وضع داكن
18-01-2025
Logo
العقيدة الإسلامية - الدرس : 16 - الوصول للإيمان بالله دليل الإتقان في الكون
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا، إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا، وزدنا علماً، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.

  دليل الإتقان في الكون هو الدليل الرابع على وجود الخالق سبحانه وتعالى:


أيها الإخوة الأكارم؛ اليوم درسنا في العقائد الدليل الرابع على وجود الخالق سبحانه وتعالى، وهذا الدليل عنوانه: دليل الإتقان في الكون، أي أنت إذا تفحصت آلة من الآلات إن كانت مؤلفةً من عشر قطع فما فوق لابد مع تَفَحُّص هذه الآلة أن تجد خللاً طفيفاً في بعض القطع، أما إذا تفحصتها ملياً قطعة قطعة، لولباً لولباً، صماماً صماماً، فلم تجد خللاً ولا خطأ في التركيب، ولا في التشغيل، لابد أن تكتشف أن وراء هذه الآلة صانعاً حكيماً مُتقناً.
ما من صناعة ترونها أنتم إلا وفيها سقط، إن كان على مستوى آلات، إن كان على مستوى أقمشة، إن كان على مستوى صناعات خفيفة أو ثقيلة، لابد من خلل، لابد من خطأ، لابد من تقصير، لابد من زيادة، لكنك إذا رأيت شيئاً لم تكتشف ولا غلطة ولا خللاً ولا اضطراباً بل إتقاناً ما بعده إتقان تحسّ أنك معجب إعجاباً لا حدود له بصانع هذه الآلة، عندئذ لا تعتقد أن لهذه الآلة صانعاً فحسب، بل لهذه الآلة صانعاً من أعلى درجة، مستواه في الصناعة عالٍ جداً، ذوقه رفيع جداً، دقته في التركيب بالغة جداً، حصافته في التشغيل عالية المستوى، فربنا عز وجل يقول في القرآن الكريم:

﴿ وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ (88)﴾

[ سورة النمل ]

قال تعالى:

﴿ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَوَاتٍ طِبَاقًا مَا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِنْ تَفَاوُتٍ فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرَى مِنْ فُطُورٍ (3)﴾

[ سورة الملك ]

أي بعضهم فسر هذه الآية أنه ما ترى في خلق الرحمن من اختلاف، لا، هناك اختلاف، النملة كالحوت؟ الذرة كالمجرة؟ هناك اختلاف كبير في الحجوم، في الأشكال، في الألوان، في الوظائف، في المنشأ، في النهاية، ما أوسع التفاوت في خلق الله عز وجل عز وجل؟! فكيف يقول الله عز وجل: ﴿ما تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِنْ تَفَاوُتٍ﴾ كيف؟ فسّر هذه الآية المفسرون بأن مستوى الصنعة من أعلى درجة في الإتقان، فإتقان النملة كإتقان الحوت، وإتقان الذرة كإتقان المجرة، وإتقان العصفور كإتقان الحشرة، ولا ترى في خلق الله عز وجل خلقاً مستوى الإتقان فيه من الدرجة الثانية.
أي معملٍ يقول لك: هذه البضاعة من الدرجة الأولى، هذه نخب ثانٍ، هذه بضاعة تجارية، هذه سقط، ما من صناعة إلا ولها درجات، أما أن الله سبحانه وتعالى كل شيء خلقه في الكون، وفي الأفلاك، وفي المجرات، وفي الكواكب، وفي الأقمار، وفي الشموس، وفي الأرض، وفي باطن الأرض، والذي على سطح الأرض، في عالم الأسماك، في عالم الأطيار، في عالم الحيوانات، في عالم النباتات، في عالم الإنسان، في عالم الجن، في عالم الملائكة قال الله: ﴿مَا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمنِ مِنْ تَفَاوُتٍ﴾ كل خلق الله عز وجل درجة الإتقان فيه أعلى درجة، وكل هذه المخلوقات من مستوى واحد من حيث الإتقان.
أي إنسان يمشي في الطريق، يسمع بوق سيارة ينحرف نحو اليمين، هل تصدق أن في دماغك جهازاً من أعقد الأجهزة؟ إن هذا الجهاز يقيس زمن وصول الصوتين إلى الأذنين، يقيس تفاوت وصول الصوتين إلى الأذنين، فإذا عرف أن الصوت وصل إلى هذه الأذن قبل هذه الأذن اكتشف هذا الجهاز في المخ أن السيارة من على يمينك، لذلك ينحرف هذا الإنسان على اليسار.
أبسط شيء من يصدق أنك لن تستطيع أن تقف على قدميك والدليل؛ إذا مات الإنسان هل بإمكان أهله أن يجعلوه واقفاً؟ لا يستطيعون، لو نظرت إلى هيكل إنسان في بعض المحلات التجارية انظر إلى قاعدته، سبعون سنتمتراً من أجل أن يبقى هذا التمثال واقفاً، نموذج بائعي الألبسة من أجل أن ينتصب هذا الإنسان لابد من قاعدة واسعة جداً، فكيف يقف الإنسان على قدميه؟ لابد من جهاز للتوازن في الأذن الوسطى، ثلاث قنوات فيها سائل، فيها أشعار، فإذا مال الإنسان بقي السائل أفقياً في سطحه، فإذا مال الإنسان هكذا ارتفع السائل هنا لامس الأشعار، أعطى إشارة إلى الدماغ أن هناك ميلان قد حصل، عندئذ يُصحح الإنسان وقفته، ولولا هذا الجهاز لما استطاع الإنسان أن يركب دراجة أبداً، التوازن مستمر كلما مال لجهة عدّل وقفته أو استقامته إلى الجهة الثانية.
خلق الإنسان؛ أي هذه القناة الدمعية من الدقة بحيث يصعُب تصورّها، ومع ذلك تُصرّف فائض الدمع إلى الأنف، الأنف بحاجة إلى رطوبة دائمة، لأن الأنف عبارة عن سطوح متداخلة، محاطة بطبقة لزجة، تحتاج إلى ترطيب دائم من أجل أن تصطاد الأجسام الغريبة العالقة في الهواء، أي أعلى جهاز تصفية في الأنف، سطوح متداخلة، مطلية بمادة مخاطية، مُرطَّبة بدمع العين، فيها أشعار، وشرايين وهذه المنطقة ذات عضلات بحيث تتوسع إذا بردت، فإذا برد الطقس ترى الأنف أحمر قانياً بدليل توسع الشرايين من أجل رفع درجة الحرارة، من أجل أن تأخذ الهواء من هنا بحرارة تعادل الصفر، ويصل إلى أول القصبتين بحرارة تساوي ثمان وثلاثين درجة بمسافة قصيرة، أرقى جهاز تسخين.
 

خلق الإنسان يؤكد على أن هناك صانعاً حكيماً:


هذا الدماغ، إتقانه إلى أقصى الحدود، أي أربعة عشر مليار خلية سمراء للمحاكمة، والتخيّل، والتصور، والذاكرة، ومركز السمع، ومركز البصر، ومركز الحركة، ومركز التوازن، ومركز، ومركز، أي عالم قائم بذاته، هناك عمى يصيب الإنسان، عمى في الدماغ، العين سليمة مئة في المئة، لكن مركز الرؤية في الدماغ يتعطل، أربعة عشر مليار خلية سمراء في الدماغ تستند إلى مئة وأربعين مليار خلية استنادية لم تُعرف وظيفتها بعد، والشيء المدهش أن خلايا الدماغ بل إن الخلايا القشرية في الدماغ مُستعصية على مرض السرطان، لم يسجل الطب حتى الآن حالة ورم خبيث في هذه المنطقة، لأن هذه المنطقة منطقة المحاكمة والتفكّر، فربنا سبحانه وتعالى كرّمها وشرّفها وحصّنها.
هذا الدماغ حساس إلى درجة قصوى، إذاً لابد من أن يُحاط بسائل، هذا السائل يقيه الصدمات، فأية صدمة تصيبه إن هذه الصدمة تُوزّع على مُجمل مساحته، إذاً لو أن صدمة قُدرت بخمسة كيلو في المكان المحدد وُزّعت على كامل السطح لأصبحت غرامين، انتهى، من جعل هذا الترتيب؟ من جعل هذه الرقبة تدور مئة وسبعين درجة؟ أي أدق زاوية الدوران، من جعل هذا الدماغ في هذه الحجرة المُحصّنة؟ ومن جعل هذه الحجرة ذات مفاصل مُكسّرة ثابتة؟ لو أن هناك صدمة عنيفة أصابت الدماغ، هناك مجال لتداخل هذه السطوح أقل من ميلي واحد، هذا المجال يمتص الصدمة، ﴿صنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ﴾ .
من جعل هذه العين وفيها هذه الأعصاب مئة وثلاثون مليار عصّية ومخروط في شبكية العين؟ ومن جعل شبكية العين تتحسس بالخيالات التي تقع قبلها فتُرسل إلى الدماغ أمراً إشعاراً بذلك؟ الدماغ يرسل أمراً إلى الجسم البلوري بالانضغاط حتى يقع الخيال على الشبكية من أجل أن تكون الرؤية صحيحة، فإذا وقع الخيال خلف الشبكية أعطت أمراً إشعاراً آخر للدماغ بحيث يأمر الجسم البلوري بالتطاول كي يقع الخيال على الشبكية، من أتقن هذا الصنع؟ الله سبحانه وتعالى.
من جعل هذه الأشعار-كما قلت لكم في درس سابق-لكل شعرة شريان ووريد وعصب وعضلة وغدة دهنية وغدة صبغية؟ من جعل هذه المعدة؟ لو تفحصت الجهاز الهضمي، وموضوع الرغامى، لسان المزمار، هذا اللسان يعمل ثمانين عاماً إذا أردت التنفس يُغْلَق المريء إغلاقاً محكماً، وإذا أردت الأكل تُغلق القصبة إغلاقاً محكماً، من دون أن تشعر، من جعل هذا اللسان جهازاً للذوق؟ جهازاً للنطق؟ جهاز للهضم؟ له وظيفة هضمية، وله وظيفة نطقية، وله وظيفة متعلقة بالذوق، حاسة خامسة، ﴿صنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شيْءٍ﴾ .
من جعل هذا المفصل في هذا المكان بالذات؟ من جعل هذا المفصل إنسياً وجعل مفصل الركبة وحشياً؟ من جعل كذلك؟ من جعل هذه العظام الثمانية بحيث تتحرك اليد في كل الاتجاهات؟ من جعل هذه الأصابع؟ من جعل هذا الجلد مخططاً تماماً كي تمسك به كل شيء؟ أداة اللقط لها خطوط، كذلك الأصابع، من جعل هذه الأظافر؟ من ألغى أعصاب الحس من الأظافر كي تقصها في البيت من دون مستشفى من دون عملية جراحية من دون تخدير؟ من ألغى أعصاب الحس من الشعر؟ من جعل أعصاب الحس في نقي العظام بحيث لو كُسِرت لكان الألم لا يُطاق؟ وهذا الألم وحده نصف العلاج، شدة الألم تجعلك تُبقي العظم المكسور على وضعه، هذا هو العلاج، الألم الوقائي، من جعل في الأسنان أعصاباً حسيّة بحيث لو أن نخراً أصاب بعض الأسنان لا تنام الليل من أجل أن تبادر إلى معالجته وإلا يظل النخر قائماً فيه إلى أن تأكله مع الطعام وتفقد أسنانك كلها؟ من جعل هذا الجلد؟ من جعل هذه العضلات؟ ﴿ما تَرَى فِي خلْقِ الرَّحْمنِ مِنْ تَفَاوُتٍ﴾ .
 هذا النخاع الشوكي خطير جداً أودعه الله داخل العمود الفقري، وهذا الرحم خطير جداً أودعه الله داخل الحوض، وهذا القلب خطير جداً أودعه الله داخل القفص الصدري، ومعامل الكريات الحمراء خطيرة جداً أودعها الله داخل العظم في نقي العظام، هذا صُنْع الإنسان.
من جعل هذه الكلية يسير فيها الدم في اليوم والليلة مئة كيلو متر؟ فيها مليون نفرون، أطوالهم عشرون كيلو متر، يمر الدم كله في الكليتين في اليوم خمس مرات، من أعطاك؟ من جعل هذه المثانة؟ من جعل هذه الأجهزة؟ من جعل هذه الأمعاء طويلة ثمانية أمتار؟ لماذا؟ من أجل أن تبقى مستريحاً في عملك ساعات طويلة، لو أن الأمعاء طولها عبارة عن متر أو مترين إنك محتاج إلى أن تذهب إلى بيت الخلاء في كل ربع ساعة، كل نصف ساعة تحتاج أن تعمل زيارة، لكن هذه الأمعاء الطويلة تجعلك في عملك، في احتفالك، في مكانك، في مسجدك، تمضي ساعات طويلة وأنت معافى مستريح، ﴿صنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شيْءٍ﴾ .
هل طرأ على خلق الإنسان تعديل منذ أن خلقه؟ هذا الكبد الذي يقوم بخمسة آلاف وظيفة في أحدث البحوث العلمية من منّا يستطيع مثلاً أن يُحوّل المواد الدسمة؟ هذا في خلق الإنسان، من جعل هذا العظم لو كُسِر بعد أن نامت الخلايا وهجعت ثلاثين عاماً تستيقظ وتُرمم نفسها بنفسها؟ من؟ الله سبحانه وتعالى، هذا خلق الإنسان ومثله خلق الحيوان.
هذا الصوص الذي يُخلّق داخل البيضة قبل أن يخرج منها يظهر له نتوء مدبب على منقاره يُعينه على كسر البيضة، فإذا كسرها تلاشى هذا النتوء، من؟ من جعل الماء إذا تجمد يزداد حجمه؟ من؟ لولا هذه الظاهرة لما كنّا نحن الآن، لما بقي على وجه الأرض حياة، أي الإتقان، الدرس اليوم ليس الحكمة؛ الإتقان.
أحياناً تجد سيارة أو آلة إتقانها عجيب، يقول لك: المبيعات لسنة محجوزة، عليها إقبال شديد لدقة الإتقان، فربنا عز وجل ما من مصنع للسيارات إلا ويُعدّل، التعديل دليل نقص، كل عام يُضيف تحسينات لم تكن موجودة، يُمتِّن بعض الأماكن، يُقوّي بعض المناطق الضعيفة، يختبرها، يختبر سرعتها، يختبر ثباتها على الأرض، يزيد، يُقَلّل، يُمتّن، يقوّي، يضيف زيادات، هذه التعديلات دليل النقص، لكن ربنا عز وجل خَلْقُ الإنسان متقن إتقاناً بالغ الدقة، الطفل الصغير حينما يلد يجد ثديين، حليباً ساخناً في الشتاء، بارداً في الصيف، مُعيراً تعييراً يومياً، فيه مناعة الأم الكاملة، يسهل هضمه، فيه مواد قاتلة للجراثيم، البحث عن حليب الأم لا يُصدّق لشدة العناية بها الإنسان، لذلك قال العلماء: هذا الدليل اسمه: دليل الإتقان أو دليل العناية، أي إذا دخلت إلى بيت ووجدت إتقاناً في بنائه و إتقاناً في تزيينه، وإتقاناً في أثاثه، وإتقاناً في فرشه، هذا الإتقان ألا يلفت النظر؟ إتقاناً ما بعده إتقان، ﴿ما تَرَى فِي خلْقِ الرَّحْمنِ مِنْ تَفَاوُتٍ﴾ .
 

العلاقة المتباينة بين اسم الخالق واسم العزيز وأثرهما في الكون:


لو جلست إلى مائدة ورأيت الطعام قد وُضِع بأطباق من نوع واحد، والأطباق موزعة توزيعاً مناسباً، في كل طرف من أطراف الطاولة طبق، وأطباق أخرى فارغة بعضها عميق، بعضها مسطح، أدوات الطعام، المنديل، الزهور، كل شيء من أعلى درجة، ألا تعتقد أن هناك مُصمماً لهذا الطعام وضعه بهذا الشكل وقد دخل مدرسة لفني تقديم الطعام؟ أي نحن بحياتنا اليومية نستنتج دائماً استنتاجات تُلفت النظر، هذه الاستنتاجات متعلقة بأن لكل شيء متقنٍ، نحن أول شيء كنا نريد خالقاً، الخالق موجود لكن خالق له أسماء حسنى أي صنعته من الإتقان بحيث لا تستطيع أن تأخذ عليه شيئاً، يلتقي اسم الخالق مع اسم العزيز، معنى العزيز لا يُنال جانبه، لو أنك تفحصت شيئاً ورأيت فيه عيباً وقلت: انظر، تجد الصانع ينكمش، يتضاءل، يخجل، يعتذر لك، لكنك إذا تفحصت غرفة نوم، فتحت أبوابها، نظرت إلى داخلها، فتحت الدروج، وجدت إتقاناً منقطع النظير، وهو يتأملك الذي صنعها، تقول له: أعطاك الله العافية، ولا كلمة، لكن لو وجدت فيها عقدة، لو وجدت مُفصّلة بدون برغي، لو الباب لم يطبق أو طبق ولكن يوجد فرق، أو طبق مع ضغط شديد، أو وجدت الألوان مختلفة، أو داخل الدروج ما صبغها لك، تنزعج، تأخذ عليه مأخذاً.
فلذلك عندما تكون الصنعة متقنة إلى أقصى الحدود تسكت، إتقان صنعته يُسكت الألسنة، لذلك هو عزيز لا يُنال جانبه، لا يستطيع أحد أن يأخذ على صنعته مأخذاً، ولا انتقاداً، ولا غلطة، كل الذي خلقه عين الكمال، ليس في الإمكان أبدع مما كان.
 

ضرب نوع من الأمثلة على صنع الله في الكون:


أحياناً ترى الهر في المنزل، انظر إلى جماله، انظر إلى عضلاته، تجد أن له  شاربين، هناك سيارات شاحنة، تجعل في مقدمتها قضباناً مائلة تنتهي بضوء في الليل من أجل أخذ مجال للسير، حتى لو أنّ أحداً واجهها ليلاً يحدد له حجماً أكبر من حجمها، يتلافاها، هذا القط أو هذا الهر يمشي في الظلام يحتاج إلى مُشعرات، فهذه الشوارب التي له الطويلة إنها مشعرات له، يعرف ما الذي أمامه، ما الذي على جانبه، ما الذي على جانبه الثاني، شاربا الهر آية من آيات الله عز وجل.
الفصّة مثلاً، لو ربنا عز وجل جعلها تنبت فإذا عُرفت انتهت مثل الفول أو مثل أي نبات آخر، لم يعد اقتصادي، قال: هذه الفصّة تحصدها ست مرات، إذاً اقتصادية، هناك إتقان، حدثني أخ كريم يعمل في الزراعة وهو مختص بالمراعي، قال لي: بعض النباتات الرعوية، الثمرة مركبة على حلزون مُفرّغ، فإذا هبت الريح يدور هذا الحلزون في الأرض، ينغرس في الأرض، فإذا انغرس أفرغت الثمرة بذورها في هذا الحلزون فنزلت هذه البذور إلى باطن الأرض، أي زراعة إلهية من دون أن تشعر، هناك بذور طائرة لها أجنحة تنتقل من قارة إلى قارة، ﴿صنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ﴾ أي عالم النبات شيء لا يصدق، ربنا عز وجل قال: 

﴿ وَهُوَ الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ نَبَاتَ كُلِّ شَيْءٍ فَأَخْرَجْنَا مِنْهُ خَضِرًا نُخْرِجُ مِنْهُ حَبًّا مُتَرَاكِبًا وَمِنَ النَّخْلِ مِنْ طَلْعِهَا قِنْوَانٌ دَانِيَةٌ وَجَنَّاتٍ مِنْ أَعْنَابٍ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُشْتَبِهًا وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ انْظُرُوا إِلَى ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَيَنْعِهِ إِنَّ فِي ذَلِكُمْ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (99)﴾

[ سورة الأنعام ]

أنواع الأخشاب، حدثني أخ نجار، قال لي: عندنا مئة نوع أعرفها، الذي عنده طقم ستيل، هذا الخشب أساسه زان، لو صُنِعت النوافذ من هذا الخشب لما صلُحت، لأن هذا الخشب كأن الله عز وجل صممه لداخل البيوت، فإذا واجه المطر والشمس تفسخ وفسد، لا يصلح، الله عز وجل خلق نوعاً خاصاً للنوافذ الخارجية، هذا النوع لا يتأثر لا بالماء ولا بالرطوبة ولا بالهواء ولا بالشمس، فخشب النوافذ من نوع، وخشب الأثاث من نوع، وخشب أقلام الرصاص والكبريت من نوع لين جداً، وهناك خشب يستعمل استعمالات متعددة، وهناك خشب جميل جداً لونه أبيض فيه عروق جميلة للأبواب الخارجية، وهناك خشب للآلات يمتص الصدمات، حدثني شخص قال لي: معمل أحضر مجموعة آلات ركّبها على قواعد إسمنتية بعدما ركبها الخيط يقطع، ليس لها حل، أحضر خبيراً، اثنين، ثلاثة، الآلة جديدة والقاعدة الإسمنتية جيدة، والخيط يقطع المكوك، أحضروا خبيراً دارساً في دولة أجنبية طلب أربعين ألف لتركيب عشر آلات، نزع هذه القواعد الإسمنتية، قلعها وأحضر خشب توت، وضع لكل آلة قاعدة من خشب التوت، درسوا هناك أن خشب التوت له ألياف متينة ومرنة تمتص الصدمات، فكل آلة نسيجية يجب أن توضع على قاعدة من خشب التوت، بعدما ركب الآلات أخذ على هذه الفكرة أربعين ألف ليرة، طبعاً المعمل دفع ثمن الخشب، لكنه ارتاح للفكرة، من صمم هذا الخشب من أجل هذه المهمة؟ والله الذي لا إله إلا هو أشعر لو أمضينا مئة عام في الحديث عن وجه الإتقان في خلق الله ما اكتفينا، مئة عام، ماء البحر، الأسماك، السمك جعل الله عز وجل له أنبوباً مفرّغاً من الهواء تحت الحراشف، هذا جهاز الضغط، السمكة تعرف في أية لحظة أين هي من البحر، على أي ارتفاع أو على أي عمق، فكلما غاصت في أعماق البحر زاد ضغط المياه على هذا الأنبوب، جهاز يُشْعر بمدى بعدها عن سطح البحر، السمكة متقنة جداً، كيف تستطيع هذه السمكة أن تطفو؟ وكيف تستطيع أن تغوص في أعماق البحر؟ إنها تُصنّع الهواء من معدتها، وتملأ به أكياساً فتطفو، تُفرِّغ الهواء فتسقط، والغواصة حينما صنعها الإنسان قلّد بها السمكة، من جعل لها هذه الزعانف؟ لها ثلاث وظائف؛ أداة توازن، الزعانف تجعلها متوازنة، والزعانف تُعينها على توجيه الدفة الأخيرة، بحركة الزعنفة الأخيرة تتجه السمكة، والزعنفة أيضاً أداة دفع كالمحرك تماماً، أداة دفع وتوجيه وتوازن، إذا تأمل الإنسان السمك، تأمل الفواكه، تأمل الثمار، تأمل الأشجار، يجد إتقاناً ما بعده إتقان.
الشيء الذي يُلفت النظر أن ربنا عز وجل خلق التفاح، يوجد ثلاثمئة نوع من التفاح، هذا منتهى الإكرام، منتهى الإتقان، نوع صغير سكري، نوع كبير شتوي، نوع أحمر اللون، نوع لونه الأحمر أشدّ دكانة من الأول، نوع لونه أصفر، نوع هش، نوع صلب، نوع حلو المذاق، نوع فيه حموضة قليلة، نوع يُعمّر طويلاً، أنواع منوّعة، العنب كم نوع؟ لذلك: ﴿ما تَرَى فِي خلْقِ الرَّحْمنِ مِنْ تَفَاوُتٍ﴾ ليس هناك صنعة فحسب بل هناك صنعة متقنة إلى أعلى درجة في الإتقان، هذا الإتقان دليل وجود الله عز وجل ودليل أسمائه الحسنى.
هذا الأنف تحسسه تجد العظم ينتهي هنا، هذا القسم غضروفي، لو كانت الصنعة غير متقنة كله عظم، كم إنسان يتحطم أنفه؟ يمكن بالمئة تسعة وتسعون، شخص ما انتبه مادام منطقة بارزة ومدببة وصلبة تنكسر فوراً، الله خلق لك أنفاً ثلثاه عظم، آخر ثلث غضروف، أثناء السجود الإنسان اصطدم بشيء، كوشوك، ليس حديداً، أحدث طريقة مقدمة السيارة صنعوها من الكوشوك أي يمتص الصدمات، ﴿ما تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِنْ تَفَاوُتٍ﴾ ، ﴿صنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ﴾ .
أي عقولنا ترفض رفضاً قطعياً أن يكون هذا الإتقان بلا إلهٍ عظيم، عالمٍ، حكيم، خبير، عليم، غني، قدير، رحيم، متقنٍ، لا تقبل.
 

الأدلة الواردة في الكتاب في بيان صنع الله في مخلوقاته:

 

1- تفسير معاني الآية وربطها بالواقع:

الآية الثانية:

﴿ أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ مِهَادًا (6)﴾

[ سورة النبأ ]

أحياناً يوجد أماكن بالقطر اسمها: وعر، اللجاة في الجنوب الشرقي، وهناك مجموعة أماكن في بعض المحافظات كلها صخر، لو أن الأرض كلها هكذا نموت من الجوع، الله عز وجل لحكمة بالغة ترك بعض الأماكن صخرية، انظر أيها الإنسان لو أن أرضك كلها هكذا تموت جوعاً، تجد صخراً يسمونها: الوعر، لا تصلح لشيء إلا للبنيان، تبني عليها، فربنا عزّ وجل قال:

﴿ أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ مِهَادًا (6) وَالْجِبَالَ أَوْتَادًا (7) وَخَلَقْنَاكُمْ أَزْوَاجًا (8)﴾

[ سورة النبأ ]

ذكراً وأنثى، لو أن الله خلق كل الناس ذكوراً، أول شيء هل نبقى نحن موجودين إلى الآن؟ ينتهي النوع البشري، جهاز التناسل جهاز حفظ بقاء النوع، لولا التزاوج لما بقي الإنسان، لانتهى منذ آلاف القرون، ﴿وَخَلَقْنَاكُمْ أَزْوَاجًا﴾ لو جعل المرأة غير محببة، الله عزّ وجل جعلَ هناك ميلاً طبيعياً، قال الله:

﴿ زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ (14)﴾

[ سورة آل عمران ]

لولا هذا الميل الطبيعي لما تزوج أحد، يصبح الزواج عبئاً، لولا هذا الشيء الذي أودعه الله في قلب الرجل، لولا هذا الميل الطبيعي الذي خلقه الله في قلب الرجل لما تزوّج إنسان:

﴿ أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ مِهَادًا (6) وَالْجِبَالَ أَوْتَادًا (7) وَخَلَقْنَاكُمْ أَزْوَاجًا (8) وَجَعَلْنَا نَوْمَكُمْ سُبَاتًا (9)﴾

[ سورة النبأ ]

من الذي جعل النوم؟ يقول لك: تعبت، عملت اثنتي عشرة ساعة، نمت ثماني ساعات فاستيقظت مثل الحصان، صحيح، هذه الأعصاب الخلية العصبية عبارة عن نواة واستطالة تتصل باستطالة ثانية وهكذا، الخلايا العصبية عند النوم تتباعد، فالسيالة العصبية الكهربائية إذا سارت تجد الطريق مقطوعاً، هذا النوم، الله عز وجل جعلَ ترتيباً رائعاً جداً، لو كان المنبه قوياً جداً إذا وجد إنسان ساقية ماء لا يمكنه قطعها، إذا كان يتبعه عدو يقطعها، إذا كان هناك خوف شديد يقفز، يقول لك: والله استطعت، هذا الصوت إن كان مزعجاً جداً عندئذٍ هذه السيالة تقفز فيصحو الإنسان، ألم أقل لك: النوم موت؟ على الأصوات الخفيفة لا يستيقظ، أما يستيقظ الإنسان على الصوت القوي ولو أنه قد نام الآن، اليقظة تقترب هذه الأعصاب تصحو، تتباعد تنام:

﴿ وَجَعَلْنَا نَوْمَكُمْ سُبَاتًا (9) وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ لِبَاسًا (10)﴾

[ سورة النبأ ]

الليل ستر.

﴿ وَجَعَلْنَا النَّهَارَ مَعَاشًا(11)﴾

[ سورة النبأ ]

 للعمل.

﴿ وَبَنَيْنَا فَوْقَكُمْ سَبْعًا شِدَادًا(12)﴾

[ سورة النبأ ]

سبع سماوات طباقاً.

﴿ وَجَعَلْنَا سِرَاجًا وَهَّاجًا(13)﴾

[ سورة النبأ ]

 يا أخي بردنا، هل تعلم ما معنى البرد أساساً؟ البرد المطلق ثلاثمئة وخمسون تحت الصفر، لو لم يكن هناك شمس لكانت الحرارة ثلاثمئة وخمسين تحت الصفر، إذا كانت الحرارة صفراً فمعنى ذلك أن هناك شمساً، سبعون درجة تحت الصفر في القطبين، معنى هذا يوجد  شمس، لولا الشمس ثلاثمئة وخمسون تحت الصفر:

﴿ وَجَعَلْنَا سِرَاجًا وَهَّاجًا (13) وَأَنْزَلْنَا مِنَ الْمُعْصِرَاتِ مَاءً ثَجَّاجًا (14) لِنُخْرِجَ بِهِ حَبًّا وَنَبَاتًا (15) وَجَنَّاتٍ أَلْفَافًا (16)﴾

[  سورة النبأ ]  

2- الآية الثانية عن صنع الله وبيان دلائله في خلق الإنسان:

آية ثالثة:

﴿ قُتِلَ الْإِنْسَانُ مَا أَكْفَرَهُ (17)﴾

[ سورة عيس ]

ما الذي جعله يكفر؟

﴿ مِنْ أَيِّ شَيْءٍ خَلَقَهُ (18) مِنْ نُطْفَةٍ خَلَقَهُ فَقَدَّرَهُ (19)﴾

[ سورة عيس ]

حيوان منوي واحد من ثلاثمئة مليون حيوان، باللقاء الزوجي حيوان من ثلاثمئة مليون حيوان، هذا الحيوان له رأس مدبب، وله عنق، وله ذيل حلزوني، يمشي بالساعة عشرة سنتمتر، حيوان خلية، رأس مدبب، وعنق، وذيل، الذيل يعينه على الحركة، هذا الرأس المدبب فيه مادة برأس الرأس مغطاة بغشاء رقيق جداً، إذا لامس هذا الحيوان البويضة يتمزق الغشاء، وتخرج هذه المادة من رأسه فتزيل جدار البويضة، تدخل إلى الداخل، مجرد أن دخل الحيوان يغلق الباب، انتهى الأمر، ثلاثمئة مليون لم يعد له عمل، اكتفينا مع السلامة، البويضة تحتاج إلى حيوان منوي واحد، الآن تنقسم البيضة الملقحة حوالي عشرة آلاف قسم في طريقها من المبيض إلى الرحم، أما الحكمة البالغة الإتقان لو أن هذا الانقسام يرافقه زيادة في الحجم لعلقت منه في الطريق، لأن الطريق ضيق بين البويضة وبين الرحم عبارة عن حبل، لو أدخلت كرة ضمن نربيش ماء تعلق في الوسط لا تمشي إذا كان حجمها كبيراً، فالله عز وجل هذه البويضة الملقحة تنقسم عشرة آلاف قسم محافظةً على حجمها لأنه لو زاد حجمها لوقفت في الطريق وسدت الطريق، ﴿قُتِلَ الإِنْسَانُ مَا أَكْفَرَهُ* مِنْ أَيِّ شَيْءٍ خَلَقَهُ﴾ أنت وشهاداتك، ومكانتك، وذكاؤك، ومؤلفاتك، ومكانتك الاجتماعية، ودماغك، وأعصابك، وعضلاتك، وأجهزتك، والغدة النخامية، والغدة الدرقية، والكظران، والكليتان، والقلب، والشرايين، والدسامات، والدماغ من أي شيء خلقه؟ 

﴿ مِنْ نُطْفَةٍ خَلَقَهُ فَقَدَّرَهُ (19) ثُمَّ السَّبِيلَ يَسَّرَهُ (20)﴾

[ سورة عيس ]

من أخذ قياسات صحيحة؟ لو كان عظم الحوض أضيق من حجم الرأس، ماذا تفعل بنفسك؟ تخرج، لا يوجد خروج، القياسات صحيحة تماماً، لو كان حجم الرأس أو حجم الكتفين، لاحظ الطفل سبحان الله! حجم رأسه بعرض كتفيه تماماً، ضع مسطرة تجد رأسه بعرض كتفيه تماماً، تصميمه خاص للخروج،  بعد الخروج تعرض أكتافه، بعدئذ تأخذ الأكتاف أبعادها الحقيقية، لو كان الرأس كبيراً والأكتاف عريضة كيف الخروج؟ لا يستطيع، ﴿ثُمَّ السَّبِيلَ يَسَّرَهُ﴾ من جعل المرأة تفرز مادة هرمونية تُحرك الحوض، عظم الحوض بالمرأة يتحرك، يتوسع، يأخذ وضعاً خاصاً أثناء الولادة، عملية ميكانيكية معقدة، من يحركها؟ قال: هرمون، ينطلق هرمون فيؤثر على عظام الحوض فتتوسع، من الذي أعطى الأمر قبل ساعتين لينقلب الطفل؟ يكون وضعه رأسه نحو الأعلى يأتي أمر هرموني يقلب يصبح رأسه نحو الأسفل، إذا لم يقلب العملية قيصرية إجباري، من الذي جعل الجنين يقلب وهذا الغشاء الرقيق الذي يُغلف الطفل يتمزق؟ يقول لك: تمزق الغشاء الذي يحوي ماء الرأس، من جعل عظم الحوض يتسع؟ يأتي الرحم يفعل تقلصات مع ألم، لو لم يكن هناك ألم، أين ولدت؟ بالطريق ولدت، بالباص ولدت، يوجد ألم تسرع إلى البيت مباشرة، آلام المخاض ضرورية جداً من أجل أن تكون الأمور منتظمة، تصير بالبيوت، يأتي هذا الضغط الخفيف الضغط الخفيف، بين الطلقتين نصف ساعة، مازال الوقت باكراً تحتاج عشر ساعات حتى تولد، ربع ساعة صاروا معنى هذا قريب، هناك تزامن، تزامن دقيق، نصف ساعة، خمس وعشرون دقيقة، عشرون دقيقة، خمس عشرة، عشر دقائق، ثم تتلاحق، ثم تلد المرأة، قال: الرحم أقوى عضلة في النوع البشري، لو أن الطريق أمام الطفل مفتوح لقُذف الطفل اثني عشر متراً، ضغطة الرحم على الطفل لو كان الطريق مفتوحاً لألقته بعد اثني عشر متراً، تقلصات متزامنة، لطيفة إلى أن يخرج الطفل، وإذا بالرحم يتقلص تقلصاً مفاجئاً، ويصبح كالصخر تماماً لماذا؟ لأن ما يقرب من مئة ألف شريان تتقطع، لو بقي مرخياً تموت المرأة من النزيف فوراً، هذا الرحم ينكمش تأتي القابلة تجس الرحم فإذا هو كالصخر، الولادة سليمة، إذا كان مرخياً على المستشفى، فوراً، لأن المرأة تموت، قال الأطباء: للرحم تقلصان، واحد متزامن لطيف، والثاني عنيف وقاس، لو انعكس التقلصان لماتت الأم مع ابنها، تأتي طلقة قاسية هذه الأخيرة تخنقه فوراً، تسحقه، تطحنه طحناً، ثم تقلص لطيف تنزف المرأة وتموت، لو انعكست الآية لماتت الأم وابنها:

﴿ ثُمَّ السَّبِيلَ يَسَّرَهُ (20) ثُمَّ أَمَاتَهُ فَأَقْبَرَهُ (21)﴾

[ سورة عيس ]

ثم يموت الإنسان، على القبر، غرفة نومه كلفته ثمانية وسبعون ألفاً، ثم إلى مقبرة الباب الصغير، بلاطه رخام، على التراب، لا بلاط ولا نعل، يضعون نعل سيراميك لأنه رقيق وأجمل، ولا يأخذ مسافة، انظر إلى القبر كيف يصير؟ ﴿ثُمَّ أَمَاتَهُ فَأَقْبَرَهُ﴾ إذا ما كانت الجوخة كبون لا يلبسها، قماش خام أسمر لا يوجد غيره بالأخير، هذا آخر شيء: 

﴿ ثُمَّ السَّبِيلَ يَسَّرَهُ (20) ثُمَّ أَمَاتَهُ فَأَقْبَرَهُ (21) ثُمَّ إِذَا شَاءَ أَنْشَرَهُ (22) كَلَّا لَمَّا يَقْضِ مَا أَمَرَهُ (23)﴾

[ سورة عيس ]

حتى الآن لم يستقم؟ حتى الآن لم يعرف الله عز وجل؟ ما طبّق أمره؟ ﴿لَمَّا يَقْضِ مَا أَمَرَهُ﴾ من أوجه تفسيرات هذه الآية أنها استفهامية، ﴿لَمَّا يَقْضِ مَا أَمَرَهُ﴾ إلى الآن ما صلّى؟  من أجل أن تعرفه:

﴿ فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسَانُ إِلَى طَعَامِهِ (24)﴾

[  سورة عيس ]

أنا أقول لكم: الطعام يكفي.

﴿ فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسَانُ إِلَى طَعَامِهِ (24) أَنَّا صَبَبْنَا الْمَاءَ صَبًّا (25)﴾

[  سورة عيس ]

الأمطار:

﴿ ثُمَّ شَقَقْنَا الْأَرْضَ شَقًّا (26)﴾

[  سورة عيس ]

الأرض شُقت فخرج منها النبات.

﴿ فَأَنْبَتْنَا فِيهَا حَبًّا (27)﴾

[  سورة عيس ]

المحاصيل:

﴿ فَأَنْبَتْنَا فِيهَا حَبًّا (27)وَعِنَبًا وَقَضْبًا (28)﴾

[  سورة عيس ]

هذه الفواكه.

﴿  فَأَنْبَتْنَا فِيهَا حَبًّا (27)وَعِنَبًا وَقَضْبًا (28) وَزَيْتُونًا وَنَخْلًا (29) وَحَدَائِقَ غُلْبًا (30)  ﴾

[  سورة عيس ]

هذه الأزهار، محاصيل تقتات بها، وفواكه تتفكه بها، وأزهار تُمَتع عينيك بها، إلى الآن لا تصلي؟ معنى هذا أنك دابة، والله الدواب أشرف.

﴿ وَفَاكِهَةً وَأَبًّا(31)﴾

[  سورة عيس ]

 قال لي أحدهم: كيف أن القمح مادة أساسية جداً بحياة الإنسان، ساق القمح أي التبن مادة أساسية جداً لعلف الحيوان، أي علاقتنا بالقمح كعلاقة الحيوان بالتبن تماماً.

﴿ مَتَاعًا لَكُمْ وَلِأَنْعَامِكُمْ (32)﴾

[  سورة عيس  ]

3 ـ آيات الله المنيرة في الكون تدعو الإنسان إلى التفكر فيها:

آية رابعة:

﴿ تَبَارَكَ الَّذِي جَعَلَ فِي السَّمَاءِ بُرُوجًا وَجَعَلَ فِيهَا سِرَاجًا وَقَمَرًا مُنِيرًا (61)﴾

[ سورة الفرقان ]

هذه الشمس علّقها الله لك ساعة، يدب عقرباها إلى قيام الساعة، علّقها الله لك مناراً، علّقها الله لك مدفأة، إذا أنت أحضرت مدفأة للبيت كله ترى نفسك فيها، تكفي، هذه حديثة جداً، أوتوماتيك، ما قولك بمدفأة للأرض كلها؟ خمس قارات والبحار، هذه الشمس مدفأة، هل يُمكن أن تأتي ببلورة نيون تضعها بغرفة واحدة تضيء البيت كله؟ غير معقول، لا تستطيع، الله جعل الشمس مصباحاً للأرض كلها، وساعة، مدفأة، ومصباح، وساعة، وجهاز تعقيم لكل الأرض: ﴿تَبَارَكَ الَّذِي جَعَلَ فِي السَّمَاءِ بُرُوجًا وَجَعَلَ فِيهَا سِرَاجًا وَقَمَرًا مُنِيرًا﴾ والقمر لطيف.

﴿ وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُورًا (62)﴾

[ سورة الفرقان ]

الليل قصير ثم طويل، الليل مظلم، النهار مشمس، الليل ساكن، النهار فيه ضجيج، ﴿خِلْفَةً﴾ متفاوتان، ﴿لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُورًا﴾ هذه الآيات التي ذكرتها والله لا تعادل شيئاً، ماذا أقول؟ لو بقينا بالإنسان لا ننتهي، بالحيوان لا ننتهي، بالنبات لا ننتهي، الأوراق النباتية؛ خلايا الأوراق النباتية تتقارب في الصيف لتمنع التبخر، تتباعد في الشتاء، لو فحصنا ورقة نبات أخضر تحت ميكروسكوب نجد أن الخلايا تتباعد في  الشتاء، تتقارب في الصيف، أي في عصر الجفاف تحافظ الورقة على اخضرارها وعلى مائها عن طريق تقارب الخلايا، وفي الشتاء رطوبة وافرة، تتباعد من أجل التجديد، هل تعلم ذلك؟ أي حفظتَ شيئاً، وغابت عنك أشياء.
أنا ما أمكنني إلا أن أحضر بعض الآيات التي حضرتني والله ارتجالاً، من خلق الله، من النبات، من الحيوان، من خلق السماوات والأرض، من خلق الإنسان، لكن العلم حرف والتكرار ألف، ما أردت من هذه الآيات أن أجعلها حصراً، هي أمثلة والواحد منّا يُفكر، لا يتمتع كما تتمتع البهائم، قال تعالى:

﴿ إِنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَالَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ الْأَنْعَامُ وَالنَّارُ مَثْوًى لَهُمْ (12)﴾

[ سورة محمد ]

تمتع بهيمي، أما الإنسان فإنه يفكر في كل شيء.
 

عظمة الله عز وجل في خلقه:


الشمسُ والبدرُ من أنوار حكمتهِ، والبرُ والبحرُ فيضٌ من عطاياه، الطيرُ سبّحهُ، والزرعُ قدّسهُ، والموجُ كبّرهُ، والحوتُ ناجاهُ، والنملُ تحتَ الصخور الصُّمِّ مجدّهُ، والنحلُ يهتِفُ حمداً في خلاياه.
أي النحل؛ هناك نحلة مهمتها الحراسة، لا تستطيع أن تدخل نحلة إلى الخلية إلا بعد أن تعطيها كلمة السر، فإذا عرفته دخلت وإلا قُتلت، لذلك لو كان مليون نحلة بالربيع لا يمكن أن تذهب نحلة إلى غير خليتها، ما هذا النظام؟
هناك نحلات منظفات، عاملات في البلدية عندهم بالنحل، هذه النحلات مهمتها أن تنظف الخلية، فكل شيء غريب تأخذه تلقيه خارج الخلية، أما لو دخلت فأرة للخلية مثلاً لا تستطيع أن تحركها، تفرز عليها مادة شمعية تمنع تفسخها، هذا عمل النحلات المنظفات، هناك نحلات حارسات، هناك نحلات للتهوية يقفن على طرفي الخلية، يغلقن الأبواب أثناء البرد، يهوين بأجنحتهن أثناء الحر، ينشأ تيار داخل الخلية، هناك نحلات من أجل صنع العسل، هات لي بلاطين يبلطون هذا الجامع، يبدأ واحد من هنا وواحد من هنا يجتمعان على بلاطة نظامية، مستحيلة، يظهر عندنا غلاقة في الوسط، لا تصح، لا يوجد عنده إمكانية البلاط، تحتاج قياسات دقيقة جداً، أنا مرة شاهدت المتحلق الجنوبي -المحلق أي للتحليق بالجو، صوابه المتحلق-لما قطع طريق الميدان القديم، أو الحديث، هذان الطريقان أو الثلاثة كورنيش الميدان تجد الدعامتين على طرفي الطريق، هذه تظنونها صارت صدفة، هناك حسابات دقيقة من أول طريق المطار لآخر طريق المطار، حتى حكموا هاتين الدعامتين على طرفي الطريق وإلا تصبح في المنتصف الدعامة، مادام هناك مسافات بينية موحدة بين الدعامات، فالنحلة مجموعة نحلات تبني الشمع، وأشكال مسدسة نظامية تلتقي في الوسط على شكل مسدس نظامي، هذه فوق طاقة البشر.
النحلة الملكة تكون حاملاً، هناك مجموعة أماكن للوضع، تدخل لهذا المكان فتضع ملكة ثانية، هُنا تضع ذكراً، هنا تضع عاملة، تعرف الملكة الحامل سلفاً نوع الجنين، الآن إذا أحضرنا فتاة وقمنا بتدريسها الطب النسائي والولادة بالذات، وأتاها زوج، وحملت، وعلى مشارف الولادة، هل تعلم هذه الدكتورة ماذا في بطنِها؟ دكتورة، لا تعرف، أمّا هذه الملكة فتعرف نوع المولود، تضعه في مكانه المناسب، ثم بعد ذلك هذه النحلة قال: كل نقطة من الرحيق مأخوذة من ألف ومئة زهرة، وكل مئة غرام من الرحيق مأخوذة من مليون زهرة، وكيلو العسل الواحد هو محصلة طيران أربعمئة ألف كيلو متر، أي حول الأرض بعشر مرات، أي كيلو العسل ليس غالياً على هذا الجهد المبذول، هذا ليسَ ثمنه، هذا ثمن العناية بالنحلات فقط.
النحلة تحمل رحيقاً ثلثي وزنها، الشاحنة ما وزنها؟ ثلثا وزنها حمولة، هذه واحدة، سرعتها خمسة وستون كيلو متراً في الساعة هذه النحلة مثل السيارة، وهي طبعاً فارغة، أمّا مُحمّلة فسرعتها خمسة وثلاثون، تعمل النحلة رقصة تُعْلم النحلات إن كان المكان بعيداً أو قريباً، هناك رقصة على بُعد خمسة كيلومتر، هناك رقصة على بعد عشرين كيلومتر تقوم بتنبيههم الرحلة طويلة، هذا رقص النحل، أي للنحلة نظام تعجز عنه المجتمعات البشرية المتقدمة، إبرة الملكة لا تلدغُ بها الإنسان أبداً لكنها تلدغُ ملكة أخرى نافستها على قيادة هذه الخلية، نظام ما بعده نظام، يوجد نحلات وصيفات، مهمتها تأمين الغذاء للملكة، تأخذ غبار الطلع وتقوم بعجنهِ برحيق الأزهار وتقدمه وجبات غذائية دسمة جداً للملكة طعام خاص، ما هذا؟ ﴿صنْعَ اللَّه الَّذِي أَتْقَن َكُلّ َشيْءٍ﴾ .
وعالم النمل فيه أشياء عجيبة جداً، وعالم الحشرات فيه أشياء عجيبة، وعالم الجراثيم فيه أشياء عجيبة، وأعماق البحار فيه كائنات لا يعلمُها إلا الله، مليون نوع من السمك يوجد بالبحر، وعالم الأطيار هذا الطائر يقطع سبعة عشر ألف كيلو متر رحلته، هناك طيور تُهاجر من أمريكا الشمالية إلى أمريكا الجنوبية تقطع سبعة عشر ألف كيلو متر، تطير ستاً وثمانين ساعة طيران من دون توقف، أحضر لي أعظم طائرة في العالم هل تطير ستاً وثمانين ساعة من دون توقف؟ يقول لك: تعبنا جداً عشر ساعات حتى وصلنا إلى نيويورك، تعبنا جداً عشر ساعات أخونا بالله، وهذا الطير يطير ستاً وثمانين ساعة من دون توقف، ما هذا؟ الحمام بحث طويل جداً مرة عملت عنه خطبة في جامع الجسر، شيء يأخذ بالألباب: ﴿صنْعَ اللَّه الَّذِي أَتْقَن َكُلّ َشيْءٍ﴾ والله أشعر أنني ما قدمت شيئاً، ولم أقدر أن أقدم شيئاً من عظمة الله عزّ وجل، لكن العلم حرف والتكرار ألف، كل واحد لوحده يُفكر أيضاً.

الملف مدقق

والحمد لله رب العالمين 

الاستماع للدرس

00:00/00:00

نص الزوار

إخفاء الصور