- الحديث الشريف / ٠1شرح الحديث الشريف
- /
- ٠2دروس جامع الاحمدي
الحمد لله رب العالمين, والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين.
دعوة شكر :
أيها الأخوة الكرام, بادئ ذي بدء: أشكر جزيل الشكر فضيلة الشيخ سعيد, على هذه الكلمة الترحيبية, وأسأل الله سبحانه وتعالى: أن يكون الدعاة في بلاد المسلمين؛ متعاونين متحابين, فهذا يؤكد إخلاصهم, أما إذا تنازعوا, وتنافسوا, فهذا يؤكد عدم إخلاصهم, والله سبحانه وتعالى يقول:
﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ﴾
ما لم يكن انتماؤك إلى مجموع المؤمنين, ففي الإيمان خلل:
﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ﴾
وإنما: أداة قصر وحصر, فانتماء الإنسان المؤمن في حقيقته إلى مجموع المؤمنين, والله سبحانه وتعالى يقول, والنبي عليه الصلاة والسلام يقول:
((يد الله مع الجماعة, ويد الله على الجماعة, وعليكم بالجماعة, وإياكم والفرقة, فإن الشيطان مع الواحد, وهو من الاثنين أبعد, وإنما يأكل الذئب من الغنم القاصية))
ماذا لو عرف المؤمن ربه ....؟ :
أيها الأخوة الكرام, نحن في سوق تجاري, من أشهر أسواق دمشق, والحقيقة: أن الإنسان بعد أن يعرف الله سبحانه وتعالى, أن المؤمن إذا عرف الله سبحانه وتعالى, لا شيء يشغل باله, إلا معرفة أمره ونهيه.
المؤمن بالكون يعرف الله, وبالشرع يعبده, أما إذا عرفت الله من خلال الكون, إذا تأملت في خلق السموات والأرض, إذا نظرت في ملكوت السموات والأرض, إذا تأملت في آيات الله في الآفاق, في آيات الله في النفس, واستقرت حقيقة الإيمان في نفسك, أن لهذا الكون إلهاً عظيماً, واحداً, كاملاً, رحيماً, عليماً, إلى آخر أسماء الله الحسنى .......
إن استقرت هذه الحقيقة في نفسك, تجد نفسك مندفعاً اندفاعاً لا حدود له, إلى معرفة الأمر والنهي .
هذه الآيات التي تعرف المؤمن بمنهج ربه :
في القرآن الكريم: آيات تعرف المؤمن بربه, وآيات تعرف بمنهجه, من الآيات التي تعرف بمنهج الله عز وجل, قوله تعالى:
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا﴾
وكلكم يعلم: أن الله سبحانه وتعالى يخاطب عامة الناس بأصول الدين, إلا أنه يخاطب المؤمنين بفروع الدين, هذا المؤمن عرف الله, إذاً: يجب أن يتلقى عن الله الأوامر التفصيلية:
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ﴾
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ﴾
منزلقان خطيران يؤتى منهما المؤمن هما :
أيها الأخوة الكرام, لو أخذنا ألف مسلم, كم واحد منهم يقتل؟ كم واحد منهم يزني؟ كم واحد منهم يشرب الخمر؟ قلة قليلة, لكن الذي يقع في أموال الناس بالباطل كثرة كثيرة, هناك منطقتان كبيرتان, يؤتى منهما المؤمن؛ منطقة النساء, ومنطقة الأموال, أكثر المعاصي تتعلق بالنساء وبالأموال, لذلك: ورد في القرآن الكريم, وفي السنة المطهرة أحكام كثيرة, كثيرة, متعلقة بالأموال.
الإنسان إذا ترك قتل النفس, وشرب الخمر والزنا, الأشياء التي يمكن أن يقع فيها المنزلقات, التي يقع فيها كل يوم, أن يأكل مالاً فيه شبهة, أن يأكل مالاً بالباطل, وهو لا يدري أو يدري, لكن كسب المال منزلق خطير, لذلك قال سيدنا عمر:
((تفقهوا قبل أن تدخلوا السوق, لأنه من دخل في السوق دون تفقه, ربما أكل الربا شاء أم أبى))
هل خطر في بالك هذا السؤال؟ :
الآية الكريمة:
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ﴾
ألم تسألوا هذا السؤال: لم لم يقل الله عز وجل: يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا أموال غيركم, أموال أخوانكم, أموال الآخرين, أموال الناس؟ لم قال: يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم؟ هل يعقل: أن آخذ مئة ليرة من جيب, أضعها في جيب؟ هل يعد هذا أكلاً للمال؟ لكن علماء التفسير قالوا:
((يجب أن تعد مال أخيك مالك من زاوية واحدة, مال أخيك هو مالك, لا من زاوية أن تأكله, من زاوية أن تحافظ عليه, فلأن تمتنع عن أكله من باب أولى))
متى تنقلب الأعمال إلى عبادات؟ :
أيها الأخ الكريم, أنت مأمور من قبل الله, أن تعد مال أخيك مالك, مال هذا الزبون, أليس مسلماً؟ أليس من عامة المسلمين؟ ألم يأت ليشتري من عندك شيئاً؟ المال الذي بحوزتك هو مالك, لكن ليس من كل الزوايا, من زاوية واحدة, من زاوية وجوب المحافظة عليه, أنت لست مكلفاً أن تأكله, أنت مكلف أن تحافظ عليه, فلأن تمتنع عن أكله من باب أولى, فإذا كنا مؤمنين حقاً, إذا كنا مسلمين حقاً, إذا أخلصنا لله عز وجل, ربما انقلبت حرفتنا إلى عبادة.
أيها الأخوة, الأعمال التي يفعلها معظم الناس بدافع حبهم للمال, من ضرورتهم له, الأعمال التي يفعلها معظم الناس, يفعلونها بحكم وجودهم, واستمرار وجودهم, هذه الأعمال إذا رافقتها نوايا طيبة, انقلبت إلى عبادات.
من يصدق: أنك إذا تاجرت, أو فتحت محلك التجاري, ونويت خدمة المسلمين, وحل مشكلاتهم, وتوفير السلع لهم بأسعار معتدلة, وكنت لطيفاً معهم, ورحمتهم, أنك في محلك التجاري تعبد الله عز وجل؟ لذلك الآية الكريمة:
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ﴾
قال العلماء: (بينكم): يعني: هذه الكتلة النقدية التي بين أيدي الناس, إن كانت موزعة بينهم جميعاً, فهذا متطابق مع منهج الله, الكتلة النقدية إذا كانت موزعة بين أيدي الناس جميعاً, فهذا مما يشير إلى صحة المجتمع, أما هذه الكتلة إذا تجمعت في أيد قليلة, وحرمت منها الكثرة الكثيرة, كان هلاك المجتمعات.
ما البلاء الذي ينزل على الأمة المسلمة إن لم ينفقوا أفرادها من أموالهم؟ :
قال تعالى:
﴿وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ﴾
إن لم تنفقوا, الأموال إذا تجمعت بأيد قليلة, وحرمت منها الكثرة الكثيرة, وصار هناك تفاوتاً كبيراً بين الأغنياء والفقراء, الفقر ولد حقد, الفقر ولد جريمة, الفقر ولد اضطراب حبل الأمن, الفقر ولد شقاء, الفقر ولد مآسي.
وقد ورد عن سيدنا علي أنه:
((كاد الفقر أن يكون كفراً))
والغنى الشديد ولد بطر, ولد كبر, ولد استعلاء, ولد إسراف, ولد تبذير, أما إن كانت هذه الكتلة موزعة بين أفراد الأمة جميعاً, كان الوضع سليماً, والصحة الاجتماعية سليمة, لذلك:
﴿لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ﴾
مال أخيك مالك, من زاوية وجوب الحفاظ عليه, أنت لست مكلفاً أن تأكله, أنت مكلف عكس ذلك, أنت مكلف أن تحافظ عليه, من هنا: التاجر ينصح المؤمنين, ينصحهم, يوفر لهم أفضل الحاجات, بأقل الأسعار, هذا من أعماله الصالحة.
كلمة لسيدنا عيسى عليه الصلاة والسلام:
لسيدنا عيسى عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة والسلام كلمة رائعة, قال:
((ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان))
ما كل الربح, قال: هناك ربح؛ أن تربح رضوان الله, أن تربح محبة الله لك, أن تربح آخرتك, أن تربح قبرك؛ إما أن يكون روضة من رياض الجنة, وإما أن يكون حفرة من حفر النيران .
من أساليب أكل مال الناس بالباطل :
قال تعالى:
﴿لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ﴾
أن تأكلها بالباطل, أن تأكلها بغير حق, فإذا قدمت سلعة لوصف, وهي ليست كذلك, هذا الوصف غير المطابق للحقيقة, هذا أكل أموال الناس بالباطل, هو لماذا اشترى هذه القطعة من القماش؟ على أنها صنع بريطانيا, ﺇنكليزي يقول لك, فإن لم تكن كذلك, هو دفع ثمن بضاعة ذات منشأ معين, فإن أعطيته بضاعة ذات منشأ آخر, أنت أكلت ماله بالباطل.
يعني: آلاف عشرات ألوف الأساليب, التي يأكل بها الإنسان أموال الناس بالباطل؛ الكذب, التدليس, إخفاء العيب, الاحتكار, الاستغلال, هذه كلها تدعو إلى أكل أموال الناس بالباطل:
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ﴾
أما حينما تشتري سلعة بسعر, وتبيعها بسعر أعلى, أنت أكلت أموال الناس, لكن هذا الأكل سمح به الشرع, ليس بالباطل, بالحق, نظير استيراد هذه البضاعة, وانتقاء هذه البضاعة, ودفع ثمن هذه البضاعة, وتخليص هذه البضاعة, وعرض هذه البضاعة, وتوزيع هذه البضاعة, بذلت جهداً كبيراً, وفرت الحاجات للناس, فإذا بعت البضاعة بأعلى ما اشتريتها, فهذا الأكل بالحق لا بالباطل:
﴿إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ﴾
يعني: هذا الذي يشتري, إذا كُشف له, أو كشف هو أصل البضاعة, ومنشأها, وصفاتها, وسعرها, ورآك ربحت ربحاً معقولاً نظير هذه الخدمة, يمتن منك ويرضى, أما إن رأى أنه قد ربحت عليه أضعافاً مضاعفة فاحشة, أو أعطيته بضاعة سيئة, أو أوهمته بصفات ليست فيها, أو صار هناك غبن في الثمن, أو في الكيل, أو في الوزن, أو في المساحة, هذا كله يجعل أكل أموال الناس بالباطل, لذلك:
((أطب مطعمك, تكن مستجاب الدعوة))
((أطب مطعمك, تكن مستجاب الدعوة))
قصة لها مغزى :
أنا زرت شخص, والد صديق لي توفي -رحمه الله-, كان عمره ستة وسبعين عاماً, زرته في العيد, قال لي بالحرف الواحد, قال لي: والله عملنا تحليل كامل, الحمد لله كله طبيعي, تحليل كامل؛ الشحوم, الكوليسترول, الأسيد أوريل, كل أنواع التحاليل كاملة, ثم قال لي, قال لي: والله في حياتي كلها, ما أكلت درهماً حراماً, وما عرفت الحرام بالنساء.
((من اتقى الله وقاه, ومن حفظ الله في صغره, حفظه الله في كبره, ومن تقصى الحلال, بارك الله في ماله الحلال))
لا تبال, بال أن يكون هذا الدرهم حلالاً, أن تأخذه من وجد حلال, بطريقة مشروعة, مقابل ربح حلال, بضاعة مشروعة؛ لا فيها كذب, لا فيها تدليس, لا فيها غش, لا فيها إيهام, لا فيها غبن؛ لا بالسعر, ولا بالوزن, ولا .......
لماذا تقيس القماش إذا اشتريته مرخياً, أما إذا بعته مشدوداً؟ لماذا؟ يجب أن تقيس القماش في البيع والشراء على حد سواء.
فهذه الآية تعد من الآيات الدقيقة جداً في كسب الأموال, لا تأكل مال الآخرين بالباطل, لأنه في الأصل مالك.
هذا ما أضافه علماء التفسير لمعنى هذه الآية :
في معنى آخر أضافه علماء التفسير: أنك إن أكلت مال أخيك أضعفته, وإن أضعفته, أنت ملزم به, أضعفت نفسك, لأن المؤمنين كتلة واحدة, جسد واحد.
((إن اشتكى منه عضو, تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى))
أنت إن أكلت مال أخيك وأضعفته, أضعفت نفسك, أخوك أنت ملزم به, إن قوي أخوك, فأنت في خير, وإن ضعف أخوك, فأنت في مشكلة.
إذاً: إن أكلت ماله, فكأنما أكلت مالك, الذي حوله أقرباء, إن كانوا أقوياء, وأغنياء يرتاح, وإن كانوا فقراء وضعفاء, يلقون عليه ثقلاً كبيراً, هذا معنى آخر:
﴿لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ﴾
هذا ما ورد في صحيح البخاري :
أيها الأخوة الكرام, أريكم نموذجاً من أصحاب رسول الله رضوان الله تعالى عليهم.
ورد في صحيح البخاري, أن عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه, لما قدم المدينة, آخى النبي صلى الله عليه وسلم بينه وبين سعد بن الربيع.
وبالمناسبة: ماذا يمنع, ونحن في آخر الزمان: أن يتآخى المسلمان اثنين اثنين؟.
أنت اصطف من المسجد أخ واحد, اجعله أخاً لك في الله, تفقده؛ تفقد مجيئه, زره, تفقد شؤونه, إن مرض عده, إن أصابه غم فرج عنه, إن أصابته مصيبة عزه, إن استقرضك أقرضه, إن استعان بك أعنه, اصطف أخ, فالنبي هكذا فعل, والنبي قال:
((تآخيا اثنين اثنين))
أنا لا أقول لك: آخ عشرة, واحد, اتخذ من أخوان المسجد أخاً واحداً, واجعله أخاً في الله, إن لم يحضر الدرس, اسأل عنه, اتصل به هاتفياً في العيد, زره إن أنجب مولوداً, بارك له, وقدم له هدية, إن تزوج أعنه, إن مرض عده.
((تآخيا اثنين اثنين))
هكذا فعل النبي عليه الصلاة والسلام, الله يحبنا مجتمعين, يحبنا متحابين, يحبنا كتلة واحدة.
يعني: تفضل أستاذنا الكريم ...........
في غزوة تبوك, النبي سأل عن صحابي, في شخص لمز وغمز به, فقام أحد الصحابة قال:
((والله يا رسول الله, لقد تخلف عنك أناس, ما نحن بأشد حباً لك منهم, ولو علموا أنك تلقى عدواً, ما تخلفوا عنك, سر النبي عليه الصلاة والسلام من هذا الدفاع))
المفروض: هذا المسلم ينبغي أن تدافع عنه, أن تكون له حصناً منيعاً.
فالنبي عليه الصلاة والسلام: آخى بين عبد الرحمن بن عوف المهاجر, وسعد بن الربيع الأنصاري.
طبعاً: سيدنا سعد بن الربيع كان من أثرياء الصحابة, عرض على عبد الرحمن بن عوف نصف ماله, اختر أحد البستانين, اختر أحد الدكانين هكذا, نصف ماله, والشيء الذي لا يصدق: أنه بقدر ما كان الأنصار أسخياء, بقدر ما كان المهاجرون أعفة, الشيء الجميل الأول سخي, والثاني عفيف, عرض عليه نصف ماله, أحد بستانيه, أحد دكانيه, فما كان من عبد الرحمن بن عوف, إلا أن قال له:
((بارك الله لك في مالك, ولكن دلني على السوق, دلني على السوق, فدله على سوق قينقاع, قال: فغدا إليه عبد الرحمن, فأتى بإقط وسمن, ثم تابع الغدو, فما لبث أن جاء عبد الرحمن, عليه أثر صفرة, -معنى أثر صفرة: أي طيب له رائحة ولون-, فقال له النبي عليه الصلاة والسلام: تزوجت يا عبد الرحمن؟ قال: نعم, تاجر, وربح, وتزوج))
يعني: إذا كان إنسان دخل السوق, بنيته أن يجبر الله كسره, وأن يرزقه رزقاً حلالاً, وكان مستقيماً, حق على الله عز وجل أن يرزقه.
ما الهدف من ذكر هذه القصة؟ :
مرة كنت في سفر إلى الساحل, رأيت مسجداً رائعاً قبيل جبلة, دخلت لأصلي فيه, فإذا رجل يدعوني إلى شرب فنجان قهوة, دخلت إلى غرفته الخاصة في المسجد, فإذا هو الذي بنى المسجد, ذكر لي, قال لي: والله الذي لا ﺇله إلا هو قبل كذا عام, أنهيت الخدمة الإلزامية, ولا أملك قرشاً واحداً, إلا إنني أردت أن أسافر, وأخذت من أختي قطعة ذهب, بعتها بثلاثمئة ليرة, واشتريت بها بطاقة طائرة, سافرت بها إلى الخليج, هذا الرجل يقسم -وهو حي يرزق-: أنه في الطائرة ما تكلم, ولا حرك شفتيه, إلا أنه خطر في باله: أن الله إذا أكرمه, سيبني لله مسجداً, أقسم بالله: أنه ما ذكر هذا بلسانه, فقط خاطر, وأقام فترة من الزمن هناك, وأكرمه الله إكراماً شديداً, وأتى بخمسة دونمات في جنوب جبلة, وأراد أن ينشىء مسجداً, لا يوجد موافقة, لأن المنطقة زراعية, والقوانين تمنع, قابل محافظ طرطوس, قال له: عمر, وأنشأ المسجد, وهو في حالة رضية جداً.
على اختيار: إنسان دخل السوق, بنية أن يكسب مالاً حلالاً, يكفي به نفسه, ويكفي به أولاده, وأحد الصحابة يقول:
((حبذا المال, أصون به عرضي, وأتقرب به إلى ربي))
الصحابي الجليل -وأظن أبا ذر-, أعطى وظيفتين للمال كبيرتين:
((أصون به عرضي))
عندك زوجة, عندك أولاد؛ تطعمهم, تكسوهم, تسكنهم في بيت مريح, هذا الهدف هدف نبيل, ثم تنفع المسلمين, في فقراء, في مساكين, في أرامل, في إنسان بحاجة لعملية جراحية.
إذا أردت أن تسعد فأسعد الآخرين :
مرة زرت شخصاً, أجرى عملية في قلبه, زرته قبل العملية, رأيت الحزن والأسى مخيماً على البيت, اتصلت به امرأة محسنة عبر الهاتف, قالت له: اذهب إلى الطبيب الفلاني, وقد أمن تلك إجراء عملية مجاناً, الطبيب قال له: العملية غداً, والعملية نجحت, وبعد حين زرته في البيت, والله وجدت أولاده يكادون يرقصون من شدة الفرح.
الإنسان ......
((إذا أردت أن تسعد, فأسعد الآخرين))
لم ينتبه أحد لسر السعادة, يظن إذا أكل طعاماً طيباً يسعد, لا, إذا كان سكن في بيت فخم, يزداد سعادة, لا, هذا البيت يمل بعد حين, كل شيء له بريق, يفقد بريقه بعد حين, إذا دخل إنسان لبيت واسع, يُدهش به, أما صاحب البيت غير مدهوش, إن ركبت مركبة فاخرة, تُدهش بها أول مرة, أما صاحبها غير مدهوش, طبيعة الدنيا أنها في هبوط.
فالمؤمن إذا أراد أن يسعد حقيقة, عليه أن يسعد الآخرين.
أين وردت هذه القصة؟ :
فسيدنا سعد بن الربيع قال له:
((نعم تزوجت, قال: ومن تزوجت؟ قال: امرأة من الأنصار, قال: كم سقت لها مهراً؟ قال: زنة نواة من ذهب, أو نواة من ذهب, فقال له النبي عليه الصلاة والسلام: أولم ولو بشاة))
هذا في صحيح البخاري, معنى سعد بن الربيع: عفته, وترفعه عن مال الآخرين, عبد الرحمن بن عوف, ونيته العالية في كسب المال الحلال, جاء إلى المدينة لا يملك شيئاً, باع ﺇقطاً, -هذا لبن مجفف- وسمن, بعد حين كسب مالاً, تزوج امرأة, تعطر, سأله النبي, قال:
((تزوجت من؟ امرأة من الأنصار؟ كم سقت لها؟ قال: نواة من الذهب, قال له: إذاً: أولم بشاة))
هذا ما ذكر :
أيها الأخوة, النبي عليه الصلاة والسلام ذكرت هذا من قبل.
ورد في بعض الأحاديث:
((أن أطيب الكسب كسب التجار؛ الذين إذا حدثوا لم يكذبوا, وإذا وعدوا لم يخلفوا, وإذا ائتمنوا لم يخونوا, وإذا اشتروا لم يذموا, وإذا باعوا لم يطروا, وإذا كان لهم لم يعسروا, وإذا كان عليهم لم يمطروا))
لا يمطر, ولا يعسر, ولا يمدح, ولا يذم, ولا يخون, ولا يكذب, ولا يخلف الوعد, إن كنت كذلك, فأنت من أطيب التجار.
((والتجار مع النبيين والصديقين يوم القيامة))
نقطة :
في نقطة قلما ينتبه الناس إليها, وهي في الحديث الصحيح: ورد في سنن أبي ماجة, يقول عليه الصلاة والسلام:
((من باع داراً أو عقاراً, فلم يجعل ثمنه في مثله, كان قمناً ألا يبارك فيه))
أحياناً: الإنسان يبيع بيتاً, لا يشتري بيتاً آخر, يبيع محلاً تجارياً, لا يشتري مكانه محلاً آخر, في ثوابت, لها قيمة كبيرة جداً, قد ينفق ثمن هذا البيت خلال سنتين وانتهى الأمر, خسر البيت.
يعني: شخص أعرفه, أراد أن يسافر إلى الزائر, عنده بيت قال: معقول جمد هذا البيت خمس سنوات, فباع البيت, ووضع ثمنه عند رجل, عاد بعد خمس سنوات, البيت صار ثمنه عشرة أمثال, والمبلغ ربح بالمئة خمسة.
فدققوا في هذا الحديث: ورد في حديثين, يقول:
((من باع -الثاني في مسلم, والأول عند أبي ماجة-, من باع داراً, ولم يجعلها ثمنها في مثلها, لم يبارك له فيها))
يعني: القيم الثابتة: هذه لأولادك, ولذريتك من بعدك, بيت تسكنه دكان, تعمل بها هذه الثوابت, لا ينبغي أن تفرط بها لسبب طارئ.
فالإنسان, هذا توجيه النبي عليه الصلاة والسلام, ورد هذا في حديثين.
ينبغي أن تعلم هذا :
أيها الأخوة, هناك أحاديث كثيرة حول قواعد التجارة, والبيع, والشراء, هذه الأحاديث من فرض العين, لأن الإنسان إذا تاجر, معرفة أحكام البيع والشراء, فرض عين عليه.
الحقيقة: هناك علم ينبغي أن يُعلم بالضرورة, وهناك علم فرض كفاية.
أنت إذا كنت تاجراً, فمعرفة أحكام البيع والشراء, فرض عين عليك, لأنه في مزالق كثيرة جداً, المرأة غير هكذا.
قال:
((المرأة إذا صلت خمسها, وصامت شهرها, وأطاعت زوجها, وحفظت نفسها, دخلت جنة ربها))
أما أنت رجل تكسب المال, آلاف المنزلقات في كسب المال.
أحياناً: كذبة واحدة, تجعل البيع حراماً.
لا تغش أحداً :
حدثني أخ, يبيع قطع تبديل, قال لي: قطعة ثمنها عشرون ألف, بقيت خمس سنوات, نرحلها من جرد إلى جرد, جاء زبون طلبها, قال لي: فرحت أشد الفرح, صعدت إلى السلم لأناوله إياها, سألني وأنا على السلم: أصلية؟ هي ليست كذلك, قال لي: شعرت بصراع, إن قلت له: ليست أصلية لا يشتريها, آثرت رضاء الله عز وجل, قلت له: لا ليست أصلية, قال له: هات كلمة كلمة, قال له: ليست أصلية, قال له: هات البيع حلال, لو قال له: أصلية, حرام البيع.
فأحياناً كلمة, تقلب الصفقة إلى صفقة, محرمة, كذب, تدليس, لا تغش أحداً:
﴿إن اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ﴾
طبق شرع الله ولا تخف على رزقك :
كان في محل بآخر الحمدية, يبيع عصير على اليمين, الآن: غير أعتقد المصلحة, معقول إنسان إذا أذن الظهر, يغلق, يذهب على الأموي, معقول ينتظرونه حوالي ثلاثين رجل, ينتظرونه, اذهبوا صلوا معه, ينتظرونه حتى يعود, لا يوجد إنسان يطبق شرع الله, هكذا بقوة, إلا الله عز وجل يريه من آياته.
يعني: أنت أقم منهج الله, ولا تعبأ بأحد, تجد هذا الذي تساومه, يأتيك فرعناً, أنت كن صادقاً معه, وكن مخلصاً لله, ولا تبدل, ولا تغير, الله عز وجل يلقي في قلبه رغبة في هذه البضاعة .
هذا ما أعرفه عن هذا الرجل :
أنا أعرف رجلاً, وأنا أعرفه ولا أزكي على الله أحداً, يدفع ثلث دخله, ثلث دخله لله غير الزكاة, الثلث ثلاثون بالمئة, يبيع بضاعته في بقاع بالعالم كثيرة.
يقول لي: شخص بجدة, نبيع –مثلاً- عشر قطع من إنتاجه, لنبيع قطعة ﺇفرنسية, ما هذا السر؟ ليست أوروبية, الأوروبي أجمل, وأتقن, وأرخص, قال لي: نبيع عشرة لنبيع واحدة.
قال له:
((أنفق بلالاً ولا تخش من ذي العرش إقلالاً))
((أنفق أُنفق عليك))
الإنسان إذا ما عامل الله معاملة مباشرة.
خاتمة الحديث :
أعرف رجلاً, عمر بناء, وصدقوني: القصة صعب تتصدق, مئة وحدة سكنية, والقصة من عشرين سنة, وما طوبت إلى الآن.
إنسان اشترى بيت ثلاثين ألف, صار ثمنه اثنا عشر مليون, لكن لم يطوب, عرضوا عليه كل بيت مليون, لكن طوب لنا, مليون.
يقسم لي بالله العظيم, -أحد أخواننا من الحريقة-, من هنا أنه هو كان الوسيط, عرضوا عليه مئة مليون ليرة, لكن طوب لنا, لكن هو ليس سبباً بعدم الطابو, لما صار في إمكان يطوب, جمعهم جميعاً ............... والحمد لله رب العالمين.
بسم الله الرحمن الرحيم, الحمد لله رب العالمين, والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين.
اللهم أعطنا ولا تحرمنا, أكرمنا ولا تهنا, آثرنا ولا تؤثر علينا, أرضنا وارض عنا, وجزى الله عنا سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ما هو أهله, وجزى عنا أستاذنا الجليل ما أهله, والحمد لله رب العالمين, الفاتحة.