الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا، إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا، وزدنا علماً، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.
الدليل الثالث على وجود الله سبحانه وتعالى دليل التغير والسببية:
أيها الإخوة الأكارم؛ الدليل الثالث على وجود الله سبحانه وتعالى دليل التغير والسببية، أبسط شيء تلاحظونه أن هذه البقرة تأكل الحشيش فنأخذ منها الحليب، بشكل أو بآخر هذا الحشيش الأخضر تحوَّل في بطنها أو تغيّرَ إلى حليب، وهذه الدجاجة تأكل كل شيء، تعطينا بيضاً ذا نسبة عالية من الغذاء.
قال بعضهم: الكون كله يَحِقّ لنا أن نسميه عالم المتغيرات، كل شيء فيه يتغير، فهناك تغيرات مستمرة في المواد الكيماوية، هناك تغيرات مستمرة في الصفات الفيزيائية، هناك تغيرات مستمرة في البذور، البذور تصبح أشجاراً، والأشجار تصبح هشيماً، والهشيم يتحلل إلى عناصره الكيميائية والفيزيائية، هناك حركة دائبة في الكون، كل جرم في الفضاء يتغير من مكان إلى مكان، يسير وفق فلك، هناك حركة في الذرات، هناك حركة في المجرات، هناك حركة في عالم الفيزياء، في عالم الكيمياء، في عالم النبات، في عالم الحيوان، في عالم الأرض، هناك حركة دائبة في البحار، مدّ وجذر، هناك حركة دائبة في الرياح، هناك حركة دائبة في الأمطار، هناك تغيرات مستمرة في كل شيء خلقه الله سبحانه وتعالى.
الصوت يتغير ويصبح كهرباء، والكهرباء تصبح أمواجاً في الفضاء الخارجي، والأمواج تنقلب إلى صوت في أجهزة الاستقبال، الصورة تصبح كهرباء، والكهرباء تصبح موجات ثم تُستقبل في جهاز الرائي، الماء يتبخر يصبح سحاباً يُعصر فينقلب إلى ماء، كان ملحاً أُجاجاً صار عذباً فراتاً، الفحم يتغير يصبح ماساً، تحت ضغط شديد وحرارة مرتفعة ينقلب الفحم الأسود إلى ماس، هناك تعاقب الليل والنهار، طلوع الشمس والقمر، حركات تبدلات تغييرات مستمرة دائبة.
أي أبسط شيء هذا الكأس إذا نقلته من هذا المكان إلى هذا المكان، هذا تغيّر، الكأس كان هنا انعدم وجوده هنا بعد أن كان، ثم أُحدِث مكانه هنا بعد أن لم يكن، هذا أبسط شيء، أي أبسط أنواع التغير نقل شيء من مكان إلى مكان.
فقبل أن نصل إلى الأدلة عالم المتغيرات، الطفل يكون نقطة من ماء مهين، ذرة، حيوان منوي دخل في بويضة، يتغير ينقسم إلى آلاف المرات وهو في طريقه إلى الرحم، بالرحم تظهر وريقات وريقة باطنية؛ الأحشاء، وريقة خارجية؛ الدماغ، ثم يتشكل هذا الطفل شيئاً فشيئاً إلى أن يصبح كائناً، ذو سمع وبصر، ودماغ وأعصاب، وعضلات ومعدة وأمعاء، وكبد ورئتين، وكليتين وعظام، ثم يكبر ويكبر ويكبر ثم يشيخ ثم يموت، بعد خمسين سنة، ثلاثين، خمس، عشر، يصبح تراباً، كيف كان تراباً في الأصل؟ كيف تحوّل الغذاء إلى دم؟ والدم إلى نطف والنطف تحولت إلى كائن حيّ والكائن نما ثم شاخ ثم مات ثم تحلل إلى تراب؟ هل هناك من يعترض على هذا؟
كل ما في الكون يتغير من حال إلى حال، لكن هناك تغييرات بسيطة، وهناك تغييرات بالغة التعقيد، فنقل هذا الكأس من هذا المكان إلى هذا المكان هذا أبسط أنواع التغيير.
الأشياء التي نراها في الكون لا يمكن أن تكون من دون مُغيّر:
لكن تحويل الحشيش إلى حليب، لو اجتمع الناس جميعاً، لو اجتمعت معامل الأرض، لو اجتمع علماء الأرض على تحويل قطعة حشيش ضمامة حشيش إلى كأس حليب هذا فوق طاقتهم، لو اجتمع علماء الأرض على تحويل حفنة من القذر إلى بيضة، هذا شيء فوق التصور، لو اجتمع علماء الأرض على تحويل هذا الطعام إلى دم والدم إلى نطفة والنطفة إلى كائن هذا شيء مستحيل، فنحن في تغير دائم.
هذا الكأس كان موجوداً في هذا المكان فانتقل إلى هذا المكان، انعدم وجوده بعد أن كان، حدث وجوده بعد أن لم يكن، هذا التغيير لابد له من مُغير، أبسط مثل لو إنسان معه ألف ليرة ذهب وضعهم في صرة في صندوق داخل صندوق حديدي، جاء مرة فتح الصندوق الداخلي لم يجد هذه الصرة، بحث، ودقق، وسأل، واستطلع، وكان مرة عند صديق له تاجر أيضاً فتح هذا الصديق صندوقه فإذا بهذه الصرة داخل صندوقه، فادّعى للقاضي أن هذا الرجل قد أخذ مالي، فقال هذا الرجل: يا سيدي القاضي إن هذه الصرة من النقود رأيتها تمشي وحدها إلى أن دخلت إلى دكاني، فتح لها باب الصندوق فدخلت ثم أُغلق، إذا أردت أن تُصدق أن هذا الكأس تحرك من هذا المكان إلى هذا المكان من دون مغير، من دون سبب، فكمن يصدق أن هذه الصرة من الذهب انتقلت وحدها، من الذي فتح لها الباب الخارجي؟ فُتِح وحده، من الذي فتح لها الباب الداخلي؟ فُتِح وحده، كيف انتقلت؟ على أي شيء مشت؟ من حركها؟ من دفعها؟ من ساقها إلى هذه الدكان؟ من فتح لها باب الدكان؟ من فتح لها باب الصندوق؟ من فتح لها الصندوق الداخلي؟ كل شيء يتغير لابد له من مُغَيّر، هذا دليل ثالث؛ الشمس كانت تشرق من هذا المكان فانحرفت زاويتها إلى هذا المكان، من غَيّر موقع شروقها؟ هناك تغيير، الأرض كان النهار طويلاً في الصيف فصار قصيراً، كانت الشمس في الصيف عمودية فأصبحت مائلة، كان القمر بدراً فصار محاقاً، كان الماء ملحاً أجاجاً فصار عذباً فراتاً، كان الماء في البحر فصار في السحب ثم أصبح في الأرض ثم دخل إلى جوف الأرض ثم أصبح ينابيع وأنهاراً، عالم المتغيرات، كانت بذرة فصارت فسيلة، ثم شجرة، أورقت، أزهرت، أثمرت، قَطفت ثمارها، هذه التفاحة التي تأكلها بربك من أين جاءت؟ من التراب، يقول لك: سمدنا الأرض، وضعنا لها السماد الفلاني، والسماد الفلاني، والأرض حمراء تربتها فيها مواد حديدية، تأكل هذه التفاحة من هذا التراب، قال تعالى:
﴿ وَفِي الْأَرْضِ قِطَعٌ مُتَجَاوِرَاتٌ وَجَنَّاتٌ مِنْ أَعْنَابٍ وَزَرْعٌ وَنَخِيلٌ صِنْوَانٌ وَغَيْرُ صِنْوَانٍ يُسْقَى بِمَاءٍ وَاحِدٍ وَنُفَضِّلُ بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ فِي الْأُكُلِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (4)﴾
فهذا التبدل وهذا التغير وهذا التحول وهذا التطور لابد له من مُغيّر، ومن مُحوّل، ومن مُطوّر، لابد له، أما أن يحدث شيء بلا سبب فهذا من رابع المستحيلات.
رُكِّب العقل في تكوينه على مبدأ السببية:
لذلك ربنا سبحانه تعالى ركّب في هذا العقل ثلاثة مبادئ، أول هذه المبادئ مبدأ السببية، أوضحه بالمثل التالي، أي لو أن أحدنا أراد أن يمضي أسبوعاً في بعض الأماكن الجميلة في الصيف، أغلق بابه، أغلق النوافذ، أغلق الباب الخارجي، قطع الكهرباء، قطع الماء، أغلق اسطوانة الغاز، أي أخذ احتياطات كافية، وذهب إلى نزهته، بعد أن عاد رأى مصباح الكهرباء متألقاً قبل أن يدخل البيت لماذا يصفر لونه؟ لماذا ترتعد فرائصه؟ لماذا يقول: لقد سُرقنا؟ لماذا؟ ماذا رأى؟ رأى ضوءاً مشتعلاً، قد تقول له زوجته الساذجة: لماذا أنت مضطرب؟ يقول لها: انظري الضوء متألق، تقول له: أطفئه، أتألقه أقلقك؟ أطفئه، لأن عقله رُكّب على مبدأ السببية لابد من شخص دخل إلى المنزل، ولابد لهذا الشخص من أنه وصل الكهرباء، وتألق هذا المصباح أثر من آثار وصل الكهرباء، ودخول رجل إلى هذا المنزل، هذا مبدأ السببية، أنت لا يمكن أن تفهم شيئاً من دون أن له سبباً، لا يعقل أن تفهم شيئاً بلا سبب.
الإمام أبو حنيفة رضي الله عنه طُلِب منه أن يجتمع مع بعض الملاحدة في عصره، فكان الاجتماع على ضفة من ضفاف دجلة في بغداد أو في البصرة، فتأخر عن حضوره للموعد، فلما سألوه عن سبب التأخر قال: والله لم أجد قارباً أركبه، انتظرت ساعة فإذا بعض الأشجار تصبح منبطحة ثم تُشقّ فإذا هي ألواح، هذه الألواح تراكمت على بعضها حتى أصبحت زورقاً فركبت فيه ووصلت إليكم، فقالوا: أتهزأ بنا يا إمام؟ قال: اهزؤوا من أنفسكم لم تقبلوا قارباً صُنِع وحده بلا سبب.
إذاً مبدأ السببية أن كل متغير لابدّ له من مُغير، وكل متحول لابد له من مُحوِّل، إذا كان البراد عندك على المئة والعشرة، والمأخذ مئتان وعشرون، تقول: أين المحول؟ كيف تحوّلت الكهرباء من مئتين وعشرين إلى مئة وعشرة؟ تحتاج إلى محول، فكل مُتغير يحتاج إلى مُغير، كل متحول يحتاج إلى مُحوّل، كل متطور يحتاج إلى مُطوّر، كل متحرك يحتاج إلى محرك، هذا هو مبدأ السببية، لا شيء يكون من تلقاء ذاته، والأرض وما فيها، والسماء وما فيها، والبحار وما فيها، وجو الأرض وما فيها، فيه أشياء متحولة متغيرة متبدلة بشكل مستمر:
﴿ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ الْخَلَّاقُ الْعَلِيمُ (86)﴾
الاستشهاد بأمثلة من الواقع على مبدأ السببية:
دائماً هناك مخلوقات، هذه الشجرة تنمو، وهذا النبات يذبل، وهذه الوردة تتفتح، وهذا المطر يهطل، وهذا الطفل يكبر، إذاً الشيء الأساسي لنأخذ أبسط هذه التغييرات نقل هذا الكأس من هذا المكان إلى هذا المكان، انعدم وجوده بعد أن كان، وحَدَثَ وجوده بعد أن لم يكن، شيء حادث لابد له من مُحْدِث، شيء انعدم لابد له من مُغَيّر أعدم وجوده هنا، فهذا هو السبب الثالث الداعي إلى الإيمان بوجود الخالق.
النطفة في رحم المرأة كيف أصبحت عظاماً؟
﴿ ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ (14)﴾
ثم كسونا اللحم جلداً، ونبت من الجلد أشعار، وفي كل شعرة غدة دهنية وغدة صبغية وعضلة وشريان ووريد وعصب، في كل شعرة غدة دهنية وغدة صبغية وعضلة يقول لك: وقف شعر بدني، ما الذي أوقفه؟ عضلات، غدة دهنية وغدة صبغية وعضلة وشريان ووريد وعصب، وفي رأس الإنسان مئتان وخمسون ألف شعرة تقريباً، هذه أشعار الرأس، والعضلات؛ عضلات مُبسطة، عضلات مخططة، عضلات ملساء، عضلات إرادية، عضلات لا إرادية، والشرايين؛ شرايين داخلية لخطورتها، والأوردة خارجية، الشرايين حمراء والأوردة زرقاء، وهناك دسامات، وشرايين الأرجل لها دسامات لِئلا يعود الدم بفعل الجاذبية إلى الأسفل، والدوالي ارتخاء هذه الدسامات، إذا ارتخت هذه الدسامات يُصاب الإنسان بِعُقد زرقاء في رجليه، هذه الدوالي، والقلب وتجاويفه، والرئتان، والأمعاء، والمعدة، والبنكرياس، والصفراء، والكبد، والكظر، والنخامية، والدرقية، وهذه الغدد التي تأخذ بالألباب، والكبد له خمسة آلاف وظيفة في أحدث بحث، خمسة آلاف وظيفة، كلها متغيرات، كيف أخذت الصفراء مادتها من الدم؟ كيف تحوّل هذا الغذاء إلى دم؟ والدم أعطى البنكرياس، وأعطى الصفراء، وأعطى الدرقية، وأعطى النخامية، وأعطى الكظر، كيف يعطي؟ يعطي كل غدة ما تحتاج، هذه تحتاج إلى بوتاس، هذه تحتاج إلى كالسيوم، هذه فوسفور، فهذه التغييرات لابد لها من مُغيّر.
على مستوى البيت ممكن تحضر سبع بيضات، وكأس سكر، وكأسين من الطحين، ومعلقة فانيليا، تتركهم على الطاولة وتنتظر ألم يصيروا كاتو؟ لا، لن يصيروا كاتو، إذا لم تأتي سيدة البيت تخفق البيضات وتضع الطحين والسكر والفانيليا وتضعهم في فرن لن يصيروا كاتو، تحوّل هذه المواد الأولية إلى قطعة حلوى يحتاج إلى صانع، أحضر قطعة حطب، ضعها على الطاولة قل: متى تصبح مقلمة لأقلام ابني؟ لا تصبح إلى أن يأتي صانع فيجعل منها مقلمة، لا يوجد مانع المواد الأولية الآن صعبة التأمين، أمِّن الإسمنت والحديد والبلاط والدهان، وأمِّن الخشب، وأمِّن كل ما يحتاجه البناء، وضع الرمل والإسمنت والحديد والبلاط واتركهم لنرى، سوف نتركهم سنة هل يصبحون بيتاً؟ هذا التفكير السليم، سنتان، خمس سنوات، مئة سنة، ليس لن يصيروا بل لن تجدهم.
هذا الواقع، لا شيء يحدث بلا شيء، هذا هو مبدأ السببية، مبدأ السببية أن شيئاً لا يكون بلا سبب، هذا التغير يحتاج إلى سبب، وهذا إلى سبب، وهذا إلى سبب، لو رسمنا التغيرات على شكل أمواج، فكل صعود يحتاج إلى سبب، وكل هبوط يحتاج إلى سبب، الصعود سبب، الهبوط سبب، إذا مثلنا التغيرات في الكون بهذه الأمواج، كل صعود له سبب، وكل هبوط له سبب، إلى أن تصل إلى سبب أولي واجب الوجود هو الله سبحانه وتعالى، هو مسبب الأسباب، هذا ملخص الدليل الثالث على وجود الله سبحانه وتعالى، اسمه: دليل التغير والسببية.
الحركة الدائمة في الكون دليل على القدرة الإلهية الحكيمة الكاملة:
إن من المُسلّم به أن كل هذه التغييرات الكونية لابد لها قطعاً وليس ظناً من سبب حقيقي، هذا السبب الحقيقي كامل القدرة، لأن في هذه التغييرات قدرة لا توصف، تحريك الأرض كم يحتاج؟ تحريك سيارة وزنها خمسمئة كيلوغرام يقول لك: تعمل ثلاثمئة بالصفيحة، إذا كانت السيارة طناً ونصف، يقول لك: مئة بالصفيحة، المدرعة خمسون طناً تعمل خمسة وعشرين كيلو غرام بالصفيحة، الطائرة ليست دفعاً إنما حملاً، هذه الطائرة سبعمئة وسبعة وأربعون، وزنها مئة وخمسون طناً بالضبط فارغة، ووزن وقودها مئة وخمسون طناً، تصور، تتسع لمئة وخمسين طناً من الوقود، تستهلكها في سبع عشرة ساعة، تصور السيارة معقول يكون وزن الوقود بقدر وزنها؟ مستحيل، لأن الوقود يدفعها دفعاً، لكن الوقود في الطائرة يحملها حملاً ويدفعها، إذاً هذه أرقام دقيقة، طائرة وزنها مئة وخمسون طناً، وقودها وزنه مئة وخمسون طناً، تُستهلك في رحلة طويلة أي من دمشق إلى أمريكا، تستهلك هذه الطائرة بقدر وزنها وقوداً، هذا هو التحريك، التحريك يحتاج إلى طاقة، لذلك وَجَب أن يكون المُغير كامل القدرة، هذه الأرض كم وزنها؟ إذا الإنسان سافر إلى حلب مثلاً، وإذا كان عنده كرة أرضية، رأى عليها حجم سوريا لن يكون حجم سوريا أكثر من سنتمتر واحد، أي ما قطع إلى اثنين ميليمتر من هذه الكرة، هذه الكرة كم حجمها؟ كم وزنها؟ من يحركها من مكان لآخر؟ كم مرة تحركت؟ يقول لك: تشرق الشمس في الثالث والعشرين من شهر شباط مثلاً الساعة السادسة وسبع دقائق، معنى هذا حركة منتظمة، قال تعالى:
﴿ إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولَا وَلَئِنْ زَالَتَا إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا (41)﴾
كل كوكب يسير على مساره الطبيعي دون أن يحيد عنه، هذا دليل أن كل تغيير لابد له من مُغيّر، والمسبب الأول لكل هذه الأسباب هو الله سبحانه وتعالى واجب الوجود، فإن من المُسلّم به أن كل هذه التغييرات الكونية لابد لها قطعاً من سبب حقيقي كامل القدرة صدرت عنه هذه القوى الكونية الكبرى، وتمت بخلقه هذه التغييرات الكونية الهائلة، والحوادث العجيبة، وهو كامل الحياة، أيضاً دبت عنه صورة الحياة في الأجساد الحية، وكامل العلم، صدرت عنه العقول القابلة للعلم، وكامل الحكمة، صدر عنه كل أمر متقن مُحكم، إلى غير ذلك من صفات الكمال الإلهية، يوجد بهذه التغييرات حكمة، إذاً كامل الحكمة، يوجد قدرة، إذاً الله عز وجل كامل القدرة، يوجد لطف، كامل اللطف، أي صفة تكشفها في خلق الله منبعها من ذات الله.
الأدلة الواردة في الكتاب على مبدأ السببية:
أحياناً هذا الدليل يقابله دليل آخر إن شاء الله نوسع فيه التفصيل في درس قادم وهو دليل الغائية، اليوم دليلنا التغير والسببية، في درس قادم كل شيء له غاية، ما من شيء يوضع مثلاً حينما ترى قطعة حديد خلف سيارة الشحن، على الأرض، إياك أن تظن أن السائق نسيها سائبة، كان عليه أن يرفعها، لا، يجب أن تبقى هكذا، من أجل ان تمتص الصواعق لو حدثت، ما من شيء تراه عينك إلا وله غاية، هذا إن شاء الله نُوسع فيه التفصيل في درس قادم.
سيدنا إبراهيم:
﴿ فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأَى كَوْكَبًا قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَا أُحِبُّ الْآفِلِينَ (76)﴾
من جاء بالليل بعد أن كان النهار؟ لابد من مُغيّر: ﴿فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأَى كَوْكَبًا قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَا أُحِبُّ الْآفِلِين* فَلَمَّا رَأَى الْقَمَرَ بَازِغًا قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ﴾ أيضاً رفض أن يكون القمر بعد أن أفل هو ربه: ﴿ فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بَازِغَةً قَالَ هَذَا رَبِّي هَذَا أَكْبَرُ فَلَمَّا أَفَلَتْ قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ* إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفًا﴾ هو رأى هناك تغير، يوجد ليل، يوجد نهار، يوجد شروق، يوجد غروب، يوجد حركة، لابد لهذا التغير من مُغيّر، هذه الآية تدلنا على هذه المراحل التي تطورت من حال إلى حال، مثلاً:
﴿ وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ جَعَلَكُمْ أَزْوَاجًا وَمَا تَحْمِلُ مِنْ أُنْثَى وَلَا تَضَعُ إِلَّا بِعِلْمِهِ وَمَا يُعَمَّرُ مِنْ مُعَمَّرٍ وَلَا يُنْقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلَّا فِي كِتَابٍ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ (11)﴾
آية أخرى تُؤكد مبدأ السببية والتغيّر:
﴿ أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُزْجِي سَحَابًا ثُمَّ يُؤَلِّفُ بَيْنَهُ ثُمَّ يَجْعَلُهُ رُكَامًا فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلَالِهِ وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ جِبَالٍ فِيهَا مِنْ بَرَدٍ فَيُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَصْرِفُهُ عَنْ مَنْ يَشَاءُ يَكَادُ سَنَا بَرْقِهِ يَذْهَبُ بِالْأَبْصَارِ (43) يُقَلِّبُ اللَّهُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصَارِ (44) وَاللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِنْ مَاءٍ فَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى بَطْنِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى رِجْلَيْنِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى أَرْبَعٍ يَخْلُقُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (45)﴾
كانت ماء فصارت دابة.
إذاً هذه الآيات التي جاءت دليلاً على سبب التغير والسببية، وأرجو الله سبحانه وتعالى أن يُتاح لنا في درس قادم أن نتابع هذه الأدلة، أي ما أجمل أن يجتمع في قلب المؤمن الدليل الفطري مع الدليل العقلي، إنه بالدليل العقلي يستطيع أن يُعلِّم الآخرين، يُعلِّم أبناءه، لو أن ابنك جاءك بشبهة، يا بابا من خلق الله مثلاً؟ هذا الكلام عندك الأدلة الكافية على ردّ هذه الشبهة.
الملف مدقق