- الفقه الإسلامي / ٠6العبادات التعاملية
- /
- ٠1القرض
الحمد لله رب العالمين، و الصلاة و السلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا، إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا و انفعنا بما علمتنا و زدنا علماً، و أرنا الحق حقاً و ارزقنا اتباعه، و أرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، و أدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.
القرض :
أيها الأخوة الكرام، كما أنه منذ حين تحدثنا عن موضوع تشتد الحاجة إلى بحثه ألا وهو موضوع الغيبة، واليوم ندخل في موضوع تشتد الحاجة إليه ألا وهو القرض، فلعل من أوسع نشاطات الناس فيما بينهم قضية القرض، وينشأ عن القرض مشكلات كثيرة بعضها يرجع إلى الجهل بأحكام القرض، وبعضها يرجع إلى سوء النية في الاقتراض والإقراض، و لأن موضوع القرض من أدق الموضوعات الفقهية، ولأنه لا يخلو إنسان من أن يقرض أو أن يستقرض وكلاهما له مضاعفات وله عطاءات، فلذلك ورد في صحيح ابن ماجة:
(( رَأَيْتُ لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِي عَلَى بَابِ الْجَنَّةِ مَكْتُوبًا الصَّدَقَةُ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا وَالْقَرْضُ بِثَمَانِيَةَ عَشَرَ فَقُلْتُ يَا جِبْرِيلُ مَا بَالُ الْقَرْضِ أَفْضَلُ مِنَ الصَّدَقَةِ قَالَ لأنَّ السَّائِلَ يَسْأَلُ وَعِنْدَهُ وَالْمُسْتَقْرِضُ لا يَسْتَقْرِضُ إِلا مِنْ حَاجَةٍ ))
أنا فيما أرى تشتد الحاجة إلى القرض أضعاف ما تشتد الحاجة إلى الصدقة، لأن قلة قليلةً جداً يمكن أن تأخذ الصدقة، لكن القرض كل إنسان يحتاج إليه، فإذا نظم وعرف أحكامه الدقيقة وأشير إلى بواعثه الدقيقة كان القرض نفعاً للمسلمين، نفعاً للمقرض ونفعاً للمقترض.
أيّ عمل صالح تقدمه لمؤمن هو قرض لله :
أيها الأخوة الكرام، يكفينا أن الله سبحانه وتعالى يقول:
﴿ مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافاً كَثِيرَةً وَاللَّهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ﴾
والعلماء قالوا إن أي عمل صالح تقدمه لأخ لك في الله، إنما هو في حقيقته قرض لله عز وجل، أنت حينما تخدم أخاك، حينما تعينه، حينما تأخذ بيده، حينما تفرج كربه، حينما تيسر عليه أمره، إنما تقرض الله قرضاً حسناً، وإذا أقرضت الله ماذا تنتظر من الله؟ أن يضاعفه لك أضعافاً كثيرة، والله يقبض ويبسط، لو لم يكن في القرآن كله إلا هذه الآية المتعلقة بقرض المال وبأوسع من القرض لكفت.
هذا من حيث المقرض.
من أخذ أَموال النَّاس يريد أَداءها أَدَّى اللَّه عنه :
أما المقترض فيقول عليه الصلاة والسلام:
((مَنْ أَخَذَ أَمْوَالَ النَّاسِ يُرِيدُ أَدَاءَهَا أَدَّى اللَّهُ عَنْهُ وَمَنْ أَخَذَ يُرِيدُ إِتْلافَهَا أَتْلَفَهُ اللَّهُ ))
أيها الأخوة: والله لهذا الحديث الشريف كلمة واحدة، لو عليك مئة ألف مليون، الله عز وجل لا يريد منك إلا أن ترد هذا المال، إذا انعقدت نيتك على أن ترد هذا المال أدى الله عنك، يسر أمرك، حلّ العسير، سهّل البعيد، أزال العقبات لمجرد أن تنعقد نيتك على رد هذا القرض:
(( مَنْ أَخَذَ أَمْوَالَ النَّاسِ يُرِيدُ أَدَاءَهَا أَدَّى اللَّهُ عَنْهُ وَمَنْ أَخَذَ يُرِيدُ إِتْلافَهَا .. ))
لعلكم تتوهمون لو أن النبي يقول أتلفها الله، قال:
(( .... أَتْلَفَهُ اللَّهُ ))
نظام الزكاة وحده يكفل توزيع الأموال توزيعاً عادلاً :
لسيدنا علي كرم الله وجهه قول رائع يقول: "لئن كان هناك فقير فبظلم من الغني"
أي كأن الله سبحانه وتعالى لحكمة بالغةٍ بالغة جعل الإنسان حينما يغتني، وحينما يمنع زكاة ماله، وحينما يسلك طرائق غير مشروعة في كسب المال من احتكار، إلى غش، إلى تدليس، لعل هذا المال الوفير الذي أصبح في حوزته هو مقتطع من لقمة الفقير، مثلاً لو قلنا إلى إنسان: سرْ على طريق عرضه ستين متراً، مهارته لا تبدو في القيادة لو نام يبقى على الطريق، أما لو قلنا لإنسان: سرْ على طريق عرضه كعرض مركبتك، وعلى يمينك وادٍ وعلى يسارك وادٍ، هذا الامتحان صعب لو أنك غفلت دقيقة وقعت في الوادي، نظام الحياة نظام أساسه الابتلاء، الإنسان حينما يغتني بأساليب غير مشروعة هو الذي يسبب فقراً مدقعاً، ما اتخم غني إلا بجوع فقير، لذلك سيدنا علي يقول: "لئن كان هناك فقير فبظلم من الغني".
حدثني أخ كريم قال: صدقني ولا أربعة بالمئة ولا ثلاثة بالمئة من أغنياء المسلمين يؤدون زكاة أموالهم، قلت: لو أن جميع الأغنياء أدوا زكاة أموالهم ما بقي فقير، حجم الزكاة حجم فلكي، لا يعطي الفقراء معونات، لا يؤمن لهم أعمالاً، أو موارد رزق دائمة، لا يحل مشكلة الشباب، لو لم يكن في الإسلام إلا نظام الزكاة لكفت، نظام الزكاة وحده هو الذي يكفل توزيع الأموال توزيعاً عادلاً.
آية الدَّين موجهة للمؤمنين :
ثم إن الله سبحانه وتعالى لم يخاطب عامة الناس في موضوع الإقراض قال تعالى:
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ وَلْيَكْتُبْ بَيْنَكُمْ كَاتِبٌ بِالْعَدْلِ وَلَا يَأْبَ كَاتِبٌ أَنْ يَكْتُبَ كَمَا عَلَّمَهُ اللَّهُ فَلْيَكْتُبْ وَلْيُمْلِلِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ وَلَا يَبْخَسْ مِنْهُ شَيْئًا فَإِنْ كَانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهًا أَوْ ضَعِيفًا أَوْ لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُمِلَّ هُوَ فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ بِالْعَدْلِ وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ ﴾
آية الدين موجهة للمؤمنين، يوجد نقطة دقيقة جداً أحبّ أن أضعها بين أيديكم هو أن غير المؤمن لا يتحرك إلا بالمقابل، لا يتحرك حركة، لا يتكلم كلمة، لا يدخل في وساطة إلا مقابل أجر، وهذا الأجر حظه من كل أعماله، وليس له عند الله شيء، أما المؤمن فأساس حياته العطاء، القرض لا يليق إلا للمؤمن، لغير المؤمن يحسبه ويقول: يوجد تضخم نقدي بالمئة سبعة عشر، إن أقرضت مئة ألف معنى هذا أبي سأستردها سبعة وثمانين ألفاً، أو ثلاثة وثمانين ألفاً، معنى هذا أنه يوجد خسارة، طبعاً الله عز وجل قال:
﴿ يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ ﴾
القرض عمل صالح وليس سلوكاً تجارياً :
القرض في الحقيقة عمل صالح وليس سلوكاً تجارياً، دقق الآن إذا أردت أن تقيّمه بميزان تجاري فأنت لست مؤمناً، القرض لا يقيّم بميزان تجاري، يقيّم بميزان العمل الصالح، والشيء الدقيق كما ورد عن السيد المسيح: ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان، وأنت أيها المؤمن لست بالمال وحده تحيا، تحيا أنت برضوان الله عنك، تحيا بأعمالك الصالحة لو كان هناك تضخم نقدي الله عز وجل يضاعفه لك أضعافاً كثيرة، الله عز وجل قادر على أن يرزقك رزقاً وفيراً من حيث لا تحتسب، فإذا ضحيت بإقراض مؤمن وكان التضخم النقدي كبيراً وقد أخذت المال بعد حين أقل من قيمته الحقيقية فهذا عند الله لا يضيع، أمور التجارة والتضخم النقدي وحساب تجميد الأموال يعلمه الله عز وجل.
علاقة القرض بالمال :
أيها الأخوة، لعلكم تعجبون ما علاقة القرض بالمال؟ القرض هو القطع، قرض قطع، المقترض يقتطع من مال المقرض جزءاً يأخذه، والمقرض يقتطع من ماله جزءاً يعطيه للمقترض، فأصل القرض في اللغة اقتطاع جزء من المال من إنسان إلى إنسان، في الاصطلاح الفقهي تمليك بعض المال للغير على أن يرد مثله بعد حين.
أيها الأخوة، بعض الأئمة حاولوا التفريق بين القرض والدين، القرض شيء والدين شيء آخر، في رأي أبو هلال العسكري القرض حينما تدفع نقداً لإنسان فهذا قرض أما إذا بعت بضاعة وسجلت ثمنها على فلان فهذا هو الدين، الدين هو أثمان البضائع، أما القرض فهو النقد الذي يعطى من إنسان إلى إنسان.
على المسلم ألا يدخل مقياس الربح و الخسارة عند الإقراض :
أردت قبل كل شيء أن أضع بين أيديكم هذه الحقيقة، القرض عمل صالح لا يوزن بميزان التجارة، وكل إنسان إذا طلب منه قرض ودخل في حساباته سوف أجمد هذا المال سنة، وسوف أحسب لو وضعته في مشروع كان يعطي ثمانية عشر بالمئة إذا كان تفكيرك هكذا لا تقرض، أنت بعيد عن هذه الآية، لا يمكن أن تدخل مقياس الربح والخسارة و تضخم الأموال والأرباح والاستثمار إذا طلب منك أن تقرض إنساناً مبلغاً.
(( مَنْ نَفَّسَ عَنْ مُسْلِمٍ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ الدُّنْيَا نَفَّسَ اللَّهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَمَنْ يَسَّرَ عَلَى مُعْسِرٍ فِي الدُّنْيَا يَسَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَمَنْ سَتَرَ عَلَى مُسْلِمٍ فِي الدُّنْيَا سَتَرَ اللَّهُ عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَاللَّهُ فِي عَوْنِ الْعَبْدِ مَا كَانَ الْعَبْدُ فِي عَوْنِ أَخِيهِ ))
حدثني صديق قال: جاءه شاب مقدم على زواج، ويحتاج إلى مبلغ من المال، فلما شعر أن المبلغ مؤمن قال لي: والله ما كان من هذا الشاب إلا أن بكى من شدة الفرح وخرّ لله ساجداً يشكر الله، إنسان مضطر لمبلغ من المال حتى ينجز شيئاً أساسياً في حياته، ولا يملكه، وطرق بابك وتوسم فيك الخير والصلاح وأنت لبيته، ولكن والله أيها الأخوة من أخذ أموال الناس ولم يردها، من أخذ أموال الناس وماطلهم، من أخذ أموال الناس وتجاهل أصحاب الأموال، من أخذ أموال الناس ولم يعبأ بهذا المال، والله يحاسب حساباً عسيراً لماذا؟ لأنه منع الخير، الآن كل إنسان أقرض ولم يسترد الدين، أقرض ولم يسترده يقول لك: حلفت يميناً ألا أدين، من الذي حمله على هذا اليمين؟ هؤلاء الذين ماطلوا، فالإنسان إذا عمل على تطبيق الشريعة وأحكام القرض يروج القرض، من أخذ أموال الناس شاركهم في أموالهم، من أخذ وأعطى شاركهم في أموالهم، لكن الحقيقة أدق حديث في هذا الموضع:
(( مَنْ نَفَّسَ عَنْ مُسْلِمٍ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ الدُّنْيَا نَفَّسَ اللَّهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَمَنْ يَسَّرَ عَلَى مُعْسِرٍ فِي الدُّنْيَا يَسَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَمَنْ سَتَرَ عَلَى مُسْلِمٍ فِي الدُّنْيَا سَتَرَ اللَّهُ عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَاللَّهُ فِي عَوْنِ الْعَبْدِ مَا كَانَ الْعَبْدُ فِي عَوْنِ أَخِيهِ ))
الإقراض يسجل عند الله صدقة :
أما الحديث الذي فيه بشارة:
(( عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: مَا مِنْ مُسْلِمٍ يُقْرِضُ مُسْلِمًا قَرْضًا مَرَّتَيْنِ إِلا كَانَ كَصَدَقَتِهَا مَرَّةً ))
أنا أعرف أناساً كثيرين والحمد لله، طالب علم إفريقي أنهى دراسته وهو في طريقة إلى بلده دخل إلى مكتبة، وهذه الكتب مهمة جداً سينشئ معهداً شرعياً هناك، أراد أن يشتري وسأل عن هذا الكتاب وعن هذا الكتاب، فكان هناك رجل يقف قال له: كل هذه الكتب أعطه إياها وخذ ثمنها مني، وقال له: لكم علينا حق كبير، لا أحد يعرف الآخرة لها ثمن، وهذا طالب علم أنهى دراسته وذاهب إلى بلده في إفريقيا ليؤسس معهداً شرعياً، جامع وهو في أمس الحاجة إلى هذه الكتب، ولما شعر أنه لا يملك ثمنها كلها عدّ هذا من أفضل الأعمال، وقال لي: الفاتورة ستة آلاف، وقال له: أعطه كل هذه الكتب وخذ ثمنها مني، إذا الإنسان ليس له عمل صالح، كل إنسان يوجد عنده اختصاص: أناس عندهم مال، علم، قوة، أناس عندهم جاه، خبرات، إذا الإنسان ما قدم شيئاً مما أتاه الله كيف يرقى؟ كيف يلقى الله؟
وطالب علم أيضاً حدثني سائق تكسي رأى طالباً إفريقياً آخر عليه أن يذهب إلى بيروت ليتابع أطروحته، سائق تكسي أخذه إلى بيروت وانتظره ساعات طويلة وأعاده إلى بلده مع الهدايا وقال له: ادع لنا يا أستاذ فقط، ولم يأخذ منه درهماً واحداً، مع الله تضيع هذه؟ هذا عمل طيب، طالب علم ضيف عندنا، فقير الحال، مضطر أن يسافر، إذا علم الإنسان أن الله هو المعطي والمعز عندئذٍ يقدم كل ما عنده لله عز وجل.
(( عَنْ قَيْسِ ابْنِ رُومِيٍّ قَالَ: كَانَ سُلَيْمَانُ بْنُ أُذُنَانٍ يُقْرِضُ عَلْقَمَةَ أَلْفَ دِرْهَمٍ إِلَى عَطَائِهِ فَلَمَّا خَرَجَ عَطَاؤُهُ تَقَاضَاهَا مِنْهُ وَاشْتَدَّ عَلَيْهِ فَقَضَاهُ فَكَأَنَّ عَلْقَمَةَ غَضِبَ فَمَكَثَ أَشْهُرًا ثُمَّ أَتَاهُ فَقَالَ: أَقْرِضْنِي أَلْفَ دِرْهَمٍ إِلَى عَطَائِي قَالَ: نَعَمْ وَكَرَامَةً يَا أُمَّ عُتْبَةَ هَلُمِّي تِلْكَ الْخَرِيطَةَ الْمَخْتُومَةَ الَّتِي عِنْدَكِ فَجَاءَتْ بِهَا، فَقَالَ: أَمَا وَاللَّهِ إِنَّهَا لَدَرَاهِمُكَ الَّتِي قَضَيْتَنِي مَا حَرَّكْتُ مِنْهَا دِرْهَمًا وَاحِدًا، قَالَ: فَلِلَّهِ أَبُوكَ مَا حَمَلَكَ عَلَى مَا فَعَلْتَ بِي قَالَ: مَا سَمِعْتُ مِنْكَ، قَالَ: مَا سَمِعْتَ مِنِّي، قَالَ: سَمِعْتُكَ تَذْكُرُ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: مَا مِنْ مُسْلِمٍ يُقْرِضُ مُسْلِمًا قَرْضًا مَرَّتَيْنِ إِلا كَانَ كَصَدَقَتِهَا مَرَّةً قَالَ كَذَلِكَ أَنْبَأَنِي ابْنُ مَسْعُودٍ))
أي إذا أقرضت إنساناً مرتين أنت قدمت له شيئاً ثميناً، إحدى هاتين المرتين تسجل لك عند الله صدقة، إذا أخ ببحبوحة رصد مبلغاً من المال لحل مشاكل المؤمنين، يقرض ويسترد، هذا من أجلّ الأعمال، يجب أن تعلم علم اليقين من خلال هذا الحديث الذي قاله النبي عليه الصلاة والسلام أن الإقراض يسجل عند الله صدقة، فلك أن تقتطع شيئاً من مالك، وأن تجعله في متناول المقترضين.
المؤمن سخي و عفيف :
لكن أيها الأخوة الشيء اللطيف في الإسلام بقدر ما المؤمن سخي بقدر ما الثاني عفيف، سيدنا سعد بن الربيع ماذا قال لعبد الرحمن بن عوف؟ دونك نصف مالي، هاتان الدكانان اختر إحداهما، هذان البستانان خذ أحدهما، ماذا قال له ابن عوف؟ قال له: بارك الله لك بمالك ولكن دلني على السوق.
حدثني رجل ممن يعتني بسيرة أصحاب رسول الله: من خلال مطالعاتي كلها ما ثبت عندي أن مهاجراً أخذ من أنصاري شيئاً مع أن كل الأنصار بذلوا نصف أموالهم، إذا إنسان رغب أن يفعل خيراً يجب ألا يستغل.
((عن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: لأن أقرض دينارين ثم يردا، ثم أقرضهما أحب إلي من أن أتصدق بهما))
هذه نقطة مهمة جداً، أي إذا أنت رصدت مبلغاً من المال وليكن مبلغاً رمزياً أقرضته مرة، مرتين، ثلاث، أربع، خمس، قال: أحبّ إليّ من أن أتصدق بهما، كيف؟ إذا معك عشرة آلاف تصدقت بها انتفع بها واحد، أما لو دورتها بين عشرة انتفع بها عشرة، فلان انتفع بها ردها لك، ثم أعطيتها لفلان ردها إليك، أعطيتها لفلان، ولكن هذا النظام وهذا التوجيه يحتاج إلى مؤمنين من أعلى درجات العفة، من أعلى درجات الغيرة، من أعلى درجات الحرص، الذي يمنع الماعون إنسان يعطل الخير.
مرة قلت لكم: رجل في الصحراء يمتطي حصاناً رأى رجلاً في الحر اللاهب ينتعل رمال الصحراء المحرقة، دعاه إلى ركوب الخيل وإذا هذا الرجل أحد لصوص الصحراء ما إن اعتلى الخيل حتى دفع صاحب الخيل إلى الأرض وعدا بالفرس لا يلوي على شيء، قال له صاحب الفرس: لقد وهبت لك هذه الفرس ولن أسأل عنها بعد اليوم ولكن إياك أن يشيع هذا الخبر في الصحراء فإذا شاع هذا الخبر تذهب منها المروءة، وبذهاب مروءتها يذهب أجمل ما فيها.
الحياة جميلة بالتعاون :
الحياة جميلة بالتعاون، حدثني أخ بمثل دقيق جداً قال: لو أتينا بمسمار وأدخلناه في لوح خشبي، وجئنا بالأوكسجين وسلطناه عليه خلال نصف دقيقة يذوب- معروف عندكم لحام الأوكسجين- لماذا؟ لأن الحرارة التي أخذها المسمار وزعها على اللوح، أخذ و وزع، هذا المثل دقيق، أنت كمؤمن مع المؤمنين مهما كان عليك شدة تتوزع، أما إذا لم يكن هناك تعاون، المجتمع المنحرف، المجتمع المادي، المجتمع الكافر، أساسه أفراد ليس أساسه تعاوناً، تأتي المصيبة على الرجل تسحقه سحقاً
أما مجتمع المؤمنين فلست وحدك في الحياة، أنا والله أعرف عشرات بل مئات القصص، يوم الجمعة حدثتكم عن صندوق العافية، لي يومان أو ثلاثة وأنا في أعلى درجات السرور، صار شيء من الوعد إنسان يحتاج إلى عملية بخمسمئة ألف، مبلغ كبير جداً فوق طاقة الناس، إن قضى بعِلته يأثم جميع المسلمين وإذا كلفنا جهة فوق طاقتها هذه العملية، الآن والحمد لله يمكن أن يجبى من المساجد كل أسبوع لصندوق العافية، وهذا المريض يفحصه أطباء من أعلى مستوى، ويقررون إذا تعالج مرضه في القطر، أو خارج القطر، والمبلغ مغطى، هذا تكافل اجتماعي، أي الفقير يجب أن يعالج بأعلى درجة، لذلك الله عز وجل قال:
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحِلُّوا شَعَائِرَ اللَّهِ وَلَا الشَّهْرَ الْحَرَامَ وَلَا الْهَدْيَ وَلَا الْقَلَائِدَ وَلَا آمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنْ رَبِّهِمْ وَرِضْوَانًا وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ أَنْ صَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَنْ تَعْتَدُوا وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ ﴾
و قال عليه الصلاة و السلام:
((أَيَعْجِزُ أَحَدُكُمْ أَنْ يَكُونَ مِثْلَ أَبِي ضَمْضَمٍ؟ قَالُوا: وَمَنْ أَبُو ضَمْضَمٍ؟ قَالَ: رَجُلٌ فِيمَنْ كَانَ مِنْ قَبْلِكُمْ بِمَعْنَاهُ قَالَ عِرْضِي لِمَنْ شَتَمَنِي))
لا يملك شيئاً، أفقر صحابي كان إذا خرج من بيته يقول: "اللهم إني قد تصدقت بعرضي على عبادك"، أي إذا رجل تكلم عليه كلاماً غير صحيح أنا مسامحه وسأقرضه بحقي، وأنا لي حق بمطالبته في الذي تكلمه عني ظلماً، إني أقرضت للمسلمين عرضي، وقد روي عن ابن عمر أنه قال: "أقرض من عرضك ليوم فقرك"، أي من سبك فلا تأخذ منه حقاً ولا تقم عليه حداً حتى تأتي يوم القيامة موفور الأجر.
عدم الاقتراض إلا ممن يملك التصرف :
أخواننا الكرام، من البديهيات أنه لا يصح أن تقترض إلا ممن يملك التصرف
إذا إنسان سفيه أو صغير هذا إقراضه باطل، ويحرم أن تستعين بالقرض على معصية، إنسانة تتقاضى من جمعية خيرية مبلغاً كل شهر، فوجئ من يعطيها هذا المبلغ أنها ركبت صحناً بثلاثة وثلاثين ألفاً، فلما طالبوها أن كيف هذا؟ فقالت: والله بالدين أخذته، هذه وقعت في وقت قريب، جمعية خيرية وهي تتقاضى ثلاثة آلاف في الشهر، فلما سألوها عن هذا الصحن قالت لهم: بالدين أخذته، هذا القرض ليس له أجر طبعاً.
من هو آكل السحت؟ قال: هو الذي يستقرض مالاً وفي نيته ألا يؤديه، لذلك ورد أنه من تزوج امرأة على صداقٍ وفي نيته ألا يؤديه لها لقي الله زان، ومن أخذ مال وفي نيته ألا يؤديه لقي الله سارقاً، روي عن السيدة عائشة أنها كانت تستدين فقيل لها: مالكِ وللدين؟ فقالت:
((عن عَائِشَةَ قَالَتْ: سَمِعْتُ أَبَا الْقَاسِمِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: مَنْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ هَمَّهُ قَضَاؤُهُ أَوْ هَمَّ بِقَضَائِهِ لَمْ يَزَلْ مَعَهُ مِنَ اللَّهِ حَارِسٌ ))
وأنا ألتمس من الله ذلك العون.
من نوى قضاء دينه تولى الله عنه ردّه :
أخ من مدة أقرض أخاً، وهذا الأخ صار معه شيء قاهر، ففقد كل أمواله، والمبلغ ضخم، فهذا الأخ الثاني صادق، ولكنه والله لا يملك شيئاً، ولا مصروف يومه، والمبلغ المقترض كبير، والذي أقرض هذا المبلغ لا يملك غيره، وقعت مشكلة، حدّثت المقترض قلت له: انظر الله عز وجل لا يطالبك إلا بشيء واحد أن تنوي أداء هذا الدين، وتأثر تأثراً كبيراً، وبعد عدة شهور فاجأني أن الله عز وجل رغم الأزمة المستحكمة في البيع والشراء، وكساد البضاعة، وبرود الأسواق، الله يسر له طريقة من طرق البيع، يوجد تجار كبار أعطوه بضاعة ولم يأخذوا ثمنها، بضاعة جيدة باعها نقداً، واستطاع خلال ثمانية أشهر أن يرد هذا المبلغ الضخم، أنا الذي استفدته أن هذا قول النبي لا ينطق عن الهوى، لا تملك إلا أن تنوي قضاء هذا الدين، وعندئذ يتولى الله عنك أن يرده: " تعرضوا للرزق فإن غلب أحدكم فليستدن "، قبل أن تفكر بالدين تحرك حركة في طلب الرزق.
عن ابن عمر أنه كان يزكي مال اليتيم، ويستقرض منه، ويدفعه مضاربةً، إذا زكاه ذهب عنه شره، وإذا استقرض منه كان الله في عون هذا اليتيم، ويدفعه مضاربةً لئلا تأكله الزكاة.
(( عَنْ عَبْدِ اللَّهِ ابْنِ جَعْفَرٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :إِنَّ اللَّهَ مَعَ الدَّائِنِ حَتَّى يُقْضَى دَيْنُهُ مَا لَمْ يَكُنْ فِيمَا يَكْرَهُ اللَّهُ قَالَ وَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ يَقُولُ لِخَازِنِهِ اذْهَبْ فَخُذْ لِي بِدَيْنٍ فَإِنِّي أَكْرَهُ أَنْ أَبِيتَ لَيْلَةً إِلا وَاللَّهُ مَعِي بَعْدَمَا سَمِعْتُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ))
إنسان عليه دين وفي نيته أن يؤدي هذا الدين الله معه بالتوفيق، والنصر، والحفظ.
الاستقراض يكون لأشياء أساسية فقط :
إلا أن النبي عليه الصلاة والسلام قال:
(( عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ دَلافٍ الْمُزَنِيِّ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَجُلاً مِنْ جُهَيْنَةَ كَانَ يَسْبِقُ الْحَاجَّ فَيَشْتَرِي الرَّوَاحِلَ فَيُغْلِي بِهَا ثُمَّ يُسْرِعُ السَّيْرَ فَيَسْبِقُ الْحَاجَّ فَأَفْلَسَ فَرُفِعَ أَمْرُهُ إِلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فَقَالَ: أَمَّا بَعْدُ أَيُّهَا النَّاسُ فَإِنَّ الأسَيْفِعَ أُسَيْفِعَ جُهَيْنَةَ رَضِيَ مِنْ دِينِهِ وَأَمَانَتِهِ بِأَنْ يُقَالَ سَبَقَ الْحَاجَّ أَلا وَإِنَّهُ قَدْ دَانَ مُعْرِضًا فَأَصْبَحَ قَدْ رِينَ بِهِ فَمَنْ كَانَ لَهُ عَلَيْهِ دَيْنٌ فَلْيَأْتِنَا بِالْغَدَاةِ نَقْسِمُ مَالَهُ بَيْنَهُمْ وَإِيَّاكُمْ وَالدَّيْنَ فَإِنَّ أَوَّلَهُ هَمٌّ وَآخِرَهُ حَرْبٌ ))
كيف نوفق بين هذه الأحاديث؟ إياكم والدين أي أن تستدين لشيء ثانوي، شيء ليس أساسياً، أما يوجد عمليات جراحية، تأمين وقود، أحياناً لا يوجد عندك وقود، عندك برد شديد، أحياناً تأمين طعام، جدار انهدم، أن تستقرض لأشياء أساسية لا يوجد مانع أما أن تستقرض لأشياء ثانوية فلا.
(( عن سَهْلُ ابْنُ الْحَنْظَلِيَّةِ قَالَ: قَدِمَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عُيَيْنَةُ بْنُ حِصْنٍ وَالأقْرَعُ بْنُ حَابِسٍ فَسَأَلاهُ فَأَمَرَ لَهُمَا بِمَا سَأَلا وَأَمَرَ مُعَاوِيَةَ فَكَتَبَ لَهُمَا بِمَا سَأَلا فَأَمَّا الأقْرَعُ فَأَخَذَ كِتَابَهُ فَلَفَّهُ فِي عِمَامَتِهِ وَانْطَلَقَ وَأَمَّا عُيَيْنَةُ فَأَخَذَ كِتَابَهُ وَأَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَكَانَهُ فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ أَتُرَانِي حَامِلاً إِلَى قَوْمِي كِتَابًا لا أَدْرِي مَا فِيهِ كَصَحِيفَةِ الْمُتَلَمِّسِ فَأَخْبَرَ مُعَاوِيَةُ بِقَوْلِهِ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَنْ سَأَلَ وَعِنْدَهُ مَا يُغْنِيهِ فَإِنَّمَا يَسْتَكْثِرُ مِنَ النَّارِ ))
حكم الاقتراض :
أيها الأخوة، الإقراض مندوب، الاقتراض مباح، إلا أن هذه الإباحة تتبدل من حرمة إلى فرض إلى كراهية إلى إباحةٍ، فلو أن الإنسان استقرض ليفعل معصية فهذا القرض حرام، استقرض ليجري عملية لابنه هذا القرض فرض، لا أملك ماذا أفعل؟ ابنك يحتاج إلى عملية، أنت الشرع يأمرك أن تقترض قرضاً واجباً، فرض، إذا كان هناك عملية ولم تجر يتفاقم الأمر فالقرض واجب، إذا كاد الإنسان أن يموت من البرد، وعند طفل رضيع ولد حديثاً، والحرارة خمس تحت الصفر، ولا يوجد عنده وقود سائل، ولا يملك فعليه أن يقترض، يوجد حالات معينة يجب أن تستقرض والله يوفي عنك، موضوع خطر، عملية برد شديد، هذا القرض واجب، والقرض الحرام أن تستقرض بمعصية، أما إذا شيء غير أساسي صار شيئاً مكروهاً، أما الشيء الأساسي وعندك ما يغطيك صار مباحاً، فالقرض يتراوح بين الواجب والفرضية والحرمة والإباحة وبين الكراهة.
أخواننا الكرام، الحاجة مرض عضال، أو عملية جراحية، أو نفقة ضرورية لا تقوم الحياة إلا بها، لذلك الذي عليه دين الفقهاء حرموا عليه أن يأكل فاكهتين أو لونين من الطعام، أنت عليك دين ولو علم الدائن أنك تأكل وتشرب كما يشتهي يتألم ألماً شديداً، وللنبي قول دقيق: "لا أشتري حاجةً لا أملك ثمنها". ما المقصود بذلك؟ الأشياء الثانوية، الترف الكماليات.
من استقرض ينبغي أن يؤدي دينه :
هناك أمر دقيق جداً في الدين، الإنسان إذا استقرض ينبغي أن يتيقن أنه بإمكانه أن يؤدي هذا الدين، يوجد عنده مال مجمد، دكان، بيت لم يبع معه، سجادة، له حساب مع شخص، أما أنه يستقرض مبلغاً ضخماً، ويقول لك: أريد خمسمئة ألف وكل شهر أدفع لك ألفاً من يعطيك؟ هذا كلام غير معقول، لماذا تريد هذا المبلغ؟ أريد أن أعمل مشروعاً و أشتغل، أدخل معك شريكاً، لا يريد قرضاً، هذا الكلام غير معقول، والله أسمع كلاماً غريباً جداً، قال تعالى:
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ وَلْيَكْتُبْ بَيْنَكُمْ كَاتِبٌ بِالْعَدْلِ وَلَا يَأْبَ كَاتِبٌ أَنْ يَكْتُبَ كَمَا عَلَّمَهُ اللَّهُ فَلْيَكْتُبْ وَلْيُمْلِلِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ وَلَا يَبْخَسْ مِنْهُ شَيْئًا فَإِنْ كَانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهًا أَوْ ضَعِيفًا أَوْ لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُمِلَّ هُوَ فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ بِالْعَدْلِ وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ ﴾
تثبيت الدَّين بكتابة أو رهن :
إذا إنسان لم يكتب، يوجد مشكلة، يموت الإنسان فجأةً، أنت دينته ثلاثمئة ألف، طرقت باب الورثة هل يوجد معك وصل؟ لا، ليس لك عندهم شيء، سؤال لو كنت مكانهم هل تعطي كل إنسان على دعواه؟ من يومين يوجد مشكلة توفي شخص فجأةً جاء رجل معه وصل بمئتي ألف، والثاني قال: لي معه ثمانمئة ألف ولكن لا يوجد وصل، هل هذا معقول؟
يوجد احتمالان؛ أن تكون فعلاً أعطيته ثمانمئة ألف ولكن لم تأخذ وصلاً منه، الورثة هل من الممكن أن يعطوا كل مدع دعواه؟ لا ليسوا مكلفين، إذا ما دفعوا ليسوا مكلفين، إذا ما دفعوا معنى هذا أن أباهم المتوفى أكل مالاً حراماً، ولو أعطوه ولم يكن قد أعطاه آباهم أطعموا المعطى مالاً حراماً، يوجد مشكلة أحدهم ظالم إما المتوفي أو المدعي، إذا لا يوجد ورقة يوجد مشكلة، دائماً يقول لك: أنا واثق منه إذا كان حياً وإذا مات؟ لم يكن الموضوع موضوع ثقة، موضوع حقوق، لم يكلف الوريث أن يدفع ديون والده شفهياً.
يوجد طرفة بالقرض، قال: استقرض من الأصمعي خليل له- صديقه - فقال: حباً وكرامة ولكن سكن قلبي برهن يساوي ضعف ما تطلبه، وهذا أحياناً شيء وارد، قطعة ذهب ثمنها مئة ألف ضمانة لا يوجد مشكلة، فقال له: يا أبا سعيد ألا تثق بي؟ قال: بلى وإن خليل الله إبراهيم كان واثقاً من ربه ولكن قال له: ليطمئن قلبي يا رب، فلذلك ممكن أن تطلب رهناً إذا شخص لا تعرفه أعطه رهناً يكافئ القرض ولا يوجد مشكلة أهم من الوصل.
بالمناسبة ممكن أن تطلب ضماناً، إيصالاً، ممكن أن تطلب رهناً، ممكن تطلب كفيلاً ضامناً، يقول النبي عليه الصلاة والسلام:
(( فِي الْخُطْبَةِ عَامَ حَجَّةِ الْوَدَاعِ: الْعَارِيَةُ مُؤَدَّاةٌ وَالزَّعِيمُ غَارِمٌ وَالدَّيْنُ مَقْضِي))
بالتعبير العامي، الكفيل حطاط، بالتعبير الفصيح والزعيم غارم، أنت ممكن أن تطلب إيصالاً أو رهناً أو كفيلاً.
التعريف بمن أراد القرض ضروري :
آخر شيء في الدرس أن سيدنا عمر جاء لعنده من يريد أن يستقرض منه، فقال له: ائتني بمن يعرفك، فأتاه برجل فأثنى عليه خيراً، قال له عمر: أنت جاره الأدنى الذي يعرف مدخله ومخرجه؟ قال له: لا، قال: كنت رفيقه في السفر الذي يستدل به على مكارم الأخلاق؟ قال: لا، قال: فعاملته بالدرهم والدينار الذي يستبين به ورع الرجل؟ قال: لا، قال: أظنك رأيته قائماً بالمسجد يصلي يخفض رأسه طوراً ويرفعه أخرى؟ فقال: نعم، قال: اذهب فلست تعرفه، وقال للرجل اذهب فائتني بمن يعرفك، يوجد لهذه القصة تتمة، قال له: يا هذا أنا لا أعرفك ولا يضرك أنني لا أعرفك، قد تكون إنساناً كاملاً ولا أعرفك.
الموضوع أن التعريف ضروري، يوجد حالات فيها سذاجة، يعطيه مبلغاً يختفي الذي أخذ المبلغ، إن شاء الله تعالى في درس قادم نتابع هذا الموضوع لأن المسلمين في أمس الحاجة إليه.