- الحديث الشريف / ٠1شرح الحديث الشريف
- /
- ٠2دروس جامع الاحمدي
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد؛ الصادق الوعد الأمين.
ما الشيء الذي يبقى مع الإنسان بعد الموت:
أيها الأخوة الكرام، روى الإمام الطبراني, عن أبي أمامة رضي الله عنه, أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
((أربعة تجري عليهم أجورهم بعد الموت:
-ما من إنسان إلا وهو في الدنيا طموح إلى أكبر ثروة، طموح إلى أن يسكن في أجمل بيت، طموح إلى أن يكون له أولاد أبرار، طموح إلى أن تكون له زوجة طيبة صالحة ترضيه، طموح إلى أن يكون في رفعة؛ ولكن الدنيا فانية، الموت ينهي كل شيء؛ ينهي غنى الغني وفقر الفقير، ينهي قوة القوي وضعف الضعيف، ينهي وسامة الوسيم ودمامة الدميم، ينهي صحة الصحيح ومرض المريض؛ العبرة لما بعد الموت.
يقول عليه الصلاة والسلام-: أربعة تجري عليهم أجورهم بعد الموت:
-يعني عمل مستمر، عمل متنام، يعني مثلاً: ممكن أن تملك مئة ألف؛ يمكن أن تنفقها في شهر, في سفر, ما بين أجور الطائرة، والنزول في الفنادق، والطعام والشراب، أما لو أن لك في جهة استثمارية مليوناً، وأخذت منهم مئة ألف؛ هذه متجددة هذا ريع، وليس رأس مال، هذا ريع؛ فهناك أعمال متجددة؛ لا تنتهي بموت صاحبها؛ يموت والخير مستمر، يموت والأجر مستمر، يموت وكل من انتفع بهذا العمل في صحيفته.
انظر ماذا ترك هؤلاء بعد موتهم؟ :
أنا جئتكم من معهد الغراء؛ كان هناك احتفال بتخريج طلاب، ذكرت أن هذا الذي أسس المعهد -الشيخ علي الدقر، رحمه الله تعالى- كم مضى على موته؟ معهد عتيد يخرج الطلاب الشرعيين، يتسلمون المنابر، يخطبون في الناس، هذا عمل؛ أن تؤسس صدقة جارية، لو مات الإنسان -أيها الأخوة- حينما أرى عملاً مستمراً, أنطق بصوت مرتفع: والله ما مات صاحب هذا العمل، ما مات.
نحن الآن كم مرة نذكر الإمام الشافعي، وأبو حنيفة، وابن حنبل، والإمام مالك، وسيدنا عمر، وصلاح الدين الأيوبي، ونور الدين الشهيد، وعمر بن عبد العزيز، وطارق بن زياد؟ نذكرهم صباحاً ومساء، هذه البلدة -الشام- لولا الذين فتحوها لكنا أقباطاً، لكنا من بلاد الرومان، لكن الصدقة الجارية هي أعظم عمل.
كن طموحاً في الآخرة :
أنا بدأت الدرس؛ كلكم تحبون الطموح، لكن البطولة أن تكون طموحاً في الآخرة، لأن الآخرة مستمرة أما الدنيا منقطعة، يعني إذا الإنسان سافر إلى بلد، وأقام في خمسة أيام، في فندق خمس نجوم، في أربع، في ثلاث، في اثنتين، لكن في النهاية هذه الأيام تمضي، ولا تذكر من هذه الأيام شيئاً، أو لا يبقى شيء من طعم هذا الفندق الغالي؛ انتهى، أما في بيتك المستمر ينبغي أن تعتني به، ففي فرق بين أن تعتني بشيء مؤقت، وأن تعتني بشيء دائم، فهذا الذكي العاقل الموفق المتفوق الفالح؛ هو الذي يسعى لعمل لا ينقطع عند الموت، مستمر مستمر، ريعه مستمر.
أحياناً: الإنسان يحصل على وكالة حصرية؛ وهو جالس في مكتبه مرتاحاً، تأتيه برقية: قد حولنا لك خمسين ألف دولار عمولة شخص جاء لعندنا، اشترى البضاعة, قيدنا العمولة لك، حتى صار وكيلاً حصرياً جهد كثيراً، لكن بعد ما تعب؛ تأتيه المبالغ من كل حدب وصوب, لأنه وكيل حصري, فكل من ذهب إلى الشركة، واشترى منها مباشرة؛ يحسم من استلم البضاعة عمولة وكيل الشركة الحصري؛ هكذا.
فما دام نحن في الدنيا طموحين، فالأولى أن نكون طموحين في الآخرة.
من آثار المرابط في الأرض :
فهذا هو النبي عليه الصلاة والسلام يبين-: أربعة تجري عليهم أجورهم بعد الموت: من مات مرابطاً في سبيل الله:
-يعني مات في ساحة الحرب، هذه الحرب سببت هذا الفتح، هذا الجهاد سبب هذه البلاد التي فتحت للمسلمين.
أنا ذهبت إلى تركيا، سمعت أن فيها خمسة وثمانين مليون مسلم حنفي، من فتحها؟ محمد الفاتح، هؤلاء الذين فتحوها من الصحابة؛ سيدنا أبو أيوب الأنصاري مدفون في استانبول، وصليت الجمعة في مسجده، أين بلده؟ في المدينة، هو الذي استضاف النبي عند الهجرة، أين مات؟ في استانبول, خمسة وثمانون مليون مسلم؛ الحمد لله، الوضع جيد، لا كما تسمعون.
أنا ذهبت من استانبول إلى بورصة، رأيت بأم عيني كل عشرة سيارات؛ ثمانية منهم محجبات النساء، ثمانية بالعشرة، ثلاثة آلاف مسجد في استانبول، يؤذن باللغة العربية، وتمتلئ إلى أكثر من نصفها, وفي معهد شرعي, الله يديمهم هذه المعاهد.
في مشكلة الآن بتركيا: خمسمئة وخمسون معهداً يخرج الخطباء في استانبول، خمس وعشرون كلية شريعة، هذا الخير من أين جاء؟ من الذين فتحوا هذه البلاد؛ هل تصدقون أنكم جميعاً في صحيفة من فتح مدينة دمشق؟ أبداً؛ فهذا الذي يجاهد في سبيل الله، وينشر دين الله، هؤلاء التجار الذين وصلوا إلى إندونيسيا؛ وجعلوا هذه البلاد, أكبر بلد إسلامي على الإطلاق؛ إندونيسيا، يعد مئة وخمسين مليوناً وحده, إندونيسيا تساوي الأمة العربية كلها، من فتحها؟ تجار، كل هذا في صحيفتهم.
يعني الخطيب تكلم الآن كلمة، والله تأثرت لها؛ أثنى على علماء الشام، وعلى طلاب العلم، وأثنى على تجار دمشق قال: هؤلاء التجار لولا سخاؤهم، وبذلهم، وعطاؤهم؛ ما أسست هذه المعاهد، ولا فتحت هذه المساجد، ولا أسست هذه المياتم.
قام أحد التجار فقال: لكل طالب خمسة آلاف ليرة هدية مني، خمس وعشرون، تسع وعشرون، بخمسة: مئة وخمسون ألفاً؛ قدمها هدية لطلاب العلم الذين تخرجوا، ونالوا الشهادة الثانوية.
إذاً-: أربعة تجري عليهم أجورهم بعد الموت: من مات مرابطاً في سبيل الله -كأبي أيوب الأنصاري، مات في استانبول-.
ما معنى هذا الكلام النبوي: (ومن علم علماً أجري له عمله ما عمل به)؟
ومن علم علماً أجري له عمله ما عمل به.
-إنسان له دعوة إلى الله، أسس معهداً شرعياً، دعا إلى الله في مسجد، واحد منكم -الله يجزيه الخير- جلس مع أهله, مع أولاده، مع جيرانه، مع أصدقائه؛ بسهرة, بحفلة، بأمسية، بلقاء، بعزيمة، بحفل، تكلم كلمة حق، نطق بالحق.
اليوم أخبرني أحدهم من ألمانيا, قال لي: بقيت أبحث عن رقم هاتفك شهرين, قال لي: اسمي فلان، قال لي: أنا أمقت المشايخ، أكرههم..., تكلم كلاماً أقسى من ذلك، لكنني سمعت شريط المهيمن من أسماء الله الحسنى, قال لي: والله سمعته خمس مرات، وطلب مني ألف شريط أبعثه إليه، قلت له: مستحيل.
يعني كلمة الحق لا تقف, ليس لها حدود، في جمعية أطباء في فرنسا اسمها: أطباء بلا حدود, يعني هذا الطبيب نذر نفسه لخدمة الإنسانية جمعاء؛ أين يوجد معارك؟ أين يوجد قتل؟ يذهب إلى هناك ويعالج المرضى، والحق ليس له حدود؛ حق بلا حدود، ينطلق من مكان إلى مكان-.
أربعة تجري عليهم أجورهم بعد الموت: من مات مرابطاً في سبيل الله، ومن علم علماً أجري له عمله ما عمل به.
-علّم: أفضل صدقة, تكلم كلمة حق، قال لي أحدهم: أنا ما رأيتك ولا عرفتك، لكن مرة سألتك على الهاتف، عن مشكلة أعاني منها، فقلت لي: كل هذه الأساليب في معالجتها, أساليب غير صحيحة, عليك بالدعاء والصدقة فقط، قال لي: والله فعلتهما، وحلت المشكلة, لا يعرفني شخصياً، لكنه سألني على الهاتف، وأجبته، كلمة الحق، كلمة الحق-.
ما معنى هذا الكلام النبوي: (ومن تصدق بصدقة فأجرها يجري له ما وجدت)؟ :
ومن علم علماً أجري له عمله ما عمل به، ومن تصدق بصدقة فأجرها يجري له ما وجدت.
-الآن من بنى هذا المسجد, كل كلمة حق تقال في هذا المسجد، كل آذان يرفع، كل صلاة تؤدى، كل درس علم ينعقد، كل توبة تنعقد, في صحيفة من ساهم في بناء, وتأسيس هذا المسجد، وهكذا...
محور درسنا اليوم :
درسي اليوم: يجب أنا تبحث عن عمل يستمر بعد الوفاة، عندك القراء والمغنين؛ أعمال هؤلاء مستمرة بعد موتهم، و أعمال هؤلاء مستمرة بعد موتهم، كلما ظهرت أغنية, في حساب جديد, ضريبة جديدة يوم القيامة، وكلما ظهر نص قرآني لقارئ من القراء, يرتفع عند الله.
في أناس أسسوا مساجداً، وأناساً أسسوا ملاهي، مرة افتتحنا مسجداً بحرستا، وكان إلى جانبي مدير أوقاف الريف، أردت أن أداعبه, قلت له: اشكر الله, فإنك تفتتح مساجداً, قال: إي والله، الحمد لله, قلت له: البارحة افتتح ملهى، ودشن، وقص الشريط الحريري.
يعني في إنسان افتتح ملهى، أنت افتتحت مسجداً، شتان بين الاثنين, إنسان يفتتح ملهى، إنسان يفتتح مسجداً، إنسان يترك مسجداً، إنسان يترك ملهى، إنسان يترك قرآناً يتلى بصوته، إنسان يترك غناء يغنى بصوته.
يعني في مغني بمصر -مشهور جداً- كان يخاف الموت خوفاً مخيفاً, ما ركب طائرة في حياته، وما أكل في العشاء إلا الفواكه، وما تناول في الظهر إلا السمك واللحم الأبيض -لأنه خفيف- ويعتني بالرياضة، والغذاء، والتطهير الكامل، لكن في النهاية مات، وأغانيه تصدح بعد موته، وفي قراء كبار ماتوا وكل تسجيلاتهم تذاع من بعد موتهم.
أنا درسي اليوم؛ عن عمل صالح يستمر بعد الموت؛ ساهمت بتأسيس مسجد، بتأسيس ميتم، جمعية خيرية، معهداً شرعياً، علمت علماً، رابطت في سبيل الله، ماذا فعلت؟ ماذا فعلت من عمل يستمر بعد الموت؟ أعظم الأعمال: الأعمال التي لا تنتهي بموت صاحبها.
مثلاً: الذي اخترع تكبير الصوت، أو المراوح، والذي اخترع الدش، كم بلد بالعالم فسد؟ كم أسرة تفككت؟ كم زنا حصل بين المحارم؟ هذا اختراع، هذا اختراع.
إنسان اخترع الهاتف، إنسان اخترع مركبة، إنسان اخترع طائرة، إنسان اخترع جهاز له، الذي اخترع البارود؛ نوبل, بعد أن اخترعه, أدرك ما سيكون من بعده -سوف يموت ملايين بالبارود- اخترعه وانتهى، لذلك: رصد كل ثروته جائزة لمن يقدم عملاً يخدم السلام؛ جائزة نوبل, لكن توزيعها غير صحيح؛ من أخذها؟ ميناحين بيغن أليس كذلك؟ هؤلاء الذين يقتلون الناس؛ نالوها-.
ومن علم علماً أجري له عمله ما عمل به، ومن تصدق بصدقة فأجرها يجري له ما وجدت.
قصة ختامها مسك :
-لي صديق مهندس، دخله وسط، له أخت، زوجها موظف، دخله محدود، مرة ذهب إليها, رأى في بيتها مشكلة؛ مشادة بينها وبين زوجها، تطالبه بثلاثمئة ليرة شهرياً -ثياب لها ولبناتها- الزوج يمتنع؛ دخله محدود؛ لا يستطيع أن يستغني عن ثلاثمئة ليرة, لأنه يؤمن الطعام والشراب، فوجد أن هناك مشادة بينهما.
قال لي: والله، أنا دخلي لا يسمح لي، لكنني قلت: أحل مشكلة, قال لها: يا أختي الثلاثمئة مني كل أول شهر، فضوا لنا المشكلة، فقبلت, وزوجها شكره, وتيسر الأمر.
قال لي: أول الشهر, أطرق الباب، أدفع المبلغ الذي علي، ستة أشهر، بعد هذه المدة, سألت أخاها: أتعمل لنا درس دين؟ فاستجاب, قال لي: حضرت آية أسمعها منك في الدرس، وحديث، وقصة، وحكم فقهي، هكذا درس مختصر.
جاءت أخته الأولى، أخته الثانية، أخته الثالثة، بنات أخواته كلهم، صار درس لطيف؛ أخواته البنات، وبنات أخواته، بعد حين تحجبوا، ثم زوج ثلاث منهم، قال لي: ما كنت أصدق أن هذه المئات الثلاثة التي دفعتها لأحل مشكلة بين أختي وزوجها؛ انتهت إلى دعوة إلى الله عز وجل.
تحرك حركة طيبة، اخدم الناس، إياك أن تدعو الناس إلى الله بلسانك، ادعهم على الله بإحسانك، فإذا دعوتهم بإحسانك, فتحت لك الآذان، الإحسان قبل البيان، والقدوة قبل الدعوة، والتبشير لا التحذير، والترغيب لا الترهيب، والأصول قبل الفروع، والتدرج لا الطفرة، وأبواب الفقه الأساسية قبل فروع فروعها، والمبادئ لا الأشخاص، والمضامين لا العناوين، والمتفق عليه لا المختلف عليه، وكليات الدين المعرفية, والسلوكية, والجمالية.....-.
من الصدقات الجارية الولد الصالح :
ومن تصدق بصدقة فأجرها يجري له ما وجدت، ورجل ترك ولداً صالحاً فهو يدعو له))
ابن صالح، علم ينتفع به، صدقة جارية, مسجد بنيَ، جسر بنيَ، نبع ماء أجري, هذه كلها صدقات جارية.
الحقيقة: في صدقة جارية سهلة جداً, هي ليست سهلة, لكنها سهلة، أن تربي ولدك, إذا كنت تركت ابناً صالحاً، هذا لا يقدر بثمن، ولد صالح يدعو لك، صدقة جارية تؤديها، علم ينتفع به.
((من مات مرابطاً في سبيل الله، ومن علم علماً أجري له عمله ما عمل به، ومن تصدق بصدقة فأجرها يجري له ما وجدت، ورجل ترك ولداً صالحاً فهو يدعو له))
رزقنا الله وإياكم مثل هذه الأعمال.
خطيب الأموي الشيخ أبو الفرج الخطيب لم يمت, كيف ذلك!!!؟ :
أنا مرة، توفي الشيخ أبو الفرج الخطيب -رحمه الله- كان خطيب الأموي، ذهبت للتعزية كغيري من الناس, جلست في الأموي، كل علماء الشام في الأموي، والخطباء ألقوا كلمات, أشادوا بالراحل، ثم أسمعونا خطبة له مسجلة, ثم قام شاب, عرفه المقدم بأنه ابنه، وألقى كلمة رائعة؛ لغة، علم، ثم قام وزير الأوقاف، وقال: أنا إكراماً لوالده؛ أعينه خطيب الأموي, فصحت في نفسي, والله ما مات الشيخ.
في قاعدة؛ إذا عندك ولد صالح فأنت لم تمت، لن تموت, لأن هذا الولد سيخلفك في عمل البر، كثيرون من المحسنين يربون أولادهم على الإحسان، يموت الأب وكل الصدقات وأعمال البر مستمرة بعد وفاته، لذلك: ولد صالح، علم ينتفع به.
ما تركه النووي بعد موته :
أيها الأخوة, إذا الإنسان عمله بالتجارة، يعني بعيد عن التأليف, لكن يطلب العلم، وإذا إنسان عمله بالعلم, فليترك كتاب تفسير، كتاب حديث، شرح، فقه, هذا أيضاً ينتفع به.
الإمام النووي عاش أقل من خمسين سنة، يبدو أن الإخلاص له علاقة بعظمة الأعمال, إنسان عاش أقل من خمسين سنة, ترك آثاراً, لا يوجد بيت في الشام، بالعالم كله إلا فيه؛ كتاب رياض الصالحين، والأذكار للنووي، بغية المحتاج بالفقه، وشرح الإمام مسلم, من أعلى مستوى.
اخطَُ هذه الخطوة :
مرة، أريد أن ألقي خطبة, في آية بذهني لطيفة, فتحت تفسير القرطبي, وجدتها مشروحة شرحاً رائعاً، جمعت الشرح وألقيت الخطبة على الناس, تركت أثراً كبيراً في الناس، أنا دمعت عيني, قلت لنفسي: رحم الله صاحب هذا التفسير، هو ميت من ألف سنة, مادام ترك علماً, هذا العلم يدرس.
فيعني: أخواننا التجار بإمكانكم أن تربوا أولادكم، أو تتركوا مؤسسة خيرية، جمعية، مدرسة شرعية، مساهمة ببناء مسجد، تتبنى داعية.
نطقت كلمة منذ شهرين, ثلاثة: يا أخي، أنت إما أن تكون داعية، أو إما أن تتبنى داعية.
جاء أخ قال لي: أنا أتبنى داعية, طالب علم من بلد أجنبي، فقير، لا يجد ما ينفق، وكان يهم أن يعود إلى بلده، قلت له: عليك بفلان, قال لي: أنا أنفق عليه.
جاءني أخ آخر، قال لي: أنا أتبنى طالبي علم, بحثت له عن طالبين آخرين من تركيا, أنفق عليهما, يعني إما أن تكون داعية، أو تبنى داعية.
في إنسان عنده بيت زائد؛ قال: هذا البيت لطلاب العلم, وضعنا فيه أربعة بالمجان، ذهبوا فجاء غيرهم, يعني تتطلب حركة، الحركة فيها بركة، تبنى طالب علم، قدم شيئاً.
عندنا معهد، قد قلت لكم في جامع النابلسي، فيه سبعمئة طالب, جاء طبيب ليداوم معنا، قال: أنا لوجه الله، أنا أريد أن أحكّم هؤلاء الطلاب لوجه الله، والله أكبره أعظم إكبار, كل يوم ساعتان دوامه، يتفقد الطلاب، يدور عليهم، هذا وجهه أصفر، يفحصه، يصف له أدوية، نريد عملاً نبتغي به وجه الله، نريد عملاً يستمر، لا نريد عملاً ينتهي عند الموت.
اعمل عملاً ليتكلموا عنك بمقدار دقيقتين فقط عند الموت :
مرة حضرت جنازة, رجل كان في صلة معه، توفي رحمه الله، دخلت لبيته, بيته فخم جداً، عنده معمل، سيارتان ... ثلاث، لم يترك مكان في العالم لم يزره، صاحب ذوق لدرجة مذهلة, فقام أحد علماء الشام, فأبنه, فقال: أخوكم أبو فلان كان مؤذناً، ترحموا عليه, فقط!.
أنا صعقت، فقط بدقيقة، لا ليست دقيقة, نصف دقيقة، طيب عن ماذا سيحكي؟ عن بيته, أيحكى بالتأبين عن بيته؟! عنده كان جبصين جميل كثيراً, لا يحكى هذا الكلام بالتأبين، عنده ثلاث سيارات, واحدة للسفر مريحة، وواحدة صغيرة للبلد، وواحدة للمعمل, أيحكى هذا بالتأبين؟! لا يحكى.
ذهب لأوروبا, نزل بسويد, أيحكى بالتأبين هذا؟! لا يحكى, نوع أثاث بيته، لون طقم كنباته، الحق معه ماذا سيحكي؟ كان مؤذناً، ترحموا عليه.
فقلت في نفسي: اعمل عملاً ليتكلموا عليك دقيقتين فقط عند الموت, بم يحكى عند الموت؟ لا يحكى إلا عن علمه، وعمله الصالح، وعن أعماله الطيبة، وعن منجزاته، وعن آثاره العلمية فقط, لا يحكى عن لباسه، وعن بيته، وعن غرفة نومه، وعن أجهزته في البيت، لا يحكى بها هذه.
فلذلك: نحن نريد عملاً بعد الموت، يستمر بعد الموت، وأعظم عمل: أن تطلب العلم، وتعلم العلم، أو تطلب المال وتنفق المال، أو تؤسس صدقة جارية، أو تربي ولداً صالحاً, إذا فعلت هذا, فأنت لن تموت، لن يموت هذا الجسم, وتبقى حياً.
قال: يا بني, مات خزان المال وهم أحياء -هو نبضه ثمانون، ضغطه اثنا عشر، ثمان، تحليل الدم عنده كله طبيعي, ميت- والعلماء باقون ما بقي الدهر؛ أعيانهم مفقودة، وأمثالهم في القلوب موجودة, العلم خير من المال، لأن العلم يحرسك، وأنت تحرس المال، والمال تنقصه النفقة، والعلم يزكو على الإنفاق.
دعاء الختام :
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد, الصادق الوعد الأمين، اللهم أعطنا ولا تحرمنا، أكرمنا ولا تهنا، آثرنا ولا تؤثر علينا، أرضنا وارض عنا، وصل اللهم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، والحمد لله رب العالمين، الفاتحة.