وضع داكن
24-11-2024
Logo
الجن والسحر - الدرس : 3 - المنجمون والسحرة يكذبون
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا وزدنا علماً، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.

الإنسان حينما يعصي ربه ويرتكب الحرام يسلط الله عليه الجن فيسومونه سوء العذاب :

أيها الأخوة الكرام، مع الدرس الثالث من دروس الجن والسحرة والمشعوذين.

أيها الأخوة الكرام، الحقيقة الثانية في موضوع السحرة، وقبل الشرح لابدّ من لفت نظر الأخوة الكرام إلى أن شريحة من المسلمين كبيرة جداً تتعامل مع المشعوذين، وتعلق عليهم الآمال، وترجو عندهم النوال، وترجو من خلال سحرهم أو شعوذتهم عطاء الدنيا، وتخشى من غضبهم الأذى والضر، وهذه العقائد ما أنزل الله بها من سلطان، نحن معنا وحي السماء، حينما يقول الله عز وجل:

﴿ وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِي عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلَا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ مَا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْلُ ﴾

[ سورة إبراهيم: 22]

الحقيقة التي بينتها في الدرس الماضي هو أن الإنسان حينما يعصي ربه، وحينما يقصر في عباداته، وحينما يرتكب الحرام، يسلط الله عليه الجن، فيسومونه سوء العذاب، فظلمة الجن تنال من ظلمة الإنس، بدليل قوله تعالى:

﴿ وَكَذَلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضًا بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ ﴾

[ سورة الأنعام: 129]

وتكاد تكون هذه الآية أصلاً في علاقة الجن بالإنس.

 

حقائق متعلقة بالدرس :

1 ـ الجن ليس لهم سلطان على الذين آمنوا :

الحقيقة الأولى أن الجن ليس لهم سلطان على الذين آمنوا، قال تعالى:

﴿ إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ ﴾

[ سورة الحجر: 42]

2 ـ السحرة كذبة :

الحقيقة الثانية، وهي محور هذا الدرس أن السحرة كذبة، الدليل: يقول الله عز وجل:

﴿ إِنَّا زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِزِينَةٍ الْكَوَاكِبِ* وَحِفْظًا مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ مَارِدٍ *لَا يَسَّمَّعُونَ إِلَى الْمَلَإِ الْأَعْلَى وَيُقْذَفُونَ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ *دُحُورًا وَلَهُمْ عَذَابٌ وَاصِبٌ *إِلَّا مَنْ خَطِفَ الْخَطْفَةَ فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ ثَاقِبٌ ﴾

[ سورة الصافات: 6-10 ]

صعود الجن إلى السماء و استراق السمع قبل بعثة النبي الكريم :

قبل بعثة النبي عليه الصلاة والسلام كان الجن يصعدون إلى السماء، ويسترقون السمع، بالضبط كاجتماع مجلس وزراء، وثمة مستخدم يقدم لهم بعض المشروبات، القهوة، والشاي، في أثناء دخوله سمع أن الساعة سوف تقدم لأول مرة، لقط هذه الفكرة، وخرج، وقال: أنا أعلم الغيب، صار تداول بهذا المجلس، قال: سوف ترون بعد أسبوعين كيف أن الساعة سوف تقدم، هذا المستخدم ماذا فعل؟ استرق السمع، وتبجح عند أقرانه أنه يعلم الغيب، كانت الشياطين قبل بعثة النبي عليه الصلاة والسلام يسترقون الأخبار، وينقلونها من شيطان إلى شيطان، من جني إلى جني، إلى أن تصل هذا الأخبار إلى قرنائهم من الأنس، فقد يأخذون خبراً، ويضيفون عليه مئة خبر كاذب، بعض الإذاعات الآن تذيع مئة خبر صادق وخبراً كاذباً، الخبر الكاذب يسري في أسماعنا، ونصدقه، ولا نشعر، لأن مئة خبر صادق، الجن بالعكس مئة خبر كاذب على خبر صادق واحد.

 

منع الجن من استراق السمع بعد بعثة النبي عليه الصلاة والسلام :


فلذلك أيها الأخوة الكرام: بعد بعثة النبي عليه الصلاة والسلام كما ذكر الله عز وجل في القرآن الكريم منع الجن من استراق السمع، قال تعالى:

﴿ وَزَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَحِفْظًا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ ﴾

[ سورة فصلت: 12]

﴿ وَلَقَدْ جَعَلْنَا فِي السَّمَاءِ بُرُوجًا وَزَيَّنَّاهَا لِلنَّاظِرِينَ*وَحَفِظْنَاهَا مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ رَجِيمٍ *إِلَّا مَنِ اسْتَرَقَ السَّمْعَ فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ مُبِينٌ ﴾

[ سورة الحجر: 16-18 ]

﴿ وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَجَعَلْنَاهَا رُجُومًا لِلشَّيَاطِينِ وَأَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابَ السَّعِيرِ*وَلِلَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ ﴾

[ سورة الملك: 5-6 ]

إذاً هذه الآيات تؤكد أن الجن قبل بعثة النبي كانوا يسترقون السمع، وكان كل جني أو كل شيطان يعطي هذا الخبر لقرينه إلى أن يصل هذا الخبر إلى قرين الجن من الإنس يتاجر به، ويضيف عليه مئة خبر كاذب.

 

الجن أعظم قدرة من الإنس على اختراق المسافات :

وذكرت لكم في الأسبوع السابق قصةً، وكيف أن جزءاً منها كان صحيحاً، وأن بقية الأجزاء كانت كاذبة، أخرج الإمام البخاري ومسلم والترمذي عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ:

(( انْطَلَقَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي طَائِفَةٍ مِنْ أَصْحَابِهِ عَامِدِينَ إِلَى سُوقِ عُكَاظٍ، وَقَدْ حِيلَ بَيْنَ الشَّيَاطِينِ وَبَيْنَ خَبَرِ السَّمَاءِ، وَأُرْسِلَتْ عَلَيْهِمْ الشُّهُبُ، فَرَجَعَتْ الشَّيَاطِينُ إِلَى قَوْمِهِمْ فَقَالُوا: مَا لَكُمْ ؟ فَقَالُوا: حِيلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَ خَبَرِ السَّمَاءِ، وَأُرْسِلَتْ عَلَيْنَا الشُّهُبُ، قَالُوا: مَا حَالَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ خَبَرِ السَّمَاءِ إِلَّا شَيْءٌ حَدَثَ، فَاضْرِبُوا مَشَارِقَ الْأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا، فَانْظُرُوا مَا هَذَا الَّذِي حَالَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ خَبَرِ السَّمَاءِ؟ فَانْصَرَفَ أُولَئِكَ الَّذِينَ تَوَجَّهُوا نَحْوَ تِهَامَةَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهُوَ بِنَخْلَةَ عَامِدِينَ إِلَى سُوقِ عُكَاظٍ، وَهُوَ يُصَلِّي بِأَصْحَابِهِ صَلَاةَ الْفَجْرِ، فَلَمَّا سَمِعُوا الْقُرْآنَ اسْتَمَعُوا لَهُ فَقَالُوا: هَذَا وَاللَّهِ الَّذِي حَالَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ خَبَرِ السَّمَاءِ، فَهُنَالِكَ حِينَ رَجَعُوا إِلَى قَوْمِهِمْ، وَقَالُوا: يَا قَوْمَنَا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ، وَلَنْ نُشْرِكَ بِرَبِّنَا أَحَدًا، فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى نَبِيِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنْ الْجِنِّ وَإِنَّمَا أُوحِيَ إِلَيْهِ قَوْلُ الْجِنِّ ))

[متفق عليه عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا ]

والشيء الثابت أن الجن أعظم قدرة من الإنس على اختراق المسافات، فلما قال الله عز وجل:

﴿ يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنْفُذُوا مِنْ أَقْطَارِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ فَانْفُذُوا لَا تَنْفُذُونَ إِلَّا بِسُلْطَانٍ ﴾

[ سورة الرحمن: 33]

بدأ بالجن، لأنهم أقدر على اختراق المسافات.

 

الله تعالى قدم الجن في مجال اختراق المسافات وقدم الإنس في مجال اللغة والبلاغة :

وحينما قال تعالى:

﴿ قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا ﴾

[ سورة الإسراء: 88]

معنى ذلك أن الله سبحانه وتعالى قدم الجن في مجال اختراق المسافات، وقدم الإنس في مجال اللغة والبلاغة.

((... فَاضْرِبُوا مَشَارِقَ الْأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا، فَانْظُرُوا مَا هَذَا الَّذِي حَالَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ خَبَرِ السَّمَاءِ ؟ فَانْصَرَفَ أُولَئِكَ الَّذِينَ تَوَجَّهُوا نَحْوَ تِهَامَةَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهُوَ بِنَخْلَةَ عَامِدِينَ إِلَى سُوقِ عُكَاظٍ، وَهُوَ يُصَلِّي بِأَصْحَابِهِ صَلَاةَ الْفَجْرِ، فَلَمَّا سَمِعُوا الْقُرْآنَ اسْتَمَعُوا لَهُ، فَقَالُوا: هَذَا وَاللَّهِ الَّذِي حَالَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ خَبَرِ السَّمَاءِ، فَهُنَالِكَ حِينَ رَجَعُوا إِلَى قَوْمِهِمْ، وَقَالُوا: يَا قَوْمَنَا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ، وَلَنْ نُشْرِكَ بِرَبِّنَا أَحَدًا، فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى نَبِيِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنْ الْجِنِّ، وَإِنَّمَا أُوحِيَ إِلَيْهِ قَوْلُ الْجِنِّ ))

[متفق عليه عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا ]

الأصل أن الجن قبل بعثة النبي عليه الصلاة والسلام كانوا يسترقون الأخبار من السماء، وينقلونها فيما بينهم، إلى أن تصل إلى قرين الجن من الإنس، فكان يأتي بالخبر، ويضيف عليه مئة خبر كاذب، كي يروج سحره، ودجله، وإضلاله، على الناس.

 

السحرة والمشعوذون والكهان لا تسري بضاعتهم إلا عند الجهلة من الناس :

أيها الأخوة الكرام، هؤلاء الشياطين ما عادوا يحظون اليوم بخبر السماء كما كانوا قبل بعثة النبي عليه الصلاة والسلام، ولعل الحكمة أن هذه البعثة العظيمة، وأن هذا القرآن المجيد من عناية الله به أنه منع الجن من استراق الخبر من السماء، لذلك حينما يلتقط الجني خبراً يلقيه إلى كل من تحته، وهم ينقلونه إلى من تحتهم، حتى يلقوه على لسان ساحر أو كاهن، فلا يكتفي الساحر بهذا الخبر البسيط، بل يزيد معه مئة كذبة، أو أكثر لتصلح تجارته بين جهال الناس.
السحرة والمشعوذون والكهان والعرافون لا تسري بضاعتهم إلا عند الجهلة، تروى قصة حديثة، جاؤوا بمسجلة، ووضعوها في صندوق بريد، فإذا مرّ إنسان أمام الصندوق يستمع استغاثة، يا أخي خلصني من هذا الصندوق، لا أحتمل، فيمتحنون ذكاء الناس من ردّ الفعل، إذا كان أفقُ الإنسان ضيقًا، يقول: معه حق، صندوق حجمه صغير جداً، كيف يجلس بداخله، أما إذا كان الإنسان ذكيًّاً فإنه يبحث عن شريط يصل من الصندوق إلى مكان بعيد، يبدو طبعاً أنه توجد مسجلة، فكلما كان أفق الإنسان ضيقًا ومحدوداً يصدق الخرافات، و الخرافات لا تنطوي إلا على الجهلة، والدجالون والمشعوذون والعرافون والكهان يستخدمون الدجل، لأن بضاعتهم هذه لا تروج إلا عند الجهال، هم يأخذون أموالهم، وفي الأعمّ الأغلب يعتدون على أعراضهم، ويهيمنون على بقية الناس، أما المهمة المعلنة فهي حلّ مشاكلهم، التوفيق بين الزواج، أن يكثر الرزق، أن تذلّل بعض العقبات.

حدثني أخ عن شخص مشعوذ أنه يطلب خمسة آلاف ليرة على نية أن ينجح الإنسان في امتحان قيادة السيارة، وكلهم يعرفهم، وهم أصحابه، ماذا يفعل؟ إذا نجح هذا الإنسان بحكم أنه يتقن القيادة يتوهم أن الخمسة آلاف التي قدمها للدجال سبب نجاحه، وإذا لم ينجح يأتي إليه، ويقول: معك حق، الضابط كان في غير دوامه، هذه الخمسة آلاف لك، لا يخلي عليه، هو لطيف، فإذا نجح بقدرته الذاتية يوهمه أن هذا النجاح بسبب الخمسة آلاف، وإذا ما نجح يقول له: الشخص الذي اتفقت معه لم يكن دوره اليوم، هذه الخمسة آلاف، تفضل، هناك دجل في البلد لا يوصف، لكن هذا الدجل الذي يصل إلى سمعي من خلال أخواننا الكرام، طبعاً أنا واثق بكم ثقة كبيرة جداً، أن أحدكم لن تنطلي عليه هذه الخرافات، ولكن هذا الدرس هدفه أن ينقلب إلى شريط، وهدفه الآخر أن الذين حولكم ممن يلوذ بكم ينبغي أن تعرفوهم قضية الشعوذة والدجل والعرافة والكهانة، طبعاً الشكل شيخ، وهنا المشكلة، لا ترى شخصاً تقول له: أنت مشعوذ، بلفة خضراء، وعنده بخور، وعنده مسك، وله كلمات، ويتكلم بالقرآن، المشكلة في الدجال أنه يكذب على الناس، يأخذ صفة شيخ، وصفة إنسان وقور، وصفة إنسان له صلة بالله، ولا يستخدم إلا القرآن، وله خلوة مع الله عز وجل.
قال ملِك بلغه أن هناك نصّاباً كبيراً، قال: أحضروه، قال له: كيف تنصب على الناس؟ قال: يا سيدي تحتاج إلى عدّة، كم العدة؟ قال: مبلغ ضخم، قال: أعطوه، فذهب ولم يعُد، قال: أين النصاب؟ قالوا: نصب عليك يا سيدي، وانتهى.

من حزبه أمر فليبادر إلى الصلاة :

في النائبات ـ دققوا الآن ـ كان عليه الصلاة والسلام إذا حزبه أمر بادر إلى الصلاة، حينما تعتقد أن جهةً في الأرض كائنة من كانت يمكن أن تنقذك من ورطتك فأنت مشرك، فإنه ما نزل بلاء إلا بذنب، ولا يرفع إلا بتوبة، قال تعالى:

﴿ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الأَمْرُ كُلُّهُ فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ ﴾

[ سورة هود: 123 ]

﴿ مَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَدًا ﴾

[ سورة الكهف: 26]

﴿ مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلَا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِه ﴾

[ سورة فاطر: 2]

الآيات كثيرة جداً، قال تعالى:

﴿ وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلَهٌ ﴾

[ سورة الزخرف: 84]

هذا الإله الذي تعبده لا يمكن أن يسلمك إلى غيره، احفظوا هذه الكلمة: الإله العظيم الذي تعبده لا يمكن، بل يستحيل أن يسلمك إلى غيره، لكن على الشبكية قد تجد إنساناً قوياً، وفيما يبدو للمتوهمين أن أمر الناس بيده، الإنسان ضعيف الإيمان الذي لم يتحقق من كلام الله عز وجل، يتوهم أن هذا القوي بيده مصير الناس، ولكن الإيمان الراسخ كما قال عليه الصلاة والسلام:

(( لِكُلِّ شَيْءٍ حَقِيقَةٌ، وَمَا بَلَغَ عَبْدٌ حَقِيقَةَ الْإِيمَانِ حَتَّى يَعْلَمَ أَنَّ مَا أَصَابَهُ لَمْ يَكُنْ لِيُخْطِئَهُ، وَمَا أَخْطَأَهُ لَمْ يَكُنْ لِيُصِيبَهُ ))

[أحمد عن أبي الدرداء]

المنجمون صنف من السحرة والكهان وهم أكذب خلق الله على وجه الأرض :

أيها الأخوة الكرام، نحن قلنا: إنه يوجد سحرة، يوجد كهان، يوجد عرافون، يوجد منجمون، يوجد مشعوذون، المنجمون صنف من السحرة، والكهان، وهم أكذب خلق الله على وجه الأرض، بعضهم اسمه منجم، يقوم بعبادة الكواكب السيارة، الشمس، والقمر، وزحل، والمشتري، والمريخ، والزهرة، وعطارد، يلبسون لباساً خاصاً لكل كوكب، يصومون أياماً معينة، يحلقون رؤوسهم، يشعلون البخور، يخاطبون القمر، ويزعمون أنهم بذلك يستنزلون روحانيات الكواكب، اخترعوا شيئاً أنهم كانوا فيما مضى يسمون المولود بحسب الشهر الذي ولد فيه، ويدعون أن لولادة هذا المولود في هذا الشهر دلالة خاصة في كشف أحواله، وشؤونه، وحظوظه، ومستقبله، والآن قضية برجك هذا الأسبوع، ومحطات فضائية أيها الأخوة الكرام لها برامج ثابتة، محطات فضائية طبعاً لا يعنيها إلا الكذب، مجلات، كتب، ويأتون بتفاصيل مضحكة، يأتي سؤال من مستمع: أنا ولدت في شهر تشرين، زواجك متأخر الآن، لا يوجد زواج مبكر، كله متأخر، لأنه لا يملك البيت، هناك إنسان سوف يحتال عليك، نصف الناس يحتالون على بعضهم، ترى كلاماً موجوداً في المجتمع، يأتي الإنسان الجاهل من ضيق أفقه فيقول: واللهِ هذا صحيح

قالوا: إن إنساناً سوف يحتال عليّ، واحتال عليّ فلان، لذلك قالوا: كذب المنجمون ولو صدقوا.
ثم بعد ذلك اخترعوا تقسيمات لأشهر السنة على شكل أبراج، الله عز وجل قال:

﴿ وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْبُرُوجِ ﴾

[ سورة البروج: 1]

وأبراج السماء برج العقرب مثلاً، أبراج معروفة، فكل برج عملوا له دراسة، فكلما التجأ إنسان إلى هؤلاء يبحثون عن برج، ويعطونه تعليمات كلها عامة، تصدق على معظم الناس، والإنسان الجاهل ضيق الأفق يتوهم أنه حصل على شيء.
هل تصدقون أيها الأخوة الكرام أن في العالم الغربي رؤساء وزارات يلجؤون إلى منجمين، والإنسان حينما يعصي الله يمتلئ قلبه خوفاً، هذا الخوف كيف يخفف منه؟ عن طريق المنجمين، يقول لك: عالم فلكي، فلكي يتنبأ بالمستقبل، بالغيب.

 

عدم معرفة النبي الكريم الغيب فمن باب أولى ألا يعرف المنجمون الغيب :

أنا في الدرس الماضي، أو لعله الدرس قبل الماضي أكدت لكم أن سيد الخلق، وحبيب الحق، وأن سيد ولد آدم، وأن الإنسان الأول في الأرض قال تعالى له:

﴿ قُلْ لَا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلَا أَعْلَمُ الْغَيْبَ ﴾

[ سورة الأنعام: 50]

هذه واحدة، قال تعالى:

﴿ قُلْ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ ﴾

[ سورة يونس: 15]

هذه الثانية، قال تعالى:

﴿ قُلْ لَا أَمْلِكُ لِنَفْسِي ضَرًّا وَلَا نَفْعًا ﴾

[ سورة يونس: 49]

هذه الثالثة، الرابعة قال تعالى:

﴿ قُلْ لَا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلَا ضَرًّا ﴾

[ سورة الأعراف: 188]

فلأن لا أملك لكم النفع والضر من باب أولى، هذا حجم سيد الخلق، وحبيب الحق، وأي إنسان على وجه الأرض في القارات كلها يدّعي خلاف ذلك فهو كذاب، دجال، نصاب، لا يعلم الغيب إلا الله فقط، وما مِن إنسان يمكن أن يعصي وأن ينجو من عذاب الله أبداً.

 

النبي بشر وتجري عليه كل خصائص البشر :

لذلك أيها الأخوة الكرام: الذي يطالع أبراجاً في المجلات، أو يتصل ببرنامج معين، ويسأله عما ينتظره: أنا ولدت في شهر كذا، فهذا كفر ببعثة النبي عليه الصلاة والسلام، هناك خطوط حمراء، هذا نوع من الكفر، حتى أحياناً في بعض النزهات تأتي منجمة، يقول لك: من باب التسلية، من أتى ساحراً فلم يصدقه لم تقبل له صلاة أربعين صباحاً، هذا إذا لم يصدق، أما الكلام الفيصل بهذا الموضوع أن النبي عليه الصلاة والسلام لحكمة أرادها الله يوم توفي ابنه إبراهيم كسفت الشمس، فالصحابة الكرام من شدة تعلقهم برسول الله، وتعظيمهم له، توهموا أن كسوف الشمس كان بسبب موت إبراهيم.

أي إنسان يعمل في الدعوة إذا توهم الناس أنه له كرامة يفرح، هذه جيدة، تقوي مركزنا، أما إذا كان مخلصاً للدعوة يرفضها أشد الرفض، اقتداءً بالنبي عليه الصلاة والسلام.
مرة أخ طرق بابي، قال لي: معي تسرع قلب، مئة وثمانون نبضة بالدقيقة، لما أضع يدي عندك على الجرس يرجع إلى الثمانين، قلت له: والله ليس صحيحاً، إياك أن تقع في الوهم، أنا إنسان عادي، يمكن أن أنفعك بشيء من العلم، وشيء بالقرب من الله فقط، أما أن ينزل القلب إلى الثمانين عند قرع الجرس فهذا ليس صحيحاً، يجب أن تنكرها، إن لم تنكر فأنت لست مخلصاً لهذه الدعوة.
فالنبي عليه الصلاة والسلام جمع أصحابه، عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَتْ:

(( خَسَفَتْ الشَّمْسُ فِي حَيَاةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْمَسْجِدِ، فَقَامَ، وَكَبَّرَ، وَصَفَّ النَّاسُ وَرَاءَهُ، فَاقْتَرَأَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قِرَاءَةً طَوِيلَةً، ثُمَّ كَبَّرَ، فَرَكَعَ رُكُوعًا طَوِيلًا، ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ، فَقَالَ: سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ، رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ، ثُمَّ قَامَ، فَاقْتَرَأَ قِرَاءَةً طَوِيلَةً هِيَ أَدْنَى مِنْ الْقِرَاءَةِ الْأُولَى، ثُمَّ كَبَّرَ، فَرَكَعَ رُكُوعًا طَوِيلًا، هُوَ أَدْنَى مِنْ الرُّكُوعِ الْأَوَّلِ، ثُمَّ قَالَ: سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ، رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ، ثُمَّ سَجَدَ، ثُمَّ فَعَلَ فِي الرَّكْعَةِ الْأُخْرَى مِثْلَ ذَلِكَ حَتَّى اسْتَكْمَلَ أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ، وَأَرْبَعَ سَجَدَاتٍ، وَانْجَلَتْ الشَّمْسُ قَبْلَ أَنْ يَنْصَرِفَ، ثُمَّ قَامَ فَخَطَبَ النَّاسَ، فَأَثْنَى عَلَى اللَّهِ بِمَا هُوَ أَهْلُهُ، ثُمَّ قَالَ: إِنَّ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ آيَتَانِ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ، لَا يَخْسِفَانِ لِمَوْتِ أَحَدٍ، وَلَا لِحَيَاتِهِ، فَإِذَا رَأَيْتُمُوهَا فَافْزَعُوا لِلصَّلَاةِ ))

[متفق عليه عَنْ عَائِشَةَ]

ليس لها علاقة، هذا موقف علمي، واللهِ مرة كنت بالعمرة، وأنا بمكة وصلت إليّ أخبار أن حزاماً من النور يخرج من قبر النبي الكريم، أقسم لي أناس أنهم رأوه رأي العين، نور ساطع يصعد إلى كبد السماء، سمعتها من عدد كبير من الناس، والله شيء عجيب، فلما وصلت إلى المدينة المنورة كان ثمة درس لعالم جليل، أنا كنت أستفيد أيضاً، جلست في الدرس، وبعد أن انتهى الدرس قال: أخواننا الكرام اتصل بي أمير المدينة، وأخبرني أنهم ركبوا أشعة ليزر فوق قبر النبي عليه الصلاة والسلام، الطائرات أثناء السفر ترى عموداً من الضوء فوق مقام النبي عليه الصلاة والسلام، هذا فقط عبارة عن أشعة ليزر وضعت في قبر النبي عليه الصلاة والسلام، حزمة أشعة تصعد إلى السماء، الناس فهموا فهماً آخراً.
قال أحدهم: الشيخ يطير؟ قال: لا والله يا بني، لكن الأخوان يطيّرونه، هذه لا أصل لها، إذا كان سيد الخلق وحبيب الحق، قال تعالى:

﴿ قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ ﴾

[ سورة الكهف: 110]

أنا واحد منكم، ولولا أن النبي بشر، وتجري عليه كل خصائص البشر لما كان سيد البشر، بشر يجوع، عَنْ أَنَسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:

(( لَقَدْ أُخِفْتُ فِي اللَّهِ، وَمَا يُخَافُ أَحَدٌ، وَلَقَدْ أُوذِيتُ فِي اللَّهِ، وَمَا يُؤْذَى أَحَدٌ، وَلَقَدْ أَتَتْ عَلَيَّ ثَلَاثُونَ مِنْ بَيْنِ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ وَمَا لِي وَلِبِلَالٍ طَعَامٌ يَأْكُلُهُ ذُو كَبِدٍ إِلَّا شَيْءٌ يُوَارِيهِ إِبْطُ بِلَالٍ ))

[الترمذي وأحمد عَنْ أَنَسٍ]

الكون والمجرات والكواكب من أجل معرفة الله و التقرب إليه :

قال تعالى:

﴿ إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ *الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ ﴾

[ سورة آل عمران: 190-191 ]

الكون، والمجرات، والكواكب، والأفلاك، من أجل أن نعرف الله، من أجل أن نتقرب إليه، من أجل أن نعظمه، يا رب! أي عبادك أحبّ إليك حتى أحبه بحبك؟ قال: أحبّ عبادي إليّ تقي القلب، نقي اليدين، لا يمشي إلى أحد بسوء، أحبني، وأحبّ من أحبني، وحببني إلى خلقي، قال: يا رب، إنك تعلم أنني أحبك، وأحب من يحبك، فكيف أحببك إلى خلقك؟ قال: ذكرهم بآلائي، ونعمائي، وبلائي.

﴿ أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ وَمَنْ يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ ﴾

[ سورة الحج: 18]

هذا الكون يدل على عظمة الله.

 

استخدام النجوم للتنجيم وللكذب على الناس نوع من السحر والكهانة :

أما أن تستخدم النجوم للتنجيم، وللكذب على الناس، ولإيهام الناس أنك تعلم الغيب، فهذا هو التنجيم الذي هو نوع من السحر والكهانة

أما الفلك، الفضاء الخارجي، فهناك علوم دقيقة جداً تستنبط منه،علم الفلك والمجرات، بعض المجرات تبعد عنا عشرين مليار سنة ضوئية، مع أن الضوء يقطع في الثانية الواحدة ثلاثمئة ألف كيلو متر، ثلاثمئة ألف كيلو متر بالثانية، بالدقيقة ضرب ستين، بالساعة ضرب ستين، باليوم ضرب أربع وعشرين، بالسنة ضرب ثلاثمئة وخمسة وستين، بعد هذا ضرب عشرين مليار، هذا بعده عنا، قال تعالى:

﴿ فَلَا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ*وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ ﴾

[ سورة الواقعة: 75-76 ]

أقرب نجم ملتهب إلينا بعده عنا أربع سنوات ضوئية، أبعد نجم حتى الآن بعده عنا عشرون ملياراً، أقرب نجم أربع سنوات، بالثانية ثلاثمئة ألف، بالدقيقة ضرب ستين، بالساعة ضرب ستين، باليوم ضرب أربع عشرين، بالسنة ضرب ثلاثمئة وخمسة وستين، بالأربع سنوات ضرب أربعة، هذا الرقم الذي نتج لو أردنا أن نصل إلى هذا النجم بمركبة أرضية بسيارة في طريق سير معبد هوائي طبعاً نمشي على المئة نقسم المسافة على مئة، كم ساعة؟ على أربع وعشرين، كم يوم؟ على ثلاثمئة وخمسة وستين، كم سنة نحتاج؟ نحتاج إلى خمسين مليون سنة كي نصل إلى أقرب نجم ملتهب، أربع سنوات ضوئية، أول قفزة القطب، نحتاج إلى أربع آلاف سنة، المرأة المسلسلة نحتاج إلى مليوني سنة، أحدث نجم نحتاج إلى عشرين مليار سنة ضوئية، قال تعالى:

﴿ فَلَا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ*وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ ﴾

[ سورة الواقعة: 75-76 ]

نص الحديث: عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَتْ:

(( خَسَفَتْ الشَّمْسُ فِي حَيَاةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْمَسْجِدِ، فَقَامَ، وَكَبَّرَ، وَصَفَّ النَّاسُ وَرَاءَهُ، فَاقْتَرَأَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قِرَاءَةً طَوِيلَةً، ثُمَّ كَبَّرَ، فَرَكَعَ رُكُوعًا طَوِيلًا، ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ، فَقَالَ: سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ، رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ، ثُمَّ قَامَ، فَاقْتَرَأَ قِرَاءَةً طَوِيلَةً هِيَ أَدْنَى مِنْ الْقِرَاءَةِ الْأُولَى، ثُمَّ كَبَّرَ، فَرَكَعَ رُكُوعًا طَوِيلًا، هُوَ أَدْنَى مِنْ الرُّكُوعِ الْأَوَّلِ، ثُمَّ قَالَ: سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ، رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ، ثُمَّ سَجَدَ، ثُمَّ فَعَلَ فِي الرَّكْعَةِ الْأُخْرَى مِثْلَ ذَلِكَ حَتَّى اسْتَكْمَلَ أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ، وَأَرْبَعَ سَجَدَاتٍ، وَانْجَلَتْ الشَّمْسُ قَبْلَ أَنْ يَنْصَرِفَ، ثُمَّ قَامَ فَخَطَبَ النَّاسَ، فَأَثْنَى عَلَى اللَّهِ بِمَا هُوَ أَهْلُهُ، ثُمَّ قَالَ: إِنَّ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ آيَتَانِ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ، لَا يَخْسِفَانِ لِمَوْتِ أَحَدٍ، وَلَا لِحَيَاتِهِ، فَإِذَا رَأَيْتُمُوهَا فَافْزَعُوا لِلصَّلَاةِ ))

[ متفق عليه عَنْ عَائِشَةَ]

وفي رواية: "فإذا رأيتم ذلك فادعوا الله، وكبروا، وتصدقوا، وصلوا".

 

الآيات الكونية تورث التعظيم والنعم تورث المحبة والمصائب تورث الخوف :

الآن المظاهر الطبيعية المخيفة؛ كالرعد، والبرق، والزلازل، يوجد لها توجيه قرآني، يقول الله عز وجل:

﴿ فَكُلًّا أَخَذْنَا بِذَنْبِهِ فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِبًا وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنَا بِهِ الْأَرْضَ وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنَا ﴾

[ سورة العنكبوت: 40]

﴿ وَمَا مَنَعَنَا أَنْ نُرْسِلَ بِالْآيَاتِ إِلَّا أَنْ كَذَّبَ بِهَا الْأَوَّلُونَ وَآتَيْنَا ثَمُودَ النَّاقَةَ مُبْصِرَةً فَظَلَمُوا بِهَا وَمَا نُرْسِلُ بِالْآيَاتِ إِلَّا تَخْوِيفًا ﴾

[ سورة الإسراء: 59]

التخويف بالقرآن إخافة حقيقية، لكن بالمعنى الدارج محاولة إيهام إنسان بالخطر، لكن الله عز وجل يريدنا أن يكون في قلبنا محبة له، وخوف منه، وتعظيم له، فالآيات الكونية تورث التعظيم، والنعم تورث المحبة، والمصائب تورث الخوف.

 

تحريم السحر بالكتاب و السنة و الإجماع :

أيها الأخوة الكرام، السحر، وكل ما يمتّ إليه محرم بالكتاب والسنة والإجماع، فقد ثبت في الصحيح عن عُرْوَةَ يَقُولُ: قَالَتْ عَائِشَةُ:

(( سَأَلَ أُنَاسٌ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الْكُهَّانِ، فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَيْسُوا بِشَيْءٍ، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَإِنَّهُمْ يُحَدِّثُونَ أَحْيَانًا بِالشَّيْءِ يَكُونُ حَقًّا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: تِلْكَ الْكَلِمَةُ مِنْ الْحَقِّ يَخْطَفُهَا الْجِنِّيُّ، فَيَقُرُّهَا فِي أُذُنِ وَلِيِّهِ قَرَّ الدَّجَاجَةِ، فَيَخْلِطُونَ فِيهَا أَكْثَرَ مِنْ مِائَةِ كَذْبَةٍ ))

[ متفق عليه عَنْ عَائِشَةَ]

كلمة حق يأتي معها ألف كلمة كاذبة، أحد العلماء الكبار التقى مع رؤساء المنجمين في دمشق، والقصة قبل مئة عام تقريباً، قال رئيسهم له: والله إنا نكذب مئة كذبة حتى نصدق في كلمة واحدة.
محور الدرس هذا أن السحرة يكذبون، سيدنا علي بن أبي طالب أراد أن يسافر ليخوض حرباً مع الخوارج، عرض له منجم، فقال له: يا أمير المؤمنين لا تسافر، فإن القمر في برج العقرب.
أخواننا الكرام، في برج العقرب نجم اسمه قلب العقرب، نجم صغير أحمر متألق، قال عنه العلماء: هذا النجم يتسع للشمس والأرض مع المسافة بينهما، بين الشمس والأرض مئة وستة وخمسون مليون كيلو متر، والشمس تكبر الأرض بمليون وثلاثمئة ألف مرة، وفي برج العقرب نجم صغير اسمه قلب العقرب يتسع للشمس والأرض مع المسافة بينهما.
فقال له: يا أمير المؤمنين، لا تسافر فإن القمر بالعقرب ـ برج العقرب ـ فإنك إن سافرت والقمر في العقرب هزمك أصحابك، فقال علي رضي الله عنه: بل سأسافر ثقةً بالله، وتوكلاً على الله، وتكذيباً لك، فسافر، فبورك له في هذا السفر، وانتصر في معاركه تلك.
الناس يتشاءمون من يوم الأربعاء، من رقم ثلاث عشرة، إنسان دخل إلى المحل، فهذه البيعة لم تحقق، يقول: قدمه شؤم، هذا كله كلام الشيطان، لا، ليس هناك يوم مشؤوم، ولا رقم مشؤوم، ولا إنسان مشؤوم، قال تعالى:

﴿ طَائِرُكُمْ مَعَكُمْ ﴾

[ سورة يس: 19]

العرب كانوا إن طار الطائر عن أيمانهم كانوا يتفاءلون، وإن طار عن شمائلهم يتشاءمون، الله عز وجل ردّ عليهم فقال:

﴿ طَائِرُكُمْ مَعَكُمْ ﴾

[ سورة يس: 19]

التشاؤم من أخطائك، من معاصيك، وليس من الطائر، والخيرات تأتي من عملك، من استقامتك، من طهرك، من ورعك، فالطائر معك، طائركم معكم.

 

تصديق المنجمين والسحرة والكهان والعرافين كفر بالله عز وجل :

أيها الأخوة الكرام، تصديق المنجمين والسحرة والكهان والعرافين كفر بالله عز وجل، لذلك عَنْ صَفِيَّةَ عَنْ بَعْضِ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:

(( مَنْ أَتَى عَرَّافًا فَسَأَلَهُ عَنْ شَيْءٍ لَمْ تُقْبَلْ لَهُ صَلَاةٌ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً ))

[ مسلم، أحمد عَنْ صَفِيَّةَ ]

ومن أتى عرافاً أو كاهناً فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد، ومن أتى كاهناً فصدقه بما يقول فقد برأ مما أنزل على محمد.

أيها الأخوة الكرام، إن السحرة كذبة بنص الكتاب والسنة، وبإجماع أهل العلم، وبتجربة كثير من العقلاء الذين خبروهم، وكشفوا نفاقهم ودجلهم، وإنما اتخذوها صنعةً لما فيها من المصالح المادية التي لا تخفى، ولما يحصل لهم بذلك من استباحة الأعراض، والوقوع في الفواحش، وغير ذلك من الكبائر، بحجة مداواة الناس المصابين بالصرع، والجنون، أو السحر.
يروون قصة، أن شخصاً ركب مركبته، وصل إلى جانب مستشفى المجانين، هناك عجلة طارت، توقف، وخرج مجنون من القصير قال له: خذ من كل دولاب برغي وضعه، فكرة رائعة، ما جاءت في باله، استغرب أنه هو إنسان عاقل، وهذا مجنون، قال له: أنا مجنون، ولكن لست حماراً، ففهم أنه يوجد مجنون، ويوجد إنسان أسوأ منه أيضاً.

 

وراء كل مصيبة معصية و وراء كل معصية جهل كبير :

أيها الأخوة الكرام: معالجة الصرع، معالجة الشقاق الزوجي، يكون هناك تقصير من الزوجة، أو شرود من الزوج، دائماً عود نفسك أن تكتشف أن وراء كل مصيبة معصية، فتش عن المعصية، التفكير العلمي المهتدي بالقرآن والسنة يؤكد لك أن وراء كل مصيبة معصية، وأن وراء كل معصية جهلاً كبيراً، جهل معصية مصيبة قانون، الجهل أعدى أعداء الإنسان، والجاهل يفعل في نفسه ما لا يستطيع عدوه أن يفعله به، بالأمن الجنائي يقال لك: فتش عن المرأة بكل جريمة، قد تكون وراء الجريمة امرأة، فتش عن المرأة قياساً على هذه القاعدة بكل مصيبة فتش عن المعصية، لا تقل: أنا مسحور، وليس لي حظ، كلمة الحظ أيها الأخوة الكرام لها مفهوم هو عين الكفر، قضية عشوائية، فلان له حظ، وفلان ليس له حظ، أما الله عز وجل فقال:

﴿ وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى*وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى *وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّىفَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى ﴾

[ سورة الليل: 1-7 ]

عندنا تيسير، وعندنا تعسير، والتيسير سببه الطاعة والاستقامة، والتعسير سببه المعصية والشرود.

 

من اتصل بالله بصلة محكمة وأقبل عليه إقبالاً شديداً يعامل عدوه بالمودة :

أما الآية الكريمة:

﴿ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ *وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ ﴾

[ سورة فصلت: 34-35 ]

الحظ هنا النصيب، أي نصيبه من الله كبير، أي اتصل به بصلة محكمة، وأقبل عليه إقبالاً شديداً، واشتق من كماله كمية كبيرة، هذا يعامل عدوه بالمودة، قال تعالى:

﴿ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ *وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ ﴾

[ سورة فصلت: 34-35 ]

الاستماع للدرس

00:00/00:00

نص الزوار

إخفاء الصور