثالثاً: جهاد قتالي، فإذا الجهاد القتالي غير متاح الآن، ما الذي هو متاح؟ الدعوي، سمعت خطبةً انقلها للآخرين، سمعت درس علم، سمعت تفسير آية، سمعت قصَّة عن صحابي، سمعت حكماً شرعياً، سمعت طُرفةً عن عالم جليل تهزُّ المشاعر انقلها للآخرين، فهذا الذي لا يغار على عباد الله يموت منافقاً، فالغيرة من صفات الله عز وجل، ومن صفات الأنبياء والرسل، ومن صفات المؤمنين، والغيرة أي الرحمة، والغيرة أي الحبَّ، والغيرة أي الحرص، قال تعالى:

﴿ لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ (128) فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ (129)﴾

[ سورة التوبة ]

 

غيرة المؤمن على وقته :


بقي موضوعٌ بالغيرة أن المؤمن عنده حرصٌ بالغ على وقته، يغار أن يضيع وقتُه سدى، يغار أن تفوته طاعةٌ، يغار أن يمضي اليوم دون أن يُرزق عملاً صالحاً يرقى به عند الله، هذه غيرة المؤمن، فلذلك الوقتُ أثمن عنده من كل شيء، لأنه هو وقت، وما الإنسان إلا بضعة أيام، كلما انقضى يومٌ انقضى بضعٌ منه.
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم أعطنا ولا تحرمنا، أكرمنا ولا تهنا، آثرنا ولا تؤثر علينا، أرضنا وارض عنا، وصلى الله على سيدنا محمد النبي الأمي وعلى آله وصحبه وسلم.

الملف مدقق

والحمد لله رب العالمين 

الاستماع للدرس

00:00/00:00

نص الزوار

نص الدعاة

إخفاء الصور