الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا وزدنا علماً، وأرنا الحق حقاً، وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً، وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.
ما نصّ عليه علماء الأصول في بعض العقائد يجب على المسلم أن يتعلمه بالضرورة:
أيها الإخوة المؤمنون؛ مع الدرس الثاني والعشرين من دروس العقيدة.
وصلنا في الدرس الماضي إلى موضوعات دقيقة منها هل للجن تأثير في أجسام الإنس؟ وهل يُلقِي الجن للإنس علوماً وأخباراً غيبية؟ وهل للشياطين سلطان على الإنس في عقائدهم وإرادتهم وأعمالهم؟ كما قلت لكم من قبل أيها الإخوة الأكارم؛ هناك مجموعة من العقائد يجب أن يعلمها المسلم بالضرورة، لأنه إذا جهلها انحرفت عقيدته، وإذا انحرفت عقيدته انحرف سلوكه، وإذا انحرف سلوكه شقي في الدنيا والآخرة.
فمعرفة بعض العقائد التي نصّ عليها علماء الأصول فرض واجب على كل مسلم، هناك معلومات معرفتها تُعدّ فرض كفاية، التبحر مثلاً في علم المواريث، هذا فرض كفاية، إذا قام به البعض سقط عن الكل، لكن معرفة الإيمان بالله تحقيقاً، والإيمان بأسمائه الحسنى، والإيمان بالملائكة، والإيمان بالجن، والإيمان بالرسل، والإيمان بالكتب، والإيمان بالقضاء والقدر، هذه عقائد يجب أن تُعلم بالضرورة، وهي فرض عين على كل مسلم.
توضيح دقيق؛ لو أنّ إنساناً اشترى سيارة، يجب أن يعرف أنه إذا تألق الضوء الأحمر في لوحة العدادات لابدّ من أن يقف فوراً ليُضيف زيتاً إلى المحرك وإلا يحترق المحرك، هذه المعلومات يجب أن يعرفها كل من يقود سيارة، لكن نوع الخلائط التي استُخدمت في صناعة المحرك هذه ليست لكل من يركب السيارة، هذه للذين يتخصصون في صناعة السيارات، فهناك علوم يجب أن يعلمها كل إنسان مسلم، ولا عذر له في جهلها، وإذا جهلها زاغت عقيدته فانحرف سلوكه فشقي في الدنيا والآخرة.
إذاً موضوع الجن من العقائد التي يجب أن تُعلَم بالضرورة، لأنك إذا توهمت أن هذا فلان يعرف الغيب، وأن هذا الشيخ مثلاً يطّلع على ما سيكون، وأنه قال لك افعل كذا وكذا، إنك تمشي في متاهات لا أساس لها من الصحة.
1- الشيطان لا يستطيع أن يؤثر على الإنسان إلا إذا خضع له واعتبره شريكاً مع الله:
فالسؤال اليوم، مدى علاقة الجن بالإنس؟ أولاً: إن يكن لخبثاء الجن، مرّ معنا من قبل أن من الجن من هم مؤمنون، ومنهم من هم كافرون، قال تعالى:
﴿ وَأَنَّا مِنَّا الصَّالِحُونَ وَمِنَّا دُونَ ذَلِكَ كُنَّا طَرَائِقَ قِدَدًا (11)﴾
إن يكن لخُبثاء الجن بعض التأثير الجسمي على أحدٍ من الإنس فإنما يؤثرون على من يستكين بأوهامه وتخيلاته لسلطانهم، لا يستطيعون أن يؤثروا على أحد إلا إذا استكان لهم، وخضع لهم، واتبعهم، واعتقد بهم، وأشركهم مع الله عز وجل، هذا الذي يفعل ذلك يتحمل تأثيرات الجن، فكل من يستكين بأوهامه لهم، كل من يتخيل أنهم بيدهم نفعه أو ضره، كل من يخضع لسلطانهم من ذكر أو أنثى يتعرض لمسّهم وتخبطاتهم، لاستعاذته بهم، والتماسه نفعهم، أو استخدامهم للإضرار بأعدائه من إخوانه من الإنس، هذه الحالات محددة.
2- من أراد أن يستخدم الجن ليضر الناس لا يقع شرهم وكيدهم إلا عليه:
من أراد أن يستخدم الجنّ ليضرّ بهم إخوانه من الإنس، أو من التمس النفع عندهم، أو من استعاذ بهم، أو من خضع لسلطانهم، أو من اعتقد بهم، أو من استكان بأوهامه لهم، هذا الإنسان بالذات يدفع ثمن جهله، وثمن شركه، وثمن ضلاله، إذاً قد يتعرضون له بالأذى؟ فقد علّمنا النبي عليه الصلاة والسلام أن نستعيذ بالله من همزات الشياطين، هكذا علمنا النبي، ومن حضورهم،
(( ومن ذلك ما رواه أبو داود والترمذي عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: إِذَا فَزِعَ أَحَدُكُمْ فِي النَّوْمِ فَلْيَقُلْ: أَعُوذُ بِكَلِمَاتِ اللَّهِ التَّامَّاتِ مِنْ غَضَبِهِ، وَعِقَابِهِ، وَشَرِّ عِبَادِهِ، وَمِنْ هَمَزَاتِ الشَّيَاطِينِ وَأَنْ يَحْضُرُونِ فَإِنَّهَا لَنْ تَضُرَّهُ. ))
إذا وجد ابنه في الليل بكى بكاءً شديداً فجأة فليستعذ بالله من همزات الشياطين، هذا هو السلاح الفعّال، هذا هو السلاح المُجدي، ومنه ما رواه أبو داود وابن ماجه بإسناد صحيح عن زيد بن الأرقم قال عليه الصلاة والسلام:
(( إِنَّ هَذِهِ الْحُشُوشَ مُحْتَضَرَةٌ، فَإِذَا أَتَى أَحَدُكُمُ الْخَلاءَ فَلْيَقُلْ: أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنَ الْخُبُثِ وَالْخَبَائِثِ. ))
[ أبو داود وابن ماجه بإسناد صحيح ]
الحشوش أي مكان قضاء الحاجات، محتضرة أي يحضرها الشياطين، هذا دعاء مأثور عن النبي عليه الصلاة والسلام، أعوذ بالله من الخبث ومن الخبائث.
الفكرة الأولى أن الشياطين ليس لهم سلطان على الإنسان إلا إذا اعتقد بهم الإنس، أو أشركهم مع الله، خضع لسلطانهم، توهّم أنهم ينفعونه أو يضرونه، ابتغى النفع عندهم، استعاذ بهم، التجأ بهم، أراد أن يكيد لإخوانه من الإنس عن طريقهم، إذا فعل هذا مسّه شرهم، مسته همزاتهم، ودفع ثمن شركه وبغيه وعدوانه غالياً.
هل يلقي الجن للإنس علوماً وأخباراً؟
الآن السؤال المهم: هل يُلقي الجن للإنس علوماً وأخباراً؟ أما العلوم والأخبار التي يمكن أن يلقيها الجن إلى قرنائهم من الكهّان، بالمناسبة لا يمكن لإنسان يتعاون مع الجن إلا أن يكون كافراً، هذا قول واحد، لأن من أدق تعريفات الساحر: هو الذي يتصل بالجن، وقد قال عليه الصلاة والسلام:
(( عن ابنِ مسعودٍ قال: من أتَى كاهنًا أو ساحرًا وصدَّقه بما يقولُ فقد كفر بما أُنزِل على محمَّدٍ. ))
[ فتح القدير : حكم المحدث: إسناده صحيح ]
فأي اتصال بين الجن وبين الإنس هذا اتصال هدفه إضلال البشر، ولو تزيّا هذا الذي يتصل بالجن بألف زيّ ديني وزي، لو كان له زيّ ديني، لو لبس عمامة خضراء، هو عند رسول الله عليه الصلاة والسلام كافر، لأن هدفه إيهام الناس أن بيد الجن النفع والضر، هدفه تحويل الناس عن الله سبحانه وتعالى إلى خلقه.
إذاً السؤال الآن: هل يُلقي الجن للإنس علوماً وأخباراً؟ الجواب: أما العلوم والأخبار التي يمكن أن يلقيها الجن إلى قرنائهم من الكهّان فهي بحسب مواضيع هذه العلوم التي يُلقونها، فإن كانت من العلوم التي تتعلق بالأمور المشهودة، مثلاً: بحلب نزلت أمطار غزيرة، هذا اليوم، نزول الأمطار في حلب هذا اليوم مثلاً هذا من الأشياء المشهودة، ليس من الأشياء الغيبية، من الأشياء التي وقعت، لكن نقل الخبر قد لا يكون متيسراً للإنس قبل الاتصالات السلكية واللاسلكية، قبل السفر السريع إلى هذه البلاد، قبل أن يكون هناك اتصال، نقل أنباء الأمطار التي هطلت في حلب اليوم إلى الشام يتعذر، فالجن أحياناً يستطيعون أن ينقلوا هذه الأخبار التي وقعت، ليس التي ستقع، التي وقعت، التي وقعت، هذا ليس من عالم الغيب، هو من عالم الشهادة، فإن كانت من العلوم التي تتعلق بالأمور المشهودة أو الأخبار التي عن الوقائع الماضية فإنها أخبار تحتمل الصدق والكذب، قد يصدقون، وقد يكذبون.
وليس ببعيد أن يوجد في الجن كذابون، وقد أثبت الله تعالى أن منهم العصاة الكافرين، ومن جهة ثانية فإنه لا يصح الثقة بأخبارهم لانعدام المقاييس التي بحوزتنا في معرفة صدقهم وكَذِبهم، ممكن انتقال الجن سريع جداً، والدليل:
﴿ قَالَ عِفْريتٌ مِنَ الْجِنِّ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ تَقُومَ مِنْ مَقَامِكَ وَإِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٌ (39)﴾
أي قبل أن يقوم سيدنا سليمان عليه الصلاة والسلام من مقامه يستطيع العفريت من الجن أن يأتي بعرش بلقيس من اليمن إلى القدس، فانتقاله سريع جداً، لذلك لما قال الله عز وجل:
﴿ يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنْفُذُوا مِنْ أَقْطَارِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ فَانْفُذُوا لَا تَنْفُذُونَ إِلَّا بِسُلْطَانٍ (33)﴾
الله سبحانه وتعالى قدّم الجن على الإنس لأنهم أقدر من الإنس على خرق السماوات والأرض لميزات أعطاهم الله إياها.
الاستشهاد بأمثلة من الواقع للتوضيح:
على كلّ شخص أعرفه توفي رحمه الله، سُرقت من بيته قطعة أثاث ثمينة جداً، سجادة، فدلّه بعضهم على من يضرب له المندل، هذه القصة سمعتها بأذني منه، توفي رحمه الله، قال: ذهبت إلى ضارب المندل، وجاء بوعاء وضع فيه زيت، وجاء بغلام صغير، وصار يسأل هذا الغلام، والغلام يجيب، يقول الغلام: هذه السجادة موجودة الآن في بيت، حدد الحي، الدخلة، الحارة، أمام البيت يوجد حجر كبير، الباب لونه كذا، يُفتح الباب على بهو واسع على اليمين غرفة تدخلونها، في زاوية الغرفة مكان في الحائط كهذا المكان عليه فرش، عليه لحف، تنزعون الفرش واللحف، هناك صندوق تفتح الصندوق عليه قطن، السجادة تحت القطن، هكذا قال ضارب المندل، فقال هذا الرجل: توجهت إلى هناك، وأخذنا معنا المختار، كان له عمل في الدرك، واقتحمنا البيت، كل شيء قاله هذا الطفل في المندل صحيح، بأدق التفصيلات، دخلنا البيت وجدنا الفتحة السماوية، دخلنا إلى الغرفة وجدنا في صدرها فراغاً يوجد عليه صندوق وفُرش ودُثُر، فتحنا الصندوق وجدنا القطن ولكننا لم نجد السجادة! القصة طويلة، ذهبوا لصاحب البيت فإذا هو بائع سجاد، ضربوه لشدة الضرب قال: نعم أنا أخذتها وبعتها، وانتقوا إحدى السجادات وخذوها مكانها، قال هذا الرجل: أخذنا السجادة بنفس القياس، بعد أربعة أشهر يقول لي رجل كان في السجن: أتدري من سرق من عندك السجادة؟ قلت له: أعرفه، قال لي: لا، كنت في السجن فحدثني أحد السجناء أنه هو الذي دخل إلى بيتك وسرق السجادة، أين كلام الجن؟ كذابون، لكن معالم هذا البيت يعرفونها لا شك، أعطوه كلاماً صحيحاً لكنهم لا يعرفون من أخذ السجادة، فلذلك ضرب المندل خلط بخلط، بكذب، بدجل، لكن بأثناء الكلام قد يوجد بعض الحقائق، ليست الغيبية بل المشاهدة، أي هذا الجني في هذا المكان يعرف هنا يوجد الحي الفلاني والبيت الفلاني والمكان الفلاني، القصة طويلة، أردت منها أن الجن في نقلهم للأخبار المشهودة يكْذبون ويصدِقًون، إذاً لا يُعوّل على كلامهم، لأننا لا نملك نحن مقاييس للتفريق بين كذبهم وبين صدقهم.
إن كانت من المغيبات فإما أن تكون من المغيبات التي استأثر الله بعلمها، هناك مغيبات استأثر الله بعلمها، قال تعالى:
﴿ إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ (34)﴾
لا إنس ولا جن ولا نبي ولا رسول يعرف ذلك، لذلك في أحد العلماء غير المستنيرين ألقى محاضرة في بعض عواصم الدول العربية، واجتمع حوله علماء كثيرون عن إعجاز القرآن الرياضي، المحاضرة قيّمة، هذا كان يعمل على الكومبيوتر لقّم كلمات القرآن لهذا الجهاز فجاء بحقائق مدهشة، لكنه شطّ به الطموح فعيّن يوم القيامة، عندئذ انسحب كل من في المحاضرة من العلماء، لأن هذا بله، لأن الله عنده علم الساعة وحده، إذاً إن كانت المعلومات من الحقائق التي استأثر الله بها، لا إنس ولا جن ولا ملك ولا أنبياء ولا رسل يعرفون هذا، فإن كانت من المُغيبات التي استأثر الله بعلمها وهذه لا يمكن لإنس ولا جن معرفة شيء منها، ولا يكون التحدث بشيء منها إلا كذباً وافتراء على الله وارداً على لسان أحد القرينين من الإنس والجن، ربنا عز وجل قال:
﴿ وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلَا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ (59)﴾
لو قال عز وجل: ومفاتح الغيب عنده، هل هناك فرق باللغة؟ نقول: هناك فرق كبير جداً، إذا قال الله عز وجل: ومفاتح الغيب عنده، معنى ذلك هي عنده، وقد تكون عند غيره، هي عنده الآن، وقد تكون عند غيره، لكن حينما قدّم الظرف على المبتدأ فقال: ﴿وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ﴾ معنى ذلك أن الغيب محصور ومقصور على الله وحده، وليس لأحد كائناً من كان أن يعرفه.
إذاً مبدئياً كل من قال لك: أنا أعلم ما سيكون، دجّال، كذاب، فما بال هذه الصرعة التي ظهرت حديثاً في كل عاصمة كبيرة كاهنة أو كاهن، يأتيها رجال من علية القوم يسألونها عن المستقبل؟ هل سأبقى أنا في هذا المكان؟ هل سأبقى بهذه البحبوحة؟ ماذا يحصل لي في المستقبل؟ سخف في سخف، دجل في دجل، كذب في كذب، غباء في غباء، لا يعلم الغيب إلا الله، أما أن تكون المُغيّبات التي قُضِيَ أمرها في السماء، وأصبحت معلومة لذوي الاختصاص من الملائكة، كما أصبحت مُعَدة لتبليغها للملائكة، أي مثلاً لو الحكومة فرضاً ارتأت فجأة أن تُقدِّم الساعة، أو أن تؤخرها، الأمر تداوله من في مجلس الوزراء، لم يُذع هذا الخبر تقديم الساعة أو تأخيرها، لكن تداوله من في المجلس، لو فرضنا أن أحد الأذنة دخل ليُقدم لهم الشاي أو القهوة فسمع أنهم يزمعون تقديم الساعة، هذا القرار لايزال طيّ الكتمان لكن هذا الآذن استطاع أن يأخذه بشكل أو بآخر، فلما أذاعه في الناس بين أسرته وأقاربه، ظنوه أنه يعلم ما سيكون، لا، هذا مما هو كائن، مما سيكون لا يعلمه إلا الله، لكن اتُّخذ قرار بتقديم الساعة، وهذا الآذن دخل ليقدم قهوة فسمع هاتين الكلمتين، فقال لأهله: أنا الله أعطاني القدرة على كشف الغيب، ما الدليل؟ يوم الثلاثاء سوف يقدمون الساعة، لا أحد قال هذا، غداً سوف ترون، هل هذا ولي؟ هذا لا ولي ولا شيء، عملية استراق خبر بعد أن اتُّخذ به قرار قبل أن يذاع في الإعلام، هذا الموضوع كله، فالنبي الكريم من هذا القبيل في شيء، قال: فإما أن تكون من المغيبات التي قُضي أمرها في السماء، وأصبحت معلومة لذوي الاختصاص من الملائكة، كما أصبحت مُعدّة لتبليغها للملائكة، وهذه قد جاء بها حديث لرسول الله:
(( عَنْ عَائِشَةَ رَضِي اللَّهُ عَنْهَا زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهَا سَمِعَتْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: إِنَّ الْملائِكَةَ تَنْزِلُ فِي الْعَنَانِ وَهُوَ السَّحَابُ فَتَذْكُرُ الأَمْرَ قُضِيَ فِي السَّمَاءِ فَتَسْتَرِقُ الشَّيَاطِينُ السَّمْعَ فَتَسْمَعُهُ فَتُوحِيهِ إِلَى الْكُهَّانِ فَيَكْذِبُونَ مَعَهَا مِائَةَ كَذْبَةٍ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ. ))
اتُّخذ فيه قرار، قال تعالى:
﴿ قَالُوا إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَى قَوْمٍ مُجْرِمِينَ (32) لِنُرْسِلَ عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مِنْ طِينٍ (33) مُسَوَّمَةً عِنْدَ رَبِّكَ لِلْمُسْرِفِينَ (34)﴾
هكذا قالت الملائكة لسيدنا إبراهيم عليه الصلاة والسلام، لا تزال القرية بحالها، الأمر لا يزال طبيعياً جداً، لكن الملائكة أباحوا لسيدنا إبراهيم ﴿إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَى قَوْمٍ مُجْرِمِينَ * لِنُرْسِلَ عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مِنْ طِينٍ * مُسَوَّمَةً عِنْدَ رَبِّكَ لِلْمُسْرِفِينَ﴾ فهل هذا من قبيل علم الغيب؟ لا، هذا قرار اتُّخذ في السماء وبُلِّغَ لأصحاب العلاقة لينفذوه قبل أن يُنفذ عَلِمَه سيدنا إبراهيم، من هذا القبيل قال عليه الصلاة والسلام: ((إِنَّ الْملائِكَةَ تَنْزِلُ فِي الْعَنَانِ وَهُوَ السَّحَابُ فَتَذْكُرُ الأَمْرَ قُضِيَ فِي السَّمَاءِ فَتَسْتَرِقُ الشَّيَاطِينُ السَّمْعَ فَتَسْمَعُهُ فَتُوحِيهِ إِلَى الْكُهَّانِ فَيَكْذِبُونَ مَعَهَا مِائَةَ كَذْبَةٍ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ)) .
يعطونك خبراً صحيحاً، ويمرقون عليه مليون خبر كذب، ((فَيَكْذِبُونَ مَعَهَا مِائَةَ كَذْبَةٍ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ)) عملية استراق، أمر قضى الله به في السماء، وبُلِّغ للملائكة لتنفيذه، يأتي الشيطان فيسترق هذا الخبر، يوحيه للكاهن يقوله للناس فيوهم الناس أنه يعلم الغيب، لا غيب ولا شيء من هذا القبيل، وهذا هو استراق الشياطين السمع من الملائكة بعد نزولها إلى جوف القبلة، بعد نزولها إلى جوّ الأرض، وليس هو استراق السمع من السماء كما كان دأبهم قبل بعثة النبي محمد صلى الله عليه وسلم الذي مُنعوا منه بالشهب:
﴿ وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْهَا مَقَاعِدَ لِلسَّمْعِ فَمَنْ يَسْتَمِعِ الْآنَ يَجِدْ لَهُ شِهَابًا رَصَدًا (9)﴾
﴿ وَأَنَّا لَمَسْنَا السَّمَاءَ فَوَجَدْنَاهَا مُلِئَتْ حَرَسًا شَدِيدًا وَشُهُبًا (8)﴾
وفي تكذيب من يُلقي سمعه للشياطين وإثمه الكبير قال تعالى في سورة الشعراء، والله هذه الآية وحدها تكفي:
﴿ هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلَى مَنْ تَنَزَّلُ الشَّيَاطِينُ (221) تَنَزَّلُ عَلَى كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ (222) يُلْقُونَ السَّمْعَ وَأَكْثَرُهُمْ كَاذِبُونَ (223)﴾
لو لم يكن في كتاب الله إلا هذه الآية لكفت.
من يُلقي أذنه للشيطان أفّاك أثيم:
هذا الذي يُلقي أذنه للشيطان هو أفّاك أثيم، كاذب، ضالٌّ مُضل، ﴿هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلَى مَنْ تَنَزَّلُ الشَّيَاطِينُ * تَنَزَّلُ عَلَى كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ* يُلْقُونَ السَّمْعَ وَأَكْثَرُهُمْ كَاذِبُونَ﴾ بمعنى أي تعاون بين أي إنسان وبين أي شيطان هذا دليل قطعي على أن هذا الإنسان أفّاك أثيم كاذب، ولو لبس جبّة، ووضع على رأسه عمامة خضراء، وسمّى نفسه: الولي الفلاني، مهما فعل مادام هناك علاقة مع الجن، مادام هناك علاقة مع الشياطين فهو أفّاك أثيم كذاب، مهما كان زيه، قيل: عالم واحد أشدّ على الشيطان من ألف عابد، العلم سلاح يا أيها الإخوة، قيل: العلم سلاح، عندنا آية أعظم أدق وأوضح، في أن الجن لا يعلمون الغيب أبداً، سيدنا سليمان قبضه الله عز وجل وهو مستندٌ إلى عكازه قيل: بَقِي مدة طويلة لا أدري كم بقي، إلى أن جاءت دابة الأرض أي السوسة ونخرت في هذه العكازة، حتى أتت عليها كلّها، فلما أتت عليها كلها انكسرت فوقع سيدنا سليمان، قال تعالى:
﴿ فَلَمَّا قَضَيْنَا عَلَيْهِ الْمَوْتَ مَا دَلَّهُمْ عَلَى مَوْتِهِ إِلَّا دَابَّةُ الْأَرْضِ تَأْكُلُ مِنْسَأَتَهُ فَلَمَّا خَرَّ تَبَيَّنَتِ الْجِنُّ أَنْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ مَا لَبِثُوا فِي الْعَذَابِ الْمُهِينِ (14)﴾
﴿مِنْسَأَتَهُ﴾ أي عصاه، ﴿خَرَّ﴾ أي وقع، كان مكلفهم بأعمال شاقة جداً، وكانوا يتحملونها خوفاً منه، لو أنهم يعلمون الغيب بمجرد أن قبضه الله عزّ وجل يتخففوا من هذه الأعمال، فربنا عز وجل جاء بهذه القصة ليؤكد بشكل قاطع دليل قطعي على أن الجن لا يعلمون الغيب، ﴿فَلَمَّا خَرَّ تَبَيَّنَتِ الْجِنُّ أَنْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ مَا لَبِثُوا فِي الْعَذَابِ الْمُهِينِ﴾ إذاً قولاً واحداً الجن لا تعلم الغيب، وقولاً واحداً ليس للجن تأثير على الإنسان جسماني، تأثير جسمي، شخص وقع في الساعة، في هذا نوعان: نوع مرض عصبي، ونوع من تأثير الشياطين، المرض العصابي كما قال بعض الأطباء: تخريش بالدماغ، هذه تُعَالج، لكن قد يكون بعض أنواع الصرع أثر الشيطان في الإنسان، إذا اعتقد به، أو استسلم له، أو ابتغى النفع من عنده، أو توهم أنه ينفعه أو يضره، أو أشركه مع الله عز وجل، أو خنع له، إذاً عندئذٍ يقع تأثيره عليه، أما إذا اعتقد بالواحد الديّان وقال: أعوذ بالله من همزات الشياطين، لا يوجد جن ولا يوجد شيطان ولا يوجد شيء، أحياناً إذا وقع إنسان في الساعة يؤذنون أمامه، لمجرد أن يؤذن يذهب عنه الشيطان.
هل للشياطين سلطان على الإنس في عقائدهم وإرادتهم وأعمالهم؟
الآن السؤال الثاني؛ هل للشياطين سلطان على الإنس في عقائدهم وإرادتهم وأعمالهم؟ أما أن يكون للشياطين سلطان على الإنس في عقائدهم وتوجيه إرادتهم للأعمال السيئة فذلك مما لا سبيل لهم إليه، قولاً واحداً، ولكن طالبوني بالدليل، لا سلطان للشياطين على الإنسان لا في عقائدهم، ولا في إراداتهم، ولا في أعمالهم مطلقاً، لأن الله جل وعلا حجزهم عن ذلك، ولم يجعل لهم سلطاناً على بني آدم لتكون إرادة الناس حرةً في اختيارها طريق الخير أو طريق الشر، ويخاطب الله عز وجل رأس الشياطين إبليس، وأقدرهم على السلطان إن كان هناك سلطان، فيقول في سورة الحجر:
﴿ إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلَّا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ (42)﴾
هل هناك دليل أوضح من ذلك؟ ﴿إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلا مَنْ اتَّبَعَكَ مِنْ الْغَاوِينَ﴾ إلا إذا اتبعك هو، ومن صفات الشيطان:
﴿ قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ (1) مَلِكِ النَّاسِ (2) إِلَهِ النَّاسِ (3) مِنْ شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ (4)﴾
معنى الخنّاس على وزن فعّال، أي سريعاً ما يهرب لو عذّت بالله عزّ وجل، أعوذ بالله خنس، انتهى الأمر.
أين ينحصر عمل الشيطان؟ مادام ليس له علاقة بعقائدنا، ولا بإرادتنا، ولا بأعمالنا، ولا يعلم عن الغيب شيئاً، ولا يؤثر على أجسامنا، أين ينحصر عمله؟ عمله محصور في وظيفة دقيقة جداً، عمله الوسوسة الخفية، هذا كل ما يملك، أنا أقول دائماً هذا المثل قد يكون مضحكاً هذا المثل، شخص يرتدي أجمل الثياب، سائر في الطريق، هناك حفرة كبيرة فيها مياه سوداء، مياه مجارٍ، النتيجة نزل بهذه الحفرة بثيابه البيضاء الجميلة، وتوجّه إلى مخفر الشرطة ليشتكي على إنسان هو السبب، قال له المحقق: هذا الرجل دفعك في هذه الحفرة؟ قال له: لا، قال له: شهر عليك سلاحاً وأجبرك أن تنزل بها؟ قال له: لا، قال له: أمسكك ووضعك في الحفرة؟ قال له: لا، قال له: كيف تشتكي عليه إذاً؟ قال له: قال لي: انزل فنزلت، هذا بحاجة لمستشفى المجانين وليس بحاجة لمن يشتكي عليه، هكذا قال الله عز وجل:
﴿ وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِي عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلَا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ مَا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْلُ إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (22)﴾
ينحصر عمل الشيطان في الوسوسة الخفية، ولا يزيد على ذلك شيئاً، وهذه الوسوسة تخنس وتتخاذل أمام حزم المؤمن، وإرادته، والتجائه إلى الله تعالى بالاستعاذة، والذكر، والمراقبة، أما إخوان الشياطين فإنهم يستجيبون لوسوستهم، وينساقون معهم، فيتسلط الشيطان عليهم، فيمدهم في الغيّ، ويُزين لهم الشرّ والضلالة، أي أنا إذا رأيت إنساناً يُشنق لجريمة ارتكبت أقول كما قال سيدنا موسى:
﴿ وَدَخَلَ الْمَدِينَةَ عَلَى حِينِ غَفْلَةٍ مِنْ أَهْلِهَا فَوَجَدَ فِيهَا رَجُلَيْنِ يَقْتَتِلَانِ هَذَا مِنْ شِيعَتِهِ وَهَذَا مِنْ عَدُوِّهِ فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِنْ شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ فَوَكَزَهُ مُوسَى فَقَضَى عَلَيْهِ قَالَ هَذَا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ عَدُوٌّ مُضِلٌّ مُبِينٌ (15)﴾
هذا الإنسان أصغى أذنه للشيطان، أطاعه، اتبعه، أنهى الأمر إلى هذه الجريمة، استحق الإعدام فشنق، ﴿هَذَا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ﴾ .
إنسان طلق زوجته وشرد أولاده لأنه تبع كلام الشيطان، مازال الشيطان يوسوس له أن يطلقها حتى طلقها، فخسرها وشرد أولاده، إذاً هذا: ﴿قَالَ هَذَا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ عَدُوٌّ مُضِلٌّ مُبِينٌ﴾ قال تعالى:
﴿ وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (200) إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ (201) وَإِخْوَانُهُمْ يَمُدُّونَهُمْ فِي الْغَيِّ ثُمَّ لَا يُقْصِرُونَ (202)﴾
﴿وَإِخْوَانُهُمْ﴾ إخوان الشياطين، النزغ الوسوسة، طائف من الشيطان أي وسوسة من الشيطان بفكرة سيئة.
مع كل إنسان قرين ملائكي وقرين شيطاني:
بالمقابل يقول لك: هناك توازن، وقد جعل الله تعالى في مقابلة وسوسة الشيطان التي هي من اختصاصه داعياً للخير عن طريق ملك من ملائكة الرحمن، دائماً مع الإنسان قرين ملائكي وقرين شيطاني، الملائكي يقول له: يا عبد الله تفكّر في خلق الله، يا عبد الله أطع أمر ربك، يا عبد الله كُن محسناً، سامحه، أنصفه، أعطه حقه، دائماً الملاك يقول لك ذلك، والشيطان: خذ المحل التجاري منه، ليس له اسم في الإيجار، يقول الشيطان دائماً: افعل معه كذا وكذا، خذ هذا المبلغ راتبك قليل لا يكفيك، هذا السيد يظلمك، خذ منه ما يكفي حاجتك، دائماً الإنسان بين وسوسة الشيطان وإلهام الملك:
﴿ وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَلَئِنْ قُلْتَ إِنَّكُمْ مَبْعُوثُونَ مِنْ بَعْدِ الْمَوْتِ لَيَقُولَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ (7)﴾
تستجيب لمن؟ فإذا استجبت للملك فأنت مؤمن، وإن استجاب للشيطان فهو الكافر، أما هذا الشيء فله حديث شريف، يقول عليه الصلاة والسلام:
(( عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ لِلشَّيْطَانِ لَمَّةً بِابْنِ آدَمَ وَلِلْمَلَكِ لَمَّةً، فَأَمَّا لَمَّةُ الشَّيْطَانِ فَإِيعَادٌ بِالشَّرِّ وَتَكْذِيبٌ بِالْحَقِّ، وَأَمَّا لَمَّةُ الْمَلَكِ فَإِيعَادٌ بِالْخَيْرِ وَتَصْدِيقٌ بِالْحَقِّ، فَمَنْ وَجَدَ ذَلِكَ فَلْيَعْلَمْ أَنَّهُ مِنَ اللَّهِ فَلْيَحْمَدِ اللَّهَ، وَمَنْ وَجَدَ الأخْرَى فَلْيَتَعَوَّذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ، ثُمَّ قَرَأَ (الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ) . ))
تدفع زكاة مالك، يقول لك: القرشان ادّخرهم، لا تجنّ، قال لي شخص: عملنا حساباً في رمضان ظهر عندنا مبلغ من المال يجب أن ندفعه زكاة، زوجته ما سمحت له، نحن أولى، أنت لا تسوقها حنبلية، قال لي: استجبت لها، عملنا حادثاً بالسيارة، هي شُجَّت برأسها جزاء فكرتها، ودفعنا الزكاة بالضبط تصليحاً للسيارة:
﴿ الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ وَاللَّهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلًا وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (268)﴾
الشيطان له مهمة ثانية، قال تعالى:
﴿ إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (175)﴾
لست بحاجة لهذه الزيارة، أفضل لك، ﴿إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾ أنت بقطعة عسكرية جاءك أمر من عريف، وجاءك أمر من قائد القطعة، الأمران متناقضان تسمع كلام من؟ كلام القائد الأعلى، هذا العريف ليس بيده شيء، فلما الإنسان يسمع أمراً من إنسان ويعصي الرحمن يكون أحمق، ﴿فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾ .
الأدلة الواردة من الكتاب على ابتلاء الله للإنسان بقرين من الخير وقرين من الشر:
حديث آخر؛ عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال عليه الصلاة والسلام:
(( مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ إلا وَقَدْ وُكِّلَ بِهِ قَرِينُهُ مِنَ الْجِنِّ وَقَرِينُهُ مِنَ الْمَلائِكَةِ قَالُوا: وَإِيَّاكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: وَإِيَّايَ، وَلَكِنَّ اللَّهَ أَعَانَنِي عَلَيْهِ فَلا يَأْمُرُنِي إِلا بالخير. ))
إلى هذا جاءت الإشارة، اسمعوا القرآن الكريم:
﴿ وَقَالَ قَرِينُهُ هَذَا مَا لَدَيَّ عَتِيدٌ (23)﴾
هذا حسابه، فعل كذا وكذا وكذا، هذا قرينه الملائكي معه كل أعماله:
﴿ وَقَالَ قَرِينُهُ هَذَا مَا لَدَيَّ عَتِيدٌ (23) أَلْقِيَا فِي جَهَنَّمَ كُلَّ كَفَّارٍ عَنِيدٍ (24) مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ مُعْتَدٍ مُرِيبٍ (25) الَّذِي جَعَلَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ فَأَلْقِيَاهُ فِي الْعَذَابِ الشَّدِيدِ (26)﴾
هذا أول قرين، قال قرينه الثاني الشيطان من الجن:
﴿ قَالَ قَرِينُهُ رَبَّنَا مَا أَطْغَيْتُهُ وَلَكِنْ كَانَ فِي ضَلَالٍ بَعِيدٍ (27)﴾
أنا ما أضللته، ﴿إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ﴾ ، ﴿رَبَّنَا مَا أَطْغَيْتُهُ﴾ هذه آية تؤكد أن لكل إنسان قريناً ملائكياً وقريناً شيطانياً، فالملائكي يقول لك: افعل واستقم وصلِّ وغُضّ بصرك، أما الشيطاني فيقول له: انظر هل ستأكلك؟ ماذا حدث؟ الله يتوب عليك، غداً تحج والله يغفر لك، بالحساب؛ لا تدقق، الله لن يحطّ عقله بعقلك ويحاسبك، لا تدقق، قرين الشيطان يدعوك للمعصية، ولكسب المال الحرام، والانحراف، الملائكي يقول لك: اتق الله هناك وقفة بين يدي الله، الآية واضحة: ﴿وَقَالَ قَرِينُهُ هَذَا مَا لَدَيَّ عَتِيدٌ * أَلْقِيَا فِي جَهَنَّمَ كُلَّ كَفَّارٍ عَنِيدٍ * مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ مُعْتَدٍ مُرِيبٍ * الَّذِي جَعَلَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ فَأَلْقِيَاهُ فِي الْعَذَابِ الشَّدِيدِ * قَالَ قَرِينُهُ رَبَّنَا مَا أَطْغَيْتُهُ وَلَكِنْ كَانَ فِي ضَلَالٍ بَعِيدٍ﴾ .
خدعة من أعمال السحرة للإنسان لتضليله:
الآن تسمعون أحياناً عن تحضير الأرواح، هنالك أناس مشعوذون، دجالون، سحرة، يجتمعون، يأتي شخص ساذج يسألونه: أتريد أبوك؟ يجيب: طبعاً، يقولون له: أبوك كان يعمل شرطياً، فيجيب: نعم صحيح، أبوك عمل حادثاً فأصيب برأسه، فيجيب: نعم صحيح، فيوهموه بأن أباه أتى من الآخرة، كله خلط، هؤلاء الجن يستدعون قرين أبيه الذي كان في الحياة معه، فهذه المعلومات من قرين أبيه لا من أبيه، هذه المعلومات التي يقول عنها بعضهم: تحضير أرواح أناس ميتين، ما فعلوا إلا أن استحضروا القرين الجني الذي كان مع هذا الميت، فأعطاهم بعض المعلومات لأنه كان رفيقه، هذا كل ما في الأمر.
الآن كخاتمة لهذا البحث، لابد لنا قبل أن ننتهي من أن نؤكد أن هناك ادعاءات كاذبة يقوم بها بعض مدّعي الاتصال بالجن، ويفترون على الله افتراءات ما أنزل الله بها من سلطان، فينسبون إلى الجنّ علم الغيب، وينقلون عنهم كذباً يزعمونه من علم الغيب، ويتلاعبون بعقول السذُّج من النساء وصغار العقول، لا يحبها زوجها، مُقَصرة، غير نظيفة، لا تعتني به، يقولون لك: وضعوا له مياه، لم يحبها، هي مقصرة معه.
يتلاعبون بعقول السّذج من النساء وصغار العقول، أو يدّعون قدرة الجن على النفع والضرر، والجن أنفسهم لا حول لهم ولا قوة، ولا يملكون لأنفسهم نفعاً ولا ضراً إلا أن يشاء الله، وقد بيّن القرآن أن أهل الجاهلية الذين كانوا يعوذون برجالٍ من الجن لم ينفعوهم شيئاً، بل زادوهم غيّاً وضلالاً وبعداً عن الأمن الذي يرجونه منهم، قال تعالى:
﴿ وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنَ الْإِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقًا (6)﴾
الآن ملخص البحث مهم جداً، ((من أتَى كاهنًا أو ساحرًا وصدَّقه بما يقولُ فقد كفر بما أُنزِل على محمَّدٍ)) قولاً واحداً.
عن حفصة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: عَنْ بَعْضِ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
(( عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: مَنْ أَتَى عَرَّافًا فَسَأَلَهُ عَنْ شَيْءٍ لَمْ تُقْبَلْ لَهُ صَلاةٌ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً.))
لم يصدقه ولكنه أراد أن يتسلى، كان في نزهة جاءت امرأة منجمة تعالي اضربي لنا بالودع، أعطوها كل واحد ليرة، تكلمت بكلام غير مفهوم، هذا الذي يفعل ذلك لن تُقبل له صلاة أربعين صباحاً، ولا دعاء أربعين ليلة، محجوب، هذا ما صدقه، لو أنه صدقه فقد كفر.
العلماء قاسوا على ذلك قراءة الفنجان القهوة، قادم لك قبضة مال، لك عدو الآن تاركك لكنه والله ينوي لك نية سوء، يُحمل على هذا قراءة الكف، يحمل على هذا التطيّر، التشاؤم، مثلاً: دخل لعنده زبون البيعة لم تتم البيعة، قدمه شؤم، لا، هذا كلام خلط، أعطوه رقم ثلاثة عشر، جاء دوره يوم الأربعاء، هذا كله كلام ليس له أصل من الصحة أبداً، هذا كله كفر، وشعوذة، ودجل، وسخف، وسخرية، يُحمل على هذا من فتح مجلة أسبوعية فيها حظك هذا الأسبوع، أنا بأي شهر ولدت، ولدت ببرج الثور، فتح على برج الثور فوجد له أعداء وله أصدقاء، وعنده زواج ميمون، هذا كله خلط، يُحمل على هذا أيضاً، فهؤلاء المنجمون والمنجمات، والمشعوذون والمشعوذات، والساحرون والساحرات، الذين ينسبون للجن النفع أو الضرر، ويتحدثون عنهم بالمُغيّبات إنهم كذابون دجّالون عصاة لله ولرسوله، هذا كلام واضح مثل الشمس، يُريدون أن يستولوا على المُغفلين، ضعفاء الإيمان، السّذج، البسطاء ليضلوهم، ويسلبوا منهم أموالهم-يرد الشيخ خروفاً-بغير حق، كذب المنجمون ولو صدقوا، كيف صدقوا؟ صدفة، إمّا عنده معلومات كما تحدثنا بمواضيع تقديم الساعة من هذا النوع، استرق هذا الشيطان الخبر من الملائكة أذاعه للكاهن، الكاهن تكلم به، أوهم الناس أنه يعلم الغيب، هذا إذا كان صدقوا بمعنى أنه جاءت مطابقة الواقع للخبر صدفة أو جاءت من نوع استراق الخبر، فالاستعاذة لا تكون إلا بالله، والاستعانة لا تكون إلا بالله:
﴿ إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ (5)﴾
تعقيب أخير: وإن يكن للجن شيء من القوة المادية فيما بينهم فقد صرفهم الله تعالى في مجرى العادات عن أن يكون لهم سلطان على الإنس والجن في نفعٍ أو ضرر، أي صرفهم الله عز وجل عن أن يكون لهم سلطان على الإنس والجن، إلا أن يشاء الله عزّ وجل شيئاً لحكمة أرادها.
استخلاص العِبر والحكم من القصة التالية:
الآن امرأة متزوجة فجأة قلبت لزوجها ظهر المجن، فجأة، معاملة سيئة، لؤم، تقصير، إهمال، كلام قاس، فكلما عاتبها قالت له: أنا متزوجة غيرك، كاد عقله أن يطير، من؟ تقول له: من تحت، أي رجال من الجن، لأن الجن عالمهم سفلي، والملائكة عالمهم علوي، فهذا الرجل استجار بعالم من علماء بلده، ورجاه رجاءً حاراً أن يأتي معه إلى البيت ليقنعها، ما هذه القصة؟ تقول: قد تزوجت واحد غيري، متزوجة جني! فجاء هذا العالم وجلس، طبعاً من وراء حجاب هكذا الأصول، فقال لها: يا بنيتي من تزوجتِ؟ قالت: واحد من تحت أي جني، قال: كيف علمت ذلك؟ قالت: رأيته في المنام، قال: ما شكله؟ قالت له: شيخ يلبس عمامة خضراء، قال لها: مسلم أم كافر؟ قالت له: مسلم، قال لها: غلط، أولاً:
﴿ يَا بَنِي آدَمَ لَا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ يَنْزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْآتِهِمَا إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لَا تَرَوْنَهُمْ إِنَّا جَعَلْنَا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ لِلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ (27)﴾
للإمام الشافعي قول يأخذ بالألباب، يقول: من قال إني رأيت الجن لا تقبل شهادته لأنه كذاب ومزوّر، أنصدقه أم نصدق الله سبحانه وتعالى؟ الله جلّ في علاه يقول:
﴿يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لَا تَرَوْنَهُمْ﴾ فقال لها أولاً: إنك لن تريه، ثانياً: لو أنه مسلم لما فعل هذا، لأن النبي عليه الصلاة والسلام قال:
(( عَنْ جَابِرٍ رَضِي اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى أَصْحَابِهِ فَقَرَأَ عَلَيْهِمْ سُورَةَ الرَّحْمَنِ مِنْ أَوَّلِهَا إِلَى آخِرِهَا فَسَكَتُوا فَقَالَ: لَقَدْ قَرَأْتُهَا عَلَى الْجِنِّ لَيْلَةَ الْجِنِّ فَكَانُوا أَحْسَنَ مَرْدُودًا مِنْكُمْ كُنْتُ كُلَّمَا أَتَيْتُ عَلَى قَوْلِهِ (فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ) قَالُوا: لا بِشَيْءٍ مِنْ نِعَمِكَ رَبَّنَا نُكَذِّبُ فَلَكَ الْحَمْدُ. ))
[ رواه الترمذي وقال: هذا حديث غريب ]
أي القسم المؤمن من الجن صالحون طيبون، فهذا كلام فيه افتراء، ثم قال لها: أنت مسلمة أم كافرة؟ قالت: مسلمة، قال:
﴿ إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (99)﴾
معناها أنت كافرة، لا يوجد حل وسط، لم تشاهدي الجن، وليس له عليك سلطان، وهذا الذي تدعينه ليس مؤمناً، كان الموضوع أن زوجها أسكنها مع سلفتها وهي متضايقة منه، عملت هذه الحيلة كي تنجو من ضرتها أو من البيت، أي أيضاً دجل، أيضاً قصة أنها متزوجة من جني ليس هذا صحيحاً إطلاقاً أن يتزوج رجل من الجن بامرأة من الإنس.
الحقائق التي يمكن أن نستنبطها من سورة الجن:
1- الجن لا يملكون للإنسان نفعاً أو ضراً:
أهم ما في الموضوع أن الله سبحانه وتعالى يقول في سورة الجنّ بالذات:
﴿ قُلْ إِنَّمَا أَدْعُو رَبِّي وَلَا أُشْرِكُ بِهِ أَحَدًا (20)﴾
فالعلماء قالوا: الشرك هنا أن تعتقد بأن الجن ينفعون أو يضرون، ثم يقول عزّ وجل في السورة نفسها:
﴿ قُلْ إِنِّي لَا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلَا رَشَدًا (21)﴾
اسمعوا يا إخوان؛ إذا كان النبي عليه الصلاة والسلام وهو حبيب الحق، وسيد الخلق، وسيد ولد آدم، وأعلى مخلوق في الكون، إذا كان النبي لا يملك نفعاً ولا ضراً أفيملك النفع والضر الجنّ؟ أين جاءت هذه الآية؟ في سورة الجن، لماذا؟ ليُعْلِمنا الله سبحانه وتعالى إذا كان هذا حال حبيبي أفيعقل أن يكون للجن على الإنسان سلطان؟
﴿ قُلْ إِنِّي لَا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلَا رَشَدًا (21) قُلْ إِنِّي لَنْ يُجِيرَنِي مِنَ اللَّهِ أَحَدٌ وَلَنْ أَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَدًا (22)﴾
﴿ قُلْ إِنْ أَدْرِي أَقَرِيبٌ مَا تُوعَدُونَ أَمْ يَجْعَلُ لَهُ رَبِّي أَمَدًا (25) عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا (26)﴾
هذه الآيات كلها وردت في سورة الجنّ من أجل أن يؤكد الله لنا أن موضوع الجن لا يملكون نفعاً ولا ضراً، ولا يعلمون الغيب، ولا يملكون إلا شيئاً واحداً الوسوسة الخفية، فإذا قلت: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم انتهى كل شيء، معلومات دقيقة جداً مأخوذة من كل آيات الشياطين في القرآن الكريم.
2- على قدر الطاعة لله لا يقترب منك الشيطان وعلى قدر المعصية يقترب منك:
قال تعالى:
﴿ إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْا مِنْكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطَانُ بِبَعْضِ مَا كَسَبُوا وَلَقَدْ عَفَا اللَّهُ عَنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ (155)﴾
الإنسان عندما يرتكب معصية يصبح قريباً من الشيطان، فإذا أطاع الله عزّ وجل يصبح الشيطان بعيداً عنه، لذلك:
(( اسْتَأْذَنَ عُمَرُ بنُ الخَطَّابِ علَى رَسولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، وعِنْدَهُ نِسْوَةٌ مِن قُرَيْشٍ يُكَلِّمْنَهُ ويَسْتَكْثِرْنَهُ، عَالِيَةً أصْوَاتُهُنَّ علَى صَوْتِهِ، فَلَمَّا اسْتَأْذَنَ عُمَرُ بنُ الخَطَّابِ قُمْنَ فَبَادَرْنَ الحِجَابَ، فأذِنَ له رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ فَدَخَلَ عُمَرُ ورَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يَضْحَكُ، فَقَالَ عُمَرُ: أضْحَكَ اللَّهُ سِنَّكَ يا رَسولَ اللَّهِ، فَقَالَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: عَجِبْتُ مِن هَؤُلَاءِ اللَّاتي كُنَّ عِندِي، فَلَمَّا سَمِعْنَ صَوْتَكَ ابْتَدَرْنَ الحِجَابَ، فَقَالَ عُمَرُ: فأنْتَ أحَقُّ أنْ يَهَبْنَ يا رَسولَ اللَّهِ، ثُمَّ قَالَ عُمَرُ: يا عَدُوَّاتِ أنْفُسِهِنَّ أتَهَبْنَنِي ولَا تَهَبْنَ رَسولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ؟ فَقُلْنَ: نَعَمْ، أنْتَ أفَظُّ وأَغْلَظُ مِن رَسولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فَقَالَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: إيهًا يا بْنَ الخَطَّابِ، والذي نَفْسِي بيَدِهِ ما لَقِيَكَ الشَّيْطَانُ سَالِكًا فَجًّا قَطُّ إلَّا سَلَكَ فَجًّا غيرَ فَجِّكَ. ))
على قدر طاعتك يبعد عنك الشيطان، على قدر المعصية يقترب منك الشيطان، هذه واحدة.
3- إذا جاءك خاطر خوف من الطاعة لله فهذا من الشيطان ليبعدك عنه:
الشيء الثاني: ﴿إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ﴾ حينما تأتيك خواطر الخوف من طاعة، لا تصلي أحسن لك، لا تدفع زكاة مالك، الآن الأمر صعب، يقول لك: جمِّد موضوع الزكاة الآن، هذا تخويف، هذا من الشيطان: ﴿إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ﴾ .
4- حيل الشيطان وخداعه للإنسان:
﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلَالًا طَيِّبًا وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ (168)﴾
الشيطان ذكي، لن يأمرك بالزنا، يأمرك بإطلاق البصر أولاً، ثم بالسلام، ثم ببعض عبارات الثناء، ثم ينتهي الأمر إلى الزنا، ﴿وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ﴾ يأمر المرأة أن تكشف عن وجهها فقط، ضاق نفسها سوف تختنق، فقط تضع نظارات، تضع منديلاً تربطه بدبوس، ثم يُحلّ الدبوس يظهر أنفها، ثم تنزع النظارات صرنا كباراً في السن، ثم تعمل غطاء، ثم ينزل الغطاء إلى الوراء، ثم ينزع نهائياً، تقول لك: المنظر سيئ، الشيطان خطوة خطوة، بأكل المال الحرام، بالاختلاط بالنساء، بأي شيء خطوة خطوة، الشيطان ذكي يعرفك مؤمناً لا يقترب منك، أما إذا وجد ضعفاً يعطيك معصية مخففة جداً، شيء بسيط جداً، سلِّم ليس من الجميل أن يقولوا عنك: متوحش؟! قل لها: السلام عليكم، سلّم عليها، تكون موظفة معه كيف الصحة؟ ثم أحضر لها شطيرة، ثم صار هناك علاقة: ﴿وَلا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ﴾ .
﴿ وَالَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ رِئَاءَ النَّاسِ وَلَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَنْ يَكُنِ الشَّيْطَانُ لَهُ قَرِينًا فَسَاءَ قَرِينًا (38)﴾
إما أن تتبع قرين الملائكة أو قرين الشياطين، لكن تأكد:
﴿ الَّذِينَ آمَنُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ فَقَاتِلُوا أَوْلِيَاءَ الشَّيْطَانِ إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا (76)﴾
لماذا بدأ الله بشياطين الإنس قبل الجن؟
أريد أن أقول كلمة واحدة في آية حيرتني، قال تعالى:
﴿ وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ (112)﴾
لماذا بدأ الله بشياطين الإنس؟ لأنهم أشدّ إيذاءً من شياطين الجن، ربنا قال: ﴿إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا﴾ أما ربنا قال:
﴿ فَلَمَّا رَأَى قَمِيصَهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ قَالَ إِنَّهُ مِنْ كَيْدِكُنَّ إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ (28)﴾
فالمرأة الشيطانة كيدها أعظم من كيد الشيطان الجني.
الأماني والغرور الذي يعده الشيطان للإنسان:
﴿ يَعِدُهُمْ وَيُمَنِّيهِمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلَّا غُرُورًا (120)﴾
هناك إنسان ارتكب جريمة، وسرق مبلغاً ضخماً، ماذا يَعِده الشيطان؟ يشتري بيتاً، يشتري سيارة، يعيش في بحبوحة، يُسافر، بعد ساعتين يتم القبض عليه، بعد شهر يشنق، ﴿يَعِدُهُمْ وَيُمَنِّيهِمْ وَمَا يَعِدُهُمْ الشَّيْطَانُ إِلا غُرُورًا﴾ كلما رأيت شخصاً واقعاً بأزمة كبيرة وكان عاصياً هذا من عمل الشيطان، طبعاً لا تقولها له:
﴿ وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ وَإِمَّا يُنْسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلَا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (68)﴾
إذا نسي الإنسان أن يصلي معنى هذا أن شيطانه ذو قوة، يقول لك: والله نسيت.
﴿ وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ وَقَالَ لَا غَالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ وَإِنِّي جَارٌ لَكُمْ فَلَمَّا تَرَاءَتِ الْفِئَتَانِ نَكَصَ عَلَى عَقِبَيْهِ وَقَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكُمْ إِنِّي أَرَى مَا لَا تَرَوْنَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ وَاللَّهُ شَدِيدُ الْعِقَابِ (48)﴾
مهمته تزيين العمل السيئ.
﴿ يَا أَبَتِ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يَمَسَّكَ عَذَابٌ مِنَ الرَّحْمَنِ فَتَكُونَ لِلشَّيْطَانِ وَلِيًّا (45)﴾
إذا جاءت للإنسان مصيبة، لم يكن إيمانه قوياً يوالي الشيطان، يقول لك: والله في الكون لا يوجد رحمة، ولا يوجد عدالة، يكون الله عز وجل ساق له الشيء بحسب ما يستحقه بالضبط.
الملف مدقق