الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا، إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا، وزدنا علماً، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.
الأدلة الفلسفية على وجود الله:
1- دليل الإلزام العقلي بين الوجود والعدم:
أيها الإخوة المؤمنون؛ وصلنا في موضوعات العقائد إلى الإيمان بالله سبحانه وتعالى، وبيّنا في الدرس الماضي أن للإيمان بالله أدلة فطرية وأدلة عقلية، وأن الدليل الفطري يتعلق بصاحبه، وأن الدليل الفطري لا يُنقَل، وأن العابد قد يكتفي بالدليل الفطري، بينما العالم إذا أراد تعليم الناس لابد له من دليل عقلي، أو أن الفطرة التي انطمست وذهب صفاؤها وانمحت خصائصها لابد لها من دليل عقلي، وهناك أدلة فلسفية، وهناك أدلة علمية، والشيء العجيب أن الأدلة متنوعة جداً، فالإنسان البسيط يرى دليلاً بسيطاً، والفيلسوف يرى دليلاً فلسفياً، والعبقري يرى دليلاً بالغ التعقيد، وكل إنسان في هذه الأرض يجد دليلاً قاطعاً كافياً مقنعاً بحسب مستواه، سأطلعكم على نموذجين من الأدلة، على كل الدليل الفلسفي يحتاج إلى دقة، وإلى متابعة، وأرجو الله عزّ وجل أن يعينني على تبسيط الأمور.
فالدليل الأول على وجود الخالق سبحانه وتعالى اسمه: دليل الإلزام العقلي بين الوجود والعدم، فالأصل في الخالق الوجود، فوجوده واجب، والأصل في الكون-ومعنى كلمة كون أي ما سوى الله-العدم، الأصل في الخالق الوجود، فوجوده واجب، نحن قبل هذا الدرس تحدثنا عن واجب الوجود، وعن مستحيل الوجود، وعن جائز الوجود، فالخالق واجب الوجود، الأصل في الخالق أنه واجب الوجود، والأصل في الكون العدم، فوجوده مستحيل؟ لا، ممكن، جائز، الكون وجوده جائز، أي كان الكون وكان من الممكن ألا يكون، كان وكان من الممكن ألا يكون، فوجود الكون جائز، ولا يمكن أن يكون السبب في إيجاد الممكن إلا واجب الوجود، طبعاً هذه النتيجة لكن لها تفصيلات كثيرة، لا تظنوا أن هذا الكلام ليس عليه برهان، الأصل في الخالق أنه واجب الوجود، والأصل في الكون أنه جائز الوجود، ولا يُعقل أن يكون سبب الممكن جائز الوجود، لابد من أن يكون سبب الممكن واجب الوجود.
التفصيل؛ لا يشك عاقل في الدنيا بأن الوجود يُقابله العدم، هذا الكأس موجود يقابله شيء واحد ألا يكون موجوداً، الوجود يُقابله العدم، وأنه لا ثالث بين الوجود والعدم، لا يوجد حالة ثالثة، موجود أو غير موجود، لكن لا يوجد بالفلسفة أو بالأشياء المنطقية موجود نوعاً ما، موجود تقريباً، موجود مجاملةً، موجود أو غير موجود، هذا في الأصل، ولا ثالث وراء الوجود والعدم، الآن هذان الشيئان الوجود والعدم إذا وُجِد أحدهما انتفى الآخر، فماذا نسمي هذين الشيئين؟ متناقضان، أي أن وجود أحدهما ينقض وجود الآخر، إذا وُجِد أحدهما انتفى وجود الآخر، فإذا انتفى وجود أحدهما وجد الآخر.
هل الأصل وجود الله أم عدم وجوده؟
الآن عندنا سؤال: أيهما الأصل هل الوجود الذي يقابله العدم العام هو الأصل أم العدم العام هو الأصل؟ أي قبل كل شيء الأصل وجود أم عدم؟ هذا سؤال مهم قبل كل شيء، لا، ليس في الكون، الأصل وجود أم عدم؟ إذا قلنا: عدم، فكيف جاء الوجود من عدم؟ مستحيل عقلاً، وللإجابة عن هذه التساؤلات لابد من أن نسلك مسلك افتراض أن أحدهما هو الأصل، مناقشة، ثم ننظر ماذا ينتج من كل فرضية؟ فلنفترض جدلاً أن الأصل لكل ما يخطر في الفكر وجوده هو العدم، كل شيء خطر على بالك أنه موجود الأصل هو العدم، ومعنى العدم نفي ذات ما يخطر في بالك، ونفي صفاته، فلا ذات، ولا قوة، ولا إرادة، ولا علم، ولا حياة، ولا أي شيء، هذا معنى عدم، وبحسب هذا الافتراض نتساءل: كيف استطاع العدم وهو الأصل أن يتحول إلى وجود؟ هذا مستحيل عقلاً، بيت فارغ ليس فيه شيء، تأتيه الساعة الثانية ظهراً فإذا فيه مائدة عليها ما لذّ وطاب، مستحيل، البيت فيه عدم، والعدم لا يمكن أن يتحول إلى وجود، ألسنا نشعر بوجود أنفسنا؟ ديكارت قال: "أنا أفكر فأنا موجود" أي إذا شخص شكَّ في الوجود لن يستطيع أن يشكَّ في وجود نفسه، أنا موجود، ألسنا نشعر بوجود أنفسنا؟ ألسنا نرى بأم أعيننا موجودات كثيرة من حولنا؟ والعدم معناه كما عرّفناه هو النفي العام لكل ما يخطر ببالك، إذاً هناك شيء موجود، أنت موجود، والجبال موجودة، بيتك، زوجتك، أولادك، حانوتك، الطريق، البحر، الجبل، البادية، هذه أشياء تحسّ بوجودها إحساساً، هي موجودة، قال: فكيف يأتي من هذا العدم العام؟ نحن فرضنا الأصل أن هناك عدم عام، فكيف يأتي من هذا العدم العام ذوات وصفات وقوى تنطلق بنفسها من العدم إلى الوجود وانطلاقها لا يكون إلا بقوة؟
البارحة يوم الجمعة تحدثنا عن الشمس، أن هذه الشمس مضى على اتّقادها خمسة آلاف مليون عام، ولن تنطفئ قبل خمسة آلاف مليون عام، إذاّ نحن على مستوى التجربة اليومية الموقد عندنا في البيت إذا فرغت منه الطاقة ينطفئ، منذ خمسة آلاف مليون عام والشمس متّقدة، تصل حرارتها إلى عشرين مليون درجة في المركز،
ينطلق من سطحها ألسنة لهب يزيد طولها عن نصف مليون كيلو متر، عشرون ألف مليار طن من الفحم الحجري لو أحرقتها لعادلت ما تُنتجه الشمس من طاقة حرارية في الثانية الواحدة، شيء موجود، لو انطفأت الشمس فجأة لانخفضت الحرارة في الأرض إلى ثلاثمئة وخمسين درجة تحت الصفر، انعدام الحرارة والنور والدفء كافيان للقضاء على كل أنواع الحياة، هذا شيء موجود، يقول لك: الشيء كالشمس الساطعة، الشمس ساطعة، فهذا الوجود لا يعقل أن يكون من عدم، هذا شيء مستحيل عقلاً، فهناك ذوات وصفات وقوى تنطلق بنفسها من العدم، وانطلاقها لا يكون إلا بقوة.
هذه الأرض تزن لا أدري كم من آلاف ملايين الأطنان، تنطلق بسرعة قدرها ثلاثين كيلو متر في الثانية،
تحريك الأرض يحتاج إلى طاقة كتحريك السيارة يحتاج إلى طاقة، وكلما زاد وزن السيارة استهلكت وقوداً أكثر، الشمس تنطلق بسرعة مئتين وخمسين كيلو متر في الثانية،
الشمس مع المجموعة الشمسية حول مركز المجرة، مجرتنا تنطلق بسرعة مئتين وأربعين ألف كيلو متر في الثانية أي تقترب سرعتها من سرعة الضوء، ما هذا؟
يوجد عندنا ذوات، يوجد عندنا صفات، يوجد عندنا قوى، أشياء موجودة، إنه من المستحيل بداهة أن يتحول العدم بنفسه إلى وجود، أو أن يُوجِدَ العدم أي شيء، العدم لا يوجد، والوجود لن يكون من عدم، هذه بديهية، هذه من بديهيات العقل، كأن تقول: الكل أكبر من الجزء.
آيات الله في خلق الإنسان:
هذه العقائد أصلها في القرآن، قال تعالى:
﴿ أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ (35)﴾
والله الذي لا إله إلا هو لو لم يكن في كتاب الله إلا هذه الآية لكفت دليلاً على وجود الله،
﴿أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ﴾ مئة وثلاثون مليون عُصية في شبكية العين،
العصب البصري أربعمئة ألف عصب بصري ينطلق من العين إلى الدماغ.
مئتان وخمسون ألف شعرة، لكل شعرة شريان ووريد وعصب وعضلة وغدة صبغية وغدة دهنية،
ما هذا؟
خمسة وثلاثون مليون عصارة هاضمة في المعدة، الطريق الذي يسلكه الدم في الكليتين طوله مئة كيلومتر، هذه أشياء بديهية في الطب، لا تظنوا أن هذه الأرقام مبالغ بها، أشياء بديهية، الدماغ أربعة عشر مليار خلية سمراء على قشرة الدماغ تستند إلى مئة وأربعين مليار خلية استنادية، لعام ثلاثة وثمانين لم تُعرف وظيفتها بعد.
أنت إذا كنت في الطريق تمشي واستمعت إلى بوق سيارة وانحرفت نحو اليمين هل تصدق أن هناك جهازاً في الدماغ بالغ التعقيد حسب تفاضل وصول صوت البوق إلى الأذنين، التفاضل،
فإذا كان التفاضل واحداً على ألف وستمئة وخمسين جزءاً من الثانية عرف هذا الجهاز أين جهة السيارة فأعطى أمراً للعضلات أن تنطلق في الطريق المعاكس.
5 ـ جهاز توازن السوائل وجهاز الضبط الحراري:
جهاز وما أكثر الأجهزة من ضعفنا ومن محدودة علمنا نظن سذاجة أنه يوجد عندنا جهاز الدوران، وجهاز الهضم، وجهاز التصفية، وجهاز البول، وجهاز التناسل، وهذه الأجهزة مع أن هناك عشرات الأجهزة التي لا نعرفها إلا إذا فقدناها،
مثلاً؛ يوجد بالإنسان جهاز اسمه: جهاز توازن السوائل، مركزه بالكظر، لو اختلّ هذا الجهاز لأمضى الإنسان يومه كله في شرب الماء وطرحه، يشرب بالنهار عشرين صفيحة ماء ويخرجهم، لو اختلّ هذا الجهاز، يوجد جهاز آخر جهاز الضبط الحراري، لو اختلّ هذا الجهاز نضع إنساناً في غرفة ذات حرارة منخفضة، تنخفض حرارته، نحن مصنفون مع الكائنات ذات الحرارة الثابتة، أـنت حرارتك سبع وثلاثون، تجلس في مكان درجة حرارته عشرون فتشعر بالبرد، أو خمسة عشر فتشعر بالبرد، يوجد طاقة عندك تُولِّد الحرارة، هذا الجهاز إذا تعطل تصبح حرارة الجسم مساوية لحرارة المحيط فإما أن تُؤَمِّن لهذا الإنسان درجة سبعاً وثلاثين دائمة في الطريق وفي السيارة وفي المكتب أو يموت، وهذا مرض وقع:
﴿أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ﴾ .
6 ـ البويضة والحيوان المنوي:
يوجد أشياء والله الذي لا إله إلا هو لا أقول لكم من آيات متعلقة بالإنسان إلا من نوع الآيات العريضة جداً، لكن كلما تقدم العلم كشف أشياء لا تُصدق، قال: هذا الحيوان المنوي حينما ينطلق باتجاه البويضة كيف يدخل هذا الحيوان إلى البويضة؟ كيف؟ سؤال؛ البويضة عبارة عن جدار خارجي، وسائل داخلي، ونواة، البويضة أكبر خلية في الإنسان، خلية، لها غلاف، هيولى، نواة، كيف يخترق هذا الحيوان المنوي جدار البويضة؟
كيف؟ بعد الفحص الالكتروني يوجد عندنا مجهر عادي لم نر فيه شيء، هناك مجاهر الكترونية، هذه المجاهر تُكبر ثلاثمئة ألف مرة، رقم كبير جداً، ظهر في رأس هذا الحيوان غشاء رقيق جداً يحدث سائلاً إذا لامس جدار الخلية أذابها ودخل الحيوان، هذا السائل مصدره الزبيب واللفت، قال: مادة نبيلة جداً، هذا السائل موجود في العين وفي رأس كل حيوان منوي، كلما تقدم العلم يصل إلى دقائق لا تصدق، الحيوانات المنوية تُصنع في الخصية على تسع عشرة مرحلة،
ثم تذهب إلى التخزين، وفي التخزين تُحسَّن نوعيتها، أي أشعر أنا الذي أقوله لكم من آيات هذه آيات عرفها العلماء قبل عشرين أو ثلاثين عاماً، وأصبحت من المُسلّمات البديهيات، ولكن العلم اليوم يكتشف دقائق يكاد العقل لا يُصَدقها، هذه الآية: ﴿أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ﴾ أي إذا دخل شخص إلى سيارة موديل ستة وثمانين، أليس لها مصنع؟ أليس لها مهندسون؟ ألا يوجد مهندس صمم شكلها الخارجي؟ قوامها؟ خطوطها؟ يا ترى خطوط منحنية أم خطوط مستقيمة زوايا حادة؟ ألا يوجد مهندس صمم ألوانها ألوان دقيقة جداً؟ ألا يوجد مهندس صمم فرشها من الداخل؟ ألا يوجد مهندس صمم المحرك؟ تصوّر معمل السيارات عبارة عن مدينة بأكملها، كل جناح يوجد فيه مئات المهندسين، نوابغ المهندسين، الإنسان أعقد، أعقد آلة على وجه الأرض هو الإنسان:
﴿أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمْ الْخَالِقُونَ﴾ هذا الخلق المُعقد من عدم؟ مستحيل.
أحدث بحث في العين أن اللطخة الصفراء أو النقطة التي ترى فيها العين، هذه اللطخة الصفراء عبارة عن دائرة ونوية في الوسط،
إذا وقع خيال الشيء المرئي، طبعاً عندنا عدسة، وعندنا جسم، وعندنا لوحة، بشيء مبسط لو جئت بعدسة وأتيت بشمعة وفي غرفة مظلمة ووضعت وراء العدسة لوحة من الورق المقوى، وحركتها يميناً ويساراً إلى أن ينطبع على هذه اللوحة شكل الشمعة المشتعلة مقلوبة وصغيرة، هذا المكان اسمه: مِحرق العدسة، أحيانا يوجد مع الإنسان مكبر يضعه في أشعة الشمس إلى أن يرى على الورق لطخة حادة الضوء، بعد دقائق يحترق الورق، هذا المكان اسمه: مِحرق العدسة، أي الضوء يأتي على شكل حُزم متوازية فإذا دخل الضوء في وسط شفاف انكسر الضوء فالتقت هذه الحزم على مكان محدد، هذا المكان اسمه: المحرق، فمنظر الجبل خطوط من الضوء مستقيمة تدخل إلى العين عن طريق العدسة، ينكسر الضوء فيجتمع في نقطة حساسة جداً هي الشبكية، وبالذات اللطخة الصفراء، هنا، فنحن إذا أردنا توضيح القضية نأتي بعدسة وفي غرفة مظلمة نشعل شمعة نضعها أمام العدسة، نأتي بورق مقوى خلف العدسة، نحرك هذا الورق إلى أن نرى بعيننا رسم شمعة صغيرة مقلوبة على هذا الورق،
لو حركت الورق سنتمتراً واحداً تتلاشى الصورة، أو أصبحت غير دقيقة، لو قربتها سنتمتراً آخر أيضاً تتلاشى، هذا المكان الدقيق هو محرق العدسة، الآن لو حركت الشمعة التي أمامها تتلاشى، نحن كيف نرى؟ الأشياء متحركة واللوحة ثابتة هذا شيء معجز، كيف نرى؟ قال: هذه اللوحة الثابتة فيها دائرة حساسة جداً، لها مركز ولها محيط، فإذا جاء خيال الشيء المرئي قبل الشبكية مركز الدائرة تحسس بوجود خيال لم ينطبق على الشبكية فأعطى أمراً إلى الدماغ والدماغ يأمر الجسم البلوري المرن بالاحديداب قليلاً حتى يأتي الخيال على الشبكية،
فإذا جاء الخيال بعد الشبكية الآن المحيط لهذه اللطخة الصفراء يتحسس بهذا الخيال الذي وقع وراء الشبكية، ويعطي أمراً إلى الدماغ بأن يجعل الجسم البلوري ممطوطاً هكذا إلى أن يقع الخيال على الشبكية، هذه العملية من أعقد عمليات الجسم، سماها العلماء:عملية المطابقة،
﴿أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ﴾ هكذا من دون شيء؟!
والله يا إخوان؛ يوجد آيات بجسم الإنسان فقط لو تأمل بها الإنسان لذاب من الله خجلاً، العظم، خلايا العظم تنمو، شيء عجيب، هذا الطفل الصغير عظم فخذه هكذا طوله، وعظم ساقه هكذا، ينمو، إلى أي حدّ ينمو؟ من الذي يأمره أن يقف؟ هذه القضية لا حلّ لها في علم الطب.
مرة قال طبيب كلاماً مضحكاً، قال: كأن هناك خطاً وهمياً بالفضاء، فهذا العظم ينمو في حدوده، فإذا بلغ هذا الخط توقف عن النمو،
شيء مضحك، أي خط هذا؟ تنمو الأسنان وتقف عند حد، تنمو عظام الفخذ وتقف عند حدها، من أسماء الله المانع، لو أن هذا النمو مستمر هناك مرض اسمه: مرض العملقة، مئة وثمانون، مئة وتسعون، مئتان وعشرة، مئتان وخمسة عشر، أريد أن أقف، لا يوجد، طالع، ربنا عز وجل مرض خطير جداً، هذا تفسير العلماء كيف العظم يقف عند حد،
﴿أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ﴾ .
مئتان وخمسون مليون حيوان منوي ينطلقون باتجاه البويضة من أجل حيوان منوي واحد حينما يصطدم بجدار البويضة يتمزق الغشاء فتسيل المادة التي تحته،
هذه المادة تُذيب جدار البويضة، يدخل منها الحيوان، ما هذا؟
لا الوقت يسمح لنا لنفصل ولا المكان مهيأ للتفصيل، نحتاج إلى لوحات، نحتاج بعض الشرائح، بعض السلايدات، أشياء دقيقة جداً، لكن أعطيكم بعض الأمثلة هذه الآية: ﴿أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ﴾ .
9 ـ جهاز التوازن في الأذن الداخلية:
تجد ابناً، أمسك ابنك على حضنك أَمِله تجده يميل، لماذا؟ سؤال دقيق؛ أمسك الآن عصا أَمِلها تقع، لماذا العصا إذا تركتها تميل تقع؟ هذا سؤال مهم جداً، قال: بالأذن الداخلية يوجد ثلاث قنوات كالأقواس،
كقناطر المساجد، وهي نصف دائرية، فيها سائل، وفي القسم العلوي من هذه القنوات أشعار، فإذا مال الإنسان هكذا، باعتبار السائل أفقي، سطحه أفقي دائماً، إذا كان نصف قوس أملته يأتي السائل إلى منطقة أعلى هنا فيلامس هذه الأشعار فتُبلّغ الدماغ أن التوازن اختل يعطي أمراً، وهذه الدراجة أساساً، لولا جهاز التوازن في الأذن الداخلية لما أمكن للإنسان أن يركب دراجة، لو مالت الميل يتتابع إلى أن فتقع، أما عندما يميل سنتمتراً واحداً يصحح المقود، باستمرار يوجد توازن، جهاز التوازن قليل بالدماغ؟
الطبيب أحياناً عندما تلتهب الأذن الداخلية عند الإنسان، يختل جهاز التوازن يمشي مُباعداً بين قدميه حتى يتخذ سطح استناد واسع، فالطبيب يعلم أن هذا معه التهاب في أذنه الداخلية من عرجته، ألا يقولون: عرج الجمل من شفته، هذه صحيحة، من أذنه عرج، قال تعالى: ﴿أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمْ الْخَالِقُونَ﴾ .
هذه البروستات والله شيء لا يصدق، البروستات غدة تقف على مفترق الطرق، يأتي طريق الخصيتين ويأتي طريق الحالبين يصبان في مجرى واحد، عند هذا المجرى تأتي البروستات، هذه البروستات إذا كان مجرى البول مفتوحاً هذا البول مادة حامضية، لا أحد يذوقه يقول: أكيد حامضية، فيه حمض البول، هذه المادة الحامضية إذا استمرت تسير في هذه المجاري الحساسة فإنها تلتهب، فوظيفة البروستات أن تفرز مادة قلوية تتعادل مع المادة الحامضية في البول من أجل أن يبقى مجرى البول سليماً، أيضاً لها دور ثان، إذا فُتِح طريق الحالبين يُغلق طريق الخصيتين إغلاقاً محكماً، فإذا فُتِح طريق الخصيتين المجرى فيه بول والبول مادة نجسة، تقوم هذه الغدة بإفراز مادة مطهرة ثم مادة معطرة ثم مادة سكرية، وتُغلق مجرى البول، هذه تعمل ثمانين سنة فتحاً وإغلاقاً وإفرازاً، مواد قلوية ومطهرة ومعطرة وسكرية، ولا تكف عن العمل.
البلعوم قليل؟ ثمانون سنة، إذا أردت أن تأكل يُغلَق جهاز الرغامى بإحكام،
تريد أن تقول يُغلق جهاز الهضم بإحكام، لسان المزمار، والله الذي لا إله إلا هو لو أمضيت عاماً لا أقول إلا الأشياء البديهية في الإنسان، أما الدقائق والله ينتهي العمر ولا تنتهي، انظر هذه الآية ما أجملها!
﴿أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ﴾ ألا يوجد إله خلقهم؟
الأصل هو الوجود والأصل لا يتطلب في حكم العقل سبباً ولا تعليلاً:
ماذا فعل الزوج؟ ماذا فعلت المرأة؟ قال تعالى:
﴿ أَأَنْتُمْ تَخْلُقُونَهُ أَمْ نَحْنُ الْخَالِقُونَ (59)﴾
قال: هذه الآية دليل على أن الشيء الموجود لا يمكن أن يكون من العدم، مستحيل، يوجد عقل أول مصمم، يوجد قدرة، يوجد حكمة، يوجد علم، يوجد خبرة، يوجد أسماء حسنى، أي هل انتقلوا من العدم إلى الوجود من غير خالق أم هل كانوا هم الخالقين لأنفسهم؟ وهكذا لو كان العدم هو الأصل العام لم يوجد شيء، إذا قلنا: إن العدم هو الأصل إذاً لم يوجد شيء، لا شيء، نحن بهذا نفينا أن يكون الأصل هو العدم، ولذلك كان علينا أن نفهم حتماً أن الأصل هو الوجود، الأصل أن هناك شيئاً موجوداً، وبهذا الدليل ثبت بشكل عقلي قاطع أنه لا يصح أن يكون العدم هو الأصل، وحيث كان الأمر كذلك فقد ثبت بشكل عقلي قاطع أيضاً أن الأصل هو الوجود، لأن الوجود كما سبق نقيض العدم ولا شيء بينهما، أي هذا دليل قاطع، ليس مقنعاً، هناك دليل قنعت؟ نوعاً ما، لا، دليل قاطع، أي قطعي الثبوت.
ثم نقول: إن ما كان هو الأصل بين شيئين متناقضين لا يحتاج وجوده إلى تفسير أو تعليل، التفسير والتعليل، ومن أين أتى؟ ومن خلقه؟ للشيء ممكن الوجود، أما واجب الوجود فلا يقال من أين جاء لأنه هو الأصل، هو الأول، كلمة من خلقه، من أين جاء؟ ماذا كان قبله؟ كل هذا الكلام لا يصح بحق واجب الوجود، أما يصح بحقّ ممكن الوجود، الذي كان من الممكن ألا يكون أو كان، هذا يقال له: من أين جاء؟ وبهذا الاستدلال ظهر لدينا بوضوح شيئان: أن الأصل هو الوجود، وأن الأصل لا يتطلب في حكم العقل سبباً ولا تعليلاً أكثر من أن يُقال إنه هو الأصل.
2- إذا كان الوجود هو الأصل لا محالة فهل يمكن أن يكون لهذا الأصل بداية؟
المرحلة الثانية من الدليل، هذا الدليل مؤلف من أربع مراحل، المرحلة الثانية من الدليل، إذا كان الوجود هو الأصل لا محالة فهل يمكن أن يكون لهذا الأصل بداية؟ وهل يمكن أن يلحقه العدم؟ تقول أنت: هو الأول والآخر، هذه الكلمة دقيقة، لها أبعاد كبيرة جداً، الله سبحانه وتعالى لا شيء قبله ولا شيء بعده، إذا كان هناك شيء قبله صار ممكن الوجود، وإذا كان هناك شيء بعده صار ممكن الوجود، أما هو واجب الوجود، لا شيء قبله ولا شيء بعده، وللإجابة عن هذا التساؤل نقول: إنما كان وجوده هو الأصل لا يصح عقلاً أن يكون لوجوده بداية، لأن ما كان لوجوده بداية فلابد أن يحتاج في وجوده إلى سبب أوجده، مادام له بداية معنى هذا هناك سبب أوجده، أي لم يعد واجب الوجود صار جائز الوجود، صار مخلوقاً، لم يعد خالقاً، لا يحق، لا يصلح بحقّ الخالق أن تقول: ما الذي كان قبله؟ لو أن شيئاً كان قبله هو الذي أوجده، وإنما كان وجوده هو الأصل لا يمكن أن يلحقه العدم، لأن كل زمن لاحق نفرض أن يطرأ فيه العدم على ما أصله الوجود، نحن وجودنا ممكن، أين فلان؟ مات، أما ربنا عزّ وجل فهو الحي الباقي على الدوام، لا شيء قبله ولا شيء بعده، ولا يزال الوجود هو الأصل، ولا سبب لأن يطرأ عليه العدم أبداً، لأنه لا يطرأ العدم على أي موجود من الموجودات إلا بوصف أن يكون العدم فيه هو الأصل.
إذا الشيء الأصل فيه هو العدم، له بداية وله نهاية، له سبب أوجده وله سبب أنهاه، هو الذي أنهى، فهل يُنتظر زوال السبب حتى يعود إلى أصله؟ وقد ثبت لدينا أن العدم من حيث هو مستحيل أن يكون هو الأصل العام ضد الوجود، ولذلك يستحيل عقلاً أن يطرأ العدم على وجود عَلِمنا أنه هو الأصل، واضحة؟ الذات الإلهية لا شيء قبلها ولا شيء بعدها، لا شيء هو سبب في وجودها ولا شيء ينهي وجودها، ولهذا قال الله عزّ وجل:
﴿ وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لَا يَمُوتُ وَسَبِّحْ بِحَمْدِهِ وَكَفَى بِهِ بِذُنُوبِ عِبَادِهِ خَبِيرًا (58)﴾
هنيئاً لمن كانت علاقته مع الحي الذي لا يموت حسنة، عبدي رجعوا وتركوك، أول ليلة في القبر، وفي التراب دفنوك، ولو بقوا معك ما نفعوك، ولم يبقَ لك إلا أنا، وأنا الحي الذي لا يموت، لا يوجد غيري، تحب الزوجة أحبها لكنها فانية، تحب المحل في أوجه أسواق دمشق، ذو ثلاثة مستويات، مكتب جملة، بيع مفرق، مستودع في الأسفل، مجهز بشكل كامل، أحبه لكنه لا يدوم، تحب مزرعة مزروعة بالتفاح والكرز والدراق، وفيها مسبح، وفيها ورود، وفيها بيت قرميد، وشيء فخم، وكله حجر منحوت، ومدخل للسيارات، ومدخل للضيوف، أحبها لكنها لا تدوم، ولم يبق لك إلا أنا، وأنا الحي الذي لا يموت:
(( عن سهل بن سعد أنه جاء جبريل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا محمد عش ما شئت فإنك ميت، واعمل ما شئت فإنك مجزى به، وأحبب من شئت فإنك مفارقه، وأعلم أن شرف المؤمن صلاته بالليل وعزه استغناؤه عن الناس . ))
[ رواه الطبرانى رواه الحاكم في المستدرك وقال: صحيح الإسناد ولم يخرجاه ووافقه الذهبي. وحسنه الهيثمى في مجمع الزوائد والألباني في السلسلة الصحيحة ]
ولم يبق لك إلا أنا، عندما أشاهد جنازة أقول في نفسي: هنيئاً له أو الويل له، إذا عرف الحي الباقي على الدوام، الذي كل شيء هالك إلا وجهه، إذا كان يعرفه، كان يطيعه، كان يصلي، كان يدعوه، كان يستقيم على أمره، كان يتعرف عليه في الدنيا، يحضر مجالس علم، هنيئاً له، وإذا شخص مات وهو لا يعرف الحي الباقي على الدوام، كل هذه اللذائذ انقطع عنها دفعة واحدة.
3- الأصل في الأشياء العدم ويحتاج في وجوده إلى مسبب الوجود:
المرحلة الثالثة من الدليل، أنا أخشى أن تكون هذه الموضوعات فوق مستوى الإخوة الحاضرين، هو موضوع فلسفي، لكن أنا أجهد إن شاء الله أن أبسطها بحيث تبدو واضحة، لكن هذا دليل قوي، موضوع الوجود والعدم هذا أقوى الأدلة، أول شخص يقول لك: أنت مؤمن بالله؟ طبعاً، من خلق الله عز وجل؟ هذا الجواب، هذا السؤال يقال لممكن الوجود، أما واجب الوجود سؤال ثان، الأصل في الكون العدم أم الوجود؟ إذا قلت: عدم، العدم لا يُعقل أن يوجد شيئاً، والشيء لا يُعقل أن يوجد من تلقاء نفسه، إذاً الأصل هو الوجود، والآن فلنلق نظرة على الموجودات التي تقع تحت إدراكنا الحسي في هذا الكون الكبير لنرى هل تنطبق عليها فعلاً الحقيقة الأولى وهي أن الأصل فيها لذاتها الوجود، أو ينطبق عليها ضدها وهي أن الأصل فيها العدم، أي هذا الكون بأكمله أصله العدم أم الوجود؟ سؤال دقيق لا تتسرعوا، الكون أصله العدم، كان الله ولم يكن معه شيء، ألم يقل العلماء: إن الشمس مضى على تألقها خمسة آلاف مليون سنة، إذاً ما كانت موجودة سابقاً، والأرض كانت في عصور مطيرة وهناك قارات ملتصقة مع بعضها، هكذا قال علماء الجيولوجيا؟ الأصل في الكون العدم، الكون يسمونه حادثاً أي حدث ولم يكن من قبل، الكون حادث.
إذاً فلنلق نظرة على الموجودات التي تقع تحت إدراكنا الحسي في هذا الكون الكبير لنرى هل تنطبق عليها فعلاً الحقيقة الأولى وهي أن الأصل فيها الوجود أو ينطبق عليها ضدها وهي أن الأصل فيها العدم؟ هنا تبدو لنا الحقيقة أننا لم نكن ثم كنا، ونحن صنف ممتاز التكوين:
﴿ لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ (4)﴾
وأن أشياء كثيرة كانت في طي العدم، هذا المجلس كله بكل من فيه أغلب الظن عام ألف وثمانمئة وخمسين، هل كان واحد منا موجوداً؟ من فلان؟ لا يعرف، اسأل إنساناً عاش عام ألف وثمانمئة وخمسين وقل له: هل تعرف فلاناً؟ من فلان؟ من؟
﴿ هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئًا مَذْكُورًا (1)﴾
افتح كتاباً، أنا عندي جريدة طبعت عام ألف وتسعمئة وثلاثين، كلما تأملتها يوم صُفت حروفها وبيعت في الأسواق واشتراها الناس أنا لم أكن موجوداً في ذلك الوقت، ﴿هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئًا مَذْكُورًا﴾ فمن موت إلى حياة، من حياة إلى موت، من تغييرات في الأشكال والصور، إذا شخص عنده هوية قديمة فلينظر إليها هكذا كان؟ بالخامسة عشرة له صورة، بالسابعة عشرة، بالعشرين، بالخامسة والعشرين، بالثلاثين، بالخمسين، تجده صار في وضع ثان، في تطور مستمر.
وكل ذلك لا يُعلُّل في عقولنا وفق قوانين هذا الكون الثابتة إلا بالأسباب المؤثرة، التي تحمل هذه التغييرات الكثيرة المتعاقبة، ومن هذه الأسباب ما نشاهده وما نستنتجه استنتاجاً، ولا نزال نتسلسل مع الأسباب حتى نصل إلى مسبب الأسباب.
في هذا الكون تغييرات باستمرار، شيء يولد، شيء يموت، رياح تهب، أعاصير تهب، بحار تهيج، براكين تثور، أشخاص يولدون، أشخاص يموتون، لماذا وُلِد هذا؟ هناك سبب، يوجد تلقيح، يوجد جنين، من خلق الأب؟ سبب آخر، إلى أن تصل إلى مسبب الأسباب وهو رب الأرباب، فلو كان الأصل في هذه الموجودات المعروضة على حواسنا هو الوجود لن تكون هذه الموجودات عُرضة للتحول والتغيير والزيادة والنقص، والبناء والفناء، ولم تحتج صور وجوداتها إلى أسباب ومؤثرات، لو كنا نحن في الأصل موجودين لما طرأ علينا تغيير، مادام طرأ تغيير، كبرنا، اختلّ نظام الهرمونات، ضعفنا ثم توفانا الله عزّ وجل، إذاً نحن الأصل فينا العدم ونحن مخلوقون، فنحن وجودنا يحتاج إلى سبب موجد، وهذا مبدأ السببية، له دليل خاص نأخذه في المستقبل إن شاء الله.
وحيث كان الأصل في جميع الأشياء الموجودة هو العدم وجب عقلاً أن يكون لها سبب مؤثر نقلها من العدم إلى الوجود في مرحلة وجودها الأول، ولا يزال هذا السبب يؤثر باستمرار في جميع صور تغييراتها المتقنة الحكيمة، وقال الله تعالى:
﴿ هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئًا مَذْكُورًا (1) إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا (2)﴾
آخر مرحلة في هذا الدليل، علمنا من المراحل السابقة الحقائق الثلاثة التالية: أن الوجود من حيث هو يجب عقلاً أن يكون هو الأصل، هذه واضحة.
وأن ما كان وجوده هو الأصل استحال أن يكون له ابتداء، واستحال أن يطرأ عليه العدم.
وأن هذه الأشياء الكونية المعروضة على حواسنا ومداركنا والتي نحن جزء منها، الأصل فيها العدم، ويحتاج وجودها إلى سبب موجد، واضحة.
وهنا نقول حيث اجتمعت لدينا هذه الحقائق الثلاثة التي لا مفر منها، ولا محيد عنها، فلابد لنا من التوفيق بينها بشكل تقبله العقول قبولاً تاماً من غير اعتراض، وذلك لا يكون إلا وفق صورة واحدة لا ثانية لها وهي-الآن النتيجة-: لابد عقلاً من وجود موجد عظيم، وجوده هو الأصل في الكائنات، وعدمه مستحيل لذا يُسمى: وجود الوجود، هو الله سبحانه وتعالى.
ثانياً: هذا الكون المشاهد بما فيه من أرض وسماوات، ونجوم ومجرات، وجامد ونبات، وأحياء وأموات، الأصل فيه العدم، ولابد لإخراجه من العدم إلى الوجود من سبب موجد، هذه الثانية.
ثالثاً: لا يكون السبب الموجد للكون بجميع ما فيه إلا موجوداً عظيماً وجوده هو الأصل وهو واجب الوجود، وهو الله سبحانه وتعالى.
أي الأصل الوجود، والوجود ليس له أول ولا نهاية، ونحن الأصل أننا العدم، وجودنا يحتاج إلى مُوجد، وهذا الموجد يجب أن يكون عظيماً.
ينبغي على السائل حينما يطرح السؤال أن يكون دقيقاً في طرحه:
الخاتمة؛ وبهذه الطريقة من الاستدلال يسقط نهائياً تساؤل المتسائلين كيف وُجِد الله سبحانه وتعالى؟ لأن هذا التساؤل لا يعتمد لا على منطق، ولا على عقل، ذلك أن مثل هذا التساؤل إنما يرد في موجود ثبتت قوانينه وصفاته أن الأصل فيه هو العدم، فهو يحتاج إلى موجد حتى يوجده ويبدعه من العدم، أما الموجود الذي يجب عقلاً أن يكون في الأصل موجوداً لا يجوز عليه العدم فلا يمكن أن يتعرض وجوده إلى مثل هذا التساؤل بحال من الأحوال، وإيراد التساؤل من هذا النوع يتنافى مع الحقيقة العلمية الثابتة وهي أن الأصل فيه هو الوجود، هذا الدليل.
اغفروا لي إن كان الموضوع معقداً أو صعباً أو مجرداً أو فلسفياً، لكنه دليل قوي، إذا عرفت واجب الوجود، والأصل في الخالق هو الوجود، والأصل في المخلوق هو العدم، تعرف كيف تجيب.
الملف مدقق